منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 العلم والتعليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:24 pm

العلم والتعليم
الشيخ صالح الونيان

ملخَّص الخطبة:
1- الأمر بالعِلْم مقدَّم على الأمر بالعمل.
2- فضل العِلْم والإخلاص في طَلَبِه، وصفات طالب العِلْم.
3- أحوال النَّاس تجاه العِلْم.
4- مسؤولية الجميع في رعاية أبناء أمَّتنا (الطلاب).
5- دور المعلِّم في البناء.
•  •  •

الخطبة الأولى
أما بعد أيُّها المسلمون:
اتَّقوا الله تعالى، وتعلَّموا أحكام دينكم، وتفقَّهوا فيه؛ لأنَّ هذا طريق الخير؛ فمن يُرِدِ الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين.
 
واعلموا أنَّ الله تعالى رفع شأن العلماء العاملين:
فقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].
وقال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [الزمر: 9].

عباد الله: ‍
لقد أمر الله تعالى بتعلُّم العِلْم قبل القَوْل والعمل؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ [المجادلة: 11].
 
وبوَّب البخاريُّ رحمه الله في "صحيحه": "باب: العلم قبل القَوْل والعمل".
 
ولقد بيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فضل العلماء العاملين؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((وإنَّ العالِم لَيستغفر له مَنْ في السَّماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العِلْم؛ فمَنْ أَخَذَه أَخَذَ بحظٍّ وافرٍ)).

وقال بعض العلماء: "تعلَّم العِلْم؛ فإنه يقوِّمكَ ويسدِّدك صغيرًا، ويقدِّمكَ ويسوِّدكَ كبيرًا، ويصلح زيغكَ وفسادكَ، ويرغم عدوَّكَ وحاسِدكَ، ويقوِّم عِوَجَكَ ومَيْلَكَ، ويحقِّقَ هِمَّتَكَ وأَمَلَكَ.
 
ليس يجهل فضل العِلْم إلا أهل الجهل؛ لأنَّ فضل العِلْم إنما يُعرَف بالعِلْم، فلمَّا عدم الجُهَّال العِلْمَ الذي به يتوصَّلون إلى فضل العِلْم؛ جهلوا فضله، واسترذلوا أَهْلَه، وتوهَّموا أنَّ ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المُقتناة والطُّرق المُشتهاة أوْلَى أن يكون إقبالهم عليها، وأحرى أن يكون اشتغالهم بها".
 
وقد بيَّن عليُّ بن أبي طالب رضيَ الله عنه فضل ما بين العِلْم والمال؛ فقال: "العِلْمُ خيرٌ من المال، العِلْم يحرسكَ وأنت تحرس المال، العِلْم حاكمٌ و المال محكومٌ، مات خزَّان الأموال وبقيَ خزَّان العلم، أعيانهم مفقودة، وأشخاصهم في القلوب موجودة".

وربما امتنع بعض الناس عن طلب العِلْم لكِبَر سنِّه، واستحيائه من تقصيره في صِغَرِه أن يتعلَّم في كِبَرِه، فرضيَ بالجهل أن يكون موسومًا به، وآثره على العِلْم أن يصير مبتدئًا فيه، وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل؛ لأن العِلْم إذا كان فضيلةً؛ فرغبة ذوي الأسنان فيه أوْلَى، والابتداء بالفضيلة فضيلة، ولأَنْ يكون شيخًا متعلِّمًا أوْلَى من أن يكون شيخًا جاهلاً.

عباد الله: ‍
وتعلُّم العِلْم على نوعَيْن:
النَّوع الأوَّل: واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمة، ولا يَقْدِرٌ أحدٌ على تَرْكِه، وهو تعلُّم ما يستقيم به دِينه؛ كأحكام العقيدة، والطَّهارة، والصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، والحجّ، على الوجه الذي يتمكَّن به من أداء هذه العبادة على وجهها الصَّحيح.

ولكنَّ بعض النَّاس فرَّط في هذا، فتراه يؤدِّي العبادة بطريقة خاطئة، ومع ذلك لم يحاول تعلُّم أحكامها، بينما تجده حريصًا على دنياه، يطلبها من كلِّ وجهٍ، ومن هذا عمله؛ سيسأله الله على تفريطه؛ فليُعِدَّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
 
والنَّوع الثَّاني من تعلُّم العِلْم: ما زاد عن ذلك؛ مِنْ تعلُّم بقيَّة أحكام الشَّريعة في المعاملات والتفقُّه في أمور العبادات؛ فهذا واجبٌ على الكِفاية، إذا قام به مَنْ يكفي من المسلمين؛ سقط الإثم عن الباقين، وإن تَرَكَه الكلُّ؛ أثموا.

عباد الله:
وفي هذه الأيام يستعدُّ الطلاَّب والطالبات لاستقبال عامٍّ دراسيٍّ جديد، يبتدئونه يوم غدٍ؛ يقضون هذا العام بين أوراق المدارس والمعاهد والكليَّات؛ لينهلوا من مناهل العِلْم والمعرفة على حسب مستوياتهم واتجاهاتهم، ويشجِّعهم ويدفعهم إلى ذلك أولياء أمورهم، وهذا شيءٌ طيِّبٌ، وقد تقدَّم التَّرغيب في طلب العِلْم.
 
ولقد حثَّ النبيُّ أصحابه على القراءة والتفقُّه في الدِّين، وخير مثال ضربه لنا في هذا المجال كان في إطلاقه لأسرى بدر، بعد أن اشترط عليهم أن يعلِّم كلُّ واحدٍ منهم نفرًا من المسلمين القراءةَ والكتابة.

معاشر طلاَّب العِلْم:
لابدَّ أن يكون طَلَبُ العِلْم خالصًا لوجه الله تعالى، لا يُراد به عَرَضٌ من الدُّنيا، وذلك ليعمَّ نفعُه، ويُؤْجَر صاحبه، وكذلك إذا أحاط طالب العِلْم عِلْمًا بالمسألة؛ فالواجب عليه أن يطبِّقها على نفسه ويعمل بها؛ ليكون عِلْمَه نافعًا؛ فإن العِلْم النَّافع ما طبَّقه الإنسان عمليًّا، والعمل بالعِلْم هو ثمرة العِلْم، والجاهل خيرٌ من عالِم لم ينتفع بعِلْمه ولم يعمل به؛ فإن العِلْم سلاحٌ: فإمَّا أن يكون سلاحًا لكَ على عدوِّكَ، وإمَّا أن يكون سلاحًا موجَّهًا إلى صاحبه.

عباد الله:
قولوا لي بربِّكم: ما فائدة العِلْم بلا عمل؟ أرأيتم لو أنَّ إنسانًا درس الطبَّ وأصبح ماهرًا ولم يعالج نفسه ولا غيره؛ فما فائدة عِلْمِه وتَعَبِه؟!
 
عباد الله:
وإنَّ القلب لَيعتصره الألمُ حينما نرى بعضَ من طرقوا أبواب العِلْم الشَّرعي أو انتقلوا في مراحل التعليم، ولكنَّ أخلاقهم على خلاف ما تعلَّموا؛ تعلَّموا من الأحكام الشيءَ الكثير، ولكنَّ الأثر مفقودٌ، تجد الواحد منهم يَعلَم حكم إسبال الثياب ويُسبِل ثيابَه، ويعلم حكم حلق اللِّحى ويقارفه، ويعلم حكم موالاة الكفَّار ويستقْدِمَهم، ويعلم حكم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، ويعلم حكم الرِّبا ويتعامل به أو يتحايل عليه، ويعلم حكم خُلوةَ الرَّجل الأجنبيِّ بالمرأة الأجنبيَّة واستقدم سائقًا ويضعه مع محارمه يخلو بهنَّ، أو هو يخلو بالخادمة أو غيرها من النساء الأجنبيَّات، ويعلم أنَّ مصافحة الرَّجل الأجنبيِّ للمرأة الأجنبيَّة لا يجوز ومع ذلك يصافح النِّساء الأجنبيَّات؛ فمَنْ هذه حالُه؛ فعِلْمُه وبالٌ وحُجَّةٌ عليه، نسأل الله السلامة والعافية. وكم من جامعٍ للكتب من كلِّ مذهبٍ يزيد مع الأيام في جَمْعه عمًى!!

فإذا تعلَّم وطبق؛ فعليه أن يدعو إلى ذلك.
 
معاشر طلاَّب العِلْم:
وهناك شروطٌ يتوفَّر بها عِلْم الطَّالب، وينتهي معها كمال الرَّاغب، مع ما يُلاحظ به من التَّوفيق ويُمَدُّ به من العَوْن:
أوَّلها: العقل الذي يدرك به حقائق الأمور.
الثَّاني: الفِطْنَة التي يتصوَّر بها غوامض العلوم.
والثَّالث: الذَّكاء الذي يستقرُّ به حفظ ما تصوَّره وفهم ما عَلِمَه.
الرَّابع: الرَّغبة التي يدوم بها الطَّلَب، ولا يُسرع إليها الملل.
والخامس: الاكتفاء بمادَّة تُغنيه عن كلف الطَّلب.
والسَّادس: الفراغ الذي يكون معه التوفُّر ويحصل به الاستكثار.
السَّابع: عدم القواطع المُذهِلَة من هموم وأشغال.
الثَّامن: الظَّفْر بعالِمٍ سَمْحٍ بعِلْمِه، مُتأنٍّ في تعليمه.

فإذا استكمل هذه الشروط؛ فهو أسعد طالب، وأنجح متعلِّم، وكذلك عليه أن يتأدَّب مع معلِّمه ويوقِّره ويحترمه ويعترف بفضله. قال بعض العلماء: "مَنْ لم يتحمَّل ذلَّ التعلُّم ساعةً؛ بقيَ في ذلِّ الجهل أبدًا".
 
وقال بعض الشُّعراء مبيِّنًا مَغَبَّة ازدراء المعلِّم:
 
إِنَّ الْمُعَلِّمَ وَالطَّبِيبَ كِلَيْهِمَا 
لا يَنْصَحَانِ إِذَا هُمَا لَمْ يُكْرَمَا 
فَاصْبِرْ لِدَائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ 
وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّمَا 
 
عباد الله:
فإذا تعلَّم الإنسان وحصَّل قدرًا من العِلْم؛ فليَعْلَم أنَّه قليلٌ بجانب ما جهل، وعليه ألاَّ يدخله العُجْب، وليعلم أنَّه لا سبيل إلى الإحاطة بالعِلْم كلِّه؛ فلا عار أن يجهل بعضه، وعليه أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم. ولا ينبغي أن يجهل من نفسه مبلغ علمها، ولا أن يتجاوز بها قَدْرَ حقِّها، وقد قسَّم الخليل بن أحمد أحوال الإنسان، فقال:
"الرِّجال أربعةٌ:
رجلٌ يدري ويدري أنه يدري؛ فذلك عالمٌ؛ فاسألوه.
ورجلٌ يدري ولا يدرى أنه يدري؛ فذلك ناسٍٍ؛ فذكِّروه.
ورجلٌ لا يدري ويدري أنه لا يدري؛ فذلك مُسْتَرْشِدٌ؛ فأرشدوه.
ورجلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري؛ فذلك جاهلٌ؛ فارفضوه"
 
اللهم إنَّا نعوذ بك من فتنه القَوْل كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلُّف لما لا نُحسِن، ونعوذ بك من العُجْب بما نُحْسِن.
 
أقول هذا القَوْل، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب؛ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثَّانية
الحمد لله ربِّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا.
 
أمَّا بعد أيُّها المسلمون:
اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واعلموا أنَّ كلاًّ منكم على ثَغْرٍ من ثغور الإسلام؛ فحذار أن يُؤتى الإسلامُ من قِبَلِه.

عباد الله، إخوتي أولياء أمور الطلاَّب، إخوتي أساتذة أبناء المسلمين:
ممَّا لا يخفى على الجميع: أنَّ أبناء اليوم رجال الغد، وهم الذين سيتولُّون في المستقبل توجيه سفينة المجتمع وإدارة شؤونه؛ فإذا قُمنا اليوم بتوجيههم الوِجْهَة الصَّالحة التي أمر بها ديننا الحنيف؛ تخلَّصت مجتمعاتنا تحت إدارة هذه الصَّفوة من الشَّباب الطيِّب من أمراضٍ اجتماعيَّةٍ متفشِّية في المجتمعات؛ مثل النفاق، والوساطة، وأَكْل السُّحْت.. وغيرها.

وأولياء أمور الطلاَّب والطَّالبات والمدرِّسين والمدرِّسات يقع عليهم العبءُ الأكبر؛ لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الطلاَّب؛ الأب مع أبنائه في البيت، والمدرِّس مع طلاَّبه في المدرسة؛ فينبغي أن يكون كلٌّ منهم متفهِّمًا لرسالة الآخَر.
 
ويبلغ التأثير أعلاه حينما يكون الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمٌ بأحكام الإسلام في العبادات والمعاملات والأخلاق؛ فإذا كان الأب والمدرِّس كلٌّ منهما ملتزمًا بأحكام الإسلام، معتزًّا بإسلامه، شاعرًا بواجبه في الدَّعوة إلى الله والتَّوجيه؛ أفاض على مَنْ يقوم بتربيته من نور هذا الإيمان الذي يحمله بين جنبَيْه ويمشي به في النَّاس.
 
فليَكُنْ شعارُك أخي المدرِّس: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصِّلت: 33].
 
وليعلم كلٌّ من المدرِّس ووليِّ أمر الطلاَّب والطَّالبات: أنَّه راعٍ فيهم، ومسؤولٌ عنهم، ومطلوبٌ منه النُّصح لهم.
وليعلم أنَّه: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيَّةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها؛ إلا حرَّم الله عليه الجنَّة)).
 
وليعلم أنَّه إن ترك هذه البراعم الغضَّة؛ فإن رياح الشهوات ستعصف بها، وإنَّ أعداء الإسلام سيجلبون عليها بقَضِّهم وقَضِيضِهم، حتى يسلخوهم من الدِّين، فيعودوا حربًا عليه:
لِمِثْلِ هَذَا يَذُوبُ الْقَلْبُ مِنْ كَمَدٍ  ♦️♦️♦️ إِنْ كَانَ فِي الْقَلْبِ إِسْلامٌ  وَإِيمَانُ
 
وليعلم كلُّ مَنِ اشتغل بالتَّدريس: أنَّ أقلَّ ما يُنتظَر من المدرِّس المسلم أن يكون مظهره إسلاميًّا، وأن يتَّفق قوله وفعله وسلوكه مع روح الإسلام ومبادئه.
 
فمثلاً: إذا دخل على طلاَّبه؛ قابلهم بوجه طَلْقٍ، كما علَّمه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تَلْقَ أخاك بوجه طَلْقٍ))، وحيَّاهم بتحيَّة الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا بتحية العَوَام: صباح الخير، أو: مساء الخير!! وليبدأ حديثه بحمد الله والصَّلاة على رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فـ: ((كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُبدأ فيه بحمد الله؛ فهو أَقْطَعٌ))، إلى غير ذلك من الأمور التي تغرس في نفوس الصغار الأخلاق الحميدة.

عباد الله:
وتَختلُّ الموازين حينما يتولَّى التَّدريس مدرِّسٌ غير ملتزمٍ بأحكام الإسلام، متهاونٌ في أوامر الله، قد استحوذ عليه الشَّيطان؛ لأنَّ المطلوب منه الإرشاد إلى كلِّ خُلُقٍ حسن، والتَّحذير من كلِّ خُلُقٍ ذميمٍ، ولكنَّ فاقِد الشَّيء لا يُعطيه!!
 
فَالطَّالب الذي يرى مدرِّسه في حالةٍ من المُيوعة والتَّسيُّب؛ كيف يتعلَّم الفضيلة؟!
والطَّالب الذي يسمع من مدرِّسه كلمات السبِّ والشَّتْم؛ كيف يتعلَّم حلاوة المَنْطِق؟!
والطَّالب الذي يرى مدرِّسه يتعاطى الدُّخان؛ سيَسْهُل عليه هذا الأمر!!
والطَّالبة التي مدرِّستها تسير خلف ما يصدِّره لها الأعداء من أزياء فاضحة وأخلاق سافلة؛ كيف تتعلَّم الفضيلة؟!
والطالبة التي ترى مدرستها متبرجة، كيف تلتزم بالحجاب؟!
والطَّالبة التي ترى مدرِّستها تركب مع السَّائق وحدها؛ كيف تبتعد عن الاختلاط بالأجانب والخُلْوَة بهم؟!
وقِسْ على هذه الأمور غيرَها.

عباد الله:
هذا وإنَّ بعض الآباء قد أغمضوا أعينهم عن أخلاق أبنائهم وبناتهم، ولم ينظروا في قدوتهم؛ هل هي حسنةٌ أم سيئةٌ؟! وهذا أمرٌ قد يُنذِر بالخطر.
 
بل إنَّ بعض الآباء هداهم الله إذا وفق أبناؤهم بأساتذة صالحين مُصلِحين؛ تجدهم ينسفون ما تعلَّم أبناؤهم من أساتذتهم من أفكار صالحة.
 
فالابن في المدرسة يتعلَّم أنَّ الغناء من المحرَّمات، ولكنَّ والده يجلب له آلات اللهو، وبأغلى الأثمان، ويخلِّي بينه وبينها!!
 
وكذلك الولد يتعلَّم أنَّ الخُلْوَة بالأجنبيَّة حرامٌ، ووالده يناقِض ذلك، ويجلب له امرأةً أجنبيَّةً باسم الخِدْمَة، ويترك الأبناء ينظرون إليها وهي سافرةٌ لا يأمرها بالحجاب!!

والبنت في المدرسة تتعلَّم أنَّ الخُلْوَة بالأجانب حرامٌ، ووالدها يجلب لها سائقًا أجنبيًّا، ويدعه يذهب بها وحدها إلى المدرسة أو غيرها!!
مَتَى يَبْلُغُ  الْبُنْيَانُ  يَوْمًا  تَمَامَهُ ♦️♦️♦️ إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ؟!
 
