في خضم الحوارات والمناكفات المستمرة في القضايا السياسية خلال الأشهر الماضية، تراجعت الأولويات التنموية مثل التعليم والصحة والمياه والطاقة والزراعة والتنمية المحلية في كثير من منابر العمل الوطني، ولكن الحقيقة الرئيسة أنه لا يمكن تحقيق تقدم في اي نوع من الإصلاح السياسي والاقتصادي بدون التصدي الفعال لتحديات التنمية في الأردن.
قام موقع “حبر” الإلكتروني مشكورا بتقديم منظومة من المؤشرات والمعلومات المثيرة للاهتمام حول تراجع قطاع التعليم في الأردن، بالرغم من كل “الاهتمام” النظري الذي يحظى به هذا القطاع والمبادرات المختلفة والتي يبدو أنها إما غير قادرة على التصدي لحجم المشاكل الموجودة أو أنها لا تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
على سبيل المثال تشير دراسة الموقع إلى تراجع ترتيب الأردن بحسب نتائج الدراسة الدولية لقياس أداء الطلبة في الرياضيات والعلوم TIMSS لعام 2011، إذ تراجع في الرياضيات مرتبتين عالمياً وأربع مرتبات عربيًا (من المرتبة الثانية الى السادسة) مقارنة بنتائج 2007. أما بالنسبة للعلوم، تراجع مستوى الأردن ثماني مرتبات عالمياً ومرتبتين عربياً (من المرتبة الأولى الى الثالثة)، أيضاً مقارنة بعام 2007. هذا المؤشر بالذات كان مصدر فخر للأردن حيث قامت الحكومة ولا زالت باستخدام نتائج 2007 كدليل على تقدم نوعية التعليم، ولكن الحاجة الآن ماسة لإعادة النظر في التوجه الذي يبدو متراجعا.
هذا المؤشر قد يبدو مرتبطا ايضا بمؤشر مهم آخر وهو نسبة الانفاق على التعليم والتي كانت من أعلى النسب ليس في العالم العربي فقط بل كافة الدول النامية. وفي واقع الأمر تدني الانفاق على التعليم العام (المدرسي) من 11% الى 8ر9% بين عامي 2000 و2011 بالرغم من زيادة الموازنة العامة من 3ر2 مليار في 2000 الى 8 مليارات في 2011 وهذه الحسابات مبنية على جمع موازنة وزارة التربية والتعليم مع موازنة مدارس الثقافة العسكرية من بنود موازنة وزارة الدفاع، إضافة إلى بنود مشاريع وزارة التخطيط المتعلقة بالانفاق على التعليم الأساسي والتدريب المهني، وموازنة ضريبة المعارف. وفي المقابل فإن نسبة الانفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي هي 5% وتعتبر قريبة من الهدف الانمائي للألفية المعتمد دوليا وهو 6% حيث نسبة الانفاق في الأردن أعلى من ايطاليا وكوريا وسنغافورة وهذا أمر جيد لكنها أقل من إسرائيل وفنلندا وبريطانيا.
في سياق آخر، يشير مقال منشور على الموقع إلى خلل كبير في عملية اختيار الطلبة للابتعاث في الجامعة الأردنية حيث يتم المطالبة برهن الطالب لعقار تبلغ قيمته حوالي 100 ألف دينار من أجل الحصول على بعثة دراسية من الجامعة، وهذا ما يجعل من البعثات الدراسية مقتصرة على الطلبة الأثرياء الذين يمتلكون اصولا عقارية على حساب الطلبة الذين قد يكونون أكثر كفاءة وجدية ولكنهم لا يمتلكون هذه الأصول وهذا بالتأكيد مؤشر على غياب العدالة في التعليم العالي. في جامعات أخرى تتدخل الواسطات والمحسوبيات بشكل كبير في خيارات الابتعاث وتكون النتائج هي نوعيات غير متميزة من أعضاء هيئة التدريس والمعتمدين على منظومة المحسوبيات اكثر من الكفاءات.
لقد حققت الدولة الأردنية خلال تاريخها العديد من الإنجازات التي اصبحت سمة مرادفة لها مثل نوعية التعليم والخدمات الصحية والأمن الاجتماعي، كما أخفقت الدولة في قضايا أخرى مثل ترسيخ مفهوم المواطنة أو رفض ثقافة الفساد ولكننا الآن نواجه مشكلة حقيقية في فقداننا لبعض أهم المكاسب التاريخية للدولة ومنها نوعية التعليم.
مؤشرات خطيرة وسياسات وقرارات بحاجة إلى إعادة نظر.
التاريخ : 12-02-2013