هذا؛ والواقع الذي ذكرته ليس على سبيل التَّعميم؛ فهناك أساتذة أكْفَاء، على مستوى من الخُلُق والدِّين، وكذلك الحال بالنسبة للآباء، ويظهر أثر ذلك جليًّا على أخلاق الناشئين؛ فيوم أن ترى الشباب ملتزمًا وذا خُلُقٍ فاضل؛ تعلم أنَّه قد وفِّق بمَنْ أحسن توجيهه، وتضافرت الجهود من المدرسة والبيت على ذلك، ويوم أن ترى قُطعانًا من الشَّباب يهيمون في كلِّ بقعة، ويجتمعون فيتكلَّمون في بعض الأحيان وقد علا الشَّتْم مجالسهم، ويسخرون بمَنْ يأمرهم بالمعروف؛ تعرف أنه قد تُرِكَ لهم الحبل على الغارِب حتى شبُّوا وتفلَّتوا، وإذا زال الحياء من الله ومن عباده، فحدِّث ولا حرج.
فَلا وَاللهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ 
وَلا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ 
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ 
وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:24 pm

العلم والتعليم (1)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

ذم الجهل وأهله

الحمد لله ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق:4 - 5]، نحمده على نعمه، ونشكره على آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ﴿ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام:103].وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نقل الله تعالى به هذه الأمة الخاتمة من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن دركات الشر إلى درجات الخير ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران:164] صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة:48].

أيها الناس: من حكمة الله تعالى في خلقه أنه سبحانه لما خلقهم علمهم ما ينفعهم وما يضرهم، فكل مخلوق منهم يجلب لنفسه النفع، ويدفع عنها الضر؛ رحمة من الله تعالى بهم، وهداية منه عز وجل لهم، ولما قال فرعون في مناظرته لموسى عليه السلام ﴿ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه:50].
 
وفضل سبحانه وتعالى البشر على سائر الحيوان بما وهبهم من العقول التي فتحت لهم مغاليق العلوم، وسُخرت لهم بها كنوز الأرض ودوابها ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء:70].

والبشر ما كان لهم أن يعلموا شيئا لولا أن الله تعالى ركب فيهم الأسماع والأبصار والأفئدة التي هي وسائل تحصيل العلوم والمعارف ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل:78].

وأعظم علم ينفع الإنسان في عاجله وآجله هو العلم بالله تعالى وبما يرضيه، وذلك بتعلم كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والفقه فيهما؛ ليعبد ربه عز وجل على علم وبصيرة، ثم العلم بما يصلح للعبد دنياه؛ فإن الدنيا مطية الآخرة.

وأعظم الجهل وأشده وأشنعه الجهل بالله تعالى وبدينه الذي ارتضاه لعباده، ومن عطل عقله عن تحصيل ما ينفعه من العلوم الشرعية التي بها يقيم دينه، ويعبد ربه فهو من الجاهلين، ولو كان مبرزا في علوم الدنيا، والأمة التي ليس لها من علوم الشريعة أي حظ هي أمة جاهلة هالكة ولو اكتشفت الذرة، وشيدت العمران والحضارة، وصعدت إلى الفضاء حتى بلغت القمر؛ إذ إن أضر شيء على العباد أن يجهلوا ما ينفعهم وما يضرهم، وما يقربهم من الله تعالى وهو الإيمان به وطاعته، واتباع رسله؛ ولذلك امتدح الله تعالى العلم والعلماء، وذم الجهل وأهله، وأخبر أن أهل العلم وأهل الجهل لا يستويان أبدا ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ [الزُّمر:9].

وكل حمد في القرآن والسنة للعلم والعلماء فإنه ينصرف إلى العلم الشرعي الذي يتوصل به إلى رضوان الله تعالى، وكل ذم في القرآن والسنة للجهل وأهله فهو منصرف إلى الجهل بدين الله تعالى.
 
وقد أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم لا يؤمنون بالآيات البينات بسبب جهلهم ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ [الأنعام:111].

والجهل سبب للإعراض عن الحق ومحاربته، ومنابذة أهله بالعداء، وهو أكثر داء في أهل الباطل ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء:24].
 
والجهل بالله تعالى وبدينه يؤدي إلى الشرك به؛ ولذا وصف به نوح وهود ولوط عليهم السلام أقوامهم لما رفضوا دعواتهم، وأصروا على شركهم ومعصيتهم لله تعالى، فقال نوح عليه السلام ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود:29]
 
وقال هود عليه السلام لقومه  ﴿ إِنَّمَا العِلْمُ عِنْدَ الله وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [الأحقاف:23]
 
وقال لوط عليه السلام لقومه ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [النمل:55]

ولما طلبت بنو إسرائيل من موسى عليه السلام أن يجعل لهم مثل ما للمشركين من الأصنام أنكر موسى عليهم، وبين أن الحامل لهم على طلبهم هذا هو جهلهم بالله تعالى ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف:138].
 
ومع أن أنبياء الله تعالى قد عصموا من الجهل؛ لكمال عقولهم بالوحي الرباني، ومعرفتهم بالله تعالى؛ فإن الله تعالى وعظهم أن يكونوا في عداد الجاهلين، وهم عليهم السلام قد تعوذوا بالله تعالى من الجهل، وما ذاك إلا هداية للبشر أن يقتفوا أثر الأنبياء عليهم السلام.

سأل نوح عليه السلام ربه عز وجل أن ينجي ابنه المشرك من الطوفان فكان وحي الله تعالى له ﴿ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾ [هود:46] فقبل نوح عليه السلام موعظة الله تعالى له، واستعاذ به سبحانه من سلوك سبل أهل الجهل والضلال ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [هود:47] وقال موسى عليه السلام ﴿ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة:67].

ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام لما أعرض أهل الجهل والضلال عن دعوته، وطالبوه بالآيات ثم لم يؤمنوا بها، وشق ذلك عليه؛ وعظه ربه عز وجل، وبين له أن الهداية منه سبحانه وليست لأحد من خلقه، وحذره من الجهل، فقال سبحانه ﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام:35] وأمره عز وجل بتبليغ الدعوة والإعراض عن أهل الضلال والجهل ﴿ خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف:199]

وأهل العلم والهدى لا يطاولون أهل الجهل في جهالاتهم، ولا يشاركونهم في مرائهم ومجادلاتهم، ولا يُجترون إلى معاركهم وخصوماتهم، وهي معارك جانبية تَشْغَلُ عن المعارك الكبرى للأمة، وغالب أهدافها الانتصار للنفس فحسب؛ وأهل العلم لا يجارون أهل السفه والجهل في ذلك؛ لأن همتهم أعلى من مجرد انتصارهم لأنفسهم، وإثبات ذواهم؛ ولأنهم يعلمون أن أهل الجهل بجهالاتهم ومجادلاتهم إنما يستنزفون جهدهم، ويضيعون أوقاتهم فيما لا طائل منه، فيعرضون عنهم لاشتغالهم بما هو أهم وأعلى، وقد امتدح الله تعالى هذا الأسلوب منهم في التعامل مع الجاهلين ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ ﴾ [القصص:55] وجعل من صفات المؤمنين المفلحين تجنب مجادلة أهل الجهل ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون:3] وفي آية أخرى ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾[الفرقان:63].

ومن حال جهله بينه وبين بلوغ الحق وهو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده فقد عطل ما وهبه الله تعالى من وسائل تحصيل العلم والمعرفة؛ ولذا وصف الله تعالى من هذه حالهم بالعمى والصمم ونفى عنهم صفة العقل؛ لأنهم لم يعقلوا الحق ولم يبصروه ولم يسمعوه، فهم شر الخليقة عند الله تعالى، والآيات القرآنية الواردة في ذلك لا يتسع مقام كهذا لعرضها كلها، ففي سورة البقرة ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة:171] وفي المائدة ﴿ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة:103] وفي الأنعام ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام:39] وفي الأنفال ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال:22] وفي يونس ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يونس:100] وفي الحج ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج:46].

ولأنهم عطلوا ما رزقهم الله تعالى من وسائل تحصيل العلوم فكفروا به سبحانه وقد كان أولى بهم أن يعرفوا ربهم فلا يجحدوه، ويوحدوه فلا يكفروه؛ فإنه عز وجل قد حكم عليهم بأنهم شر خلقه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ ﴾ [البيِّنة:6].
 
وقَدْرُهم في دين الله تعالى أقل من قدر الأنعام لتي لا تعقل ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف:179] وفي آية أخرى ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان:44]

فحري بكل مؤمن أن يدرك قدر نعمة العلم بالله تعالى، والإيمان به، وأن يشكر الله تعالى على ذلك ويسأله الثبات، فكم من البشر قد أعرضوا عن الحق جهلا أو استكبارا!! ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات:17].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: كثير من الناس في هذا العصر قد فتنوا بحضارة الغرب، وما قدمته للبشرية من إنجازات عظيمة في أنواع العلوم والمعارف الدنيوية حتى سموها حضارة النور والعلم والمعرفة، ووسموا دولها بدول العالم الأول، ووصموا غيرها بالدول النامية ودول العالم الثالث، والدول الجاهلة والمتخلفة، واستقرت هذه التسميات في عقول الناس، وسلموا بها للغربيين.

ولئن صح ذلك في علوم الدنيا فلا يصح في علوم الدين التي نفعها أعظم من نفع علوم الدنيا وأبقى، وهي التي يجب أن تقدم عليها في التصنيف والتفضيل، فما قيمة علوم الدنيا مهما بلغت مع الجهل بالله تعالى وبدينه الحنيف، وبالدار الآخرة، والله تعالى يقول في شأن الدنيا والآخرة ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص:60] وفي آية أخرى ﴿ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى:17].

ولا يحل لمسلم أن يُسلم للحضارة الغربية بهذه الأوصاف المطلقة من النور والعلم والمعرفة ونحو ذلك، بل لا بد أن تقيد هذه الأوصاف فيهم بعلوم الدنيا؛ لأن حضارة الغرب وإن أبدعت في علوم الدنيا فإنها جهلت علوم الدين، وهي من شر الأمم انحطاطا في هذا الجانب، ومن أشدها كفرا بالله تعالى، وما زادتهم علومهم الدنيوية إلا استكبارا عن قبول الحق، واستنكافا عن العبودية لله تعالى، واتباع رسله، وتصديق كتبه، ويصدق فيهم قول الله تعالى ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الرُّوم:7].

والعلم بالوحي الرباني المتضمن للعلم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هو العلم الحقيقي، وهو الروح للإنسان كما قال الله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشُّورى:52].

ومن جهل به فهو ميت وإن كان في الأحياء ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:122].

وكلما بعد الناس عن زمن الوحي قل فيهم العلم، وزاد فيهم الجهل كما دلت على ذلك الأحاديث:
فعن ابن مسعود وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما قَالا: قال النبي صل الله عليه وسلمSadإِنَّ بين يَدَيْ السَّاعَةِ لأيَّامًا يَنْزِلُ فيها الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فيها الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فيها الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ)رواه البخاري.

وانتشار الجهل بدين الله تعالى من أشراط الساعة المؤذنة بقرب قيامها؛ كما في حديث أَنَسِ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صل الله عليه وسلمSadإِنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا)متفق عليه. وفي لفظ للبخاري (إِنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ وَيَكْثُرَ الزِّنَا وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ).

أيها الإخوة: وفي زمننا هذا كثر إلحاح كثير من الصحفيين ومن يسمون أنفسهم بالمفكرين على التهوين من شأن العلوم الدينية، ويطالبون بتقليصها في مناهج التعليم، ودمج بعضها في بعض، مع مطالبتهم بتوسيع العلوم الدنيوية على حسابها؛ زاعمين أن ذلك سبيل التقدم والازدهار.

يقولون ذلك وهم يرون كثيرا من الدول لعربية والإسلامية التي أقصت التعليم الديني، وقضت على مدارسه وجامعاته ومنهاجه منذ عقود ترفل في الفقر والتخلف والانحطاط والتبعية، وما نفعها شيئا القضاء على مؤسسات التعليم الديني ومناهجه، بل أضر بشعوبها ضررا بالغا؛ فلا أصلحوا للناس دنياهم، ولا أبقوا لهم دينهم.

ولذا فإنه يجب على الغيورين أن يقفوا أمام محاولات المنافقين والتغريبيين العبثية التخريبية التي تستهدف عقول أولادنا، ومدارسنا وجامعاتنا، ومناهج تعليمنا، وتحاول طمس أنوار العلوم الشرعية منها، ومسخها لتكون كالعقول الغربية في تمردها على الله تعالى وعلى أنبيائه وشرائعه.

إننا ما رأينا هؤلاء المنحرفين عن شريعة الله تعالى يجيدون شيئا سوى الثرثرة في فضائياتهم وصحفهم، فلم يصنعوا للأمة مجدا، ولم يعيدوا لها حقا، ولم يخترعوا شيئا، ولم يسهموا في رقي الأمة وتقدمها، بل هم سبب رئيس في تخلفها وتقهقرها بدعواتهم المشبوهة لنبذ الدين، ومطالباتهم المكرورة بالتبعية للغرب، والانصهار في مناهجه المحرفة لتفقد الأمة ما ميزها الله تعالى به من هذا الدين العظيم ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة:33].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:25 pm

العلماء الربانيون أمان للأمة

الحمد لله رب العالمين؛ فضَّل هذه الأمة على سائر الأمم، وجعلها شاهدة لأنبيائهم عليهم ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة:143] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، ونستغفره لخطايانا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أخرجنا الله تعالى به من الضلال إلى الهدى، ومن الجهل إلى العلم ﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الطَّلاق:11] صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا ما أَنزل من الهدى، واحذروا مضلات الفتن واتباع الهوى؛ فإن الفتن تعمي عن السنن، وإن الهوى يهوي بأهله في نار جهنم ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:31 - 32].

أيها الناس: اختار الله تعالى دينَ الإسلام قاضيا على كل الأديان والشرائع، واختار سبحانه رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام خاتما للرسالات والنبوات، واختار القرآن كتابا لأهل الحق والهدى يبقى إلى آخر الزمان؛ فلا دينَ بعد الإسلام، ولا نبيَ بعد محمد صل الله عليه وسلم، ولا كتابَ بعد القرآن.

وقد قضى الله تعالى بحفظ دين الإسلام وكتابه القرآن من التحريف والتبديل والضياع ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر:9] وجعل سبحانه وتعالى لهذا الحفظ أسبابا قدرية وأسبابا شرعية:
فمن الأسباب الشرعية: تحذيرُ المسلمين من الابتداع في الدين، ونهيهم عن التشبه بالكافرين؛ لأن الابتداع والتشبه يُدخلان في الدين ما ليس منه، وإذا أُدخل فيه ما ليس منه، خرج ما هو منه، فحصل التحريف والتبديل.

ومن الأسباب القدرية: أن الله تعالى جعل في كل زمان للحق أنصارا يذودون عن الدين، ويحفظونه من جهل الجاهلين، وينفون عنه تحريف المحرفين، ويصبرون في سبيل ذلك على أذى المؤذين، وظلم الظالمين؛ كما في حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صل الله عليه وسلم يقول: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ الله لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ أو خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس).

وفي رواية: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ ولا تَزَالُ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم.

ومن نظر في تاريخ المسلمين منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام استبان له أن على رأسِ هذه الطائفة المنصورة العلماءَ الربانيين، فهم الذين يبلغون الحق خلفا عن سلف، وهم الذين يدرءون عن الدين شبهات المضلين، وهم الذين يُقوِّمون اعوجاج الأمة إذا اعوجت، ويتصدون للفساد والمفسدين، وينصحون العامة والخاصة، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق لا يخافون في الله تعالى لومة لائم. وفي حال المحن والفتن واختلاط الأمر يؤوب الناس إليهم لاستجلاء الأمر، واتخاذ المواقف المناسبة.

لقد حفظ الله تعالى الأمة من الانحراف والضياع بالعلماء الربانيين، وبهم حفظ دينه، ولقد كان الصديق أبو بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة بملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام، وبعلمه وثباته حفظ الله تعالى الأمة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حين صُدم الناس بوفاته، ثم حفظ به الأمة مرة أخرى لما ارتد المرتدون، فثبت ثباتا عظيما قُضي بسببه على المرتدين، وسلمت به الأمة من الفتنة في أول عهدها.

ثم لما أُحدث في الأمة بدعةُ الجهمية والمعتزلة، وانتحلها ثلاثة من خلفاء بني العباس تصدى لها الإمامُ أحمد رحمه الله تعالى، وثبت ثباتا عجيبا ما ظَفِر المبتدعة منه بشيء حتى قال علي بن المديني رحمه الله تعالى: إن الله أيَّد هذا الدين بأبي بكر الصديق يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة. وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى: لولا أحمدُ وبذلُ نفسه لذهب الإسلام.

ولما احتلت الجيوش الصليبيةُ بيت المقدس في القرن الخامس نهض العلماء بواجبهم، يربون الأمة، ويردونها إلى دينها، ويحولون بين الناس وبين المعاصي والشهوات، فيخطبون في الناس، ويلقون الدروس والمواعظ التي تستنهض العزائم، وتشحذ الهمم، ويحثونهم على جهاد الصليبيين، ويبثون الحمية الدينية في قلوبهم؛ حتى تهيأت الأمة في عهد نور الدين رحمه الله تعالى وقد أعلى من شأن العلماء في دولته وأدناهم، وخلَّى بينهم وبين الناس في بيان الحق والصدع به.

ثم خلفه على سيرته الحسنة صلاحُ الدين رحمه الله تعالى، فاتخذ من العلماء العاملين بطانة له، وكان بعضهم لا يفارقه في حضر ولا سفر، ولا حرب ولا سلم، كالقاضي ابن شداد الذي لازمه ربع قرن فكتب سيرته، وبإدناء العلماء، والتخلية بينهم وبين الناس؛ تهيأت الأمة على أيدي العلماء الصادقين لكسر جيوش الصليبيين، وإخراجهم من بيت المقدس أذلة صاغرين، وتم ذلك بعد تسعين سنة من احتلالها.

ولما وطئ التتر بلاد المسلمين، وأسقطوا دولة بني العباس، وعاثوا فسادا في العراق والشام هيأ الله تعالى القائد سيف الدين قُطُز الذي تربى في مجالس العلماء، فقاد الأمة وما كان يقطع برأي في الإعداد لمواجهة التتر وجهادهم حتى يراجع العلماء، ويأخذ بمشورتهم، ولا سيما الشيخ عز الدين ابن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري.

ولما جبن بعض الأمراء والقادة عن مواجهة التتر، وهابوا الخروج إليهم قال العز بن عبد السلام: أخرجوا وأنا أضمن لكم على الله تعالى النصر، واتفق مع السلطان قطز على إخراج ما في خزائنه من أموال، وكذلك خزائن الأمراء لتجهيز الجيوش، فانتصر المسلمون، وكسر الله تعالى على أيديهم التتر في عين جالوت، فلم تقم لهم قائمة بعدها.

وكان لعلماء الأندلس الفضلُ بعد الله تعالى في تأخر سقوطها قرنين وزيادة، وذلك بالسعي في الصلح بين الحكام المتناحرين، واستنهاض همم الناس للجهاد في سبيل الله تعالى، ولما تدهورت أحوال المسلمين، وعظم الاختلاف والتناحر بين ملوكهم، وغلب النصارى على كثير من الأمصار؛ سافر جماعة من علماء الأندلس إلى يوسف بن تاشفين في المغرب، وعبروا البحر لأجل ذلك، فكان في رحلتهم تلك إنقاذٌ لكثير من ممالك الأندلس من السقوط في أيدي النصارى؛ إذ عبر إليهم ابن تاشفين بجيوشه، وكسر النصارى في معركة الزلاقة، وكان الفضل في ذلك بعد الله تعالى لعلماء الأندلس وفقهائه.

وأما جهاد العلماء للمنافقين والمرتدين بأقلامهم، وذبهم عن الشريعة، وحمايتهم للأمة من الضلال والانحراف فأكثر من أن يحصر، لا قديما ولا حديثا، حتى إن من العلماء من اشتغل حياته كلها بذلك كابن تيمية وابن القيم الذي قال: والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان؛ ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد؛ إنذارا وتعذيرا فقال تعالى ﴿ فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52] وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ ﴾ [التوبة:73] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق.اهـ

ولما عاب بعض الناس على ابن المُنَيِّر قعوده عن الغزو قال: ولا أجد في تأخري عن حضور الغزاة عُذرا إلا صرفَ الهمة للتحذير من هذا المصنف -يعني كشاف الزمخشري المعتزلي- والرد على أقواله التي تمثل رأي المعتزلة..اهـ

وقد لقي العلماءُ الربانيون من أهل السوء والفساد والإفساد أنواعا من الأذى كالضرب والحبس والقتل، وما ردَّهم ذلك عن بذل النصح، والصدع بالحق، والقيام بأمر الله تعالى.

والملاحظ في حوادث التاريخ، وسير الملوك والعلماء أنه متى اتفقت سياسة السلاطين مع كلمة العلماء، وتواصوا بالحق فيما بينهم، وتعاونوا على البر والتقوى، وكانت بطانة السلاطين من العلماء الناصحين؛ صلحت أحوال الرعية، واستقرت الممالك، وبقيت هيبة السلاطين والعلماء محفورة في قلوب الناس.

ومتى وُجد انفصام بين العلماء الربانيين المخلصين وبين السلاطين فسدت أحوال الرعية، واضطربت الممالك، وسقطت مهابة السلاطين والعلماء على حدٍ سواء، وفي ذلك من الشر والفتن واضطراب الأحوال ما لا يخفى.

إن العلماء دعاة بألسنتهم، وأصحاب السلطان دعاة بألسنتهم وسلطانهم، وباتفاق العلماء وأصحاب السلطان وتعاونهم تتقدم الأمة، ويصلح أمر البلاد والعباد؛ فالعلماء ورثوا العلم من مقام النبوة، وأهل السلطان ورثوا القوة من مقام النبوة، والعدل أساس الملك، والتقوى أساس العلم، فبالعدل والتقوى تبنى الأمم وتزدهر، ويسود الأمن والرضا، وبغير ذلك يكون الخراب والدمار.

نعوذ بالله تعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين إنه سميع قريب.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله...

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].

أيها المسلمون: موت العلماء الربانيين خسارة عظيمة للأمة التي تعرف قيمتهم، وتدرك أهميتهم، وتعلم ما يترتب على فقدهم، وكان الناس ولا يزالون يبكون العلماء الربانيين. ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال أبو هريرة رضي الله عنه: مات اليوم حبر هذه الأمة ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلفا.

وبقي ابن عباس رضي الله عنهما عالما للأمة وإماما لها سنوات طويلة فلما مات صفق جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بإحدى يديه على الأخرى وقال: مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.

وإنما كان موت العلماء الربانيين مصيبة عظيمة لأنه من نقص الأرض بنقص الدين والعلم فيها ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ [الرعد:41] قال عطاء رحمه الله تعالى في معنى نقصها: هو ذهابُ فقهائها وخيارِ أهلها.

وبتوافرِ العلماء الربانيين صلاحُ الدين والدنيا، وبفقدهم فسادهما؛ كما قال الإمامُ الزُّهْرِيُّ رحمه الله تعالى: كان من مَضَى من عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ، وَالْعِلْمُ يُقْبَضُ قَبْضًا سَرِيعًا، فَنَعْشُ الْعِلْمِ ثَبَاتُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وفي ذَهَابِ الْعِلْمِ ذَهَابُ ذلك كُلِّهِ.

وقال الْحَسَنِ رحمه الله تعالى: كَانُوا يَقُولُونَ: مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ في الْإِسْلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ ما اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

وسُئل سعيدُ بن جبير رحمه الله تعالى: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم.

والعلم إنما يزول من الأرض بموت العلماء، فَيَحِلُّ محلهم أهل الجهل والهوى، فيكون في ذلك تجهيل الناس وإضلالهم؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عَمْرِو رضي الله عنهما قال: سمعت رَسُولَ الله صل الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حتى إذا لم يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ الناس رؤوسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) متفق عليه.

وفي رواية لأحمد: (إن اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ مِنَ الناس بَعْدَ أن يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهُ وَلَكِنْ يَذْهَبُ بِالْعُلَمَاءِ كُلَّمَا ذَهَبَ عَالِمٌ ذَهَبَ بِمَا معه مِنَ الْعِلْمِ حتى يَبْقَى من لاَ يَعْلَمُ فَيَتَّخِذَ الناس رُؤَسَاءَ جُهَّالاً فَيُسْتَفْتَوْا فَيُفْتُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَضِلُّوا وَيُضِلُّوا).

ولقد رزئت الأمة في هذا العقد الثالث من المئة الخامسة بعد الألف بكوكبة من العلماء الربانيين تلاحقوا في سنوات قلائل؛ فَفُتِح على الناس بابٌ من الشر والفتن عريض، وكَثُر الاختلاف، واستنسر أهل الشر والفساد، وحقَّقُوا كثيرا من مآربهم الخبيثة، واستطاعوا في بضع سنوات تحقيق ما عنه عجزوا في خمسين سنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجبر الله تعالى مصاب المسلمين في علمائهم، وجعل في الخلف منهم عوضا عن السلف، والحمد لله على كل حال ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:157].



العلماء الربانيون أئمة الدين
 
الحمدُ لله العليم الحكيم، خَلَق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، نحمده فهو أهلُ الحمد، ونشكرُه فقد جعل الزِّيادة في الشُّكر، ونستغفره فهو أهلُ التقوى والمغفرة، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، رفع بدِينه أقوامًا، فكانوا أئمَّةَ هدًى، ومصابيحَ دُجًى، وأصحاب رُشْد وتُقًى، بهم يُزيل الناس جهلَهم، ويعرفون دِينَهم، ويتقرَّبون لربِّهم على بصيرة من أمرهم، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله؛ رفع الله - تعالى - ذِكْرَه في الأوَّلين والآخِرين، وأعلى مقامَه بين العالَمين، وبوَّأه مقامًا محمودًا يومَ الدِّين، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.
 
أما بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وتَمسَّكوا بحبلِه ولا تُفلتوه، والْزموا دِينَه ولا تتركوه، فإنَّه لا يأتي على الناس زمانٌ إلاَّ والذي بعدَه شرٌّ منه، ولا نجاةَ إلاَّ بالتقوى؛ ﴿ وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمر:61].
 
أيُّها الناس:
مَن تعلو به همتُه لا يرضى إلاَّ أن يكونَ وجودُه أوسعَ من محيط نفسه، فإذا هو قام بنفْع بلدِه، كان وجودُه بقدرِ بلدِه، بحيث يكون ذِكْرُه مالئًا له، وإذا هو قام بخِدمة أمَّته كلِّها بعِلم نافع يبذله لها، فإنَّ وجودَه يكون واسعًا بقدرِ سَعة أمَّتِه كلِّها، لا يجهل حقَّه قطرٌ من أقطارها، وإذا استطاع أن ينفع جميعَ البشر، فإنَّ وجودَه يكون بقدر العالَم الذي انتفع به.
 
وأمثالُ هؤلاء الرِّجال هم الذين يُوزن الواحدُ منهم بأمَّة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [النحل:120]، قال ابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: "الأُمَّة: مُعَلِّمُ الخَيْر"، وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "الأمة: الذي يُعلِّم الناسَ دِينَهم".
 
ونفْعُ الناس قد يكون نفعًا دنيويًّا، وقد يكون نفعًا دينيًّا، وهو الأنفع، وهو المراد بأن الخليل - عليه السلام - كان أمَّة، كما أنَّ الإمامة قد تكون في الدِّين، وقد تكون في الدنيا، وإذا اشتدَّتْ غُربة الدِّين، وقلَّ في الناس أتباعُه وأنصارُه، كان المتمسِّكون به الدَّاعون إليه أئمَّةً يوزن الواحدُ منهم بأمَّة، كما كان الأنبياء - عليهم السلام - في أقوامهم؛ ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [البقرة: 213]، قال مجاهد - رحمه الله تعالى - في هذه الآية: آدمُ أمَّةٌ وحدَه.
 
وأنال الله - تعالى - خليلَه إبراهيم - عليه السلام - الإمامةَ في الدِّين بعدَ أنِ ابتلاه بعظيم البلاء، فثبت على صبرِه ويقينه؛ ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾ [البقرة: 124]، ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصَّفات: 83 - 84]، ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النَّجم: 37].
 
لقد كان إبراهيم - عليه السلام - أمَّة؛ لأنَّه عاش دهرًا طويلاً لا يعبد الله - تعالى - ولا يُوحِّده في الأرض إلاَّ هو، ولا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر في الأرض سِواه، واجتمع فيه مِن الكمال والفضائل ما لم يجتمعْ في أحد قبلَه، ولا يجتمع عادةً إلاَّ في العدد الكثير من الناس؛ قال الخليل - عليه السلام - لزوجه سارة - رضي الله عنها -: ((إنِّي لا أعلَمُ في الأرض مُسْلِمًا غيري وغيرَك))؛ رواه مسلم.
 
ثم كانت إمامةُ الدِّين عقبَ الخليل - عليه السلام - في نسْله الصالحين: إسماعيل وإسحاق ويعقوب، ثم في عقب يعقوب: يوسف وموسى، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى وعيسى - عليهم السلام - لأنَّهم الأمَّة التي فضَّلها الله - تعالى - على العالَمين في وقتها؛ ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47].
 
قال الله - تعالى - في إبراهيم وآله مِن بني إسرائيل - عليهم السلام -: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73]، وقال - سبحانه - في موسى وأتباعه: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5].
 
ونالوا هذه الإمامةَ بصبرِهم ويقينهم؛ إذ إنَّ سُنَّة الله - تعالى - قاضيةٌ بأنَّ الإمامة في الدِّين لا تُنال إلاَّ بالصبر واليقين؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
 
ولَمَّا حادتْ بنو إسرائيل عن دِين رسلهم - عليهم السلام - وتَخلَّوْا عن مقوِّمات الإمامة من الصبر واليقين، سَلَبها الله - تعالى - منهم، فتحوَّلت الإمامةُ لآل إبراهيم من ابنه إسماعيل - عليهم السلام - ببعثة خاتم النبيِّين محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانت فيهم إلى آخِرِ الزمان؛ لأنَّ الله - تعالى - قضى بأنَّ الظالمين لا يستحقُّون الإمامةَ في الدِّين؛ ﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124].
 
فكان محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - إمامَ هذه الأمَّة، كما كان إمامَ الأنبياء - عليهم السلام - ليلةَ المعراج، وسلَّموا له بالإمامة قبلَ بَعْثته، وأخذ الله - تعالى - عليهم الميثاق بها، فكان عيسى - عليه السلام - تابعًا له، داعيًا إلى شريعته حين ينزل آخِرَ الزمان، وكان ورثة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن العلماء الربَّانيِّين هم أئمَّةَ الدِّين مِن بعده.
 
ومن أوائل أئمَّة الدِّين في هذه الأمَّة: زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - فإنَّه آمَن بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبلَ بَعْثته، ولم يبقَ من قريش على دِين الخليل - عليه السلام - سواه؛ كما روتْ أسماءُ بنت أبي بكرٍ - رضي الله عنهما - قالت: "رأيتُ زَيْدَ بن عمرِو بن نُفَيْلٍ قائمًا مُسْنِدًا ظَهْرَه إلى الكَعْبَة، يقول: يا معاشِرَ قريشٍ، والله ما مِنْكُم على دِينِ إبراهيم غيري"؛ رواه البخاري.
 
رأى - رضي الله عنه - قريشًا والعربَ عامَّة في ضلال، فجاب الأرض يبحثُ عن دين الله - تعالى - فقيل له: إنَّه يُبعثُ في أرضك نبيٌّ فعاد إلى مكَّة، وما كان يأكل شيئًا ذُبح لغير الله - تعالى - ومات قبلَ البَعثة، وقال فيه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يأتي يومَ القِيامةِ أُمَّةً وحْدَه))؛ رواه النسائي، وصحَّحه الحاكم، وقال: على شرط مسلم، ثم قال الحاكم بعد روايته: "ومَن تأمَّل هذا الحديثَ عَرَف فضلَ زيد وتَقدُّمَه في الإسلام قبلَ الدعوة"، وقد ذكر العلماء أنَّ ورقه بن نوفل - رضي الله عنه - تابع زيدًا على الحَنِيفيَّة، ولكنَّ ورقة عاش إلى وقتِ خروج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى أُنزِل عليه الوحي، ومات زيدٌ قبلَ الوحي.
 
وظلَّت إمامةُ الدِّين في هذه الأمَّة عقبَ بَعثةِ إمامِها محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان الصحابة - رضي الله عنهم - أئمَّةَ الدِّين، وخَلَفَهم التابعون، وأتباعهم من العلماء الربانيِّين في إمامة الدِّين إلى يومنا هذا، وكانوا يلتزمون الدعاءَ القرآنيَّ: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
 
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يدعو ويقول: "اللهمَّ اجعلني مِن أئمَّة المتَّقين". قال الحافظ ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى -: "وفي هذا الأُسوةُ الحسنة أن تكون همَّة المؤمن تدعوه إلى أن يكون إمامًا في الخير، وإذا كان إمامًا في الخير كان له أجْرُه وأجرُ مَن عمل بما علمه، وائتمَّ به فيما علمه، وأجزاه عنه".
 
وعلى قَدْرِ عِلم العالِم، وعمَلِه بما علم، ودعوته إليه، وصبره على الأذى فيه - تكون إمامتُه في الدِّين، وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "إنَّ مُعاذًا كان أُمَّةً قانتًا"، ومعاذ - رضي الله عنه - كان من فقهاء الصحابة العاملين، بَعَثَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى اليمن قاضيًا ومعلِّمًا.
 
إنَّ الإمامة في الدِّين لا تُنال بالوراثة، وقد حَرَص أربابُ البيوت الكبيرة في العِلم والجاه أن يجعلوا أولادَهم أئمَّة في الدِّين فما كانوا، وسبَقَهم في ذلك أبناءُ الضعفة والفقراء، فسادُوا بالعِلم والإمامة عليهم؛ لأنَّ الإمامة لا تُنال بالوراثة، وإنَّما تُنال بالصبر واليقين.
 
وفي عصْر التابعين، كان أبناءُ الجواري أئمَّةً بعِلمِهم وتقواهم، وكان كثيرٌ من أبناء السادة والأشراف هملاً، قال أعرابيٌّ لأهل البصرة: "مَن سيِّدُ أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن البصري، قال: بِمَ سادَهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى عِلمِه، واستغنى هو عن دُنياهم".
 
وقد يقف العالِم موقفًا في الحقِّ يستحقُّ به الإمامةَ في الدِّين، كما وقف الإمامُ أحمد ضدَّ بدعة المعتزلة، واجتمع عليه أهلُ الأهواء كلُّهم، وخَذَله الناسُ جميعًا، فثبت على الحقِّ وحدَه، فاستحقَّ أن يُخلع عليه وصفُ إمامِ أهل السُّنة، وإن كانت السُّنة قبله، وسبَقَه من أئمِّتها جمٌّ غفير من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولكنَّه وقف موقفًا لم يقفْه عالِم في زمنه، حتى قال بعضُ العلماء: "لم يُظهِر أحدٌ ما جاء به الرسول كما أظهرَه أحمدُ بن حنبل".
 
وقد يَظهر العالِمُ في زمنٍ فشا فيه الجهل، واضْمحلَّ العِلم، وماتت السُّنن، وظهرتِ البدع، وكثرتِ الأهواء، فيَحمل العالِم لواءَ تبليغ العِلم، وإزالةِ الجهل، ونشْر السُّنَّة، ومحاربة البِدعة، ويؤذَى في سبيل ذلك، فيصبر ويحتسب حتى يُظهِر الله - تعالى - دعوتَه، فينال منزلةً الإمامة في الدِّين؛ كما وقَعَ لشيخي الإسلام: ابن تيمية، وابن عبدالوهاب - رحمة الله تعالى عليهما.
 
فحريٌّ بأهل العِلم أن يقوموا به تعليمًا ودعوةً وصبرًا ويقينًا، وحريٌّ بالناس أن يأتمُّوا بالعلماء العاملين؛ فهم أئمَّة الدِّين، وحريٌّ بكلِّ مسلم أن يلزم هذا الدُّعاء المبارك: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فعسى الله - تعالى - أن يستجيب دعاءَه، فيجعل إمامةَ الدِّين فيه، أو في عقبه.
 
بارك الله لي ولكم في القرآن...
 
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضَى، نحمده على نعمه وآلائِه، ونشكره على إحسانه، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.
 
أما بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
 
أيها المسلمون:
بَيْن وفاةِ عالِم ربَّانيٍّ أمضى حياتَه في العِلم والتعليم والدعوة والحسبة، وبين هلاك مُغنٍّ سافل منحطٍّ أمضى حياتَه في الغِناء الرقيع، والرقص الخليع، بين هذا وذاك تتمايز الصفوف، وتتباين القلوب، وتختلف مواقفُ الناس، فيَبِين أهلُ الحقِّ والإيمان والصلاح مِن أهل الباطل والنِّفاق والفساد.
 
ولَمَّا كان العلماء الربانيُّون هم أئمَّةَ الدِّين، وورثةَ المرسَلِين، لم يستحقَّ أن يكون أتباعُهم إلاَّ الخُلَّصَ من المؤمنين، يفرحون بمجالسهم، ويحتفون بأقوالهم، ويَرِقُّون لمواعظِهم، ويرجعون إليهم في أمور دِينهم، ويلتزمون بفتاواهم؛ لعِلمهم أنَّهم معظِّمون للشريعة، متَّبِعون للكتاب والسُّنة، ويحزنون لوفاة الواحد منهم أشدَّ الحزن؛ لِمَا يفقدونه من عِلمه وهديه، متمثِّلين في ذلك قولَ الإمام الآجُرِّيِّ - رحمه الله تعالى - حين قال: "ما ظنُّكم - رحمكم الله تعالى - بطريق فيه آفاتٌ كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكِه في ليلةٍ ظلماء، فقيض لهم فيه مصابيح تُضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءتْ طبقاتٌ من الناس لا بدَّ لهم من السُّلوك فيه، فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طُفِئت المصابيحُ، فبقوا في الظُّلمة، فهكذا العلماء في الناس". اهـ.
 
وأمَّا أهل النِّفاق والفساد، فلا يحتفون بأئمَّة الدِّين، ويفرحون بموتِ العلماء الربَّانيِّين، ولا يكون حزنُهم وبكاؤهم إلاَّ على هلاك الزنادقة والمرتدين، والفسقة من المغنِّين والشهوانيِّين، وحينئذ فلا عجبَ أن يتباكى الإعلامُ الضالُّ المضل، ويتأثَّر أزلامُه الفسقة المفسِدون بهلاك مغنٍّ شاذٍّ مفسد، قضى حياتَه في الغِناء الماجن، والرقص العاهر، فلا يرثي العاهرَ إلاَّ عاهرٌ مثلُه، فتلك منزلتُهم التي وُضعوا فيها واستحقوها؛ إذ كان القائدُ لهم شهواتِهم لا عقولهم.
 
وهؤلاء الفسقةُ بإعلامِهم الفاجر لا يُمثُّلون حقيقةَ الأمَّة ولا نبضَها، ولا يستحقُّون الكلام باسمها، فهم مَفْروضون على الناس في زمنِ الإرهاب الفِكري، والرأي الأُحادي الإقصائي.
 
وتظهر حقيقةُ الأمَّة ونبضُها في جنائزِ أئمَّة الدِّين، من العلماء الربَّانيِّين، والصالحين المصلحين، حين تجتمع الجموع في تشييعهم، وتبكي القلوب قبلَ العيون لفراقهم، وتَحمِلهم قلوبُ الرِّجال قبلَ أكتافهم، ولقد كان الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - يقول: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يومُ الجنائز"، ويومَ مات أحمدُ تعطَّلت مساجدُ بغداد من كثرة المشيِّعين، حتى قال أبو صالح القنطري - رحمه الله تعالى -: "شهدتُ الموسم - أي: الحج - أربعين عامًا، فمَا رأيتُ جمعًا قطُّ مثلَ هذا"؛ يعني: مشهدَ جنازة الإمام أحمد - رحمه الله تعالى.
 
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "صدَّق الله - تعالى - قولَ أحمد في هذا، فإنَّه كان إمامَ السُّنَّة في زمانه، وعيونُ مخالفيه: أحمد بن أبي داؤد - وهو قاضي قضاة الدنيا - لم يحتفل أحدٌ بموته، ولم يلتفتْ إليه، ولَمَّا مات ما شَيَّعه إلاَّ قليلٌ من أعوان السلطان، وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زُهدِه وورعه وتنقيره، ومحاسبته نفسَه في خطراته وحركاته، لم يُصلِّ عليه إلاَّ ثلاثةٌ أو أربعة من الناس، وكذلك بِشْر بن غِياث المريسي لم يُصلِّ عليه إلاَّ طائفة يسيرة جدًّا، فلله الأمر من قبلُ ومن بعد، وقد روى البيهقي عن حجَّاج بن محمد الشاعر أنَّه قال: "ما كنتُ أحبُّ أن أُقتلَ في سبيل الله، ولم أُصلِّ على الإمام أحمد". اهـ.
 
فمَن أراد معرفةَ حقيقة الأمَّة، فلا ينظر إلى ما يُعرَض في إعلامها المضل، وإنَّما ينظر إلى جنائز أئمَّة الدِّين فيها؛ ليعلمَ حقيقة ما عليه الناس من محبَّة العِلم والعلماء، وتحيُّزهم للدِّين وأهلِه، ولو قال المفسِدون غيرَ ذلك.
 
وإذا ذَهَب العِلم ذَهَب الدِّين، وهذا يقع في آخِرِ الزمان؛ كما في حديث عبدالله بن عَمْرِو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رَسُولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ اللَّهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا ينتزعُه من العِباد، ولكن يقبضُ العِلم بقبْض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير عِلم، فضلُّوا وأضلُّوا))؛ متفق عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:26 pm

الانتصار لعلماء الشريعة
 
الحمدُ لله العليم القدير؛ رَفَع شأنَ العِلم والعلماء، فجعلهم أهلَ خشيته؛ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وأنكر - سبحانه - التسوية بينهم وبين الجَهَلة بشريعته؛ ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزُّمر: 9]، نحمده على وافرِ نِعمه، ونشكره على جزيل عطائِه؛ فهو خالقُنا ورازقنا وهادِينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له؛ ربُّ كلِّ شيء ومليكُه، خَلَق الخَلْق فأحصاهم عددًا، وكلُّهم آتِيه يوم القيامة فردًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ إمام الأنبياء والمرسلين، وسيِّد العلماء الربَّانيِّين، وقدوة الأئمَّة المحتسبين، أوذي في الله - تعالى - فصَبَر صبرًا جميلاً ليس فيه شكوى، فلمَّا أظهره الله - تعالى - صفَح صفحًا جميلاً ليس فيه انتقام، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.
 
أما بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واستمسكوا بدِينكم، وسَلُوا الله - تعالى - الثباتَ عليه، فمَن رأى كثرةَ المخذِّلين والمنتكسين بانَ له عِظمُ الابتلاء في الدِّين، وأهميَّة الثبات على الصراط المستقيم، ولا يأتي على الناس زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه؛ كما أخبر بذلك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والسعيدُ مَن وافى على الحق، والشقي مَن استبدل الضلالَ بالهدى؛ ﴿ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17].
 
أيها الناس:
للعِلم والعلماء في الإسلام مقامٌ رفيع، ومنزلة كبيرة؛ فهم وَرَثة خيرِ خَلْق الله - تعالى - وهم الأنبياء - عليهم السلام - في خير ما وَرِثوا، وهو دِين الله - تعالى - فورِثوا خيرَ ميراث من أفضل مُوَرثين، ويَكفيهم شرفًا أنَّ الله - تعالى - أثنَى على عقولهم: ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، وأخبر عن نقْص عقول مَن لم يأخذوا عنهم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، وكان الحَسن البصريُّ - رحمه الله تعالى - يقول: "لولا العلماءُ لصار الناس مثلَ البهائم".
 
ولولا العلماءُ من عهْد الصحابة - رضي الله عنهم - إلى يومِنا هذا لضاع الدِّين؛ فهم حملتُه ومبلِّغوه، يقول ابن حزم - رحمه الله تعالى -: "واعلموا أنَّه لولا العلماءُ الذين ينقُلون العلمَ ويُعلِّمونه الناس جيلاً بعدَ جيل، لهلَك الإسلام جُملة، فتدبَّروا هذا، وقِفوا عنده، وتفكَّروا فيه".
 
ولأجْل أنَّ العلماء حَملةُ الدِّين ومبلِّغوه عن الله - تعالى - كان انتقاصُهم والطعن فيهم، والتنفير منهم، والتأليب عليهم - نوعًا من الصدِّ عن دِين الله - سبحانه - وسببًا لطمْس الهُدى ونشْر الضلال، وطريقًا لإخفاء الحقِّ وإظهار الباطل؛ لأنَّ مَنْ فَعَل ذلك فهو يريد الحيلولةَ بين الناس وبين مَن يُبلِّغون الهُدَى؛ ليصرفَهم عنهم فيَضِلُّوا، ومَن صدَّ عن دين الله - تعالى - بأي طريق كان، وأراد أن يكون الناس على عِوجٍ فهو ملعونٌ بنصِّ القرآن: ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [هود: 18 - 19].
 
والعلماء هم مِن أولياءِ الله - تعالى - حتى قال الإمامان أبو حنيفة والشافعي - رحمة الله تعالى عليهما -: "إنْ لم يكن العلماءُ أولياءَ الله، فليس لله ولي"، ومَن حارب أولياء الله - تعالى - فقد استحلَّ محاربةَ الجبَّار - جلَّ وعلا - كما قال - سبحانه - في الحديث القدسي: ((مَن عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ))؛ رواه البخاري.
 
ومِن أعظم آثار ذلك العاجلة موتُ القلْب؛ لأنَّ مَن انتقص نقلةَ الدِّين، هان الدِّين في قلبه، وسهُل عليه أن يتوجَّه بالطعْن المباشِر في أحكام الله - تعالى - وحدودِه، ومَن سَبَر أحوال كثيرٍ ممَّن يرفضون أحكامَ الله - تعالى - ويطعنون في شريعتِه، أو يستميتون في تأويلها وتحريفها، يجدْ أنَّ بدايات انحرافاتِهم كانتْ بالطَّعْن في العلماء، فعُوقبوا بالجرأة على الدِّين كلِّه تأويلاً وتحريفًا، وردًّا وانتقاصًا، نعوذ بالله - تعالى - من الضلال والهوى، وفي هذا يقول الحافظ ابن عساكر - رحمه الله تعالى -: "كلُّ مَن أطلق لسانَه في العلماء بالثلبْ بلاه الله - عزَّ وجلَّ - قبل موته بموتِ القلْب"، وذَكَر رجلٌ عالمًا بسوء عند الحسن بن ذكوان - رحمه الله تعالى - فقال: "مهْ، لا تذكرِ العلماء بشيء فيُمِيتَ الله - تعالى - قلبَك".
 
والأصلُ أنَّه لا يَطعن في علماء الشريعة، ولا يَرضى بالطَّعْن فيهم إلاَّ أهلُ الأهواء والنِّفاق؛ لأنَّ العلماء يحولون بينهم وبين نشْر النِّفاق والفساد، والابتداع في الدِّين؛ إذ ببيان العلماء يَظهر العِلم، ويُرفع الجهل، وتُزال الشُّبهة، وتُصان الشريعة، ويكون الناس على طريق مستقيمة، ومحجَّة واضحة، لا غموضَ فيها ولا الْتباس؛ ولذا كان أئمَّة من السَّلَف الصالح إذا رأَوْا مَن يَطعن في عالِم ربَّانيٍّ اتهموه في دِينه، وجعلوا ذلك قاعدةً عند الناس، حتى لا يغترُّوا بطعنه، قال يحيى بن معين - رحمه الله تعالى -: "إذا رأيتَ الرجل يتكلَّم في حماد بن سلمة، وعِكرمة مولى ابن عباس، فاتهمِه على الإسلام"، وجاء مِثلُ ذلك عن عدد من علماء السَّلف - رحمهم الله تعالى.
 
بل إنَّ مجرَّد الاستخفاف بعالِم الشريعة - ولو لم يطعن فيه - سببٌ للضلال والإضلال؛ لأنَّ مَن استخفَّ بالعلماء لم يأخذْ عنهم، واتَّبع هواه في دِينه فَضَلَّ، وأَضَلَّ مَن تبعه، وفي هذا يقول ابن المبارك - رحمه الله تعالى -: "مَن استخفَّ بالعلماء ذهبتْ آخرتُه، ومن استخفَّ بالأمراء ذهبتْ دنياه، ومن استخفَّ بالإخوة ذهبتْ مروءتُه".
 
ومَن فَرِح بمصاب العلماء أو موتهم، أو أرادَ من الناس العزوفَ عنهم، أو دعا إلى عدم اعتبار أقوالهم، أو رغَّب في الإقلال من دروسهم ومحاضراتهم، أو طالَب بتقليص المناهج الشرعيَّة في مراحل التعليم - فإنَّما يبتغي بذلك تجهيلَ الناس بدِينهم، وإبطالَ شريعة الله - تعالى - فيهم، وإطفاء نورِه الذي استضاؤوا به، ونَقْلَهم من الهُدى والنور إلى الضلال والظلام، سواء قَصَد ذلك أم لم يَقصدْه، قال أيوب السَّخْتِيَاني - رحمه الله تعالى -: "إنَّ الذين يتمنَّوْن موتَ أهل السُّنَّة يريدون أن يُطفئوا نورَ الله بأفواههم، والله مُتمُّ نورِه ولو كره الكافرون".
 
إنَّ من أعظم أسباب الاتِّباع والهُدى، ومجانبة البِدع والهوى، والنجاة من سُبل أهل الردَّى: محبَّةَ علماء الشريعة الربانيِّين، ومعرفةَ قدرِهم، وحفظَ مكانتهم، والذَّبَّ عن أعراضهم، والانتصارَ لهم ممَّن بغى عليهم، حتى إنَّ السلف الصالح جعلوا محبةَ العالِم الربانيِّ دليلَ الهدى والاتباع، والسلامة من الهوى والانحراف، وفي هذا يقول أبو حاتم الرازي - رحمه الله تعالى -: "إذا رأيتَ الرجل يحبُّ أحمد بن حنبل، فاعلمْ أنَّه صاحِب سُنة".
 
ويحسُّ الواحد منهم إذا مات عالِم أنَّه قد أصيب هو في جسده؛ كما قال أيوب السَّخْتياني - رحمه الله تعالى -: "إني أُخبَر بموت الرجل من أهل السُّنَّة، وكأنِّي أفقِد بعضَ أعضائي".
 
وربَّما تمنَّى بعضهم أن يتنازلَ عن شيء من عمره؛ ليَزيدَ في عمر عالِم من أجْل نشْر دِين الله - تعالى - ونفْع الناس بالعِلم؛ كما قال يحيى البِيكَنديُّ - رحمه الله تعالى -: "لو قدرتُ أن أَزيد في عُمر البخاريِّ من عمري لفعلتُ، فإنَّ موتي يكون موتَ رجل واحد، وموتَه ذهابُ العِلم".
 
ومِن شدَّة محبَّة أهل الإيمان للعلماء:
أنَّهم يخصُّونهم بالدعاء لهم؛ اعترافًا بفضلهم، ومكافئةً لهم على معروفهم بنشْر العِلم، ورفْع الجهل، قال الحسن بن أحمد بن الليث: "سمعتُ أحمد بن حنبل، وسأله رجلٌ فقال: بالريِّ شابٌّ يقال له: أبو زُرْعَة، فغضب أحمدُ، وقال: تقول: شابٌّ؟! كالمنكِر عليه، ثم رَفَع يديه، وجعل يدعو الله - عزَّ وجلَّ - لأبي زرعة، ويقول: اللهمَّ انصرْه على مَن بغَى عليه، اللهم عافِه، اللهمَّ ادفعْ عنه البلاء، اللهمَّ اللهمَّ في دعاء كثير، قال الحسن: فلما قدمتُ حكيت ذلك لأبي زرعة، وحملتُ إليه دعاءَ أحمد بن حنبل له، وكنتُ كتبتُه عنه، فكتبه أبو زرعة، وقال لي أبو زرعة: ما وقعتُ في بليَّة، فذكرتُ دعاءَ أحمد إلاَّ ظننت أنَّ الله تعالى يُفرِّج بدعائه عنِّي".
 
وكان حمَّاد بن أبي سليمان شيخًا لأبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - فعَرَف له أبو حنيفة فضلَه، وحَفِظ مكانتَه، حتى قال: "ما صليتُ صلاةً منذ مات حمَّاد إلاَّ استغفرتُ له مع والدي، وإني لأستغفر لِمَن تعلمتُ منه علمًا، أو علمتُه علمًا".
 
تلك كانتْ منزلةَ العلماء عندَ أسلافنا، وواجبٌ علينا أن نقتديَ بهم في توقير العِلم والعلماء؛ فإنَّ ذلك من إجلال الله - تعالى - وتعظيمِ شريعته، وامتثال أمرِه، وقد روي في الحديث: ((إِنَّ من إجْلالِ الله إِكْرامَ ذي الشَّيْبَةِ المُسْلِم، وحامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغالِي فيه وَالْجَافِي عنه، وإِكْرامَ ذي السُّلْطانِ الْمُقْسِط))؛ رواه أبو داود، قال الشعبي - رحمه الله تعالى -: "أَمسَكَ ابنُ عبَّاس برِكاب زيدِ بن ثابتٍ، وقال: هكذا يُفعل بالعلماء".
 
فمَن رفعهم الله - تعالى - وجَبَ رفعُهم، وقد قال - سبحانه -: ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].
 
حَفِظ الله - تعالى - علماءَ الأمَّة الربانيِّين، وأعلى ذِكرَهم، وزادهم من فضلِه، ونفع بهم خلقَه، وردَّ عنهم قالةَ السوء، إنَّه سميع قريب.
 
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
 
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
 
أمَّا بعد:
فاتقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
 
أيها المسلمون:
مِن حقِّ المسلِم على أخيه المسلِم أن ينصرَه ظالمًا، بأن يردَعه عن ظلمه، وأن ينصرَه مظلومًا، بأن يرفَع الظلمَ عنه.
 
والظلم قد يكون قولاً، وقد يكون فِعلاً، ومِن ظُلْم القول: غِيبة المؤمن، وبهتُه وذَمُّه، والطعن فيه، ومِن انتصار المؤمن لأخيه المؤمن ردُّ ذلك، وقد جاء في حديث أبي الدَّرْداءِ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن رَدَّ عن عِرْضِ أخيه المُسلِمِ كان حَقًّا على الله - عزَّ وجلَّ - أن يَرُدَّ عنه نارَ جَهَنَّمَ يومَ القِيامَة))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وفي حديث آخَرَ: ((مَن حَمَى مُؤْمنًا من مُنافِقٍ - أُرَاه قال: - بَعَثَ الله مَلَكًا يَحمِي لَحْمَه يومَ القِيامةِ من نارِ جَهَنَّمَ...))؛ رواه أبو داود.
 
فإذا كان ذلك في ردِّ المسلِم عن عِرْض أخيه المسلِم، والانتصار له في مظلمتِه، فكيف إذًا بالردِّ عن أعراض العلماء الربانيِّين، والانتصار لهم من طَعْن الطاعنين، ولا سيَّما إذا علمنا أنَّ طعون كثيرٍ منهم في أهل العِلم ليستْ لذات العالِم، وإنَّما هي لأجْل تبليغهم العِلم، وبيانهم للحق، واحتسابهم على الناس بأمرِهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؟! فالواجبُ والحال هذه أعظم؛ لأنَّ في الذبِّ عن العلماء ذَبًّا عن الشريعة، وفي الانتصار لهم انتصارًا للمِلَّة.
 
إنَّ ظاهرةَ الطعْن في العلماء الناصحين، والتقليل مِن شأنهم، ودعوة الناس للعُزوف عنهم، والمطالبة بإسكاتهم، أو إبدال غيرِهم بهم من أهل السُّوء والضلال الذين يُحرِّفون الكَلِم عن مواضعه - كل ذلك كان - ولا يزال - دأبَ المنافقين من عهْد الرِّسالة، حين سَخِروا بقُرَّاء الصحابة - رضي الله عنهم - في غزوة تبوك إلى يومِنا هذا، فأنزل الله - تعالى – فيهم: ﴿ قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65 - 66] ذلك أنَّ خفافيشَ الظلام من أهل الأهواء والبِدعة، والتغريب والفساد، لا يستطيعون القيامَ بوظائفهم في إضلالِ الناس وغوايتهم إلاَّ حين يسودُ الجهلُ بالشريعة، ويَضمحِلُّ العلم بموت العلماء، أو بسكوتهم عن بيان الحقّ، والنُّصح للخلق.
 
وما الحملةُ الشعواء القَذِرة التي يقودها أذنابُ الغرْب، ودعاة التغريب في بلاد المسلمين ضدَّ العلم والعلماء إلاَّ حلقة من حلقات تجهيل الأمَّة، وصَرْفها عن دِين الله - تعالى - إلى مناهجهم المنحرِفة، يقومون بهذه المهمَّة الخسيسة؛ امتثالاً لإملاءاتِ الغرْب في تقاريرهم الإستراتيجيَّة بقصْد اختراق بلادِ المسلمين وإفسادها، ولا يتورَّعون في سبيل تحقيق مرادِهم عن الكَذِب والبهتان، والتزوير والتأليب؛ ذلك أنَّه لا يردَعُهم عن بَغْيهم دِينٌ، ولا أخلاق، ولا مُروءة، فَهُم وُصوليُّون ذرائعيُّون، الغاية عندَهم في إفساد الناس تُسوِّغ كلَّ وسيلة مهما كانت حقارتُها وصفاقتها.
 
وواجبٌ على أهل الإيمان عدمُ تصديقِ هؤلاء المفسدِين في أكاذيبهم، ولا الانسياق خَلْف أراجيفهم؛ فإنَّهم دُعاةٌ على أبواب جهنَّم مَن أجابهم قذفوه فيها، كما يجب على أهل الإيمان الذَّبُّ عن العِلم والعلماء، ومعرفة قدرِهم، وحِفْظ مكانتهم، والصدور عن أقوالهم؛ فإنَّهم أقربُ الناس إلى الحقّ، وأنصحُهم للخلق؛ لأنَّهم ورثة الأنبياء - عليهم السلام - ولا أحدَ في البَشر أعلمُ من الأنبياء، ولا أكثر نُصحًا منهم، وقد قال الله - تعالى - فيهم: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [الأنبياء: 73] كما قال في العلماء: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:27 pm

العلم والتعليم في خدمة المجتمع

فمن القضايا المقرَّرة أنه لا خير فيمَن لا خلودَ له، ولا خلود لمن يقف نفسه على نفسه، أو يقف بفكره في مجتمعه عند مخلّفات الماضي الذي طُوِيت صفحته، وكذلك لا خلود لمن يقود مجتمعه على غير أساسٍ من شخصيَّته التي يَنبع احترامها من قلبه، ويَنحرف إلى العواصف التي تُرسلها القوى المضادة، بزعْمِ أن فيها خدمة المجتمع وبها حياته.
 
ولكن الخلود لمن يقف فكره وراحته لخير مجتمعه، الذي يلبِّي حاجة إحساسه ووِجدانه ووقته، ثم يُخلِّص عوامل التوجيه من آثار المخلفات الزمنية البالية، ويَصونها من العواصف الهَوجاء، التي تثار حول مجتمعه ابتغاء زَلزلته عن مصدر حياته: عقيدته، وإيمانه.
 
وليس من شكٍّ في أن أوَّل ما يُشاد عليه بناء المجتمعات الفاضلة، التي تَعرف حقها وواجبها في الحياة، هو "العلم والتعليم".
 
وقد كان العلم والتعليم بمعناهما الواسع - الذي يتناول ظاهر الحياة وباطنها، ووسيلتهما، وهي مَحو الأمية - أوَّل لَبِنة تُوضَع في بناء الشخصية للمجتمعات الإسلامية، ولا أدلَّ على ذلك من أن يَجيء أول نداء إلهي لرسول تلك الشخصية: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
 
وعلى هذا الأساس نشأ المجتمع الإسلامي، وغاص بفكره في ملكوت السموات والأرض، حتى اقتعَد مركز الأستاذية العلمية والتوجيهية في العالم كله، ثم جاءت عهود أُصيب فيها بنكسة في حياته، وشُغِل القائمون بالأمر فيه عن متابعة السير في طريق الصون والكمال، وناموا عن العمل في تنمية العلم، وانتقاء الطرق المُثلى في التعليم، وكذلك أُهمِل في تعليمه عنصرُ التربية والتهذيب الذي يَملِك عليه قلبه وضميره، ويَحتفظ له بكلِّ الآثار الطيبة التي يَرقُبها الناس من العلم، والتي تحقِّق فيه رِباط الوَحدة في الشعور والإحساس والهدف.
 
جاءت تلك العهود وامتدَّ بها الوجود، حتى اتَّصلت بحياتنا الحاضرة، ورأيناها في معاهد العلم والتعليم، وفي ذلك الجو الذي انعقَد فيه على رؤوس الناس غُبار الفتن السياسية والحزبية، والتنافس على مراكز الحكم - وَجَدت عواملُ الهدْم الأجنبية الفرصةَ سانحةً، فأخَذت تَنفُث سمومها الفتَّاكة في أجهزة المجتمع؛ من اقتصاد واجتماع، وتربية وعقيدة، وإيمان وأخلاق.
 
أخذت بإرساليَّاتها وكُتبها وجمعيَّاتها، والأقلام المأجورة في هدْم ذلك البناء الشامخ، واقتلاع شخصيَّته من نفوس أبنائه ووَرَثته، وبذلك قضَت فيما بيننا على العلم بمعناه الصحيح، قضَت على الرحم العلمي والوطني والإسلامي بين أبناء الأمة، ووقع المجتمع في اضطراب فكري، يَتبعه اضطراب عملي، فتَزعزَعت جوانبه، وتَزلزَلت أركانه، وكاد يُسلم نفسه وحياته.
 
ولكن الله الذي يغار على مجتمع التوحيد والإيمان، أسعَفه بفِتْيَة من أبنائه، تَفهم نفسها، وتفهم مجتمعها، وتَعرف معنى الخلود، وتَتلمَّسه من وجوهه الصادقة، فأخذوا بإيمانهم - الذي هو من إيمان المجتمع - يعملون جاهدين في إنقاذ المجتمع من شرِّ ما نزَل به، أخذوا يَبحثون ويُنقِّبون، ويستعرضون ويختارون ويُنفِّذون، وكان ذلك شأنهم وخُطتهم في خدمة المجتمع وتقْويمه من كل نواحيه، وكان من ذلك ندوة: "العلم والتعليم في خدمة المجتمع"، تدعو إليها وزارة الشؤون، ويَرْأسها وزير التربية والتعليم.
 
ليس من شكٍّ في أن هذه العهود التي أشرنا إليها، وقَفت عند حدٍّ من العلم والتعليم، لا يَنهض بمسايرة مجتمعنا لِما حوله من مجتمعات العالم، ومكَّنت في الوقت نفسه للقوى المضادة أن تعمل على سَلْخ شخصيَّته التي كُوِّن عليها من جهة إيمانه وإحساسه، وبذلك وقف وقفة المَبهوت الحائر، المتردِّد بين إيمانه وإحساسه، وبين ما غرَسته فيه تلك العهود.
 
فإذا كنا نريد حقًّا أن نُنقذ مجتمعنا من هَوْل ما أُصيب به من داخله وخارجه - وهو الذي أعتقده ولا أشكُّ فيه، وهو الذي تقوم الدلائل في كل يوم وفي كل وقت على صِدقه، وعلى الإيمان به - فإنه يجب علينا أن نؤمن بأن لكلِّ مجتمع خصائصَ وشؤونًا نفسية وقلبية، عليها نشَأ وبها آمَن، وأن نؤمن بأن أساس تعليمه المثمر وخدمته المفيدة، هو ما طُبِع عليه من تلك الخصائص وتلك الشؤون، وأنها وحدها هي التي تُملي عليه عوامل الثبات والنمو في سبيل ما يرسم له من مناهج الخير والتقدُّم.
 
ولا ريبَ أن قادة اليوم من صميم المجتمع، شخصيَّتهم شخصيته، وإيمانهم إيمانه، وإحساسهم إحساسه، وإذًا فليس أمامنا ما يَعوقنا عن اتخاذ شخصيَّتنا الخاصة، شخصية الإحساس والإيمان، العنصر الأول في التعليم والتهذيب.
 
وإني أعتقد أن قادة اليوم لا يَقنعون - بمقتضى إيمانهم - أن يَقفوا بهذا العنصر عند منهج التعليم في المرحلة الأولى، هذه المرحلة التي لا يتذوَّق الطالب فيها طعْم شخصيَّته، ولا يَعرفها إلا بكلمات يَضطرب معناها ومدلولاتها في ذِهنه، ولا يستطيع أن يكون له منها شخصية معنوية يسير بها في طريق الكمال والنضج.
 
إن قادة اليوم يعرفون حقَّ المعرفة أن القوى المضادة تعمل من كل جانب - في مُحيطنا المِصري - على نبْذ المبادئ الإيمانية التي تكوَّنت بها شخصيته، ويعرفون حق المعرفة أن الجرائم الخُلقية والاجتماعية التي تقع في حياتنا على غير مثال سابقٍ، ونقرؤها في الصحف والمجلات - أوضحُ مظهر لنجاح هذه القُوى المضادة في ثورتها على شخصيَّتنا الفاضلة.
 
وإذا كنا نعرف ذلك حق المعرفة، وصِرنا فعلاً إلى حياة الحرية الصادقة، المُكْنة العملية التي تَرفع عنا ضغط القوى المضادة في حياتنا الاجتماعية - فقد أصبح لزامًا علينا أن نَسير في طريق الكمال التهذيبي، كما نسير في طريق الكمال الاقتصادي والصناعي والسياسي، وبهذا نستطيع من طريق قريب أن نستردَّ ما فقَدناه من عزَّة وكرامة.
 
لا ينبغي لنا أن نُصيخ إلى تلك الصيحات التي تَنطلق من حينٍ إلى آخر في جو مجتمعنا المصري بأسماء خلاَّبة، لها ما وراءها من زلزلة المجتمع في معتقداته وأخلاقه، ثم في انسلاخه عن نفسه، وذوَبانه في غيره، هذه الصيحات التي تنطلق كلها باسم المذاهب الحديثة في الاقتصاد والاجتماع، والتربية والإيمان، وهي في واقعها تدور كلها حول نقطة واحدة، هي العمل على طرْح القِيم الأخلاقية، والمبادئ الروحية الإيمانية التي تجعل من الإنسان رقيبًا على نفسه، والتي تُلبِّي طبيعته في الخضوع للضمير الإيماني الذي يخشاه ويعمل على إرضائه.
 
إذا صح أن يكونَ من مذهب الحرية والوجودية والمنفعية أساس لحياة، فهي أساس لحياة أصحابها فقط، أما أنها تكون أساسًا عمليًّا لحياة الأمم والجماعات - وخاصة الأمم والجماعات التي تؤمن بشخصيَّتها، والتي لا تشعر قلوبها بشيء من الخير لهذه المذاهب - فهذا إن أمكَن أن يَضرب على الأمة بسيف القهر والقوة، فلا يَعدو شأنه شأنَ الإكراه الذي لا يعرف الإخلاص والإيمان، الإكراه الذي به يقع الإنسان في اضطراب وزَلزلة بين ضميره وبين القوة المجردة في وجهه، المُسلطة على رأسه.
 
وهذه حياة لا يمكن أن يقومَ عليها مجتمع مثالي فاضل، وهي فوق ذلك مُعرَّضة في كل وقتٍ لثورة النفوس عليها، وترقب الفرص التي تَرفع عن كاهلها قوى الضغط في سلوك سبيلها، كما نعرفه حق المعرفة في شعوب كانت معنا في الشخصية بالأمس، ثم حمَلها قادتها على غير تلك الشخصية.
 
إن بناء الحياة على عنصر الإيمان والإحساس الطبيعي الذي خُلِق الإنسان على تَلبيته بصدق وإخلاصٍ - هو ما رسَمه الله للإنسان منذ أن دبَّرت له قوة الشر ما دبَّرت؛ ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 123- 127].
 
هذا هو الأساس الذي يَملك باطن الحياة قبل ظاهرها، وهو الذي يَنبع من القلب والوِجدان، من قبل أن تمرَّ عليهما التيارات العقلية المنحرفة والمتضاربة.
 
إن وصايا الدين - كما تُؤخَذ من مصادرها الصحيحة، ومن قبل أن يَعبث بها العقل الإنساني، فيَصرفها إلى غاية بشرية معيَّنة - لتَقفُ بالإنسان في جميع نواحيه عند حدِّ التوازن والاعتدال، وبذلك يُصان المجتمع عن الركود في نموِّه وتكامُله، وعن الطُّغيان في سلوكه وتصرُّفه.
 
وهذا هو ما يرمي إليه الإرشاد الإلهي حينما يقول: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار ﴾ [هود: 112- 113].
 
فالاستقامة ليست سوى الوقوف في مستوى التوازن، والطغيان ليس سوى الانحراف عن هذا المستوى، والركون إلى الظالمين ليس سوى متابعة أرباب الأهواء والأفكار النادَّة، الذين يحاولون صَرْف الناس عن حدِّ التوازن.
 
إني أتخيَّل صوتًا يتردَّد في بعض الصدور، ويكاد يُفصح عن نفسه: ما هذا الذي يريدنا الشيخ عليه؟ أيريدنا أن نُطلق للرجل حريَّته في طلاق زوجه، فيتشرَّدَ أبناؤه وبناته، وفي تزوَّجه بأربع؟ فتَلتهم بيتَه وأسرتَه نارُ العداوة والبَغضاء؟ أيريدنا أن يُحالَ بين الفتى وخطيبته دون أن يتعرَّف كلٌّ منهما خواص صاحبه واتجاهاته؟ أيريدنا أن تظلَّ البنت في بيت أبيها محرومة من العلم والسعي والعمل، وهي إنسان يحب العلم والمعرفة، ويهفو إلى الأعمال ويُحسنها؟! أيريدنا أن تظلَّ المرأة هضيمة الجَناح، تُساق إلى بيت الطاعة بالقوة والضغط، وتُعطى النصيب الأقل بالنسبة لأخيها وزوجها في التَّرِكة والميراث؟! أيريدنا أن نُغلق المصارف المالية والشركات التعاونية، التي تقوم بضرورات المجتمع وخِدماته، بما يُحقق للناس سعادتهم ويُمكنهم من معيشتهم؟ أيريدنا أن نضغط الحرية الشخصية، فلا يسمح للمرأة بحقِّ الاجتماع، ولا بحق الاختلاط ولا بحق الخَلْوة؟ أيريدنا أن نَحكم بقطْع يد السارق لدراهم معدودة قد تكون الحاجة هي التي دفَعته إلى أخْذها؟ وأخيرًا أيريدنا أن نترك مجالسنا الساهرة التي نُرَفِّه بها عن أنفسنا، ثم نَخلع أحْذيتنا وملابسنا؛ لنتوضَّأ ونصلي قبل فوَات الوقت؟ أيريدنا أن نغضَّ أبصارنا عن التمتُّع بالجمال السافر، الذي تتوارد علينا صُوره في الطرقات والمجتمعات؟ وهكذا أتخيَّل هذا الصوت يتردَّد في صدر صاحبه بهذا وأمثاله مما نسمع ونقرأ.
 
وإني لأُجمل الرد على هذا الصوت بكلمتين اثنتين:
أُولاهما: إن هذا الصوت يحمل في طيَّاته القريبة رُوح التنكُّر لِما عُرِف أنه من صميم المبادئ الإلهية، والقِيم الأخلاقية، وهو - دون شكٍّ - من هذا الجانب أثرٌ من آثار نزعات التحلُّل، التي تعمل عليها ولها الأفكار الوافدة الهدَّامة التي أشرنا إليها، والتي ليس لها في مجتمعنا سوى ضياع الشخصية الإسلامية، التي كان بها لمصر فضْلُ تبنِّيها والمحافظة عليها، والتي كان بها لمصر فضل صدارتها للعالم الإسلامي، وكان بها لمصر أن اتَّجهت إليها الشعوب الإسلامية، فبعثَت بأبنائها لتثقيفهم في أزهرها، وكان بها لمصر أن سدَّت حاجة الدول الإسلامية كلها إلى أساتذة أزهريين، يقومون في معاهدها بتدريس الشريعة واللغة.
 
وكان بها لمصر أن لبَّت الشعوبُ الإسلامية دعوتها لتكوين مؤتمر إسلامي عام؛ يبحث في شؤونهم، ويَجمعهم على أساس موحد، وأخيرًا طاف بحرارتها في النفوس وقوَّتها في تلك الشعوب السيد وزير الدولة، وسكرتير المؤتمر الإسلامي - جميعَ البلدان الإسلامية، للتحدث في شؤون المؤتمر، واستُقبِل فيها بالحفاوة البالغة، يَعلوها اسم الإسلام، واسم مصر الإسلامية.
 
أما الكلمة الثانية، فهي أن هذا الصوت قد يكون له عُذر إلى حدٍّ ما، فإن بعض ما يذكر قد صُوِّر بغير واقعه الصحيح في الإسلام، وفيه ما لم يُشرَح بوجهة النظر الإسلامية، وأقولها صريحة:
إن منشأ ذلك ليس إلا ترْك المصادر الأولى في استنباط الأحكام ودراستها، والتعلق بالشروح والتفاسير الإنسانية التي اتَّصلت بالمصادر في عهود الضغط على الفكر الإسلامي، واتُّخِذت هذه الشروح دينًا ونصًّا يجب اتِّباعه، ويَحرُم بجانبها أن ننظر وأن نجتهد في تلك المصادر التي جاءت على أساس التقبُّل لكل خير وصلاحٍ، وطرْح كلِّ شرٍّ وفساد.
 
وقد أشِيعَ بين المسلمين تبريرٌ لهذه الوقفة أن السابقين حلَّلوا المصادر، وطبَّقوا قواعدها على كل ما يُمكن أن يَجيء به الزمن، ويحدث من قضايا الناس وحاجاتهم إلى يوم الدين، وبذلك انطوَت صحف تلك المصادر، وأصبح المسلمون لا يعرفون منها إلا ما يَحكيه أربابُ المذاهب والآراء، من الجانب الذي يؤيِّد مذاهبهم وآراءهم، وأصبحوا كذلك لا يعرفون من دينهم إلا ما دُوِّن في الكتب، وشاع في الأجيال الماضية على أنه دينٌ وشرع.
 
وبهذا تهيَّأ لقوى المعارضة أن تَزحَف، ولأرباب المذاهب المُستحدثة أن يهاجموا، ولأرباب النزعات التحليلية أن يَجهروا بمبادئهم إن صحَّ تسميتها مبادِئَ.
 
هذا والأزهر الذي قام فيما مضى برسالة الثقافة الإسلامية في العقيدة، والتشريع، والتهذيب، وتركيز الفكر الإسلامي وتنميته، على أساسٍ من الحرية في الاجتهاد والنظر لمعرفة الصالح، قد أصابَته هو الآخر ما أصاب غيره من وجود الضغط وعوامل الركود.
 
وإذا كنا - والحمد لله - صِرنا إلى عهد الإنقاذ الجاد، فاني أرى - علاجًا لهذا الشأن - أن أهم ما يجب أن يُتَّجه إليه، ويُبادَر بوضْع أُسس التوجيه فيه خدمةً للمجتمع، هو الأزهر الذي احتلَّ مكانته منذ القِدم في قلوب المسلمين جميعًا، فهو وحده الذي يستطيع - إذا هُيِّئت له السبل، ومُهِّد له طريق البحث والتوجيه - أن يعمل على غرْس الرُّوح الديني السليم في النفوس، وهو وحده - باعتبار مكانته الدينية - الذي يستطيع توجيه المجتمع، ويَضم شَتات المسلمين في جميع بقاع الأرض على أساسٍ من الوحدة المثالية التي يَصفها الله بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
 
إن آياتِ القرآن الكريم، وإرشادات النبي -صل الله عليه وسلم- وهما أصل النظام الإلهي الإسلامي؛ يَدفعان المسلمين إلى مسايرة العالم غربيه وشرقيه في علومه الكونية، وفي جميع وسائل الخير والتقدُّم، بل يُلحَّان ويَشتدان في الإلحاح عليهم، أن يتفوَّقوا على مَن سواهم في كل ما يتصل بالعزة والكرامة والمجد، حتى إنهما لم يَجعلا العزةَ لمن سواهم، ويُلحان في أن يكوِّنوا - كذلك - المُثُلَ العليا للبشرية في الأخلاق والروابط الاجتماعية، التي يُقرِّران مبادئها في كل ناحية وفي كل مجتمع.
 
ولا يظن ظانٌّ أن أبناء الأزهر غفلوا في تلك الحِقبة الطويلة عن ركود الأزهر واطمأنُّوا إليه؛ فقد قامت فيه من نصف قرن مضى إلى الآن ثورات تَعمل على دفْعه، وعلى تخليصه من الركود والجمود، تعمل على بسْط رسالته، وقيامه بها حقَّ القيام.
 
كانت ثورة الشيخ محمد عبده، وكانت ثورة الشيخ المراغي في عهده الأوَّل للمشيخة، ولا تزال بيدنا مذكرته الإصلاحية التي يقول فيها بعد كلام طويل، يذكر فيه مهاجمة المذاهب الحديثة للثقافة الإسلامية، ويصف به علماء القرون الأخيرة، ويصف به الكتب الملتزمة، وطرق التدريس المُتبعة، ثم يقول: وإني أُقرِّر مع الأسف: أن كل الجهود التي بُذِلت لإصلاح المعاهد منذ عشرين سنة، لم تَعُد بفائدة تُذكَر في إصلاح التعليم.
 
وأُقرِّر أن نتائج الأزهر والمعاهد تُؤلِم كل غيور على أُمته وعلى دينه، وقد صار من الحتْم لحماية الدين - أن يُغيَّر التعليم في المعاهد، وأن تكون الخطوة إلى ذلك جريئة، ويُقصَد بها وجه الله.
 
وعاد الشيخ المراغي إلى مشيخة الأزهر للمرة الثانية، ومكَث نحو عشر سنوات والحال هو الحال، فتقدَّم عضو من جماعة كبار العلماء، يُحسُّ من الأزهر إحساس الشيخ - عليه الرحمة والرضوان - بمُقترحات في الإنتاج العلمي - بما يُحقِّق للأزهر رسالته - ثم قدَّمها بعد ذلك مرات متعددة لمن تولَّى - بعد فضيلة الشيخ - مشيخةَ الأزهر، كما ألقى صاحب المقترحات على الأزهريين - أساتذة وطُلابًا - محاضرة بعنوان: "السياسة التوجيهية العلمية في الأزهر"، ثم تحدَّث فيها عن التَّرِكة المُثقلة التي خلَّفتها العصور المُظلمة، واحتمَلها الأزهر حتى أثقَلت كاهله، وها هي ذي لا تَزال مطبوعة.
 
حصَل كل هذا، ولكن الأزهر - كما قلنا - ليس إلا ناحية من نواحي الحياة المصرية العامة، التي أُصيبت في تلك الفترة كلها بالركود؛ نتيجة لفساد الحكم، والفتن الحزبية من الداخل، وللضغط الأجنبي من الخارج، ومن هنا ظلَّ الأزهر كسائر المرافق الحيوية قابعًا في مكانه من حي الدَّرَّاسة؛ يُجاور المقابر، يَحضُر طُلابه متى شاؤوا، وينصرفون متى شاؤوا، ويَدرسون من المقرَّرات ما شاؤوا، ويَتركون منها ما شاؤوا.
 
وقد عرَف فضيلة الشيخ المراغي في حياته هذه الحالة، وكتب بها منشورًا جاء فيه: وهناك أمثلة ظاهرة العَوار - في قراءة المقرَّرات - تَعلمونها كما أعلم، وتشعرون بأنها أمثلة سيِّئة لا يجوز أن تبقى ماثلة.
 
وعلى الرغم من هذا كله، ظلَّ الأزهر قائمًا على ركوده في البحث والنظر، وعلى خطة الحرية المنحرفة التي فرَضها الطلاب لأنفسهم في الحضور والانصراف، ومقدار ما يدرسون، حتى في عهدنا الحاضر، عهد الإنقاذ، وعامنا الحاضر، عام السكون والدرس في جامعاتنا المصرية، فإنه بينما تَفرُغ الجامعات من دراسة الفترة الأولى، وتؤدي امتحانها في نصف موادها، ثم تَشرع في دراسة الفترة الثانية، وتَستعد للامتحان بالدرس والتحصيل في آخر العام الدراسي - نرى الأزهر الآن ومن نصف شهر مضى تقريبًا تَخلو حلقاته، وحجر دراسته من الطلاب، ولَم يَمضِ عليهم أكثر من ثلاثة أشهر، وينصرفون إلى بلادهم باسم الاستعداد للامتحان السنوي، وباسم الاستعداد لصوم رمضان!!
 
ولا أُخفي على حضراتكم أنه حينما أشرَقت على بلادنا شمس الثورة المباركة، انقدَح في ذهني أن هذا العهد هو عهد الخُطوة الجريئة التي جاءت في المذكرة المَرَاغية لإصلاح الأزهر، ولا أُخفي عليكم مرة أخرى، أنه قد حزَّ في نفسي أن أرى أن يد الإصلاح والإنقاذ في هذا العهد تمتد إلى جميع نواحي الحياة - وخاصة النواحي العلمية الجامعية والمدرسية - دون أن أراها تمتدُّ - ولو قليلاً - إلى الأزهر بأكثر من بضع قرارات، لا أعرف مدى اتصالها بالإصلاح الذي عقَدنا الآمال عليه من أوَّل عهود الثورة.
 
إن الثورة الإصلاحية الموفَّقة - بإذن الله - والتي هيَّأ الله ظروفها وعواملها لإنقاذ هذا البلد، لا تَرضى أن تحتمل في التاريخ، ولا في الشعوب الإسلامية - الإعراضَ عن الأزهر إلى هذا الحد، ومعاذ الله أن أكون من المتشائمين، وإني لأعتقد أن رجال الثورة يرون أن في العناية بالأزهر الوقايةَ من الأفكار النادَّة الهدَّامة، والوقاية من الأخلاق المُقوِّضة للجماعات.
 
ومن هنا أرى أن الثورة لا بدَّ أن تعالج الأزهر، بما يُحقِّق لها أهدافها النبيلة - لا في مصر وحدها - بل في العالم الإسلامي كله، التي كانت منه مصر بفضْل الأزهر في مكان الصدارة والقيادة والتوجيه.
 
إن مهمة الأزهر لم تكن تخريج مُدَرِّسين ومعلمين فقط، وإنما تَنتظم - في أول ما تَنتظم - أمرين، هما أهم ما يجب أن يُناط بالأزهر، بل هما أساس رسالته، والعنصر الأول الذي يحقِّق وجوده ومعناه.
 
أولهما: تخريج علماء مُبرزين، أرباب بحثٍ واجتهاد سليم، وابتكار مفيدٍ، ونقْد سليم في جميع نواحي الفكر الإسلامي، ومن هؤلاء نرى الأئمَّة، والمصادر التشريعية والأخلاقية الكبرى، الذين يُرجع إليهم في معرفة ما هو من الإسلام، وما ليس من الإسلام.
 
وقد وُضِع قديمًا في قانون الأزهر - لهذه المهمة - ما عُرِف باسم: "تخصُّص المادة"، لكن أتى عليه هو الآخر في تلك الفترة الماضية ما يأتي على كل حي، فطُوِيت صفحته، ونسيه الأزهرُ والناس.
 
وثاني الأمرين: تخريج دعاة ومُرشدين، أقوياءَ في العلم والإدراك والتديُّن، لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن الدعوة إلى الله، تقرير الحق والتضحية في سبيله رائدُهم، وتهذيب النفوس وتقويمها هدفُهم، وإصلاح البشرية وتوجيهها إلى ما يُسعدها أقصى ما يَبتغون.
 
ومن هنا يتَّضح لنا أن الأزهري ليس فقط أستاذ فصْلٍ أو فرقة، وإنما هو قبل ذلك أستاذ علمٍ وبحثٍ، وأستاذ دعوة وإرشاد، وبذلك كانت مدرسته الشعب كله، والعالم الإسلامي كله، وكان طُلابُه المسلمين في جميع بقاع الأرض بكل طبقاتهم، وبكل لُغاتهم وأجناسهم وأقطارهم.
 
هذا هو الأساس الذي يجب أن يُشاد عليه صرح الأزهر.
 
قد شَعَّ من الشرق على العالم كلِّه نورٌ أحيا القلب الإنساني، وأرشد الحائر، وهدى الضال، وقد تجمَّعت منابعه في مصر، وأصبحت مصر - بفضل الأزهر الذي تلقَّى تُراث الفكر الإسلامي - مسؤولة عن إعادة هذا النور إلى الشرق كله، بل إلى العالم أجمع، وقد تضاعَفت مسؤوليَّتها حين هيَّأ الله لها عوامل الإنقاذ بثورتها.
 
وإن العالم الآن ليَسوده طُغيان المادة في جميع جوانبه، ويسوده التعصُّب الجنسي أو الطائفي في كثير من هذه الجوانب، وكلا الأمرين - طغيان المادة والتعصُّب - من أقوى أسباب التناكُر والتخاذل، والتناكر والتخاذل سببان قويَّان لِما يتقلَّب العالم اليوم في جَمره من وَيلات شديدة متلاحقة.
 
ولا مُنقذ لنا من هذا الشر المستطير إلا بأن يتضامَن الشرق - مَبعث الهدى والنور - على تركيز الروح الديني في النفوس، وإنماء الناحية المعنوية في العالم، ويومئذ تكون ثورتنا قد وصلَت إلى هدفها من تكوين مجتمع شرقي إسلامي فاضلٍ، له قلبه النابض ورُوحه الحي.
 
هذا هو ما أردتُ أن يكون نصيبي في هذه الندوة المباركة، أضعه بين يدي رجال التوجيه والقيادة، وأرجو أن أكون قد أبْرَأت به ذِمَّتي، وأدَّيت أمانتي، والله المستعان وإليه المصير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:30 pm

العلم والتربية والتعليم
الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله 


يورد الشيخ "عبدالله بن جار الله الجار الله" في هذه الرسالة نصيحة لعموم المسلمين في لزوم العلم النافع، وتعلمه وتعليمه والعمل به، وبيان فوائده وثمراته، العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة.
 
فطالب العلم النافع سائر في سبيل الله وفي طريق الجنة، يقول الكاتب:
".. وحيث إن زكاة العلم وثمرته هي العمل به وتعليمه فقد كتبت فيه موضعين مهمين في هذه الرسالة وبينت فيها طريق التعلم وأسباب فهم الدروس وتربية الأبناء كما يجب أن تكون وبيان مسئولية المدرس وكونه تحمل مسئولية كبرى وأمانة عظمى سيسأل عنها أمام الله يوم القيامة نحو طلبته وبيان واجب الآباء نحو الأبناء من التربية والقدوة الحسنة والتعليم النافع والكلام الطيب والأدب الحسن.
 
وبيان مسئولية الطالب تجاه مدرسية وزملائه ووالديه بالبر والإحسان والأدب والأخلاق الطيبة وقبل ذلك وبعده مسئولية المدرس والطالب وولي أمره أمام أوامر الله وأوامر رسول الله - صل الله عليه وسلم - ونواهيه بالامتثال والطاعة والاستسلام والانقياد وأن يقول كل مسلم كما قال إمام الحنفاء ووالد الأنبياء ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ وأن يقول أمام أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ كما قال المؤمنون قبلنا.
 
كما اشتملت هذه الرسالة على الحث على اختيار الجليس الصالح المطيع لله ورسوله والقائم بحقوق الله وحقوق عباده حيث إن المرء معتبر بقرينه وسوف يكون على دين خليله فلينظر من يخالل.
 
كما اشتملت على الحث على بر الوالدين والإحسان إليهما والقيام بحقوقهما بكل أنواع البر القولية والعملية والمالية، وعدم إذاهما بالقول والفعل حيث إنهما السبب بعد الله في وجود الإنسان وحيث ربياه صغيرًا وعطفا عليه وأحسنا إليه بالأكل والشرب واللباس والعلاج والحنو والشفقة والرحمة، لذا أمر الله بشكرهما وقرن شكرهما بشكره وأوجب طاعتهما في غير معصية كما أمر بالدعاء لهما في الحياة وبعد الممات ﴿ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].
 
كما اشتملت هذه الرسالة الطيبة المباركة على دور الشباب المسلم في الحياة في جميع المجالات، وأن يكون الإنسان قدوة حسنة لأبنائه وطلابه وأقاربه ومجتمعه وذلك بالتمسك بتعاليم الإسلام الحنيف المشتمل على كل خير وبر وإحسان واغتنام فرصة الشباب والصحة والحياة والفراغ فيما يسعد الإنسان ويقربه إلى الله من الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لله الموافق لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والتواصي بالحق والصبر عليه وقراءة القرآن الكريم والاستماع إليه وتدبره والعمل به والإكثار من ذكر الله تعالى قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه كما وصف الله المؤمنين بذلك ولنا في رسول الله - صل الله عليه وسلم - أسوة حسنة فقد كان يذكر الله على كل أحيانه.
 
كما اشتملت على وصية طالب العلم بأن يعمل به ويدعو إليه، وعلى بعض الأبيات الإرشادية الوعظية المفيدة النافعة وعلى نداء إلى شباب الإسلام بأن يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم وأن يستعدوا لما أمامهم من الجزاء والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله - صل الله عليه وسلم - وكلام المحققين من أهل العلم"


تحميل الكتاب

http://www.alukah.net/Books/Files/Book_741/BookFile/3elm.rar
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:31 pm

منهج أهل العلم في تعليمهم لطلابهم

العلم ثمرتُه العمل، ومَن عمِل بما علِم كان عملُه من أسباب ثبات عِلمه، وعدم ذَهابه؛ قال الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله: إذا أردتَ أن تحفَظ حديثًا فاعمَل به، وقال المحدث إبراهيم بن إسماعيل رحمه الله: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
 
ومَن عمِل بما عَلِم نفَعه علمُه؛ قال الروذباري رحمه الله: مَن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم، نفعَه قليلُ العلم.
 
هذا وقد كان لأهل العلم منهجٌ متميز في تعليمهم لطلابهم، من أبرز معالمه:
معاملتهم لطلابهم كأبنائهم:
منَّ اللهُ الكريم على بعض أهل العلم، فكانوا آباءً لطلابهم قبل أن يكونوا معلِّمين لهم، وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء، ومَن كان كذلك فإن طلابه سوف يُحبونه، ويتقبلون منه في الغالب ما يقول، وقد ورَد في سِيَر بعض أهل العلم أنهم كانوا يعاملون طلابهم معاملتهم لأبنائهم:
فالشيخ حمد بن مبارك الحميد رحمه الله، كان كالأب لطلبة العلم.
 
والشيخ عبدالجبار بن علي البصري كان شيخه إبراهيم بن جديد رحمهما الله، ملتفتًا إليه التفاتًا كليًّا، مُراعيًا له في جميع أموره، حتى كأنَّه ولده لصُلبه، بلا فرق، وأوصى له بشيءٍ من ماله وكُتبه.
 
والشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي رحمه الله، يقول عنه أحد تلاميذه: كان لنا كالوالد تمامًا في عطفه، وإشفاقه علينا، ولاحظتُه بأمِّ عيني يجلس على الأكل ويقطع اللحم بالكامل، ويوزِّعه على طلابه، وفي الليل والجميع يغطُّ في نومه، رأيته ينهض ليتفقَّد أبناءه الطلاب، فيَطمئنَّ عليهم ويُغطِّيَهم، ثم يعود إلى فراشه رحمه الله.
 
والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كان لتلميذه الشيخ حسن عبداللطيف محمد المانع رحمهما الله كأبيه يتعاهده بالنفقة والطعام والشراب والسكن، ويُطلعه على ما ورد إليه من كتبٍ ورسائل، ويؤثِرُه على غيره من الطلاب؛ لكونه يتيمًا غريبًا كفيفًا فقيرًا.

والشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله، كان لا يخلو بيته من عشرة أنفس إلى خمسين نفسًا من الغُرباء الذين يَفِدون لطلب العلم، وكلُّهم يُطعمهم، ويتفقدُ أحوالهم، ويقوم بمصالحهم بنفسه، وكأنهم جميعًا أبناؤه لصُلبه.
 
والإمام أبو حنيفة رحمه الله كان يُكثر مجالسةَ طلبته، ويخصُّهم بمزيد الإكرام وصرف العناية في التعظيم.
والقاضي أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنفية رحمهما الله، نشأ في طلب العلم وكان أبوه فقيرًا، فكان أبو حنيفة يتعاهده بمائة بعد مائة.
 
وقال الحافظ العراقي عن شيخه عبدالرحيم الإسنوي رحمهما الله: كان له إحسانٌ كثير على الطلبة، وبِرٌّ خَفِيٌّ لا يعلمُ به إلا الله تعالى، ومَن هو على يديه.
 
والشيخ محمد بن صالح العثيمين اهتمَّ بطلابه، وحرَص على تذليل الصعاب التي تواجههم في مسيرتهم العلمية، وخصَّص للمغتربين منهم سكنًا مجانيًّا، وُفِّرتْ فيه جميعُ سُبل الراحة؛ من المأكل والمشرب، وغير ذلك.
 
والإمام إبراهيم بن عبدالواحد بن علي بن مسرور المقدسي رحمه الله، كان يتألَّف الناس ويَلطف بالغرباء والمساكين، حتى صار من تلاميذه من الأكراد والعرب والعجم، وكان يتفقدهم، ويسأل عنهم وعن حالهم.
 
والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري رحمه الله، كان مكرمًا لطلاب العلم، ذا شفقة عليهم، وتفقُّدٍ لهم إذا غابوا.
والشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك رحمه الله، كان يُجري على طلبة العلم مكافآت شهرية يقتطعها من راتبه الخاص.
والشيخ حمد بن فارس رحمه الله، كان يواسي الفقراء من طلبة العلم من بيت المال.
 
محبتهم لطلابهم محبةً عظيمة:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: والحقيقة أن انتقال والدي رحمه الله إلى الرياض، كشَف لي مدى الحب الذي يُكِنُّه لي الشيخ السعدي رحمه الله؛ إذ أصرَّ في طلب بقائي بجواره في عُنيزة للاستزادة من العلم، وكاتَب والدي فوافق، فبقيتُ بجوار شيخنا السعدي، وأجدني اليوم متأثرًا به كثيرًا.
 
والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحصين رحمه الله، كان يُحبُّ طالب العلم محبة عظيمة كأنه ولده، بالتودُّد إليه، وتعليمه وإدخال السرور عليه.
 
السؤال عن طلابهم إذا غابوا وعيادتهم إذا مرِضوا:
الإمام بقي بن مخلد رحل إلى الإمام أحمد رحمهما الله للأخذ عنه، يقول: اعتللتُ علةً أُشفيتُ منها، ففقَدني من مجلسه، فسأل عني، فأُعْلِمَ بعِلَّتي، فقام مِن فوره مقبلًا إليَّ، عائدًا لي بِمَن معَه.
والشيخ نصر بن فتيان بن مطر النهرواني رحمه الله، كان إذا مَرِضَ أحدٌ من تلامذته عادَه.
 
والشيخ صالح بن علي الغصون رحمه الله، كان إذا تغيَّب أحدُ الطلاب عن الدرس، سأل عنه، وأكثَر مِن السؤال؛ حتى يطمئنَّ على صحته، وحتى يعلمَ أن المانع من حضوره للدرس كان خيرًا.
 
تبسُّطهم مع طلابهم:
الإمام الطبري رحمه الله كان يخرج مع تلاميذه إلى البراري، ويأكل معهم ويُباسطهم.
النصح لطلابهم:
قال الحسن بن الهيثم البزار رحمه الله: قلتُ لأحمد بن حنبل: إني أطلبُ العلم وإن أُمي تَمنعني من ذلك، وتريد مني أن أشتغل بالتجارة، قال لي: دارِها وأرْضِها، ولا تَدَعِ الطلبَ.
 
والإمام الشافعي لَمَّا جلَس بين يدي الإمام مالك رحمهما الله، وقرأ عليه - أعجَبه ما رأى من وفور فِطنته، وتوقُّد ذكائه وكمال فَهمه، فقال له: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظُلمة المعصية.
 
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه، وقد جعلتُ أُورد عليه إيرادًا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشُّبهات مثل السفنجة، فيتشرب بها، فلا يَنفتح إلا بها، ولكن اجعَله كالزجاجة المصمتة، تَمرُّ الشُّبهات بظاهرها، ولا تستقرُّ فيها، فيَراها بصفائه ويَدفَعُها بصَلابته، وإلا فإذا أَشْرَبْتَ قلبَك كلَّ شبهة تمرُّ عليك، صار مقرًّا للشُّبهات، أو كما قال... فما أعلَم أنني انتفعتُ بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بهذه ... وقال لي يومًا في شيء من المباح: هذه ينافي المراتب العالية، وإن لم يكن تركُه شرطًا في النجاة، أو نحو هذا من الكلام.
 
والحافظ ابن حجر، رأى مع تلميذه الإمام البقاعي رحمهما الله مرةً كتابًا يتعلق بالأدب، فقال له: أمسى الليل، يشير إلى قِصَرِ العُمر عن ذلك، وأن مطالعة غيره أَولى.
 
والشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله، سأله الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ أن يوصيَه بكتابٍ يَقرؤه في اللغة، فقال له الشيخ محمود: اقرأ لسان العرب، فقال الشيخ صالح: لسان العرب عشرون مجلدًا أُريد كتابًا آخرَ، قال الشيخ محمود شاكر: إذا كان عشرون مجلدًا كبيرًا عليك، فابحث عن شغلٍ آخرَ غير العلم .. ثم قال: قرأناه على شيخنا محمد سيد المرصفي مرتين، وفي الثالثة توفِّي ولم نُكمِلْه.
 
والشيخ عمر بن محمد السبيل رحمه الله، كان إذا رأى من أحد الطلبة المجدين تقصيرًا، أو كسلًا، استدعاه إلى مكتبه بالجامعة، وجلس معه، ونصَحه، ووجَّهه لِما فيه نفعه، وصلاح أمره، دون أن يُشعرَ بقيةَ الطلبة بذلك.
 
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: قصة حدَثت لي، لا أزال متأثرًا بها إلى اليوم، حدَثت أيام شبابي، فقد كنتُ محافظًا على الصف الأول في الصلاة، وفي يوم من الأيام تـأخَّرتُ عن الحضور مبكرًا، بسبب القراءة في بعض الكتب لبعض المسائل المهمة التي شغلتني عن الصلاة، فلم أُدرك الصف الأول، وفاتني بعضُ الشيء من الصلاة، وحينما سلَّم الإمام، وهو قاضي الرياض، الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، وكان أحد مشايخي رحمه الله، حينما رآني أُصلي في طرف الصفِّ، وقد فاتني شيءٌ من الصلاة، تأثَّر لذلك كثيرًا، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم بدأ يتكلم، فقال: بعض الناس يجلس في سواليف ومشاغل، حتى تفوته الصلاة، فعرَفتُ أنه يَعنيني بالكلام، فلم أتأخَّر بعدها أبدًا، وذلك الموقف الذي حصَل لي ما أنساه أبدًا.
 
تعليم الطلاب العلم والأدب معًا:
الأدب قرين العلم، وعلم بلا أدب فائدته قليلة، والذي ضرَّ بعض الطلاب وأوقعهم في المزالق، عدم اقتران علمِهم بالأدب، ولهذا كان أهل العلم يعلِّمون العلمَ والأدب معًا؛ قال الإمام ابن وهب رحمه الله: الذي تعلَّمنا من أدب مالك أكثر مما تعلَّمنا مِن علمه، وقال الإمام مهني بن يحيى الشامي السلمي رحمه الله: صحِبتُ الإمام أحمد بن حنبل، فتعلَّمتُ منه العلم والأدب.
 
وقال الحسين بن إسماعيل رحمه الله: سمعتُ أبي يقول: كان يجتمع في مجلس أحمد زُهاء على خمسة آلاف، أو يزيدون، أقل من خمسمائة يكتبون، والباقون يتعلَّمون منه حسنَ الأدب، وحُسنَ السَّمت.
 
وقال أبو بكر المطوعي: اختلفتُ إلى أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة، وهو يقرأ المسند على أولاده، فما كتبتُ عنه حديثًا واحدًا، إنما كنتُ أنظُر إلى هديه وأخلاقه وآدابه.
 
تحذيرهم لطلابهم من تعلُّم العلوم التي تضرُّ ولا تنفع:
المعلم الرباني هو مَن يوجِّه طلابه لطلب العلوم التي تنفَعهم، ويحذِّرهم من طلب العلوم التي تضرُّهم ولا تنفعهم، ومن تلك العلوم الضارة: علم الفلسفة والمنطق والكلام، ونحوها، وقد حذَّر أهل العلم طلابهم مِن تعلُّم تلك العلوم؛ قال محمد بن ياسين بن بشر بن أبي طاهر البلدي رحمه الله: سألتُ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن النظر في الرأي؟ فقال: عليك بالسُّنة، فقلتُ: يا أبا عبدالله، صاحِبُ حديثٍ ينظُر في الرأي إنما يريد أن يعرفَ رأي مَن خالَفه، فقال: عليك بالسُّنة.
 
وسأل رجلٌ أحمد بن حنبل رحمه الله: أكتُب كتبَ الرأي؟ فقال له: لا تفعَل، عليك بالآثار والحديث، فقال له السائل: إن عبدالله بن المبارك قد كتَبها، فقال له أحمد: إن ابن المبارك لم ينزل من السماء، إنما أُمِرْنا أن نأخذَ العلمَ مِن فوق.
 
وقال أبو إبراهيم المزني رحمه الله: كنتُ يومًا عند الشافعي أُسائِلُه عن مسائل بلسان أهل الكلام، فجعل يسمَع مني، وينظر إلى، ثم يُجيبني عنها بأخصر جواب، فلما اكتفيتُ، قال لي: يا بُني، أَدُلُّك على ما هو خيرٌ لك من هذا؟ قلتُ: نعم، فقال: يا بُني، هذا علمٌ إن أصبتَ فيه لم تؤجَر، وإن أخطأتَ فيه كفرتَ، فهل لك في علمٍ إن أصبتَ فيه أُجِرْتَ، وإن أخطأتَ لم تأْثَمْ؟ قلت: وما هو؟ قال: الفقه، فلَزِمتُه فتعلَّمت منه الفقه، ودرستُ عليه.
 
والفقيه غانم بن حسين الموشيلي الأرموي، سأل إمام الحرمين رحمهما الله أن يقرأ عليه شيئًا من علم الكلام، فنهاه عن ذلك، وقال له: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ، ما قرأتُه.
 
تحذيرهم لطلابهم من الجلوس والأخذ عن أهل الأهواء والبدع:
يوجد عند بعض أهل الأهواء والبدع تَميزٌ في بعض الفنون، فقد يغترُّ بهم مَن لا يعرف حقيقتهم، ولذا كان أهل العلم يُحذِّرون طلابهم من الجلوس إليهم والأخذ منهم، وقال الشيخ خالد بن صالح النزال: استأذنتُ الشيخ محمد العثيمين في السفر إلى إحدى المدن للدراسة على أحد علمائها في أصول الفقه، وكان هذا العالم قد عُرِفَ بجهله بعقيدة السلف، فنهاني الشيخ رحمه الله من السفر، وقال: ائتِ لي بالمتن الذي تريد دراسته على ذلك الرجل، وسأشرحه في طريقي إلى البيت بعد صلاة الفجر من كلِّ يوم.
 
وسأل طالبٌ الشيخَ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن الأخذ عن شيخ عنده بِدَعٌ؟ فأجابه: ما يصح، المبتدع ما تتحمل عنه، ولا كرامة لستَ بحاجةٍ إليه، تجد غيرَه، ثم مسائل الإسناد والإجازات في القرآن أو في السنة، في الحديث فيها نوعُ تلذُّذٍ، وفيها نوع ممن يعتني بها نوع تكاثر، وليست كلها عن حاجة شرعية، فتجلس معه وتأخذ منه، ثم يقع في قلبك محبتُه، وما من معلم يُفيدك إلا وسيقع في قلبك محبتُه، تُعرِّض نفسك للخطر، إذا ما وجدت من يُعلمك الواجب إلا هو، فهذا أمرٌ آخرُ.
 
عدم قراءة بعض الفصول والفقرات من الكتاب المشروح لمصلحة الطلاب:
قال الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني: شيخ الإسلام الإمام المجدد عبدالعزيز بن باز له دروسه العلمية ... منها: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، قرأ فيه الشيخ عبدالعزيز المشعل في المجلدات الأولى، وأذكر أن سماحة الشيخ أمره أن يقفزَ بعض المجلدات الأولى، وقال: القراءة في كلام أهل الكلام تُمرض القلوب، وابن تيمية رحمه الله احتاج لذلك للردِّ على أهل الكلام.
 
تربية الطلاب على اتِّباع السنة والاقتداء بسلف الأمة:
قال الإمام إبراهيم الحربي رحمه الله: أحمد بن حنبل ألقى في قُلوبنا مُنذُ كنَّا غلمانًا اتِّباعَ حديث رسول الله صل الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة والاقتداء بالتابعين.
 
والعلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله كان يشرح حديث رسول الله صل الله عليه وسلم: ((لا يمشي أحدُكم في نعلٍ واحدة، ليُنعِلْهما جميعًا، أو ليَخلعْهما جميعًا))؛ أخرجه مسلم، فسأله سائل فقال: لو كانت النعل الثانية بعيدة عني خُطوة أو خطوتين، أفأمشي إليها بنعلٍ واحدةٍ؟ فقال الشيخ: إن استطعتَ ألا تخالفَ السُّنة ولو بخطوةٍ واحدةٍ، فافعَل.

تطبيقهم العملي مع طلابهم لِما تعلَّموه:
قال الشيخ عبدالله بن عقيل رحمه الله: لقد كان لنا شرفُ مرافقة شيخنا الشيخ عبدالرحمن السعدي في الحج عام 1357، وطبَّقنا في تلك الحجة جميع المناسك الفعلية والقولية كما سبق أن قرأناها في الدرس.
 
والشيخ عبدالعزيز السبيل رحمه الله كان يَحرِص على تدريب الطلاب على التطبيق العلمي بطرح المسائل الفرضية؛ ليتمرَّنوا على حلها، وعلى إعراب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد العربية لترسيخ هذا العلم في أفهامهم.
 
تربية الطلاب تربية عملية على عدم الاستعجال في الفتوى:
الجرأة على الإفتاء لا تدل على علم؛ قال الإمام سحنون: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علمًا، والإفتاء بغير علمٍ جنايةٌ عظيمة على الدين، وعلى المفتي، والمستفتي، ولهذا كان أهل العلم رحمهم الله لا يفتون حتى يُشهَد لهم بأهليَّتهم لذلك؛ قال الإمام مالك رحمه الله: ما أفتيتُ حتى شهِد لي سبعون بأني أهلٌ لذلك.
 
وكانوا لا يتعجَّلون في الفتوى، فالإمام البلقيني رحمه الله كان لا يأنَف من تأخير الفتوى عنده، إذا أشكَل عليه منها شيءٌ إلى أن يُحقِّق أمرَها مِن مراجعة الكتب.
 
وكانوا يُربون طلابَهم تربيةً عمليةً على عدم الاستعجال بالفتوى، فيُكثر في كلامهم قولُهم في بعض المسائل: لا أدري، اسأَلوا غيري، اسألوا مَن يعلَمُ.
 
قال أبو بكر الخلال رحمه الله: أخبَرني زكريا بن يحيى الناقد، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل وإنسان يسأله، فجعل يقول له: سلْ مَن يعلَم، سلْ مَن يعلَم.
 
قال الصلت بن بهرام رحمه الله: ما رأيتُ أحدًا بلغ مبلغَ الشعبي أكثر منه يقول: لا أدري،
قال ابن وهب رحمه الله: لو كتَبنا عن مالك (لا أدري)، لملأْنا الألواح.
والفقيه أحمد الدينوري شيخ ابن الجوزي رحمهما الله كان كثيرًا ما يقول: لا أدري.
وكان الإمام مالك رحمه الله يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب منها في واحدة.
 
قال الإمام مالك رحمه الله: ينبغي أن يُورِثَ العالِمُ جُلساءَه قول: "لا أدري"؛ حتى يكون ذلك أصلًا في أيديهم يَفزَعون إليه، فإذا سُئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري.
 
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز عن شيخه محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهما الله: كان واسعَ العلم، ومع ذلك كان يجيب الكثير من السائلين بقوله: (لا أدري)، ويحثُّ الطلبة على عدم التسرع في الإجابة، ويقول لهم: إن كلمة (لا أدري) نصفُ العلم.
 
التعامل بحزم مع الطالب الذي يظهر منه سوء أدبٍ:
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كان قويًّا على مَن يظهر منه شيءٌ من التكاسل في الطلب، أو سوء أدبٍ مع زملائه، تارةً بزجره، والإغلاظ له، وتارة بحِرمانه من الدرس بعض الوقت، وطَورًا بإبعاده من الطلبة، وعدم السماح له بالمشاركة.
 
الحكمة في التعامل مع الطلاب:
قال الشيخ ابن باز عن شيخه محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهما الله: كان ذا حكمةٍ في توجيه الطلبة وتعليمهم، وكان يَرفُق بهم في محل الرِّفق، ويَقوى عليهم في محل القوة.
 
اعتذارهم من طلابهم بعدم تدريسهم لفن ليس لهم فيه سَعة اطِّلاع:
جاء في ترجمة الشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان أن تلميذه الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن رشيد رحمهما الله، حاول القراءة عليه في النحو، فاعتذَر بعدم سَعة اطلاعه فيه.
 
استشارة الطلاب في الكتب التي تُقرأ في الدرس:
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله كان يستشير طلابه في الكتب التي تقرأ في الدرس كلما انتهى من كتاب، ومتى اختلفوا كان الحكمُ بينهم.
 
استعدادهم وتحضيرهم للدرس قبل إلقائه على الطلاب:
الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمه الله، كان لا يُقرأ عليه كتاب، إلا إذا راجع ما له من شروحٍ، وحواشٍ، واستوفاها مطالعةً، وإذا لم يتمكَّن من المطالعة، لم يسمَح للقارئ بالقراءة عليه في ذلك الكتاب.
 
إعطاء الجوائز للمتفوقين من الطلاب:
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، كان يعطي الجوائز على حفظ المتون، وقوة الفَهم، والجواب على أسئلته التي يوردها عليهم.
 
الطلب من الطلاب عدمَ الاستعجال في السؤال:
يقول العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: لا تستعجل في السؤال حتى ينتهي الكلام على المسألة، فإذا انتهى ورأيتَ أن البحث انتقل إلى مسألة أخرى، فهات السؤال الذي عندك، وأما التسرع فإنه يقطَع على الإنسان ما هيَّأه من كلام، ويصير من استعجال الشيء قبل أوانه.
 
عدم الرد مباشرة على الطالب عندما يخطئ:
العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، عندما يقع القارئ في خطأ نحوي، أو إملائي، لا يرُد عليه مباشرةً، بل يأمره بالإعادة، فإن تنبَّه القارئ للخطأ بنفسه، وإلا بيَّنه له.
 
عقد المناظرات بين الطلاب:
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، كان يعقد المناظرات بين طلابه؛ لشَحذِ أفكارهم، وتعويدهم على إقامة الحجة بالبرهان.
 
مناقشة الطلاب بعد انتهاء الدرس:
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، كان بعد انتهاء الدرس يطلب من بعض الطلاب إعادةَ ما يَستحضره من الدرس؛ ليَختبر قوةَ حِفظهم، وفَهمهم، ويناقشهم بعد مُضي يوم عما مضى، وكان لذلك فائدة عظيمة؛ حيث يهتم الطلاب إذا علِموا أن هناك إعادةً لما ذُكِرَ، وبحثًا لِما قيلَ.
 
الإعراض وعدم الإجابة عن بعض الأسئلة إذا كانت غير مناسبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنَت، ولا أجد ما أتزوَّج به النساء، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلتُ مثل ذلك، فقال النبي صل الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، جفَّ القلم بما أنت لاقٍ، فاخْتَصِ على ذلك أو ذَرْ))؛ أخرجه البخاري.
 
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: قوله: (فسكت عني)، فيه جواز الإعراض عن السائل وعدم إجابته إن دعت الحاجة إلى ذلك، فله أن يُعرضَ عن السائل ولا يُجيب سؤاله، إما لتردُّد المسؤول في الجواب وعدم جزمه، أو أن السؤال غير مناسب، قال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "وكان شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله كثيرًا ما يُعرض عن بعض الأسئلة، يسأله السائل ويُعرض عنه، ويقول للقارئ: سمِّ الله، ويُعرض عنه عملًا بهذا الحديث وأمثاله.
 
تشجيع الطلاب ورفع معنوياتهم:
الشيخ السعدي رحمه الله، دائمًا يشجع الطالب ويمدَحه إذا رأى منه حرصًا واهتمامًا.
والشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي رحمه الله، كان يقول لضعيف التحصيل والفهم: أنت أفضل طالب في جدك، وتحصيلك، وفَهمك، ما شاء الله تبارك الله، ويعمَل كلامه في النفوس الأعاجيبَ، حتى إنه يُلقب طلابه بالقاضي والداعية والمشايخ، وهم لا يزالون في طَور الطلب؛ حفزًا لهم، وشدًّا من أزرهم، والعجيب أن كل من كان يُلقبهم الشيخ أصبحوا كما لقَّبهم في المستقبل قُضاةً ودعاةً وعلماءَ.
 
قال الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل عن شيخه عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمهما الله كان يتعاهدني برسائله المتضمنة الكثيرَ من النصائح والدعوات والفوائد.
 
إن هذا المنهج المتميز الذي لا يوجد في أرقى المدارس والجامعات وأكثرها تقدمًا وتطورًا، هو الذي أخرج للأمة أجيالًا تفتخر بهم؛ مِن علماءَ، وقضاة، وطلبةِ علمٍ، ودعاة، ومربين، ومن أهم الأسباب لوجود هذا المنهج المتميز عند العلماء بعد توفيق الله وتسديده، هو إخلاصُهم وابتغاؤُهم الأجرَ والثواب من الله، فالشيخ عبدالرحمن محمد المقدسي رحمه الله أقرأ كتاب الله احتسابًا أربعين عامًا، وختَم عليه خلقٌ كثير.
 
والشيخ أحمد بن أبي الحسن رحمه الله، ختَم عليه القرآن خلقٌ أكثر من ألف إنسان.
والشيخ عبدالعزيز محمد المحارب رحمه الله قام بتعليم القرآن أكثر من خمسين سنة.
 
والعلامة ابن عثيمين رحمه الله أمضى أكثر من خمسين عامًا في نشر العلم والتدريس والوعظ والإرشاد والتوجيه، وإلقاء المحاضرات والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
 
اللهم ارحَم أولئك العلماء الأفذاذ، واجعَل ما قاموا به من أعمال في موازين حسناتهم، ووفِّق جميع المعلمين والمربين، والداعين إليك للاقتداء بهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلم والتعليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلم والتعليم   العلم والتعليم Emptyالثلاثاء 03 يوليو 2018, 9:32 pm

تكنولوجيا التعليم .. كيف يمكن توظيفها في خدمة الطلاب والمعلمين؟

لا شكَّ أن التكنولوجيا تؤثِّر بشكل كبير على مستخدميها في كافة المجالات، ولعل من أبرز تلك المجالات المجالَ التعليمي؛ فقد تُسهم التكنولوجيا في العملية التعليمية بشكل كبير إذا تم توظيفها بشكل جيد يُفيد الطلاب ويُساعِدهم في عملية التحصيل الدراسي، ولكن الأهم هو أن لا يتمَّ إساءة استخدام التكنولوجيا فيما يضرُّ الطلاب؛ من إدمان الطلاب على الحواسيب والأجهزة الإلكترونية، وتَضييع الوقت أمام تلك الأجهزة فيما لا ينفَع، إلى جانب الاعتماد الكلي عليها وإغفال الدور المُهمِّ للعقل، الذي هو الركيزة الأساسية في العملية التعليمية.
 
أهمية التكنولوجيا بالنسبة للطلاب والمعلمين:
للتكنولوجيا دور كبير في حياتنا المُعاصِرة في كل مجالات الحياة، ولكنْ هناك دور بارز جدًّا لها، وهو استخدام التكنولوجيا في المنظومة التعليميَّة، فقد وفرت التكنولوجيًا كثيرًا من الجهد والعناء للطلاب، خاصة بعد تزايُد أعداد السكان في عدد من الدول، واتجاه البعض إلى التعلم عن بُعد عن طريق الإنترنت أو ما شابه ذلك، كما أن التكنولوجيا تواجه النقص في أعداد المدرسين والأساتذة، وذلك من خلال الدروس المكتوبة على الحواسيب، كما أن التكنولوجيا أدَّت إلى انتشار التعليم بشكل كبير، فأصبح الكل يتعلم، ليس شرطًا أن يكون التعليم تعليمًا أكاديميًّا بشهادات، ولكن التعليم يتضمن أيضًا تحصيل المعلومات وما شابه ذلك، كما أن التكنولوجيا ساهمت بشكل كبير في ظهور أشكال جديدة للتعلم وهي التعليم المفتوح الذي يعتمد على الاختبارات فقط، ويقوم المتعلم باستِخدام الأقراص المُدمَجة والحواسيب وما شابه ذلك، كما أن هناك نمطًا آخَر وهو التعلم عن بُعْد، وهو يتمُّ عن طريق استِخدام الإنترنت في التعلم والاختبارات، وغالبًا ما يكون من دولة لأخرى، كما أن للتكنولوجيا دورًا كبيرًا بالنسبة للطلاب؛ حيث توفِّر وسائل جيدةً للتذكُّر الجيد للمعلومات من خلال جذب الطلاب وتشويقهم لتلقي المعلومات، كما أنها تُسهِّل عملية تخزين المعلومات للطلاب وإجراء الرسومات الهندسية وما شابه ذلك، أما بالنسبة للمُعلِّمين فإنها تُوفِّر الوقت والجهد، وتساعدهم في تحصيل المعلومات وتحضير دروسهم، إلى جانب التواصل السهل مع طلابهم.
 
إذا نظرنا إلى أهمية التكنولوجيا بالنسبة للمُعلِّمين، فإن الدراسات أشارت إلى أن 5 من أصل 6 مدرسين في العام 2013 حول العالم يقومون باستخدام الحاسوب في عملية التعليم، وأن 4 منهم يَستخدِمون الإنترنت في الاختبارات وكتابة شرح للدروس التي يُقدِّمونها، وأكَّدت الدراسات أن 2 منهم يتواصلان مع طلابهما على الشبكة العنكبوتية، و2 آخران يقومان برفع مواد تعليمية على الإنترنت ومواقع الدراسة، أما بالنسبة للطلاب فقد أظهرت التقارير أن نسبة 40% من طلاب المرحلة الابتدائية يستخدمون الحاسوب، وأن منهم 10% فقط يَدخُلون إلى الشبكة العنكبوتية، و30% يستخدمون الحاسوب في اللهو أو التعلم ولكن بدون الإنترنت، وأكدت الدراسات أنه بالنسبة لمرحلة التعليم المتوسط، فإن 80% من الطلاب يَستخدِمون الحاسوب، وأن منهم 65% يستخدمون شبكة الإنترنت مقابل 15% فقط لا يَدخُلون على شبكة الإنترنت، وأخيرًا قالت الدراسات: إن 98% من شباب الجامعات يَستخدِمون الحواسيب، وإن منهم 93% يستخدمون الإنترنت مقابل 5% فقط لا يستخدمونه، ولكنهم يستخدمون الحاسب.
 
أضرار وسلبيات ومعوِّقات التكنولوجيا:
التكنولوجيا على قدر أهميتِها وفائدتها في العملية التعليمية لكل من الطلاب والمُعلِّمين، ولكن التعليم شأنه شأن كل المجالات التي أثَّرت فيها التكنولوجيا وتركَت فيها بعض الآثار السلبية، وأول السلبيات التي أتَت بها التكنولوجيا هي في المجال التعليمي؛ فقد أشارت الدراسات إلى أن 89% من الطلاب يستخدمون الحاسوب والإنترنت، وأن منهم نسبة 11% مُدمِنون على شبكة الإنترنت، وأن 42% منهم متوسطو الإدمان، وأن 36% غير مدمنين على الإنترنت، والإدمان لا يشمل الإدمان على المواقع التعليميَّة ولكنه مبني على كل المواقع، كما أن للتكنولوجيا في التعليم بعض المعوِّقات التي تدور حول أن أجهزة الحاسوب لا يُمكِنها الإجابة عن جميع الأسئلة التي يطرحها الطلاب، كما أن كثيرًا من أجهزة الحاسوب لا يَنطِق الكلمات والحروف بشكل جيد، كما أن للمعلم دورًا رئيسًا لا يمكن الاستغناء عنه؛ يتمثَّل ذلك الدور في نطْق الكلمات الصعبة على الطلاب، وأن المُدرس قدوة للتلاميذ ويقلدونه في كثير من الأشياء، وهو ما لا يُمكِن توفيره في الحاسوب، كما أن العملية التعليمية تَعتمِد بالأساس على المناقشة بين المدرِّسين والطلاب، وهو ما لا يُمكِن توفيره في الحاسوب.
 
وتؤثِّر أيضًا التكنولوجيا على الجانب الآخَر في نقل المعلِّم للمادة من الحاسوب كما هي دون فَهمِها أو استيعابها، وعدم الإلمام بها بشكل كامل، كما أن الاعتِماد الكلِّي على التكنولوجيا سواء من جانب الطلاب أو المدرِّسين ينزع الروح من العملية التعليمية، إلى جانب اقتِصار التفكير وتقليص البحث والفِكر، فضلاً عن غياب الاحتكاك بين الطلاب ومُدرِّسيهم، وهو ما يؤدي إلى فتور العلاقة بينهم، وبالنسبة للطلاب فقد تؤثِّر التكنولوجيا على سلوكهم العام من خلال الدخول على المواقع الإباحية وما شابه ذلك؛ حيث أشارت الدراسات أن 57% من الطلاب مُستخدمي الإنترنت قد طالعوا مواقع إباحية، وهو أمر في غاية الخطورة، فيجب التوعية بخطورة مثل تلك المواقع على الطلاب في كافة الجوانب، الصحية والنفسية والتحصيلية.
 
الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في العمليَّة التعليمية:
قال الدكتور أيمن سامي أستاذ التربية: لا أحد يستطيع القول بأن التكنولوجيا أثرت بالإيجاب بشكل كامل على العملية التعليميَّة، ولا يُمكن القول أيضًا بأن كلها سلبيات فقط؛ فكل شيء له إيجابياته وسلبياته، ولكن الأهمَّ من ذلك هو التعرف على الطريقة الصحيحة والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في العملية التعليمية؛ وذلك حتى لا تتحول التكنولوجيا إلى نقمة على العملية التعليمية، فالاستخدام الأمثل للتكنولوجيا يَكمُن أولاً في تحديد أي المناهج أو المواد التعليميَّة التي يُمكِن أن تدرَّس عبر الإنترنت أو الحاسوب، وأيها يتطلب وجود مدرسة وفصل دراسي ويَحتاج المنظومة التعليمية كاملة، فهُناك مجالات مثل المجالات النظرية؛ مثل الآداب، وما إلى ذلك يُمكِن أن تدرَّس عبر الإنترنت، ولكن المواد العِلمية مثل الطبِّ والهندسة وما إلى ذلك، فلا بدَّ وأن يقوم الطالب بالتجريب حتى تتَّضح له المعلومات، وهي تتطلب ضرورة وجود أساتذة ومُدرِّسين ومعامل.
 
وأكد: وهناك شيء آخر وهو اختيار الوسيلة التي سيتمُّ من خلالها التعلُّم، فهناك مواد يُمكن أن يتمَّ دراساتُها وحفظها عبر ملفات "الوورد"، ويتمُّ حفظها على الحاسوب، وهناك أشياء أخرى تفاعليَّة تتطلب وجود شبكة إنترنت، وهي تعتمد إما على التواصل مع المدرس أو الأستاذ مباشرة عبر شبكة الإنترنت، وإما أن تكون برامج ومواقع تفاعليَّة، كما أن هناك عاملاً مهمًّا جدًّا يجب التأكيد عليه والالتزام به، وهو اختيار التعليم التكنولوجي على التعليم التقليدي من خلال البيئة التي يعيش فيها الطلاب، أو بشكل أدق البيئة التي سيعمل فيها الطلاب بعد التخرُّج، فلا يجوز أن يتمَّ تدريب الطالب على التكنولوجيا الحديثة، وهو في الأساس سيَعمل عملاً تقليديًّا جدًّا لا يحتاج إلى ذلك، والعكْس صحيح، ويأتي الدور الأكبر على المُدرِّسين والآباء من تعليم الأبناء وتوعيتِهم بخُطورة المواقع الإباحية الصحية والنفسية التي من المُمكِن أن يصل إليها الطلاب، فضلاً عن توعيتِهم بأهمية الوقت وخطورة تضييعِه في التصفُّح على مواقع لا تُفيدهم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
العلم والتعليم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بين المنهج والمحتوى وقانون التربية والتعليم، حسني عايش
» الاقتصاد المعرفي والتعليم الالكتروني ركيزتان في كفاءة العنصر البشري
» أهمية العلم
» تطور العلم العربي
» العلم نور معلومات رائعة جدا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: برامج كمبيوتر :: دروس وتعليم لغات-
انتقل الى: