منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:18 am

معنى الفقه وتعريفه

معنى الفقه لغة:قال فى الصحاح: الفقه الفهم. قال أعرابى لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه فقه الرحل بالكسر، وفلان لا يفقه ولا ينقه (أى يفهم).وفى القاموس المحيط: الفقه بالكسر العلم بالشىء والفهم لة. وفى المصباح المنير الفقه فهم الشىء. قال ابن فارس: وكل علم لشىء فهو فقه.فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفى، قولا كان أو غير قول، ومن ذلك قول الكتاب الكريم: {ما نفقه كثيرا مما تقول} (1) {ولكن لا تفقهون تسبيحهم}(2).{انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون} (3).غير أن القرافى قال فى شرح تنقيح الفصول: وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى: الفقه فى اللغة إدراك الأشياء الخفية. فلذلك تقول: فقهت كلامك ولا تقول فقهت السماء والأرض 0 وعلى هذا النقل لا يكون لفظ الفقه مرادفا لهذه الألفاظ، والألفاظ التى يشير إليها القرافى هى: الفهم والعلم والشعر والطب.ولفظ الفقه من المصادر التى تؤدى معناها، وكثيرا ما يراد منها متعلق معناها كالعلم بمعنى المعلوم، والعدل بمعنى العادل.معنى الفقه فى الصدر الأول: وقد غلب فى الصدر الأول استعمال الفقه فى فهم أحكام الدين جميعها، أى فهم كل ما شرع الله لعباده من الأحكام، سواء أكانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها، أم كانت أحكام الفروض والحدود والأوامر والنواهى والتخيير والوضع، فكان اسم الفقه فى هذا العهد متناولا لهذين النوعين على السواء، لم يختص به واحد منهما دون الأخر، وكان مرادفا إذ ذاك لكلمات " شريعة، و شرعة، و شرع، ودين " التى كان يفهم من كل منها النوعان جميعا. وكما كان اسم الفقه يطلق على فهم جميع هذه الأحكام، كان يطلق على الأحكام نفسها، ومن ذلك قولة عليه الصلاة والسلام: "رب حامل فقه غير فقيه " " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ".وهذا الاستعمال الجامع قد استمر أمدا ليس بالقصير، يرشدنا إلى هذا ما نقل عن الإمام أبى حنيفة: من أن الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها، وما هذه المعرفة إلا معرفة أحكام الله بنوعيها، كما أنة سمى كتابة فى العقائد " الفقه الأكبر ".ثم تغير هذا الاستعمال ودخل التخصيص على اسم الفقه، ونشأ اصطلاح للأصوليين وآخر للفقهاء. معنى الفقه عند الأصوليين:يحسن بنا أن نشير أولا إلى أن ما نزل به الوحى الإلهى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كتابا كان أو سنة، من الأحكام العملية، قد يكون دليله قطعى الثبوت وقطعى الدلالة معا، وهو ما تعورف إطلاق النص علية، وهذا النوع لا مجال فيه للاجتهاد، وإن كان محلا للنظر، فمنه ما يكون ضروريا وشعيرة إسلامية كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومنة ما هو نظرى ومثل النص فى كل هذا الإجماع إذا كان ثابتا ثبوتا قطعيا.وقد يكون الدليل قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت قطعى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت والدلالة. وهذه الأنواع الثلاثة هى محل الاجتهاد وتسمى أحكامها أحكاما ظنية وأحكاما اجتهادية، فقولة تعالى: {وامسحوا برءوسكم} (4) قطعى الثبوت وقطعى الدلالة على وجوب أصل المسح، فهو حكم قطعى، لكن دلالته على مقدار ما يمسح من الرأس، أهو الكل أو الربع أو البعض، دلالة ظنية، فالأخذ بأى مقدار يكون حكما ظنيا اجتهاديا.بعد هذا نقول: إن الأصوليين قد اتجهت عنايتهم إلى بيان- مفهوم الفقه فى اصطلاحهم بالمعنى الوصفى، أى الحال التى إذا وجد عليها المرء سمى فقيها 0 ولم يعرضوا لمعناه الاسمى ، أى المسائل والأحكام التى يطلق عليها اسم الفقه، وإن كان من الممكن أن يقال: إن الأحكام التى تسمى معرفتها فقها هى التى يمكن أن تسمى فقها بالمعنى الاسمى، والأحكام التى لا تسمى معرفتها فقها لا تسمى فقها بذلك المعنى. غير أن المسألة مسألة اصطلاح ونقل له- لا مسألة استخراج وتفهم واستنباط لوازم.وقد أفاض الأصوليون، وبخاصة المتأخرين منهم، فى بيان معنى الفقه الوصفى فى مصطلحهم، وكانت لهم فى ذلك تعريفات واعتراضات ومناقشات وكلام طويل خلاصته أن لهم فى ذلك ثلاث طرائق.فالطريقة التى جرى عليها جمهورهم هى أن الفقه معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد كما قال الشيرازى فى اللمع 0 وهو بعينة ما عرّف به غيره الفقه: من أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال كما قال بعضهم أو من طريق أدلتها التفصيلية كما قال البعض الآخر، فالعلم بالذوات من أجسام وصفات وسواها ليس فقها لأنه ليس علم أحكام.والعلم بالأحكام العقلية والحسية والوضعية كأحكام الحساب والهندسة والموسيقى والنحو والصرف لا يسمى فقها لأنه علم أحكام ليست بشرعية.وعلم أحكام أصول الدين وأصول الفقه ليس فقها، لأنها أحكام شرعية علمية وليست عملية.وبقيد الاستدلال خرج عن أن يكون فقها علم جبريل ورسول الله - صل الله عليه وسلم - وعلم المقلد بالأحكام الشرعية العملية، لأنه علم ليس عن استدلال، وكذلك العلم بشعائر الإسلام كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة. من غير استدلال، فهذا لا يسمى فقها لحصوله للعوام والنساء والأطفال المميزين، فالفقه هو العلم الاجتهادى والفقيه هو المجتهد. والطريقة الثانية:هى ما انتزعه صدر الشريعة مما جاء بأصول البزدوى مع شىء من التصرف. فقد اختار فى التنقيح تعريف الفقه: بأنه العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التى قد ظهر نزول الوحى بها والتى انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها، فلكى يتحقق معنى الفقه عنده، يجب العلم بالأحكام الشرعية العملية المعروفة أخذا من أدلتها، قطعية كانت أو ظنية، وليس الاستدلال بمعنى الاجتهاد شرطا لحصول هذا العلم، ويجب أيضا أن تكون مع هذا ملكة الاستنباط الصحيح من الأحكام الشرعية التى نزل بها الوحى،. أو انعقد عليها الإجماع. فالفقيه على هذا من كان أهلا للاجتهاد وإن لم يقع منه اجتهاد.والطريقة الثالثة:هى التى جرى عليها الكمال بن الهمام فى التحرير ولا تعرف لغيره، وهى لا تختلف عن الطريقة السابقة إلا فى بعض أمور أهمها ما يرجع إلى المراد من الأحكام الشرعية ، فقد ذهب إلى أنها القطعية لا الظنية ، وأن الظن ليس من الفقه ، وأن الأحكام المظنونة ليست مما يسمى العلم بها فقها. فالفرق بين الطرائق الثلاث يرجع إلى المراد من الأحكام. فمنهم من أراد منها الظنية وحدها ، ومنهم من أراد القطعية وحدها ، ومنهم من جعلها شاملة للقطعية والظنية ، وقد نقل ابن عابدين فى رد المحتار عن شرح التحرير ، أن التعميم قد نص غير واحد من المتأخرين على أنه الحق وعليه عمل السلف والخلف. ودعوى هذا الشارح فى جريان العمل عليه دعوى جريئة لا يصدقها الواقع. معنى الفقه فى اصطلاح الفقهاء: واسم الفقه قد استعمل فى اصطلاح الفقهاء للدلالة على أحد معنيين، أحدهما: حفظ طائفة من مسائل الأحكام الشرعية العملية الواردة بالكتاب والسنة وما استنبط منها، سواء حفظت مع أدلتها أم حفظت مجردة عن هذه الدلائل. فاسم الفقيه عندهم ليس خاصا بالمجتهد كما هو اصطلاح الأصوليين، بل يتناول المجتهد المطلق، والمجتهد المنتسب، ومجتهد المذهب، ومن هو من أهل التخريج وأصحاب الوجوه، ومن كان من أهل الترجيح، ومن كان من عامة المشتغلين بهذه المسائل.وتكلموا فى المقدار الأدنى من هذه المسائل الذى يسمى حفظه فقها وانتهى تحقيقهم إلى أن هذا متروك للعرف، غير أنهم لا يصفون بفقه النفس إلا من كان واسع الاطلاع ، قوى الفهم والإدراك ، متين الحجة ، بعيد الغور فى التحقيق والغوص على المعانى ، ذا ذوق فقهى سليم نقى ، وإن كان مقلدا ،كما اعتادوا أن يصفوا بذلك الكمال بن الهمام وأضرابه من الفقهاء المقلدين.والمعنى الثانى الذى يطلق عليه اسم الفقه: مجموعة هذه الأحكام والمسائل.فإذا ذكرت دراسة الفقه أو فهم الفقه ، أو ما ورد فى الفقه ، أو التأليف فى الفقه ، أو كتب الفقه أو ما هو من هذا القبيل ، فإنهم لا يعنون إلا هذه المجموعة التى تحتوى على الأحكام الشرعية العملية التى نزل بها الوحى ، قطعية كانت أو ظنية ، وعلى ما استنبطه المجتهدون على اختلاف طبقاتهم ، وعلى ما اهتدى إليه أهل التخريج والوجوه ، وعلى ما ظهرت روايته واشتهرت وما لم يكن كذلك ، وعلى الأقوال الصحيحة والأقوال الراجحة والأقوال غير الصحيحة والمرجوحة والضعيفة والشاذة ، وعلى ما أفتى به أهل الفتوى فى الواقعات والنوازل ، وإن لم يقم على استنباط ولم يكن إلا تطبيقا للأحكام المقررة ، وعلى بعض ما احتيج إليه من مسائل العلوم الأخرى كبعض أبواب الحساب التى ألحقت بالوصايا والمواريث ، وعلى ما رآه متأخروا الفقهاء الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولا التخريج من طريق ما سموه تفقها ، أو استظهارا أو أخذا ، أو أشبه ذلك ، فقل هذا الذى ذكرنا قد اندمج بعضه ببعض وسار فقها.ولكل مذهب من المذاهب الفقهية مجموعته الخاصة التى تنسب إليه ، فيقال فقه مذهب أبى حنيفة ، وفقه مذهب مالك وفقه مذهب الإمامية، وفقه الزيدية ، وفقه الأباضية ، وهكذا. ومنذ الأزمنة البعيدة وجدت مجموعة عامة شاملة لفقه المذاهب الفقهية كلها أو أشهرها ، وهى التى اختصت باسم اختلاف الفقهاء ، والمجموعات الخاصة والمجموعات العامة كلاهما يتناوله اسم الفقه.والفقه بهذين المعنيين يطلق عليه أيضا علم الفروع ، أو الفروع ، أما فى مقابلة العقائد وأصول الدين ، لأن التصديق بالأحكام العملية فرع للتصديق بالعقائد ، وأما فى مقابلة أصول الفقه لتفرع تلك الأحكام عن أصولها وأدلتها التى هى موضوع أصول الفقه.وقد يطلق الفقهاء اسم الفروع أيضا على بعض المسائل المتفرعة على أصول المسائل الفقهية الكلية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:19 am

الشريعة والفقه

الشريعة والشرعة معناها فى اللغة: مورد الناس للاستقاء ، سمى بذلك لوضوحه وظهوره ، وتجمع الشريعة على شرائع والشرع مصدر شرع بمعنى وضح وأظهر. وقد غلب استعمال هذه الألفاظ فى الدين وجميع أحكامه ( شرع لكم الدين ما وصى به ( نوحا والذى أوحينا إليك ((5) ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( (6) ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ( (7) .فالشرع أو الشريعة أو الشرعة، هو ما نزل به الوحى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من الأحكام فى الكتاب والسنة، مما يتعلق بالعقائد والوجدانيات وأفعال المكلفين قطعيا كان أو ظنيا، ومعناه يساوى معنى الفقه فى الصدر الأول.ولا نعرف أنه قد طرأ عليه تخصيص،اللهم إلا ما قد يشعر به استعمال بعض الفقهاء أحيانا لكلمة " شرائع الأحكام " ولا يريدون منها إلا الأحكام التكليفية والوضعية، ولكن هذا لا يرقى إلى مرتبة التخصيص والاصطلاح.أما الأحكام التى لم ترد لا فى الكتاب ولا فى السنة نطقا ولا عملا، وكانت مما استنبطه المجتهدون من معانى تلك الأحكام، ولم يجمع عليها من أهل الإجماع، فليست إلا أفهاما وآراء لأربابها، ولا تسمى فى الحقيقة شرعا ولا شريعة. وما نسبت إلى الشرع وسميت أحكاما شرعية فى تعريف الفقه وفى غيره من المواطن إلا لأنها مستنبطة من الشرع، لا لأنها منه.فإذا وازنا بين مفهوم الشرع أو الشريعة، ومفهوم الفقه بالمعنى الاسمى فى اصطلاح الفقهاء، وجدنا أن بينهما العموم والخصوص الوجهى، يجتمعان فى الأحكام التى وردت بالكتاب والسنة، وينفرد الشرع أو الشريعة فى أحكام العقائد وما إليها مما ليس فقها، وينفرد الفقه فى الأحكام الاجتهادية وما يلتحق بها.وقد ظهر فى عصرنا إطلاق اسم الشريعة الإسلامية على الفقه وما يتصل به. وربما كان بدء ظهور هذا فى مدرسة الحقوق بالقاهرة، ثم كثر استعماله، حتى إنه لا يفهم الآن من الشريعة الإسلامية عند الإطلاق إلا هذا المعنى، وعلى هذا الأساس سميت الكليات التى خصصت فى بعض البلاد الإسلامية لدراسة الفقه، وما يتصل به، كلية الشريعة الإسلامية.وقد فشا أخيرا فى القضاء استعمال عبارة " المنصوص عليه شرعا كذا "، وقد يكون ما ينقل ليس إلا رأيا لأحد المؤلفين فى الفقه. على أن الأمر ليس ذا شأن كبير ما دامت المسألة مسألة اصطلاح، فقديما قالوا: أنه لا مشاحة فى الاصطلاح.ما ليس فقها:والأفهام والآراء التى يتوصل إليها من طريق النظر فى الأحكام الشرعية لا تسمى فقها، إلا إذا وقعت موقعها وصدرت عمن هو أهل لها، وإلا كانت مهدرة ليس لأحد أن يعول عليها، ولا أن يد خلها فى باب اختلاف الفقهاء ويعتبرها فقها.ومن القضايا المشهورة المسلمة، كان الاجتهاد فى مقابلة النص لا يقبل. وقال الفقهاء: إن الاجتهاد إذا كان مخالفا للكتاب أو السنة أو الإجماع، أو كان قولا بلا دليل لا يكون معتبرا، ويكون خلافا، ولا يكون من قبيل اختلاف الفقهاء، وإذا قضى به القاضى وقع قضاؤه باطلا.وواضح أنهم لا يعنون من مخالفة الكتاب والسنة، إلا مخالفة نصهما، أى ما هو قطعى الثبوت والدلالة منهما.ومخالفة الكتاب الكريم تكون برد نصه القاطع فى دلالته، كالقول بحل الربا فى بعض صوره، لأنه مخالف لقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (Cool كما يكون بحمل النص على ما لا سبيل إلى حمله عليه، لا من دلالة اللغة ولا من سواها. كالقول بأن للمسلم أن يجمع بين تسع زوجات، بحمل قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} (9) على معنى اثنين وثلاث وأربع، فتكون الجملة تسعا، وهو حمل لا تسيغه لغة، ولا يقره فهم سليم.ومن مخالفة السنة المشهورة القاطعة فى دلالتها، القول بحل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول إذا تزوجها آخر بعقد صحيح ولم يدخل بها ثم طلقها، لأنه رد لحديث العسيلة المعروف الذى اشترط للحل الدخول والإصابة، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-، فيما رواه ابن عمر، قال. سئل نبى الله - صل الله عليه وسلم - عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها آخر فيغلق الباب، ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل كان يدخل بها. هل تحل للأول؟ قال: " لا، حتى يذوق العسيلة".ومن مخالفة الإجماع القول بأن للقاضى أن ينقض الحكم الذى صدر فى مسألة اجتهادية بناء على اجتهاد معتبر إذا رفع إليه هذا الحكم و كان لا يرى الرأى الذى انبنى عليه.ومن القول بلا دليل، القول بسقوط الحق بالتقادم، فإنه قول لا دليل عليه من أى نوع من أنواع الأدلة. والقول بلا دليل هو القول يكون لمجرد استحسان العقل من غير استناد إلى دليل من الأدلة المعتبرة، وهذا هو القول بالتشهى والهوى وهو الرأى المذموم الذى فاض العلماء فى رده، وفرقوا بينه وبين الرأى المحمود.أما الأقوال الضعيفة المنقولة فى المذاهب الفقهية، فإن كان ضعفها ناشئا عما يدخلها فى الأنواع السابقة، فهى من الخلاف وليست من قبيل الاختلاف.أما إذا كان القول بضعفها ناشئا عن الموازنة بين دليلها ودليل ما يخالفها من ناحية القوة والضعف، فلا سبيل إلى إخراجها من دائرة اختلاف الفقهاء، وما مثلها إلا مثل مذاهب الأئمة المجتهدين، فان كل إمام يرى أن مذهبه أقوى دليلا من مذهب مخالفة، ويرى كل منهم أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفه خطأ يحتمل الصواب. وهذا هو الشأن فى الأقوال المختلفة فى المذهب الواحد.والحكم فى كل ما ذكرت هو الرأى العام الفقهى. فهو الذى يعتمد عليه فى معرفة ما إذا كان الرأى من باب الخلاف أو من باب اختلاف الفقهاء. وسيان أن يكون هذا الرأى العام رأى الكل أ و رأى الأكثرين وجمهور من يعتد بهم. فلا وزن لما ذهب إليه بعض الأقلين الذين انحرفوا وأسرفوا فى تطبيق قاعدة الخلاف، ورموا أعلاما يهتدى بهم بالضلال ومخالفة الكتاب الكريم ورد السنة الصحيحة والخروج على الإجماع وقالوا فى بعض أقوالهم إنها خلاف وليست من الدين فى شىء.أما أصحاب النظر وأهل الرأى الذى يعتد به فهم الأئمة المجتهدون، والمجتهدون المنتسبون، وهم الذين تلقوا فقههم عن إمام معين، وتأثروا بطريقته فى الاجتهاد إلى حد كبير، فإن له أثرا واضحا فى اجتهادهم ولكنهم يخالفون أستاذهم فى الأصول وفى الفروع.والمجتهدون فى المسائل، وهم فقهاء أظهر أحوالهم أنهم مقلدون لإمام معين لا يخالفونه فى أصول ولا فى فروع، ولكنهم يجتهدون فى المسائل التي لا رواية فيها. وأهل الوجوه والتخريج وهم فقهاء مقلدون لا اجتهاد لهم وكل عملهم هو تفصيل ما روى مجملا وتكميل ما روى محتملا، ثم يأتى بعد ذلك أهل التفقه والاستظهار والأخذ الذين برزوا فى صفوف أواخر المتأخرين ودونت آراؤهم فى المذاهب وتنوقلت ولا سبيل إلى استبعادها بل ربما كان الحرص عليها أشد من سواها.أما من لم يكن من أهل الاجتهاد بأنواعه، ولا من أهل الوجوه والتخريج ومن بعدهم فإنه لا يعتد برأيه ولا يعتبر ما ذهب إليه فقها، لأنه صادر عمن ليس أهلا له. ويكون رده أولى إذا كان مخالفا لرأى الإمام الذى يقلده.ولذا ترى الحنفية يقولون- فى بعض ما يعترض به الكمال بن الهمام ويقرر خلال ذلك ما يراه، أن الاعتراض وارد والفقه مسلم، فإذن لا سبيل إلى جعل هذا الرأى من مذهب الحنفية، لمخالفته له، ولا سبيل إلى الأخذ به تقليدا لصاحبه، لأنه هو نفسه مقلد وليس ممن يقلدون، فلا يعتبر ما ذهب إليه فقها بأى حال.وإذا كان عمل الفقيه أو المتفقه الذى ليس من الطوائف التى ذكرت هو الترجيح بين الأقوال المختلفة، أو تصحيح الروايات وتحرير الأقوال، فليس هذا مما نحن فيه هنا.والحكم فى كل ما أوردناه فى هذه الناحية هو الرأى العام الفقهى على النحو الذى ذكر فى المسألة السابقة، فلا وزن لقول من قال تصريحا أو تلويحا: إن الإمام أحمد بن حنبل ليس فقيها، وإنما هو محدث، ولا لقول من قال: إن داود بن على الأصفهانى، رأس الظاهرية، ليس من المجتهدين، فقد حكم لهما الرأى العام الفقهى أقوى الأحكام فى مختلف العصور. أما آراء المشتغلين بالفقه المعاصرين التى تخالف المعروف فى الفقه، أو التى لا رواية فيها، أو التى ترجح مذهبا على آخر، فإن الرأى العام الفقهى لم يصدر حكمه فيها، أما تحريرهم للمنقول وتحقيقه فالحكم فيه ما يكون عليه.(1) الآية: 91 سورة هود.(2) الآية: 44سورة الإسراء.(3) الآية: 65 سورة الأنعام.(4) الآية:6 سورة المائدة.(5) الآية: 13 سورة الشورى.(6) الآية: 48 سورة المائدة.(7) الآية: 18 سورة الجاثية. (Cool الآية: 275 سورة البقرة.(9) الآية: 2 سورة النساء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:20 am

مصادر الفقه ( مقدمة )

لا حاكم سوى الله سبحانه، ولا حكم إلا ما حكم به، ولا شرع إلا ما شرعه.على هذا اتفق المسلمون، وقال به جميعهم حتى المعتزلة (أهل العدل) الذين يقولون:إن فى الأفعال حسنا وقبحا يستقل العقل بإدراكهما ’ وأن على الله أن يأمر وينهى على وفق ما فى الأفعال من حسن وقبح، فالحاكم عند الجميع هو الله سبحانه، والحكم حكمه. وهو الشارع لا غيره، وإذا كان رسول الله - صلى اللّه عليه وسلم - قد أطلق عليه اسم الشارع فى بعض عبارات العلماء، فما كان ذلك إلا تجوزا مراعاة لأنه المبلغ عنه.وإذا كان الشاطبى فى بعض المواطن قد سمى عمل المجتهد تشريعا فما كان ذلك منه إلا تساهلا أساغه أن عمل المجتهد كاشف عن التشريع ومظهر له، فالسلطة التشريعية هى الله وحده.والشريعة، أو الشرعة، أو الشرع، فيما يختص بالعمليات، هى حكم الله تعالى، وهو أثر خطابه جل شأنه المتعلق بأفعال العباد اقتضاء أو تخييرا أو وضعا.والله جلت حكمته لم يفوض إلى أحد من عباده، لا إلى رسول ولا نبى ولا إمام ولا ولى ولا إلى غيرهم، أن يشرع للناس من الأحكام ما يريد وأن يحكم بينهم بما يراه هو من عند نفسه وكيف اتفق، وقد نقل القول بالتفويض أو العصمة عن بعض الناس، فمن العلماء من أبقاه على ظاهره وأقام الحجة البالغة على بطلانه، ومنهم من تأوله وحمله على إرادة النظر والاجتهاد. والإحالة(بمعنى الإسناد فى لغة القانونيين) إلى شريعة أو أحكام أخرى تحل محل حكام الشريعة الإسلامية أحيانا أو تكمل أحكامها، أمر يحتاج إلى شىء من البيان. فغير المسلمين الكتابيون إذا كانوا من أهل دار الإسلام، اتفق الجميع على أنهم لا يتعرض لهم فى عباداتهم والقيام بشعائر دينهم، أما فيما عدا ذلك فالجمهور على أنهم خاضعون للشريعة الإسلامية فيتعرض لهم إذا خالفوا أحكامها ويقضى بينهم بتلك الأحكام متى كان القضاء بينهم حقا لنا- وهى مسألة اختلافية- وذهب الإمام أبو حنيفة نفسه: إلى أنه لا يتعرض لهم فى معاملاتهم التى لا يتعدى ضررها إلى المسلمين ويقضى بينهم فى ذلك بأحكام دينهم. أما فيما يتعدى ضرره إلى المسلمين، فإنهم خاضعون لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا مجمل مذهبه بوجه عام. وذهب صاحباه إلى عدم التعرض لهم فى ذلك، ولكن يقضى بينهم بأحكام الشريعة الإسلامية.ومن هذا الموجز يعرف من يقول بالإحالة ومدى قوله بها.أما العرف فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، فالعرف إنما يلجأ إليه فى معرفة ما يريده المتكلم من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفى معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وكفى الوقوف على الشروط التى يصحح العرف اشتراطها فى العقود.هذا هو كل ما يلجأ فيه إلى العرف، ولا يلجأ إليه فى معرفة حكم تشريعى ليطبق، وإنما يلجأ إليه فى تكييف الواقعات والنوازل ليطبق عليها الحكم المعروف فى الشريعة ، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا حكم فقهى لم يكن مبنيا على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهى إذا كان مبنيا على عرف ثم تغير إلى عرف آخر. فاعتبار العرف فى الشريعة الإسلامية ليس من باب. الإحالة التشريعية ، كما أنه ليس من الأدلة الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية.أما شرائع من قبلنا، فالكل متفقون على أن ما لم يروه الشارع لنا لا يكون شريعة لنا، وأن ما رواه لنا وأمرنا باتباعه كان من أحكام شريعتنا، واختلفوا فيما رواه لنا ولم يأمرنا باتباعه ، فذهبت طائفة: إلى أن مجرد الرواية يعتبر كالأمر فيكون من شريعتنا، وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يكون شريعة لنا. فمسألة شرائع من قبلنا أبعد ما تكون عن موضوع الإحالة وعن أن تكون دليلا إجماليا ومصدرا فقهيا. والمعتزلة قد ذهبوا: إلى أن العقل يستقل بادراك ما فى الأفعال من حسن وقبح، وبالتالى يستقل بادراك حكم الله الملائم لذلك وإن لم يأت به شرع ولم ينزل به الوحى. فالمصدر الأصلى عندهم للوقوف على حكم الله هو العقل.أما جمهور المسلمين فعلى أنه لا حكم للعقل وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون ذلك إلا من طريق الوحى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (الكتاب والسنة) الذى أمر بتبليغه إلى الناس فبلغه. فالطريق الوحيد إلى ذلك هو تبليغ الرسول - عليه الصلاة والسلام ،- فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة وأشباهها، فكل هذا لا يكون طريقا لمعرفة حكم الله، لأنه ليس وحيا. والتبليغ إنما يكون من الرسول - عليه الصلاة والسلام- فى يقظة المبلغ إليه، فلا عبرة بتبليغ الأحلام.1- المصادر عند الجمهور:ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء إلى أن مصادر الفقه أى أدلته الإجمالية هى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقالوا أن المصدر الحقيقى هو الوحى كتابا كان أو سنة، أما الإجماع والقياس فمردهما إليه، وما ذكرا استقلالا إلا لكثرة بحوثهما، وذلك لأن المجمعين لا يضعون أحكاما من عند أنفسهم، ولا يجمعون عن الهوى والتشهى، ولا يكون إجماعهم إلا مستندا لأحد هذين المصدرين. وكل من الكتاب والسنة قد أديت معانيه بلغة العرب الفصحى، ويخضع فى إفادته لهذه المعانى لأنواع الدلالات اللغوية ومنها دلالة اللفظ بمنطوقه، ومنها دلالة معنى اللفظ ومناط الحكم الذى شرع باللفظ المنطوق، وهذه الدلالة هى القياس. فكل من الإجماع والقياس راجع إلى الكتاب والسنة.القرآن:والقرآن هو كتاب الله تعالى الذى أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- بلفظة ومعناه، المكتوب فى المصاحف، المنقول عنه - عليه الصلاة والسلام - نقلا متواترا، فغير المتواتر لا يسمى قرآنا. فالقرآن جميعه قطعى الثبوت.والكتاب الكريم لا كلام لأحد فى حجيته ولا فى أنه أول المصادر الفقهية. وإنما اختلفوا فى مسائل كثيرة تتعلق بالنسخ والعموم والخصوص ومقتضى الأمر والنهى وغير ذلك مما يرجع إلى طرق استفادة الأحكام منه.السنة النبوية:سنة رسول الله - صل الله عليه وسلم - قولا أو عملا أو تقريرا- هى الأصل الثانى من الأدلة الإجمالية والمصادر الفقهية، ولم يتكلم فى ذلك ولم يشكك فيه إلا أهل البدع والأهواء الذين طار بعض المستشرقين فرحا بما ظفروا به من أقوالهم، وضموا إليها ما شاء الله أن يضموا من أخطائهم وتحريفاتهم ومفترياتهم.


....يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:28 am

....  تابع

مصادر الفقه ( مقدمة )

أما ذوو الدين والاستقامة من العلماء وسائر المسلمين، فقد أدوا للسنة حقها، ومتى صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تقبلوه أحسن القبول، ولم يرد أحد منهم حديثا صحيحا، ولم يعمل على خلافه، إلا أن يكون قد خفى عليه ولم يبلغه أو تأوله تأولا يراه صحيحا، أو قدم عليه ما هو أقوى منه عند التعارض. والحق أن مخالفيهم كان له أكبر نصيب فيما تردى فيه أهل البدع والأهواء، وبعض المستشرقين وأشياعهم.وقد عنى الأئمة بأسانيد السنة وطرق إثباتها وبيان أقسامها، وما يحتج به منها وما لا يحتج، واختلفوا فى كل هذا، كما اختلفوا فى مسائل النسخ المتعلقة بها وفى طرق الدلالة واستفادة الأحكام منها على النحو الذى سبقت الإشارة إليه فى الكتاب الكريم. وأيا ما كان الأمر فالسنة عند الجميع منها قطعى الثبوت ومنها ظنى الثبوت ومنها قطعى الدلالة ومنها ظنيها.الإجماع:الإجماع الفقهى هو اتفاق مجتهدى عصر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على حكم شرعى عملى استنادا إلى الكتاب أو السنة أو القياس. وهذا ما جرى عليه الأكثرون، وقال النظام وبعض الشذاذ: إلا الإجماع لا يتصور وقوعه، وكذلك كانت بحوث ومناقشات حول الإجماع من بعد الصحابة، وإجماع بعض الصحابة وإجماع أهل البيت، وإجماع فقهاء بعض الأمصار، والأخذ بأقل ما قيل على أنه إجماع على الأقل.والحق أن الكلام فى إجماع من عدا الصحابة ليس إلا جدلا نظريا، إذ لم يستطع أحد أن يأتى بحكم ثبت بالإجماع بعد عصر الصحابة. أما أصحاب رسول الله - صل الله عليه وسلم - فقد اجتهدوا واختلفوا واجتهدوا وأجمعوا ودون العلماء مسائل إجماعهم. وإذا نقل الإجماع من طريق قطعى كان قطعى الثبوت وإلا كان ظنية، وهو قطعى فى دلالته على ما أجمع عليه.القياس:للقياس تعريفات مختلفة يطول إيرادها، والأكثرون على أن القياس حجة ودليل من الأدلة الإجمالية ومصدر فقهى، وقال الأقلون: ليس بحجة، ومنهم النظام والشيعة وأهل الظاهر.وكان للأصوليين طرائق مختلفة فى تقسيم القياس، وبيان كل قسم منها، والقسم المتفق عليه من القائلين بالقياس، هو قياس العلة.أما بقية الأقسام ففيها اختلافهم. وعلى القياس يقوم أكثر الفقه الاجتهادى وكله ظنى.ب - مصادر أخرى:وقد اعتاد كثير من الأصوليين. أن يذكروا مصادر أخرى على أنها مصادر مختلف فيها وهى فى الواقع لا تعدو أن تكون أنواعا من المصادر الأربعة السابقة أو قواعد كلية فقهية محضة.فيذكرون شرائع من قبلنا، وقد عرفت ما فيها آنفا، وهى إن كانت شريعة لنا فهى من الكتاب والسنة. ويذكرون إجماع الشيخين، وإجماع أبى بكر وعمر وعثمان، وإجماع الأربعة الراشدين، وإجماع أهل البيت، وإجماع أهل المدينة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع أهل البصرة، والأخذ بأقل ما قيل للإجماع عليه من المختلفين، وكل هذه ليست إلا أنواعا من أنواع الإجماع. ويذكرون الاستحسان والمصلحة المرسلة والاستقراء وهى من أنواع القياس. ويذكرون الاستصحاب والبراءة الأصلية، وسد ا لذرائع، والعادة وا لعرف، وكلها قواعد فقهية وليست دليلا يستند إليه فى استنباط حكم شرعى.ويذكرون العصمة وهى التفويض الذى سبق الكلام فيه.وبهذا اتضح أن الدليل الحقيقى والمصدر الوحيد للتشريع الإسلامى والفقه الإسلامى بأجمعه، هو الوحى الإلهى، وأن مرد الإجماع والقياس اليه، وأن المصادر الأخرى ليست مصادر خارجة عن الأربعة أو هى ليست مصادر للفقه.ج - أسباب اختلاف الفقهاء:من الاستعراض السابق نفهم فى وضوح أن اختلاف الفقهاء المجتهدين يرجع إلى اختلافهم فى كون المصدر دليلا أو غير دليل، واختلافهم فى ثبوت المصدر أو عدم ثبوته، واختلافهم فى الترجيح عند التعارض، واختلافهم فى أنواع الدلالات وسائر طرق الاستفادة، ثم يأتى بعد كل هذا تفاوتهم فى الإحاطة وفى الأفهام وملكة الاستنباط وكمال الذوق الفقهى.هذه هى الأمور الرئيسية التى ترجع إليها أسباب اختلاف الفقهاء من غير تفصيل، وهذه الأسباب قد عرض لها ابن حزم فى الأحكام، وابن تيمية فى رفع الملام وقال كل منهما: إنها عشرة ، أما الشاطبى فقد روى فى الموافقات: أن ابن السيد وضع فيها كتابا وحصرها فى ثمانية، واكتفى بذكر عناوين الأبواب التى وردت فى ذلك الكتاب.د- مصدر آخر:ما سبق إيراده من المصادر هى مصادر الأئمة المجتهدين، أما غير المجتهدين من المقلدين فليس لهم إلا مصدر واحد، هو ، أقوال الأئمة الذين يقلدونهم وإن كانوا من أصحاب الوجوه وأهل التخريج، أو من أهل الترجيح، أو من المحصلين المطلعين القادرين على التمييز بين الأقوال الصحيحة والفاسدة والقوية والضعيفة، والراجحة والمرجوحة، فما داموا لم تتوافر لهم الأهلية لأى نوع من أنواع الاجتهاد، فليس لهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة والإجماع، وليس لهم أن يقيسوا على ما ورد بها من الأحكام، وليس لهم إلا الرجوع الى أقوال أئمتهم ينظرون فيها نظر المجتهد فى الأدلة. ويستنبطون منها ما شاء الله أن يستنبطوا، وما استخرجوه منها يكون أقوالا فى مذهب إمامهم سواء وافقت أقوالا سابقة لفقهاء هذا المذهب، أو لم يسبقها ما يوافقها، ويقضى بهذه الأقوال ويفتى بها ويتبع فى شأنها ما يتبع فى العمل بأقوال مجتهدى المذهب عند اختلاف الرواية.هكذا قال المتأخرون، وأمعن بعضهم فى هذا فقال: وإن قيل أن ما روى عن الإمام صاحب المذهب ليس قرآنا ولا أحاديث صحيحة. فكيف تستنبط الأحكام منه؟ قيل إنه كلام أئمة مجتهدين عالمين بقواعد الشريعة والعربية مبينين للأحكام الشرعية، فمدلول كلامهم حجة على من قلدهم، منطوقا كان أو مفهوما، صريحا كان أو إشارة، فكلامهم بالنسبة له كالقرآن والحديث بالنسبة لجميع المجتهدين.قد لا يرضى بعض الناس عن هذا، وقد يمجده آخرون، إلا أن له فضلا عظيما لا يستطيع أحد إنكاره، وهو أنه فتح بابا واسعا لتطور الفقه ومسايرته لأحداث الحياة، بعد أن سادت لدى الجمهور فكرة انقطاع الاجتهاد، لأنه لا يوجد أهله. ومن الناس من لم يفهم الأمر على حقيقته، وسمى هذا الطور طور التقليد وجمود الفقه وشايعه من شايعه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:29 am

تقسيمات الفقه وخصائصه

للأحكام الفقهية بالمعنى العام الشامل تقسيمات كثيرة تقوم على معانى واعتبارات مختلفة، فهى من ناحية أدلتها ثبوتا ودلالة تنقسم إلى أحكام قطعية وإلى أخرى ظنية. وهى من ناحية المقاصد التى شرعت من أجلها تنقسم إلى أحكام لحفظ الضروريات، وأحكام لصيانة الحاجيات، وأحكام لتحقيق التحسينات، وقد مضى ما يتعلق بهذين التقسيمين.وقسموا هذه الأحكام إلى أحكام تكليفية، وأحكام تخييرية، وأحكام وضعيه.فالحكم التكليفى هو اثر خطاب الله تعالى الموجه إلى المكلف بطلب الفعل أو بطلب تركه، وأثر الأول هو الفرض والوجوب والندب، وأثر الثانى هو الحرمة أو الكراهة، أما الخطاب التخييرى فأثره الإباحة.أما الخطاب الوضعى فهو ما تعلق بالصحة والفساد والبطلان، وبكون الشىء أمارة أو علامة أو شرطا أو سببا أو علة لشىء آخر أو مانعا منه.وقسموا الأحكام الشرعية أيضا إلى أحكام يمكن للقضاء أن يتدخل للإلزام بها والحكم بموجبها، وأحكام أخرى لا تدخل موضوعاتها تحت القضاء ولا يمكن الإلزام بها وتنفيذ ما تقضى به لاعتبارات مختلفة منها أن لا فائدة للإلتزام فى بعضها، ومنها أن بعضها لا يصح مع الجبر، ومنها أن موضوعات بعضها دقيقة وحساسة، فمن الخير أن يترك فيها لربه ولدينه.وهذا النوع أحكامه كثيرة جدا ومنثورة فى مختلف أبواب الفقه.وقسموها أيضا إلى عبادات، وإلى معاملات أو تجارات وإلى ما له شابه بهما وهو ما تعارفنا اليوم على تسميته الأحوال الشخصية.وإلى دعاوى وبينات وأقضية، وهو ما سماه المرحوم الشيخ محمد زيد الأبيانى بالمرافعات الشرعية، مجاراة لإصلاح المرافعات الوضعية، واشتهرت هذه التسمية فى مصر.وإلى وثائق أو عقود إستيثاق وإلى جنايات، وإلى وصايا ومواريث.وهذا التقسيم تقسيم تأليفى جمع فيه النظير إلى نظيره ، كما وضع كل نوع مع ما يناسبه، وللفقهاء فى هذا طرائق مختلفة حتى فى مؤلفات المذهب الواحد، وأن اتفق الكل على وضع العبادات فى الطليعة. ويقسمون المسائل الفقهية إلى قسمين: أصول المسائل، أو مسائل الأصول كما يعبرون أحيانا، والقسم الآخر هو ما عدا هذه المسائل.ومسائل الأصول أو أصول المسائل تطلق على معان مختلفة، فتطلق تارة على المسائل التى يكون فيها الاستنباط ، أما بيان المراد منها فيما هو منطوق به أو بدلالة معناها والقياسى عليها، فهى الأحكام التشريعية الواردة بالكتاب والسنة، فهى أصل لما تفرع عنها من طريق الاجتهاد. وتطلق تارة أخرى على الأحكام الكلية التى تذكر فى كل كتاب أو باب من أبواب الفقه، فهى أصول لما يتفرع عنها من المسائل ومن هذا المعنى كانت تسمية كتب المجتهدين الأولى كتب أصول، كما كان يطلق على كتاب المبسوط لمحمد بن الحسن كتاب الأصل، وكذلك كان يطلق ذلك على نظيره من مؤلفات سواه، كما يظهر ذلك واضحا من الرجوع إلى الفهرست لابن النديم. وتارة يطلق الأصل على قاعدة عامة لا تختص بباب بعينه وينبنى عليها فى كل باب أحكام تسمى أصولا بالمعنى الثانى، وذلك كقول الكرخى: الأصل أن الإجارة تصح ثم تستند إلى وقت العقد. وكقول الدبوسى: الأصل عند أبى يوسف أنة إذا لم يصح الشىء لم يصح مافى ضمنه وعند أبى حنيفة يجوز أن يثبت ما فى ضمنه وإن لم يصح.هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قسموا هذه المسائل إلى مسائل ظهرت روايتها واشتهرت، ويقابلها المسائل النادرة التى لم تشتهر روايتها، وإلى المسائل القوية وتقابلها المسائل الضعيفة والشاذة، وإلى الراجح والمرجوح، وبينوا ترتيب كل هذه المسائل وما يجب العمل به منها إذا اختلفت. وقسموا الأحكام الشرعية بالنظر إلى من يضاف إليه الحق الذى تقرره. وقالوا إن من يضاف إليه الحق قد يكون الله وقد يكون العبد. وقالوا إن المراد من حق الله ما يتعلق به النفع العام للعالم فلا يختص به أحد. وإنما كانت نسبته إلى الله للتعظيم فإنه جل شأنه متعال عن أن ينتفع بشىء. وذلك كحرمة الزنا التى يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب وصيانة الفراش وارتفاع السيف بين العشائر بسبب ما يكون من التنازع من أجل الأعراض والتزاحم. وقالوا أن حق العبد ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة المال للمملوك. وقالوا إن من الحقوق ما هو خالص لله وما هو خالص للعبد ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب، ومنها ما غلب فيه حق العبد وأن الاستقرار قد دل على أنه لا يوجد ما استوفى فيه الحقان. وبينوا الأحكام التى تندرج فى كل قسم من هذه الأقسام.هذا هو ما يجرى عليه الأكثرون فى هذا التقسيم وهو يقوم على أن الحقوق فى الواقع لمصلحه العباد، ولكن الشاطبى قد تنبه إلى معنى أدق لما يمكن أن يسمى حكم الله وأفاض فى بيانه ثم خلص إلى قوله أن كل حكم شرعى ليس بخال عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد، فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق. وإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا فليس كذلك بإطلاق بل جاء على تغليب حق العبد فى الأحكام الدنيوية، كما أن كل حكم شرعى فيه حق للعباد إما عاجلا وإما آجلا بناء على أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد.وما قرره الشاطبى هو ما تناصره أى الكتاب الكريم والسنة النبوية ووضع الشريعة نفسها، ولا سبيل إلى رده بحال. فكل حكم شرعى من أى نوع كان، يقوم على معنيين على السواء، المعنى التعبدى وهو إطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والمعنى المصلحى للعباد دينا ودنيا، وإن شئت قلت المعنى الروحى والمعنى القانونى، فمن باع بيعا شرعيا أفاد بيعه ما يقتضيه العقد وكان هو مطيعا لله مستحقا لثوابه بامتثال أمره فى بيعه، ومن باع بيعا فاسدا، وتقابض البيعان، ترتب أثره المصلحى أو القانونى وهو إفادة الملك، وذلك هو المعنى القانونى، ولكنه لم يمتثل أمر ربه، فكان عاصيا لم يؤد إليه حقه التعبدى، الحق الروحى.ومن قتل آخر فقد أرتكب جريمة العدوان على النفس ولها جزاؤها الخاص، وارتكب جريمة أخرى هى عصيانه لربه. وهاتان الجريمتان متمايزتان، وقد تنفصلان كما يتضح ذلك من بعض ما ذكره ابن حزم من الأمثلة. فقد قال: رجل لقى رجلا فقتله على نية الحرابة: أى العدوان ، فإذا بذلك المقتول هو قاتل والد الذى قتله، أو وجد مشركا محاربا، فهذا ليس عليه إثم قاتل مؤمن عمدا، ولا قود عليه ولا دية، لأنه لم يقتل مؤمنا حرام الدم عليه، وإنما عليه إثم مريد قتل المؤمن ولم ينفذ ما أراد، وبين الاثنين بون كبير، لأن أحدهما هام والآخر فاعل.وكإنسان لقى امرأة ظنها أجنبية فوطئها فإذا هى زوجته، فهذا ليس عليه إثم الزنا، لكن عليه إثم مريد الزنا ولا حد ، ومن قذف حد القذف ولا يقع عليه اسم فاسق بذلك.إذا وضح هذا المعنى وضح أن الأحكام الشرعية ليست فى هذا كالأحكام الوضعية الجافة التى لا تنطوى على أى معنى روحى، فمن خالف القانون فى أى عقد من العقود طبق على عقده الحكم الملائم لكن القانون لا يغضب لمخالفة أحكامه يكثر من هذا ولا يعتبرها جريمة مستحقة للعقاب.ومن هذا يظهر أن ما فى الشريعة من المعنى التعبدى الروحى كفيل بتربية الوازع الدينى وهو أعظم حافز على إطاعة القانون، وأن الالتجاء إلى الشريعة فيه أعظم خير للإنسانية ولتنفيذ النظم التى تكفل صلاح أمرها.خصائص الشريعة الإسلامية:أما وقد انساق بنا القول إلى هذا المعنى فقد أصبح هذا الموضع خير مكان لبيان مزايا الفقه الإسلامى وتفوقه على الشرائع الوضعية فى حكم الإنسانية وذلك لما يأتى: أولا: المعنى التعبدى الروحى الذى يلازم كل حكم شرعى ويكفل تربية الضمير الروحى والوازع الدينى وفيهما أعظم كفيل بإطاعة القانون وليس للشرائع الوضعية شىء من ذلك.ثانيا: أن الأحكام الشرعية أوسع نطاقا من الشرائع الوضعية وبخاصة فيما يرجع إلى الفضائل والرذائل فجميع الفضائل مأمور بها فى الشريعة، فهى واجبة، والرذائل جميعها منهى عنها، فهى محرمة، وفى أحكام كل من النوعين المعنى الخلقى والمعنى التعبدى الروحى فلها قوتها وشمولها بخلاف الشرائع الوضعية فإنها مع جفافها لا تنظر إلى الفضائل والرذائل إلا النظرة المادية المجردة.ثالثا:أن لكل من الأحكام الشرعية والشرائع الوضعية الجهاز الدنيوى الذى يراقب تنفيذه وهما سواء فى ذلك. وتمتاز الأحكام الشرعية بمراقبة أعلى هى مراقبة العليم الخبير الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فمن خالف القانون الوضعى وأفلت من المراقبة فلا عليه بعد ذلك.أما من خالف الشريعة الإسلامية وأفلت من جهاز المراقبة الدنيوية فإنه لن يفلت من المراقبة العليا وهو ملاق جزاءه لا محالة. وذلك من أعظم مزايا التشريع ومن أقوى العوامل على إطاعته وتنفيذ أحكامه فى السر وفى العلن.رابعا: أن الفقه الإسلامى بجميع أحكامه قد عاش قرونا متطاولة متلاحقة متتابعة، الأمر الذى لم يظفر به ولا بما يقرب منه أى تشريع فى العالم لا فى القديم ولا فى الحديث. وقد طوف فى الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونزل السهول والجبال والصحارى، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب فى جميع البيئات وعاصر الرخاء والشدة، والسيادة والاستعباد، والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث فى جميع هذه الأطوار فكانت له ثروة فقهية ضخمة لا مثيل لا، وفيها يجد كل بلد أيسر حل لمشاكله، وقد حكمت فى أزهى العصور فما قصرت عن الحاجة، ولا قعدت عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلفت بأهلها فى أى حين. فحرام علينا أن نتسول ونحن الأغنياء، وأن نتطفل على موائد المحدثين ونحن السادة الأكرمون. قاتل الله الاستعمار التشريعى وصنائعه وما يفعلون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:32 am

تدوين الفقه

أ) حال الأمة العربية حين البعد:بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة العربية أمة بادية، لا تقرا ولا تكتب إلا نادراً ، وفى أطراف الجزيرة، حيث كانت بقايا الحضارة الحميرية، وحيث يكثر الاختلاط بالفرس وبالروم، أما سائر الجزيرة فكان على بداوته،. وما كان بمكة حين البعثة ممن يقرأ ويكتب إلا نفر قليل. وقد حرص - عليه الصلاة والسلام - ، ومن ورائه المسلمون، على تعليم القراءة والكتابة للمسلمين، ولكن هذا لم يكن من شأنه أن ينقل الأمة الإسلامية فى زمن يسير إلى أن تكون أُمة قارئة كاتبة.كان من الطبيعى- وهذه حال الأمة الإسلامية- أن يكون اعتمادها فيما تتلقى وما تنقل على الحفظ والرواية لا على الكتابة. ومع هذا فقد كان لرسول الله - صلى الله علية وسلم - كتاب يكتبون له الوحى بالقرآن، ويكتبون له كتبه إلى الملوك والرؤساء، كما كتب بعض المسلمين لنفسه ما تلقى من آى الكتاب الكريم.وبأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم وغيره كتاب الصدقات، والديات والفرائض والسنن، وكان عند على صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر.وكان عبد الله بن عمرو يكتب كل شىء يسمعه من رسول الله - صل الله عليه وسلم - فى حال الرضا وحال الغضب، وأقره عليه - الصلاة والسلام - على هذا وأومأ بإصبعه إلى فيه وقال له: " اكتب، فو الذى نفسى بيده ما يخرج منه إلا حق ".وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب محمد أكثر حديثا منى إلا عبد الله ابن عمرو، فإنه كتب ولم أكتب.ولكن كل هذا لا يمكن أن يعد تدوينا، ولا يرقى عن أن يكون من المسائل الفردية التى قام بها نفر قليل، ولم يكن من قبيل التدوين للناس.ب) حال التدوين فى القرن الأول:ومع أن القراءة والكتابة قد انتشرتا بين المسلمين قبل وفاته - عليه الصلاة والسلام - وكان انتشارهما فى زيادة مطردة بعد ذلك، فإنه لم يكن فى عهد أصحابه تدوين بالمعنى الصحيح إلا للكتاب الكريم، فقد جمع مرتبا فى عهد أبى بكر، ووحدت المصاحف واتخذ المصحف الإمام وأُرسل للأمصار فى عهد عثمان.أما السنة، وأما الأحكام المروية، وأما ما اجتهد فيه الصحابة والتابعون، فإنه لم يدون شىء منها فى القرن الأول، وبقى الاعتماد فيه على الحفظ والتلقى والرواية. وكان لهم أول الأمر فى شأن التدوين نزعتان: فطائفة تكرهه وتعرض عنه، وتروى فى ذلك من السنة ما يؤيدها، وتقول أن من كتب إنما كتب الشىء ليحفظه، حتى إذا حفظه محاه.وطائفة لا ترى بذلك بأسا ويردون فى قوة ما احتج به الآخرون ويروون فى ذلك سننا وآثارا.وكانت النزعة الأولى هى السائدة فى القرن الأول، ويرجع ذلك الى الأمور الآتية:الأول: إن الأمة العربية بفطرتها ونمط الحياة التى كانت تحياها قد مرنت على الحفظ واعتمدت عليه منذ أمد طويل، فلم يكن ثم ما يدعوها إلى أن تتحمل عناء التدوين وأن تعرض عما ألفته.الثانى: أن العهد قريب، ولأحكام لم يتسع نطاقها، والاختلاف فيها لم يبلغ ما بلغه فيما بعد وفى وسع كل أحد أن يرجع إلى الحفاظ الثقاة، فكانوا لهذا فى غنية عن تدوين الأحكام.الثالث- إن الحفظ خير من الكتابة فى الاعتماد عليه وفى الضبط والإتقان وإصابة الصواب. فمن عمد إلى التدوين والكتابة أهمل الحفظ وعول على ما كتب، وقد يضيع منه ما كتب لسبب أو آخر، فيفوت عليه ما روى. كما أن الكتاب مما يمكن أن يزاد فيه وينقص، وأن يدخل عليه التغيير والتحريف والتصحيف، أما المحفوظ فلا يمكن أن يطرأ عليه شىء من ذلك.ومن أجل كل هذا انقضى القرن الأول. لم يقع فيه تدوين بالمعنى الصحيح.ج) بدء التدوين:ولما انتشر الإسلام: واتسعت رقعته وتباعدت أطرافها، وكثرت الأمصار، وتفرق فقهاء الصحابة والتابعين فى الأقطار، واتسع نطاق الاجتهاد والاستنباط، وانتشرت الفتاوى وعظم اختلاف الآراء، كما كانت الفتن والأحداث، كان لابد من تدوين السنة والفقه،فأقدم عليه العلماء قياما بحق العلم والدين، وبدأ التدوين بمعناه الصحيح واسترسل وتتابع حتى كان غيثا منهمرا. ولم تتفق كلمتهم فى أول من بدأ التدوين. وتحديد ذلك تحديدا دقيقا ليس ميسورا، علىأن الفائدة من الاشتغال بتحقيق ذلك ليس فيها جزاء يكافئ ما فيه من العناء.ومن نظر فى الأقوال المختلفة عرف أن سعد بن إبراهيم قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز (وقد توفى سنة 101 هجرية) بجمع السنن فجمعت دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا.وأن عبد العزيز بن محمد الداروردى المتوفى سنة 186 هجرية قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 هجرية. وقال أبو الزناد: ما كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب الزهرى يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمنا أنه أعلم الناس.ودون حماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن، ولما حج المنصور سنة 143 هجرية رغب إلى مالك فى تأليف الموطأ، كما رغب هو وولاته العلماء فى التدوين.وقد دون ابن جريج، وابن عروبة، وابن عيينة، وا لثورى، وغيرهم، ودون سائر فقهاء الأمصار وأصحابهم.د- أغراض التدوين:والفقه، كغيره من العلوم والفنون، كان تدوينه فى العصور المختلفة لتحقيق الأغراض الآتية:أولا: نقل المحفوظ فى الصدور، وقيده فى الأوراق، ليبقى محفوظا لا يذهب بذهاب أهله، ويكون مجموعا فى الأوراق بدلا من تفرق مسائله لدى الأفراد الذين يكون عند أحدهم ما لا يكون عند الآخرين. وهذا هو الغرض الأساسى لأصل التدوين.ثانيا: ترتيب هذه المجموعات ترتيبا يجعل مسائلها متآلفة. ويكون منها مؤلفات متناسقة من غير تصرف فى عبارات واضعيها. كما وقع فى ترتيب كتب محمد بن الحسن وغيره من المؤلفين الأولين. ثالثا: شرح هذه المؤلفات بإيضاح معانيها، وإيراد دلالتها من الكتاب والسنة، وذكر الروايات المختلفة فى المسائل. رابعا: اختصار المؤلفات المبسوطة، بحذف ما تكرر فيها، وإيراد مسائله بعبارات موجزة جامعة، ليسهل على طلاب الفقه استيعابه فى غير ملل وتقصير.خامسا: شرح هذه المختصرات شروحا مبسوطة أو متوسطة أو وجيزة على قدر الحاجة، وأخيرا التعليق على هذه المختصرات وشروحها بما يكشف عن غوامضها ويصحح أخطاءها، ويخصص عامها، ويقيد مطلقها، وغير ذلك مما يتعلق بها.وعرفت هذه التعليقات باسم الحواشى لأنها كانت تكتب فى حواشى أوراق الشروح. ثم وجد أخيرا جدا بجانب الحواشى تقريرات هى تعليق على ما جاء بهذه الحواشى وشروحها.سادسا: إصلاح المختصرات الأولى بمختصرات أخرى تقضى على ما أخذ على الأولى وتضيف إلى مسائلها ما قصرت فى إيراده أو ما حدث بعدها من المسائل. وكانت لهذه المختصرات شروحها والتعليق عليها، ثم ما اشتق منها من المختصرات. سابعا: تدوين اختلاف الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد يكون بإيراد المذاهب والأقوال مجردة أو مع إشارات موجزة للدلائل بدون توسع فيها. ثامنا: العناية بآيات الأحكام والتأليف فى تفسيرها خاصة، وبيان آراء المجتهدين فيما استنبط منها. وكذلك العناية بأحاديث الأحكام والسير فى شرحها على هذه الشاكلة.تاسعا:تدوين القواعد الكلية وأصول المسائل التى انبنى عليها التفريع فى المذاهب المختلفة، وكانت متفرقة فى كلام الأئمة المجتهدين، ومنشورة فى مختلف الأبواب. عاشرا:الجمع بين المسائل المتشابهة مختلفة الأحكام وبيان ما بينها من الفروق التى دعت إلى اختلاف أحكامها. وهذه المؤلفات. هى المسماة يكتب الفروق.حادى عشر: وحرصا على تثبيت الأحكام الدقيقة فى الأذهان، لم يكتفوا فى هذا بكتب الفروق ووضعوا هذه المسائل على صورة ألغاز، ودونوا فيها كتب الألغاز الفقهية.ثانى عشر: الانتصار لرأى معين فى مسألة أو مسائل معينة، بتحقيق ما ورد عنها فى كتب مذهب بعينه أو فى الكتاب والسنة والآثار.وقد كان هذا قديما فيما كان يسمى بالردود، كرد محمد على أهل المدينة، ورد الشافعى على محمد بن الحسن، ولكن هذا أخيرا كان فى رسائل، تعالج الرسالة منها مسألة حصل اختلاف بشأنها فى الإفتاء أو القضاء، أو اعتراض على رأى ذهب إليه مؤلف، وقد تكونت من هذه الرسائل على مر العصور مجموعات قيمة.ثالث عشر: تدوين فتاوى مفت معين أو مفتين فى إقليم خاص. وكانت هذه الفتاوى أولا تشتمل على شىء من استنباط الأحكام ممن هم أهل لذلك من مجتهدى المذاهب، أو من أهل التخريج، وأصحاب الوجوه، أو تشتمل على ترجيح قول على آخر ممن هم أهل للترجيح، فكانت تجمع إلى الاجتهاد فى التطبيق اجتهادا أو تخريجا أو ترجيحا، وهذه هى التى كانت تعرف قديما بكتب الواقعات.ولكن هذا النوع من فتاوى المتأخرين كان تطبيقا للأحكام فى الحوادث، ولم تشتمل على غير ذلك جهرة ، وإن لم تخل منه فى الواقع باسم الأخذ بما تقتضيه أقوال الفقهاء وما تدل عليه عبارات المؤلفات المعتبرة.رابع عشر: وفى عصرنا وجد غرض آخر حمل على التأليف فى الفقه بعد ركوده ركودا تاما هو تيسير الأحكام الفقهية على من يتلقونه فى المدارس العليا ثم بالجامعات المصرية، الذين يصعب عليهم الرجوع إلى المؤلفات الفقهية التى دونها السابقون، فألفت لهم المؤلفات- سهلة العبارة واضحة المعانى- الملائمة لحياتهم العلمية.خامس عشر: ولما أنشئت مدرسة القضاء الشرعى كان فى منهجها الدراسى دراسة بعض القضايا ذات المبادىء، واستمر ذلك فى تخصص القضاء بها وبكلية الشريعة وفى قسم إجازة القضاء بكلية الشريعة.وهى دراسة تقوم على نقد الأحكام والتمهيد لذلك بإيراد الأحكام الفقهية والقانونية المتصلة بما فصل فيه الحكم. وهذا لون من التأليف الفقهى لم يكن موجودا من قبل إلا فى كتب المحاضر والسجلات التى أهملت من زمن بعيد.وقد عنى بعض القضاه بجمع أحكامهم التى يرون أنها أحكام ذات قيمة قضائية. هذه هى الأغراض التى حملت من قبل على التأليف الفقهى وهى وما يماثلها من الأغراض هى التى ينبغى أن تحمل علية، أما إذا لم يأت التأليف بفائدة زائدة على ما جاء فى التأليفات السابقة، ولم يكن إلا نقل ما فيها " قص ولصق "، كما قال بعض أساتذة القانون، كان إراقة للمداد وإتلافا للأوراق، كما قال الفقيه ابن عرفة المالكى.الهاء) طرائق التدوين: تبينت، من الأغراض التى حملت وتحمل على تدوين الفقه والتأليف فيه، كثيرا من طرائقه فى العصور المختلفة، وننبه هنا على الطرائق التى كان عليها تدوين الفقه فى بدايته.فقد دون أول ما دون مختلطا بالسنة وآثار الصحابة والتابعين، كما صنع ابن شهاب الزهرى فى كتبه، وأبو يوسف فى كتاب الآثار، ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار، ومالك فى الموطأ، وسفيان الثورى فى الجامع الكبير، والشافعى فى كتاب اختلاف الحديث، والطحاوى فى معانى الآثار، وفى مشكل الآثار.وقد وجد بجانب ذلك تلوين الفقه مجردا عن ذلك لا على أنه حديث أو أثر ولا على أنه حجة ودليل، كالكتب والسنة المروية عن محمد بن الحسن، والمدونة التى رواها سحنون عن ابن القاسم، ومختصرات الطحاوى والمزنى وأمثالهما.كما وجد بجانب ذلك نوع ثالث هو تدوين مسائل الفقه مع أدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر وجوه المعانى، كما تجد ذلك فى كتاب المبسوط " الأم " الذى رواه الربيع المؤذن عن الشافعى.وقد وجدت هذه الأنواع الثلاثة من البداية، ثم انفصل كل من علم الحديث والفقه، فعنيت مؤلفات الأول بالصحيح من الحديث وروايته بأسانيده وطرقه المختلفة، وما فيها من زيادة ونقص، أو اختلاف عبارة، أكثر من عنايتها بما يدل عليه الحديث من الأحكام. أما الأخرى فإن عنايتها متجهة إلى الأحكام، وإنما يذكر الحديث للاستدلال.فلا يصدق من يقول أن تدوين الحدث تأخر عن تدوين الفقه ليمهد لإفكه ومطاعنه المفتراه.و) الوثوق بالمؤلفات:كانت نشأة المسلمين الأولين نشأة تلق ورواية وحفظ، لهذا كانت عنايتهم بالرواية عظيمة فى كل شىء: فى الكتاب الكريم وطريقة أدائه، وفى الحديث والفقه، وفى الشعر والأدب وسائر الفنون.وإنك لتجد هذا واضحا فى المؤلفات الأولى، فليس من الغريب إذن أنه تلقى رواية الكتب الفقهية حظها العظيم عند الأولين.فكان لكل فقيه سنده فيما تلقى من الكتب الفقهية حتى يصل به إلى مؤلفيها أنفسهم، ورواية الكتب الفقهية لها فوق ما تثبته من صدور الكتاب عمن نسب إليه، مزية الوصول إلى ما أراده المؤلف من عباراته، ووصول الكتاب إلى من يتلقاه سليما من الزيادة والنقص، وتحريف النساخ وتصحيفهم، وقد تشدد الأولون فى أمر هذه الرواية حتى أن سائلا سأل القاضى بكارا أن يرد على ما جاء بمختصر المزنى مخالفا لمذهب العراقيين، فقال إننى لم أسمع هذا المختصر لا منه ولا ممن رواه عنه، فلا يحل لى أن أرد عليه، ولما عاد إليه وقد رواه عنه رواية موثوقا بها لديه، قال الآن حل لى أن أقول قال المزنى. ورواية الكتب وما اشتملت عليه من المسائل مختلفة كرواية غيرها، ولذلك كانت الرواية المشهورة تكسب المروى قوه على ما كانت روايته نادرة أو رواية غير معول عليها ولذا ترى الحنفية يقدمون ما فى كتب ظاهر الرواية، كتب محمد الستة، على ما يخالفه مما جاء فى كتب النوادر، لأن رواية الأولى رواية مشتهرة دون رواية الثانية.ويقدم المالكية ما روى عن مالك فى مدونة سحنون على ما روى عنه فى غيرها. ويقدم الشافعية ما روى عنه فى مبسوط الربيع المؤذن "الأم " على ما رواه الزعفرانى عنه.. لهذا السبب نفسه.ولما تطاول الزمن قلت العناية بالرواية.، ووجد لون منها غريب عجيب، وهو أجازه الراوى بما رواه لآخر من غير أن يكون قد تلقاه منه، ثم توسعوا فى هذه الإجازة التى ليس منها فائدة أصلا، وكانت الإجازة بالمراسلة بين من لم يلتقيا أصلا، وكان هذا فى الفقه كما كان فى السنة نفسها.وقد بين ابن حزم فساد هذه الإجازات وبطلانها مستندا إلى أمتن الحجج. وبعد أمد آخر تحللوا من الرواية ومزاياها وقالوا إن نقل الأحكام إما أن يكون بالرواية، أو بالأخذ من الكتب المعروفة التى تداولتها الأيدى وكانت من التصانيف المشهورة لأنها بمنزلة الخبر المتواتر والمشهور.ثم جاء من لم يلتزم ذلك أيضا وقال لا تشترط الشهرة ولا التواتر، وتكفى غلب الظن يكون ذلك الكتاب هو المسمى بهذا الاسم، بأن وجد العلماء ينقلون عنه، ورأى ما نقلوه عنه موجودا فيه، أو وجد منه أكثر من نسخة، فإنه يغلب على الظن أنه هو، وإلا لزم أنه لا يجوز النقل عن الكتب المطولة المشهورة أسماؤها ولكن لم تتداولها الأيدى حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور لكونها لا توجد إلا فى بعض المدارس أو عند بعض الناس، وفى هذا ضياع لكثير من المؤلفات المعتبرة. وكلا الرأيين عجيب فان الرواية ليست إلا لإثبات نسبة الكتاب لصاحبه أولا ثم لإثبات أنه هو كما صدر عنه، لا نقض فيه ولا زيادة، ولا تصحيف ولا تحريف، ولا تغيير على أى وضع. وإذا كان للتداول فائدة فى المعنى الأول فإنه لا يغنى فيما عداه شيئا، أما غلبة الظن هذه فإنها لا تنفع فى شىء.ولقد فتح هذا التهاون بابا واسعا من الشر حتى حمل التلمسانى والمقرى من فقهاء المالكية على القول باب كثرة التأليف قد أفسدت الفقه، لأن الرواية قد تركت وانقطعت سلسلة الاتصال، فكثر التصحيف، ونقلت الأحكام من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص، وقد كان أهل المائة السادسة وصدر من السابعة لا يجوزون الفتيا من كتاب التبصرة للخمى لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه وأكثر الناس اليوم لا يسيرون على هذا النمط: ولهذا كان التأليف سببا لفساد الفقه. وإذا كانت الحملة على نفس التأليف قاسية، فإن ما قيل فى شأن المؤلفات غير المروية هو الحق عين الحق. وقد أصبحنا اليوم فى وضع لا يمكن تداركه إلا بالعناية بالمؤلفات ومراجعتها وتحقيقها تحقيقا تاما بالقد ر المستطاع، حتى يؤدى إحياؤها على هذا الوجه قسطا مما كانت تؤديه الرواية. ولقد عمت المصيبة اليوم فى ديارنا بأن تصدى لنشر بعض المبسوطات من لا صلة لهم بالفقه أصلا، ولا هم لهم إلا الربح التجارى ، فجمعت من أغاليط الطبع وتحريفاته، فوق ما كان فيها من تحريف الناسخين، ما لا يحصى ولا يعد.


.... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:33 am

...  تابع


تدوين الفقه



وفى الرجوع إلى مبسوط السرخسى ومدونة سحنون ومقدمات ابن رشد، ما يغنى عن الإفاضة.إن أول واجب دينى على العامة والرياسات الدينية فى الأقطار الإسلامية أن يقوموا بإحياء هذه المؤلفات على الود الذى ذكرت، وإن هم لم يقوموا بهذا فلا أقل من أن يقوموا بواجب الرقابة نحو ما ينشر من هذه المؤلفات.والثقة بالكتاب الفقهى لا تقف عند الحاجة إلى الرواية أو ما يؤدى وظيفتها أو قريبا منها، بل هى فى حاجة ملحة إلى قدرة المؤلف وكفايته.ولقد كان العهد بالمؤلفين الأولين فى الفقه ألا يقدموا على التأليف إلا بعد النضج التام، وبعد أن تكون لهم فى الفقه مكانة مرموقة، وكانوا لا يتعجلون فى إخراج ما شرعوا فيه إلا بعد تنقيح وتمحيص وبذل أقصى المجهود والعناية، مهما كلفهم ذلك من العناء وأبطأ بهم.وإذا كان ما قيل عن الأزمنة التى ألف فيها أمثال " الهداية " من كتب الحنفية، و " مختصر خليل " من كتب المالكية... تشتم منه رائحة المبالغة، فإن دلالته على العناية وبذل المجهود فى التنقيح لا يمكن إنكاره، وإذا كانت أمثال هذه المؤلفات لم تسلم من المآخذ فإنها جاءت من المؤلفات الفقهية الممتازة.ولكن العهد قد تغير، ولم يحجم عن التأليف فى الفقه الطالب حين طلبه، والمتفقه قبل نضجه، ومن لا يحسن شيئا سوى الجمع والنقل على غير هدى، ولذلك اتفقت كلمة الفقهاء على تقسيم المؤلفات إلى مؤلفات معتبرة يصح الاعتماد عليها والأخذ عنها، وإلى كتب ضعيفة لا يصح التعويل عليها لأن مؤلفيها من الضعفاء الذين ينقلون الغث والثمين، ولا يميزون بين الصحيح وغير الصحيح، وهم فيما يؤلفون كحاطب ليل، وذكروا من هذا القبيل عددا كثيرا... وإنا لنرى حقا واجبا للفقه على الرياسات الدينية أن تقوم نحو التأليف الفقهى بواجب الرقابة التامة التى تعلن للناس فيما ينشر عنها، ما يكون من الأخطاء فيما يظهر من مؤلفات.ومما يذهب بالثقة بالمؤلف الفقهى المبالغة فى الاختصار الذى يؤدى إلى تغيير الأحكام وإيرادها على غير وجهها الصحيح، وإنك لتجد هذا فى كثير من الكتب المعروفة اليوم.وقد اتفقت كلمة المتأخرين على أنه لا يصح الاعتماد على التقييدات وما يكتب بحواشى النسخ، التى لا يعرف من أين أخذت، ولا من أى مرجع نقلت، ومثال هذا ما ينقل على أنه فقه، ويقول ناقله إننى ظفرت بنقله، ولكن شذ عنى موضعه أو يقول وجدت بخط شيخنا فلان كذا، فكل هذا لا يصح الاعتماد عليه ولا يعتبر من الفقه.كما اتفقت كلمتهم على أنه لا يعول فى نسبة حكم إلى مذهب من المذاهب الفقهية على نقله فى كتب مذهب آخر.وإنهم لعلى الحق المبين فى هذا فالهداية مع أحكامها، ومع أن مؤلفها جليل القدر، قد وقع فيها ما يكفى للاقتناع بهذا. ولكن إذا كانت الكتب من كتب اختلاف الفقهاء، لا يمكن أن تعتبر كتب مذهب خاص، ولا أن يقال فيها مثل هذا القول، وإن كان مؤلفها من أتباع مذهب بعينه.ز) لغة التدوين وطريقته:لغة تدوين الفقه هى اللغة العربية الفصحى، وكان المؤلفون الأولون ممن عرفوا بالفصاحة والبلاغة، أمثال محمد بن الحسن، والشافعى، وإذا كان ما بين أيدينا اليوم من مؤلفاتهم يشوبه شىء، فليس منشؤه إلا ما أصابها من التحريف وما وقع من السقط.ولما كثر الاختلاط وتطاول الأمد، ونشأ اللحن، كان لهذا أثره فى اللغة التى دون بها الفقه فيما بعد، التى ظهرت عليها مسحة من مسحات العجمة، وقد أدى هذا- وما لعلم الفقه من طبيعته الخاصة- إلى أن كان له أسلوب معين، وإن كانت به عبارات لا تتفق مع قواعد اللغة.ومن الناس من حاول التكلف لتصحيحها ولكنه ركب شططا، أما من أنصفوا فأراحوا أنفسهم وقرروا أنها من العبارات الخاصة بالفقهاء.وفى الأزمنة الأخيرة عرف يجانب التأليف بالعربية التأليف باللغات الأخرى ،كما يعرف من الرجوع إلى الفتاوى القاعدية ومعروضات المفتى أبى السعود وأمثالهما. والمؤلفات الفقهية الأولى كانت سهلة سلسلة العبارة، سواء فى ذلك كتب الأصول أو شروحها والمختصرات. وكان الشرح مبسوطا موسعا، وكان شرحا بالقول، يبدأ بالعبارة المشروحة يتلوها الشرح متصلا بها، فتبدو عباراته متسقة كأنها عبارات كتاب واحد مستقل، وكان يطلق على هذه الشروح أسماء الكتب المشروحة. فيقولون مثلا " الجامع الصغير، للصدر الشهيد " و " الجامع الكبير، لقاضيخان "، ولا يعنون بهذا إلا شروحهم لهذه الكتب. وكان من جمال هذه الشروح فوق هذا أن تشرح الكتب التى تحتاج إلى عناية " كالجامع الكبير " لمحمد بن الحسن، بأن تبدأ بذكر الأصول التى تنبني عليها، بأن تبدأ بالذى تشرحه وتتبعها بذكر كل مسألة مع بيان ابتنائها على هذه الأصول كما صنع كل من قاضيحان والحصيرى فى شرح " الجامع الكبير " لمحمد بن الحسن.أما المتأخرون فمنهم من ألح عليهم حب الإيجاز وبالغوا فيه حتى خفيت معانى مختصراتهم وكاد بعضها يشبه الشفرة كمختصر خليل بن إسحاق المالكى. وقد عمد بعضهم إلى التعقيد فيما يأتى به من التعريفات حتى لا تكاد تفهم، كتعريفات ابن عرفة المشهورة.أما شروحهم فأعرضت عن طريقة الشرح بالقول التى كان يجرى عليها المتقدمون وجعلوا عبارات المختصرات، المتون، تتخلل كلام الشروح مكتوبة بالحمرة وكلام الشارح مكتوبا بالسواد، ثم حلت الأقواس البوم محل الحمرة، وأصبح المداد فى الكتب المطبوعة كله واحدا. وهذه الطريقة فى الشرح تشوش الأفهام وتقطع أوصال الكلام، وقد زادها تشويشا عدم العناية بالحمرة والسواد فى الكتب المنسوخة، وبوضع الأقواس فى الكتب المطبوعة.أما الحواشى فى الكتب المطبوعة فقد وضعت فى صلب الكتاب لطولها ووضعت الشروح بالحواشى.ومن عنوا فى مؤلفاتهم من المتأخرين بذكر الخلاف المذهبى والأقوال والوجوه فى المذهب الواحد كانت لهم اصطلاحات أملاها حب الاختصار، كتخصيص جمل معينة بآراء كل فقيه، كما فعل ابن الساعاتى فى مجمع البحرين، أو بتخصيص كلمة (كلديه. وعنده. ورأيه) لكل فقيه، كما فعل الإسفرايينى فى الينابيع، أو بالرقم بالحروف فوق الكلمات إشارة للفقهاء كما صنع الغزالى فى الوجوه والمذاهب، وهذا النوع الأخير من الرموز ليس مأمون العاقبة ولا يمكن الاعتماد عليه.وكذلك عمد كثير من المتأخرين إلى الرمز للكتب التى ينقلون عنها بحروف مركبة كما فى " قنية الزاهدى " و " جامع الفصول " وكثيرا ما يقع فيها التحريف والخلط ويضيع المقصود منها.وإذا كان الأصل فى تدوين الكتب الفقهية هو النثر، فإنها نالت حظها من النظم فى كل المذاهب وفى أكثر العصور. ومن النظم الفقهى ما هو سلس مقبول ظاهر المعنى، ومنه ما هو غث ثقيل مملوء بالضرورات ه ولا يكاد يبين.وقد عرفنا تقسيم الفقه إلى أنواع كالعبادات، والمعاملات إلخ... والكتب الفقهية ليست متفقة فى ترتيب هذه الأنواع إلا فى البدء بالعبادات وتختلف فيما وراء ذلك، وليس هذا خاصا بكتب المذاهب المختلفة، بل هو واقع فى كتب المذهب الواحد، لكل فريق ملحظه ومناسباته التى ارتضاها وكثيرا ما يكررونها فى أوائل كل كتاب أو باب.ح) السرقات الفقهية:من حق العلم والأمانة على كل مؤلف أن ينسب الرأى أو الفكرة إلى من أبداها، بهذا تقضى الفطرة السليمة كما تقضى به بداهة العقل، وهو ما يحترمه الناس فى جميع العصور وفى جميع الأقطار.ولكن الفقه، كغيره، كانت فيه سرقات لبعض الآراء التى لم تنسب إلى أهلها، كما وقع من ابن هارون وابن عبد السلام فى شرحيهما لمختصر ابن الحاجب، فقد سرقا كلام ابن رشد ونسباه إلى أنفسهما، وقد أعلن هذا فى مواجهتهما ابن الحباب فلم يستطيعا أن يردا عليه.والفقه قد وقعت فيه سرقات لا تعرت فى غيره، وهى سرقات كتب برمتها، فهذا رجل اسمه علاء الدين على بن خليل الطرابلسى الحنفى قاضى القدس المتوفى سنة 844 هجرية ، سرق تبصرة ابن فرحون المتوفى سنة 799 هجرية برمتها مع تغيير يسير فى بعض العبارات القليلة ونسبها إلى نفسه وسماها معين الحكام، ويظهر أن الذى جرأه على ذلك أن العهد قريب لم يسمح بانتشار التبصرة انتشارا يحول دون هذه السرقة التى لا تغتفر، لما فيها من جناية الكذب وانتحال ما للغير، وما هو أعظم من ذلك نحو الفقه، وهو أنه دس على الحنفية كتابا أكثر أحكامه لا تتفق مع ما فى مذهبهم، وكان من العجب أن ينقل عن هذا الكتاب بعض مؤلفى الحنفية.وإذا اطلعت على شرح الرملى لمنهاج النووى وشرحه لابن حجر الهيتمى المكى وجدتهما متطابقين فى العبارات إلا فى النزر اليسير، ومن المحال أن يكون هذا من توافق الخواطر، لكن من هو السارق ومن هو المسروق منه؟ العلم عند الله.أما شرح شمس الدين بن قدامة لمتن المقنع فهو صورة طبق الأصل من المغنى لعمه موفق الدين بن قدامة الذى شرح به مختصر الخرقى. ولست أدرى لم كلف ناشر الكتابين نفسه وطبعهما مع بعضهما، وهل فاته هذا؟ وكيف يفوته مع أن الأمر أوضح من الشمس الطالعة.ومن السرقات الخفية أن يجد المرء فى البحث والتنقيب والجمع ثم يؤلف ويرشد إلى المراجع التى أخذ منها فيأتى الأخر فيأخذ ثمرة مجهوده دون أن يشير إليه بكلمة ويعزوها إلى مراجعها التى عزا إليها الباحث المطلع الحقيقى، وقد يكون هذا السارق المدلس لم ير هذه المراجع أصلا. وقد نقل مؤلف من كتاب مستشرق لم يذكره بتاتا وذكر المراجع التى ذكرها ومنها مخطوطات فى بلد أجنبى لم يدخله مؤلفنا فى حياته كما أن المخطوط لم يخرج من بلده، وهذه السرقة قد حملت بعض المؤلفين من الباحثين أن يغفلوا المراجع التى أخذوا عنها هربا من هؤلاء السراق المدلسين.وللسرقات الفقهية ضروب أخرى لا حاجة بنا إلى الإطالة بذكرها.ط) التدوين الجماعى: تدوين المؤلفات الكثيرة التى توالى ظهورها على مر القرون المتطاولة كانت مجهود الأفراد، ويستوى فى ذلك المبسوطات والمختصرات وما بينهما، والكتب الخاصة بمذهب من المذاهب الفقهية وكتب اختلاف الفقهاء، ولا يعرف أن جماعة أوأكثر من واحد اشتركوا فى تأليف كتاب أو جمع مجموعة فقهية إلا فى أحوال نادرة جدا لا تكاد تستحق الذكر بإزاء هذا العمر المديد الذى عاشه الفقه الإسلامى وهو عمر بلغ أربعة عشر قرنا إلا يسيرا. والذى نعرفه من ذلك هو ما يأتى:أ) الكتاب المعروف بالفتاوى الهندية أو العالمكيريه، وهو مجموعة الأحكام الفقهية فى مذهب أبى حنيفة، قام بجمعها جماعة من علماء الهند المشهورين يرأسهم المولى الشيخ نظام، وقد قاموا بهذا العمل بأمر من سلطان الهند أبو المظفر محى الدين محمد أورنك زيب بهادر عالم كيرشاه، الذى بذل لهم كل معونة تكفل لهم رواتبهم وتفتح لهم أبواب خزائن كتبه وبلغ ما أنفق فى هذا السبيل 200 ألف روبية، قاموا بهذا الجمع ليكون ميسورا على الناس أن يقفوا على الروايات والأقوال الصحيحة وما تجرى عليه الفتوى من أحكام هذا المذهب، وهى مجموعة ضخمة تقع فى ستة أجزاء كبار مطبوعة وقد التزم ناقلوها إسناد كل حكم نقلوه إلى الكتاب الذى أخذ منه ولما يتصرفوا فى عبارات الفقهاء كما ختموا هذه المجموعة بكتاب المحاضر والسجلات وكتاب الشروط، وهما كتابان لا يوجدان إلا فى المبسوطات. وأحكام هذه المجموعة مجردة عن الدلائل غالبا وإن ذكر شىء منها كان يسيرا جدا.ب) مجلة الأحكام العدلية، وهى كتاب فقهى وضع فى أحكام المعاملات ولم يتناول أحكام النكاح والطلاق والنسب والولاية على النفس والمال ولا أحكام الوصايا والمواريث، وصيغت أحكامها فى مواد على غرار مواد القوانين الوضعية، وقد بلغت ثلاثا وخمسين وأربعمائة وألف مادة تقع فى ستة عشر كتابا. وقد وضعت المجلة لجنة علمية ألفت بديوان العدلية بالآستانة يرأسها ناظر هذا الديوان أحمد جودت باشا.وكان السبب فى وضعها أن الدولة العثمانية أنشأت محاكم تجارية وضع لها قانون خاص كالقوانين التجارية الأوروبية، وهى تحيل على القوانين المدنية فى بلا دها ولا سبيل إلى ذلك فى الدولة العلية، فالإحالة فيها تكون على مما يقابل القوانين المدنية وهو الأحكام الشرعية. كما أنه أنشئت بالدولة العثمانية محكمة للتمييز، ورجال كل من المحاكم التجارية ومحكمة التمييز لا يسهل عليهم معرفة الأحكام الشرعية من مراجعها فتيسيرا عليه وضعت هذه المجلة. وقد ألزمت الجمعية العلمية الأخذ بالأقوال الراجحة والمفتى بها من مذهب أبى حنيفة عدا بعض مسائل قليلة أخذت فيها بما ليس راجحا فى هذا المذهب الذى لم تخرج المجلة عن أحكامه كما بدأت كل كتاب بالقواعد والضوابط الملائمة، وأكثرها مأخوذ من كتاب " الأشباه والنظائر " لابن نجيم وكل ذلك مفصل بالتقرير الذى رفعة رئيس الجمعية العلمية إلى محمد أمين غالى باشا الصدر الأعظم فى غرة المحرم سنة 1286 هجرية.وفى شرح يوسف آصاف آخر الكتاب السادس عشر أن تاريخ الإرادة السنية 26 من شعبان سنة 1293 هجرية.ج) الأحكام التى تخيرتها لجنة بوزارة العدل المصرية وصدر بها القانون رقم 25 لسنة 1920م والقانون رقم 25 لسنة 1929 م وهى أحكام تخيرت من المذاهب الأربعة فى بعض مسائل الأحوال الشخصية.والأحكام التى تخيرتها لجنة الأحوال الشخصية بمصر من المذاهب الأربعة ومذاهب الصحابة والتابعين ومذهب الطبرى ومذهب ابن حزم ومذهب الزيدية ، وأخذت فيها بمبدأ التلفيق، ووضعتها فى مواد صدر بها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943م وقانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م.هذا هو كل ما نعرفه حتى الآن عن التدوين الجماعى للفقه وهو يختلف عما يراد بالموسوعة التى يراد بها أن تكون جامعة لكل المذاهب الفقهية الباقية، وأن تكون مرتبة على حر وف المعجم فلا يكون تدوينها بطريقة صياغة المواد القانونية إذ أنها لا توضع للإلزام التشريعى.ى) حاجة الفقه:الفقه الإسلامى غنى بثروته الضخمة وما حواه من الأقوال والآراء وأعظم المبادىء، وهو فى الوقت نفسه غنى عن شهادة هؤلاء المحدثين الذين بدأوا ينزلون عن شىء من عصبيتهم وغرورهم وكبريائهم، ويشهدون له من أطراف أنوفهم، وأخذنا نطير فرحا بهذا ونتغنى به، هو غنى عن كل هذا، فهو من صنع العليم الخبير وما استنبط من صنعه، وقد شهد له من قبل تاريخه الطويل والحضارات الاجتماعية المتعاقبة، أيام أن كان أسلاف هؤلاء الشهداء يضربون فى الجمالات وينشرون الجور والظلم، وما هداهم الطريق السوى إلا ما وصل إليهم من شعاع المدنية الإسلامية، فما كان لهؤلاء أن يشهدوا ما كان لنا أن نعتز بما شهدوا.حقا أن الفقه الإسلامى فى أشد الحاجة إلى شيئين:أن تراثنا من المؤلفات الفقهية قد سلب وهلك الكثير منه- إن لم نقل الأكثر- لعوامل وأسباب كثيرة، والبقية الباقية منه إما حبيسة مكدسة فى أقبية المكتبات بالآستانة أو غيرها أو شبه معتقلة بدور الكتب الأخرى مع أن فيها من المبسوطات والمختصرات ما له أرفع القيمة وعظيم النفع، وإما متداولة منشورة النشر التجارى وبالطريقة الأولى التى تخلق الصعوبات لأهل هذا الفقه وغيرهم البعيدة عما وصل إليه العالم من طرق التحقيق والنشر. فالفقه أحوج ما يكون إلى بعث المقبور، ومسايرة أحدث أساليب النشر ليصبح الفقه الإسلامى ميسورا يسهل الوصول أليه لكل من يبتغيه.تفرق المسلمون شيعا وأحزابا بسبب الحكم والإمامة والسياسة وأورثهم هذا التنازع الضعف والوهن والفشل والخذلان وتسلط أعدائهم عليهم وعلى ديارهم وأخذهم بنواصيهم ، فأماتوا فيهم أحكام ربهم وفرضوا عليهم شرائعهم التى لا تلائم فطرتهم ولا تقاليدهم. وفتنوا من فتنوا من أبنائهم فكانوا أولياءهم وأشد منهم حمية فى تعطيل أحكام الله وحدوده، فحق على المسلمين أن يفيقوا من غشيتهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وألا يتفرقوا ، وأن يميتوا أسباب خلاف قد انقضىعهده وأن يواجهوا عدوهم بوحدة الكلمة والعودة إلى سيرة السلف الصالح، وحق عليهم أن يعملوا على اجتماع كبار الفقهاء من جميع الأقطار وأئمة المذاهب الإسلامية للتقصى والباحث والتشاور وإعادة سنة الخلفاء الراشدين فى ذلك، ليواجهوا المحدثات من الواقعات والنوازل فيستنبطوا لها أحكامها مما أنزل الله وسنن رسوله واهتدى إليه أئمة الدين، وليتخيروا من كل هذا أصول المسائل والقواعد الكلية التى تكون مصدرا أساسيا لأى تشريع يصدر فى بلد إسلامى، ليعملوا جاهدين على إحياء تراثنا الفقهى المهدد من جميع نواحيه، وليراقبوا التأليف الفقهى المعاصر لينقضوه النقد العلمى الأمين، وليدفعوا بكل ما فيهم من قوة عن الفقه الإسلامى الهجوم الظالم المتواصل الذى أولع به الآخرون، وأن يقوموا بكل ما فيه خير هذا الفقه.هذا هو ما يحتاج إليه الفقه الإسلامى، وهذا ما يحس به المسلمون فى جميع الأقطار وكان ولا يزال موضع الأحاديث، غير أن لكل من شئونه ما يفتنه ويغويه، أو ما يشغله ويلهيه، أو ما يخيفه ويثنيه. لذا كانت الأعمال قليلة والجهود ضئيلة منثورة. فقد قامت بحيدر أباد الدكن جمعية أحياء المعارف النعمانية ونشرت سلسلة من مؤلفات محمد بن الحسن والصدر الشهيد والسرخسى.وقام بعض العلماء والموسرين من أهل نجد والحجاز بإحياء طائفة قيمة من المؤلفات الفقهية فى مذهب أحمد.ونشر بعض اليمنيين شيئا من مؤلفات الفقه الزيدى، كما نشر المرحوم الشيخ محمد بن يوسف أطفيش شرحه لكتاب النيل فى فقه الإباضية.أما جامعة القاهرة فكان حظها من ذلك أنها عنيت بإحياء كتاب الأصل محمد بن الحسن، وعهدت بذلك إلى الدكتور شفيق شحاته أستاذ القانون المدنى بكلية الحقوق التابعة لها، وعهدت إليه وحده بذلك فأخرج قسما مشتملا على البيع والسلم يقول أنه حققه وعلق عليه. هذا هو ما كان وكفى.ك) موسوعة دمشق: فى يونية سنة 1951 م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من " المجمع الدولى للحقوق المقارنة" مؤتمرها الثانى فى كلية الحقوق بجامعة باريس للبحوث فى الفقه واطلع المؤتمرون على بحوث الفقهاء فى خمسة موضوعات فقهية كان المجمع قد عينها، وقد قرر المؤتمرون أنهم استخلصوا من هذه البحوث وما جرى حولها أمرين بينوهما وأعلنوا أملهم فى أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامى يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه فيكون موسوعة فقهية تعرض فيها المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة.ومضت الأيام ولم ينشط أحد للعمل على تحقيق هذا الأمل حتى أسست كلية الشريعة بجامعة دمشق سنة 1955م فأقدمت على تحمل هذا العبء وألفت لجنة تقوم بوضع الموسوعة الفقهية، وعملت حتى صدر المرسوم الجمهورى السورى رقم 1711 فى 3 مايو سنة 1956م الذى ينص على أن تصدر كلية الشريعة الإسلامية بالجامعة السورية موسوعة(دائرة معارف) غايتها صياغة مباحث الفقه الإسلامى بمختلف مذاهبه وإفراغها فى مصنف جامع مرتب على غرار الموسوعات القانونية الحديثة بحيث يعرض مواد الفقه الإسلامى عرضا علميا حديثا ويسهل الرجوع إلى نصوصه فى كل موضوع للإفادة منها إلى أبعد حد، ويرشد الباحثين إلى مصادر هذا الفقه. وبين هذا المرسوم الأحكام المرتبطة بهذا الموضوع كما أقر تأليف لجنة للموسوعة.وبعد الوحدة السورية المصرية صدر القرار الجمهورى رقم 1536 لسنة 1959 م الذى نصت المادة الأولى منه على تعديل الماد الثالثة من المرسوم سالف الذكر.وقد سار العمل هناك بقدر ما تعين عليه السعة المالية.12- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية:وخلال سنة 1960م كانت اتصالات عديدة بين رجال الموسوعة بدمشق وبين السيد وزير الأوقاف وأعوانه انتهت بنتائج حسنة بفضل النوايا الطيبة من الجانبين. وتحقيقا لأهداف الثورة البناءة، واقتداء بتوجيهات زعيمها، وفق الله وزير الأوقاف - يومئذ- أحسن توفيق، فأنشأ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بلجانه الكثيرة التى تسد الكثير من النقص وتعمل على نصرة الإسلام من النواحى المختلفة، ومن لجان هذا المجلس لجنة لموسوعة الفقه الإسلامى بينت أهدافها وجميع ما يتعلق بها فى المواد (29-33) من القرار الوزارى رقم 1 لسنة 1961م.وأعيد تشكيل اللجنة بالقرار الوزارى رقم 24 لسنة 1961 بتاريخ 18 يناير سنة 1961م من السوريين والمصريين.ومنذ البداية صدر القرار الوزارى رقم 33 لسنة 1961م بتسمية الموسوعة التى تقوم اللجنة بوضعها " موسوعة جمال عبد الناصر فى الفقه الإسلامى " للمعانى القيمة التى أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية لهذا القرار.وقد سارت اللجنة بجد وإخلاص ورغبة صادقة، وكان من خطتها فى هذا العمل: أ) أن تكون الموسوعة مدونة ترتب موادها ترتيب حروف المعجم، مراعى فى ذلك أول الكلمة والحروف التالية لها كما ينطق بها من غير نظر إلى أصلها.ب) أن تكون أسماء أبواب الفقه مواد مستقلة – مصطلحات - توضع فى ترتيبها الهجائى، أما ما عدا ذلك فيتبع بشأنه ما تقرره لجنة المراجعة ثم اللجنة العامة. ج) أن تكون الموسوعة جامعة لأحكام المذاهب الفقهية الثمانية التى ذكرت فيما سلف وجمع ما فى كل منها من الأقوال إلا الأقوال الشاذة ساقطة الفكرة.د) أن يكون إيراد أدلة الأحكام فى الاعتدال وبمقدار ما تستبين به وجهة النظر.الهاء) أن تتناول الموسوعة مسائل أصول الفقه والقواعد الفقهية لارتباطها الوثيق بالأحكام الفقهية.و) أن وظيفة الموسوعة ليست الموازنة بين الشرائع ولا بين المذاهب الفقهية ولا ترجيح بعض الأقوال على بعض ولا نشر البحوث والآراء ، وإنما وظيفتها جمع الأحكام الفقهية وترتيبها ونقلها فى دقة وأمانة بعبارات سهلة تساير أحوالنا من المراجع الفقهية التى تلقاها الناس بالقبول حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى، وذلك دون تفرقة بين احول به وغير المعمول به الآن، أما ما عدا ذلك مما ليس من وظيفتها الأصلية فيكون له ملحق خاص.وإنا نسأله جلت قدرته أن يوفق العاملين فى هذه الموسوعة ويسدد خطاهم ويقيهم أسباب الفشل وشرور أنفسهم ليجاهدوا فى الله حق جهاده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 6:54 am

السياسة الشرعية


 ساس يسوس وتطلق بإطلاقات كثيرة ومعناها - فى جميع إطلاقاتها - يدور على تدبير الشيئ والتصرف فيه بما يصلحه :

" الطرق الحكمية لابن القيم الجوزية " 



ومن أجل ذلك كان من المغالطة أو الغلط ما يزعمه بعض المخالفين من أنه : ( لا سياسة إلا ما وافق الشرع ) إن أريد به أنه لا يعتبر من الشريعة الإسلامية شئ من الأحكام الجزئية التى تتحقق بها مصلحة أو تندفع بها مفسدة إلا إذا نطق به الشرع ، ودلت عليه - على التعيين - نصوص من الكتاب أو السنة . أما إذا كان معنى الموافقة للشرع أن تكون تلك الأحكام الجزئية متفقة مع روح الشريعة ومبادئها الكلية وأن تكون - مع ذلك - غير مناقضة لنص من نصوصها من نصوصها التفصيلية التى يراد بها التشريع العام فالقول بأنه ( لا سياسة إلا ما وافق الشرع ) قول صحيح ومستقيم تؤيده الشريعة نفسها ، ويشهد له عمل  الصحابة والخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين


لا سياسة الا ما وافق الشرع قول صحيح ومستقيم تؤيده الشريعة نفسها ، ويشهد له عمل الصحابة والخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين

وشبيه بهذا ما يرويه البخارى - فى حادثة بريرة التى اشترط اهلها فى بيعها للسيدة عائشة أن يكون لهم ولاؤها - من قوله - صل الله عليه وسلم - ( ما بال رجال يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله كما كان من شرط قضاء الله احق ، وشرط الله أوثق ، وانما الولاء لمن اعتق ) صدق الرسول الكريم

فإنه ليس معنى هذا أن كل ما يشترط فى العقود يكون باطلا متى كان غير وارد فى كتاب الله وإنما معناه أن الشرط لا يعول عليه ، وهو شرط باطل إذا كان يخالف كتاب الله ، أى ما كتبه الله شريعة للناس : وذلك كشرط يلحق ضررا بالمشروط عليه ، وكشرط يحرم ما أحل الله أو يحل ما حرم الله . وهذا ما صرح به فى حديث الترمذى من قوله - صل الله عليه وسلم - المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما

فأهل بريرة الذين شرطوا فى بيعها أن يكون الولاء لهم قد اشترطوا شرطا يخالف شريعة الله التى قررها رسوله فى قوله ( انما الولاء لمن أعتق ) فهو شرط ليس فى كتاب الله ، وهو باطل مردود عليهم

فكتاب الله هنا معناه ما كتبه الله على الناس من أحكام الشريعة وفرضه وقرره عليهم ، وليس المراد به خصوص ما ورد فى القرآن الكريم ، فهو مثل قوله - تعالى - ( إنَ الصًلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ( كتب عليكم الصيام ) ( كتب عليكم القصاص ) ( من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل ) ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) ( كتاب الله عليكم ) صدق الله العظيم

وكذلك ما جاء فى قضية العسيف الذى زنا بامرأة مستأجرة ، فافتداه ابوه بمائة شاه وخادم ، ثم سأل أهل العلم فأخبروه أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة الآخر الرجم ، فترافع الخصمان إلى رسول الله - صل الله عليه وسلم - وسألاه أن يقضى بينهما بكتاب الله ، فقال - عليه الصلاة والسلام : ( والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ) فقضى برد المائة الشاة والخادم ، وبجلد الزانى مائة وتغريبه عام ، وبرجم المرأة ، فرجمها ( أنيس ) بأمره بعدما اعترفت

قال بن قتيبة فى ( تأويل مختلفغ الحديث ) إنه قد يستشكل بأن هذا خلاف كتاب الله - عز وجل - فإنه ليس فى القرآن رجم ولا تغريب

وقد أجاب عن ذلك بأن رسول الله - صل الله عليه وسلم - لم يرد بكتاب الله ههنا القرآن ، وإنما أراد حكم الله - تعالى - فإن الكتاب يتصرف على وجوه : منها الحكم والفرض ، وساق أمثلة من القرآن من مثل ما تقدم

وخلاصة ما نريده من هذا البيان هو أن الحكم الذى تقتضيه حاجة الأمة يكون سياسة شرعية معتبرة إذا توافر فيه أمران :

الأول أن يكون متفقا مع روح الشريعة معتمدا على قواعدها الكلية ومبادئها الاساسية التى اشرنا إليها فيما سبق وهى قواعد محكمة لا تقبل التغيير والتبديل ، ولا تختلف باختلاف الأمم والعصور

الثانى ألا يناقض مناقضة حقيقية دليلا من أدلة الشريعة التفصيلية التى تثبت شريعة عامة للناس فى جميع الأزمان والأحوال

فإذا لم يكن هناك دليل تفصيلى يدل على شيئ فى محل الحكم الذى يثبت من طريق السياسة فالأمر ظاهر ، من حيث أنه ليس فى ذلك مخالفة أصلا

وكذلك إذا كان هناك دليل تفصيلى دل على خلاف محكم السياسة ، ولكن كانت المخالفة ظاهرية غير حقيقية ، أو علم أن ما دل عليه الدليل التفصيلى لم يقصد ليكون شريعة عامة ، وإنما كان لحكمة خاصة ، وسبب لا وجود له فى غير واقعة الحكم ، فلا تكون مخالفته جينئذ مخالفة لأدلة الشرع وأحكام الإسلام

من أجل هذا لم يكن ما فعله ابو بكر من جمع القرآن فى مصحف واحد مخالفة للدين ، أو إحداثا لشئ ليس من شريعة الإسلام

كما أنه ليس من الإحداث فى الشريعة ما أنشأه عمر بن الخطاب من الدواوين والحبوس ، وما فرضه من وظيفة الخراج

ولا ما فعله عثمان بن عفان من جمع الناس على مصحف واحد وأمره بإحراق ما عداه من المصاحف ، ولا ما أنشأه من أذان فى يوم الجمعة لم يكن معهودا من قبل

لا يعد شيئ من هذا إحداثا فى الدين أو مخالفة لدليل من أدلة الشريعة ، فإنه ليس فى الشريعة ما يمنع هذه الأشياء التى أريد بها تحقيق مصلحة عامة ، دينية أو دنيوية

وكذلك ليس من المخالفة لأدلة الشريعة ما فعله عمر من حرمان المؤلفة قلوبهم من سهم الصدقات وإن كان هذا السهم قد قرر لهم فى القرآن الكريم فى قوله تعالى

انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم

فلم يأخذ عمر بظاهر اللفظ ، ولم يقف عند حرفية النص ، بل راعى سره وحكم روحه ، وقرر أن الآية التى فرضت نصيبا لهؤلاء المؤلفة لم تفعل ذلك ليتخذ شريعة عامة يعمل بها فى كل حال وزمان ، بل إنما كان لحكمة خاصة وسبب لم يعد قائما بعد ، وأرشد إلى هذا بقوله ( إن الله قد أعز الاسلام واغنى عنهم ) فعمر - رضى الله عنه - رأى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد أوجبه الله لحاجة المسلكين إلى من يعضدهم وينصرهم إولا يؤلب عليهم ، فإذا صار المسلمون فى قوة وعزة ، وزال المعنى الذى من أجله وجب ذلك السهم كان للإمام أن يصرفه عن اولائك المؤلفة إلى ما هو أجدى على المسلمين وأنفع

وليس معنى هذا إبطال سهم المؤلفة رأسا ، بل إن أمره يدور مع ذلك السبب وجودا وعدما ، حتى إذا تجددت للمسلمين حاجة إلى التأليف كما كانت الحاجة إلى ذلك أول الامر صح للإمام أن يصرف للمؤلفة على حسب ما يرى من المصلحة

قال ابو بكر العربى فى ( أحكام القرآن ) فى تفسير آية الصدقات من سورة التوبة : اختلف فى بقاء المؤلفة قلوبهم فمنهم من قال: هم زائلون ، قاله جماعة وأخذ به مالك ومنهم من قال هم باقون ، لأن الإمام ربما احتاج ان يستألف على الإسلام ، وقد قطعهم عمر لما راى من إعزاز الدين ، والذى عندى أنه إن قوى الإسلام زالوا ، و إن احتيج إليهم أعطوا سهمهم ، كما كان يعطيه رسول الله - صل الله عليه وسلم - انتهى كلامه

وقال أبو عبيد ( فى كتاب الاموال ) : والمعروف عند العامة فى تأويل هذه الآية الكريمة ما قاله الحسن وابن جريج أنهم الذين كانوا يُتألفون بالعطية ولا حسبة لهم فى الإسلام ، ثم اختلف الناس بعد فيمن كان بمثل حالتهم : فقال بعضهم : قد ذهب أهل هذه الآية ، وإنما كان ذلك فى دهر النبى - صل الله عليه وسلم - ، واما ما قاله الحسن وابن شهاب غعلى أن الأمر ماض ابداً

وهذا هو القول عندى ، لأن الآية محكمة لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة ، فإن قوم هذه حالهم لا رغبة لهم فى الإسلام إلا للنيل ، وكان فى ردتهم ومحاربتهم إن ارتدوا ضرر على الإسلام لما عندهم من العز والمنعة ، فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة فعل ذلك خلال ثرث

إحداهن الأخذ بالكتاب والسنة

والثانية البقيا على المسلمين

والثالثة أنه ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام أن يفقهوه وتحسن فى رغبتهم ، انتهى كلام ابو عبيد

وليس من المخالفة لنصوص الشريعة ايضا ما فعله عثمان بضالة الابل اذ امر بمعرفتها وتعريفها ، فإن ادركها صاحبها أخذها ، وان لم يدركها بيعت وحفظ ثمنها . فهو لم يسر على ما كان عليه العمل من قبل إذ كانت الابل الضالة تترك مرسلة لا يمسها أحد حتى يعثر عليها صاحبها ، ولم يقف عند حرفية ما ورد فى الصحيحين عن زيد بن خالد - رضى الله عنه - قال : ( جاء رجل الى رسول الله - صل الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة فقال : اعر ف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فشانك بها . قال : فضالة الغنم ؟ قال : هى لك او لاخيك او للذئب . قال : فضالة الإبل ؟ قال : مالك ومالها ؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ) صدق الرسول الكريم

لم يقف عثمان عند حرفية هذا النص ، بل خالفه ظاهرا ، لانه راى أن الحال قد تبدل ، وأن الحديث ورد فى عهد ما كان يخشى فيه على ضالة الإبل أن تضيع وتمتد اليها الايدى ، فلما راى هذه الايدى قد امتدت اليها أمربجمعها وبيعها ليحفظ ثمنها لاصحابها أو ينتفع به فى المصالح العامة ان لم يظهر لها صاحب

فعثمان - رضى الله عنه - إذا كان قد خالف فى الظاهر هذا الحديث فهو فى الواقع وباطن الامر عامل به ومتمسك بروحه ، من حيث إن ذلك العارض الذى خاف معه على الإبل الضالة قد اختلف به الامر ولم تعد الحالة الثانية من جنس الاولى التى ورد فيها الحديث

هذا - ويؤخذ من دلالة النص الوارد فى ضالة الغنم - كما قال ابن القيم - أن الفصيل وهو الصغير من الابل الذى لا يمتنع بنفسه من الذئب حكمه حكم الشاة

لكن ماذا يصنع بالشاة بعد إلتقاطها وبالفصلان ونحوها ؟

الذى نقله ابن القيم عن متقدمى الحنابلة أنه لا يجوز التصرف فيها قبل الحول . لكن ابن القيم لم يرتض هذا ، ورجح ما حفظه عن بعض الاصحاب أن الملتقط مخير بين أكلها فى الحال ، وعليه قيمتها لصاحبها ، إن ظهر لها صاحب ، وبين ان يبيعها ويحفظ ثمنها ، وأن يبقيها الى سنة ينفق عليها ، ويرجع بما انفق على صاحبها ، أو يكون متبرعا بذلك على حسب الوجهين فى المسألة

قال ابن القيم ( وهذا افقه واقرب الى مصلحة الملتقط والمالك ، إذ قد يكون تعريفها سنة مستلزما لتغريم مالكها اضعاف قيمتها إن قلنا لا يرجع استلزم تغريم ذلك ، وإن قلنا يدعها ولا يلتقطها كانت للذئب ) ثم قال ( وليس فى ذلك مخالفة لحديث عبد الله بن عمرو : ( يا رسول الله كيف ترى فى ضالة الغنم ؟ فقال : هى لك أو لأخيك أو للذئب ، احبس على اخيك ضالته ، وفى لفظ : رد على اخيك ضالته ) فإن المراد الا يتصرف فيها تصرفا يضيع به حق صاحبها ، فيجب ان تراعى المصلحة فى ذلك ، فإن كانت المصلحة فى بيعها وحفظ ثمنها اتبعت ، وكان ذلك خيرا من تعريفها سنة والإنفاق عليها ، وتغريم صاحبها أضعاف قيمتها ) اتنهى كلام ابن القيم

ونقول : إن هذا فى غاية الوجاهة ، هو من أحسن السياسات الشرعية وهو الفقه الإسلامى الصحيح

إذا لا يكون من المخالفة للشريعة أو الإحداث فيها أن تسن اليوم قوانين تفرض على أهل اليسار والقدرة ضرائب فوق ما هو مقرر فى الكتاب والسنة من الزكاة والعشر ، فإنه ليس فى نصوص الشريعة ما يمنع من ذلك ، فيمكن أن تسن ضرائب دخل وضرائب إنتاج متى كانت للأمة حاجات لا تفى بها ضرائب العشر والزكاة

وكذلك لا نكون مخالفين لأدلة الشريعة إذا قلنا - فى أسلاب قتلى الحرب من الاعداء - : إن من قتل قتيلا وجب أن يحمل سلبه ألى بيت مال المسلمين ليصرفه الإمام فيما يرى من المصلحة العامة

لا نكون بهذا مخالفين لقول الرسول - صل الله عليه وسلم - ( من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ) صدق الرسول الكريم فإن هذا لا يفهم على أنه شرع عام يجب العمل به فى كل حال ، بل الشأن فيه أنه من الأحكام السياسية التى تختلف باختلاف المصالح فى كل عصر

فمثلا لا يلزم فى وقتنا هذا أن نسير فى أبواب تدبير المالية العامة وطريقة إنفاقها ، ولا فى نظام ترتيب الجيوش وطرقة حماية الثغور على ما كانت عليه الأمة الإسلامية فى بدء تكوينها

وليس مما يتفق مع طبيعة النظام وما تتطلبه حاجات الأمة فى العصر الحاضر أن توزع غنائم الحروب على جماعة المحاربين كما كانت تقسم عليهم فى صدر الإسلام ، بعد أن أصبح للجيوش نظام خاص وقانون يسرى على جميع وحداتها ، وبع أن صارت نفقات الجنود ومعداتهم مكفولة فى مال الأمة ، يستوى فى ذلك الغنى منهم والفقير ، لكن الجندى فى الصدر الأول من الإسلام كان - فى أغلب الأمر - ينتدب بنفسه للجندية ، ثم يخرج لها بسلاحه وفرسه ، وينفق فيها على نفسه ، وهو ما كانت تسمح به حال أمة ناشئة ، وما كان يلزم من لم يخرج للجهاد بشئ من هذه النفقات ، فكان من العدل أن يكون لكل من المجاهدين نصيب فيما يحرزون من غنائم ، ولهذا كانت تختلف هذه الانصباب ، فليس من يخرج للحرب راجلا كمن يخرج اليها بفرسه ، ينفق عليها وعلى نفسه ، ولذلك كان للراجل سهم ، وللفارس سهمان أو ثلاثة أسهم

وجملة القول أنه لا يصح فى تصرف من التصرفات أو حكم من الأحكام التى تسن لتحقيق مصلحة عامة أن يقال : إنه متناقض للشريعة بناء على ما يرى فيه كم مخالفة ظاهرية لدليل من الادلة ، بل يجب تفهم هذه الأدلة وتعرف روحها ، والكشف عن مقاصدها وأسرار التشريع فيها ، والتفرقة بين ما ورد على سبب خاص وما هو من التشريع العام الذى لا يختلف ولا يتبدل ، فإن مخافة النوع الثانى هى الضارة المانعة من دخول أحكام السياسة فى محيط شريعة الإسلام





تقول : ساس فلان الدابة إذا راضها وتعهدها بما يصلحها .

وساس الأمر سياسة : عالجه وبذل همه فى إصلاحه

وساس الرعية : ولى حكمها وقام فيها بالأمر والنهى وتصرف فى شئونها بما يصلحها . ومن ذلك ما ورد فى حديث : ( كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم ) أى يتولون أمورهم كما يصنع الأمراء والولاة بالرعية

أما فى الإصطلاح فهى : اسم للأحكام والتصرفات التى تدبر بها شئون الأمة فى حكوماتها وتشريعها وقضائها ، وفى جميع سلطاتها التنفيذية والإدارية ، وفى علاقاتها الخارجية التى تربطها بغيرها من الأمم .

فلكل أمة فى هذه النواحى سياسة وأحكام خاصة تتفق وعاداتها وأسلوب معيشتها ودرجة رقيها :

فسياسة دستورية ، وهى النظام الأساسى الذى يبين شكل الحكومة ، ويحدد سلطتها ، ويضع الطريقة التى تتبع فى إختيارها ، كما يحدد السلطات اللازمة لتصريف شئون الأمة ويقرر الحقوق الواجبة للأفراد والجماعات .

وسياسة تشريعية تتعلق بسن القوانين وإنشاء الأحكام التى تتبعها السلطات المختلفة فى تصريف شئون الأمة .

وسياسة قضائية تختص بتطبيق تلك القوانين والأحكام على الحوادث والقضايا ، وبالطريقة التى يسار عليها فى هذا التطبيق .

وهناك سياسات أخرى مالية وإدارية وتنفيذية وخارجية . وكل واحدة من هذه السياسات تتمثل فى مجموعة من الأحكام تدبر بها شئون الأمة فى الناحية الخاصة بها .

ولا شك أن عند الأمة الإسلامية قوانين ونظما تصرف بها شئونها ، وتدبر على أساسها مرافقها فى جميع الوجوه التى عددناها .

وهذه القوانين والنظم يمكن ان نطلق عليها اسم ( السياسة الشرعية ) إذا أخذنا هذه الكلمة فى معناها الواسع الشامل الذى يتناول أحكام الفقه الإسلامى المدون .

أما إذا لاحظنا المعنى الخاص للكلمة - وهو الذى يعنينا هنا - فبعض تلك القوانين والنظم هو الذى يصح أن يسمى " السياسة الشرعية " .

هذه السياسة كثيرا ما يكون مصرها عرف الناس وما هدى إليه أهل البصر فى الأمة من طول مرانهم وممارستهم شئون الحياة وأساليب الاجتماع ، ومن ذلك ما ورثته الأمة عمن قبلها من العادات والأوضاع .

وقد يكون بعض أحكامها بقية من شرائع سماوية قديمة ، انطبعت فى النفوس ، ومرنت عليه الأمم حتى اصبحت جزءاً من نظان حياتها ، وحتى لم يعد يعنيها أن تتعرف منشأها ، وتربطها بأصلها ومصدرها ، بل رأت أنه يكفيها أن تجد فى هذه البقايا نظاما صالحاً ، ومبادئ تسد الحاجة ، وتفى بالمصلحة العامة ، وبذلك أخذت حكم الأوضاع الإنسانية ، والتحقت بالقسم الأول من الأحكام ، وهو الذى اتخذ من التجارب ، أو كان مصدره العرف والعادات الموروثة .

هذا النوع من السياسة يطلق عليه اسم ( السياسة الوضعية ) فهى أحكام وقوانين وضعها الناس لتدبير شئون الأمة وكان عمادهم فيها - كما قلنا - العرف والعادة والتجارب والأوضاع الموروثة .

أما السياسة الشرعية فهى الأحكام التى تنظم بها مرافق الدولة ، وتدبر بها شئون الأمة ، مع مراعاة أن تكون متفقة مع روح الشريعة ، نازلة على أصولها الكلية ، محققة أغراضها الاجتماعية ولو لم يدل عليها شئ من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة فى الكتاب أو السنة .

فقاعدة رفع الحرج ، وقاعدة سد الذرائع ، ومبدأ الشورى والرجوع بمعضلات الأمور إلى أهل الذكر والرأى هى من أصول الشريعة المحكمة ومبادئها العامة التى يجب ان تعتمد عليها السياسة الشرعية ، فهى سياسة مبنية على الإيمان بأن أصولها وحى من الله - تعالى - .

وبهذا يظهر الفرق بين السياسة الشرعية وغيرها من مختلف السياسات الوضعية ، من حيث أن الأولى لابد أن يراعى فيها أن تكون معتمدة على مبادئ وأصول أرشدت إليها الشريعة الإسلامية التى جاءت لتكوين أمة تكوينا صالحاً تجد فيه سعادتها ، ويستقر به العدل والسلام بين أفرادها وجماعاتها . فكل حكم تتطلبه حاجة الأمة ، وكل نظام يؤخذ به فى تصريف شئونها فإنه يكون من السياسة الشرعية متى كان قائماً على تلك الأصول الكلية التى لم يقصد بها ألا تحصيل المصالح ودفع المفاسد . أما السياسة الوضعية فإنها - كما قلنا - تستقى من العرف والعادة ومختلف التجارب والأوضاع المتوارثة من غير أن يراعى فيها إرتباطها بالوحى السماوى واعتمادها على مصادر التشريع الإسلامى .

فالأحكام المعتمدة على العرف مثلا تكون سياسة شرعية إذا لوحظ اعتداد الشريعة بهذا العرف ، فإن لم يلحظ هذا المعنى كانت تلك الأحكام سياسة وضعية لا شرعية ، وإن كانت فى ذاتها متفقة مع مبادئ الشريعة وقوانينها .

هذا - وعدم دلالة شئ من النصوص الواردة فى الكتاب أو السنة على أحكام السياسة الشرعية تفصيلا لا يضر ولا يمنع من أن نصنفها بوصف الشرعية .

إنما الذى يضر ويمنع من ذلك أن تكون تلك الأحكام مخالفة مخالفة حقيقية لنص من النصوص التفصيلية التى أيد بها تشريع عام للناس فى كل زمان ومكان .

فمتى سلمت من هذه المخالفة وكانت متمشية مع روح الشريعة ومبادئها العامة كانت نظاما إسلاميا وسياسية شرعية .

ولذلك يقول ابن عقيل أحد أعلام الحنابلة - فيما نقله ابن القيم - : ( السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحى )
[size=16]أهمية السياسة الشرعية:
تكتسب السياسة الشرعية أهميتها مما يأتي:
1- أنها تقوم على جلب مصالح الدارين، ودفع المفاسد عنهما.
2- أنها تقوم بمراعاة العرف وتغير الزمان والمكان والأحوال.
3- أنها تقوم على مراعاة مآلات الأمور واعتباراتها.
4- أنها تقوم على مراعاة الأولويات.

أدلة العمل بالسياسة الشرعية:
العمل بالسياسة الشرعية حجة دلت عليها شواهد الكتاب والسنة وأفعال الخلفاء الراشدين والأئمة الأعلام من بعدهم، وهي كالآتي:
من القرآن الكريم:
قول الله سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة: 118)؛ فإنَّ عقاب الثلاثة بالهجر على تخلفهم عن الغزو مع النبي صل الله عليه وسلم في تبوك، ومنعهم من قربان نسائهم وهو منع من أمور مباحة لهم في الأصل، مع الاكتفاء بقبول اعتذار غيرهم من المتخلفين، هو من مقتضيات السياسة الشرعية. قال ابن العربي: "فيه دليل على أنَّ للإمام أن يُعاقب المذنب بتحريم كلامه على النَّاس أدبًا له... وعلى تحريم أهله عليه
ومن السنة النبوية:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "لَوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا" ؛ فتأسيس البيت على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم أمر مطلوب، لكن تركه النبي صل الله عليه وسلم؛ خوفًا من مفسدة أعظم من مصلحته؛ وهذا من أحكام السياسة الشرعية.
2- قوله صل الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استأذنه في قتل عبد الله بن أبي رأس المنافقين: "دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ" ؛ حيث مُنِعَ من قتل المنافقين في ابتداء الإسلام؛ لأنَّ مصلحة التأليف أعظم من مصلحة القتل.
ومن أفعال الخلفاء الراشدين:
1- جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه للمصحف لمَّا كثر القتل في القراء.
2- أمر عمر رضي الله عنه بجلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وكان شارب الخمر يجلد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه، أربعين. متفق عليه؛ فهذا من السياسة الشرعية. قال النووي: "وأمَّا زيادة عمر، فهي تعزيرات والتعزير إلى رأي الإمام: إن شاء فعله وإن شاء تركه؛ بحسب المصلحة في فعله وتركه؛ فرآه عمر ففعله، ولم يره النبي صل الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا  علي فتركو
3- جَمْعُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النَّاسَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَطْلَقَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ بِهَا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً  فهذا من السياسة الشرعية.
إضافة إلى أدلة أخرى يستدل بها في باب السياسة الشرعية وهي ما تعرف بقواعد الاستصلاح المتمثلة في المصلحة، والعرف، وتغير الزمان والمكان، والاستحسان، وسد الذرائع، وتقديم المصالح على المفاسد.

مجالات السياسة الشرعية
1- الولاية العامة وما يتفرع عنها من شئون الحكم، وإدارته، وإجراءات تطبيقه، وآليات تنفيذه، ومن مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام: (نظام الحكم في الإسلام)، و(النظام الإداري الإسلامي) وهو فن مستقل عن سابقه.
2- الشئون المالية في الدولة، وما يشرع لولي الأمر سلوكه في إدارة بيت المال، موارده ومصارفه، وما يتعلق بذلك من إجراءات تنظيم بيت المال، وطرائق جباية الأموال إليه وصرفها منه وآليات تنفيذ أحكامها، ونحو ذلك، ومن مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام: (النظام المالي في الإسلام)، وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ (القانون المالي).
3- الشئون المالية العامة، من حيث تنظيم التداول، والاستثمار، وقيم النقود وسبل رفعها والمحافظة عليها، وما تقتضيه المصلحة الشرعية من تقييد الحاكم لبعض التعاملات المالية، وما يُسْتَحْدث في ذلك من نظم مشروعة نافعة؛ ومن مصطلحاتها العصرية عند أهل الإسلام: (السياسة الاقتصادية في الإسلام)، و(المعاملات المالية المعاصرة)، وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ (القانون التجاري).
4- الشئون القضائية، وما يتعلق بها من تنظيمات، وطرائق إثبات، ونحوها؛ ومن مصطلحاتها العصرية: (السياسة القضائية في الإسلام) و(علم القضاء) وفروعها. وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ (قانون المرافعات) وما يعرف بقوانين الإجراءات.
5- الشئون الجنائية والجزائية، من حيث تنظيم إجراءات تنفيذ ما يثبت من أحكام مقدَّرة شرعًا أو تقدير جزاءات شرعية ملائمة لما يرتكب من جرائم تقتضي التعزير شرعًا؛ ومن مصطلحاتها العصرية: (النظام الجنائي في الإسلام)، و(التشريع الجنائي الإسلامي). وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ (القانون الجنائي).
6- الشئون المتعلقة بالسِّيَر (العلائق الدولية) من شئون الأمن، والسلم، والحرب؛ ومن مصطلحاتها العصرية: (النظام الدولي في الإسلام)، و(العلاقات الدولية في الإسلام)، ونحوها. وهو يشمل موضوعات ما يعرف في القانون المعاصر بـ (القانون الدولي العام)، و(القانون الدولي الخاص).

تطبيقات معاصرة للعمل بالسياسة الشرعية:
1- مشروعية التقاط لقطة الحرم بغرض تسليمها مباشرة إلى الجهة المختصة بحفظ ما يلتقط من أموال الحجاج والمعتمرين والزوار؛ لما يترتب على ذلك من تحقيق المقصد الشرعي بحفظ المال، وإمكان إيصاله إلى صاحبه، أو مراجعة صاحبه للجهة المختصة لتسلّم ماله المفقود منها، ولا سيما مع غلبة الظن بفقدها لتركها عرضة للسرّاق وضعاف النفوس ممن يتصيدون غفلة الزائرين وانشغال الطائفين والعاكفين والركع السجود.
ففي هذا المثال تغير الحكم لتغير العلة المبني عليها، ويدل عليه ما ورد من أمر عثمان رضي الله عنه بالتقاط ضوالّ الإبل لمصلحة أهلها[10]؛ مع أنَّ النَّص جاء آمرًا بتركها؛ لتغير المصلحة التي بني عليها المنع؛ فالأمر بتركها في عهد النبي صل الله عليه وسلم كان يحقق المصلحة منه؛ لغلبة الصلاح في الناس حيث تترك ضالة الإبل حتى يجدها ربُّها.
وأمّا في زمن عثمان رضي الله عنه فقد حصل تغيّر في حال الناس أورث خوفًا على أموال الرَّعيَّة من أن تمتد إليها يد الخيانة؛ فرأى عثمان رضي الله عنه أن المصلحة حينئذ في الأمر بالتقاطها وتعريفها، كسائر الأموال، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها؛ إذ لم يعد الأمر بتركها يحقق المصلحة منه على الوجه الأصلح؛ ولو عادت علَّة المنع من الالتقاط كما كانت في عهد الرسول صل الله عليه وسلم لعاد الأمر بالمنع من الالتقاط.
2- تعجيل المهر بعضه أو كله، أو تأجيله؛ بحسب العرف، وما يترتب على ذلك لدى القضاة، من اعتبار الزوجة ناشزًا أو غير ناشز إن هي امتنعت عن الدخول في طاعة الزوج.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:04 am

مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية


نتكلم أولا عن مقاصد الشريعة
قال الامام أبو حامد الغزالي: " ان مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم..فكل من يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة.. وكل مايفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.. وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل ألا تشتمل عليها ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها اصلاح الخلق."
فنرى أن الغرض من تشريع الأحكام هو الحفاظ على الضروريات الخمس.
والضروريات هي التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث اذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وآل مصير الانسان في الآخرة الى الخسران المبين..وسميت كليات لأن جميع الأحكام الشرعية تؤول اليها وتسعى للحفاظ عليها.
وانطلاقا من قول الغزالي يتضح أن الضروريات أو الكليات الخمس التي يسعى الشارع الى الحفاظ عليها بحسب ترتيبها هي: الدين-النفس-العقل النسل-المال
الدين : هو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقات بعضهم ببعض..حيث قصد الشارع بتلك الأحكام اقامة الدين وتثبيته في النفوس..وذلك باتباع أحكام شرعها.. واجتناب أفعال أو أقوال نهى عنها..والحفاظ على الدين ثابت بالنصوص الشرعية التي تدعو الى الايمان وترغب فيه وتتوعد على الكفر وتنفر منه..قال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } *آل عمران الاية 85*
ولأجل الحفاظ على الدين شرع الجهاد للدفاع عن عقيدة التوحيد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}
كما نهى عن الردة وعاقب عليها..ونهى عن الابتداع في الدين ما ليس منه.
النفس: وقد شرع الاسلام لايجادها وبقاء النوع على الوجه الأكمل الزواج والتناسل.. كما اوجب لحمايتها تناول ما يقيمها من ضروري الطعام والشراب واللباس والسكن.. وأوجب دفع الضرر عنها ففرض القصاص والدية..وحرم كل ما يلقي بها الى التهلكة.
العقل: وأوجب الحفاظ على العقل فحرم كل مسكر وعاقب من يتناوله.
النسل: واوجب حفظ العرض بتحريمه للزنا والمعاقبة عليه..وفرض حد القذف.
المال: واوجب للحفاظ على المال السعي في طلب الرزق وأباح المعاملات والمبادلات والتجارة..وللحفاظ عليه حرم السرقة والغش والخيانة واكل أموال الناس بالباطل وعاقب على ذلك.
لقد جاءت الشريعة الاسلامية للحفاظ على هاته الضروريات..وذلك باقامتها وتحقيق أركانها ودرء الخلل الواقع أو التوقع فيها..فجميع العبادات شرعت لاقامة الدين ..أما العادات من أكل وشرب ولباس ومسكن فقد شرعت لاقامة النفس والعقل..وجميع المعاملات المباحة شرعت للحفاظ على النسل والمال.. وشرعت العقوبات لدرء المفسدة المتوقعة أو الواقعة في ذلك.
وهنا يتبادر سؤال ماذا نفعل اذا كان هناك تعارض بين المصالح؟
و نقول اذا وقع تعارض بين الضروريات والحاجيات والتحسينات قدم الأولى منها فهناك قاعدة أصولية تقول: "الضروريات تبيح المحظورات من الحاجيات.. والحاجيات تبيح المحظورات من التحسينات "
*تقديم الاولى عند التعارض
ويستفاد من القاعدة الأصولية أنه اذا وقع تعارض بين الضروريات فيما بينها قدم الأولى منها حسب ترتيبها في المحور السابق وهكذا:
-يقدم الحفاظ على الدين على الحفاظ على النفس..لذا فرض الجهاد رغم ما فيه من اتلاف للنفس.
- يباح شرب الخمر عند شدة العطش او الغصة مع فقدان الماء حفاظا على النفس لأنها مقدمة على العقل..شريطة الاكتفاء بالقدر الذي يفي بسد الحاجة لأن الضرورات تقدر بقدرها.
وهكذا يقدم الأولى من الضروريات عند التعارض..وزيادة في الحفاظ على هاته الضروريات لأهميتها فان المشرع أباح المحظورات للضروريات.
وينبني على ذلك أنه اذا وقع تعارض بين ضروري وحاجي وتحسيني قدم الضروري على الحاجي والتكميلي وقدم الحاجي على التحسيني.
-فالصلاة ضرورية واستقبال القبلة مكمل ولا تسقط الصلاة بالعجز عن استقبال القبلة.
-وتناول الطعام ضروري لحفظ النفس واجتناب النجاسات تحسيني ويباح أكل الميتة عندما لا يجد المرء ما يقتات به.
-والعلاج من المرض ضروري..وستر العورة تحسيني لذا يباح كشف العورة عند الحاجة للعلاج.
*اختلاط المصالح بالمفاسد
تقرر سابقا بأن الأحكام الشرعية تحقق مصالح العباد..الا أنه لا يوجد أي فعل له مصلحة خالصة فقط ..أو له مضرة خالصة فقط.. بل ان الأفعال كلها تختلط فيها المصالح بالمفاسد أو المشاق فما العمل العمل اذن؟؟ وما هو الضابط في ذلك؟
ان الفقهاء يقصدون بالمصالح ما غلب نفعه..وبالمفاسد ما غلب ضرره..فيكون الأول مطلوبا من الشرع والتاني منهيا عنه..وهكذا فعند نزول قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما} فان بعض الصحابة فهم التحريم من هاته الآيات قبل نزول الآية التي تأمر بالاجتناب وتحرمه تحريما باتا أخذا بقاعدة أن المحرم ما غلب ضرره أو مفسدته.. ذلك لأن الشارع انما يبني أوامره ونواهيه على ما غلب على الفعل أو القول من مصلحة أو مفسدة.. فالايمان بالله وأتباع أحكامه مأمور بهما لما في ذلك من المنافع الدنيوية والأخروية رغم ما فيه من تقييد النفوس وقهرها تحت سلطان التكاليف وصدها عن قضاء أوطارها.
والكفر واقتراف المعاصي منهي عنهما لما فيهما من المضار الدنيوية والأخروية رغم ما فيه من تقييد للشهوات النفس وغرائزها لذا كان الشارع كالطبيب يكلف المريض بأن يتجرع الدواء المر أحيانا لما فيه من الشفاء ولما يجلبه من الصحة والعافية.
والتعمق في فهم الشريعة ومعانيها وعدم الوقوف عند معانيها الظاهرة شيء مطلوب ومرغوب فيه شرعا..فلقد أثنى الله على الذين يتعمقون في فهم الشريعة .
*الشريعة كلها رحمة وعدل 
رغم ما في التكاليف الشرعية من مشقة فانها مقدورة للانسان العادي..كما ان الشار لم يقصد المشقة لذاتها..ولكن قصد ما يحصل من ورائها من نفع لذا فان المشقة اذا كانت مقصودة لذاتها من طرف المكلف نهى عنها الشارع..فقد نذر أحدهم أن يصوم قائما في الشمس فأمره النبي صل الله عليه وسلم بأن يتم صيامه ونهاه عن القيام في الشمس قائلا: "هلك المتنطعون" وقال للنفر الذين نذروا المواظبة على الصلاة والصوم واعتزال النساء: " أما والله اني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء..فمن رغب عن سنتي فليس مني"
ولذلك قال الأصوليون الحرج مرفوع والمشقة تجلب التيسير مصداقا لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 08 ديسمبر 2018, 7:09 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:08 am

مصادر التشريع




المصادر الأصلية
أولا : الكتاب: 
فأما الكتاب وهو القرآن فإنه هو الأصل في التشريع الإسلامي فقد بينت فيه أسس الشريعة وأوضحت معالمها في العقائد تفصيلا وفي العبادات والحقوق إجمالا. وهو في الشريعة الإسلامية كالدستور في الشرائع الوضعية لدى الأمم، وهو القدوة للنبي صلى الله عليه وسلم فمن بعده ولذا كان هو المصدر التشريعي الأصلي غير أن الكتاب بصفته الدستورية إنما يتناول بيان الأحكام بالنص الإجمالي ولا يتصدى للجزئيات وتفصيل الكيفيات إلا قليلا، لأن هذا التفصيل يطول به ويخرجه عن أغراضه القرآنية من البلاغة وغيرها فقد ورد فيه الأمر مثلا بالصلاة والزكاة مجملا،ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها، ولم يفصل فيه كيفية الصلاة ولا مقاديرها ،بل فصلتها السنة بقول الرسول صل الله عليه وسلم وفعله . وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود ونص على حل البيع وحرمة الربا إجمالا ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها وأما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلا للوفاء ، فتكفلت السنة أيضا ببيان أسس هذا التمييز على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع كما في المواريث وكيفية اللعان بين الزوجين وبعض الحدود العقابية والنساء والمحارم في النكاح ،ونحو ذلك من الأحكام التي لا تتغير على مر الأيام . 
ولهذا الإجمال في نصوص القرآن ميزة هامة أخرى بالنسبة إلى أحكام المعاملات المدنية والنظم السياسية والاجتماعية فإنه يساعد على فهم تلك النصوص المجملة وتطبيقها بصورة مختلفة يحتملها النص فيكون اتساعها قابلا لمجاراة المصالح الزمنية وتنزيل حكمه على مقتضياتها بما لا يخرج عن أسس الشريعة ومقاصدها وعلى كل بهذا الإجمال في نصوص الكتاب كانت هذه النصوص محتاجة إلى بيان بالسنة النبوية ليمكن تطبيقها في الكيفيات والكميات ولتعرف حدودها في الشمول والاقتصار وتنزل عليها جزئيات الحوادث والأعمال . 
لذلك جاء في القرآن إحالة عامة على السنة النبوية في هذه التفصيلات بقوله تعالى : (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ومن ثم كانت السنة مفتاح الكتاب . وقد اتفق المسلمون على أن القرآن مصدر من مصادر التشريع ، وأن أحكامه واجبة الاتباع ، وأنه المرجع الأول، ولا يلجأ أحد إلى غيره إلا إذا لم يجد ما يطلبه فيه ، وأن دلالته على الأحكام قد تكون قطعية إذا كان اللفظ الوارد فيه يدل على معنى واحد ولا يحتمل غيره وقد تكون ظنية إذا كان لفظه يحتمل الدلالة على أكثر من معنى 

ثانيا : السنة: 
أ/ يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن الرسول صل الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . وهي بهذا المعنى مرادفة للفظ ( الحديث ) وقد نطلق على معنى الواقع العملي في تطبيقات الشريعة في عصر النبوة أي الحالة التي جرى عليها التعامل الإسلامي في ذلك العصر الأول . 
ب/ والسنة تلي الكتاب رتبة في مصدرية التشريع من حيث إن بها بيان مجمله وإيضاح مشكله وتقييد مطلقه وتدارك ما لم يذكر فيه . فالسنة مصدر تشريعي مستقل مـن جهة لأنها قد يرد فيها من الأحكام ما لم يرد في القرآن ، كميراث الجدة ، فقد ثبت أن النبي صل الله عليه وسلم حكم بتوريث جدة المتوفى سدس المال 
ولكن السنة من جهة أخرى يلحظ فيها معنى التبعية للقرآن لأنها علاوة على كونها بيانا وإيضاحا له ولا تخرج عن مبادئه وقواعده العامة حتى فيما تقرر من الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن . فمرجع السنة في الحقيقة إلى نصوص القرآن وقواعده العامة والسنة بصورة عامة ضرورية لفهم الكتاب لا يمكن أن يستغني عنها في فهمه وتطبيقه،وإن كان فيها ما لا يتوقف عليه فهم الكتاب هذا التوقف . 
ج/ و ا لسنة تنقل نقلأ بالرواية لا نقضاء عصر الرسالة ، وانقطاع مشافهة الرسول بوفاته صل الله عليه وسلم، لا يقبل منها في تشريع الأحكام الفقهية إلا ما كان صحيح الثبوت بشرائط معينة شديدة . وقد تكلف علماء السنة بتمييز مراتب الأحاديث النبوية حيث قسموها إلى صحيح وحسن ( وهما يقبلان في تشريع الأحكام ) وضعيف أو موضوع (وهما غير مقبولين ) . ومن أشهر كتب السنة المعتمدة الصحيحان صحيح البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وهي لكل من أبى داود والنسائي والترمذى وابن ماجة .كما يحتل كل من موطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل مكانة هامة عند الفقهاء والمحدثين . 
هـ/ ولا خلاف في أن السنة مصدر للتشريع كما قدمنا ولكن رتبتها في ذلك تالية لرتبة الكتاب ، بمعنى أن الاحتجاج بالكتاب مقدم على الاحتجاج بالسنة فإن المجتهد يبحث عن الحكم في الكتاب أولا فإن وجده أخذ به وإن لم يجده تحول إلى السنة ليتعرف على الحكم فيها دل على هذا الترتيب ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ : ( كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) الحديث وما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى القاضي شريح : ( أن اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن في كتاب الله فبسنة رسول الله صل الله عليه وسلم ) ولا يعرف مخالف لهذا . 

ثالثا : الإجماع: 
أ / الإجماع هو اتفاق الفقهاء المجتهدين في عصر على حكم شرعي معين. ولا فرق بين أن يكون هؤلاء المتفقون من فقهاء صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام بعد وفاته ،أو من الطبقات التي جاءت بعدهم . 
ب/ والإجماع حجة قوية في إثبات الأحكام الفقهية ومصدر يلي السنة في المرتبة . ودليل اعتباره في هذه المكانة من مصدرية التشريع مجموعة آيات وأحاديث تدل على أن إجماع الكلمة من أهل العلم والرأي حجة . 
ج/ الإجماع في ذاته إذا انعقد على حكم لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل فيه ،وإن لم ينقل الدليل معه ، إذ لا يعقل أن تجتمع كلمة علماء الأمة الموثوق بهم تشهيا بلا دليل شرعي . ولذلك إذا أراد المتأخرون معرفته إنما يبحثون عن وجوده وصحة نقله لا عن دليله إذ لو وجب البحث عن دليله لكانت العبرة للدليل لا للإجماع بينما هو في ذاته حجة . 


رابعا : القياس: 
القياس هو إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة. والقياس يأتى في المرتبة الرابعة بعد الكتاب والسنة والإجماع من حيث حجيته في إثبات الأحكام الفقهية ، ولكنه أعظم أثراً من الإجماع لكثرة ما يرجع إليه من أحكام الفقه ، لأن مسائل الإجماع محصورة ولم يتأت فيها زيادة لانصراف علماء المسلمين في مختلف الأقطار عن مبدأ المشورة العلمية العامة ولتعذر تحققه بمعناه الكامل فيما بعد العصر الأول كما أوضحناه . أما القياس فلا يشترط فيه اتفاق كلمة العلماء بل كل مجتهد يقيس بنظره الخاص في كل حادثة لا نص عليها في الكتاب أو السنة ولا إجماع عليها . 
ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية ، والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في فقه الشريعة إلا عن طريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس . فالقياس أغزر المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الفرعية للحوادث وقد كان من أسلوب النصوص المعهودة في الكتاب والسنة أن تنص غالبا على علل الأحكام الواردة فيها ، والغايات الشرعية العامة المقصودة منها ليمكن تطبيق أمثالها وأشباهها عليها في كل زمن. 
ونصوص الكتاب معظمها كلي عام وإجمالي كما رأينا فانفتح بذلك طريق قياس غير المنصوص على ما هو منصوص ، وإعطاؤه حكمه عند اتحاد العلة أو السبب فيهما . 
ووقائع القياس في فقه الشريعة الإسلامية لا يمكن حصرها فإن منها يتكون الجانب الأعظم من الفقه ولا يزال القياس يعمل باستمرار في كل حادثة جديدة في نوعها لا نص عليها . ومن أمثلة ذلك أنه ورد في الشريعة نصوص كثيرة في أحكام البيع أكثر مما ورد بشأن الإجارة فقاس الفقهاء كثيرا من أحكام الإجارة على أحكام البيع لأنها في معناه إذ هي في الحقيقة بيع المنافع . وكذلك ورد في الشريعة الإسلامية نصوص وأحكام بشأن وصي اليتيم عينت وضعه الحقوقي ومسئوليته وصلاحيته ، فقاس الفقهاء على أحكام الوصي وأحكام متولي الوقوف للشبه المستحكم بين الوظيفتين كما قاسوا كثيرا من أحكام الوقف نفسه على أحكام الوصية . 

المصادر التبعية 

هناك مستندات أخرى شرعية لإثبات الأحكام الفقهية غير المصادر الأربعة الأساسية المتقدمة وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على اعتبارها مستندا صحيحا لإثبات الأحكام . غير أن تلك المصادر إن هي في الحقيقة تبعية متفرعة عن تلك المصادر الأربعة الأساسية فلذا لم يعدها معظم العلماء زائدة عليها بل اعتبرت راجعة إليها . وأهم تلك المصادر الفرعية التبعية مصدران : 

أولا : الاستصلاح: 
الاستصلاح هو بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة وهي كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على اعتبارها ولم يرد فيه نص على إلغائها .
فهي إنما تدخل في عموم المصالح التي تتجلى في اجتلاب المنافع واجتناب المضار تلك المصالح التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها بوجه عام ، ودلت نصوصها وأصولها على لزوم مراعاتها والنظر إليها في تنظيم سائر نواحي الحياة ولم يحدد الشارع لها أفرادا ولا أنواعا،ولذا سميت ( مرسله ) أي مطلقة غير محدودة فإذا كانت المصلحة قد جاء بها نص خاص بعينها ككتابة القرآن صيانة له من الضياع ، وكتعليم القراءة والكتابة ، فعندئذ تكون من المصالح المنصوص عليها لا من المصالح المرسلة ويعتبر حكمها ثابتاً بالنص لا بقاعدة الاستصلاح .وإذا قام الدليل على إلغاء مصلحة معينة كالاستسلام للعدو مثلا ، فقد يظهر أن فيه مصلحة حفظ النفس من القتل ، ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع ، بل ألغاها لمصلحة ارجح منها وهي حفظ كرامة الأمة وعزتها ، وبالتالي فهي تعتبر مصلحة ملغاة لا مصلحة مرسلة. وعموما يمكن أن نقول إن العوامل التي تدعو الفقيه إلى الاستصلاح هي : 

1/ جلب المصالح : وهي الأمور التي يحتاج إليها المجتمع لإقامة حياة الناس على أقوم أساس 

2/ درء المفاسد : وهي الأمور التي تضر بالناس أفرادا أو جماعات سواء كان ضررها ماديا أو خلقيا . 

3) سد الذرائع : أي منع الطرق التي تؤدي إلى إهمال أوامر الشريعة أو الاحتيال عليها أو تؤدى إلى الوقوع في محاذير شرعية ولو عن غير قصد. 

4) تغير الزمان : أي اختلاف أحوال الناس وأوضاع العامة عما كانت عليه . فكل واحد من هذا العوامل الأربعة يدعو إلى سلوك طريق الاستصلاح باستحداث الأحكام المناسبة المحققة لغايات الشرع ومقاصده في إقامة الحياة الاجتماعية على أصلح منهاج .ومن أمثلة العمل بالاستصلاح ما أحدثه عمر بن الخطاب- الخليفة الثاني رضي الله عنه – من إنشاء الديوان لضبط عطاء الجند وأرزاقهم ومدة خدمتهم ، ثم عمت الدواوين في مصالح أخرى . ومن هذا القبيل أيضا في عصرنا الحاضر تنظيم السير في الطرق الداخلية والخارجية بأنظمة خاصة بعد حدوث السيارات ، منعا للدهس والاصطدام وصيانة لأرواح الناس .
ويمكننا أن نستزيد فى المصلحة المرسلة ونقول :
المصالح المرسلة :
1- تعريف المصلحة:
لغة: هي الخير .اصطلاحا: هي المحافظة على مقصود الشرع .
2- أنواع المصالح : تنقسم المصالح باعتبار الشارع لها إلى ثلاثة أقسام:
1- مصالح معتبرة :وهى التي قام الدليل الشرعي على اعتبارها ..
ومن أمثلتها جميع المصالح التي حققتها الأحكام المشروعة ....
2- مصالح ملغاة : هي التي نص الشارع على عدم اعتبارها أو تعارضت مع نصوصه واتجاهاته... 
3- مصلحة مرسلة :وهى المصالح المطلقة التي لم يقم دليل من الشارع على اعتبارها ولا على إلغائها ..
3- أمثلة عن المصالح المرسلة:
- جمع الخلفاء الراشدون القرآن الكريم عملاً بالمصلحة المرسلة.. قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما:" إنه والله خير ومصلحة للإسلام"
- اتفاق الصحابة على استنساخ عدة نسخ من القرآن الكريم..
- سن عثمان الأذان الأول للجمعة..عندما كثر الناس وتوسعت المدينة .
- وضع قواعد خاصة للمرور في الطرقات..
- الإلزام بتوثيق عقد الزواج بوثيقة رسمية..
- منع اصطياد أو ذبح أنثى الحيوانات الصغيرة محافظة على الثروة الحيوانية.
4- حجية المصالح المرسلة: 
لا خلاف بين العلماء على أنه لا اجتهاد في المسائل الثابتة بالنص –أمور توقيفية- أو الإجماع
أما في حجية المصالح المرسلة فاختلفوا في ذلك إلى مذهبين :
الرأي الأول: يقول بحجية المصالح المرسلة ويعتد بها في تشريع الأحكام وأدلتهم:
*-التشريع الإسلامي قائم على تحيق مصالح الناس لجلب الخير ودفع الشر 
*- مصالح الناس متجددة والوقائع والبيانات متغيرة فما يصلح من الأحكام في زمن لا يصلح للآخر.. 
*-إجماع الصحابة على العمل بالمصالح المرسلة ...
الرأي الثاني: يرى عدم حجية المصالح المرسلة ويرى انه لا يصح بناء الأحكام عليها وأدلتهم :
*- إن الشريعة الإسلامية قد راعت كل مصالح الناس 
*-المصالح المرسلة مترددة بين ما اعتبره الشارع وما ألغاه..
*- إن العمل بالمصالح المرسلة يفتح الباب لغير المتخصص الذي يقلب الأمور ويجعل 5-5-5- المصلحة مفسدة والعكس:
*- العمل بالمصلحة المرسلة يؤدى إلى اختلاف الأحكام من زمن لآخر.. 
6- شروط العمل بالمصالح المرسلة :
1/ تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع لا تنافي أصلا ولا تعارض نصا بل متفقة مع مقاصد الإسلام.. 
2/أن تكون المصلحة حقيقة وليست وهمًا أي تجلب نفعا أو تدفع ضررا..
3/أن تكون المصلحة عامة كلية لأن الشريعة جاءت للناس كافة وبناء عليه لا يصح الأخذ بحكم به رعاية مصلحة شخصية. 
4/ألا تكون المصلحة المرسلة مصلحة ملغاة 
الفرق بين المصلحة المرسلة و يشابها :
7- أوجه الاتفاق فيما بينهم أوجه الاختلاف فيما بينهما:
- العمل بكل منهما يكون في الوقائع التي سكت الشارع عن بيانها .
- التعليل في كل منهما مبنى على رعاية المصلحة . 
*- إن المصلحة التي تبنى عليها القياس مصلحة قام الدليل على اعتبارها أما المصلحة التي بني الحكم عليها على المصلحة المرسلة سكت الشارع عن اعتبارها

ثانياً: العـرف : 
العرف هو : الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى : (( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )) ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطرداً بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه كتعارف الناس اليوم مثلا في بلاد الشام على أن المهر الذي يسمى للمرأة في عقد النكاح يكون ثلثاه معجلا وثلثه مؤجلا إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفا فرديا لا عرفا . 
وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها ، فيستمد منه واضعوها كثيرا من الأحكام المتعارفة ، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يزال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيراً من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرا ونهت عن كثير من تلك التصرفات ، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققاً لغايتها وملائما لأسسها وأساليبها. 
ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صل الله عليه وسلم أنه قال : (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه . وقد أقام الفقهاء – وخاصة منهم رجال المذهب الحنفي-كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات . 
واعتبروا العرف والعادة أصلا هاماً ومصدراً عظيما واسعا نثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصا تشريعيا خاصا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام- الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدى إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس . أما إذا عارض العرف نصا تشريعيا آمرا بخلاف الأمر المتعارف عليه كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول بعض المحرمات كالخمور وأكل الربا فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة ، واتباع للهوى وإبطال للشرائع .
يقول الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الازهر الاسبق
العرف : هو ما اعتاده الناس والفوه من قول او فعل تكرر مرة بعد اخرى ، حتى تمكن اثره من نفوسهم ، واطمأنت اليه طباعهم ، وصارت تتلقاه عقولهم بالقبول .
وليس المراد به كل ما عرفه الناس والفوه ، بل ما عرفه أهل العقول الرشيدة والطباع السليمة ، فإن ما يعتاده فريق من الناس مما هو ضرر أو فساد أو عبث لا خير فيه ولا مصلحة فليس من العرف الذى نقصده بالقول هنا . فإذا أعتاد قوم الكذب ، أو شرب الخمر ، أو لعب الميسر ، أو التعامل بالربا ، أو اللعب بالحمام ، ومرنوا على ذلك وألفته طباعهم فإنه لا يدخل فى العرف الذى نريد ان نحكمه ونجعله من موازين الأحكام وقواعد استنباط الفروع .
وكذلك ليس المراد من العرف هنا ما اعتاده الناس مما نظرت إليه الشريعة بالفعل ، ووضعت له حكما من الأحكام ، فإن هذا يجرى دائما على ما قررت الشريعة فيه من أمر أو نهى ، ولا يختلف بإختلاف الظروف والاعتبارات ، ما دام يعلم من تشريعه ان الشأن فيه الدوام والاستمرار . وذلك مثل ستر العورة ، وإزالة الخبث والنجاسة ، والتجمل بالملابس الحسنة النظيفة عند العبادة والمناجاة ، فإن الشريعة قد قررت فى ذلك أحكاما أقرت بها ما اعتاده الناس وعرفوه ، وقد لحظت فى هذه الأحكام أسرار تقتضى دوامها وثباتها ، فلا يختلف حالها بإختلاف العصور والأحوال .
فكشف العورة قبيح فى العادات ، وقد قررت الشريعة قبحه ، فلا يتأتى ان ينقلب هذا القبح حسنا لاعتبار من الاعتبارات ، حتى لو تجدد لبعض الناس عرف على خلافه - كما هو الحال فى مدن العراة التى استحدثت الان فى بعض أقطار أوروبا - فإنه لا يعبأ به ، لأنه عرف جاء يستحسن ما استقبحه العرف العام ، وأكدت قبحه جميع الأديان .
ومثل هذا يقال فى كل ما قررت الشريعة قبحه أو حسنه من العادات على ذلك الوجه ، لا ينقلب القبيح حسنا ، ولا الحسن قبيحاً . فهذا النوع تعتبر أحكامه من الفقه الثابت ، وليست من السياسة التى شأنها الاختلاف والتبدل على حسب الأحوال والمقتضيات . وإذاً لا يكون هذا من العرف الذى يعنينا هنا ، فإننا نريد عرفا ليس للشريعة فيه أمر ولا نهى على وجه التفصيل ، وعرفا للشريعة فيه حكم علم من سر تشريعه أنه ليس من القانون الثابت الذى لا يختلف باختلاف الأزمان والأحوال



....يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:13 am

... تابع

مصادر التشريع



وهناك مصادر أخرى متعرفة من المصادر الأساسية وهى

1 - الاستحسان
وهو ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل واستثناء مسألة جزئية من أصل كلى أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك 
والاستحسان هو حجة عند الحنفية والمالكية والحنابلة والاباضية وأنكر حجته الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة

2 - الاستصحاب أو البراءة الأصلية
 الاستصحاب في اللغة، من الصحبة وهي الملازمة، واستصحاب الحال هو التمسك بما كان ثابتا.
وهو في اصطلاح الأصوليين: (الحكم ببقاء أمر كان في الزمان الأول ولم يظن عدمه)، وهو يعني أن الحكم الذي جاء الدليل بإثباته يبقى مستمرا حتى يظن ورود ما ينافيه.
  مثال ذلك: لو توضأ إنسان ثم شك بعد ذلك في أنه هل انتقض وضوؤه أم لا،  فإنه على وضوئه، بدليل استصحاب الحال، لأن الحكم الأول أنه متوضئ،  ولم يثبت ما يصلح ناقضا لهذا الوضوء بطريق الظن أو غلبة الظن، فيبقى الحكم السابق وهو قيام الطهارة ساري المفعول، لأن الوضوء الأول كان يقينا، فلا يقطع بالشك، أما الظن أو غلبة الظن فإنه يقطع به حكم اليقين في الأمور العملية، ومنها هذا، ولو حدث العكس، وهو أنه نقض وضوءه ثم شك في أنه هل توضأ ثانية أم لا،  فإن الحكم أن طهارته منتقضة، بدليل استصحاب الحال المقصود بهذا الأصل هو أن الإنسان غير مكلف بشيء حتى يصل إليه دليل التكليف، وإذا وصله دليل التكليف أصبح كذلك مكلفاً به حتى يأتي ناقل عنه أو ناسخ له، ولذلك يسمى هذا الأصل أيضاً بالاستصحاب، وإليك بيان هذا الإجمال. 

1- الأصل عدم التكليف حتى يثبت:

        الأصل أن الإنسان بريء من التكليف، غير محاسب على فعله حتى يبلغه دليل التكليف، وقد شرحنا هـذا في باب (المكلف) والمقصود هنا بيان أن الإنسان لا يعتبر مذنباً قبل وصول الأمر الشرعي إليه، ومعرفته به ويسمى هذا بالبراءة الأصلية أو استصحاب العدم الأصلي.. أي ملازمة عـدم التكليف حتى يرد الأمر بذلك، ويدل على هذا الأصل قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:275) 

        وقد جاء هذا في شأن الربا حيث أخبرهم سبحانه أن ما أكلوه من الربا قبل ورود النص لا مؤاخذة به إلا بعد ورود النص، ومثل هذه الآية أيضاً قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة:115)

2- مصاحبة الدليل حتى يأتي ناقل عنه:

        والجانب الثاني من هـذا الأصل هو مصاحبة الدليل الشرعي حتى يرد ناقل عنه فمن عمل بآية أو حديث منسوخ وهو لا يعلم أن الآية قد نسخت أو أن الحديث منسوخ أو معارض بما هـو أصح منه فهو معذور في ذلك حتى يصل إليه العلم بالآية الناسخة أو الحديث الراجح كمن كان يوجب الغسل من الإنزال فقط حتى وصله إيجابه بالتقاء الختانين. 

        والخلاصة: أن المسلم يجوز أن يستدل على عمله الذي يعمله بأنه لا يعرف دليلاً شرعياً بخلافه، وأنه يعمل على البراءة الأصلية، أو استصحاب دليل ما حتى يثبت لديه ما يتعارض مع هذا الدليل ويرجح عليه.
حجيته ومذاهب الفقهاء فيه
اختلف الفقهاء في الاحتجاج بالاستصحاب واعتباره مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي على مذاهب عديدة، وهي: 

أ‌-    مذهب جمهور الحنفية: فقد ذهبوا إلى أن الاستصحاب لا يصلح دليلا لإثبات الأحكام، ولكنه دليل صالح لنفيها أو دفعها فقط. 

ب‌-    مذهب جمهور الشافعية، والحنبلية، وبعض الحنفية: وهؤلاء اعتبروا الاستصحاب حجة في الدفع وفي الإثبات مطلقا، ما دام لم يعارضه دليل آخر. 

ج- مذهب بعض الشافعية والحنفية: وهو أن الاستصحاب ليس بحجة في الإثبات ولا في الدفع مطلقا. 

د- مذهب بعض الحنفية: وهو أن الاستصحاب حجة في الإثبات لا في الدفع، والمراد بالإثبات هنا إثبات الحكم من الناحية الإيجابية، أي إثبات وجوده،  والمراد بالدفع هو إثبات نفي الحكم وانعدامه أو زواله. 

ويتضح ذلك من المثال الآتي: رجل باع لآخر داره، فطالب الشفيع بها، وادعى أنه ملكها بحق الشفعة، فأنكر البائع أن الدار ملك الشفيع بحق الشفعة. 

فعند الشافعية: الدار للشفيع من غير بينة على ملكه إياها، لأن الملك يثبت بالبيع، والبائع لا ينكره، واستصحاب الحال يدل له في استمرار ملكيته لها ما دام لم يثبت ما ينزع هذه الملكية عنه بعد ثبوتها، فتعتبر ثابتة له بدليل استصحاب الحال، فلا يكلف بإثباتها بالبينة ثانية، وعند الحنفية عليه البينة، لأن دليل استصحاب الحال هذا غير معتبر في الإثبات عندهم، فاحتجاج الشفيع إلى البينة في إثبات حقه.


3 - سد الذرائع
سد الذرائع أصل من أصول السادة المالكية، فلقد أكثروا من العمل بهذا الأصل، حتى نُسب إلى المذهب المالكي أنه المذهب الوحيد الذي قال بالذرائع، والأمر خلاف ذلك كما زعم القرافي: "فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ وأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْه"

وقاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده. 

وقبل الحديث عن الذريعة، يحسُن بنا الإشارةُ إلى معناها لغةً واصطلاحًا:
الذريعة لغةً واصطلاحًا:
بالرجوع إلى المعاجم اللغوية نجد أن الذريعةَ في اللغة تفيد "الوَسيلَة والسَّبَب إلى شيءٍ، يُقال: فلانٌ ذَريعَتي إليكَ؛ أَي: سبَبي ووُصْلَتي الذي أَتَسَبَّبُ به إليكَ"

والمراد بها اصطلاحًا: "حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا، فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ منعنا من ذلك الفعل" ، ونقل ابنُ حزم عن أبي محمد علي بن أحمد - رحمه الله - قوله: "ذهب قوم إلى تحريم أشياء من طريق الاحتياط، وخوف أن يتذرع منها إلى الحرام البحت"

فعماد التعريف في الذريعة أنها هي كل مسألة ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور، وبيان ذلك أن الوسيلة إذا أفضت إلى مفسدة كانت فاسدة، فوجب قطع الذريعة لما ينجم عنها من مفاسد، والوسائل إذا كانت مؤدية إلى مصلحة كانت صالحة، فتكون الذريعة عندئذ غير ممنوعة.

قال القرافي: "الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة"

فحسب الإمام القرافي أن الأمور ليست بحسب مآل نية الفاعل، وإنما بحسب نتائجها وغاياتها، و هذا ما أقرَّه أبو زهرة فقال: "إن أصل سدِّ الذرائع لا يعتبر النية فيه على أنها الأمر الجوهري في الإذن أو المنع، وإنما النظر به إلى النتائج والثمرات" ، فلما كان المقصد الأساس للشريعة الإسلامية هو إقامة المصالح ودفع المفاسد، فكل ما يؤدي إلى ذلك من ذرائع وأسباب يكون له حكم ذلك المقصد الأصلي. 

ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها، علِم أن الشارع الحكيم سدَّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، وهذا سنلحظه من خلال القسم الأول من أقسام الذرائع.

أقسام الذرائع:
وقد قسم علماء أصول الفقه الذرائع خمسة أقسام:
القسم الأول: ما أدى إلى مفسدة مقطوع بها، وهذا القسم أجمعت الأمة على سدِّه ومنعه وحسمه، وقد عبَّر ابنُ القيم عن هذا القسم بقوله: "لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا"

ومن أمثلة هذا القسم - على سبيل المثال - ما يلي:
1- قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فحرَّم الله - تعالى - سبَّ آلهة المشركين - مع كون السب حميةً لله وإهانةً لآلهتهم -لكونه ذريعةً إلى سبِّ الله - عز وجل - فكانت مصلحة ترك مسبته - تعالى - أولى من مصلحة سبِّ آلهتهم، وجاء التصريح على المنع لئلا يكون سببًا في فعل الحرام. 
2- ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، "وذلك أن المسلمين كانوا يقولون: راعنا يا رسول الله، من المراعاة؛ أي: أَرْعِنا سمعَك، وفرغ سمعك لكلامنا، وكانت هذه اللفظة شيئًا قبيحًا بلغة اليهود، وقيل: كان معناها عندهم: اسمع لا سمعت، و قيل: هي من الرعونة"
 "فنهى تعالى المسلمين عن قولها؛ سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعةً إلى أن يقولها اليهود للنبي تشبُّهًا بالمسلمين، يقصدون بها غيرَ ما يقصده المسلمون، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنًى فاسدًا"
3- وحرم الشارع الطِّيبَ على الْمُحْرِمِ؛ لكونه من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سدِّ الذرائع.
4- وأمر - عليه السلام - أن يفرَّق بين الأولاد في المضاجع، فلا ينام الذكر مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون بابًا من تلبيس إبليس عليهما، فيتحد الفراش وهما لا يشعران؛ قال - عليه السلام -: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"
 5- ونهى المرأة عن السفر بغير محرم؛ قطعًا لذريعة الطمع فيها والفجور بها.

القسم الثاني: ملغًى إجماعًا، لأن مفسدته نادرةُ الوقوع؛ لذلك أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تُسد ووسيلة لا تُحسم، كالمنع من زراعة العنب خشيةَ الخمر، فإنه لم يقل به أحد، ومنه كذلك المنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا. 

القسم الثالث: مختلف فيه بين السدِّ والترك، وذلك كبيوع الآجال، ومثاله "كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر، فالإمام مالك يقول: إنه أخرج من يده خمسةً الآن، وأخذ عشرةً آخر الشهر، فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجلٍ توسلاً بإظهار صورة البيع لذلك، والشافعي يقول: ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره، فيُجوِّز ذلك، وهذه البيوع يقال: إنها تصل إلى ألف مسألة، اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي. وكذلك اختلف في تضمين الصناع؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم، فتتغير السلع فلا يعرفها ربُّها إذا بيعت، فيضمنون سدًّا لذريعة الأخذ، أم لا يضمنون لأنهم أُجَرَاء، وأصل الإجارة على الأمانة قولان.

وكذلك تضمين حملة الطعام لئلا تمتدَّ أيديهم إليه، وهو كثير في المسائل، فنحن قلنا بسدِّ هذه الذرائع، ولم يقل بها الشافعي"
القسم الرابع: الذرائع والوسائل المشروعة المفضية إلى البدعة، وإليه أشار الإمام الشاطبي في "الاعتصام" بقوله:
" قد يكون أصل العمل مشروعًا، لكنه يصير جاريًا مجرى البدعة من باب الذرائع" ، فضرب أمثلة لذلك منها:
1- أن يكون للمكلَّف طريقان في سلوكه للآخرة، أحدُهما أسهل والآخر صعب، فيأخذ بالطريق الأصعب ويترك الأسهل بناء على التشديد على النفس، كالذي يجد للطهارة ماءين، ساخنًا وباردًا، فيتحرَّى الباردَ الشاقَّ استعماله، بدليل إسباغ الوضوء على المكاره، فهذا لم يعطِ النفسَ حقَّها، وخالف دليلَ رفع الحرج؛ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
2- ومن ذلك الاقتصارُ على البشع في المأكل، والخشن في الملبس من غير ضرورة.
3- ومنه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صل الله عليه وسلم - لأن الناس كانوا يذهبون إليها، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة.
"فهذه الأمور جائزة أو مندوب إليها، ولكن العلماء كرهوا فعلَها؛ خوفًا من البدعة، لأن اتخاذها سنة، إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مَجرى السنن، صارت من البدع بلا شك"

القسم الخامس: تجويز الحيل  يناقض سدَّ الذرائع، فقد كتَب ابن القيم فصلاً هامًّا، بيَّن فيه الأهمية القصوى لمبدأ سدِّ الذرائع، وانتهى فيه إلى أن سدَّ الذرائع هو أحد أرباع الدين، ثم بنى عليه بحثًا في تحريم الحيلة، معتبرًا إياها رافعةً للتحريم ومسقطة للوجوب "

ومن أمثلة الحيل المفضية إلى فتح الذرائع المحرمة:
1- إبطال حيلة إسقاط الزكاة، وذلك ببيع ما في اليد من النصاب قبلَ حلول الحول، ثم استرداده بعد ذلك، وهذه حيلة محرمة باطلة.
2- ومن الحيل الباطلة لإسقاط حدِّ السرقة: أن يحفر الحرُّ السقف، ثم يدخل عبده، فيخرج المتاع من السقف.

فهذه الحيل وأمثالها لا يحلُّ لمسلم أن يفتي بها في دين الله، "ومن أفتى بها فقد قلب الإسلامَ ظهرًا لبطن، ونقض عُرى الإسلام عروةً عروةً، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ مَرْوَانَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ هَاهُنَا بِمَرْوَ، أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَبَى زَوْجُهَا عَلَيْهَا، فَقِيلَ لَهَا: لَوْ ارْتَدَدْتِ عَنْ الإِسْلَامِ لَبِنْتِ مِنْهُ، فَفَعَلْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ، حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: أَحْدَثُوا فِي الإسلامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ، أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا أُرى الشَّيْطَانَ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: قَالَ شَرِيكٌ – يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِاللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ - وَذُكِرَ لَهُ كِتَابُ الْحِيَلِ، فَقَالَ: مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ"

4 - شرع من قبلنا
شرع من قبلنا هذا المصدر يعد من المصادر الثانوية في التشريع الإسلامي وهو يحقق امتداد للأديان التي سبقت الإسلام مثل اليهودية والنصرانية وهو يربطنا بهذه الأديان علاقة تعظيم للشرائع السابقة التي بين الله بعضها في كتابه الكريم بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل ببعض أحكام دين من قبلنا كاليهودية مثلاً فقد رجم اليهودي الذي زنى وذلك عندما قال له النبي صل الله عليه وسلم " ماتجدون في كتابكم " فكان الرجم موجوداً فرجمه وهذا تشريع لنا ولكن ليس على الإطلاق في هذا الحكم.
الشريعة ليست ناسخة لجميع الشرائع السابقة
عندما ننظر في الشريعة نجد أن هناك أحكام تكررت في جميع الشرائع السابقة فعلى سبيل المثال :

  • تحريم شرب الخمر تكرر في جميع الشرائع السماوية


  • تحريم الزنا أيضاً


  • تحريم القتل كذلك


  • تحريم أكل أموال بالباطل قال تعالى : ((ياأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله..)) فذكر ذلك تحذيراً من صنيعهم.


  • حرمة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) فحرم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحذر منه.


  • حرمة كتم البينات على أهل الكتاب وهذه الأمة قال تعالى : ((إن الذين يكتمون ماأنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)).


وعلى هذا الأساس لايمكن أن تكون الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة بل هناك من الأحكام ماهي معمول بها عندنا الآن وسيبقى الحكم فيها إلى قيام الساعة.
تحرير النزاع وبيانه
قبل أن ندخل في خلاف العلماء لابد أن نبين وجه الاتفاق والإختلاف حتى تتضح المسألة فوجوه الاتفاق مايلي :

  • أمور العقائد لاخلاف بين العلماء أن شرع من قبلنا شرع لنا بالاتفاق إلا في مسألة سجود التعظيم الذي فعله يعقوب عليه السلام وأولاده ليوسف عليه السلام فهذا محرم في شرعنا بالاتفاق، ولكن يجب أن نعلم أن شريعتنا ليست ناسخة لأمور العقيدة في الشرائع السابقة بل مقررة لها في الغالب.


  • غير العقائد كالأحكام التي أقرتها شريعتنا كالصوم والحج فإن هذا شرع لنا بلا خلاف ومثل الأضحية التي كانت سنة متبعة في الشرائع السابقة وأخبر عنها النبي صل الله عليه وسلم بأنها سنة إبراهيم عليه السلام وسنة الأنبياء الذين من ذريته من بعده.


  • غير العقائد أيضاً كالأحكام التي نسختها شريعتنا فهي باتفاق الأصوليين ليست شرع لنا بلا خلاف بين الفقهاء والأصوليين، ومثل ذلك كجواز نكاح الأخت وتحريم أكل لحم الإبل الذي حرمه يعقوب على نفسه وغير ذلك.


وأما وجه الإختلاف في المسألة فهو : الأحكام التي لم تقرر في شريعتنا وعُلم ثبوتها ولم يرد عليها ماينسخها فهذا محل الخلاف بينهم.
اختلاف الأصوليين في هذا الأمر
اختلف الأصوليون في الأحكام التي لم تقرر في شريعتنا وعُلم ثبوتها ولم يرد عليها ماينسخها على ثلاثة أقوال هي :

  • القول الأول : قال به جمهور أهل العلم من ذلك الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وأحمد في رواية عنه راجحة أن ملقد صح من شرع من قبلنا هو في الحقيقة شرع لنا وذلك عن طريق الوحي من الكتاب والسنة لامن طريق كتبهم ويجب علينا العمل به مالم يرد خلافه.


  • القول الثاني : مذهب القلة وهم بعض الشافعية والأشاعرة والمعتزلة والرافضة وأحمد في رواية مرجوحة له : أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وقد اختار ذلك من الأصوليين : الغزالي والآمدي والرازي وابن حزم الظاهري وبعض العلماء.


  • القول الثاث : وهو التوقف في هذه المسألة حتى يتبين الدليل الصحيح فيها وحكى هذا القول ابن القشيري وابن برهان.


أدلة الأقوال

  • أدلة القول الأول :مما استدل به أصحاب القول الأول المثبتين لكون هذا الشرع شرع لنا بشروطه مايلي :

    • قوله تعالى : ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)) فقد طلب الله من النبي صل الله عليه وسلم أن يقتدي بالذين قبله من الأنبياء والمرسلين ولم يوجد ماينسخ ذلك، بل ثبت عن ابن عباس أنه سجد عند سجدة سورة (ص~) عندما ذكر الله خبر داوود ((وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب))

    • واستدلوا بقوله تعالى : ((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً..)) الآيه

    • وبقوله تعالى : ((شرع لكم من الدين ماوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه...)) الآيه.

    • وبقوله تعالى : ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار..)) الآيه والنبي صل الله عليه وسلمن من ضمن النبيين.

    • وبقوله تعالى أيضاً : ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين...)) الآيه وهذه من أوضح الآيات في الإستدلال لأن كثير من العلماء استدلوا بهذه الآية على أن شرع من قبلنا شرعٌ لنا لأن النبي صل الله عليه وسلم أوجب القصاص على القاتل إلا في العفو من أولياء المقتول.

    • واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه به وحي فدل على أن شرع من قبلنا حجة وإلا لم يكن النبي صل الله عليه وسلم يحب موافقتهم عبثاً.





  • أدلة القول الثاني : وهم الذين نفوا ذلك ومن أدلتهم :

    • حديث معاذ حينما بعثه النبي صل الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له : " بم تحكم " قال : " بكتاب الله " وذكر بعد ذلك السنة وذكر بعد ذلك الإجتهاد ولم يذكر له شرع من قبلنا فأقره على الإجتهاد كمرحلة أخيره ولو كنا متعبدين لله به لذكره له.

    • ومن أدلتهم لكل جعلنل منكم شرعة ومنهاجا..)) الآيه

    • وقال أصحاب هذا القول أن شريعة الإسلام عامة لجميع الأديان الماضية أما شريعة من قبلنا فكانت مخصوصة برسل أقوامها أي كل واحد من هؤلاء الرسل بعث لقومه خاصة وشريعتهم خاصة لقومه دون غيرهم بعكس شريعة الإسلام التي هي عامة وخصوصاً أن النبي صل الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة بعكس الرسل الأول.




الترجيح في المسألة
عند النظر في الترجيح نجد أن القول بأن شرع من قبلنا شرعٌ لنا هو القول الراجح الذي عمل به أكثر أهل العلم بشرط أن تثبت صحته وذلك عن طريق المسلمين العدول المستوثقين وجاء الإسلام بتقريره أو قد ورد حكمه في القرآن أو يثبت بالسنة لأن هذا الشيء إنما هو تشريع سماوي وهذا الذي يميل إليه الأصوليون في وقتنا الحاضر قال صاحب كتاب أصول الفقه الإسلامي : " ولكن لدى التحقيق الذي سبق ليس شرع من قبلنا دليلاً مستقلاً من أدلة التشريع وإنما هو مردود إلى الكتاب والسنة لأنه لايعمل به كما عرفنا إلا إذا قصّه الله تعالى أو رسوله عليه الصلاة والسلام من غير انكار، ولم يرد في شرعنا مايدل على نسخه "  وبهذا يتبين أنه يكون مصدر تشريع بالشروط السابقة.

5 - أقوال الصحابة
أقوال الصحابة تنقسم بحسب الاستدلال بها إلى أقسام:

(1) ما أجمعوا جميعاً عليه، ونقل نقلاً صريحاً عنهم، وهذا هو الإجماع القولي، وهو الإجماع الحقيقي، ولا شك أن هـذا دليل عظيم من أدلة الدين لا تجوز مخالفته البتة، وقد 
شرحنا هذا في الباب الإجماع.. 

(2) ما سنه الخلفاء الراشدون المهديون، ودرجت عليه الأمة، وهذا في عامته يشبه الإجماع السابق، وذلك لما ثبت من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: وعظنا رسول الله صل الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب،وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مـودع فأوصنا، وقال: [أوصيكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين.. عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم، ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة] (رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وقال حسن صحيح) 
فهذا الحديث نص في وجوب التزام سنة الخلفاء الراشدين بعد رسول الله صل الله عليه وسلم كنظام الولاية والخلافة، وتدوين الدواوين، وسياسة الأمة، ونظام الحرب، وشروط الصلح، وجمع المصحف، وتوحيد القراءة، ونحو هذا مما سنه الخلفاء الراشدون. 

(3) ما نقل عن بعضهم، وسكت عنه الباقون، ولم ينقل عن أحد منهم خلافه وهذا إجماع سكوتي، وهو يأتي من حيث المرتبة بعد الإجماع القولي السابق.

(4) تفسير الصحابي للقرآن والحديث.. ولا شك أن الصحابة كانوا أعلم الأمة بمراد الله سبحانه وتعالى، ومراد رسـوله صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس كذلك بالعربية التي نزل بها القرآن، وتكلم بها رسول الله صل الله عليه وسلم فتفسيرهم للقرآن والحديث هو التفسير الصحيح الذي يجب تقديمه على غيره، ولا شك أنه قد ضل من ضل من الأمة أخيراً بإعراضهم عن فهم السلف الصالح لمعاني القـرآن والحديث بعيداً عن تفسير وتطبيق الصحابة، وبهذا نشأت الفرق الضالة، والآراء الشاذة التي أرادت فهم القرآن والسنة بعيداً عن تطبيق وفهم السلف الصالح. 

        ولهذا كان من أصول منهج السلف الصالح اتباع سبيل المؤمنين من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم في فهمهم وعلمهم بالكتاب والسنة. 

(5) إذا اختلف الصحابة في مسألة واحدة على قولين فلنا أن نأخذ القول الذي نراه أقرب إلى الصواب كما اختلفوا مثلاً في مسألة قراءة الفاتحة خلف الإمـام، وهل وجه المرأة وكفيها عورة يجب سترهما أم لا؟ وهل تجب العمرة على كل من جاء الحج أم لا؟ والعول، ومسائل في الربا، ونحو ذلك من مسائل اختلفوا فيها. 

        والصحيح أيضاً أنه لا يجوز إحداث رأي ثالث لأن معنى هذا أن تكون الأمة في عصر من عصورها جميعها على خطأ، وهذا لا يتصور لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة. قال الإمام الشافعي -رحمه الل - في الرسالة: "أرأيت أقاويل أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم إذا تفرقوا فيها فقلت: نصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة، أو الإجماع أو كان أصح في القياس" (الرسالة ص/596-597)

        ولا شك -أيضاً- أن قول الصحابة متى تحقق لنا أنه مخالف للنص فإنه لا يجوز لنا اتباعه، بل يجب علينا اتباع ما ترجح لدى الصحابة الآخرين مما يوافق النص، كالقول بسقوط الصلاة عن الجنب إذا لم يجد ماء، وقول بعضهم ببقاء نكاح المتعة على مشروعيته، وتحريم الادخار والكنز للذهب، والفضة حتى مع أداء زكاته، ونحو هذا من الأقوال التي ثبت أن الحق والدليل بخلافها لأنه لا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اتباع لقول أحد يخالف كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صل الله عليه وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:18 am

... تابع

مصادر التشريع



وهناك مصادر أخرى متعرفة من المصادر الأساسية وهى

1 - الاستحسان
وهو ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل واستثناء مسألة جزئية من أصل كلى أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك 
والاستحسان هو حجة عند الحنفية والمالكية والحنابلة والاباضية وأنكر حجته الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة

2 - الاستصحاب أو البراءة الأصلية
 الاستصحاب في اللغة، من الصحبة وهي الملازمة، واستصحاب الحال هو التمسك بما كان ثابتا.
وهو في اصطلاح الأصوليين: (الحكم ببقاء أمر كان في الزمان الأول ولم يظن عدمه)، وهو يعني أن الحكم الذي جاء الدليل بإثباته يبقى مستمرا حتى يظن ورود ما ينافيه.
  مثال ذلك: لو توضأ إنسان ثم شك بعد ذلك في أنه هل انتقض وضوؤه أم لا،  فإنه على وضوئه، بدليل استصحاب الحال، لأن الحكم الأول أنه متوضئ،  ولم يثبت ما يصلح ناقضا لهذا الوضوء بطريق الظن أو غلبة الظن، فيبقى الحكم السابق وهو قيام الطهارة ساري المفعول، لأن الوضوء الأول كان يقينا، فلا يقطع بالشك، أما الظن أو غلبة الظن فإنه يقطع به حكم اليقين في الأمور العملية، ومنها هذا، ولو حدث العكس، وهو أنه نقض وضوءه ثم شك في أنه هل توضأ ثانية أم لا،  فإن الحكم أن طهارته منتقضة، بدليل استصحاب الحال المقصود بهذا الأصل هو أن الإنسان غير مكلف بشيء حتى يصل إليه دليل التكليف، وإذا وصله دليل التكليف أصبح كذلك مكلفاً به حتى يأتي ناقل عنه أو ناسخ له، ولذلك يسمى هذا الأصل أيضاً بالاستصحاب، وإليك بيان هذا الإجمال. 

1- الأصل عدم التكليف حتى يثبت:

        الأصل أن الإنسان بريء من التكليف، غير محاسب على فعله حتى يبلغه دليل التكليف، وقد شرحنا هـذا في باب (المكلف) والمقصود هنا بيان أن الإنسان لا يعتبر مذنباً قبل وصول الأمر الشرعي إليه، ومعرفته به ويسمى هذا بالبراءة الأصلية أو استصحاب العدم الأصلي.. أي ملازمة عـدم التكليف حتى يرد الأمر بذلك، ويدل على هذا الأصل قوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:275) 

        وقد جاء هذا في شأن الربا حيث أخبرهم سبحانه أن ما أكلوه من الربا قبل ورود النص لا مؤاخذة به إلا بعد ورود النص، ومثل هذه الآية أيضاً قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة:115)

2- مصاحبة الدليل حتى يأتي ناقل عنه:

        والجانب الثاني من هـذا الأصل هو مصاحبة الدليل الشرعي حتى يرد ناقل عنه فمن عمل بآية أو حديث منسوخ وهو لا يعلم أن الآية قد نسخت أو أن الحديث منسوخ أو معارض بما هـو أصح منه فهو معذور في ذلك حتى يصل إليه العلم بالآية الناسخة أو الحديث الراجح كمن كان يوجب الغسل من الإنزال فقط حتى وصله إيجابه بالتقاء الختانين. 

        والخلاصة: أن المسلم يجوز أن يستدل على عمله الذي يعمله بأنه لا يعرف دليلاً شرعياً بخلافه، وأنه يعمل على البراءة الأصلية، أو استصحاب دليل ما حتى يثبت لديه ما يتعارض مع هذا الدليل ويرجح عليه.
حجيته ومذاهب الفقهاء فيه
اختلف الفقهاء في الاحتجاج بالاستصحاب واعتباره مصدرا من مصادر التشريع الإسلامي على مذاهب عديدة، وهي: 

أ‌-    مذهب جمهور الحنفية: فقد ذهبوا إلى أن الاستصحاب لا يصلح دليلا لإثبات الأحكام، ولكنه دليل صالح لنفيها أو دفعها فقط. 

ب‌-    مذهب جمهور الشافعية، والحنبلية، وبعض الحنفية: وهؤلاء اعتبروا الاستصحاب حجة في الدفع وفي الإثبات مطلقا، ما دام لم يعارضه دليل آخر. 

ج- مذهب بعض الشافعية والحنفية: وهو أن الاستصحاب ليس بحجة في الإثبات ولا في الدفع مطلقا. 

د- مذهب بعض الحنفية: وهو أن الاستصحاب حجة في الإثبات لا في الدفع، والمراد بالإثبات هنا إثبات الحكم من الناحية الإيجابية، أي إثبات وجوده،  والمراد بالدفع هو إثبات نفي الحكم وانعدامه أو زواله. 

ويتضح ذلك من المثال الآتي: رجل باع لآخر داره، فطالب الشفيع بها، وادعى أنه ملكها بحق الشفعة، فأنكر البائع أن الدار ملك الشفيع بحق الشفعة. 

فعند الشافعية: الدار للشفيع من غير بينة على ملكه إياها، لأن الملك يثبت بالبيع، والبائع لا ينكره، واستصحاب الحال يدل له في استمرار ملكيته لها ما دام لم يثبت ما ينزع هذه الملكية عنه بعد ثبوتها، فتعتبر ثابتة له بدليل استصحاب الحال، فلا يكلف بإثباتها بالبينة ثانية، وعند الحنفية عليه البينة، لأن دليل استصحاب الحال هذا غير معتبر في الإثبات عندهم، فاحتجاج الشفيع إلى البينة في إثبات حقه.


3 - سد الذرائع
سد الذرائع أصل من أصول السادة المالكية، فلقد أكثروا من العمل بهذا الأصل، حتى نُسب إلى المذهب المالكي أنه المذهب الوحيد الذي قال بالذرائع، والأمر خلاف ذلك كما زعم القرافي: "فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ وأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْه"

وقاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده. 

وقبل الحديث عن الذريعة، يحسُن بنا الإشارةُ إلى معناها لغةً واصطلاحًا:
الذريعة لغةً واصطلاحًا:
بالرجوع إلى المعاجم اللغوية نجد أن الذريعةَ في اللغة تفيد "الوَسيلَة والسَّبَب إلى شيءٍ، يُقال: فلانٌ ذَريعَتي إليكَ؛ أَي: سبَبي ووُصْلَتي الذي أَتَسَبَّبُ به إليكَ"

والمراد بها اصطلاحًا: "حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا، فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ منعنا من ذلك الفعل" ، ونقل ابنُ حزم عن أبي محمد علي بن أحمد - رحمه الله - قوله: "ذهب قوم إلى تحريم أشياء من طريق الاحتياط، وخوف أن يتذرع منها إلى الحرام البحت"

فعماد التعريف في الذريعة أنها هي كل مسألة ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور، وبيان ذلك أن الوسيلة إذا أفضت إلى مفسدة كانت فاسدة، فوجب قطع الذريعة لما ينجم عنها من مفاسد، والوسائل إذا كانت مؤدية إلى مصلحة كانت صالحة، فتكون الذريعة عندئذ غير ممنوعة.

قال القرافي: "الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة"

فحسب الإمام القرافي أن الأمور ليست بحسب مآل نية الفاعل، وإنما بحسب نتائجها وغاياتها، و هذا ما أقرَّه أبو زهرة فقال: "إن أصل سدِّ الذرائع لا يعتبر النية فيه على أنها الأمر الجوهري في الإذن أو المنع، وإنما النظر به إلى النتائج والثمرات" ، فلما كان المقصد الأساس للشريعة الإسلامية هو إقامة المصالح ودفع المفاسد، فكل ما يؤدي إلى ذلك من ذرائع وأسباب يكون له حكم ذلك المقصد الأصلي. 

ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها، علِم أن الشارع الحكيم سدَّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، وهذا سنلحظه من خلال القسم الأول من أقسام الذرائع.

أقسام الذرائع:
وقد قسم علماء أصول الفقه الذرائع خمسة أقسام:
القسم الأول: ما أدى إلى مفسدة مقطوع بها، وهذا القسم أجمعت الأمة على سدِّه ومنعه وحسمه، وقد عبَّر ابنُ القيم عن هذا القسم بقوله: "لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا"

ومن أمثلة هذا القسم - على سبيل المثال - ما يلي:
1- قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فحرَّم الله - تعالى - سبَّ آلهة المشركين - مع كون السب حميةً لله وإهانةً لآلهتهم -لكونه ذريعةً إلى سبِّ الله - عز وجل - فكانت مصلحة ترك مسبته - تعالى - أولى من مصلحة سبِّ آلهتهم، وجاء التصريح على المنع لئلا يكون سببًا في فعل الحرام. 
2- ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104]، "وذلك أن المسلمين كانوا يقولون: راعنا يا رسول الله، من المراعاة؛ أي: أَرْعِنا سمعَك، وفرغ سمعك لكلامنا، وكانت هذه اللفظة شيئًا قبيحًا بلغة اليهود، وقيل: كان معناها عندهم: اسمع لا سمعت، و قيل: هي من الرعونة"
 "فنهى تعالى المسلمين عن قولها؛ سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعةً إلى أن يقولها اليهود للنبي تشبُّهًا بالمسلمين، يقصدون بها غيرَ ما يقصده المسلمون، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنًى فاسدًا"
3- وحرم الشارع الطِّيبَ على الْمُحْرِمِ؛ لكونه من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سدِّ الذرائع.
4- وأمر - عليه السلام - أن يفرَّق بين الأولاد في المضاجع، فلا ينام الذكر مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون بابًا من تلبيس إبليس عليهما، فيتحد الفراش وهما لا يشعران؛ قال - عليه السلام -: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"
 5- ونهى المرأة عن السفر بغير محرم؛ قطعًا لذريعة الطمع فيها والفجور بها.

القسم الثاني: ملغًى إجماعًا، لأن مفسدته نادرةُ الوقوع؛ لذلك أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تُسد ووسيلة لا تُحسم، كالمنع من زراعة العنب خشيةَ الخمر، فإنه لم يقل به أحد، ومنه كذلك المنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا. 

القسم الثالث: مختلف فيه بين السدِّ والترك، وذلك كبيوع الآجال، ومثاله "كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر، فالإمام مالك يقول: إنه أخرج من يده خمسةً الآن، وأخذ عشرةً آخر الشهر، فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجلٍ توسلاً بإظهار صورة البيع لذلك، والشافعي يقول: ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره، فيُجوِّز ذلك، وهذه البيوع يقال: إنها تصل إلى ألف مسألة، اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي. وكذلك اختلف في تضمين الصناع؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم، فتتغير السلع فلا يعرفها ربُّها إذا بيعت، فيضمنون سدًّا لذريعة الأخذ، أم لا يضمنون لأنهم أُجَرَاء، وأصل الإجارة على الأمانة قولان.

وكذلك تضمين حملة الطعام لئلا تمتدَّ أيديهم إليه، وهو كثير في المسائل، فنحن قلنا بسدِّ هذه الذرائع، ولم يقل بها الشافعي"
القسم الرابع: الذرائع والوسائل المشروعة المفضية إلى البدعة، وإليه أشار الإمام الشاطبي في "الاعتصام" بقوله:
" قد يكون أصل العمل مشروعًا، لكنه يصير جاريًا مجرى البدعة من باب الذرائع" ، فضرب أمثلة لذلك منها:
1- أن يكون للمكلَّف طريقان في سلوكه للآخرة، أحدُهما أسهل والآخر صعب، فيأخذ بالطريق الأصعب ويترك الأسهل بناء على التشديد على النفس، كالذي يجد للطهارة ماءين، ساخنًا وباردًا، فيتحرَّى الباردَ الشاقَّ استعماله، بدليل إسباغ الوضوء على المكاره، فهذا لم يعطِ النفسَ حقَّها، وخالف دليلَ رفع الحرج؛ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
2- ومن ذلك الاقتصارُ على البشع في المأكل، والخشن في الملبس من غير ضرورة.
3- ومنه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صل الله عليه وسلم - لأن الناس كانوا يذهبون إليها، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة.
"فهذه الأمور جائزة أو مندوب إليها، ولكن العلماء كرهوا فعلَها؛ خوفًا من البدعة، لأن اتخاذها سنة، إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مَجرى السنن، صارت من البدع بلا شك"

القسم الخامس: تجويز الحيل  يناقض سدَّ الذرائع، فقد كتَب ابن القيم فصلاً هامًّا، بيَّن فيه الأهمية القصوى لمبدأ سدِّ الذرائع، وانتهى فيه إلى أن سدَّ الذرائع هو أحد أرباع الدين، ثم بنى عليه بحثًا في تحريم الحيلة، معتبرًا إياها رافعةً للتحريم ومسقطة للوجوب "

ومن أمثلة الحيل المفضية إلى فتح الذرائع المحرمة:
1- إبطال حيلة إسقاط الزكاة، وذلك ببيع ما في اليد من النصاب قبلَ حلول الحول، ثم استرداده بعد ذلك، وهذه حيلة محرمة باطلة.
2- ومن الحيل الباطلة لإسقاط حدِّ السرقة: أن يحفر الحرُّ السقف، ثم يدخل عبده، فيخرج المتاع من السقف.

فهذه الحيل وأمثالها لا يحلُّ لمسلم أن يفتي بها في دين الله، "ومن أفتى بها فقد قلب الإسلامَ ظهرًا لبطن، ونقض عُرى الإسلام عروةً عروةً، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ مَرْوَانَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ هَاهُنَا بِمَرْوَ، أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَبَى زَوْجُهَا عَلَيْهَا، فَقِيلَ لَهَا: لَوْ ارْتَدَدْتِ عَنْ الإِسْلَامِ لَبِنْتِ مِنْهُ، فَفَعَلْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ، حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: أَحْدَثُوا فِي الإسلامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ، أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا أُرى الشَّيْطَانَ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: قَالَ شَرِيكٌ – يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِاللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ - وَذُكِرَ لَهُ كِتَابُ الْحِيَلِ، فَقَالَ: مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ"

4 - شرع من قبلنا
شرع من قبلنا هذا المصدر يعد من المصادر الثانوية في التشريع الإسلامي وهو يحقق امتداد للأديان التي سبقت الإسلام مثل اليهودية والنصرانية وهو يربطنا بهذه الأديان علاقة تعظيم للشرائع السابقة التي بين الله بعضها في كتابه الكريم بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل ببعض أحكام دين من قبلنا كاليهودية مثلاً فقد رجم اليهودي الذي زنى وذلك عندما قال له النبي صل الله عليه وسلم " ماتجدون في كتابكم " فكان الرجم موجوداً فرجمه وهذا تشريع لنا ولكن ليس على الإطلاق في هذا الحكم.
الشريعة ليست ناسخة لجميع الشرائع السابقة
عندما ننظر في الشريعة نجد أن هناك أحكام تكررت في جميع الشرائع السابقة فعلى سبيل المثال :

  • تحريم شرب الخمر تكرر في جميع الشرائع السماوية


  • تحريم الزنا أيضاً


  • تحريم القتل كذلك


  • تحريم أكل أموال بالباطل قال تعالى : ((ياأيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله..)) فذكر ذلك تحذيراً من صنيعهم.


  • حرمة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : ((لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) فحرم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحذر منه.


  • حرمة كتم البينات على أهل الكتاب وهذه الأمة قال تعالى : ((إن الذين يكتمون ماأنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)).



وعلى هذا الأساس لايمكن أن تكون الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة بل هناك من الأحكام ماهي معمول بها عندنا الآن وسيبقى الحكم فيها إلى قيام الساعة.
تحرير النزاع وبيانه
قبل أن ندخل في خلاف العلماء لابد أن نبين وجه الاتفاق والإختلاف حتى تتضح المسألة فوجوه الاتفاق مايلي :

  • أمور العقائد لاخلاف بين العلماء أن شرع من قبلنا شرع لنا بالاتفاق إلا في مسألة سجود التعظيم الذي فعله يعقوب عليه السلام وأولاده ليوسف عليه السلام فهذا محرم في شرعنا بالاتفاق، ولكن يجب أن نعلم أن شريعتنا ليست ناسخة لأمور العقيدة في الشرائع السابقة بل مقررة لها في الغالب.


  • غير العقائد كالأحكام التي أقرتها شريعتنا كالصوم والحج فإن هذا شرع لنا بلا خلاف ومثل الأضحية التي كانت سنة متبعة في الشرائع السابقة وأخبر عنها النبي صل الله عليه وسلم بأنها سنة إبراهيم عليه السلام وسنة الأنبياء الذين من ذريته من بعده.


  • غير العقائد أيضاً كالأحكام التي نسختها شريعتنا فهي باتفاق الأصوليين ليست شرع لنا بلا خلاف بين الفقهاء والأصوليين، ومثل ذلك كجواز نكاح الأخت وتحريم أكل لحم الإبل الذي حرمه يعقوب على نفسه وغير ذلك.



وأما وجه الإختلاف في المسألة فهو : الأحكام التي لم تقرر في شريعتنا وعُلم ثبوتها ولم يرد عليها ماينسخها فهذا محل الخلاف بينهم.
اختلاف الأصوليين في هذا الأمر
اختلف الأصوليون في الأحكام التي لم تقرر في شريعتنا وعُلم ثبوتها ولم يرد عليها ماينسخها على ثلاثة أقوال هي :

  • القول الأول : قال به جمهور أهل العلم من ذلك الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وأحمد في رواية عنه راجحة أن ملقد صح من شرع من قبلنا هو في الحقيقة شرع لنا وذلك عن طريق الوحي من الكتاب والسنة لامن طريق كتبهم ويجب علينا العمل به مالم يرد خلافه.


  • القول الثاني : مذهب القلة وهم بعض الشافعية والأشاعرة والمعتزلة والرافضة وأحمد في رواية مرجوحة له : أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا وقد اختار ذلك من الأصوليين : الغزالي والآمدي والرازي وابن حزم الظاهري وبعض العلماء.


  • القول الثاث : وهو التوقف في هذه المسألة حتى يتبين الدليل الصحيح فيها وحكى هذا القول ابن القشيري وابن برهان.



.....  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:25 am

.............
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:27 am

الإجتهاد

الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة: (ج هـ د) بمعنى: بذل الجهد (بضم الجيم) في لغة أهل الحجاز  و (بفتح الجيم) في لغة غيرهم : الوسع والطاقة .

وقيل المضموم الطاقة ، وبالفتح فقط : النهاية والغاية .

فالاجتهاد في اللغة: استفراغ الوسع في أي فعل كان، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة، وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل خردلة.

وأما في اصطلاح الأصوليين، فقد عبروا عنه بعبارات متفاوتة، لعل أقربها ما نقله الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" في تعريفه بقوله: "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط".[

وبعض الأصوليين لم يكتف بكلمة "بذل الوسع" وجعل بدلها كلمة "استفراغ الوسع" بل زاد الإمام الآمدي على ذلك فقال في تعريفه: "هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه" فجعل الإحساس بالعجز عن المزيد جزءا من الحد والتعريف، أما الإمام الغزالي فجعل ذلك جزءا من تعريف "الاجتهاد التام".

قال الشوكاني في شرح التعريف:

أ. فقولنا: بذل الوسع: يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع، أن يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.

ب. ويخرج بـ "الشرعي" اللغوي والعقلي والحسي، فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها "مجتهدا" اصطلاحا.

ج. وكذلك بذل الوسع في تحصيل الحكم العلمي "الاعتقادي" فإنه لا يسمى اجتهادا عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا عند المتكلمين.

ويخرج "بطريق الاستنباط" نيل الأحكام من النصوص ظاهرا، أو حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك ـ وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي ـ لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.

و قد زاد بعض الأصوليين في هذا الحد لفظ "الفقيه" فقال: بذل الفقيه الوسع..الخ
 قال الشوكاني: ولا بد من ذلك، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهادا اصطلاحا. ومن لم يذكر هذا القيد فهو ملاحظ عنده، إذ لا يستطيع نيل الحكم بطريق الاستنباط إلا الفقيه، والمراد بالفقيه هنا: المتهيئ للفقه الممارس له، وعبروا عنه بقولهم: من أتقن مبادئ الفقه بحيث يقدر على استخراجه من القول إلى الفعل، وليس المراد: من يحفظ الفروع الفقهية فقط، على ما شاع الآن، لأن بذل وسعه ليس باجتهاد اصطلاحا.
حكم الاجتهاد التكليفي : 
لخلاف بين العلماء في أن الاجتهاد أمر مشروع وتقتضيه طبيعة هذه الشريعة التي أراد الله تعالى لها أن تكون خاتمة الشرائع السماوية كلها .
إلا أن تكييفه الشرعي من الوجوب العيني ، أو الكفائي ، أو الندب ، أو الإباحة يختلف من شخص إلى شخص ومن حال إلى حال .
1 – الوجوب العيني :
ويكون فرض عين في أربع حالات : 
أولا : على كل مسلم وجد في نفسه الأهلية لأداء الاجتهاد وسنأتي على شروطه .
ثانيا : ومنه اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به ، لأن المجتهد لايجوز له أن يقلد غيره ، لافى حق نفسه ولا في حق غيره .
ثالثا : اجتهاد المجتهد في حق غيره إذا خيف فوات الحادثة دون حكم شرعي ، فإن تضيق الوقت  : تعين على الفور ، وإن اتسع فعلي التراخي . 
رابعا : كما يتعين على مجتهد من مجتهدين توجه إليه صاحب النازلة بالاستفتاء، أو أحيلت إليه بصفته قاضيا . 
(2) وهو فرض كفاية في حالتين : 
أولا : على كل جماعة من المسلمين منفصلة عن غيرها، أو بعيدة عن جماعة فيها مجتهدون . 
ثانيا : كما يفترض على الكفاية – أيضا- إذا كان في البلد في البلد أكثر من مجتهد ، وأمكن استفتاء كل واحد منهم . 
(3) ويكون مندوبا في حالتين : 
أولا : فيما يجتهد فيه المجتهد من غير النوازل – يسبق إلي معرفة حكمها قبل حدوثها . 
ثانيا:في الجواب عن استفتاء في نوازل يتوقع نزولها  ، ولم تنزل بعد .
( 4 ) ويكون محرما فيما ورد فيه نص  ، أو وقع عليه إجماع فلا اجتهاد في ذلك

مراتب المجتهدين

1 - المجتهد الخاص :
الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام ، فيمكن أن يكون المجتهد مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره  .

ويمكن له أن يكون مجتهدا في باب من أبواب الفقه : كالفرائض مثلا أو البيوع مقلدا في غيرها . 
وهذا التجزؤ والانقسام إذا أريد به التجزؤ للعلم فقط فلا خوف فيه . 
وكذلك إذا أريد به أن تتجزأ قدرة وملكة المجتهد في جانب دون آخر ولكن خلاف العلماء الذى طال فيه الأخذ والرد بينهم هو والله أعلم فيما إذا أراد المجتهد الخاص أن يحكم باجتهاده أو يفتى غيره فيه . 
فهنا اختلف العلماء علي مذاهب في جواز تجزئة الاجتهاد : 
أولا : ذهب جمهورهم : من السنة والمعتزلة والشيعة الامامية إلي جواز تجزئة الاجتهاد . 
ثانيا : ذهب الأقلون من العلماء : إلي عدم جواز تجزئة الاجتهاد . 
ثالثا: التفصيل : حيث جوز بعضهم جواز الاجتهاد الخاص بمسائل المواريث فقط ، دون غيرها . 
قالوا : لأن الصلة بينهما وبين أبواب الفقه منقطعة ، فيمكن لإنسان أن يكون مجتهدا فيها  دون غيرها إذا استوفى شروط الموضوع . 
قال الشوكاني : " ...  ولا فرق عند التحقيق "بين الصورتين في امتناع تجزؤ الاجتهاد، فإنهم قد اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بالدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى وعدم المانع، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق، وأما من ادعى الإحاطة بما يحتاج في باب دون باب، أو في مسألة دون مسألة، فلا يحصل له شيء من غلبة الظن بذلك؛ لأنه لا يزال يجوز للغير ما قد بلغ إليه علمه، فإن قال: قد غلب ظنه بذلك؛ فهو مجازف، وتتضح مجازفته بالبحث معه."
2 - المطلق المنتسب
المجتهد المطلق _ إذا لم يكن له منهاج للاستنباط خاص به ، والتزم بمنهاج مجتهد آخر – سمي مجتهدا منتسبا ، حتى إذا كان  التزامه بمنهاج المجتهد الآخر علي سبيل الاتفاق و المصادفة ، أو أداءه إليه اجتهاده .
ووجه تسميته بالمنتسب ظاهر ، فهو منتسب إلي  مجتهد آخر فى منهج الاستنباط  الذى يمارس الاجتهاد وفقا له . 
وقد ذكر النووي لهؤلاء أربعة أحوال : 
أولا : أن لا يكون مقلدا للإمام – الذي ينتسب إليه ، ولا في المذهب ولا في الدليل ، لاتصافه بصفة المستقلة، ولكنه ينسب إليه لسلوكه طريقة في الاجتهاد . 
ويمثل لهذا الصنف بكبار أصحاب الأئمة الأربعة :
أبى يعقوب البويطي   وأبى إبراهيم المزني   بالنسبة للإمام الشافعي .
وأبى يوسف القاضي   ومحمد بن الحسن   . 
وابن الماجشون   لمذهب الإمام مالك ومثل القاضي أبى يعلى   وشيخ الإسلام ابن تيمية   في مذهب الإمام أحمد . 
وهؤلاء يشترط فيهم كل ما ذكرنا : من معرفة أدلة الأحكام  الشرعية ، من الكتاب و السنة و الإجماع والقياس ، وما التحق بها علي سبيل التفصيل . 
مع العلم بكل ما اشترط في كل دليل من تلك الأدلة ووجوه دلالتها  ، وبكيفية اقتباس الأحكام منها ، وهذا يستفاد من أصول الفقه  
كما يشترط أن يكون عارفا بعلوم القرآن والسنة والناسخ والمنسوخ ، والنحو واللغة والتصريف . واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشرط الأدلة و الاقتباس . 
وأن يكون ذا دراية وارتياض في استعمال ذلك ، عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفا ريعه . وهذا النوع من العلماء هو الذى يسقط بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين . وإلا  فالجميع آثمون حتي يوجد فيهم  مثل هذا المجتهد المطلق المستقل . وانتساب هذا الصنف إلى أئمة المذاهب المتبوعة – من حيث الأصول – لا ينزع عنهم صفة الاستقلال.

ثانيا : أن يكون المجتهد المقيد ، أو المنتسب مقيدا في مذهب إمامه ، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل ، غير أنه لا يخرج عن أصول إمامه وقواعده . 
وشرطه : أن يكون عالما بالفقه والأصول ، وأدلة الأحكام تفصيلا وأن يكون بصيرا بمسالك الأقيسة والمعانى ، تام الأرتياض في التخريج والاستنباط قادرا علي الحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله . 
وهو من هذه الناحية تبرز فيه ظاهرة التقليد ، فهو يختلف عن المستقل المطلق بأنه يتسامح معه في الإخلال بمستوى العلم  في بعض العلوم المشترطة كما أنه لا يبحث عن معارض في النصوص لأنه يفترض أن إمامه قد فعل ذلك .  
ثم أنه ينزل ما نص عليه إمامه منزلة ما نص عليه الشارع من حيث القياس عليه ، والاستنباط منه . 
ولذلك اتفق العلماء علي أن مثل هؤلاء لا يتأدى بهم فرض الكفاية في الاجتهاد . ويحتمل أن يتأدى بهم فرض الكفاية في الإفتاء .
ويمثل لهؤلاء " بأصحاب الوجوه " من علماء المذاهب الذين يخرجون   المسائل التي لم تعرض للأئمة علي المسائل التي عرضت لهم ، ويذكرون لها أحكام  طبقا لذلك  ثم  هم تارة يخرجون من نص معين لإمام ، وتارة لا يجد أحدهم النص فيخرج علي أصوله : بأن يجد دليلا علي شرط ما يحتج به إمامه فيفتى بموجبه . 
فإن نص إمامه علي شيئ ، ونص في مسأل تشبهها علي خلافه ، فخرج من أحدهما إلي الأخري إلي الأخري سمى قولا مخرجا . وشرط هذا التخريج : أن لايوجد بين نصيه فرقا ، فإن وجده وجب تقريرهما علي ظاهرهما  

ثالثهما : أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه ، لكنه فقيه النفس حافظ مذهب إمامه ، وعارف بأدلته قائم بتقريرها ، يصور ويحرر ويقرر ، ويمهد ويزيف ويرجح ، لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب ، أو الارتياض في الاستنباط أو القصور في معرفة الأصول أو نحوها من الأدوات  عن السابقين . 
قال النووي : وهذه صنعة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه التصانيف التي فيها معظم اشتغال الناس اليوم ، ولم يلحقوا الذين قبلهم فى التخريج . 
ثم قال : وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه ، ويقيسون غير المنقول عليه ، غير مقتصرين علي القياس  الجلي . ومنهم من جمعت فتاويه و لاتبلغ فى التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه . 

رابعا : أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعفا في تقرير أدلته ، وتحرير أقيسته .

وهذا  يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من  مسطورات مذهبه ، من نصوص أمامه ، وتفريع المجتهدين في مذهبه ، ومالا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه ، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز إلحاقه به و الفتوي به ، وكذا ما يعلم  اندراجه تحت ضابط ممهد في  المذهب   ، وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوي فيه . 
ويشترط لهذا الصنف أن يكون فقيها ذا حظ وافر من الفقه . 
3 - المجتهد المطلق المستقل
هو من استقل بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية ، من الكتاب و السنة والإجماع وأصول الفقه ، وما ألحق بها وما هو لازم لمعرفتها بغير تقليد وتقيد بمذهب من المذاهب .  
والشروط المتقدمة  هى الشروط الواجب توافرها فيه . ووجه تسميته بالمجتهد المطلق ظاهر فهو غير مقيد بمذهب من المذاهب، كما أن اجتهاده غير مقيد بباب من أبواب الفقه وكونه مستقلا نعنى به : أنه مستقل بمنهجه فى الاستنباط  فلا يتقيد بأصول منهج سواه ومرتبة الاجتهاد المطلق المستقل يدخل فيها كل فقهاء الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب المتبوعة: الأربعة ومن في منزلتهم مثل الأئمة: زيد بن علي وجعفر الصادق والثوري و الأوزاعي والليث بن سعد، والطبري وداود بن علي وغيرهم.

وذلك مثل الأئمة الأربعة ونحوهم .

يقول العلامة الدهلوي :
" ...و المستقل يمتاز بثلاث خصال:
إحداهما: التصرف في الأصول التي عليها بناء مجتهداته.
الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة، والذي نرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك ثلثا علم الشافعي.
الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها، أخذا من تلك الأدلة. "
المجتهد فى مسألة
جوز البعض ذلك فقال ابن دقيق العيد: وهو المختار؛ لأنها قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية، حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمأخذ أمكن الاجتهاد.
قال الغزالي: والرافعي: يجوز أن يكون العالم منتصبا للاجتهاد في باب دون باب.
وذهب آخرون إلى المنع؛ لأن المسألة في نوع من الفقه، ربما كان أصلها في نوع آخر منه.
احتج الأولون: بأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لزم أن يكون المجتهد عالما بجميع المسائل، واللازم منتفٍ، فكثير من المجتهدين قد سئل فلم يجب، وكثير منهم سئل عن مسائل، فأجاب في البعض، وهم مجتهدون بلا خلاف.
ومن ذلك ما روي أن مالكا سئل عن أربعين مسألة، فأجاب في أربع منها، وقال في الباقي: لا أدري.  
قال الزركشي:"  وكلامهم يقتضي تخصيص الخلاف بما إذا عرف بابًا دون باب، أما مسألة دون مسألة فلا يتجزأ قطعًا، والظاهر جريان الخلاف في الصورتين، وبه صرح الأبياري . "

وقال المحقق ابن القيم في "إعلامه":
"الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو من باب من أبوابه، كمن استفرغ وسعه في نوع من العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب: فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه.
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها، وعدم تعلقها بها، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.
فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟
قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق".

كيفية ممارسة الإجتهاد
إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :

1.    يعرضها على نصوص كتاب الله .
2.    فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة. 
3.    فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4.    فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5.    فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6.    فإن وجد مخصصا: حكم به .
7.    وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة )  .
8.    فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9.    فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .

والقياس من وجهين : 
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .  
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه 
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .

هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صل الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .    
 


 إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :

1.    يعرضها على نصوص كتاب الله .
2.    فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة. 
3.    فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4.    فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5.    فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6.    فإن وجد مخصصا: حكم به .
7.    وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة )  .
8.    فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9.    فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .

والقياس من وجهين : 
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .  
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه .
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .

هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صل الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .

أهمية وجود المجتهد
هل يجوز خلو العصر عن المجتهدين أم لا؟
فذهب جمع إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد، قائم بحجج الله، يبين للناس ما نزل إليهم.
قال بعضهم: ولا بد أن يكون في كل قطر من يقوم به الكفاية؛ لأن الاجتهاد من فروض الكفايات.
قال ابن الصلاح: الذي رأيته في "كلام"* الأئمة يشعر بأنه لا يتأتى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد، قال: والظاهر أنه لا يتاتى في الفتوى. 
وقال بعضهم: الاجتهاد في حق العلماء على ثلاثة أضرب: فرض عين، وفرض كفاية، وندب.
وهذا قول الحنابلة، وألف فيه الحافظ السيوطي رسالته: "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".
قال الشوكاني: ولا يخفاك أن القول بكون الاجتهاد فرضا يستلزم عدم خلو الزمان عن مجتهد، ويدل على ذلك ما صح عنه صل الله عليه وسلم من قوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة".
ولكن المخالفين خرجوا من هذا الإلزام بأن المجتهد في الفتوى على مذهب من المذاهب يتأدى به فرض الكفاية، كما ذكر ـ النووي ـ.
ولذا ذهب آخرون إلى جواز خلو العصر من مجتهد مطلق، وأيدوا ذلك بالواقع التاريخي في نظرهم، وعزاه الزركشي في "البحر" إلى الأكثرين!
وبه جزم الفخر الرازي في "المحصول". وقال الرافعي: "الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم".
قال الزركشي: ولعله أخذه من كلام الإمام الرازي أو من قول الغزالي في الوسيط: "قد خلا العصر من المجتهد المستقل".
قال الزركشي: "ونقل الاتفاق فيه عجيب، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة وساعدهم بعض أئمتنا".
والحق أن الفقيه فطن للقياس كالمجتهد في حق العامي لا الناقل فقط.
وقالت الحنابلة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت.
فقال الأستاذ: وتحت قول الفقهاء لا يخلى الله زمانا من قائم بالحجة أمر عظيم وكأن الله ألهمهم ذلك، ومعناه: أن الله تعالى لو أخلى زمانا من قائم بالحجة لزال التكليف.
وقال الزبيري: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان، ولكن ذلك قليل من كثير، فأما أن يكون غير موجود كما قال الخصم فليس بصواب، لأنه لو عدم الفقهاء، لم تقم الفرائض كلها. ولو عطلت الفرائض كلها لحلت الثلمة بذلك في الخلق كما جاء في الخبر "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار. انتهى الزركشي.
وقال ابن دقيق العيد: هذا هو المختار عندنا لكن إلى الحد الذي تنتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان، وقال في شرحه خطبة الإلمام: والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة، والأمة الشريفة لابد لها من سالك إلى الحق على واضح الحجة، إلى أن يأتي الله بأشراط الساعة الكبرى.
قال الزركشي:
ومراده بالأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها مثلا. وله وجه حسن وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية.
ثم قال الزركشي:
وأما قول الغزالي: "وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل" فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين فقيل: المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك، وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد، والقفال نفسه كان يقول للسائل: تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟ وقال هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين: لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه! فهذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد، وكذلك ابن دقيق العيد، كما نقله ابن الرفعة.
قال الزركشي:
والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة. وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب، فلا يجوز العمل بغيرها، انتهى من الزركشي ملخصا.
وقال صاحب فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: "ثم إنه قد استدل بما صرح به حجة الإسلام قدس سره والرافعي والقفال بأنه وقع في زماننا هذا الخلو، وفيه ما فيه، لأن وقوع الخلو ممنوع، وما ذكروه مجرد دعوى. والإمام حجة الإسلام ـ وإن كان من جملة الأولياء ـ لا يصلح حجة في الاجتهاديات، ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي، واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب. وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة، حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء الأربعة قال: وهذا كله من هوساتهم! لم يأتوا بدليل، ولا يعبأ بكلامهم، وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم "أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"! ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله. 
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: "وما قاله الغزالي رحمه الله من أنه قد خلا العصر عن المجتهد قد سبقه إلى القول به القفال ولكنه ناقض ذلك فقال: إنه ليس بمقلد للشافعي وإنما وافق رأيه رأيه، كما نقل ذلك عن الزركشي".
وقال: قول هؤلاء القائلين بخلو العصر عن المجتهد مما يقضي منه العجب. فإنهم إن قالوا ذلك باعتبار المعاصرين لهم، فقد عاصر القفال والغزالي والرازي والرافعي من الأئمة القائمين بعلوم الاجتهاد على الوفاء والكمال جماعة منهم.
ومن كان له إلمام بعلم التاريخ والاطلاع على أحوال علماء الإسلام في كل عصر، لا يخفى عليه مثل هذا، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من جمع الله له من العلوم فوق ما اعتده أهل العلم في الاجتهاد.
وإن قالوا ذلك لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار أن الله عز وجل رفع ما تفضل به على من قبل هؤلاء من هذه الأمة، من كمال الفهم، وقوة الإدراك والاستعداد للمعارف فهذه دعوى من أبطل الباطلات، بل هي جهالة من الجهالات.
وإن كان ذلك باعتبار تيسر العلم لمن قبل هؤلاء المنكرين، وصعوبته عليهم، وعلى أهل عصورهم، فهذه أيضا دعوى باطلة. فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين تيسيرا لم يكن للسابقين، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت، وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره، والسنة المطهرة قد دونت، وتكلم الأئمة على التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد.
وقال الزركشي في البحر: ولم يختلف اثنان في أن ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد.
ثم قال الشوكاني: "وبالجملة فتطويل البحث في مثل هذا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أمره أوضح من كل واضح، وليس ما يقوله من كان من أسارى التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه من العلم ما يخرج به عن تقليد الرجال".
ثم قال: "ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل! ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده! ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة! ثم قال: فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة، وإنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة، كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء، فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصا بمن كانوا في العصور السابقة، ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم، ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله وسنة رسوله، فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة الزائفة؟ وهل النسخ إلا هذا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم" انتهى الشوكاني.
قال الإمام ابن القيم:
 "وهو يرد على جماعة المتعصبين للتقليد في كتابه "إعلام الموقعين" في الوجه الحادي والثمانين من أوجه الرد على المقلدين: إن المقلدين حكموا على الله قدرا وشرعا بالحكم الباطل جهارا، مخالفا لما أخبر به رسوله صل الله عليه وسلم فأخلوا الأرض من القائمين لله بحجته وقالوا: لم يبق في الأرض عالم منذ الأعصار المتقدمة، فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة، وأبو يوسف، وزفر بن الهذيل، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وهذا قول كثر من الحنيفية، وقال بكر بن العلاء القشيري المالكي: ليس لأحد أن يختار بعد المائتين من الهجرة، وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي، واختلف المقلدون من أتباعه فيمن يؤخذ بقوله من المنتسبين إليه، ويكون له وجه يفتى، ويحكم به ممن ليس كذلك، وجعلوهم ثلاث مراتب: طائفة أصحاب وجوه كابن سريج والقفال وأبي حامد (أي الأسفراييني)، وطائفة أصحاب احتمالات، كأبي المعالي، وطائفة ليسوا أصحاب وجوه ولا احتمالات كأبي حامد (أي الغزالي) وغيره. "


.....  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:29 am

..... تابع
الإجتهاد


شروط الاجتهاد
وهى شروط شخصية وشروط علمية
الشروط الشخصية
أولا : البلوغ و العقل وهما شرطان عامان يشترطان باعتبارهما مناط التكليف ولما كان الاجتهاد من الأمور التكليفية سواء قلنا أنه واجب أو مندوب فإن من المناسب ذكر البلوغ والعقل  كشرطين لمشروعيته   . 
ثانيا : واشرط بعضهم الحرية والذكورة ، والصحيح عدم شرطيتهما ، لأن  الكثيرين من علماء التابعين كانوا يرجعون إلى فتاوى نافع – مولى ابن عمر – وعكرمة – مولى ابن عباس – وكانا رقيقين   . 
ورجوع فقهاء الصحابة إلى أم المؤمنين عائشة وغيرها من أزواج رسول الله – صل الله عليه وسلم – أمر شائع ومعروف .   

ثالثا : شدة الفهم ، أو ما عبر عنه السبكي في جمع الجوامع ب " فقيه النفس " وشرحه الجلال المحلي بقوله : " أي شديد الفه بالطبع لمقاصد الكلام " . وقال الإمام الرازي : أن يكون عارفا بمقتضى اللفظ ومعناه . 

رابعا : الإيمان وهذا الشرط من الشروط المعروفة بداهة ، ولم يكن هناك داع لذكره لولا أن بعض الأصوليين أشترط وجود المجتهد الكافر.

خامسا: العدالة ، وذلك بأن يجتنب جميع المعاصي القادحة في العدالة ليمكن قبول فتواه : فمن لم يكن عدلا لا تقبل فتواه .وهذا الشرط ليس شرطا للتمكن من الاجتهاد،بل هو شرطا لقبول ما يؤديه اجتهاده إليه عنه
الشروط العلمية
هناك شروط علمية متفق عليها وشروط علمية مختلف عليها
الشروط العلمية المتفق عليها وهى
1 - اتقان اللغة العربية
قال الغزالي: والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة، وأن يتعمق في النحو، بل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويستولي به على مواقع الخطاب، ودرك حقائق المقاصد منه.
2 - اتقان علوم القرآن
أن يكون عالما بالقرآن  ، ودقائق الأحكام فيه ، عامها و خاصها و ناسخها و منسوخها،مطلقها ومقيدها ، محكمها و متشابهها ، وسائر ما يتعلق بها من أحكام  وهو ـ كما قال الشاطبي ـ كلية الشريعة ـ وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر المسلمة، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}  فلا بد من معرفته لأن من لم يعرف القرآن لم يعرف شريعة الإسلام.
وقد ذكر الغزالي هنا تخفيفين :
أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما يتعلق بالأحكام منه، قال: وهو مقدار خمسمائة آية.
ووافق الغزالي على هذا التقدير القاضي ابن العربي، والرازي وابن قدامة و القرافي وغيرهم
3 - العلم بمواقع الإجماع

         بحيث يعرف الأحكام التي أجمع عليها أهل العلم حتى لا يفتى بخلافها ، وذلك حرام .

قال الغزالي: "والتخفيف في هذا الأصل: أن لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كل مسألة يفتى فيها، فينبغي أن يعلم أن فتواه ليس (كذا) مخالفا للإجماع، إما بأن يعلم أنه موافق مذهب من مذاهب العلماء، أيهم كان، أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض، فهذا القدر فيه كفاية".

والمهم هنا أن يثبت الإجماع بيقين لا شك فيه، فإذا استيقن المجتهد الإجماع في مسألة، فليوفر على نفسه عناء الاجتهاد، فقد فرغت منها الأمة التي أبى الله أن يجمعها على ضلالة.

تنبيهات مهمة حول الإجماع
 يقول الدكتور يوسف القرضاوي : وأحب أن أنبه هنا إلى عدة أمور:
1. إن هذا الشرط إنما يشترطه من يقول بحجية الإجماع، ويرى أنه دليل شرعي كما نبه على ذلك الشوكاني فأما من يقول بعدم إمكانه، أو بعدم وقوعه أو بعدم العلم به، أو بعدم حجيته، فلا موضع لهذا الشرط عنده.
2. إنه قلما يلتبس على من بلغ رتبة الاجتهاد ما وقع عليه الإجماع من مسائل الفقه، كما قال الشوكاني، وقد جمعتهما بعض الكتب المختصرة مثل "مراتب الإجماع" لابن حزم، و"الإجماع" لابن المنذر.
3. إن كثيرا مما ادعى فيه الإجماع من مسائل الفقه قد ثبت فيه الخلاف، وقد لمست هذا بنفسي، وأنا أبحث في "فقه الزكاة" في عدد من المسائل، وهذا ما جعل الإمام أحمد يقول كلمته المشهورة: "من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه، لعل الناس اختلفوا وهو لا يدري".
ومن ذلك: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته في مسائل "الطلاق الثلاث" والحلف بالطلاق، أي الطلاق الذي يراد به الحمل على شيء أو المنع منه وغير ذلك مما أخذت به قوانين الأسرة في كثير من البلاد الإسلامية، وتبناه الجم الغفير من علماء العصر، إنقاذا للأسرة المسلمة من التفكك والانهيار الذي هددها قرونا، ساد فيها الاتجاه القائل بالتوسع في إيقاع الطلاق حتى ادعى فيه الإجماع.. ومثل ذلك "قانون الوصية الواجبة" الذي أخذ به بناء على مذهب بعض السلف في العمل بآية البقرة، وإنها محكمة غير منسوخة: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}  [البقرة:180].
4. أن من الإجماع ما يقبل الإبطال بإجماع جديد. وذلك فيما بنى الإجماع فيه على عرف تبدل، أو مصلحة زمنية تغيرت، لأن المصلحة المذكورة هي علة الحكم، والمعلول يدور مع علته وجودا وعدما.
صحيح أن الجمهور منعوا ذلك، لأن كون الإجماع حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له، وجوزه أبو عبدالله البصري، وقال: إنه لا يقتضي ذلك، لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية، هي حصول إجماع آخر، قال الصفي الهندي: ومأخذ أبي عبدالله قوي، وقال الرازي: وهو الأولى.
وكذلك ذكر العلامة البزدوي: أن الإجماع الاجتهادي يجوز أن ينسخ بمثله. وينبغي حمل كلام الجمهور في عدم الجواز على الإجماع النقلي، أي المبني على دليل نقلي من كتاب أو سنة، فإن الإجماع الثاني لا يتصور إلا بحدوث دليل جديد من كتاب أو سنة، وهو غير ممكن بعد انقطاع الوحي.
5. أن بعض مواضع الإجماع النقلي ذاته قابلة للاجتهاد إذا كان النص مبنيا على رعاية عرف معين أو مصلحة معينة، فتبدل العرف أو تغيرت المصلحة.
مثال ذلك: إجماعهم على أن للزكاة نصابين متفاوتين: أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، بناء على ما صح من أحاديث، وما ورد من آثار، بأن للفضة نصابا هو مائتا درهم، وللذهب نصابا هو عشرون دينارا، أو عشرون مثقالا.
وذلك أن هذا الإجماع مبني على عرف قائم في عصر النبوة، وهو وجود عملتين متداولتين في المجتمع، إحداهما من الدراهم الفضية القادمة من فارس والأخرى من الدنانير الذهبية الواردة من دولة الروم، وكان الدينار حينئذ يصرف بعشرة دراهم، فقدر النصاب بمبلغين متساويين في القيمة وقتها.
ولكن الوضع تغير، وخاصة في عصرنا، فأصبحت قيمة النصاب إذا قدر بالفضة دون نصاب الذهب بمراحل. فاقتضى الاجتهاد الصحيح توحيد النصاب، واعتباره بالذهب، لأنه وحدة التقدير التي احتفظت بثباتها النسبي على مر العصور.
وقد أدخل بعض الباحثين هنا ـ مع شرط العلم بمواضع الإجماع ـ العلم بمواضع الخلاف، لما لها من أهمية في تكوين ملكة الفقه والاطلاع على مداركه، ومسالك الاستنباط فيه.
ورأيي أن هذا يدخل في شرط آخر مختلف فيه، وهو معرفة فروع الفقه وهل هي لازمة أو لا؟ وسنعرض لذلك فيما بعد
4 - العلم بالسنة
أن يكون عالما بالسنة القولية والفعلية و التقريرية، في كل الأمور التي يتصدى فيها للاجتهاد فيها ، كما يجب أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ منها ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، وطرق الرواية ، وإسناد الأحاديث ، وكل ما يتعلق بعلوم السنة .  
ولم يشترطوا العلم بجميع ما جاء في السنة، فهي بحر زاخر، وإنما اشترطوا معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام فلا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ والقصص وأحكام الآخرة ونحوها.
5 - العلم بمقاصد الشريعة
6 - معرفة أصول الفقه
وقد اعتبره الإمام الرازي أهم العلوم للمجتهد ، وهذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه الذى تقوم عليه أركان بنائه فعلى من يريد التصدي لشرف الاجتهاد أن يعنى بهذا العلم قدر طاقته ، وأن يبذل في تحصيله غاية جهده وقد أطنب الإمام الرازي ومن قبله الإمام الغزالي في امتداح " أصول الفقه " وبيان أهميته للمجتهد أكثر من سائر العلوم المشترطة .

قال العلامة الشوكاني: الشرط الرابع أن يكون عالما بأصول الفقه، لاشتماله على ما تمس الحاجة إليه، وعليه أن يطول الباع فيه، ويطلع على مختصراته ومطولاته بما تبلغ به طاقته، فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد، وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه، وعليه أيضا أن ينظر في كل مسألة من مسائله نظرا يوصله إلى ما هو الحق فيها، فإنه إذا فعل ذاك تمكن من رد الفروع إلى أصولها بأيسر عمل.. وإذا قصر في هذا الفن صعب عليه الرد، وخبط فيه وخلط. 
قال الفخر الرازي في المحصول وما أحسن ما قال: إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه. انتهى.
وقال الغزالي: "إن أعظم علوم الاجتهاد يشتمل على ثلاثة فنون: الحديث واللغة وأصول الفقه.
معرفة  القياس :
ويدخل في العلم بأصول الفقه: العلم بالقياس وقوانينه وضوابطه وشرائطه المعتبرة، وما يدخل فيه القياس وما لا يدخل، ومعرفة أوصاف العلة التي يبنى عليها القياس، ويلتحق الفرع بالأصل، لأن القياس ـ كما قال الأسنوي ـ قاعدة الاجتهاد والموصل إلى الأحكام التي لا حصر لها.
ولهذا جعله بعضهم شرطا مستقلا، بل بعضهم جعل الاجتهاد والقياس بمعنى واحد، والصواب أن الاجتهاد أعم من القياس، فهو يشمل الاجتهاد بطريق الاستنباط من النص، والاجتهاد بطريق القياس على المنصوص، والاجتهاد عن طريق الاستصلاح أو الاستحسان ونحوها من الأدلة فيما لا نص فيه.
ولا داعي لجعل معرفة القياس شرطا مستقلا، بعد اشتراط التمكن من علم أصول الفقه، فهو ـ كما قال الشوكاني ـ باب من أبوابه، وشعبة من شعبه. 
وكذلك ينبغ على المجتهد أن يكون عارفا بعلم القواعد الفقهية وعلى معرفة بالنظريات الفقهية ، والأشباه والنظائر و علم الخلاف فقد قال قتادة:" من لم يعرف الخلاف لم يشم أنفه رائحة الفقه
7 - معرفة الناس والحياة
وهنا شرط لم يذكره الأصوليون في شروط الاجتهاد، وهو معرفة المجتهد بالناس والحياة من حوله، وذلك أنه لا يجتهد في فراغ، بل في وقائع تنزل بالأفراد والمجتمعات من حوله، وهؤلاء تؤثر في أفكارهم وسلوكهم تيارات وعوامل مختلفة: نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فلابد للمجتهد أن يكون على حظ من المعرفة بأحوال عصره وظروف مجتمعه، ومشكلاته وتياراته الفكرية والسياسية والدينية، وعلاقاته بالمجتمعات الأخرى ومدى تأثره بها، وتأثيره فيها.
ولقد نقل ابن القيم عن الإمام أحمد، أنه قال: "لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
 أولها  :  أن يكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور .
 والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار و سكينة . 
والثالثة : أن يكون قويا على ما هو فيه ومعرفته. 
 والرابعة: الكفاية (أي من العيش) وإلا مضغه الناس. 
 والخامسة: معرفة الناس". 
وقال ابن القيم في شرح الخصلة الخامسة "معرفة الناس": هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وتصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال.. بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان، والمكان، والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله.  
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
وهذا في الواقع ليس شرطا لبلوغ مرتبة الاجتهاد، بل ليكون الاجتهاد صحيحا واقعا في محله.
وأكثر من ذلك أن نقول: أن على المجتهد أن يكون ملما بثقافة عصره، حتى لا يعيش منعزلا عن المجتمع الذي يعيش فيه ويجتهد له، ويتعامل مع أهله.
الشروط العلمية المختلف فيها
1 - معرفة علم المنطق
فقد رأى الإمام الغزالي أن معرفة هذا العلم مهمة بالنسبة للمجتهد و سماه "معيار العلوم" بل هو لازم في نظره لكل من اشتغل بفن من فنون العلم، حتى يوثق بعلمه، لأنه (الآلة القانونية التي تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر).
وقد تحدث عن ذلك في مقدمة "المستصفى" وقد تبعه على ذلك الرازي في "المحصول" والبيضاوي في "المنهاج" ومشى عليه شراح "المنهاج" مثل: الأسنوي و البدخشي. 
بيد أن هناك من لم يوافق الغزالي على ذلك، حتى إن من العلماء من حرم تعلم المنطق مثل ابن الصلاح والنووي كما ذكر ذلك صاحب "السلم" فكيف يعد شرطا ضروريا من يراه بعض العلماء حراما؟!
وقد نقد شيخ الإسلام ابن تيمية المنطق نقدا علميا في كتابين له: كبير وصغير، وبين أن المنطق لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، ولخص ذلك السيوطي في كتابه "صون المنطق والكلام عن علم المنطق والكلام".
ونقل السيوطي في رسالة "الرد على من أخلد إلى الأرض" عن ابن تيمية في كتابه "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان" قوله: من قال من المتأخرين أن تعلم المنطق فرض على الكفاية، وأنه من شروط الاجتهاد، فإنه يدل على جهله بالشرع وبفائدة المنطق وفساد هذا القول معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فإن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم، ويكمل علمهم وإيمانهم، قبل أن يعرفوا منطق اليونان.
وسبق ابن تيمية بذلك فلاسفة العصر الحديث في أوروبا، الذين ثاروا على هذا المنطق الصوري، ودعوا إلى المنطق الاستقرائي، وهو الذي قامت على أساسه العلوم التجريبية الحديثة، وهو في الحقيقة مقتبس من الحضارة الإسلامية ولعل مما يفيد هنا الاطلاع على "مناهج البحث العلمي" في صورتها المعاصرة، والاستفادة منها.
وبهذا نرى أن معرفة المنطق ليست شرطا للاجتهاد، كيف ولم يكن يعرفه أحد من الأئمة المتبوعين؟ ولكن قد تفيد دراسته لإلزام الخصم، وفهم بعض الكتب القديمة التي تستخدم طرائقه ومصطلحاته في الاستدلال، وترتيب المقدمات للوصول إلى النتائج.
وأهم من هذا الشرط: أن يكون العالم جيد الفهم، نير البصيرة، سليم التقدير، ذا عقلية متهيئة لهذا النوع من العلم "علم استنباط الأحكام من الأدلة"، وهو ما عبر عنه بعضهم بأن يكون "فقيه النفس".
2 - معرفة علم الكلام
من العلماء من اشترط في المجتهد أن يكون عالما بعلم الكلام  أو علم أصول الدين –كما يسميه البعض أو علم التوحيد، وما يتعلق بالاعتقاد، فمنهم من يشترط ذلك، وهم المعتزلة، ومنهم من لم يشترط وهم الجمهور.
ومنهم من فصل فقال: يشترط العلم بالضروريات، كالعلم بوجود الرب سبحانه وصفاته وما يستحقه والتصديق بالرسل وبما جاءوا به، ولا يشترط العلم بدقائقه.
وإليه ذهب الآمدي - فى الإحكام - قال : " فلا يشترط في المجتهد أن يكون متبحرا في علم الكلام كالمشاهير من المتكلمين ، بل أن يكون عارفا بما يتوقف عليه الإيمان ولا يشترط أن يكون مستند علمه في ذلك الدليل المفصل ، بل يكفى أن يكون عالما بأدلة هذه الأمور من جهة الجملة ، لا من جهة التفصيل "  .
ويرى الكتور القرضاوي  أن هذا العلم ليس بضروري للمجتهد في الفقه، وحسبه أن يكون مسلما صحيح العقيدة، وقد كان من أئمة السلف من ينكر "علم الكلام"، وهو مروي عن مالك والشافعي وأحمد، فرأي الجمهور هو الأولى.
على أنه لا يتصور أن يوجد مسلم عالم بالقرآن والسنة، لا يعرف أصول دينه بأدلته.
كيف والقرآن الحكيم حافل بروائع الأدلة والبراهين العقلية على وجود الله تعالى ووحدانيته واتصافه بكل كمال، وتنزهه عن كل نقص، وعلى صدق رسله، وعدالة حكمه وعلى إمكان البعث، وضرورة الجزاء..الخ ما هو مثبوت في آيات الكتاب العزيز؟
3 - معرفة فروع الفقه
كذلك اشترط بعض العلماء أن يكون المجتهد على معرفة بفروع الفقه، فذهب جماعة منهم الأستاذ أبو إسحاق والأستاذ أبو منصور إلى اشتراطه.
بينما ذهب الجمهور إلى عدم اشتراطه. فقالوا: "وإلا لزم الدور، قالوا: كيف يحتاج إليها ـ أي الفروع ـ وهو الذي يولدها بعد حيازته لمنصب الاجتهاد"؟  
قال الغزالي: "فأما الكلام و تفاريع الفقه، فلا حاجة إليهما، كيف يحتاج إلى تفاريع الفقه، وهذه التفاريع يولدها المجتهدون، ويحكمون فيها، بعد حيازة منصب الاجتهاد؟ فكيف تكون شرطا في منصب الاجتهاد، وتقدم الاجتهاد عليها شرط؟" ثم قال: "نعم إنما يحصل منصب الاجتهاد في زماننا بممارسته، فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان، ولم يكن الطريق في زمان الصحابة، ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا".
وما قال الغزالي صحيح، فتحصيل الدربة، وتكوين الملكة، لا يتأتى إلا بالممارسة للفقه، ومطالعة ما ولده المجتهدون من قبل، ومعرفة مداركهم ومآخذ أقوالهم وطرائق اجتهادهم، وتنوع مشاربهم ومنازعهم في الاستنباط والاستدلال.
ولهذا كانت معرفة الفقه لازمة، وبخاصة مواضع الاختلاف فيه، وأسبابها، وأدلة كل منها، فهذا هو الذي يكون العقلية المتهيئة للاجتهاد.

وجوه الإجتهاد
من المعلوم من الدين بالضرورة أن جميع وجوه نشاط المسلم الفكرية والعقلية والقلبية ، المتعلقة بالجوارح يجب أن تكون محكومة بأحكام الإسلام ، فالإسلام ما هم إلا الانقياد التام ، والاستسلام الكامل لا حكام الله تعالى ورسوله صل الله عليه وسلم .
وهذا لا يتم بطريق النص ، والاجتماع المستند إليه ولما كانت النصوص متناهية، والحوادث غير متناهية كان لابد من الاجتهاد فى طلب الحق .
اجتهاد العلماء فيما لا نص فيه يكون في ثمانية أقسام على ما ذكر الماوردي وتبعه الشوكاني وهى : كما قال الماوردي :

الاجتهاد بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينقسم إلى ثمانية أقسام:
أحدها:
ما كان الاجتهاد مستخرجا من معنى النص، كاستخراج علة الربا، فهذا صحيح عند القائلين بالقياس.
ثانيها:
ما استخرجه من شبه النص، كالعبد، لتردد شبهه بالحر في أنه يملك؛ لأنه مكلف، وشبهه بالبهيمة في أنه لا يملك؛ لأنه مملوك، فهذا صحيح، غير مدفوع عند القائلين بالقياس والمنكرين له، غير أن المنكرين له جعلوه داخلا في عموم أحد الشبهين.
ثالثها:
ما كان مستخرجا من عموم النص، كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}  فإنه "يعم الأب والزوج والمراد به"* أحدهما، وهذا صحيح يتوصل إليه بالترجيح.
رابعها:
ما استخرج من إجماع النص كقوله في المتعة {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} 3 فيصح الاجتهاد في قدرة المتعة باعتبار حال الزوجين.
خامسها:
ما استخرج من أحوال النص كقوله في التمتع: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}  فاحتمل صيام السبعة إذا رجع في طريقه، وإذا رجع إلى أهله، فيصح الاجتهاد في تغليب إحدى الحالتين على الأخرى.
سادسها:
ما استخرج من دلائل النص، كقوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}  فاستدللنا على تقدير نفقة الموسر بمدين، بأن أكثر ما جاءت به السنة في فدية الآدمي أن لكل مسكين مُدَّين، واستدللنا على تقدير نفقة المعسر بمد بأنه أقل ما جاءت به السنة في كفارة الوطء، أن لكل مسكين مدا.
سابعا:
ما استخرج من أمارات النص، كاستخراج دلائل القبلة لمن خفيت عليه من قوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}  فيكون الاجتهاد في القبلة بالإمارات والدلائل عليها، من هبوب الرياح، ومطالع النجوم.
ثامنها:
ما استخرج من غير نص ولا أصل، فاختلف في صحة الاجتهاد، فقيل لا يصح حتى يقترن بأصل.
وقيل: يصح لأنه في الشرع أصل.

خطأ المجتهد وإصابته
الخطأ في الاجتهاد :
لمَّا كانَ الاجتهادُ تنزيلاً للقواعِدِ والعُمومَاتِ الشَّرعيَّةِ على المسائلِ المُعيَّنةِ بنظرِ المُجتهِدِ، فإنَّهُ مهمَا قويَتْ ملكَتُه وقُدرتُه فقولهُ غيرُ معصومٍ، فيجوزُ عليه الخطأُ، ومن أجلِ هذا وقعَ الاختلافُ بينَ الفُقهاءِ، إلاَّ أنَّهُ لما كانَ قصدُ المجتهدِ إصابَةَ الحقِّ من الدِّينِ، كانَ خطؤهُ مغفورًا، بلْ لجلالةِ قدْرِ الاجتهادِ فإنَّهُ لم يُجازَ بمُجرَّدِ العُذرِ في الخطإ، إنَّما أثيبَ على ما بذلَ من الجُهدِ في الاجتهادِ، كما قال النَّبيُّ - صل الله عليه وسلم -:" إذا حكَمَ الحاكِمُ فاجتَهَدَ ثمَّ أصابَ فلهُ أجرانِ، وإذا حَكَم فاجتهَدَ ثمَّ أخطأَ فلهُ أجرٌ "
[متفقٌ عليه عن عمرِو بن العاصِ وأبي هريرَةَ].


تحرير محل النزاع : 
قبل أن نبين آراء العلماء وأدلته في هذه المسألة ، ينبغى أن نحرر أولا محل النزاع، ومحل الوفاق حتى يكون البحث عل بينة :
إن الأمور التي فيها الاجتهاد إما أن تكون قطعية أو ظنية : 
فإن كانت قطعية فالمخطئ آثم بلا خلاف ... لأن الحق فيها واحد ، فمن أصابه فهو الحق ، ومن أخطاء فهو المبطل ، سواء أكان مدرك ذلك عقليا محضا ، كحدوث العالم ، ووجود الصانع جل وعلا ، أم شرعيا مستندا إلى ثبوت أمر عقلي ، كعذاب القبر ، والصراط والميزان   . 
أما المسائل الظنية فهى محل الخلاف : منشأ الخلاف في هذا : هل لله تعالى في كل مسألة حكم معين ، من أصابه فهو المصيب ، ومن أخطأه فهو المخطئ ، أو أن الحكم متعدد  ؟ 
وللعلماء في هذه المسألة مذهبان : 
المذهب الأول: 
أن المصيب واحد، ومن عداه مخطئ ، وهو مذهب جمهور الأصوليين من أهلة السنة والجماعة .   
واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي : 
أولا – بقول الله – تعالى – ( وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما .. )  . 
ومحل الشاهد في الآية : أن الله تعالى خص " سليمان " عليه السلام يفهم الحق في الواقعة المذكورة ، وهذا يدل على أن الحق فيها واحد
وقد اعترضت الإمام الغزالي على الاستدلال بهذه  الآية بعده اعتراضات ورد العلماء على هذه الاعتراضات . 

ثانيا – استدل الجمهور – أيضا على صحة مذهبهم بقول الرسول – صل الله عليه وسلم - : " إذا حكم فاجتهد فأصاب فله أجران  وإذا حكم فاجتهد فأخطاء فله أجر واحد "   . 
ووجه الاستدلال بالحديث واضح ، وهو اشتماله على الخطأ والصواب في الاجتهاد ، وفي هذا دلالة علي أن المجتهد يخطئ ويصيب ، وأن الحق واحد ،  من أصابه فقد أصاب ، ومن أخطأه فقد أخطأ .   
ثالثا : الإجماع : الدليل الثالث للجمهور هو الإ جماع ، وهو من أقوى الأدلتة على مدعاهم ، فقد أجمع الصحابة _ رضي الله عنهم – على إطلاق لفظ " الخطأ " في الاجتهاد ، ولم ينكر بعضهم على بعض وهذا يدل على أن الحق واحد . 
والأمثلة كثيرة على ذلك منها : 
ما روي عن أبى بكر – رضي الله عنه - حين سئل عن الكلالة قال : " أقول فيه برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان "  

رابعا – المعقول : 
استدل الجمهور على مذهبهم بالمعقول فقالوا : إن القول بتصويب المجتهدين يفضى عند اختلافهم بالنفي والإثبات ، أو بالحل والحرمة في مسألة واحدة إلى الجمع بين النقيضين ، وهذا محال ، فما أفضي إلي المحال فهو المحال   . 

المذهب الثاني : 
أن كل واحد من المجتهدين مصيب ، وأن الحق متعدد ، فليس في الواقعة التي لا نص فيها حكم معين ، وإنما هو تابع لظن المجتهد وهو مذهب أبى بكر الباقلاني ، والغزالي في المستصفى ، وبعض المعتزلة ، وغيرهم  . 
واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي : 
1.    بقول الله تعالى : في حق داود وسليمان – عليهما السلام : ( وكلا آتينا حكما وعلما ) .ووجه الدلالة – من الآية والرد عليه يعلم مما تقدم في استدلال الجمهور . 
2.    وبقوله – صلي الله عليه و سلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "   .
ووجه الدلالة من الحديث : أنه –صلي الله عليه وسلم – ووجه الدلالة من الحديث : أنه – صلي الله عليه وسلم – جعل الاقتداء بكل واحد من أصحابه هدي ، مع اختلافهم في الأحكام نفيا وإثباتا ، فلو كان فيهم مخطئ لما كان الاقتداء به هدي . وأجيب عن هذا الاستدلال : بأن هذا الخبر ضعيف ، ولو سلم بصحة معناه ، فغاية ما يفيده هو الاقتداء بهم في الرواية عن النبي - صلي الله عليه وسلم – لا في الاجتهاد ، فليس في الحديث ما يدل على المدعي   . 
3.    كما استدلوا بأن الصحابة – رضي الله عنهم -  اتفقوا على تسويغ خلاف بعضهم لبعض ، من غير إنكار منهم على ذلك ، بل إن الخلفاء الراشدين كانوا يولون القضاة و الحكام مع علمهم بمخالفتهم لهم في بعض الأحكام ، ولم ينكر عليهم أحد ، فلو لم يكن كل مجتهد مصيبا لما ساغ ذلك من الصحابة ، كما لم يسوغوا ترك الإنكار على مانعي الزكاة وغير ذلك ، فثبت أن كل مجتهد مصيب . 

  وأجيب عن هذا : بأنه منقوض بما إذا كان في المسألة نص أو إجماع ولم يعلم به المجتهد بعد البحث التام ، فإن الحكم فيها معين ، ومع ذلك فالمجتهد مأمور بتباع ما غلب على ظنه .
  
وبهذه المناقشات يظهر ضعف أدلة المذهب الثاني، وبالتالي رجحان المذهب الأول ، وهو أن المجتهد بعد بذل الجهد مأجور ، فإن أصاب الحق فله أجران ، وإن أخطاء فله أجر واحد .  
قال المزني : أن الشافعي قال : لا يؤجر على الخطأ ، وإنما يؤجر على قصد الصواب .

أهمية الإجتهاد
وإذا كان الاجتهاد محتاجا إليه في كل عصر. فإن عصرنا أشد حاجة إليه من أي عصر مضى نظرا لتغير شئون الحياة عما كانت عليه في الأزمنة الماضية، وتطور المجتمعات تطورا هائلا، بعد الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم، لهذا كان من الضرورات المعاصرة أن يعاد فتح باب الاجتهاد فيه من جديد، لأن هذا الباب فتحه رسول الله صل الله عليه وسلم، فلا يملك أحد إغلاقه من بعده. ولا نعني بإعادته مجرد إعلان ذلك. بل ممارسته بالفعل.
وينبغي أن يكون الاجتهاد في عصرنا اجتهادا جماعيا في صورة مجمع علمي يضم الكفايات الفقهية العالية، ويصدر أحكامه في شجاعة وحرية، بعيدا عن كل المؤثرات والضغوط الاجتماعية والسياسية، ومع هذا لا غنى عن الاجتهاد الفردي، فهو الذي ينير الطريق أمام الاجتهاد الجماعي، بما يقدم من دراسات عميقة، وبحوث أصيلة مخدومة، بل إن عملية الاجتهاد في حد ذاتها عملية فردية قبل كل شيء.
والاجتهاد الذي نعنيه ينبغي أن يتجه أول ما يتجه إلى المسائل الجديدة، والمشكلات المعاصرة، يحاول أن يجد لها حلا في ضوء نصوص الشريعة الأصلية، ومقاصدها العامة، وقواعدها الكلية.
ومع هذا ينبغي أن يعيد النظر في القديم ليقومه (أي يعدله، ويعطيه القيمة) من جديد، في ضوء ظروف العصر وحاجاته.
ولا تقتصر إعادة النظر هذه على أحكام "الرأي" أو "النظر" وهي التي أنتجها الاجتهاد فيما لا نص فيه: بناء على أعراف أو مصالح زمنية لم يعد لها الآن وجود أو تأثير.
بل يمكن أن يشمل بعض الأحكام التي أثبتتها نصوص ظنية الثبوت كأحاديث الآحاد، أو ظنية الدلالة. وأكثر نصوص القرآن والسنة كذلك. فقد يبدو للمجتهد اليوم فهم فيها لم يبد للسابقين، وقد يظهر له رأي ظهر لبعض السلف أو الخلف، ثم هجر ومات، لعدم الحاجة إليه حينذاك، أو لأنه سبق زمنه، أو لعدم شهرة قائله، أو لمخالفته للمألوف الذي استقر عليه الأمر زمنا طويلا، أو لقوة المعارضين له، وتمكنهم اجتماعيا أو سياسيا.. أو لغير ذلك من الأسباب.
وأكثر من ذلك أن الاجتهاد الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقف عند حد الفروع الفقهية فحسب، بل ينبغي أن يتجاوزها إلى دائرة أصول الفقه نفسها، تكملة للشوط الذي بدأه الإمام الشاطبي في محاولة للوصول إلى أصول قطعية، وتتمة لما قام به الإمام الشوكاني من الترجيح و "تحقيق الحق من علم الأصول" على حد تعبيره، ولا ريب أن كثيرا من مسائل الأصول لم يرتفع فيها الخلاف، فهي في حاجة إلى التمحيص والموازنة والترجيح، وبعضها يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتأكيد، وبعض آخر يحتاج إلى التفصيل والتطبيق، ومن ذلك تمييز السنة التشريعية من غير التشريعية، والتشريعية المؤقتة من التشريعية المؤبدة، وتمييز تصرف الرسول صل الله عليه وسلم بمقتضى الإمامة والرياسة للأمة، من تصرفه بمقتضى الفتوى والتبليغ عن الله.
ومن ذلك: مناقشة موضوع الإجماع ـ وبخاصة السكوتي منه ـ ومدى حجيته وإمكان العلم به، وكثرة دعاوى الإجماع، مع ثبوت المخالف، وتحقيق القول في الإجماع الذي ينبني على مراعاة مصلحة زمنية لم تعد معتبرة اليوم.
ومثل ذلك: القياس والاستحسان والاستصلاح، ومتى يؤخذ بها ومتى لا يؤخذ وما ضوابط كل منها وحدود استخدامه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:30 am

وسائل الإجتهاد



الاجتهاد كما يقول الاصوليون هو ااستنباط الاحكام واستخلاصها من مداركها التى هى اساس النصوص اللفظية للشريعة ( واللفظ اما ان يدل على الحكم بطبيعته ومنظومه ، او بفحواه ومفهومه ، او بمعناه ومعقوله وهو الاقتباس الذى يسمى قياسا ، فهذ ثلاثة فنون : المنظوم ، والمفهوم ، والمعقول ) المستصفى للغزالى
واللفظ الذى يستخلص الحكم مباشرة من منطوقه او مفهومه او عن طريق القياس عليه هو اللفظ الدال على معنى خاص ومحدد بمقتضى الوضع اللغوى ، فاءنه لا يشمل : الاتى
اولا اللفظ الدال على معنى عقلى عام لا ينصرف بحكم وضعه اللغوى الى واقعة او وقائع محددة فى العالم الخارجى ، وهو ما يطلق عليه : النصوص العامة ، او كليات الشريعة مثل (( وما جعل عليكم فى الدين من حرج )) (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )) (( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة )) صدق الله العظيم
ثانيا اللفظ الدال على معنى خاص ولكن تحقيقه فى وقائع الحياة يتم عن طريق التجربة والخبرة والتخصص المعرفى فى المجال المعنى . مثل اّيات (( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف )) (( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )) (( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن اّنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم )) (( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن )) صدق الله العظيم
فكل من الموسع ، والمقتر، والمعروف ، والعسرة ، والميسرة ، واهلية الزواج ( بلغوا النكاح ) ، والاهلية المدنية ( اّنستم منهم رشدا ) ، والتصرفات التى تعتبر اضرارا بالزوجة - لا يكفى فهم دلالتها اللغوية لتحديد الوقائع التى تطبق عليها ، وإنما يتعين الالتجاء الى التجربة والخبرة بالواقع الاجتماعى الذى له تأثير بين على تحديد مفاهيمها ، وكذلك التخصص المعرفى ، ، فأهلية الزواج مثلا يتوقف تحققها على التمييز المؤهل لتوفر الرضا بالعقد وعلى النضوج الجنسى والبيولوجى بالنسبة للمرأة ، حتى لا تضار باّثار المعاشرة الزوجية من حمل وولادة وهو ما كان ينبغى أن تكون الكلمة الفصل فيه من قبل للتجربة واليوم للتجربة وللاطباء المختصين
على ان اللفظ الدال بالوضع اللغوى على معنى محدد ، يرتبط الحكم الشرعى المقرر فيه بالغاية او الحكمة التى شرع لتحقيقها ، ومن ثم فإن اغلبية الاحكام المنظمة للعلاقات الاجتماعية قابلة مبدئيا لان يؤثر عليها تطور حياة المجتمع وتجدد حاجاته ومصالحه ، وهذا ما يعبر عنه الاصوليون بوجوب مراعاة ماّلات الافعال ، وبمبدأ الحكم يدور مع علته وجودا وعدما
وتقدير ماّل الفعل ، والظروف المؤثرة على تحقيق الحكم الشرعى لحكمته - ليس بالامر البسيط الذى يسهل على الفرد التقرير فيه ، فضلا عما قد يؤدى إليه ذلك من الاضطراب والفوضى ، فمن المحقق أن يختلف الافراد فى التقرير ، وهو ما يؤدى حتما إلى التناقض فى الاحكام الاجتهادية
ولنضرب مثلا بالحديث المروى عن امتناع الرسول - صل الله عليه وسلم - من التسعير متى كان يحقق مصلحة ، مع بقاء اصل المنع فى حالة انتقاء المصلحة
وسوق التعامل اليوم تتداول فيه مئات الانواع من البضائع والخدمات ، ومن اليقين الذى لا ريب فيه ان من هذه الانواع ما يتعين فيه التسعير ، ومنها ما تتحقق المصلحة العامة فى إخضاعه للمنافسة الحرة بدل التسعير
فهل يتصور ان يقوم ( مجتهد ) بوضع قائمة بالمواد والخدمات التى ينبغى او يجب فيها التسعير ، واخرى بالمواد والخدمات التى تقتضى المصلحة عدم التسعير فيها ؟ أترك الجواب للقارئ الكريم
يتأكد من هذه الملاحظات التى أشرنا إليها ، ان الفقه المقيد باستعمال وسائل التفسير المحددة فى الاصول من المنطوق والمفهوم والقياس .. يتسم بالقصور ، ويتعذر عليه النمو ومسايرة تطور الحياة ، وعلاقات الناس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:32 am

التقليد

 معنى التقليد لغة:
التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطًا به، ومنه تقليد الهدي، ويسمى الشيء المحيط بالعنق "قلادة"، والجمع: "قلائد". قال الله -تعالى-:  { وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ }
ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- في الخيل: لا تقلدوها الأوتار .
ومنه قول الشاعر:
قلدوها تمائما           خوف واش وحاسد

وفي القاموس: وقلدتها قلادة، جعلتها في عنقها، ومنه: تقليد الولاة الأعمال، وتقليد البدنة يعلم بها أنها هدي. ا هـ .
ويستعمل التقليد في تفويض الأمر إلى الغير مجازًا، كأنه ربط الأمر بعنقه، ومنه قول لفيظ الإيادي:
وقلِّدوا أمرَكم لله دركموا          رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعًا
 تعريف التقليد اصطلاحًا:

للأصوليين في تعريف التقليد عبارات مختلفة، إلّا أن أكثرها متقاربة المعنى، وقد اخترت ثلاثةً من هذه التعاريف، وأرجعت إليها بقية التعاريف، مع اختيار أمثلها في نظري.
التعريف الأول:
عرف الآمدي التقليد بأنه: العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة .
والمراد بـ "العمل بقول الغير": اعتقاد صحة قوله، وتنفيذه، وهو مراد من عرف التقليد " بقبول قول الغير "؛ فإن القبول يستلزم الاعتقاد، ويفضي إلى العمل والتنفيذ، والمراد بـ (القول ) ما يشمل الفعل والتقرير، وإطلاق القول حينئذ من باب التغليب، وهذا ما فسّره به سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح القاضي عضد الدين وتابعه عليه البنائي في حاشية على جمع الجوامع.
وقد استشكل الشربيني في تقريره هذا التعميم، بأن الفعل والتقرير لا يظهر جواز العمل بمجردهما من المجتهد لجواز سهوه وغفلته، وإنما يعوّل على الفعل والتقرير الواقعين من الرسول -صل الله عليه وسلم-، لكن ذلك ليس بتقليد بل استدلال، ثم أورد اعتراضًا بأنه قد يقترن التقرير بما يدل على الرضا بالفعل وعدم الغفلة، ودفعه بأنه يجوز أنه قد رضيه لكونه مذهب غيره وقلده فيه، فلا يكون من اجتهاده ورأيه. والمراد بالحجة: ما يجب العمل به ويلزم، والمراد بها الحجة العامة، وهي الدليل المعتبر شرعًا لإثبات الأحكام: كالكتاب، أو السنة، أو الإجماع.
والتقييد بالإلزام في التعريف تصريح بمفهوم الحجة أو بلازمها، فهو وصف كاشف وليس قيدًا فيها.
والعمل بقول الغير من غير حجة تقوم على وجوب العمل به، يخرج عن حقيقة التقليد ما يأتي:
1- العمل بقول الله تعالى؛ لأنه عمل مبني على الحجة، وهي الأدلة الدالة على وجوب الإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله.
2- العمل بقول الرسول -صل الله عليه وسلم-؛ فإنه مبني على الحجة القاطعة، وهي أمر الله باتباع رسوله والعمل بما جاء به.
3- العمل بقول أهل الإجماع؛ فإنه عمل قائم على الحجة، وهي دلالة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على وجوب العمل بقولهم.
4- عمل القاضي بشهادة الشهود والحكم بها؛ فإنه مبني على ما ورد في الكتاب والسنة، ودل عليه الإجماع، من وجوب الحكم بها إذا وقعت مستوفية لأركانها وشروطها.
5- عمل العامي بقول المفتي؛ فإنه مبني على حجة، وهي دلالة الإجماع على وجوب رجوع العامي إلى المفتي فيما يحتاج إليه والعمل بما يفتيه به.
6- العمل برواية الراوي؛ لأن العمل بها مبني على حجة , وهي الأدلة الدالة على وجوب العمل بالرواية الصحيحة، كحديث: بلغوا عني ولو آية ، وحديث: ليبلغ الشاهدُ الغائبَ .
7 - العمل بقول الصحابي، إذا لم يخالفه غيره؛ لأن قوله حجة على الراجح كما سيأتي.
وعرف التقليد كل من ابن عبد الشكور في مسلّم الثبوت، والقاضي عضد الدين في شرح مختصر ابن الحاجب بأنه: " العمل بقول الغير من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أنه ينقص عنه التصريح بوصف الإلزام، ولا قيمة لهذا النقص؛ لما سبق آنفًا من أن التصريح بالإلزام تصريح بمفهوم الحجة أو لازمها، فلا يضر حذفه من التعريف، ولا ينقص بعدم وجوده شيئًا.
وعرف ابن الحاجب في المختصر التقليد بأنه: " العمل بقول غيرك من غير حجة " وهو مثل تعريف الآمدي إلا أن ابن الحاجب عدل عن التعبير بالغير إلى التعبير بغيرك، وهما بمعنى واحد؛ لأن "ال" عوض عن المضاف إليه، ولعل سرّ عدوله هو ما يراه البعض من أهل اللغة من عدم دخول "ال" على "غير"؛ بسبب تمكّنها وتوغلها في الإبهام.
وعرف الغزالي في المستصفى التقليد بأنه: " قبول قول بلا حجة " .
وعرفه ابن قدامة في روضة الناظر بأنه: " قبول قول الغير من غير حجة " .
وعرفه عبد المؤمن بن كمال الدين الحنبلي في قواعد الأصول بأنه: " قبول قول الغير بلا حجة " .
وعرفه إمام الحرمين في الورقات بأنه: " قبول قول القائل بلا حجة" .
وهذه التعاريف الأربعة الأخيرة تماثل تعريف الآمدي بعد إرجاع معنى قبول قول الغير إلى العمل به كما تقدم.
ويتضح من هذه التعاريف أن التقليد يشمل الصور الآتية:
1- عمل العامي بقول عامي مثله.
2- عمل المجتهد بقول مجتهد مثله، سواء اجتهد أو لم يجتهد.
3- عمل المجتهد بقول العامي.
إذ لا تقوم حجة على وجوب العمل بقول هؤلاء.
لكن يلاحظ على تعريف الآمدي والتعريفات التي تدور في فلكه ما يأتي:
1- عدم شمول التقليد لعمل العامي بقول المفتي؛ لوجود الحجة على رجوع العامي إلى المفتي، وهو الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة على رجوعه إليه، مع أن دخول هذه الصورة أصبح معروفًا مشهورًا لدى العلماء، واعتذر الآمدي بأنه لا مانع من تسميته تقليدًا في العرف؛ لأن هذا اصطلاح ولا مشاحة فيه - غير مقبول؛ لأن المسألة ليست من باب الاصطلاح في التسمية، وإنما هي بيان حقائق يترتب عليها أحكام تختلف باختلاف هذه التسمية.
2- قصر التقليد على الصورة المذكورة آنفًا لا يجعل له صورة مشروعة، مع أن هذا خلاف الواقع؛ إذ قال جمهور العلماء بجواز تقليد العامي للمجتهد.
3- أن الظاهر - بالحجة - هي الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على حكم القول الخاص، وهو الذي يخرج به الإنسان عن دائرة التقليد، وليس المراد الحجة العامة المثبتة لوجوب العمل.
التعريف الثاني:
عرّف ابن السبكي في جمع الجوامع التقليد بأنه: "أخذ القول من غير معرفة دليله" والمراد بأخذ القول: قبوله واعتقاد صحته والعمل به. ويفسر الجلال المحلي معرفة الدليل:
بالمعرفة التي توصل إلى استفادة الحكم من هذا الدليل، وهذه لا تتوفر إلا للمجتهد؛ لأنها تتوقف على سلامة الدليل من المعارض، وهذه السلامة تتوقف على البحث واستقراء الأدلة كلها، وهذا شأن المجتهد؛ إذ لا يستطيع العامي الوصول إلى هذه المعرفة.
وبناء على هذا أخرج: أخذ قول المجتهد مع معرفة دليله، من التقليد؛ لأنه اجتهاد وافق اجتهاد القائل.

والمراد بالدليل هنا: دليل القول الذي يأخذ به المقلِّد، وهو الحجة الخاصة، كما هو ظاهر من مرجع الضمير.
ويماثل هذا التعريف التعريفات الآتية:
1- تعريف الشيخ زكريا الأنصاري في غاية الوصول بأنه: " أخذ قول الغير من غير معرفة دليله " .
ولا فرق بينهما؛ لأن "ال" في القول، في تعريف ابن السبكي عوض عن المضاف إليه، وهو "الغير" في تعريف الشيخ زكريا
2- تعريف الفتوحي في الكوكب المنير بأنه: "أخذ مذهب الغير من غير معرفة دليله" ولا فرق بين بينه وبين سابقيْه، فإن المذهب يراد به رأي المجتهد في المسألة، وهو قول من الأقوال.
3- تعريف ابن تيمية في المسودة بأنه: "القول بغير دليل" .
فإن المراد بأخذ القول في التعريفات المتقدمة الأخذ المعنوي، وهو القبول والمراد بنفي الدليل في تعريف ابن تيمية نفي المعرفة؛ فاتفق تعريفه مع التعريفات السابقة.
4- تعريف القفال الشاشي بأنه: "قبول القائل، وأنت لا تدري من أين قاله" أي: لا تعلم مأخذ قوله، وهو مثل التعريفات السابقة.
5-تعريف الشيخ أبو حامد والأستاذ أبو منصور بأنه:
"قبول القول من غير حجة تظهر على قوله .
أي: على قول القائل، وهو أيضًا مثل التعريفات السابقة.
6- تعريف ذكره الشوكاني من غير أن يعزوَه إلى أحد بأنه: قبول قول الغير دون حجته .
أي: دون معرفة حجة هذا القول، وهو كذلك راجع إلى التعريفات السابقة.
وبالنظر في التعريفات المذكورة يتبين لنا أنها تشمل الصور الآتية:
1- أخذ العامي بقول العامي.
2- أخذ المجتهد الذي لم يجتهد في المسألة بقول مجتهد آخر، من غير بحث في دليله.
3- أخذ العامي بقول المجتهد.
4- أخذ المجتهد بقول العامي، ويتصور ذلك في حكم قاله العامي وأخذ به المجتهد، من غير أن يعرف دليله.
ويخرج عنه الصورة الآتية، وهي:
أخذ المجتهد بقول مجتهد آخر إذا عرف دليله؛ لأن هذه من صور الاجتهاد كما تقدم.
لكن يلاحظ على هذه التعريفات أنها ليست صريحة في إخراج الرجوع إلى السنة وإلى الإجماع من دائرة التقليد وحقيقته، مع أن الرجوع إليهما ليس من باب التقليد بالإجماع، ذلك أن الأخذ بقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-، أو قول أهل الإجماع من غير معرفة هذا الدليل، يعتبر تقليدا بناء على هذه التعريفات، مع أن الرجوع إلى كل منها ليس من التقليد في شيء؛ لذلك يحتاج التعريف -في نظري- إلى قيد صريح يخرج هاتين الصورتين عن دائرة التقليد.
التعريف الثالث:
للشيخ المحقق الكمال بن الهمام في كتابه التحرير، عرفه بأنه:
" العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة منها " .
وهذا التعريف قد تلافى المؤخذات التي أوردتها على التعريفات السابقة، فإن تقييد الغير - بمن ليس قوله إحدى الحجج - يخرج من دائرة التقليد: العمل بقول الرسول -صل الله عليه وسلم-، والعمل بقول أهل الإجماع؛ لأن قول الرسول عليه السلام حجة، وكذلك قول أهل الإجماع.
ويخرج أيضًا عمل القاضي بشهادة الشهود العدول؛ فإنه عمل بقول أهل الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة بوجوب حكم القاضي عند شهادة العدول.
ومثل ذلك أيضًا بالنسبة للعمل بالرواية؛ لأنه عمل بالإجماع على قبول الرواية الصحيحة، وكذلك بالنسبة لقول الصحابي عند من يرى حجيته.
وكذلك شمل هذا التعريف رجوع العامي إلى المفتي، كما هو المشهور والمتعارف لدى العلماء، فإن قول المفتي ليس إحدى الحجج، ويستند العامي إلى قوله لا إلى حجة تفصيلية أو إجمالية فدخل عمل العامي بقول المفتي في حقيقة التقليد.
والمراد بالحجة في هذا التعريف: الحجة الخاصة، وهي الدليل الخاص على الحكم الخاص، ولا يأبى التعريف إرادة الحجة بالمعنى العام.
ورغم أن هذا التعريف أمثل التعريفات في نظري، إلا أنني لم أرَ من تابعه عليه سوى ما نقله الشوكاني في ثنايا التعريفات التي ساقها للتقليد بأنه:
" رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة " ولم يعزه لأحد، وهو نفس تعريف الكمال بن الهمام .
 وجه الارتباط بين المعنى اللغوي والاصطلاحي:
إذا نظرنا إلى التقليد في معناه اللغوي وفي معناه الاصطلاحي وجدنا أن كلا المعنيين فيه تحمّل، فالتقليد في معناه اللغوي فيه تحمّل الأشياء الحسيّة، والتقليد في معناه الاصطلاحي فيه تحمّل الأمور المعنوية.
ووجه جعل التقليد من العامي كالقلادة في عنق المجتهد أنه: بتقليده له كأنه طوّقه ما في ذلك الحكم من تبعه -إن كانت- وجعلها في عنقه.
أو بعبارة أوضح: كأن المقلِّد يطوِّق المجتهد إثم ما غشه به في دينه وكتمه عنه من علمه، أخذًا من قوله -تعالى-: أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ على جهة الاستعارة .
 الفرق بين التقليد والاتباع:
قد يظن الناظر بادئ ذي بدء أن التقليد والاتباع شيء واحد، ولكن المتأمل يجد بينهما فرقًا واضحًا.
فالتقليد: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل لغيرك لم يوجبه الدليل عليك، ولم يجزه لك، كأخذ العامي أو المجتهد عن العامي مثلًا؛ فإن الدليل لا يوجب ذلك ولا يجيزه، ما عدا أخذ العامي عن المجتهد، وأخذ المجتهد بقول غيره في حالات خاصة -كما سيأتي بيان ذلك في التقليد الواجب والتقليد الجائز.
والاتباع: هو أن تأخذ أو تعمل بقول أو عمل أوجبه الدليل عليك، وذلك كأن تأخذ بما جاء في القرآن الكريم، أو عن النبي -صل الله عليه وسلم-، وكأن يأخذ القاضي بقول الشهود العدول؛ فإن الدليل أوجب العمل والأخذ بذلك.
فالتقليد والاتباع يتفقان في أن كل منهما أخذ وعمل بقول الغير، ويفترقان في أن التقليد أخذ وعمل بغير حجة ودليل، والاتباع أخذ وعمل بالحجة والدليل .

أقسام التقليد
ينقسم التقليد إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تقليد محرم.
القسم الثاني: تقليد واجب.
التقليد يكون في فروع الدين ومسائل الاجتهاد، وهي الأمور النظرية التي يشتبه أمرها للعامي العاجز عن النظر والاستدلال، ولمن كان محصلًا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، ولكنه قاصر عن بلوغ درجة الاجتهاد
القسم الثالث: تقليد جائز
يكون التقليد جائزًا للأصناف الآتية:
1- من بذل جهده في طلب الحق والصواب والدليل، فخفي عليه ولم يظفر بالدليل، ولم يظهر له، فهذا يسوغ له التقليد.
2- من اجتهد وتكافأت عنده الأدلة، ولم يظهر له ترجيح بعضها على بعضها، فإنه يسوغ التقليد.
3- المجتهد الذي نزلت به حادثة، وضاق الوقت عن الاجتهاد، فإنه يجوز له -والحالة هذه- التقليد عند البعض، والراجح أنه لا يجوز له التقليد كما سيأتي تحقيق ذلك في الباب الثالث في الفصل الأول .
الأدلة الدالة على جواز التقليد
وهي نوعان: نقلية وعقلية.
الأدلة النقلية:
الدليل الأول:
حديث: العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره فقال أبوه: وإني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم وهو حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما.
ووجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على والد العسيف سؤال أهل العلم وتقليده لمن هو أعلم منه، والناس يفتون ورسول الله -صل الله عليه وسلم- حي، فدل ذلك على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل: بأن والد العسيف إنما سأل علماء الصحابة عن حكم كتاب الله وسنة رسوله -عليه السلام-، ولم يسألهم عن آرائهم ومذاهبهم.
وأما فتوى الناس في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنهم لما اختلفوا ردوا تنازعهم إلى الرسول -صل الله عليه وسلم- فحكم بالحق وأبطل الباطل .
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن السؤال كان عن الحكم الشرعي أعم من أن يكون منصوصًا عليه أو غير منصوص، وأقره الرسول -صل الله عليه وسلم- على هذا السؤال، فيكون إقرارًا له على ما يستلزمه، وهو العمل بقول المسئول مطلقًا.
الدليل الثاني:
ما ثبت عنه -صل الله عليه وسلم- أنه قال في حديث صاحب الشجة: ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العيِّ السؤال .
ووجه الدلالة: أن النبي -صل الله عليه وسلم- أرشد من لا يعلم إلى سؤال من يعلم، وهذا يدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرشدهم في حديث صاحب الشجة إلى السؤال عن آراء الرجال، بل أرشدهم إلى السؤال عن الحكم الشرعي الثابت عن الله أو عن رسوله، ولهذا دعا عليهم -صل الله عليه وسلم- لما أفتوا بغير علم، فقال: قتلوه قتلهم الله ؛ لأنهم أفتوه بآرائهم، وفي هذا دليل على تحريم الإفتاء بالتقليد، فإن الحديث اشتمل على أمرين: أحدهما: الإرشاد لهم إلى السؤال عن الحكم الثابت بالدليل.
الثاني: الذم لهم على اعتماد الرأي والإفتاء به، وهذا واضح لكل ناظر .
ويجاب عن هذه المناقشة: بما أجيب به عن مناقشة الدليل الأول.

الدليل الثالث:
ما ثبت أن أبا بكر قال في الكلالة: أقضي فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء، هو ما دون الولد والوالد، فقال عمر بن الخطاب إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر .
ووجه الاستدلال: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تبع أبا بكر في قوله، وهذا تقليد له، فدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن عمر استحيا من مخالفة أبي بكر في اعترافه بجواز الخطأ عليه، وأن كلامه ليس كله صوابًا مأمونًا عليه من الخطأ، ويدل على ذلك: أن عمر أقر عند موته أنه لم يقضِ في الكلالة بشيء، واعترف أنه لم يفهمها، فلو كان قد قال بما قال به أبو بكر تقليدًا له لَمَا أقر أنه لم يقض فيها بشيء، ولا قال إنه لم يفهمها.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن اعتراف عمر بعدم القضاء فيها بشيء، وأنه لم يفهمها، دليل على تقليده لأبي بكر فيها، وليس دليلًا على عدم التقليد.
2- ونوقش أيضًا: بأن خلاف عمر لأبي بكر مشهور، فمن ذلك:
(أ) مخالفته له في سبي أهل الردّة ؛ فسباهم أبو بكر وخالفه عمر وبلغ من خلافه أن ردهن حرائر إلى أهلهن، إلا من ولدت لسيدها منهن.
(ب) خالفه في الأرض المفتوحة عنوة؛ فقسمها أبو بكر ووقفها عمر على المسلمين .
(جـ) خالفه في العطاء؛ فكان أبو بكر يرى التسوية، وعمر يرى المفاضلة بين الناس.
(د) خالفه في الاستخلاف؛ فقد استخلف أبو بكر ولم يستخلف عمر بل جعل الأمر شورى.
ويجاب عن هذه الماقشة:
بأن هذه الأدلة لا تمنع من تقليده في حادثة خاصة، وهي موضوع الكلالة التي لم يفهمها، وإذا قلده في حادثة واحدة ثبت المطلوب، وهو جواز التقليد.
3- ونوقش أيضًا: بأنه لو سلِم تقليد عمر لأبي بكر في كل ما قاله لكان خاصًا بتقليد علماء الصحابة فلا يصح إلحاق غيرهم بهم؛ لما للصحابة على غيرهم من المزايا البالغة إلى حد يقصر عنه الوصف، حتى إن المنفق مثل جبل أحد من متأخري الصحابة لا يعدل المد من متقدميهم ولا نصيفه، فكيف يصح أن يلحق بهم غيرهم؟.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه إذا جاز لهم أن يقلدوا بعضهم وهم من هم جاز لغيرهم أن يقلدهم من باب أولى.
4- ونوقش أيضًا: بأن المقلدين المحتجين بفعل عمر وقوله، يخالفون أبا بكر وعمر في أكثر أقوالهما , بل قد صرح بعضهم في كتب الأصول أنه لا يجوز تقليد أبي بكر وعمر وسائر الصحابة ويجب تقليد أحد الأئمة الأربعة .
ويجاب عن هذة المناقشة: بأنه إذا ثبت النقل عن الصحابة بطريق صحيح جاز تقليدهم إجماعًا، كما سبق في جواب مناقشات الدليل الثامن.
5- ونوقش أيضًا: بأنه لو سلِم أن عمر قلد أبا بكر في هذه المسألة، لكان دليلًا على أن المجتهد إذا لم يمكنه الاجتهاد في مسألة، وأمكن غيره أن يجتهد فيها، جاز له أن يقلده، ما دام غير متمكن من الاجتهاد، وليس فيه دليل على جواز اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع، لا يلتفت إلى قول سواه إلا إذا وافق قوله.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن فيه جواز التقليد في مثل هذه الحالة، وهذا كاف في جواز التقليد فيما ندعيه، أما اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع فهذا من تعصّب المقلدين ، وهذا خارج عن موضوعنا .
الدليل الرابع:
ما صح عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال لأبي بكر رأْيُنا لرأيك تبع.
ووجه الدلالة: أن هذا تصريح من عمر بأنه تابع لأبي بكر مقلد له، وهذا يدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن في هذا الحديث ما يرد الاستدلال به على جواز التقليد، فإن عمر قرر بعض ما رآه أبو بكر ورد بعضه، ويتبين ذلك واضحًا بسوق الحديث كاملًا:
فقد ساق البخاري في صحيحه هذه القصة هكذا:
عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر -رضي الله عنه- يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المُجْلِية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها، فما المخزية؟ قال: تنزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا لكم، وتردون ما أصبتم منا، وتَدُون لنا قتلانا، وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل، حتى يُرِي الله خليفةَ رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به.
فعرض أبو بكر ما قال على القوم ، فقام عمر بن الخطاب فقال: قد رأيت رأيا سنشير عليك،... أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت، وما ذكرت من أن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت، وأما ما ذكرت من أن تَدُون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقتلت على ما أمر الله، أجورها على الله، ليس لها ديات، فتتابع القوم على ما قال عمر .
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: قد رأيت رأيا ورَأْيُنا لرأيك تبع فالمتابعة من عمر لأبي بكر في بعض ما رآه أو في كله ليس من التقليد في شيء، بل هو من الاستصواب لما جاء به في الآراء والحروب؛ لموافقته لاجتهاده، وهذه المناقشة مسلمة.
2- ونوقش أيضًا: بأن هذه الآراء إنما هي في تدبير الحروب، وليست في مسائل الدين، وإن تعلق بعضها بشيء من ذلك فإنما هي بطريق التبع.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذه الآراء كانت في أحكام شرعية حربية، ولم تكن في تدبير الحروب وتنظيمها فلم تكن تبعًا، وعلى فرض تبعيتها فإن ذلك لا يخرجه عن كونها أحكامًا شرعية.
3- ونوقش أيضًا: بأنه قد يكون السكوت عن اعتراض بعض ما فيه مخالفة، من آراء الأمراء، فيه مصلحة دينية، وهي إخلاص الطاعة للأمير، وكراهة الخلاف كما ورد بذلك الشرع.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن هذا لا ينطبق على عمر المعروف بصراحته وجرأته في الحق، وأنه لا تأخذه فيه لومة لائم .


... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:34 am

.... تابع
التقليد



الأدلة النقلية الدالة على جواز التقليد الدليل السابع:
قول الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .
ووجه الدلالة: أن الله أثنى على من يتبع السابقين الأولين بإحسان , واتباعهم بإحسان هو تقليدهم، وهذا يدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل بما يأتى:
1- أن دعوى أن اتباعهم تقليدهم، دعوى ممنوعة، بل اتباعهم هو سلوك سبيلهم ومنهاجهم، وهم قد نهوا عن التقليد وكون الرجل إمعة، وأخبروا أن المقلِّد ليس من أهل البصيرة، فالتابعون لهم على وجه الحقيقة هم أولوا العلم والبصائر، الذين لا يقدمون على كتاب الله وسنة رسوله رأيًا ولا قياسًا ولا عقلًا، ولا قول أحد من الناس.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن من اتباعهم أيضًا اتباع آرائهم التي يفتون بها العوام ومن في حكمهم، لعموم قوله: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ .
2- ونوقش أيضًا: بأنه لو كان أتْباع السابقين الأولين هم المقلدون لكان العلماء الذين يأخذون بالحجة والدليل ليسوا من أتباعهم، والمقلدون الجهلة أسعد منهم بالاتباع، وهذا محال، بل من خالفهم واتبع الدليل فهو المتبع لهم دون من أخذ أقوالهم بغير حجة ولا دليل.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا لم نقل: إن المراد بالذين اتبعوهم العوام الجهلة فقط، بل إن النص يشملهم ويشمل غيرهم من العلماء الذين ترسموا خطاهم، واتبعوا سبيلهم .
الدليل الثامن:
قوله -تعالى-:  { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا }.
ووجه الدلالة: أن الله أثنى على من اتّبع ملة إبراهيم واتباعه هو تقليده، وهذا يدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل: بأن الله أمر باتباع ملة إبراهيم وما يأمر الله به ليس من التقليد في شيء، بل هو الدليل والحجة والبرهان، إنما التقليد هو اتباع قول غير المعصوم من غير حجة، كأن يأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صل الله عليه وسلم- بلا دليل يصحح قوله، بل لأن فلانا قاله فقط .
ويجاب عن هذه المناقشة: بأننا وإن سلمنا أن الدليل في غير محل النزاع، لكن لا نسلم تفسير التقليد بالأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صل الله عليه وسلم-، بل بما فسرناه سابقًا، في التعريف وهو العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة.
الدليل التاسع:
قوله -عليه السلام-: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .
ووجه الدلالة: أنه -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن من اقتدى بواحد من الصحابة فقد اهتدى، والاقتداء بهم هو تقليدهم، وهذا يدل على جواز التقليد.
ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن هذا الحديث قد روي من طرق: من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ومن حديث سعيد بن المسيب عن ابن عمر ومن طريق حمزة الجزري عن نافع عن ابن عمر وصرح أئمة الجرح والتعديل بأنه لم يثبت شيء منها، ولم يصح منها شيء عن النبي صل الله عليه وسلم .
2- ونوقش أيضًا: بأنه على فرض صحته، فإن الحديث تضمن منقبة للصحابة ومزيّة لا توجد لغيرهم فيقتدى بهم دون من بعدهم، ولكن المقلدين لم يقلدوهم، بل قلدوا مَنْ دونهم بمراتب، فما دل عليه الحديث صريحًا خالفوه، واستدلوا به على تقليد من لم يتعرض له بوجه.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن تقليد الصحابة مبني على اجتهادهم وفقههم مع التسليم بمميزاتهم ، فإذا وجد الاجتهاد في غيرهم جاز تقليدهم للعوام ومن في حكمهم.
3- ونوقش أيضًا: بأنه يلزم من تقليد كل واحد منهم والاقتداء به التناقض؛ لاختلاف أقوالهم وتضاربها في التحليل والتحريم، من ذلك:
( أ ) أن يكون أكل البَرَد للصائم حلالًا اقتداء بأبي طلحة وحرامًا اقتداء بغيره .
( ب ) أن يكون ترك الغسل من الإكسال واجبًا اقتداء بعلي وعثمان وحرامًا اقتداء بعائشة وابن عمر .
( جـ ) أن يكون بيع التمر قبل ظهور الطيب فيها حلالًا اقتداء بعمر وحرامًا اقتداء بغيره.
( د ) أن يكون قول: الحرام، يمينًا، اقتداء بابن مسعود وطلاقًا، اقتداء بعمر .
( هـ ) أن يكون رضاع الكبير محرمًا اقتداء بعائشة وغير محرم اقتداء بغيرها.
( و ) أن يكون لحوم الحُمُر حلالًا اقتداء بابن عباس وحراما اقتداء بغيره.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه يلزم هذا المحظور لو قبل باتباع الرأيين في وقت واحد، ولكنه لا يلزم باتباع أحد الرأيين، ويصدق عليه نص الحديث بأنه اهتدى باتباع أحدهم.
4- ونوقش أيضًا: بأن معنى الاقتداء هو أن يأتي المقتدى بمثل ما أتوا به، ويفعل مثل ما فعلوا، وفعلهم إنما هو اتباع القرآن والسنة، والقبول من كل من دعا إليهما منهم، فالاقتداء بهم يحرم التقليد ويوجب الاستدلال وتحكيم الدليل.
ويجاب عن هذه المناقشة: بأن العامي عندما يقلدهم متبع القرآن، الذي أمر بالسؤال عند عدم العلم، فهو مقتد بهم في هذا الاتباع أيضًا
عصر التقليد
.في منتصف القرن الرابع الهجري دبَّ الضعف في الدولة الإسلامية، فتفككت عراها، حتى اقتطع الأمويون من الدولة العباسية الأندلسَ والفاطميون شمال أفريقيا واقتطع الإخشيديون مصر واستقلوا بها، وضعفت العراق التي بها بغداد عاصمة الدولة العباسية، حتى جاء التتار بغاراتهم الهوجاء فقضوا عليها.
وتبع هذا الانحلال السياسي جمود الفقهاء على ما تركه أسلافهم من ثروة فقهية هائلة، والتي أصبحت مدوّنة متداولة، فكان جُلّ همهم البحث عن علل الأحكام التي قررها أئمتهم، وانحصرت بحوثهم في الدائرة المذهبية، وترجيح بعض الأحكام على بعض والاستدلال لأقوال أئمتهم، والانتصار لها، ومحاولة إبطال رأي مخالفهم، مما كان لهذا العمل أثره السيئ فيما بعد من وجود التعصب دون نظر في الدليل.
وقد امتد هذا العصر حتى أواخر القرن الماضي، وشخصيات فقهاء هذا العصر قد ذابت في شخصيات أئمتهم في الجملة، وإن كان قد وجد فيهم فقهاء لا يقلون عن سابقيهم في حسن الاستنباط، وعمق الفكرة، وجمع الآثار، والترجيح بين الروايات، واستنباط علل الأحكام، والإفتاء في مسائل جديدة لم يسبق لأئمتهم النظر فيها .
مراحل التقليد فى عصره
لم يكن ترك الاجتهاد من الفقهاء في هذا العصر والركون إلى التقليد طفرة واحدة، بل كان على سبيل التدريج.
1- فقد اتجه الفقهاء في الفترة الأولى من هذا العصر إلى التقليد؛ لقربهم من العهد الأول، الذي ازدهر فيه الفقه الإسلامي، واتصالهم به ولم تَجِدَّ لهم حوادث، ولم تتغير العادات -في الغالب- عما هي عليه في العصر السابق، ومما شجع على الوقوف من العلماء عند هذه المذاهب المعروفة تعيين القضاة والمفتين من قبل الدولة في المذهب الحنفي في الشرق، والمذهب المالكي في الأندلس وبلاد المغرب كما أن العلماء أصدروا فتواهم بسد باب الاجتهاد؛ ليضعوا حدا لفوضى الإفتاء، إثر فقدان الدولة سيطرتها، حتى على الشئون الدينية؛ لمنع الدخلاء على الإفتاء الذين تصدَّوْا له.
2- وفي الفترة الثانية من هذا العصر، من وقت سقوط بغداد بأيدي التتار سُمِّيَ الفقهاء بالمتأخرين، وانتقلت حركة الثقافة ومراكز العلم من بغداد وبخارى ونيسابور إلى أماكن نزح إليها كثير من العلماء بسبب اضطهاد المغول لهم، كمصر والشام والهند وغيرها، واهتم الفقهاء في هذا العصر بتمييز الأقوال الضعيفة من القوية في المذهب، وتصنيف المختصرات التي وصلوا فيها إلى حدّ الألغاز، ثم علَّقوا على شرحها، ثم شرح الشروح التي وضعت عليها، كما اتجهوا أيضًا إلى جمع الفتاوى وتبويبها وترتيبها حسب أبواب الفقه.
3- وركون الفقهاء إلى التقليد في هذا العصر، وعُزوفهم عن الاجتهاد المطلق، جعل الفقيه يبعد عن واقع الحياة شيئًا فشيئًا، كما أنه أثر على الناس مما أوجد مجالًا للتلاعب وتسخير القواعد والنظم الشرعية للأهواء.
4- ومع هذا لم تخْلُ هذه القرون في هذه الدور التقليدي من فقهاء متحررين، حاربوا التقليد، ونادوا بالرجوع إلى الكتاب والسنة، من أبرزهم: شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم -رحمهما الله- في القرن السابع الهجري،

 أسباب جمود الفقه الإسلامي في عصر التقليد
تتلخص أسباب جمود الفقه الإسلامي في هذه الفترة فيما يلي:
1- انصراف الفقهاء إلى الانتصار لمذاهبهم، والتعصب لأئمتهم، والدعاية لنشر مذهبهم.
2- ازدهار الفقه والعناية به، وكثرة التدوين والتصنيف في العصر السابق لهذا العصر.
3- انحلال الدولة الإسلامية، وإصابتها بالضعف المتوالي مما أفقدها الشخصية القوية، التي يكون لها من النظم ما تضع فيه حدًا للفتوى والإفتاء ، فتصدَّى للإفتاء من هو من أهله ومن هو من غير أهله
حكم التقليد للعامى
في حكم التقليد للعامي ومن في حكمه مذاهب:
المذهب الأول لجمهور العلماء: بل هو شبه إجماع أن التقليد واجب على العامة ومن في حكمهم.
قال ابن عبد البر في كتابه " جامع بيان العلم وفضله ": " العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة"، ثم قال: "ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقوله -عز وجل-: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره، ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك مَن لا علم له ولا بصر، بمعنى ما يدين به، لا بد من تقليد عالمه ا. هـ .
وقال الغزالي في المستصفى: " العامي يجب عليه الاستفتاء واتباع العلماء " ا. هـ .
وقال ابن قدامة في روضة الناظر: " وأما التقليد في الفروع فهو جائز إجماعًا"، ثم قال: "فلهذا جاز التقليد فيها، بل وجب على العامي ذلك " ا. هـ .
وقال الشاطبي في الاعتصام: " الثاني: أن يكون مقلِّدًا صرفًا خليًا من العلم الحاكم جملة، فلا بد له من قائد يقوده، وحاكم يحكم عليه، وعالم يقتدي به ا. هـ .
وقال الآمدي في الإحكام: " العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد -وإن كان محصلًا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد- يلزمه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين" ا. هـ .
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " وأما الفروع فإنها لما كثرت حوادثها، واعتاص على العامي عرفانها، وقرب لها أمر الخطأ فيها؛ كان أصلح ما يفعله العامي التقليد فيها لمن قد سير ونظر " ا. هـ .
وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر في رسالة الاجتهاد والتقليد: " وبالجملة فالعامي الذي ليس له من العلم حظّ ولا نصيب فرضه التقليد " ا. هـ.
وقال أيضًا: " من كان من العوام الذين لا معرفة لهم بالفقه والحديث، ولا ينظرون في كلام العلماء، فهؤلاء لهم التقليد بغير خلاف، بل حكى غير واحد إجماع العلماء على ذلك " ا. هـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور .
المذهب الثاني: أن التقليد يحرم على العامة، ويلزمهم النظر في الدليل، ويجب الاجتهاد على كل عاقل مطلقًا، في الأصول وفي الفروع، وإلى هذا ذهب بعض القدرية وابن حزم .
المذهب الثالث:
أن التقليد واجب على العامة ولكنه خاص بالإمام المعصوم، وهذا مذهب الإمامية

مناقشة المقلدين
تقليد المتعصبين من الفقهاء لأئمتهم، رغم مخالفة ما نقل عن أئمتهم للصحيح من الكتاب والسنة، هل هو جائز أو غير جائز.
لا يجوز هذا إلا إذا وجد ما يبيح التقليد مما يدخل تحت أحد الأصناف الثلاثة التي يجوز لها التقليد.
ذكر بعض المناقشات والأمثلة التي تبين عدم الجواز، مع تحليلها، واستخلاص النتيجة المذكورة.
مناقشة المقلدين المتعصبين لأئمتهم والاحتجاج عليهم بحجج عقلية:
المناقشة الأولى:
يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم. بطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت بغير حجة. قيل له: فلم أريقت الدماء، وأبيحت الفروج، وأتلفت الأموال، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟
فإن قال: أنا أعلم أني أصبت، وإن لم أعرف الحجة؛ لأني قلدت كبيرًا من العلماء وهو لا يقول إلا بحجة خفيت عليّ. قيل له: إذا جاز تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك، فتقليد معلم معلمك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك، كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.
فإن قال: نعم. ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله -صل الله عليه وسلم-، وإن أبى ذلك نقض قوله، وقيل له: كيف تجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا، ولا تجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما؟ فهذا تناقض.
فإن قال: لأن معلمي وإن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك. قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه، فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك، وكذلك أنت أولى بتقليد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علم معلمك وعلم من هو فوقه إلى علمك. فإن قلد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله -صل الله عليه وسلم- وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع، والتابع مَن دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى، وكفى بقول يؤول إلى هذا تناقضا وفسادًا .

المناقشة الثانية:
يقال للمقلدين المتعصبين لأئمتهم: هل دين الله عندكم: الأقوال المختلفة المتضادة، التي يناقض بعضها بعضها، ويبطل بعضها بعضًا، أم هو واحد لا يتعدد؟ فإن قالوا: بل هذه الأقوال المتضادة المتعارضة كلها دين الله. خرجوا عن نصوص أئمتهم؛ فإن جميعهم متفقون على أن الحق في واحد، كما أن القبلة في جهة من الجهات، وخرجوا أيضًا عن نصوص القرآن والسنة والمعقول الصريح، وجعلوا دين الله تبعًا لآراء الرجال.
وإن قالوا: الصواب أن دين الله واحد، وهو ما أنزل الله به كتابه وأرسل به رسوله، كما أن نبيه واحد وقبلته واحدة. قيل لهم: فالواجب إذن طلب الحق، وبذل الجهد في الوصول إليه بحسب الإمكان، فقد أوجب الله على الخلق تقواه بحسب استطاعتهم، ومعرفة ما به تكون التقوى لا تكون إلا بنوع اجتهاد منكم، وطلب وتحرٍّ للحق دون التقليد .
المناقشة الثالثة:
يقال للمقلد المتعصب: بأي شيء عرفت أن الصواب مع من قلدته دون من لم تقلده؟ فإن قاله: عرفته بالدليل. قيل له: لست بمقلد حينئذ. وإن قال: عرفته تقليدًا له؛ لأنه أفتى بهذا القول ودان به، وعلمه ودينه وحسن ثناء الأمة عليه يمنعه أن يقول غير الحق. قيل له: أفمعصوم هو عندك، أم يجوز عليه الخطأ؟
فإن قال: إنه معصوم. فقد خالف الأدلة الدالة على أنه لا عصمة لغير محمد -صل الله عليه وسلم- من البشر، وإن جوز عليه الخطأ، قيل له: فما يؤمنك أن يكون قد أخطأ فيما قلدته فيه وخالف فيه غيره. فإن قال: إنه إن أخطأ فهو مأجور. قيل له: هو مأجور لاجتهاده، وأنت غير مأجور؛ لأنك لم تأت بموجب الأجر، بل قد فرطت في الاتباع الواجب، فأنت مأزور.
فإن قال: كيف يأجره الله على ما أفتى به، ويثني عليه، ويذم المقلد له؟ قيل له: المقلَّد إن قصر وفرط في معرفة الحق مع قدرته عليه لحقه الذم والوعيد، وإن بذل جهده ولم يقصر واتقى الله ما استطاع فهو مأجور، وأما المتعصب الذي يجعل قول متبوعه عيارًا على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة يزنها به، ما وافق قول مقلده منها قبله، وما خالفه رده، فهذا يذم ويلحقه الوعيد.
وإن قال: قلدته ولا أدري: أعلى صواب هو، أم لا؟ فالعهدة على القائل، وأنا حاك لأقواله. قيل له: فهل تتخلص بهذا عند سؤالك أمام الله عما حكمت به بين عباد الله وأفتيتهم به، فإن للحكام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص منه إلا من عرف الحق، وحكم به وأفتى به دون من عداه .

المناقشة الرابعة:
يقال للمقلد المتعصب: لم أخذت بقول فلان؟ هل ذلك لأن فلانا قاله، أو لأن الرسول -صل الله عليه وسلم- قاله؟ فإن قال: لأن فلانا قاله. فيقال له:
فقد جعلت قوله حجة، وهذا عين الباطل. وإن قال: لأن رسول الله - صل الله عليه وسلم- قاله، كان هذا أعظم وأقبح؛ لتضمنه لأمرين عظيمين.
أحدهما: الكذب على رسول الله -صل الله عليه وسلم- ، والثاني: التقول على المتبوع مما لم يقله، فإنه لم يقل: إن هذا قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ، فقد لزم المقلد المتعصب أحد أمرين لا ثالث لهما:
الأول: جعل قول غير المعصوم حجة.
الثاني: تقويل المعصوم ما لم يقله، وكلاهما عظيم عند الله .
المناقشة الخامسة:
يقال للمقلد المتعصب لإمامه: هل يجوز أن يخفي على من قلدته بعض شأن رسول الله -صل الله عليه وسلم- ، كما خفي ذلك على سادات الأمة أولًا؟ فإن قال: لا يخفى عليه شيء من ذلك. بلغ في الغلو فيه مبلغ مدعي العصمة في الأئمة، وإن قال: يجوز أن يخفى عليه شيء.
قيل له: فنحن نناشدك الله، إذا قضى الله ورسوله أمرًا خفي على من قلدته، هل تبقى لك الخيرة بين قول إمامك ورده، أم تنقطع خيرتك؟ ويجب عليك العمل بما قضاه الله ورسوله دون سواه؛ فأعد لهذا السؤال جوابًا، وللجواب صوابًا

طريق أهل العلم خلاف ما عليه المقلدون
لا يخفى على كل عاقل أن طريق أهل العلم لا يتفق مع ما عليه المقلدون المتعصبون لأئمتهم من الفقهاء فإن طريق أهل العلم طلب أقوال العلماء وضبطها، والنظر فيها، وعرضها على القرآن الكريم والسنن الثابتة عن النبي -صل الله عليه وسلم- وأقوال خلفائه الراشدين، فما وافق منها الكتاب أو السنة أو أقوال الخلفاء الراشدين قبلوه، ودانو به، وحكموا به، وأفتوا به، وما خالف شيئًا منها ردوه ولم يلتفتوا إليه، وما لم يتبين لهم فيه شيء اجتهدوا فيه، وكان عندهم سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، من غير أن يلزموا بها أحدًا، أو يقولوا: إنها الحق، وما خالفها هو الباطل.
وأما المقلدون المتعصبون فعلى ضد طريقة أهل العلم فإنهم قلبوا الأوضاع، فعمدوا إلى كتاب الله وسنة رسوله وأقوال خلفائه وأصحابه، فعرضوها على أقوال مقلديهم، فما وافقها منها قبلوه وانقادوا له مذعنين، وما خالف أقوال من يقلدونه لم يقبلوها، واحتالوا في ردها، وتطلبوا لها وجوه الحيل بكل ما يستطيعون.
قال سند بن عنان المالكي في شرحه في مدوّنة سحنون:
واعلم أن مجرد الاقتصار على محض التقليد لا يرضى به رجل رشيد، وإنما هو شأن الجاهل البليد أو الغبي العنيد.
وقال أيضًا: نفس المقلد ليس على بصيرة، ولا يتصف من العلم بحقيقة؛ إذ ليس التقليد بطريق إلى العلم بوفاق أهل الوفاق .
المقلدون المتعصّبون مخالفون أمر الله، وأمر رسوله، وهدي أصحابه، وأمر أئمتهم، إن هؤلاء المتعصبين من الفقهاء في تقليدهم لأئمتهم في آرائهم واجتهاداتهم التي يخطئون فيها ويصيبون، يخالفون ما أمر الله به، ويخالفون ما أمر به رسوله، ويخالفون ما عليه صحابته، ويخالفون أوامر أئمتهم.
أما مخالفتهم لأمر الله:
فإن الله -سبحانه- أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله، كما في قوله -سبحانه-: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ والمقلدون يردون ما تنازعوا فيه إلى من قلدوه.
وأما مخالفتهم لأمر رسول الله -عليه الصلاة والسلام-:
فإن النبي -صل الله عليه وسلم- أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين، وأمر أن يُتمسك بها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ والمقلدون يتمسكون عند الاختلاف بقول من قلدوه، ويقدمونه على كل من سواه.
وأما مخالفتهم لهدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد وهو يقدر على الاستنباط والاجتهاد يقلد رجلا واحدًا، يتعصب له في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يردّ من أقواله شيئًا ولا يقبل من أقوال غيره شيئًا، كما هو حال المقلدين المتعصبين >
وأما مخالفتهم لأقوال أئمتهم:
فإن الأئمة نهوهم عن تقليدهم، وحذروهم من الأخذ بأقوالهم عند مخالفتها للنصوص، فخالفوهم وأخذوا بآرائهم، وتركوا نصوص الكتاب والسنة .

أسباب انتشار المذاهب الأربعة
انتشار المذاهب الأربعة وبقائها وتقليد من بعدهم لها :
إن لانتشار المذاهب الأربعة، وبقائها دون غيرها من المذاهب، وتقليد المتأخرين لها، أسبابًا كثيرة أهمها الأسباب الآتية:
1- التلاميذ:
فقد هيأ الله لكل إمام من الأئمة الأربعة تلاميذ نجباء، ذوي قوة، أعجبوا بطريقة الإمام، وتأثروا بها، ودافعوا عنها، وكان لهؤلاء التلاميذ مكانة عند الجمهور تدعوهم إلى الأخذ عنهم والعمل بفتواهم، ولما تأصلت الثقة في قلوب الجماهير بهؤلاء الأئمة كان من الصعب بعد ذلك أن يقوم قائم بمذهب جديد يدعو الناس إلى اتباعه، ولو فعل ذلك أحد لثاروا عليه، وعدوه بذلك خارجًا عن الجماعة وكادوا له، وكانت همة الفقيه -بعدهم- الذي سَمَتْ نفسه إلى الاجتهاد أن يكون في النهاية مجتهد مذهب، يفتي بمذهب إمامه، أو يرجح أحد الرأيين له في مسألة من المسائل.
2- القضاء:
فقد كان الخلفاء في الماضي يختارون قضاتهم ممن يتوسَّمُون فيهم العلم بكتاب الله وسنة رسوله، والقدرة على استنباط الأحكام، فيَكِلُون إليهم الحكم، بعد أن يأخذوا عليهم ألا يعملوا إلا بالنصوص فيما فيه نصٌّ، أو الرأي الذي هو أقرب إلى النصوص فيما لا يكون فيه نص، كما في كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري في القضاء: " الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، فاعرف الأشباه وقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق " ا. هـ.
وكان جمهور الناس يثقون بهؤلاء القضاة ثقة تامة، ثم تغيّرت الحال بامتداد الزمن، فوُجِد من القضاة من لم يحافظ على سمعته وثقة الناس به، بما يظهر للناس من خطئه فظهر منهم الميل؛ لأن يكون القاضي مقيدًا في قضاءه بأحكام مذهب معيّن، حتى لا يتيسر له الشذوذ ليقضي به إذا وافق هواه وغرضه.
وهيأ الله لكل مذهب من الملوك والسلاطين من يقلده ويقصر تولية القضاء عليه، فيزداد العلماء الذين يقومون به بنشره وإشاعته، كما حصل لمذهب الشافعي من نصرة محمود بن سُبكتكين في بلاد المشرق وصلاح الدين الأيوبي في مصر وكما كان لمذهب أبي حنيفة من نصرة العنصر التركي له، وكما حصل لمذهب مالك من نصرة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل من نشره في بلاد الأندلس وكما حصل لمذهب أحمد من نصرة الدولة السعودية له في بلاد نجد والحجاز وملحقاتهما في العصر الحاضر، وكان من أنشأ مدرسة أو وقف وقفًا قصره على ذلك المذهب، فكان ذلك سببًا في انتشاره وتقليد الناس له.
3- تدوين المذاهب:
فقد وُفّق لكل مذهب مدوّنون موثوق بهم، فدوّنوا ما تلقوه عن إمامهم من الأحكام، وأخذها منهم العدد الكثير من تلاميذهم، فبثوها بين الناس الذين اتبعوهم ثقة منهم بمن يفتونهم، وبذلك قضي على المذاهب التي لم ينشط أتباعها إلى تدوينها وتهذيبها حتى يسهل تناولها، ولذلك لم ينتشر مذهب الليث بن سعد مع فقهه وورعه، حتى قال الشافعي كان الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
أي لم يُعْنَوا بتدوين آرائه وبثها بين الناس، كما فعل أتباع مالك -رحمه الله-، ومثل الليث كثير من أئمة الصحابة والتابعين الذين لهم آراء واستنباطات جيدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:38 am

الإفتاء .. الصفحة الأولى


هل يجب العمل بفتوى المفتي ?
إذا استفتى العامي عالمًا فأفتاه، فهل يجب على المستفتي العمل بفتواه بحيث يكون عاصيًا إن لم يعمل بها، أو لا يجب عليه العمل.
في هذه المسألة أربعة أقوال، وهي أربعة أوجه لأصحاب أحمد.
القول الأول
: لا يلزمه العمل بها إلا أن يلتزمه هو، وإن لم يشرع في العمل بها.
حجة هذا القول:
أن التزامه للعمل بها دليل على اعتقاده أحقيتها.
ونوقش ذلك بما يأتي:
1- أن هذه الدعوى ممنوعة، لجواز أن يكون التزامه لمصلحة رآها أو دفع حرج عنه.
2- سلمنا اعتقاده الأحقيَّة، فهو اعتقاد لم يكن ناشئًا عن الشرع، ولا يجب الالتزام إلا على ما أوجب الشرع التزامه.
القول الثاني:
يلزمه العمل بها إذا شَرَعَ في العمل، ولا يلزمه إذا لم يَشْرع.
حجة هذا القول:
أنه إذا شرع في العمل بها فقد ألزم نفسه بها، وهذا يدل على اعتقاده أحقيتها.
ونوقش هذا الدليل بما نوقش به دليل القول الأول.
القول الثالث:
إن وقع في قلبه صحة فتواه، وأنها حق لزمه العمل بها، وإلا فلا.
حجة هذا القول:
أنه إذا وقع في قلبه صحته فقد اعتقد أحقيتها فلزمه العمل بها.
ونوقش هذا الدليل بما نوقش به دليل القول الأول والثاني.
القول الرابع:
التفصيل فيما إذا وجد مفتيًا غيره أو لم يجد.
فإذا لم يجد مفتيا آخر لزمه الأخذ بفتياه والعمل بها.
وجه ذلك:
أن فرض العامي التقليد وتقوى الله ما استطاع، وهذا هو المستطاع في حقه، وهو غاية ما يقدر عليه.
وإن وجد مفتيًا آخر فلا يلزمه العمل بقول المفتي الأول، وإنما هو بالخيار بين الأخذ بقول الأول واستفتاء الثاني، فإن استفتى الثاني فلا يخلو: إما أن يوافق بفتواه فتوى الأول أو يخالفه.
وجه ذلك:
أن موافقة الثاني للأول أبلغ في لزوم العمل، وأوجب من انفراد الأول.
وإن خالف الثاني الأول في فتواه فلا يخلو: إما أن يتبيَّن له الحق في إحدى الفُتياوين، أو لا.
فإن استبان له الصواب في إحداهما لزمه العمل بها.
وإن لم يستبن له لصواب في إحداهما فاختلف في ذلك، فقيل:
( ا ) يأخذ بالأرشد؛ لأن الحق شديد وثقيل.
( ب ) يأخذ بالأسهل؛ لأن الشريعة سهلة وميسرة.
( جـ ) يتخير في إحداهما؛ لتساوي المفتيين في التصدر للإفتاء.
( د ) يتوقف فيهما؛ لعدم تبين الصواب له منهما.
( هـ ) يأخذ بالأحوط؛ ولعل هذا هو الأرجح، لبعد المحتاط عن الخطأ.
الترجيح:
بعد ذكر الأقوال في هذه المسألة ومستند كل قول، يترجح لنا  القول الرابع منها.
ووجه ترجيحه:
1- ما سبق من التفصيل فيه ووجهة كل جزء منه.
2- ما سبق من مناقشة ما استند إليه كل قول من الأقوال الثلاثة الأولى في المسألة

 أقسام المُسْتَفْتِي
المُسْتَفْتِي لا يخلو بالقسمة العقلية من واحد من أربعة أقسام:
القسم الأول: أن يكون عالمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد، واجتهد في المسألة، وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام.
القسم الثاني: أن يكون عالمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد، ولم يجتهد في المسألة.
القسم الثالث: أن يكون عاميًا صِرْفًا، لم يحصل على شيء من العلوم.
القسم الرابع: أن يكون قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد.
حكم كل قسم من الأقسام السابقة:
القسم الأول: وهو ما إذا كان المُسْتَفْتِي عالمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد، واجتهد في المسألة، وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام، فهذا لا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين في خلاف ما أوجبه ظنه، وتَرْك ظنه في ما أداه إليه اجتهاده بلا نزاع بين العلماء .
أما القسم الثاني: وهو ما إذا كان المُسْتَفْتِي عالمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد، بحيث لو بحث في المسألة أدَّاه اجتهاده إلى حكم من غير حاجة إلى تعب كثير، لكنه لم يجتهد في المسألة، فهل يجوز له استفتاء غيره وتقليده، أم يجب عليه الاجتهاد؟ وقبل الدخول والخوض في خلاف العلماء في هذه المسألة لا بد من تحرير محل النزاع.
1- اتَّفق العلماء على أن المجتهد إذا اجتهد فغلب على ظنه الحكم، لا يجوز له تقليد غير واستفتاؤه، كما سبق ذكر ذلك آنفًا في القسم الأول.
2- واتفق الجمهور على أن العامي له تقليد المجتهد، كما سبق تحقيق ذلك في الباب الأول .
ومحل النزاع:
مجتهد عنده استطاعة، تكاسل ولم يجتهد، بل قلد غيره؛ اعتمادًا عليه، وهو أهل للاجتهاد - هل يجوز له ذلك أم لا؟.
في المسألة سبعة مذاهب للعلماء :
المذهب الأول: لا يجوز للمجتهد قبل البحث أن يقلد غيره مطلقًا، صحابيًا أو تابعيًا أو غيرهما، أعلم منه أو مساويًا أو أدنى، عند ضيق الوقت أو سعته، في عمله أو إفتائه، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
المذهب الثاني: يجوز للمجتهد قبل البحث أن يقلد غيره مطلقًا، صحابيًا أو تابعيًا أو غيرهما، أعلم منه أو مساويًا أو أدنى، عند ضيق الوقت أو سعته، في عمل أو إفتائه، ونسب هذا إلى الإمام أحمد ولكن نسبته غير صحيحة .
المذهب الثالث: يجوز للمجتهد قبل البحث تقليد الصحابي دون من بعده.
المذهب الرابع: يجوز للمجتهد قبل البحث تقليد الصحابي أو التابعي دون من بعدهما.
المذهب الخامس: يجوز للمجتهد قبل البحث تقليد الأعلم دون المساوي والأدنى، وهو قول محمد بن الحسن .
المذهب السادس: يجوز للمجتهد قبل البحث تقليد غيره عند ضيق الوقت لا في سعته.
المذهب السابع: يجوز للمجتهد قبل البحث تقليد غيره في عمله خاصة، دون إفتائه، وهو قول بعض أهل العراق.

وسوف لا نذكر إلا حجج المذهبين الأول والثاني؛ لقوتهما دون المذاهب الأخرى:
أدلة المذهب الأول: القائلين بالمنع من تقليد المجتهد قبل البحث لغيره مطلقًا، وهي أدلة نقلية ودليل عقلي، أما الأدلة النقلية:
الأول: قوله -تعالى-: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } .
ووجه الاستدلال:
أن الله -تعالى- أمر أولي الأبصار بالاعتبار، والمجتهد -الذي لم يبحث- من أولي الأبصار فهو مأمور بالاعتبار، وتقليد العالم للعالم يلزم منه ترك الاعتبار، فيكون غير جائز.
الدليل الثاني: قوله -تعالى-: {  وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } .
ووجه الدلالة:
أن الله أخبر أنه لو رُدَّت الأمور التي تنزل بالناس إلى أولي الأمر - وهم العلماء - لعلم حكمها من يقدر على الاستنباط، والمجتهد -الذي لم يبحث- من العلماء القادرين على الاستنباط، وتقليده لعالم آخر يلزم منه تركه للاستنباط مع قدرته عليه، وردّه الأمر إلى غيره، مع أنه مردود إليه، فيكون غير جائز.
الدليل الثالث: {  قوله -تعالى-: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ }  .
ووجه الاستدلال:
أن الله -تعالى- أنكر على من لم يتدبَّر، والمجتهد الذي لم يبحث قادر على التدبر، وتقليده لعالم آخر يلزم منه ترك التدبر، فيكون غير جائز.
الدليل الرابع: قوله -تعالى-:{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }  .
ووجه الدلالة:
أن الله -تعالى- أمر برد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة، والمجتهد الذي لم يبحث قادر على الرد إليهما، وتقليده لعالم آخر يلزم منه ترك الرد إليهما، فيكون غير جائز.
الدليل الخامس: قوله -تعالى-: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } .
ووجه الاستدلال:
أن الله -تعالى- أمر بالعمل بحكمه عند الاختلاف، وتقليد المجتهد الذي لم يبحث لعالم آخر يلزم منه ترك العمل بحكم الله، فيكون غير جائز.
الدليل السادس: قوله -تعالى-:{ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } .
ووجه الدلالة:
أن الله أمر باتباع المنزَّل، والمجتهد الذي لم يبحث قادر على الاتباع، وتفليده لعالم آخر يلزم منه ترك اتباع المنزل، فيكون غير جائز.
الدليل السابع: قوله -تعالى-: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .
ووجه الاستدلال:
أن الله نهى المسلم عن اقتفاء ما ليس له به علم، وتقليد المجتهد الذي لم يبحث لعالم آخر اقتفاء لما ليس له به علم، فيكون منهيًا عنه.
وأما الدليل العقلي فهو: القول بجواز التقليد لمن لا تثبت عصمته، ولا تعلم إصابته حكمًا شرعيًا لا يثبت إلا بدليل من نص أو قياس، والأصل عدم ذلك الدليل، فلا نصَّ ولا قياس إلا في حق العامي مع المجتهد، ولا يلزم من جواز ذلك في حق العامي العاجز عن التوصل إلى تحصيل مطلوبه من الحكم جواز ذلك في حق القادر على الاجتهاد والاستنباط، لما بينهما من الفرق، فإن العامي عاجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه، والمجتهد قادر، فلا يتفقان في الحكم.
أدلة المذهب الثاني: القائلين بجواز تقليد المجتهد قبل البحث لغيره مطلقًا، وهي من النقل، والعقل، والأثر.
أدلتهم النقلية:
الأول: قوله -تعالى-: {  فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
ووجه الدلالة:
أن الله أمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر، وأدنى درجات الأمر جواز اتباع المسئول، والمجتهد الذي لم يبحث لم يكن من أهل العلم في هذه المسألة فواجبه السؤال، ويلزم منه جواز التقليد.
وأجاب أهل المذهب الأول عن هذا الدليل بجوابين:
أحدهما: أن المراد بأهل الذكر أهل العلم والمخاطب بالأمر بالسؤال العوام فالآية تأمر العامة بسؤال العلماء ؛ إذ ينبغي أن يتميز السائل عن المسئول، والمجتهد الذي لم يبحث من أهل العلم فهو مسئول وليس بسائل، ولا يخرج عن العلماء بكون المسألة غير حاضرة في ذهنه، إذ المراد بالعالم المتمكن من تحصيل العلم بأهليته فيما يسأل عنه، لا من هو عالم بالمسألة المسئول عنها بالفعل، فإن أهل الشيء تطلق في اللغة على من هو متأهّل لذلك الشيء لا من حصل له ذلك الشيء، والأصل تنزيل اللفظ على ما هو حقيقة فيه، فتختص الآية بسؤال من ليس من أهل العلم كالعامي لمن هو أهل له.
الثاني: يحتمل أن يكون معنى الآية: اسألوا، أيها المجتهدون ؛ لتعلموا، أي سلوا عن الدليل ليحصل العلم، لا عن الحكم ليحصل التقليد، ونظيره قولهم: كل لتشبع واشرب لتَرْوَ، أي كل ليحصل الشبع، واشرب ليحصل الري.
الدليل الثاني: قوله -تعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .
ووجه الاستدلال:
أن الله -تعالى- أمر بطاعة أولي الأمر - وهم العلماء - والمجتهد الذي لم يبحث في المسألة غير عالم فيها، فيكون مأمورًا بطاعة العالم فيها، وأدنى درجات الطاعة جواز اتباعه وتقليده.
وأجاب أهل المذهب الأول عن هذا الدليل بجوابين:
أحدهما بالمنع: فليس المراد بأولي الأمر العلماء بل المراد بهم الولاة والحكام ؛ لوجوب طاعتهم على الرعية، لا العلماء ؛ إذ لا يجب على المجتهد طاعة المجتهد الثاني بالتسليم: سلمنا أن المراد بأولي الأمر العلماء فالطاعة واجبة على العوام والمجتهد الذي لم يبحث من العلماء وليس من العوام فلا تجب عليه الطاعة.
وأما استدلالهم العقلي:
فقالوا: إن المجتهد قبل البحث لا يقدر باجتهاده على غير الظن، واتباعه لغيره فيما ذهب إليه مفيد للظن، وظن غيره كظنه، والظن معمول به في الشرعيات، فكان تقليده لعالم آخر جائزًا.
وناقش أهل المذهب الأول هذا الدليل: بأننا نسلّم أن المجتهد لا يقدر على غير الظن، لكن مع كونه لا يقدر على غير الظن، فإنه إذا اجتهد وحصل ظنه لم يجز له اتباع ظن غيره، وتقليده في خلاف ما أدى إليه اجتهاده إجماعًا؛ لأن ظنه أصل، وظن غيره بدل، ولو جاز له التقليد مع قدرته على البحث والاجتهاد لكان ذلك بدلًا من اجتهاده.
والأصل أنه لا يجوز العدول إلى البدل مع إمكان تحصيل المبدل، وإذا لم يجز العدول إلى البدل -وهو ظن غيره من المجتهدين - مع وجود المبدل -وهو ظنه باجتهاده- لم يجز له التقليد مع القدرة على الاجتهاد، كسائر الأبدال والمبدلات، إلا أن يَرِدَ نص بالتخيير فترتفع البدلية، أو يرد نص بأنه بدل عند العدم لا عند الوجود، كما في بنت المخاض وابن اللبون في زكاة خمس وعشرين من الإبل، فإن وجود بنت مخاض يمنع من أداء ابن لبون، ولا يمنع ذلك عند عدمها، لكن الأصل عدم ذلك النص.
وأما استدلالهم بالأثر:
فقالوا: لم ينقل عن طلحة والزبير ونظرائهما من الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وهم أهل الشورى، نظر في الأحكام مع ظهور الخلاف، وهذا يدل على أنهم أخذوا بقول غيرهم، فدل على جواز تقليد المجتهد الذي لم يبحث لمن بحث وعلم.
وناقش أهل المذهب الأول هذا الدليل: بأن هؤلاء الصحابة الذين ذكرتم كانوا لا يفتون اكتفاء بغيرهم من الصحابة وأما علمهم لأنفسهم فلم يكن إلا بما عرفوه من الكتاب، وبما سمعوه من النبي -صل الله عليه وسلم- ، فإن وقعت واقعة أشكلت عليهم ولم يعرفوا دليلها، شاروا غيرهم لتعرف الدليل، لا التقليد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:47 am

... تابع
الإفتاء .. 




الترجيح:
بعد ذكر المذاهب وسياق الأدلة من الجانبين يتبين لي أن الراجح هو المذهب الأول، وهو القول بأنه لا يجوز تقليد المجتهد قبل البحث لغيره مطلقًا.
ووجه ترجيحه: ما سبق من مناقشة أدلة القائلين بجواز تقليد المجتهد قبل البحث لغيره مطلقٌا .
وأما القسم الثالث:
وهو أن يكون المستفتِي عاميًا صرفًا لم يحصل على شيء من العلوم، فهذا لا يجوز له تقليد المجتهد بل يجب عليه، كما هو رأي جمهور العلماء .
وأما القسم الرابع:
وهو أن يكون المستفتِي قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة في رتبة الاجتهاد، فهو متمكن من الاجتهاد في بعض المسائل، ولا يقدر على الاجتهاد في البعض الآخر إلا بتحصيل علم على سبيل الابتداء، كالنحو في مسألة نحوية، وعلم صفات الرجال في مسألة خبرية، فهو يشبه العامي ويشبه المجتهد، فهذا القسم الأرجح فيه أنه كالعامي فيما لم يحصل عليه فيقلد فيه، وكالمجتهد فيما وصل إليه بالاجتهاد، فلا يقلد فيه
 اختيار المستفتِي للمفتي وبما يعرف أنه أهل للفُتْيَا، وحكم استفتاء مجهول الحال
قبل الدخول في الخلاف في هذه المسألة، نحرّر محل النزاع، ونذكر العلامات التي بها يَعرف المستفتِي أهلية من يريد استفتاءه للفتوى، ثم نبين محل النزاع:
القائلون بموجب الاستفتاء على العامي - وهم الجمهور - اتفقوا على أمور:
1- اتفقوا على جواز استفتاء العامي لمن عُرف بالعلم والفضل وأهلية الاجتهاد والعدالة.
2- اتفقوا على منع استفتاء العامي وتقليده لمن عرف بالجهل أو الفسق أو بهما معًا؛ لأن سؤاله تضييع لأحكام الشريعة.
و يَعرف المستفتي أهلية من يستفتيه للفتوى بإحدى العلامات التالية:
( أ ) أن يراه منتصبًا للفتوى بمشهد من أعيان العلماء .
( ب ) أن يرى إجماع الناس على سؤاله وأخذهم عنه.
( جـ ) أن يتواتر بين الناس أو يستفيض كونه أهلًا للفتوى
العمل إذا حدثت للمفتي حادثة ليس فيها قول لأحد العلماء
اختلف العلماء هل يجوز للمفتي والحاكم الإفتاء والحكم بالاجتهاد في الحادثة التي ليس فيها قول لأحد العلماء ؟ على ثلاثة آراء: الأول: أنه يجوز له الإفتاء والحكم.
حجة هذا الرأي:
1- قوله -صل الله عليه وسلم-: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر .
ووجه الدلالة: أن الحديث عامٌّ يشمل ما اجتهد فيه مما عرف فيه أقوالًا لمن قبله واجتهد في الصواب منها، وما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قولًا لمن سبقه.
2- أن الاجتهاد في الحادثة التي لا يوجد فيها قول لمن سبق دَرَجَ عليه السلف والخلف وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يُسألون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها، والواقع شاهد بذلك، فعند التأمل يوجد مسائل كثيرة واقعة وهي غير منقولة.
3- أن الحاجة داعية إلى الاجتهاد، لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث، والمنقول عن السابقين -مهما اتسع- لا يفي بوقائع العالم جميعًا.
الرأي الثاني: لا يجوز له الإفتاء والحكم، بل يتوقف في المسألة حتى يظفر فيها بقول لمن سبق.
حجة هذا الرأي: ما قاله الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام .
الرأي الثالث: التفرقة بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، فيجوز الإفتاء والحكم في مسائل الفروع دون مسائل الأصول.
حجة هذا الرأي: أن مسائل الفروع تتعلق بالعمل وتشتدّ الحاجة إليها، والخطر فيها أسهل من غيرها، بخلاف مسائل الأصول فلا تتعلق بالعمل ولا تشتدّ الحاجة إليها، والخطر فيها أشدّ من غيرها.
الترجيح: بعد ذكر الآراء في المسألة، وحجة كل رأي، يتبيَّن لي أن الراجح في المسألة: الجواز، بشرطين:
1- أن تدعو الحاجة إلى الاجتهاد.
2- أن يكون المفتي أو الحاكم أهلًا للاجتهاد.
أما إذا لم تَدْعُ الحاجة إلى الاجتهاد، أو كان المفتي أو الحاكم ليس أهلًا للاجتهاد، فلا يجوز
المجتهد المطلق المفتى


إما أن يكون مجتهدًا مطلقًا، وإما أن يكون مجتهدًا مقيدًا، ويقال له مجتهد المذهب.
 المجتهد المطلق:
في ما يشترط فيه وما لا يشترط فيه.
فإن كان المفتي مجتهدًا مطلقًا متصديًا للحكم والفتوى في جميع مسائل الفقه، فيشترط فيه ما يأتي:
1- أن يكون عارفًا بالأدلة العقلية، كأدلة حدوث العالم، وأن له صانعًا، وأنه واحد، متصف بصفات الكمال والجلال، منزه عن صفات النقص والخَلَل، وأنه واجب الوجود لذاته، حتى يُتَصور منه التكليف.
2- وأن يكون مصدقًا بالرسول، وما جاء به من الشرع المنقول عن الله، وأن الله أيده بالمعجزات الدالة على صدقه في رسالته، وتبليغه للأحكام الشرعية؛ ليكون فيما يسنده إليه من الأقوال والأحكام محققًا.
3- أن يكون عالمًا بمدارك الأحكام الشرعية، من كتاب وسنة وإجماع واستصحاب وقياس، ووجوه دلالاتها على مدلولاتها، واختلاف مراتبها، والشروط المعتبرة فيها، ومعرفة الراجح منها عند ظهور التعارض، وتقديم ما يجب تقديمه منها، كتقديم النص على القياس، وكيفية استثمار الأحكام منها، قادرًا على تحريرها وتقريرها، والإجابة عن الاعتراضات الواردة عليها.
4- أن يكون عالمًا بالناسخ والمنسوخ، ومواضع الإجماع والاختلاف، ويكفي في ذلك أن يعلم أن ما يستدل به ليس منسوخًا، وأن المسألة التي يبحث فيها ليست من واقع الإجماع.
5- أن يكون عارفًا بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث من أنواع الصحيح والحسن، والتمييز بين ذلك وبين الضعيف الذي لا يحتج به، بأن يكون عارفًا بالرواة وطرق الجرح والتعديل.
6- أن يكون عارفًا بأسباب النزول، عالمًا باللغة والنحو، ويكفيه من ذلك ما تيسر به فهم خطاب العرب، بحيث يميّز بين دلالات الألفاظ، من المطابقة والتضمن والالتزام والمفرد والمركب، والكلّي والجزئي، والحقيقة والمجاز، والتواطؤ والاشتراك، والترادف، والتباين، والنص والمظاهر، والعام والخاص، والمطلق والمقيَّد، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء.
7- أن يكون عارفًا بكيفية إقامة الأدلة ونصبها وشروطها.
8- أن يكون عدلًا ثقة، حتى يوثق به فيما يخبر عنه من الأحكام الشرعية.
ما لا يشترط فيه:
1- لا يشترط فيه أن يكون عارفًا بدقائق علم الكلام، متبحرًا فيه كالمشاهير من المتكلمين، بل يشترط أن يكون عارفًا بما يتوقف عليه الإيمان كما سبق.
2- ولا يشترط في معرفة الكتاب معرفة كل الكتاب، بل معرفة ما يتعلق منه بالأحكام، ولا يشترط حفظ آيات الأحكام، بل يكفي علم مواضعها في المصحف، ومعرفة موقع ما يحتاج إليه في المسألة التي يبحث فيها.
3- ولا يشترط في معرفة السُّنَّة معرفة كل الأحاديث، بل معرفة أحاديث الأحكام، ولا يشترط حفظ أحاديث الأحكام، بل يكفي معرفة مواقع أحاديث الأحكام، ومعرفة موقع ما يحتاج إليه في المسألة التي يبحث فيها، ومعرفة صحة الحديث الذي يعتمد عليه في المسألة التي يبحث فيها.
4- ولا يشترط معرفة تفاريع الفقه؛ لأنها مما ولَّده المجتهدون بعد حيازة منصب الاجتهاد.
5- ولا يشترط أن يكون في اللغة كالأصمعي وفي النحو كسيبويه والخليل بأن يعرف دقائق العربية والتصريف، بل يكفي من ذلك ما يعرف به أو ضاع العرب والجاري من عاداتهم في المخاطبات.
ما يستحب له:
ويستحب للمفتي أن يكون قاصدًا للإرشاد وهداية العامة، لا بجهة الرياء والسمعة متصفا بالسكينة والوقار؛ ليرغب المستمع في قبول ما يقوله، كافًا نفسه عمَّا في أيدي الناس، حَذِرًا من التنفير عنه .
حكم فتوى المجتهد المطلق بمذهب غيره من الناس
هل يجوز للمجتهد أن يفتي مَن سأله عن مذهب رجل معين؟
إذا سُئل المجتهد المطلق عن مذهب رجل معين في مسألة فلا يخلو من أن يكون هذا المذهب صوابًا أو غير صواب، فإن كان صوابًا جاز نقله له مطلقًا، وإن كان هذا الرأي أو المذهب غير صواب جاز نقله له بشرط أن يقول بعد ذلك مقالا يصرح به أو يلوح أن الحق خلاف ذلك، لا سيما إذا كان يعرف أن السائل سيعتقد ذلك الرأي أو المذهب المخالف للصواب؛ لأمرين:
1- أن في نقل هذا العالم لذلك المذهب المخالف للصواب، وسكونه عنه، إيهام بأنه حق، وفي هذا مفسدة عظيمة.
2- ولأن الله -تعالى- أخذ على العلماء البيان للناس في قوله -تعالى-:   { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ وقال -تعالى- في وعيد الكاتمين: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }  .
فإن كان يخشى على نفسه من بيان فساد ذلك المذهب؛ فليَدَعِ الجواب ويحيل على غيره، فإن لم يسأله عن شيء يجب عليه بيانه، فإن ألجأته الضرورة، ولم يتمكن من التصريح بالصواب، فعليه أن يصرح تصريحًا لا يبقى معه شك لمن يقف عليه أن هذا مذهب فلان أو رأي فلان، الذي سأل عنه السائل ولم يسأل عن غيره
تعريف المجتهد وشروطه
هو الذي يستنبط الأحكام من أدلتها بناء على قواعد إمام مذهبه، ويستخرج الوجوه من الروايات المنصوصة عن إمامه.
فلا بد له من شرطين:
الأول: معرفة قواعد الإمام، بحيث يكون مطلعًا على مأخذ المجتهد المطلق الذي يقلده.
الثاني: القوة على استخراج ما يشبه ما نص عليه من الأحكام، بحيث يكون قادرًا على التفريع على قواعد إمامه وأقواله، متمكنًا من الفرق والجمع والنظر والمناظرة في ذلك
فتوى مجتهد المذهب بقول إمامه
اختلف العلماء فيما إذا كان الرجل مجتهدًا في مذهب إمام، ولم يكن مستقلًا بالاجتهاد: هل له أن يفتي بقول ذلك الإمام؟
على قولين:
هما وجهان لأصحاب الشافعي وأحمد .
القول الأول:
يجوز له أن يفتي بقوله لما يأتي:
1- أن متَّبِعه مقلِّد للميت لا له، وإنما له مجرد النقل عن الإمام.
2- ولوقوع ذلك في الأعصار متكررًا شائعًا من غير إنكار.
القول الثاني:
لا يجوز له أن يفتي بقوله لما يأتي:
1- أن المسائل مقلد له لا للميت، فكأن السائل يقول: أنا أقلدك فيما تفتيني به. والحال أنه لم يجتهد له.
2- ولانتفاء وصف الاجتهاد المطلق عنه.
الترجيح:
والذي يترجح في هذه المسألة أن هذا فيه تفصيل يختلف باختلاف حال المسائل، فإنه إن كان السائل يطلب الحق ويريد حكم الله -تعالى- في المسألة فإنه يجب على المفتي أن يجتهد له، ولا يجوز له أن يفتيه بقول الإمام من غير معرفة بأنه حق أو باطل، وتكون التَّبِعة حينئذ على المفتي.
وإن كان السائل يطلب مذهب الإمام، ويقول: أريد أن أعرف قول الإمام ومذهبه في هذه الحادثة، فإنه يجوز له أن يفتيه بقول الإمام، ويكون حينئذ مخبرًا وناقلًا فقط، وتكون التبعة على السائل
 حكم فتوى المنتسب إلى إمام بالقول الذي رجع عنه إمامه
" هل للمفتي أن يفتي بالقول الذي رجع عنه إمامه ؟ ".
يجوز للمفتي المنتسب إلى مذهب أن يفتي بالقول الذي صرح إمامه بالرجوع عنه إذا ترجح عنده؛ وذلك لأن القول الذي قال به الإمام أولًا ثم رجع عنه بمنزلة ما لم يقله، ولا يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه، فإن أتباع الأئمة كثيرًا ما يفتون بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها، ومن أمثلة ذلك:
1- الأحناف يفتون بلزوم المنذورات التي مخرجها مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة، مع أنهم حكوا عن أبي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير.
2- الحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران، مع أن الإمام أحمد صرح بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع.
3- الشافعية يفتون بالمذهب القديم بعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين.
وهذا كله يبين أن أهل العلم لا يتقيدون بالتقليد المحض، الذي يتركون من أجله قول كل من خالف من قلدوه، وهي طريقة مذمومة، مخالفة للصواب، حادثة في الإسلام، مستلزمة لأنواع من الخطأ، وهي ناشئة عن التعصب لمذهب معين وإمام معين
في حكم فتوى مجتهد المذهب بمذهب غير إمامه من المجتهدين
هل يجوز لمجتهد المذهب الفتوى بمذهب غيره من المجتهدين ؟
اختلف العلماء هل يجوز لمجتهد المذهب، الذي لم يستقل بالاجتهاد، أن يفتي بمذهب غيره من المجتهدين على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز له الفتوى، وإلى هذا ذهب أبو الحسين البصري وجماعة من الأصوليين .
حجة هذا القول:
1- أنه إنما يسأل عمَّا عنده لا عما عند غيره.
2- ولأنه لو جازت الفتوى بطريق الحكاية عن مذهب الغير لجاز ذلك للعامي، وهذا مخالف للإجماع.
القول الثاني: أنه يجوز له الفتوى إذا ثبت ذلك عنده بنقل من يوثق بقوله.
حجة هذا القول: أنه إذا ثبت عنده مذهب غيره بالنقل الموثوق به تساوى عنده هذا المذهب بمذهبه؛ وبما أنه يجوز له أن يفتي بمذهبه، فكذلك يجوز له الإفتاء بمذهب غيره المساوي له.
الترجيح: والذي يترجح لي أنه إذا وجدت فيه شروط مجتهد المذهب، وهي:
1- معرفة قواعد إمام المذهب المُفْتَى به.
2- والقدرة على التفريع على قواعد هذا الإمام.
جاز الفتوى تمييزًا له عن العامي.
ووجه الترجيح: أنه بتحقق هذه الشروط أصبح أهلًا للإفتاء بمذهب الغير، كما هو أهل للإفتاء بمذهبه


...  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:48 am

... تابع
[size=24]الإفتاء .. [/size]


 ما العمل إذا حدثت للمفتي حادثة ليس فيها قول لأحد العلماء ؟
اختلف العلماء هل يجوز للمفتي والحاكم الإفتاء والحكم بالاجتهاد في الحادثة التي ليس فيها قول لأحد العلماء ؟
على ثلاثة آراء:
الأول: أنه يجوز له الإفتاء والحكم.
حجة هذا الرأي:
1- قوله -صل الله عليه وسلم-: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر .
ووجه الدلالة: أن الحديث عامٌّ يشمل ما اجتهد فيه مما عرف فيه أقوالًا لمن قبله واجتهد في الصواب منها، وما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قولًا لمن سبقه.
2- أن الاجتهاد في الحادثة التي لا يوجد فيها قول لمن سبق دَرَجَ عليه السلف والخلف وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يُسألون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها، والواقع شاهد بذلك، فعند التأمل يوجد مسائل كثيرة واقعة وهي غير منقولة.
3- أن الحاجة داعية إلى الاجتهاد، لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث، والمنقول عن السابقين -مهما اتسع- لا يفي بوقائع العالم جميعًا.
الرأي الثاني: لا يجوز له الإفتاء والحكم، بل يتوقف في المسألة حتى يظفر فيها بقول لمن سبق.
حجة هذا الرأي:
ما قاله الإمام أحمد لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام .
الرأي الثالث: التفرقة بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، فيجوز الإفتاء والحكم في مسائل الفروع دون مسائل الأصول.
حجة هذا الرأي: أن مسائل الفروع تتعلق بالعمل وتشتدّ الحاجة إليها، والخطر فيها أسهل من غيرها، بخلاف مسائل الأصول فلا تتعلق بالعمل ولا تشتدّ الحاجة إليها، والخطر فيها أشدّ من غيرها.
الترجيح:
بعد ذكر الآراء في المسألة، وحجة كل رأي، يتبيَّن لي أن الراجح في المسألة: الجواز، بشرطين:
1- أن تدعو الحاجة إلى الاجتهاد.
2- أن يكون المفتي أو الحاكم أهلًا للاجتهاد.
أما إذا لم تَدْعُ الحاجة إلى الاجتهاد، أو كان المفتي أو الحاكم ليس أهلًا للاجتهاد، فلا يجوز
 حكم إفتاء المتفقِّه القاصر وتقليده
هل يجوز للمقلِّد تقليد المتفقِّه القاصر عن معرفة الكتاب والسنة ؟
إذا تفقَّه رجل، وقرأ بعض كتب الفقه، لكنه قاصر عن معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف والاستنباط والترجيح، فهل يسوغ تقليده في الفتوى أم لا؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: المنع من تقليده مطلقًا، وجد مجتهد غيره أو لم يوجد، وسواء كان مطلعًا على مأخذ من يفتي بقوله أو لم يكن كذلك.
مستنَد هذا القول: أنَّ من لا يعرف الكتاب والسنة وآثار السلف والاستنباط والترجيح بمنزلة العامي، فلا يجوز تقليده، وإن قرأ بعض كتب الفقه.
القول الثاني: جواز تقليده مطلقًا، وجد مجتهد غيره أم لا، سواء كان مطلعًا على مأخذ من يفتي بقوله أو لم يكن كذلك.
مستند هذا القول: أنه قد تفقَّه، وعرف كلام الفقهاء وما استندوا إليه، وما استدلُّوا به، وهذا يخرجه عن العامية المانعة من تقليده، وإن لم يكن قادرًا على الاستنباط والترجيح.
القول الثالث: جواز تقليده إن كان مطلعًا على مأخذ من يفتي بقوله، وعدم جوازه إن لم يكن مطلعًا على مأخذه.
مستند هذا القول: أنه إن كان مطلعًا على مأخذ إمامه يكون عالمًا بما يستند إليه من حجة، فيكون بمنزلة العالم المجتهد، فيجوز تقليده، بخلاف ما إذا لم يكن مطلعًا على مأخذه فلا يكون له علم بما استند إليه إمامه، فيكون بمنزلة العامي فلا يجوز تقليده.
القول الرابع: جواز تقليده إذا لم يوجد المجتهد، وعدم جواز تقليده مع وجود المجتهد.
مستند هذا القول: أنه عند عدم المجتهد وفقده تكون هناك حاجة إلى تقليده، بخلاف ما إذا وجد المجتهد فلا حاجة إليه.
الترجيح: والذي يترجَّح لي من هذه الأقوال هو القول الرابع، وهو: أنه إن كان السائل المقلِّد يمكنه أن يصل إلى عالم غيره يفتيه بما تيَّقن به الصواب، لم يجز له استفتاؤه، ولا يحل لهذا المتفقِّه أن يتصدر للفتوى مع وجود هذا العالم، وإن لم يمكنه أن يصل إلى عالم غيره يسأله بحيث لا يوجد، جاز له استفتاؤه وتقليده في الفتوى.
وجه ترجيحه:
1- أن الله -تعالى- قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وتقليد المتفقِّه عند عدم وجود عالم مجتهد غيره هو الذي يستطيعه العامي من تقواه التي أمر بها، ولا يستطيع غير ذلك.
2- أن تقليد المتفقِّه عند عدم المجتهد أولى من أن يُقْدِم العامي على العمل بلا علم، أو البقاء في حيرة وتردد، على جهل وعمى
اختيار المستفتِي للمفتي وبما يعرف أنه أهل للفُتْيَا، وحكم استفتاء مجهول الحال
تحرّر محل النزاع، ونذكر العلامات التي بها يَعرف المستفتِي أهلية من يريد استفتاءه للفتوى،
محل النزاع، :
القائلون بموجب الاستفتاء على العامي - وهم الجمهور - اتفقوا على أمور:
1- اتفقوا على جواز استفتاء العامي لمن عُرف بالعلم والفضل وأهلية الاجتهاد والعدالة.
2- اتفقوا على منع استفتاء العامي وتقليده لمن عرف بالجهل أو الفسق أو بهما معًا؛ لأن سؤاله تضييع لأحكام الشريعة.
و يَعرف المستفتي أهلية من يستفتيه للفتوى بإحدى العلامات التالية:
( أ ) أن يراه منتصبًا للفتوى بمشهد من أعيان العلماء.
( ب ) أن يرى إجماع الناس على سؤاله وأخذهم عنه.
( جـ ) أن يتواتر بين الناس أو يستفيض كونه أهلًا للفتوى.
( د ) أن يبدو منه ويظهر عليه سمات الدين والخير والستر.
( هـ) أن يخبره عدل أو عدلان بأنه أهل للفتوى.
ومحل النزاع في هذه المسألة: من جهل حالَه المستفتي دينًا وعلمًا، فهل يستفتيه أم لا؟.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز تقليده واستفتاؤه.
حجة هذا القول ما يأتي:
1- أنه لا يؤمن أن يكون حال المسئول كحال السائل في العامية المانعة من قبول قوله، وكيف يقلد من يجوز أن يكون أجهل من السائل؟ واحتمال صفة العامية أرجح من احتمال صفة العلم والاجتهاد؛ لأن الأصل في الناس أنهم أميون إلا الآحاد، فالغالب إنما هم العوام واندراج مجهول الحال تحت الأغلب أغلب على الظن من اندراجه تحت الأقل.
2- أن كل من وجب عليه قبول قول غيره وجب عليه معرفة حاله دينًا وعلمًا، ويتضح ذلك ببيان أربعة أشياء:
( أ ) أنه يجب على الأمة معرفة حال الرسول بالنظر في معجزاته، ولا يصدّق كل مجهول يدعي أنه رسول الله.
( ب ) أنه يجب على الحاكم معرفة حال الشاهد في العدالة.
(جـ ) أنه يجب على العالم بالخبر معرفة حال رواته.
(د ) أنه يجب على الرعية معرفة حال الإمام والحاكم.
القول الثاني: أنه يجوز تقليد مجهول الحال واستفتاؤه:
حجة هذا القول ما يأتي:
1- العادة والعرف، وذلك أن العادة جرت بأن من دخل بلدة يريد أن يسأل عن مسألة لا يبحث عن عدالة من يستفتيه ولا عن علمه.
2- سلَّمنا أنه يسأل عن علمه لكنه لا يسأله عن عدالته، وإذا لم يلزمه السؤال عن عدالته فإنه لا يلزمه السؤال عن علمه لعدم الفرق بينهما.
وناقش أهل المذهب الأول المانعين من استفتاء مجهول الحال هذين الدليلين:
أما الأول: فبالمنع من جريان العادة من المستفتي عند إرادة الاستفتاء أنه لا يبحث عن عدالة من يستفتيه، بل لا بد من السؤال عن العدالة بما يغلب على الظن من قول عدل أو عدلين.
وأما الثاني: فمنع التسليم بأنه لا يحتاج إلى البحث عن عدالته، فلا نسلّم عدم الفرق بين العدالة والعلم، بل إن هنالك فرقًا بينهما، وذلك أن الغالب من حال المُسْلم العالم - المستور - العدالة، لا سيما إذا اشتهر بالفُتْيَا والاجتهاد، حتى يُثبت الجارح.
فالأصل في العلماء أنهم عدول إلا الآحاد، فلا يسأل عن عدالتهم، وهذا يكفي في إفادة الظن، وليس كذلك في العلم، فليس الأصل في الخلق نيل درجة الاجتهاد، وليس الأصل في كل إنسان أن يكون عالمًا مجتهدًا، ولا الغالب ذلك؛ لغلبة الجهل، وكون الناس عوامًا إلا الأفراد، فحصل فرق بين العلم والعدالة.
الترجيح: بعد أن ذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وأدلة كل من الرأيين يبدو لي أن الراجح في المسألة هو الرأي الأول، وهو القول بالمنع من تقليد مجهول الحال.
ووجه ترجيحه: ما سبق من مناقشة أدلة المجيزين لاستفتاء مجهول الحال وتقليده
حكم إفتاء العامي بما علم
هل يجوز للعامي إذا علم مسألة أن يفتي فيها ؟
إذا عرف العاميّ حكم حادثة بدليلها، فهل يجوز له أن يفتي بها، وهل يسوغ لغيره أن يقلِّده فيها.
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال، وهي ثلاثة أوجه للشافعية .
القول الأول: أنه يجوز للعامي أن يفتي فيها مطلقًا.
مستند هذا القول: أن العامي قد أدرك العلم بتلك الحادثة ودليلها، فيجوز له الإفتاء فيها قياسًا على العالم، وإن تميَّز العالم عن العامي بما يتمكَّن به من تقرير الدليل، ودفع ما يَرِدُ عليه من اعتراض ، إلا أنه قدرٌ زائد على معرفة الحق بدليله.
القول الثاني: أن العاميَّ ليس أهلًا للاستدلال والعلم بشروطه، وما يعارضه، وربما توهَّم ما ليس بدليل دليلًا.
القول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن كان دليل تلك الحادثة كتابًا أو سنة جاز للعامي الإفتاء فيها، وإن كان دليلها غيرهما، كالقياس مثلًا لم يجز له الإفتاء.
مستند هذا القول: أن القرآن والسنة خطاب لجميع المكلفين، وهو واضح لكل أحد، فوجب على كل مكلَّف أن يعمل به متى بَلَغَه، ويجوز له أن يرشد غيره إليه، ويدلَّ عليه.
الترجيح:
الذي يظهر لنا  أن الراجح في المسألة هو القول الثالث، وهو التفريق بين ما إذا كان دليل المسألة كتابًا أو سنة، وبين ما إذا كان دليل المسألة غيرهما.
وجه ترجيحه:
أن الدليل إذا كان من الكتاب والسنة فإنه واضح لا خفاء فيه ولا لبس في معرفته، فيستطيع العامي أن يدركه ويفهمه، بخلاف ما إذا كان الدليل قياسًا - مثلا - فإنه خفي الدلالة، فلا يتسنى للعامي معرفته وإدراكه على حقيقته؛ لعدم وضوحه وسهولة فهمه بالنسبة له.
وبهذا يتبيَّن أن القول بالجواز مطلقًا، والقول بالمنع مطلقًا قولان مرجوحان
حكم إفتاء المقلِّد
هل يجوز للمقلِّد أن يفتي ؟ 
في التقليد في الفتيا ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا تجوز الفتوى بالتقليد مطلقًا، وهذا قول أكثر أصحاب أحمد وجمهور الشافعية .
مستند هذا القول: أن التقليد ليس بعلم بلا خلاف، والمقلِّد لا يطلق عليه اسم عالم، والفتوى بغير علم حرام.
القول الثاني: أن التقليد يجوز فيها إذا كانت الفتوى لنفسه، فيقلِّد غيره من العلماء ولا يجوز أن يقلد العالمَ فيما يفتي به لغيره، وهو قول ابن بطة وغيره.
مستَنَد هذا القول: أن دليل جواز التقليد خاص فيما يتعلق بنفسه، لا فيما يتعلق بغيره.
القول الثالث: أن التقليد في الفتوى يجوز عند الحاجة وعدم وجود العالم المجتهد.
مستنَد هذا القول: أن التقليد إنما يصار إليه عند الحاجة والضرورة، وذلك إنما يكون عند فقد العالم المجتهد.
الترجيح:
الذي يترجح لنا  من هذه الأقوال الثلاثة هو القول الثالث، وهو جواز التقليد في الفتيا عند وجود العالم المجتهد.
وجه ترجيحه:
أنه إذا حدثت حادثة وفُقِد العالم المجتهد، ولم يوجد إلا فتوى المقلد، فالعمل بها أولى من التوقف أو العمل بالتشهي وما تهواه النفس.
أما القول الثاني والأول: فيجب أن يقيد منع الفتوى بالتقليد فيهما بما إذا لم يوجد حاجة أو ضرورة إليهما، كما إذا عدم العالم المجتهد؛ لأن الحاجة تستدعي الترخُّص، والضرورة تقدر بقدرها
 حكم العامي الذي لا يجد من يفتيه
إذا نزلت بالعامي نازلة، ولم يجد من يسأله عن حكمها، فما الحكم؟ ويتصور فقده في حالتين: الأولى: فقد العلم به أصلًا، فهو كمن لم يرد عليه تكليف ألبتة.
الثانية: فقد العلم بوصفه دون أصله، كالعالم بالطهارة أو الصلاة أو الزكاة على الجملة، لكنه لا يعلم كثيرًا من تفاصيلها وتقييداتها وأحكام العوارض فيها.
في هذه المسألة مذهبان للعلماء:
المذهب الأول: أن حكمه حكم ما قبل الشرع على الخلاف في ذلك، هل حكمه الحظر، أو الإباحة، أو الوقف.
حجة هذا المذهب: أن عدم المرشد في حق العامي بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى الأمة.
قال في الإنصاف: ومن عدم مفتيًا في بلده وغيره فحكمه حكم ما قبل الشرع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع. 
المذهب الثاني: أن حكمه حكم المجتهد عند تعارض الأدلة، على الخلاف في ذلك: هل يعمل بالأخف، أو بالأشد، أو يتخير؟
وجهة هذا المذهب: أن عدم وجود المفتي في حق العامي بمنزلة تعارض الأدلة بالنسبة للمجتهد.
الترجيح: والذي يترجح لي في هذه المسألة أنه يتحرى الحق بجهده، ويتقى الله ما استطاع، ويعمل بما يدل على الحق من بعض الأمارات المرجحة ولو بمنام أو إلهام، فإن لم يوجد شيء من ذلك سقط عنه التكليف.
وجه سقوط التكليف عنه عند فقد المفتي إذا لم يكن به علم ما يأتي:
1- أنه إذا كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه - على الصحيح - فالمقلد عند فقد العلم بالعمل رأسًا أحق وأولى.
2- أن حقيقة هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب، والأصل في الأعمال قبل ورود الشرع سقوط التكليف؛ إذ شرط التكليف العلم بالمكلف به.
3- أنه لو كان مكلفًا بالعمل لكان تكليفًا بما لا يطاق؛ لأنه تكليف بما لا سبيل إلى الوصول إليه ولا يقدر على الامتثال، وهذا محال .
قال ابن القيم -رحمه الله-: والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله، وقد نصب الله -تعالى- على الحق أمارات كثيرة، ولم يسوِّ الله -سبحانه وتعالى- بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه، بحيث لا يتميز هذا من هذا، ولا بد أن تكون الفِطَر السليمة مائلة إلى الحق مؤثرة له، ولا بد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجّحة ولو بمنام أو إلهام، فإنْ قُدِّرَ إرتفاع ذلك كله، وعدمت في حقه جميع الأمارات، فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلفًا بالنسبة إلى غيرها
  إذا عيَّن العامي مذهبًا معينًا  والتزمه، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه يجوز له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره مطلقًا.
حجة هذا القول: أن التزامه لمذهب معين غير ملزم له، لعدم وجود دليل يوجِب ذلك.
القول الثاني: أنه لا يجوز له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره مطلقًا.
حجة هذا القول:
أن التزامه للمذهب الأول صار ملزمًا له، كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة.
القول الثالث: أنه إن كان قد عمل بالمسألة لم يجز له الانتقال إلى غيره فيها وإلا جاز له، واختاره إمام الحرمين .
حجَّة هذا القول: أنه إذا عمل بالمسألة فقد التزم بها، فانتقاله عنها بعد العمل يدل على أن ذلك لهوى في نفسه، واتباع الهوى لا يجوز، بخلاف ما إذا لم يعمل بها.
القول الرابع: أنه إذا غلب على ظنه أن مذهب غير إمامه في تلك المسألة أقوى من مذهبه جاز له الانتقال إليه فيها، وإلا لم يجز، واختاره القدوري من علماء الحنفية .
حجة هذا القول:
أن الله -تعالى- تَعَبَّد العباد في كثير من العبادات، بما غلب على ظنونهم، وهذا قد غلب على ظنه أن مذهب غير إمامه في هذه المسألة أرجح من مذهبه؛ فجاز له الانتقال إليه.
القول الخامس: إن كان المذهب الذي أراد الانتقال إليه في هذه المسألة مما ينقض حكم هذه المسألة في مذهبه الذي عيَّنه والتزمه، لم يجز له الانتقال إليه، وإلا جاز، واختاره ابن عبد السلام .
حجة هذا القول:
أنه إذا انتقل إليه، وهو ينقض حكم المسألة في مذهبه، يدل على أنه انتقل إليه للتشهّي والهوى، فلا يجوز، بخلاف ما إذا لم ينقضه.
القول السادس: أنه يجوز له الانتقال بشروط ثلاثة، وهي:
( أ ) أن ينشرح له صدره.
( ب ) ألا يكون قاصدًا للتلاعب.
( جـ ) ألا يكون ناقضًا لما قد حكم عليه به.
حجة هذا القول:
أنه إذا وجدت هذه الشروط دلَّ ذلك على أنه يقصد الحق بانتقاله لا الهوى والتشهي، بخلاف ما إذا لم توجد.
الترجيح:
والذي يترجح لي في هذه المسألة ما اختاره الآمدي من التفصيل فيها. وهو أن كل مسألة من مذهب الأول اتصل عمل المقلد بها فليس له تقليد غيره فيها، وكل مسألة لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره فيها.
وجه ترجيحه: أن ما اتصل عمله بها تابعٌ لمذهبه الذي عينه والتزمه، وما لم يتصل عمله بها فهو خارج عمَّا التزمه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:49 am

الإفتاء .. الصفحة الثانية




إذا اتَّبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له اتباع غيره في حكم آخر؟
اختلف العلماء فيها على قولين:
1- فمن العلماء من منع اتباع غيره في حكم آخر.
حجته: أنه اتبعه في الحكم الأول، فيلزمه أن يقلده في الحكم الآخر.
2- ومن العلماء من أجاز له أن يقلد من شاء في أي واقعة تعْرِض له.
حجته: أنه لا ارتباط بين الحكم الأول والحكم الثاني، فكل منهما مستقل عن الآخر.
الترجيح: والذي يترجح لي القول الثاني، وهو القول بجواز تقليد العامي لمن شاء من المجتهدين في كل واقعة تعرض له.
ووجه ترجيحه ما يلي:
1- إجماع الصحابة على تسويغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة يريد معرفة حكمها، ولم يُنقل عن أحد منهم الحجر على العامة في ذلك، ولو كان ذلك ممتنعًا لأنكروه ولم يسكتوا عنه.
2- أن كل مسألة لها حكم مستقل في نفسها، وكما لم يتعيَّن الأول للاتباع في المسألة الأولى إلا بعد سؤاله فكذلك في المسألة الأخرى
إذا قلد العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له الرجوع عنه في ذلك الحكم إلى غيره؟
قال الآمدي: إذا تبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث، وعمل بقوله فيها، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره ا. هـ .
وحكى الشيخ زكريا الأنصاري -في "غاية الوصول شرح لب الأصول"- الخلاف في ذلك، فقال: والأصح أنه لو أفتى مجتهدٌ عاميًا في حادثة فله الرجوع عنه فيها، إن لم يعمل بقوله فيها وثمَّ مفتٍ آخر.
وقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره.
وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل، بخلاف ما إذا لم يشرع.
وقيل يلزمه العمل به إن التزمه.
وقيل يلزمه العمل به إن وقع في نفسه صحته .
ونري : أنه يلزمه العمل بفتوى المجتهد، ما لم يفتِه مفتٍ آخر بأن فتوى الأول تناقض نصًّا أو إجماعًا.
ووجه ذلك:
أن الله تَعَبَّد العامي بسؤال المجتهد والعمل بفتواه، ما لم يتبين له خطأ اجتهاده
 إذا سأل العامي اثنين وتناقضت الفتوى واستويا في الفضل فبأي القولين يأخذ ؟
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول:
أن العامي يتخيَّر في الأخذ بقول من شاء منهما.
حجة هذا المذهب:
أن إيجاب الأخذ بقول أحدهما دون الآخر تحكّم؛ إذ ليس قول أحدهما بأولى من الآخر.
المذهب الثاني:
أنه يجب على العامي الأخذ بالقول الأشدّ.
حجَّة هذا المذهب:
إن الحقَّ ثقيل ومرّ، فثقله دليل على أحقيته.
المذهب الثالث: أنه يجب على العامي الأخذ بالقول الأخفّ.
حجة هذا المذهب ما يأتي:
1- قوله -تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ .
ووجه الدلالة: أن الله أخبر أنه يريد بنا اليسر، والقول الأخف فيه يسر، فوجب الأخذ به.
2- قوله -تعالى-: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .
ووجه الاستدلال:
أن الله -تعالى- نفى الحرج في الدين، والقول الأخف فيه رفع للحرج فوجب
 ما إذا سأل العامي اثنين وتناقضت الفتوى واختلفا في الفضل بأي القولين يأخذ ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنه يلزمه الأخذ بقول الأعلم والأورع والأدْيَن، بعد الاجتهاد في أعيان المفتين، وهو مذهب أحمد بن حنبل وابن سريج والقفال من أصحاب .
الشافعي وجماعة من الفقهاء والأصوليين واحتجّوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي:
1- أن في الأخذ بقول الأفضل احتياطًا لدينه؛ قياسًا على ما لو مرض إنسان وعنده طبيبان، واختلفا في وصف الدواء والعلاج، فإنه يأخذ بقول أحذقهما؛ حفظًا لصحته واحتياطًا لها، فالاحتياط لدينه أولى.
2- ولأن طريق معرفة الأحكام الظن، والظن في تقليد الأعلم الأدْيَن أقوى، فوجب الأخذ به.
3- ولأن إحدى الفُتياوين خطأ، وقد تعارضتا عنده فلزمه الأخذ بأرجحهما.
4- أن قول المفتيين في حق العامي بمنزلة الدليلين المتعارضين في حق المجتهد، فكما يجب على المجتهد الترجيح بين الدليلين، فكذلك يجب على العامي الترجيح بين المفتيين.
5- ولأن من اعتقد أن الصواب في أحد القولين، لا ينبغي له أن يأخذ بالتشهّي، ويختار من المذاهب أيسرها على نفسه ويأخذ بالرخص

 إذا تعدد من يصلح للإفتاء فأيَّ واحد يسأل ؟
قبل ذكر خلاف الأصوليين في هذه المسألة نحرر محل النزاع:
1- اتفقوا على أنه إذا حدثت للعامي حادثة وأراد الاستفتاء عن حكمها، ولم يكن في البلد إلا مفتٍ واحد، أنه يجب على العامي سؤاله، والرجوع إليه، والأخذ بقوله.
2- واتفقوا على أنه إذا تعدّد من يصلح للإفتاء، واستووا في الفضل والعلم، أن العامي يخير في سؤال واحد منهم.
ومحل النزاع هو:
ما إذا تعدد من يصلح للإفتاء، واستووا في الفضل والعلم، فهل يخيَّر في سؤال واحد منهم، أو يلزمه أن يجتهد في أعيان المفتين على قولين:
القول الأول:
أن العامي مخيَّر في سؤال من شاء من العلماء سواء تساووا في الفضل والعلم أو تفاضلوا.
حجة هذا القول:
إجماع الصحابة على جواز سؤال العامة للفاضل والمفضول، فكانوا يقرون العامي في سؤاله للمفضول، ويقرون المفضول في إفتائه للعامي، ولم يمنعوا العامة من سؤال غير أبي بكر وعمر أو سؤال غير الخلفاء الراشدين .
القول الثاني:
أن العامي يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين من الأروع والأدين والأعلم، فيسأله دون غيره.
حجة هذا القول ما يأتي:
1- أن في اجتهاده في الأعلم والأروع والأدين احتياطًا لدينه، قياسًا على ما لو مرض إنسان وعنده طبيبان، فإنه يذهب إلى أحذقهما؛ حفظًا لصحته، واحتياطًا لها، فالاحتياط للدين أولى.
2- أن طريق معرفة الأحكام إنما هو الظن، والظن في تقليد الأعلم الأدين أقوى، فوجب الرجوع إليه.
وناقش أهل المذهب الأول هذين الدليلين:
بأن الاحتياط للدين وقوة الظن لا يقاوم إجماع الصحابة على إقرارهم للعامي في سؤاله للفاضل والمفضول؛ إذ لم ينقل عن أحد منهم تكليف العوام بالاجتهاد في أعيان المفتين ولم يحجر الفاضل على المفضول الفتوى، ومحل الاحتياط للدين وإفادة قوة الظن في معرفة الحكم إذا لم يعارضه دليل شرعي، وقد عارضه هنا إجماع الصحابة فلا محل له.
الترجيـــــــــح:
بعد استعراض خلاف العلماء في هذه المسألة وأدلة كلٍّ، يظهر لنا أن الراجح هو القول بتخيير العامي في سؤال من شاء من العلماء.
وجه ترجيحه:
قوة دليل هذا القول، وهو إجماع الصحابة على ذلك، وعدم مقاومة ما استدل به الفريق الآخر، من الاحتياط وقوة الظن، للإجماع، فإنه دليل شرعي قطعي

 هل يجوز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه ؟
تحرير محل النزاع:
الاجتهاد قسمان: عام وخاص.
فالعام:
بذل الجهد في تطبيق أحكام الشريعة في حياتنا العملية، وهذا يكون من المجتهد ويكون من المقلد، وقد اتفقوا على أنه لا يخلو منه زمان.
والخاص:
بذل الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة، وهذا وظيفة المجتهد المطلق، وهو محل النِّزاع، فاختلف فيه العلماء هل يخلو العصر منه أم لا؟ على مذهبين:
المذهب الأول:
أنه يجوز خلوُّ العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، وإليه ذهب الغزالي والرازي والزركشي والرافعي وغيرهم.
المذهب الثاني:
أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، وإليه ذهب الحنابلة وغيرهم.
الأدلة والمناقشة :
استدل أهل المذهب الأول القائلون بجواز خلو العصر عن المجتهد بأدلة شرعية ودليل عقلي:
أما الأدلة الشرعية فهي:
الأول: قوله -عليه الصلاة والسلام-:  " بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ  " .
ووجه الاستدلال:
أن النبي -صل الله عليه وسلم- أخبر أن الإسلام سيعود غريبًا، وهذا يدل على أنه يأتي زمان يخلو فيه عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وناقش أهلُ المذهب الثاني الدليلَ:
بأن الغربة لا تدل على عدم وجود من يدافع عن الحق ممن تقوم بهم الحجة، من المجتهد الذي يرجع إليه الناس في فتاويهم، بل ربما أشعرت بوجوده، بدليل قوله آخر الحديث: فطوبى للغرباء، الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس .
الثاني: قوله -صل الله عليه وسلم-: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا فأفتَوْا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا "  .
ووجه الدلالة:
أن الحديث دل على أنه يكون زمان لا عالم فيه يفتِي بعلم، ولازمُ هذا أن يكون زمان لا مجتهد فيه؛ لأن العلم أعمَّ من الاجتهاد، والاجتهاد أخصّ من العلم، فإذا انتفى الأعم انتفى الأخص ضرورة.
ونوقش هذا الدليل:
بأن الحديث محمول على أن ذلك يحصل بعد إرسال الريح اللينة التي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة، جمعًا بين الأدلة.
الثالث: قوله -صل الله عليه وسلم-: " تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيُقبض وتظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما  " .
ووجه الاستدلال:
أن الحديث دل على أنه يكون زمان لا يجد الاثنان من يفصل بينهما في الفريضة، ولازم هذا خلوُّ الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
ونوقش هذا الدليل:
بأن الحديث غير صحيح، فقد رواه أحمد من حديث أبي الأحوص عنه نحوه بتمامه، والنسائي والحاكم والدارمي والدارقطني كلهم من رواية عوف عن سليمان بن جابر عن ابن مسعود وفيه انقطاع .
الرابع: قوله -عليه السلام-:"  لتركبُنَّ سنن من كان من قبلكم شبرًا بشبرًا، وذراعًا بذراع " .
ووجه الدلالة:
أن الحديث يدل على أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها، ويلزم من هذا خلوُّ العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
ونوقش هذا الدليل: بأن الحديث لا يفيد أن الأمة كلها تتبع سنن من كان قبلها، وإنما المراد: الأغلب، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، مستقيمة عليه حتى تقوم الساعة كما ورد في الحديث .
على أن من كان قبلنا قد بقيت منهم بقية على الدين الصحيح، حتى آمنوا بمحمد -صل الله عليه وسلم- كعبد الله بن سلام وغيره.

الخامس: قوله -صل الله عليه وسلم-: "  خير القرون قرني الذي أنا فيه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم تبقى حثالة كحثالة التمر، لا يعبأ الله بهم " .
ووجه الاستدلال: أن النبي -عليه السلام- أخبر أنه يكون بعد القرون المفضلة، حثالة كحثالة التمر، ولازم هذا خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وأجيب عن هذا الدليل بجوابين:
أحدهما: أن قوله: ثم تبقى حثالة كحثالة التمر. لم تصحّ.
الثاني: على تقدير صحة هذه الجملة، فإنه يُحْمل على ما بعد الريح اللينة، وقبض أرواح المؤمنين جمعًا بين الأدلة.
وأما الدليل العقلي:
فهو: أنه لو امتنع خلو الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه لامتنع إمَّا لذاته، وإمَّا لأمر خارج عنه، وامتناعه لذاته محال، فإنه لو فرض وقوعه لم يلزم عنه لذاته محال عقلًا، وأما امتناعه لأمر خارج فالأصل عدمه، وعلى مدعيه البيان.
ونوقش هذا الدليل:
بأن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنه استدلال على إثبات الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني، وهو غير كافٍ في ذلك؛ لأن الإمكان الخارجي إنما يثبت بالعلم بعدم الامتناع، والإمكان الذهني عبارة عن عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بعدم الامتناع .
استدل أهل المذهب الثاني، القائلون بأنه لا يجوز خلوُّ الزمان عن مجتهد، يمكن تفويض الفتاوى إليه بثلاثة أدلة شرعية ودليلين عقليين:
أما الأدلة الشرعية فهي:
الأول: قوله -صل الله عليه وسلم-:"  لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله " .
ووجه الاستدلال:
أن ظهور طائفة على الحق في زمان ما، يلزم منه وجود الاجتهاد فيه؛ لأن القيام بالحق لا يمكن إلا به، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يخلو عصر من قائم على الحق، فيكون هذا إخبارًا بعدم خلو عصر عن مجتهد.
الثاني: قوله -عليه الصلاة والسلام-: "  واشوقاه إلى إخواني، قالوا يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ فقال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدي، يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق، ويصلحون إذا فسد الناس " .
ووجه الدلالة:
أن النبي -عليه السلام- أخبر بأنه يوجد إخوان له يصلحون عند فساد الناس، والصلاح إنما يكون بالعلم والاجتهاد، وهذا يلزم منه عدم خلو عصر من مجتهد، وإلا لصار الناس كلهم جهَّالًا وفسدوا.
الثالث: قوله -صل الله عليه وسلم-:"  وأن العلماء ورثة الأنبياء "  .
ووجه الدلالة:
أن أحقَّ الأمم بإرث العلم: هذه الأمة، وأحق الأنبياء بإرث العلم عنه: نبيُّ هذه الأمة، وهذا دليل على أنه لا يخلو عصر عن مجتهد.
وعندي: أن هذا الدليل لا يدل على المطلوب؛ إذ قد يورث العلم ولا يوجد الاجتهاد؛ لأن العلم أعم من الاجتهاد، ووراثة الأعم، وهو العلم، لا تستلزم وراثة الأخصّ وهو الاجتهاد.
وأما الدليلان العقليان:
فالأول: أن الاجتهاد والتفقه في الدين فرض كفاية، إذا تركه الكل أثموا، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، لزم منه اجتماع الأمة على الخطأ والضلالة، وهذا باطل ممتنع؛ للأدلة التي تدل على عصمة الأمة فيما أجمعت عليه.
الثاني: أن الاجتهاد طريق لمعرفة الأحكام الشرعية، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يُرجع إليه في معرفة الأحكام، لزم منه تعطيل الشريعة وذهابها واندراس الأحكام، وهذا باطل ممتنع؛ للأدلة الدالة على حفظ الشريعة وبقائها إلى قيام الساعة.
وناقش أهل المذهب الأول - القائلون بأنه يجوز خلو العصر عن المجتهد- الدليلان العقليان، فقالوا:
متى يكون الاجتهاد والتفقه في الدين فرض كفاية، ويلزم من فقده تعطيل الشريعة واندراس الأحكام، هل ذلك إذا أمكن أن يعتمد العوام في عصرهم على الأحكام المنقولة إليهم في العصر الأول عمن سبقهم من المجتهدين ؟ وهذا ممنوع.
أو إذا لم يمكنهم الاعتماد على أحكام المجتهدين السابقين لعصرهم؟ وهذا مسلَّم، ولكننا لا نسلّم امتناع هذا وعدم إمكانه، بل هو ممكن وغير ممتنع.


... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:51 am

....  تابع
الإفتاء .. الصفحة الثانية


وأجاب أهل المذهب الثاني على المناقشة:
بأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، فلا بد من فتح باب الاجتهاد؛ للنظر فيما يحدث من الوقائع التي لا تكون منصوصًا عليها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه للزم الوقوع - عند حدوث الوقائع المتجددة - في أحد محذورين:
أحدهما: أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، وهذا باطل ممتنع.
الثاني: أن ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهذا اتباع للهوى أيضًا، وهو باطل ممتنع، وحينئذ لا بد من أحد أمرين:
1- التوقف لا إلى غاية، وهذا يلزم منه تعطيل التكليف.
2- أو تكليف ما لا يطاق، وهذا باطل.
فظهر أنه لا بد من الاجتهاد في كل زمن، ولا يمكن خلوُّ العصر عن مجتهد تفوَّض إليه الفتاوى؛ لأن الوقائع تتجدد، ولا تختص بزمن دون زمن.
الترجيح:
بعد أن سقنا أدلة المذهبين، ومناقشة كلٌّ منهما للآخر، يبدو لي أن الراجح من المذهبين هو: المذهب الثاني، وهو القول بأنه لا يجوز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وجه ترجيحه:
1- ما سبق من مناقشة أدلة أهل المذهب الأول، وهو القول بجواز خلو العصر عن مجتهد، والإجابة عن مناقشتهم لأدلة أهل المذهب الثاني.
2- أن الله تعالى لو أخلى زمانًا من مجتهد قائم لله بالحجة لزال التكليف؛ إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة، وإذا زال التكليف بطلت الشريعة.
3- أنه لو عدم الفقهاء المجتهدون لم تقم الفرائض كلها، ولو عطّلت الفرائض كلها لحلت النقمة كما في الحديث: لا تقوم الساعة إلا على شِرار الناس .
4- ادعاء خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه في الأزمنة المتأخرة، حصر لفضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة على من تقدم عصره، وهذا -مع أنه لا دليل عليه، بل هو دعوى- فيه جرأة على الله، ثم على شريعته الموضوعة لكل عبادة، ثم على عباده الذين تعبَّدَهم الله بالكتاب والسنَّة

 حكم فتوى المجتهد في نوع من العلم أو في مسألة منه
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل للمجتهد في نوع من العلم أن يفتي به ؟
هذه المسألة مبنيَّة على مسألة أخرى، وهي: هل الاجتهاد يتجزأ؟
وبعبارة أخرى: هل الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدًا في نوع من العلم أو في باب من أبوابه مقلدًا في غيره، وهل له أن يفتي في النوع أو في الباب الذي اجتهد فيه.
ومثال ذلك:
من استفرغ وِسْعه في علم الفرائض وأدلتها، واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيره من العلوم، أو استفرغ وِسْعه في باب الجهاد، أو في باب الحج مثلا.
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: الجواز مطلقًا.
مستَّنَد هذا المذهب:
أنه قد عرف الحق بدليله في هذا النوع أو الباب من العلم، وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع، فيكفيه أن يكون عارفًا بما يتعلق بتلك المسألة مما لا بد فيه منها، ولا يضره بعد ذلك جهله بما لا تَعَلُّق له بها مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية، كما أن المجتهد المطلق قد يكون مجتهدًا في المسائل الخارجية عنها، فليس من شرط المفتي أن يكون عالمًا بجميع أحكام المسائل ومداركها ؛ لأنه مما لا يدخل تحت طاقة البشر.
المذهب الثاني: المنع مطلقًا:
مستند هذا المذهب:
أن أبواب الشرع وأحكامه وأدلة الأحكام الشرعية يتعلق بعضها ببعض، ويأخذ بعضها بحُجُز بعض، ويفسر بعضها بعضًا، ويقيد بعضها بعضًا، فالجهل ببعضها مظنَّة للتقصير في الباب أو النوع الذي عرفه، ولا يخفى على الناظر الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك سائر أبواب الفقه.
المذهب الثالث: الفرق بين الفرائض وغيرها:
فيتجزأ الاجتهاد في علم الفرائض، وله أن يفتي فيه دون غيره من العلوم.
مستند هذا المذهب:
1- أن أحكام قسمة المواريث ومعرفة مستحقيها مستقلة عن غيرها من أبواب الفقه، وليست متعلقة به، فلا صلة لها بكتاب البيوع والإجارات والرهن والنضال وسائر أبواب الفقه.
2- أن عامة أحكام المواريث قطعية، منصوص عليها في الكتاب والسنة، بخلاف غيرها.
الترجيح: بعد ذكر المذاهب في المسألة، ومستند كل مذهب يتبيَّن لي أن الراجح من ذلك هو المذهب الأول، وهو أن الاجتهاد يتجزأ مطلقًا، وأن للمجتهد أن يفتي في النوع من العلم الذي اجتهد فيه. وجه ترجيحه:
1- أن الصحابة والأئمة بعدهم، قد كانوا يتوقَّفون في مسائل كثيرة، ولم يخرجهم ذلك عن الاجتهاد، ولم يمنعهم ذلك عن الإفتاء بما علموه.
وكم توقف الشافعي في مسألة، وسُئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين لا أدري، فلو كان العالم لا يكون مجتهدًا إلا بمعرفة حكم الله في كل جزئية لما كان مالك مجتهدًا؛ لتوقفه عن ستة وثلاثين مسألة وإجابته عن أربعة من أربعين، ولكنه مجتهد متفق عليه، فدلَّ على أنه لا يشترط التعميم.
2- أن المجتهد في نوع من العلم قد غلب على ظنه أنه قد أحاط بجميع ما يتعلق بالنوع أو الباب الذي اجتهد فيه من الأدلة، وعرف كل ما يتصل بهذه الأدلة مما له صلة في الدلالة، وقد بذل جهده في البحث، فتكليفه بأن يعلم ما وراء ذلك تكليف بغير مقدور، وهو ممتنع .
المسألة الثانية: من بذل جهده في مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي فيهما ؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
أحدهما: المنع. حجته: حجة المذهب الأول من المسألة الأولى.
والثاني: الجواز. حجته: حجة المذهب الثاني من المسألة الأولى.
والراجح: الجواز.
وجه ترجيحه:
أن إفتاءه فيما بذل جهده فيه من التبليغ عن الله ورسوله، فيكون قد أعان على الإسلام بما يقدر عليه، فمنعه من الإفتاء لا دليل عليه، بل هو يعارض الأدلة الدالة على الأمر بالتبليغ عن الله ورسوله

حكم فتوى المنتسب إلى إمام بالقول الذي رجع عنه إمامه
" هل للمفتي أن يفتي بالقول الذي رجع عنه إمامه ؟ ".
يجوز للمفتي المنتسب إلى مذهب أن يفتي بالقول الذي صرح إمامه بالرجوع عنه إذا ترجح عنده؛ وذلك لأن القول الذي قال به الإمام أولًا ثم رجع عنه بمنزلة ما لم يقله، ولا يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه، فإن أتباع الأئمة كثيرًا ما يفتون بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها، ومن أمثلة ذلك:
1- الأحناف يفتون بلزوم المنذورات التي مخرجها مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة، مع أنهم حكوا عن أبي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير.
2- الحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران، مع أن الإمام أحمد صرح بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع.
3- الشافعية يفتون بالمذهب القديم بعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين.
وهذا كله يبين أن أهل العلم لا يتقيدون بالتقليد المحض، الذي يتركون من أجله قول كل من خالف من قلدوه، وهي طريقة مذمومة، مخالفة للصواب، حادثة في الإسلام، مستلزمة لأنواع من الخطأ، وهي ناشئة عن التعصب لمذهب معين وإمام معين
حكم فتوى المنتسب إلى إمام بغير قول إمامه
 " هل للمفتي أن يفتي بغير مذهب إمامه "؟ .
هل يجوز للمنتسب إلى تقليد إمام معين أن يفتي بقول غير قول إمامه، في هذه المسألة تفصيل وهو: أن السائل لا يخلو من أحد أمرين:
الأول: أن يسأله عن مذهب هذا الإمام فقط، فيقول له -مثلا-: ما هو مذهب الشافعي في هذه المسألة؟ وحينئذ على المفتي أن يخبره بمذهب ذلك الإمام، ولا يجوز له أن يخبره بغيره إلا على وجه الإضافة إليه.
الثاني: أن يسأله عن الحكم الذي أداه إليه في هذه المسألة، ولا يقصد السائل قول فقيه معين، وحينئذ يجب على المفتي أن يفتيه بما ترجح عنده أنه أقرب إلى الكتاب والسنة، سواء وافق مذهب إمامه أو خالفه.
ولا يحل له أن يفتيه بما يغلب على ظنه أنه مخالف للحق والصواب، ولو وافق مذهب إمامه، فإنه لا يسع الحاكم والمفتي الحكم والإفتاء بغير ما يعتقد أنه الصواب، فإن الله -سبحانه- سوف يسألهما عن الرسول -صل الله عليه وسلم- وما جاء به، ولا يسألهما عن الإمام وما قاله.
كما قال الله -تعالى-: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ }  فلا يسأل أحد عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غير الرسول -عليه الصلاة والسلام- ؛ فليعدَّ كلٌّ للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا .
المسألة الثانية: إذا ترجح عند المفتي غير مذهب إمامه فهل يفتي به؟
هل يجوز للمفتي المنتسب إلى مذهب إمام بعينه أن يفتي بمذهب غيره إذا ترجح عنده؟ في المسألة تفصيل لا بد من بيانه لتحرير محل النزاع:
وذلك أن المفتي المنتسب إلى مذهب لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون مجتهدًا متبعًا للإمام حقيقة، بأن يكون سالكًا سبيل إمامه في الاجتهاد وطلب الدليل، فهذا له أن يفتي بما ترجح عنده وإن خالف مذهب إمامه من غير خلاف.
الثاني: وهو محل النزاع: أن يكون مجتهدًا متقيدًا بأقوال إمامه، لا يتعداها إلى غيرها، فهذا مختلف فيه:
1- فقيل: ليس له أن يفتي بقول لم يقله إمامه، فإن أراد الإفتاء بغير قوله، حكاه عن قائله حكاية محضة.
حجته: أنه متقيد بأقوال إمامه، فلا يجوز له الخروج عن مذهبه.
2- وقيل: له أن يفتي بما لم يقله إمامه.
حجته: أنه عنده قدرة على الاجتهاد، فجاز له الخروج عن مذهبه.
الترجيح: والراجح أنه يجوز له الإفتاء بقولٍ ترجح عنده بالدليل المرجح، ولو خالف قول الإمام وخرج عن قواعده، وإن لم يترجَّح عنده بالدليل، فلا يجوز له الإفتاء بما يخالف قول الإمام .
قال القفال من علماء الشافعية لو أدَّى اجتهادي إلى مذهب أبي حنيفة قلت مذهب الشافعي كذا، لكني أقول بمذهب أبي حنيفة ؛ لأن السائل إنما يسألني عن مذهب - الشافعي فلا بد أن أعرِّفه أن الذي أفتيه به غير مذهبه ا. هـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهب معين عند الواقعة التي سأل عنها، وإنما سؤاله: عن حكمها، وما يعمل به فيها، فلا يسع المفتي أن يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه ا. هـ .
وقال في الاختيارات: من كان متبعًا لإمام فخالفه في بعض المسائل؛ لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم وأتقى، فقد أحسن ا. هـ.
وقال في موضع آخر: بل يجب عليه، وإنَّ أحمد نصَّ عليه، ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع ا. هـ .
وهذا هو الراجح في نظري، فإنه يجب على المفتي الذي يُؤَمِّل ثواب الله، ويخاف وقوفه بين يديه -سبحانه- أن يفتي من سأله بما يعتقد أنه الصواب وإن كان خلاف مذهبه، وليحذرْ كلَّ الحذر أن تَحْمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى، فيفتيه بمذهبه الذي يقلده، وهو يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه، فيكون خائنًا لله ولرسوله وللسائل، وقد قال الله -تعالى-: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ .
وقد غش السائل حينئذ والغاشّ متوعَّد بوعيد شديد، فقد ورد في الحديث: أن الله حرم الجنة على من لقيه وهو غاشٌّ للإسلام وأهله .
والغش مضادٌّ للدين كمضادة الكذب للصدق، وكمضادة الباطل للحق، وفي الحديث: الدين النصيحة ومن النصيحة إفتاء السائل بما يترجح أنه الصواب عند المفتي
 حكم المستفتِي عند رجوع المفتي عما أفتاه به

المطلب الأول:
إذا أفتى المفتي بشيء ثم رجع عنه، فهل يحرم على المستفتي العمل بما أفتاه به؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: إن علم المستفتي برجوع المفتي، ولم يكن قد عمل بما افتاه به، حَرُمَ عليه العمل به.
حجَّة هذا القول: أن ما رجع عنه ليس مذهبًا له، قياسًا على ما لو تغير اجتهاد من قلَّده في جهة القبلة في أثناء الصلاة، فإنه يتحول مع إمامه.
ونوقش هذا الدليل: بأن القياس ليس نظيرًا لمسألتنا؛ إذ أنَّ تغيُّر اجتهاد من قلده في معرفة القبلة لا يبطل ما فعله المأموم بالاجتهاد؛ وأما لزوم التحوُّل معه ثانيًا فلأن المأموم مأمور بمتابعة إمامه، ونظير مسألتنا هو: إذا تغيَّر اجتهاد مقلَّده بعد الفراغ من الصلاة، فإنه لا تلزمه إعادتها، ويصلي الثانية باجتهاده الثاني.
القول الثاني: إذا كان من أفتاه يفتي على مذهب إمام معين، ورجع لكونه قد ظهر له أنه خالف في فتواه نص مذهب إمامه، فإنه يجب نقض فتواه ويحرُم على المستفتي العمل بها.
حجة هذا القول: أن نصَّ مذهب إمام مفتي المذهب في حقه كنص الشارع في حق المفتي المجتهد المستقل ( المطلق ).
ونوقش هذا الدليل: بأن دعوى أن نص مذهب إمام مفتي المذهب في حقه كنص الشارع بالنسبة للمفتي المستقل، ممنوعة؛ لأمرين:
أحدهما: أنه لو كان نص الإمام بمنزلة نص الشارع لحرُم على المفتي وعلى غيره مخالفته، ولو خالفه لكان فاسقًا، لكنه لا يحرم عليه ذلك، ولا يكون فاسقًا بمخالفته.
الثاني: أنه لم يُعْرَف عن أحد من الأئمة أنه أوجب إبطال فتوى المفتي لكونه خالف قول فلان أو مذهب فلان، وإنما الذي يجب إبطاله ونقضه هو ما خالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا للأمة.
7 الترجيح: والذي يترجح لي في هذه المسألة التفصيل، وأنه لا يحرم على المستفتي العمل بالفتوى الأولى بمجرد رجوعه، بل إذا علم المستفتي برجوع المفتي عن فتواه، فلا يخلو الحال من أن يكون في البلد مفت غيره أو لم يكن.
فإن لم يكن في البلد مفت غيره، فإن المستفتي يسأل المفتي عن سبب رجوعه عما أفتاه به، فإن ذكر له أنه يختار الرجوع عن الأُولى، مع تسويفه للعمل بها، لم يحرم على المستفتي العمل بالأُولى، وإن ذكر له أن سبب رجوعه خطأ ظهر له، وأن فتواه الأُولى لم تكن صوابًا لمخالفتها لدليل شرعي حرم على المستفتي العمل بها، وإن ذكر له أن سبب رجوعه عن الأُولى أنه تبيَّن له أن فتواه الأولى تخالف مذهبه فقط، لم يحرم على المستفتي العمل بما أفتاه به أولًا؛ لأن مخالفة المذهب ليس مخالفة لنص أو إجماع، وإن ذكر له أن المسألة إجماعية حرُم عليه العمل بفتواه الأولى.
وإن كان في البلد مفتٍ غيره فإنه يتوقف حتى يستفتي مفتٍ آخر، وحينئذ فلا يخلو من أن يفتيه الثاني بما يوافق الفتوى الأولى من الأول، أو بما يوافق الفتوى الثانية، فإن أفتاه الثاني بما يوافق الفتوى الأولى من الأول استمر على العمل بها، وإن أفتاه بما يوافق الفتوى الثانية من الأول، ولم يفته أحد بخلا ف فتواهما، حرُم عليه العمل بالفتوى الأولى، ووجب عليه العمل بالفتوى الثانية , وإن أفتاه أحد غيرهم بخلاف فتواهما جاز له أن يستمر على العمل بالفتوى الأولى.
وجه ترجيحه:
1- التفصيل فيه وبيان وجهة كل جزء فيه.
2- ما سبق من مناقشة أدلة القولين الأول والثاني .
المطلب الثاني:
إذا تزوج المقلِّد بفتوى مجتهد، ثم تغيَّر اجتهاد المفتي ورجع عن فتواه، فهل يجب على المقلِّد تسريح زوجته، أو يجوز له إمساكها بناء على اجتهاده الأول:
في هذه المسألة مذهبان للعلماء:
المذهب الأول: أنه يجوز له إمساكها بناء على اجتهاده الأول، ولا يجب عليه تسريحها.
حجة هذا المذهب: أن عمل المستفتى بفُتْيَا المفتى الأول جرى مجرى حكم الحاكم فلا يُنْقض , كم لا ينقض حكم الحاكم. ونوقش هذا الدليل بأنه لا بد من تقييد ذلك بما إذا لم يخالف المفتى بفتواه الأولى نصًّا أو إجماعًا، فإن خالف أحدهما، وجب عليه تسريح زوجته.
المذهب الثاني: أنه يجب عليه تسريحها ومفارقتها، ولا يجوز له إمساكها بالفتوى الأولى.
حجَّة هذا المذهب: أن حكم المقلِّد حكم مقلَّده وهو تابع له، وما رجع عنه مقلده ليس مذهبًا له، كما لو تغيَّر اجتهاد مقلَّده عن القبلة في أثناء الصلاة، فإنه يتحوَّل معه إلى الجهة الأخرى.
ونوقش هذا الدليل بما نوقش به دليل القول الأول، من مسألة الطلب الأول .
الترجيح: الذي يترجَّح لي في هذا المسألة التفصيل، وهو أنه إن كان رجوع المفتي عن فتواه لمخالفتها لنص أو إجماع، فإنه يجب على المقلِّد تسريح زوجته ومفارقتها.
أما إذا كان رجوعه عن فتواه لكونها مخالفة لمذهب إمامه، فلا يجب على المقلد مفارقة زوجته وتسريحها.
وجه ترجيحه ما يلي:
1- ما سبق من مناقشة أدلة المذهبين الأول والثاني.
2- أن عمل المقلد بفُتْيا المفتي يجري مجرى حكم الحاكم، فلا ينقض إلا إذا خالف نصًّا أو إجماعًا.
3- أن المستفتي قد دخل بامرأته دخولًا صحيحًا سائغًا، ولم يفهم ما يوجب مفارقته لها من نص أو إجماع، لا سيما إذا كان قد وافق فتواه الأولى مذهبًا آخر غير مذهبه.
4- أن مفارقة المقلِّد لزوجته يترتب عليه مضارٌّ كثيرة، من تخريب بيته، وتشتيت شمله وشمل أولاده، فكيف يوجب على الزوج ارتكاب هذه المضار لمجرد كون المفتي رجع؛ لمخالفة فتواه نص إمامه دون مخالفتها لنص أو إجماع؟ لا سيما إذا كان النص مع من خالف مذهبه .
المطلب الثالث:
" إذا أفتى المفتي بشيء ثم تغير اجتهاده، فهل يلزمه إعلام المستفتي ".
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاث أقوال:
القول الأول: أنه لا يلزمه إعلام المستفتي.
حجة هذا القول: أن المستفتي عمل أولًا بما يسوغ له العمل به، فإذا لم يعلم بطلان ما أفتاه به لم يكن آثمًا، فهو في حلٍّ وسعة من استمراره على العمل به.
ونوقش هذا الدليل: بأنه لا بد من تقييد ذلك بما إذا لم تخالف فتواه نصًّا أو إجماعًا، فإنه حينئذ ليس في حل وسعة من استمراره على العمل بما خالف نصًّا أو إجماعًا.
القول الثاني: أنه يلزمه إعلام المستفتي.
حجة هذا القول ما يأتي:
1- أن ما رجع عنه قد اعتقد بطلانه، وقد تبيَّن له أن ما أفتاه به ليس من الدين؛ فوجب عليه إعلامه بذلك.
ونوقش: بأنه لا بد من تقييد الوجوب بما إذا خالف نصًّا أو إجماعًا، فإن خالف اجتهادًا أو مذهبًا معينًا فلا يتعيَّن عليه إعلامه.
2- ما روي من الآثار في ذلك:
( أ ) فقد رُوِيَ عن عبد الله بن مسعود أنه أفتى رجلًا بحلِّ أمِّ أمرأته التي طلقها قبل الدخول بها، ثم سافر إلى المدينة وراجع بعض الصحابة في ذلك، فتبين له أن الصواب خلاف هذا القول، فرجع إلى الكوفة وبحث عن الرجل الذي أفتاه، وفرق بينه وبين أهله.
( ب ) ما روي عن الحسن بن زياد اللؤلؤي أنه استفتي في مسألة فأفتاه، فتبين له خطأ تلك الفتوى، ولم يعرف الذي استفتاه، فأستأجر مناديًا ينادي أن الحسن بن زياد اسْتُفْتِيَ في يوم كذا وكذا في مسألة فأخطأ فيها، فمن كان أفتاه الحسن بن زياد بشيء فليُرْجِهِ إليه، ثم مكث أيامًا لا يفتي حتى جاء صاحب الفتوى، فأعلمه أن الصواب خلاف ما أفتاه.
وأجيب عن هذين الأثرين بما يأتي:
1- أما الأثر المرويُّ عن ابن مسعود فإنه محمول على أن فتواه الأولى مخالِفة للنص، فإنه لما ناظَرَ الصحابة في تلك المسألة، بيَّنوا له أن صريح الكتاب يحرم أمَّ الزوجة، ولو فارق ابنتها قبل الدخول بها؛ لكون الله -تعالى- أبهمها، فقال: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ .
وظنَّ عبد الله -رضي الله عنه- أن قوله: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ راجع إلى الأمهات والربائب، فبيَّن له الصحابة أنه راجع إلى الربائب خاصة، فعرف أنه الحق، فرجع إليه وفرَّق بين الزوجين، لا لأنه خالف قول فلان أو علان.
2- وأما الأثر المرويُّ عن الحسن بن زياد فإنه محمول أيضًا على أن فتواه مخالفة لنص أو إجماع، بدليل قوله: "فأخطأ فيها".
القول الثالث: أنه إن كان المستفتي قد عمل بفتواه لم يلزمه إعلام المستفتي برجوعه، وإن لم يعمل بها المستفتي لزم المفتي إعلامه برجوعه.
حجة هذا القول: أن المستفتي إذا عمل بالفتوى فإن عمله يكون بمثابة حكم الحاكم، فلا ينقض، بخلاف ما إذا لم يعمل بها.
وأجيب عنه: بأن حكم الحاكم لا ينقض إلا إذا خالف نصًّا أو إجماعًا، ولا ينقض إذا خالف اجتهادًا أو مذهبًا معينًا.
الترجيح: والذي يترجح لي في هذه المسألة أن المفتي إن كان قد رجع عن فتواه لظهور نص من كتاب أو سنة يخالفها، أو لأنها تخالف إجماع الأمة، فإنه يجب عليه إعلام المستفتي، وإن كان قد رجع عنها لمخالفتها لمذهبه أو نص إمامه، أو لأن نظره واجتهاده قد تغير، فإنه لا يجب عليه إعلام المستفتي.
وجه ترجيحه:
1- ما سبق من مناقشة أدلة الأقوال الثلاثة السابقة.
2- أنه إذا خالف النص أو الإجماع بفتواه فإنه يجب إعلام المستفتي، ويحرم عليه الاستمرار عليها لوجوب العمل بالكتاب والسنة على من بَلَغَهُ ذلك، وعدم الاستمرار على ما يخالفها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:53 am

طرق استنباط الأحكام من النصوص الشرعية

أولا : تقسيم اللفظ بإعتبار شموله لأفراد محصورين وغير محصورين
وهو اما خاص أو عام أو مشترك
الخاص

إذا ورد في النص خاص ثبت الحكم لمدلوله قطعاً، ما لم يقم دليل على تأويله وإرادة معنى آخر منه، فإن ورد مطلقاً أفاد ثبوت الحكم على الإطلاق ما لم يوجد دليل يقيده، وإن ورد على صيغة الأمر أفاد لإيجاب المأمور به ما لم يوجد دليل يصرفه عن الإيجاب، وإن ورد على صيغة النهي أفاد تحريم المنهي عنه ما لم يوجد دليل يصرفه عن التحريم .
اللفظ الخاص:
هو لفظ وضع للدلالة على فرد واحد بالشخص مثل محمد، أو واحد بالنوع مثل رجل، أو على أفراد متعددة محصورة مثل ثلاثة وعشرة ومائة وقوم ورهط وجمع وفريق، وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على عدد من الأفراد ولا تدل على استغراق جميع الأفراد.
وقد يرد اللفظ الخاص مطلقاً من أي قيد، وقد يرد مقيداً بقيد، وقد يكون على صيغة طلب الفعل، مثل: ((اتق الله))، وقد يكون على صيغة النهي عن الفعل، مثل: ((ولا تجسسوا))، فيندرج في الخاص المطلق، والمقيد والأمر والنهي.


وحكم الخاص على وجه الإجمال:
أنه إذا ورد نص شرعي دل دلالة قطعية على معناه الخاص الذي وضع له حقيقة، وثبت الحكم لمدلوله على سبيل القطع لا الظن.
فالحكم المستفاد من قوله تعالى: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة:89]، هو وجوب إطعام عشرة مساكين، ولا تحتمل العشرة نقصاً ولا زيادة.
والحكم المستفاد من حديث: ((في كل أربعين شاة شاة)) هو تقدير النصاب الذي تجب الزكاة فيه من الغنم بأربعين، وتقدير الواجب بشاة بلا احتمال زيادة أو نقص في هذا أو ذاك.
ولكن إذا قام دليل يقضي تأويل هذا الخاص، أي إرادة معنى آخر منه يحتمل على ما اقتضاه الدليل.
ومثال هذا ما قدمناه في تأويل علماء الحنفية الشاة في الحديث السابق بما يعم الشاة وقيمتها، وتأويلهم الصاع من تمر أو شعير في صدقة الفطر بما يعم الصاع وقيمته، وتأويلهم الصاع من تمر في حديث المصراة بما يشمله ويشمل أي عوض يماثل المتلف.
فإذا ورد الخاص مطلقاً حمل على إطلاقه، وإذا ورد مقيداً حمل على تقييده.
والفرق بين اللفظ المطلق واللفظ المقيد: أن المطلق هو ما دل على فرد غير مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري، ورجل، وطائر، والمقيّد هو ما دل على فرد مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري مسلم، ورجل رشيد، وطائر أبيض.
فالمطلق يفهم على إطلاقه إلا إذا قام دليل على تقييده، فإن قام الدليل على تقييده كان هذا الدليل صارفاً له عن إطلاقه ومبيناً المراد منه.
ففي قوله تعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:11]، الوصية مطلقة قيدت بالحديث، الذي دل على انه لا وصية بأكثر من الثلث، فصار المراد في الآية الوصية التي في حدود ثلث التركة.
وإذا ورد اللفظ مطلقاً في نص شرعي، وورد هو نفسه مقيداً في نص آخر، إن كان موضوع النصين واحداً بأن كان الحكم الوارد فيهما متحداً، والسبب

الذي بني عليه الحكم متحداً، حمل المطلق على المقيد، أي: كان المراد من المطلق هو المقيد لأنه مع اتحاد الحكم والسبب، لا يتصور الاختلاف بالإطلاق والتقييد، فيكون المطلق مقيداً بقيد المقيد.
مثال هذا: قوله تعالى في سورة المائدة: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...}[المائدة:3]الدم هنا مطلق القيد.
وقوله تعالى في سورة الأنعام: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ}[الأنعام:145]، الدم هنا مقيد بالمسفوح، فالمراد بالدم في آية المائدة الدم المسفوح المنصوص على تحريمه في آية الأنعام، لأن الحكم في الآيتين واحد وهو التحريم، والسبب الذي بني عليه الحكم فيهما واحد وهو كونه دماً، فلو كان الدم محرم مطلق الدم خلا القيد وهو ((مسفوحاً)) من الفائدة.
أما إذا اختلف النصاب في الحكم،أو في السبب، أو فيهما معاً، فلا يحتمل المطلق على المقيد بل يعمل بالمطلق على إطلاقه في موضعه، وبالمقيد على قيده في موضعه، لأن اختلاف الحكم أو السبب أو أحدهما قد يكون هو علة الاختلاف إطلاقاً وتقييداً. وهذا مذهب الحنفية وأكثر المالكية، وأما إذا اختلفا في السبب واتحد في الحكم فيحمل المطلق على المقيد.
مثال النصين المختلفين حكماً مع اتحاد السبب قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[الأنعام:6].
وقوله تعالى: { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ }[المائدة:6]، والسبب في الآيتين واحد وهو التطهير لإقامة الصلاة، والحكم في الأول وجوب الغسل وفي الثانية وجوب المسح، ومثله قوله: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }[النساء:23]، وقوله{ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}[النساء:23].
ومثال النصين المتحدين حكما المختلفين سبباً، قوله تعالى في كفارة القتل خطأ:{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النساء:92].
وقوله تعالى في كفارة الظهار:{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}[المجادلة:3]. وقوله في شهود المداينة: { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ}[البقرة:282].
وقوله في شهود المراجعة: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق:2]. ففي الآيتين الحكم واحد وهو وجوب تحرير رقبة، والسبب في الوجوب مختلف لأنه في إحداهما المداينة، والثانية المراجعة.
فلا يعتبر المقيد بياناً ويحمل المطلق عليه إلا في صورة واحدة، وهي ما إذا اتحد موضوعهما حكماً وسبباً.
وأما إذا اختلف حكماً، أو سبباً، أو اختلفا حكماً وسبباً، فلا يحمل المطلق على المقيد بل يفهم المطلق في موضعه على إطلاقه، ويفهم المقيد في موضعه على قيده، لأن اختلاف الحكم قد يكون سبباً في الاختلاف بالإطلاق والتقييد، أي أنه لما كان الحكم في آية الوضوء وجوب غسل الأيدي، أطلقها ولم يقيدها بكونها إلى المرافق، لأن التيمم رخصة شرعت للتخفيف عند عدم وجود الماء، فيناسبه التخفيف أيضاَ في إطلاق اليد فيجزئ كل ما يصدق عليه لفظ يد، وكذلك الحال إذا اختلف السبب فقد يكون القتل خطأ اقتضى تقييد الرقبة بالإيمان تشديداً للعقوبة، وإرادة المظاهر العودة لم يقتض هذا التشديد فيجزئ تحرير أية رقبة

العام
أنواع العام
وقد ثبت باستقراء النصوص أن العام ثلاثة أقسام:
1- عام يراد به قطعاً العموم، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي احتمال تخصيصه، كالعام في قوله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}[هود:6].
وفي قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء:30]، ففي كل واحدة من هاتين الآيتين، تقرير سنة إلهية عامة لا تتخصص ولا تتبدل، فالعام فيهما قطعي الدلالة على العموم، ولا يحتمل أن يراد به الخصوص.
2- وعام يراد به قطعاً الخصوص، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي بقاءه على عمومه وتبين أن المراد منه بعض أفراد، مثل قوله تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ }[آل عمران:97]، فالناس في هذا النص عام، ومراد به خصوص المكلفين لأن العقل يقضي بخروج الصبيان والمجانين.
مثل قوله تعالى: { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ }[التوبة:120]، فأهل المدينة والأعراب في هذا النص لفظان عامان مراد بكل منهما خصوص القادرين، لأن العقل لا يقضي بخروج العجزة، فهذا عام مراد به الخصوص، ولا يحتمل أن يراد به العموم.

3- عام مخصوص، وهو العام المطلق الذي لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفي دلالته على العموم، مثل أكثر النصوص التي وردت فيها صيغ العموم، مطلقه عن قرائن لفظية أو عقلية أو عرفية تعين العموم أو الخصوص، وهذا ظاهر في العموم حتى يقوم الدليل على تخصيصه، مثل: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ }[البقرة:228].
قال الشوكاني في التفريق بين العام الذي يراد به الخصوص، والعام المخصوص: العام الذي يراد به الخصوص هو العام الذي صاحبته حين النطق به قرينة دالة على انه مراد به الخصوص لا العموم، مثل خطابات التكليف العامة، فالمراد بالعام فيها خصوص من هم أهل للتكليف لاقتضاء العقل إخراج من ليسوا مكلفين، { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }[ الأحقاف:25]، فالمراد كل شئ مما يقبل التدمير.
وأما العام المخصوص فهو الذي لم تصحبه قرينة دالة على أنه مراد به بعض أفراده، وهذا ظاهر في دلالته على العموم حتى يقوم دليل على تخصيصه
تخصيص العام
تخصيص العام في اصطلاح الأصوليين:

 هو تبيين أن مراد الشارع من العام ابتداء بعض أفراده لا جميعها، أو هو تبيين أن الحكم المتعلق بالعام هو من ابتداء تشريعه حكم لبعض أفراده.

فحديث: ((لا قطع في اقل من ربع دينار))، تخصيص للعام في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا }[المائدة:38]، لأنه تبيين لأن حكم القطع ما شرع لكل سارق وسارقة، وحديث: ((ليس للقاتل ميراث)) تخصيص لعموم الوارث في آيات المواريث، لأنه تبيين لأن حكم الإرث ما شرع لكل قريب.

أما إذا شرع الحكم ابتداء متعلقاً بكل أفراد العام، ثم قضت المصلحة بقصر الحكم على بعض أفراده، وقام الدليل على هذا القصر فلا يسمى هذا في اصطلاح الأصوليين تخصيصاً، وإنما يسمى نسخاً جزئياً، لأنه إبطال العمل بحكم


العام بالنسبة لبعض أفراده.
 فقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[النورك6]
.
 هو نسخ جزئي للعام في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }[النور:4]، لأن هذه الآية الثانية بعمومها تشمل كل قاذف سواء قذف زوجته أو غيرها، وقد شرع الحكم ابتداء عاماً، ثم قام الدليل وهو آيات اللعان على قصر الجلد على القاذف الذي يقذف غير زوجته.
ودل على هذا حديث ابن مسعود قال: كنا جلوس في المسجد ليلة الجمعة إذ دخل أنصاري فقال يا رسول الله، أرأيتم الرجل يجد من زوجته رجلاً، فإن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ؟ ثم قال ((اللهم افتح)).

 فنزلت آية اللعان في سورة النور: {والذين يرمون أزواجهم...}[النور:6]، الآيات.

ومن هذا ينتج أن التخصيص في اصطلاح الأصوليين لابد أن يكون بدليل مقارن للتشريع العام، لأنه بهذا المقارنة يتبين أن المراد ابتداء من العام بعض أفراده، وأما إذا كان متأخراً عنه فهو نسخ جزئي له.

دليل التخصيص:

ودليل التخصيص قد يكون غير مستقل لفظاً عن نص العام بأن يكون متصلاً به كالجزء منه. وقد يكون مستقلاً عن نص العام، ومنفصلاً عنه.
ومن أظهر الأدلة المتصلة غير المستقلة: الاستثناء، والشرط، والوصف، والغاية.

فالاستثناء كقوله تعالى في آية المداينة، بعد أن أمر بكتابة الدين المؤجل: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا}[البقرة:282] .

والشرط كقوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }[النساء:101].

والوصف كقوله تعالى: { مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ }[النساء:23] .

والغاية كقوله تعالى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }[المائدة:6].


ومن أظهر أدلة التخصيص المستقلة المنفصلة: العقل، والعرف، والنص، وحكمة التشريع.

فمن التخصيص بالعقل، ما بيناه من قبل من تخصيص الناس في قوله تعالى:{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ }[آل عمران:97]، بمن عدا فاقدي الأهلية من الصبيان والمجانين، وتخصيص العام في كل خطاب تكليفي بمن هم أهل للتكليف، وتخصيص أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب القادرين على الجهاد مع الرسول، لأن العقل يقضي بأن يوجه الخطاب إلى من هم أهل له، وأن يخص الذي يقتضيه العقل.

ومن التخصيص بالعرف، تخصيص الوالدات في قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }[البقرة:233]، بمن عدا الوالدة الرفيعة القدر، التي ليس من عادة مثلها أن تلزم بإرضاع ولدها، كما ذهب إلى هذا الإمام مالك.

 وتخصيص الطعام في حديث نهي رسول الله عن بيع الطعام بجنسه متفاضلاً بالطعام الذي كان متعارفاً إطلاق لفظ الطعام عليه وقت التشريع. وتخصيص كل شئ في قوله تعالى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }[الأحقاف:25]، بكل شئ قابل للتدمير.

 وبعض الأصوليين يعتبر دليل التخصيص في المثال الأخير الحس، وبعضهم يعتبره العقل والنتيجة واحدة، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فكثيراً ما يخصص العرف بعض الألفاظ العامة في مواد القانون، وكثيراً ما يخصص العرف التجاري بعض النصوص العامة في صيغ العقود.

ومن التخصيص بالنص، ما أشرنا إليه من قبل في مواضع كثيرة، كقوله تعالى في المطلقات قبل الدخول: { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }[الأحزاب:49]، الذي خصص عموم قوله سبحانه: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}[البقرة:228].

ولا خلاف بين الأصوليين، في أنه يجوز تخصيص عام القرآن بالقرآن وبالسنة المتواترة، لأن نصوص القرآن والسنة المتواترة قطعية الثبوت، فيخصص

بعضها بعضاً، وأما تخصيص القرآن بالسنة غير المتواترة، فذهب جمهور الأصوليين إلى أنه سائغ، واحتجوا بوقوعه والاتفاق على العمل به، فحديث ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))، خصص عموم قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ }[المائدةك3].

وحديث: ((ليس للقاتل ميراث)) خصص عموم الوارث في آيات المواريث، وحديث الرجم خصص عموم الزاني والزانية، وحديث ((لا قطع في أقل من ربع دينار)) خصص عموم السارق والسارقة، وحديث ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) خصص عموم { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }[النساء:24]. ودعوى تواتر بعض هذه الأحاديث أو شهرتها لا يقوم عليها دليل، وهذا المذهب هو السديد، والذين منعوا تخصيص عام الكتاب بالسنة غير المتواترة يصطدمون بعدة تخصيصات نبوية، لا سبيل لهم إلى إنكارها، ولا إلى تأويلها، ولا إلى إثبات تواترها.
  العام ودلالته
إذا ورد في النص الشرعي لفظ عام ولم يقم دليل على تخصيصه، وجب حمله على عمومه وإثبات الحكم لجميع أفراده قطعاً، فإن قام دليل على تخصيصه وجب حمله على ما بقي من أفراده بعد التخصيص ، وإثبات الحكم لهذه الأفراد ظنا لا قطعاً.ولا يخصص عام إلا بدليل يساويه أو يرجحه في القطعية أو الظنية.
تعريف العام:
العام:
هو اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد، التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة منها.
فلفظ (( كل عقد)) في قول الفقهاء: كل عقد يشترط لانعقاده أهلية العاقدين، لفظ عام يدل على شمول كل ما يصدق عليه أنه من غير عقد من غير حصر في عقد معين أو عقود معينة.
ولفظ ((من ألقى)) في حديث: ((من ألقى سلاحه فهو آمن))، لفظ عام يدل على استغراق كل فرد من غير سلاحه من غير حصر في فرد معين أو أفراد معينين.

ومن هذا يؤخذ أن العموم من صفات الألفاظ لأنه دلالة اللفظ على استغراقه لجميع أفراده.
وأن اللفظ إذا دل على فرد واحد كرجل، أو اثنين كرجلين، أو كمية محصورة من الأفراد كرجال ورهط ومائة وألف، فليس من ألفاظ العموم .
وأن الفرق بين العام والمطلق، هو أن العام يدل على شمول كل فرد من أفراده، وأما المطلق فيدل على فرد شائع أو أفراد شائعة لا على جميع الأفراد.
فالعام يتناول دفعة واحدة كل ما يصدق عليه من الأفراد، والمطلق لا يتناول دفعة واحدة إلا فرداً شائعاً من الأفراد. وهذا هو المراد بقول الأصوليين: ((عموم العام شمولي، وعمومي المطلق بدلي)).
ألفاظ العموم:
باستقرار المفردات والعبارات في اللغة العربية دل على أن الألفاظ التي تدل بوضعها اللغوي على العموم والاستغراق لجميع أفرادها هي:
1-لفظ كل، ولفظ جميع: (( كل راع مسئول عن رعيته))، { خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }[البقرة:29]، ((كل خطأ يحدث ضرراً بالغير يلزم فاعله بالتعويض)).
2- المفرد المعرف بأل تعريف الجنس: {الزانية والزاني}[النور:2]، {السارق والسارقة}[المائدة:38]، {واحل الله البيع وحرم الربا}[البقرة:275]، ((البيع ينقل الملكية))، لأن الجنس يتحقق في كل فرد من أفراده لا في فرد خاص أو أفراد مخصوصين.
3- الجمع المعرف بأل تعريف الجنس: {والمطلقات يتربصن... } [البقرة:228]، {والمحصنات من النساء}[النساء:24]، والجمع المعرف بالإضافة: {خذ من أموالهم صدقة}[التوبة:103]، {حرمت عليكم أمهاتكم}[النساء:23].
4- الأسماء الموصولة: {والذين يرمون المحصنات}[النور:4]، {واللأئي يئسن من المحيض}[الطلاق:4], {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}[الطلاق:4]، { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }[النساء:24].

5- أسماء الشرط: { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [النساء:92]، {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً }[البقرة:245].
6- النكرة في سياق النفي أي النكرة المنفية: ((لا ضرر ولا ضرار))، ((لا هجرة بعد الفتح))، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }[البقرة:233].
فلكل لفظ من هذه الألفاظ موضوع في اللغة وضعاً حقيقياً للدلالة على استغراق جميع أفراده، وإذا استعمل في غير هذا الاستغراق كان استعمالاً مجازياً، لابد له من قرينة تدل عليه وتصرفه عن المعنى الحقيقي.


...  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:54 am

....  تابع

طرق استنباط الأحكام من النصوص الشرعية


دلالة العام:
لم يختلف الأصوليين في أن كل لفظ من ألفاظ العموم التي بيناها موضوع لغة لاستغراق جميع ما يصدق عليه من الأفراد، ولا أنه إذا ورد في نص شرعي دل على ثبوت الحكم المنصوص عليه لكل ما يصدق عليه من الأفراد، إلا إذا قام دليل تخصيص على الحكم ببعضها.
وإنما اختلفوا في صفة دلالة العام الذي لم يخصص على استغراقه لجميع أفراد، هل هي دلالة قطعية أو دلالة ظنية.
فذهب فريق منهم وفيهم الشافعية إلى أن العام الذي لم يخصص ظاهر العموم لا قطعي فيه، فهو ظني الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص كان ظني الدلالة أيضاً على ما بقي من أفراده بعد التخصيص، فهو ظني الدلالة قبل التخصيص وبعده.
ويترتب على هذا أنه يصح تخصيص العام بالدليل الظني مطلقاً، سواء كان أول تخصيص أو ثاني تخصيص، لأن الظني يخصص بالظني، وانه لا يتحقق التعارض بين الدليلين أن يكونا قطعيين أو ظنيين، بل يعمل بالخاص فيما دل عليه، ويعمل بالعام فيما عداه.
وحجتهم على ما ذهبوا إليه أن استقرار النصوص الشرعية التي وردت فيها ألفاظ العموم دل على أنه ما من عام إلا وخُصِّص، وعلى أن العام

الذي بقي على عمومه نادر جداً، وما استفيد بقاؤه على عمومه إلا من قرينة صاحبته. وإذا كان هذا الشأن والكثير فهو بناء على عام الكثير الغالب محتمل للتخصيص، وعلى هذا فالعام المطلق عن دليل يخصصه ظاهر في العموم لا قطعي فيه.
وذهب فريق منهم وفيهم الحنفية إلى أن العام الذي لم يخصص قطعي في العموم، فهو قطعي الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص صار ظاهراً في دلالته على ما بقي بعد التخصيص، أي ظني الدلالة عليه.
ففي هذا المذهب: العام الذي لم يخصص قطعي الدلالة على استغراقه جميع الأفراد، وإذا خصص صار ظني الدلالة على ما بقي من أفراده بعد التخصيص.
ويترتب على هذا أنه أن يصح العام أول تخصيص بدليل ظني، لأن الظني لا يخصص القطعي، وأنه يصح أن يخصص ثانياً وثالثاً بدليل ظني، لأنه بعد التخصيص الأول صار ظنياً، والظني يخصص الظني، وأنه يتحقق التعارض بين العام الذي لم يخصص، وبين الخاص القطعي لأنهما قطعيان.
وحجتهم على ما ذهبوا إليه ((أن اللفظ العام موضوع حقيقة لاستغراق جميع ما يصدق عليه معناه من الأفراد)).
واللفظ حين إطلاقه يدل على معناه الحقيقي قطعاً، فالعام المطلق عن قرينة تخصصه يدل على العموم قطعاً، ولا يصرف عن معناه الحقيقي إلا بدليل، ولهذا استدل الصحابة والتابعون والأئمة والمجتهدون بعموم الألفاظ العامة التي وردت في النصوص مطلقة عن التخصيص، واستنكروا تخصيصها من غير دليل، فإذا خصص العام بدليل دل هذا على صرفه عن متناه الحقيقي وهو العموم، واستعماله معنى مجازي وهو الخصوص، وصار محتملاً لتخصيص ثان قياسياً على التخصيص الأول، لأن علة التخصيص الأول قد تتحقق في أفراد أخرى. ولهذا صار العام الذي خصص ظني الدلالة على ما بقي بعد التخصيص.

والذي يظهر لي بعد المقارنة بين أدلة الفريقين وأمثلتهما وشواهدهما أنه ليس بين رأييهما اختلاف جوهري من الناحية العلمية، لأنه لا خلاف بينهما في أن العام يجب العمل بعمومه حتى يقوم على تخصيصه دليل، ولا في العام يحتمل أن يخصص بدليل، وأن تخصيصه بغير دليل تأويل غير مقبول.
والقائلون بأن العام الذي لم يقم دليل على تخصيصه قطعي الدلالة على العموم، ما أرادوا بكونه قطعي الدلالة أنه لا يحتمل التخصيص مطلقاً، وإنما أرادوا أنه ل يخصص إلا بدليل والقائلون بأنه ظني الدلالة على العموم ما أرادوا أنه يخصص مطلقاً، وإنما أرادوا أنه يخصص بالدليل
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

إذا ورد النص الشرعي بصيغة عامة وجب العمل بعمومه الذي دلت عليه صيغته، ولا اعتبار لخصوص السبب الذي ورد الحكم بناء عليه، سواء كان السبب سؤالاً أم واقعة حدثت. لأن الواجب على الناس إتباعه، هو ما ورد به نص الشارع، وقد ورد نص الشارع بصيغة العموم فيجب العمل بعمومه، ولا يعتبر خصوصيات السؤال أو الواقعة التي ورد النص بناء عليها، لأن عدول الشارع في نص جوابه أو فتواه عن الخصوصيات، إلى التعبير بصيغة العموم قرينة على عدم اعتباره تلك الخصوصيات.
روي أن قوماً قالوا: يا رسول الله إنا نركب البحر، ولو توضأنا بما معنا من الماء خشينا العطش، أنتوضأ بماء البحر؟ فقال الرسول: ((هو الطهور ماؤه


الحل ميتته))، فهذه الصيغة العامة ـ هو الطهور ماؤه ـ تدل بعمومها على أن ماء البحر مطهر كل أنواع الطهور في حال الضرورة والاختيار.
فيجب العمل بعمومها، ولا عبرة بكون السؤال ورد خاصاً عن التوضؤ، ولا بكون السائلين سألوا عن حال ضرورتهم من الماء خشية العطش.
وروى أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد، وقد أخذ عمهما مالهما، ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال الرسول لعم البنتين: (( أعط البنتين الثلثين وللزوجة الثمن، وما بقي فهو لك))، فهذا الحديث يدل على أن لبنتي المتوفى الثلثين، ولا اعتبار لكونهما لا مال لهما أو لكون أبيهما قتل في احد.
وروى انه - صل الله عليه وسلم - مر بشاة ميمونة وهي ميتة فقال: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، فكل جلد دبغ صار طاهراً ولا اعتبار لخصوص جلد الشاة.
قال الآمدي في الإحكام: أكثر العموميات وردت على أسباب خاصة. فآية السرقة نزلت في سرقة المجن أو رداء صفوان، وآية الظهار نزلت في حق مسلمة بن صخر، وآية اللعان نزلت في حق هلال بن أمية، إلى غير ذلك. والصحابة عمموا أحكام هذه الآيات من غير نكير، فدل ذلك على أن السبب غير مسقط للعموم.
نعم إذا ورد جواباً غير مستقل بنفسه عن السؤال بأن كان الجواب نعم، أولا ، أو ما في معنى أحدهما.
فمثال ما روي أن رسول الله سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذا)).
وأما في خصوصه فمثاله قول الرسول لأبي بردة وقد سأله عن الأضحية بجزعة من المعز: ((تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك))، فما دام الجواب الشرعي عن السؤال ورد تابعاً للسؤال في عمومه وخصوصه، وكان السؤال معاد في الجواب.
وأما الجواب المستقل إذا ورد عاماً فهو عام ولا عبرة بخصوصيات سببه، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فمادة تحديد سن الزواج عامة، ولا عبرة
بخصوصيات الواقعة، أو الوقائع التي كانت سبب قي تشريعها.
والمواد التي منعت سماع دعوى الزواج أو الطلاق أو النفقة في بعض الحالات عامة، ولا عبرة بخصوصيات الوقائع التي كانت سبباً في تشريعها

المشترك
((إذا ورد في النص الشرعي لفظ المشترك، فإن كان مشتركاً بين معنى لغوى ومعنى اصطلاحي شرعي، وجب حمله على المعنى الشرعي، وإن كان مشتركاً بين معنيين أو أكثر من المعاني اللغوية وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يعينه، ولا يصلح أن يراد بالمشترك مهنياه أو معانيه معاً))
هذه القاعدة ال خاصة ببيان الألفاظ الثلاثة التي ترد كثيراً في النصوص الشرعية والقوانين الوضعية، وهي اللفظ المشترك، واللفظ العام، واللفظ الخاص، وبيان ما يدل عليه كل واحد منهما إذا ورد في النص.
والفرق الجوهري بين هذه الألفاظ الثلاثة من حيث المغنى:
أن المشترك :
لفظ وضع لمعان متعددة بأوضاع متعددة: كلفظ السنة وضع للهجرية وللميلادية، ولفظ اليد اليمنى واليسرى، ولفظ القرش للعشرة مليمات والخمسة.
وإن العام :
لفظ وضع لمعنى واحد، وهذا المعنى الواحد يتحقق في أفراد كثيرين غير محصورين في اللفظ وإن كانوا في الواقع محصورين، أي أنه بحسب

وضعه اللغوي لا يدل على عدد محصور من هذه الأفراد، وإنما يدل على شمول جميع هذه الأفراد كلفظ الطلبة يدل على معنى يتحقق في أفراد غير محصورين ويشملهم جميعاً.
وإن الخاص :
لفظ لمعنى يتحقق في فرد واحد أو أفراد محصورين كلفظ محمد أو الطالب، أو الطلاب العسرة، أو مائة أو ألف.
فالاشتراك يتحقق بتعدد المعاني التي وضع لها اللفظ بأوضاع متعددة. والعموم يتحقق بدلالة اللفظ على شمول جميع الأفراد التي يصدق عليها من غير حصر. والخصوص يتحقق بدلالة اللفظ على الفرد أو الأفراد المحصورين التي يصدق عليها من غير شمول.
فاللفظ المشترك :
وهو ما وضع لمعنيين أو أكثر بأوضاع متعددة، يدل على ما وضع له على سبيل البدل، أي يدل على هذا المعنى أو ذاك ، كلفظ العين وضع في اللغة للباصرة، ولعين الماء النابع، وللجلوس. ولفظ القرء وضع في اللغة للطهر، وللحيض. ولفظ السنة، ولفظ اليد.
وأسباب وجود الألفاظ المشتركة في اللغة كثيرة، وأهمها اختلاف القبائل في استعمال الألفاظ للدلالة على معان، فبعض القبائل تطلق اليد على الذراع كله، وأخرى تطلق اليد على الساعد والكف، وأخرى تطلقها على الكف خاصة، فنقلة اللغة يقررون أن اليد في اللغة العربية لفظ مشترك بين المعاني الثلاثة.
ومنها أن يوضع اللفظ على سبيل الحقيقة لمعنى، ثم يستعمل في غير ما وضع له مجازاً، ثم يشتهر استعمال هذا اللفظ في المعنى المجازي حتى يتناسى أنه مجازي، فيقرر علماء اللغة أن اللفظ موضوع لهذا ولهذا: كلفظ السيارة، ولفظ الدراجة، ولفظ المسرة.
ومنها أن يوضع اللفظ لمعنى ثم يوضح اصطلاح شرعي أو قانوني لمعنى آخر، كلفظ الصلاة أو لفظ الدفع.
وأيا كان سبب وقوع الاشتراك في الألفاظ لفة فإن الألفاظ المشتركة بين معينين أو أكثر ليست قليلة في اللغة، وواردة في النصوص الشرعية من آي القرآن وأحاديث الرسول، وهي كما تقدم  من باب المشكل ما دامت توجد قرائن يتوصل بها إلى ترجيح أحد المعاني، وعلى المجتهد أن يزيل إشكالها ويعين المراد من كل لفظ منها إذا ورد في نص شرعي.
والمشترك قد يكون اسماً كما مثلنا، أو فعلاً كصيغة الأمر للإيجاب وللندب، أو حرفا مثل الواو للعطف وللحال.
فإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي شرعي. فلفظ الصلاة وضع لغة للدعاء، ووضع شرعاً للعبادة المخصوصة، ففي قوله تعالى:{ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ } [الأنعام:72]، يراد منه معناه الشرعي وهو العبادة المخصوصة لا معناه اللغوي وهو الدعاء. ولفظ الطلاق وضع لغة لحل أي قيد، ووضع شرعاً لحل قيد الزوجية الصحيحة، ففي قوله تعالى:{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [البقرة:229]، يراد منه معناه الشرعي لا اللغوي.
وهكذا كل لفظ مشترك بين معنى لغوي ومعنى شرعي إذا ورد في نص شرعي، فمراد الشارع منه معناه الذي وضعه له، لأنه لما نقل هذا اللفظ عن معناه اللغوي إلى المعنى الخاص الذي استعمله فيه، كان اللفظ في لسان الشارع الدلالة على ما وضعه الشارع له.
وكذلك في نصوص القوانين الوضعية إذا كان اللفظ الوارد في النص له معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح القانوني، وجب أن يراد به معناه القانوني لا اللغوي لسبب الذي بيناه، فلفظ الدفع ولفظ الحلول وغيرهما، يراد بها المعنى القانوني لا المعنى اللغوي، وكذا لفظ الضبط،ولفظ التسجيل.
وإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين عدة معان لغوية، وجب الاجتهاد لتعيين المعنى المراد منها، لأن الشارع ما أراد باللفظ إلا أحد معانيه، وعلى المجتهد أن يستدل بالقرائن والأمارات والأدلة على تعيين هذا المراد.
فلفظ القرء في قوله تعالى:{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [البقرة:228]، مشترك بين الطهر والحيض، وقد بينا في الكلام على المشكل ما استدل به بعض المجتهدين على أن المراد به الطهر، وما استدل به آخرون على أن المراد به الحيض.
ولفظ اليد في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [النساء:38]، مشترك بين الزراع (من رؤوس الأصابع إلى المناكب)، وبين الكف والساعد (من رؤوس الأصابع إلى المرافق)، وبين الكف (من رؤوس الأصابع إلى الرسغين)، وبين اليمنى واليسرى، وقد استدل جمهور المجتهدين بالسنة العلمية على تعيين المراد منها في الآية، وهو المعنى الأخير أي من رؤوس الأصابع إلى الرسغين في اليمنى.
ولفظ الكلالة في قوله تعالى: { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء:12]، يطلق لغة على من لم يخلف ولداً ولا والداً، وعلى من ليس بولد ولا بوالد من المخلفين، وعلى القرابة من جهة غير الولد والوالد. وقد استدل جمهور المجتهدين باستقرار آيات التوريث على تعيين أن المراد في الآية هو المعنى الأول.
ولفظ الواو في قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] .
ومشترك، يستعمل للعطف ويستعمل للحال، فإن أريد به هنا الحال كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه، والحال أنه فسق، أي ذكر عليه حين ذبحه اسم غير الله، وإن أريد به العطف كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقاً، سواء ذكر عليه حين الذبح اسم غير الله أم لم يذكر.
والمجتهدون انقسموا في تعيين المراد منها في الآية إلى رأيين، ولكل وجهة.
ولا يصح أن يراد باللفظ معنيان أو أكثر من معانيه معا، بحيث يكون الحكم الذي ورد في النص متعلقً وقت واحد بأكثر من معنى، لأن اللفظ ما أراد به الشارع إلا معنى واحد من معانيه، ووضعه لمعان متعددة إنما هو على سبيل البدل، أي أنه إما أن يدل على هذا أو ذاك.
فأما دلالته على هذا وذاك في وقت واحد، فهو تحميل اللفظ ما لا يدل عليه لا بطريق الحقيقة ، ولا بطريق المجاز، فلا يصح أن يراد بالقرء في الآية الطهر والحيض معاً، بحيث أن المطلقة إن شاءت تربصت ثلاثة أطهار، وإن شاءت تربصت ثلاثة حيضات، لأن اللفظ لا يدل على هذا بأي طريق من طرق الدلالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا تقسيم اللفظ باعتبار الظهور والخفاء
وهو اما واضح او مبهم
واضح الدلالة
 قسم علماء الأصول الواضح الدلالة إلى أربعة أقسام: 
الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم:
وهي في وضوح دلالتها على هذا الترتيب.
فالمحكم أوضحها دلالة، ويليه المفسر، ثم النص، ثم الظاهر، وتظهر ثمرة هذا التفاوت عند التعارض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا تقسيم اللفظ باعتبار الاستعمال
الحقيقة والمجاز - الصريح والكناية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا تقسيم دلالة اللفظ الى المنطوق والمفهوم
    مفهوم اللقب
 كقوله تعالى: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ)  [الفتح: 29].
مفهوم المخالفة غير محمد.
وكقول الرسول : "في البر صدقة" .
 مفهوم المخالفة غير البر .
وكقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)  [النساء: 23].
مفهوم المخالفة غير الأمهات
   مفهوم العدد
 كقوله تعالى: ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  [النور : 4].
مفهوم المخالفة الأقل والأكثر من ثمانين.
وكقوله تعالىSadفَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ )  [البقرة: 196] .
مفهوم المخالفة الأقل والأكثر من ثلاثة
مفهوم الشرط
   كقوله تعالى: ( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنّ)[الطلاق: 6]
مفهوم المخالفة إن كن لسن أولات حمل.
وكقوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [النساء: 4].
مفهوم المخالفة إذا لم تطب نفس الزوجة عن شيء من مهرها
   مفهوم الغاية
 كقوله تعالى: ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )  [البقرة: 230]
مفهوم المخالفة إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا غير مطلقها، وقوله تعالى: ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)[البقرة: 187].
مفهوم المخالفة إذا تبين الأبيض من الأسود من الفجر
مفهوم الوصف
 كقوله تعالى في بيان المحرمات: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) [النساء: 23] . 
 مفهوم المخالفة حلائل الأبناء الذين ليسوا من الأصلاب كابن الابن رضاعا، وكقول الرسول: "في السائمة زكاة" مفهوم المخالفة المعلوفة التي ليست سائمة، وكقوله : "من باع نخلة مؤبّرة فثمرتها للبائع " .
اختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم المخالفة
 وأما الصورة التي اختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم المخالفة فيها فهي مفهوم المخالفة في الوصف، أو الشرط، أو الغاية، أو العدد في النصوص الشرعية خاصة.
فذهب جمهور الأصوليين إلى أن النص الشرعي الدال على حكم في واقعة؛ إذا قيد بوصف أو شرط بشرط أو حدد بغاية أو عدد، يكون حجة على ثبوت حكمه في الواقعة التي وردت فيه بالوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد الذي ذكر فيه، ويكون حجة على ثبوت نقيض حكمه في الواقعة التي وردت فيه إذا كانت على خلاف الوصف، أو الشرط، أو الغاية، أو العدد الذي ذكر فيه.
ويسمى حكمه الأول منطوقة، ويسمى حكمه الثاني مفهومه المخالف.
فالتحريم للدم المسفوح والتحليل للدم غير المسفوح، كل منهما مدلوله قوله تعالى: (أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً) [الأنعام: 145].
وذهب الأصوليون من الحنفية ؛ إلى أن النص الشرعي الدال على حكم في واقعة، إذا قيد بوصف أو شرط بشرط، أو حدد بغاية أو عدد، لا يكون حجة إلا على حكمه في واقعته، التي ذكرت فيه بالوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد الذي ذكر فيه، وأما الواقعة التي انتقى عنها ما ور د فيه من قيد ، فلا يكون حجة على حكم فيها، بل يكون النص ساكتا عن بيان حكمها، فيبحث عن حكمها بأي دليل من الأدلة الشرعية التي منها أن الأصل في الأشياء الإباحة
 التعارض بين المفهوم بالعبارة والمفهوم بالإشارة
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [البقرة: 178]، مع قوله سبحانه: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) [النساء:93]، تدل الآية الأولى بعبارتها على وجوب القصاص من القاتل، وتدل الآية الثانية بإشارتها على أن القاتل العامد لا يقتص منه، لأن في اقتصارها على أن جزاءه جهنم إشارة إلى هذا، إذ يلزم من هذا الاقتصار في مقام البيان أنه لا تجب عليه عقوبة أخرى، ولكن رجح مدلول العبارة على مدلول الإشارة ووجب القصاص. 
وقوله - صل الله عليه وسلم - : "أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة" مع  قوله r في تعليل نقصان الدين في النساء :"تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصلي"، فإن الحديث الأول يدل بعبارته على أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام، والحديث الثاني يدل بإشارته على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشرة يوما، لأنه نص على أن إحداهن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض خمسة عشر يوما لأنه نص على أن إحداهن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض نصف شره حتى يتحقق أنها في نصف عمرها لا تصلي، فلما تعارض المفهوم من عبارة النص الأول، والمفهوم من إشارة النص الثاني، رجح المفهوم من العبارة وهو تقدير أكثر مدة الحيض بعشرة أيام
عدم الاحتجاج بالنص على مفهوم المخالفة
 اتفقوا على عدم الاحتجاج بالنص على مفهوم المخالفة فيه فهو مفهوم اللقب.
والمراد باللقب اللفظ الجامد الذي ورد في النص أسما وعلما على الذات المسند إليها الحكم المذكور فيه.
ففي حديث:  "في البر صدقة"  لفظ البر اسم للحب المعروف الذي أوجبت فيه زكاة. ولا يفهم لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً أن ذكر البر احترازاً عما عداه من الحبوب، ولا أنّ ذكر الغنم احتراز عما عداها من السوائم، ولا أن إيجاب صدقة في البر يفهم منه أن لا صدقة في الشعير والذرة وغيرها من الحبوب، ولا أن إيجاب زكاة في الغنم يفهم منه أن لا زكاة في الإبل والبقر وغيرهما.
فلهذا اتفق الأصوليين على عدم الاحتجاج بمفهوم المخالفة في اللقب، لأنه لا يقصد بذكره تقييد و لا تخصيص ولا احتراز عما عداه. 
ولا فرق في هذا بين النصوص الشرعية ونصوص القوانين الوضعية، وعقود الناس وتصرفاتهم وسائر أقوالهم. فمحمد رسول الله لا يفهم منها أن غير محمد ليس رسول الله، ودين المتوفي يؤدي من تركته لا يفهم منه أن غير دينه كنفقة تجهيزه ووصايا النافذة لا تؤدي إلى تركته، والبيع ينقل الملكية لا يفهم منه أن غير البيع لا ينقله، وأن بيع الحقوق في تركة إنسان على قيد الحياة  ولو برضاه غير باطل.
ولهذا قال الشوكاني:
 "والقائل بمفهوم المخالفة في اللقب لا يجد حجة لغوية ولا عقلية ولا شرعية، ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيدا لا يفهم من قوله أنه لم ير غيره. وأما إذا دلت القرينة على العمل في جزئية خاصة فما ذلك إلا للقرينة"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:55 am

التعارض والترجيح والنسخ


التعارض
حديث (الصلاة في بني قريظة ) ودلالته على مشروعية التعليل وإن خالف ظاهر اللفظ


فعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: (( قال النبي ، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك فذُكر ذلك للنبي ، صل الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحداً منهم)) [متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري]

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله [الفتح 7/473]: "قال السُّهيلي وغيرُه: في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النَّص معنى يخصِّصُه"

وقال ابن القيم، رحمه الله [إعلام الموقعين 1/203]: "وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي ، صل الله عليه وسلم، في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلاً، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس".

حاصل اجتهاد الصحابة الذي صلوا في الطريق أنه تخصيص لعموم النص بالعلة، وذلك أن قوله ، صل الله عليه وسلم: (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )) نهيٌ يعمُّ جميعَ المخاطبين به في جميع الأحوال، سواءٌ خِيف فوات وقت الصلاة أم لا، ولكنْ بعدَ أن وَقَفَ الصحابة على علة هذا النهي خصَّصُوا بها هذا العموم فأخرجوا منه حالةَ ما إِذا خُشِيَ فواتُ الوقت، فكأنَّ النهي بعد فهْمِ العلة صار كالتالي: لا يصلِّينَّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة إلا أن يخشى فوات الوقت.

ومن ثَمَّ أَقَرَّ النبي ، صل الله عليه وسلم، أصحابَه على هذا الاجتهاد فكان دليلاً على جواز أن يُستنبطَ من النص معنى يخصِّصُهُ، كما قاله السهيلي، رحمه الله.

لكن بقي هاهنا إشكال، وهو أن هذا الحديث وإن كان دالاً على مشروعية اتباع العلل والمعاني، وإن خالفت ظاهرَ اللفظ، فإنه دال في الوقت نفسه على مشروعية اتِّباع الظاهر وإن عارضته العلة. ومن المقرَّر أن المجتهد حين نظره إلى النص ينبغي أن لا يُغفل الظنَّ الحاصل من العلة، ويقتصر على الظَّاهِرِ فَحَسب لا سيما إذا كانت العلة واضحةً جَليةً كما هو الشأن في هذا الحديث.

فهل في هذا الحديث دليلٌ على جواز اتِّباع الظاهر بإطلاق كما يفعله الظاهرية؟

والجواب على هذا الإشكال هو أنَّ ظاهر النص بالنظر إلى العلة يُتبَّعُ في حالات وهي:

    1- إذا توافق مقتضاه مع مقتضى العلة.
    2- إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان مقتضاه أقوى من مقتضى العلة.
    3- إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان مقتضاه مساوياً لمقتضى العلة.
    4- إذا خفيت علة النص ولم يمكن الوقوف عليها.

ويُترك الظاهر بسبب التعليل في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي: إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان الظنُّ الحاصلُ من العلة أقوى من الظن الحاصل من ظاهر اللفظ مع احتمال اللفظ للتأويل.

وبناءً على هذا التفصيل يمكن تخريج اجتهاد الصحابة الذين أخَّروا الصَّلاة - كما هو في الواقع - ليكون مندرجاً ضمن الحالات التي يتبع فيها الظاهر، وذلك بأن يُقال:

إنَّ الصحابة المؤخِّرين للصلاة إِذِ اتبعوا الظاهر فإنهم ظنُّوهُ مقصوداً للشارع، وتأيَّد ظنُّهم هذا بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلم الطريق إلى بني قريظة، وقدْرَ ما يستغرق قطعُها من الوقت ومستبعدٌ أن يغيب عن خاطره، صل الله عليه وسلم، أنه سيفوتُهم وقتُ العصر، فلو كان مقصودُه أنْ يُصلُّوا في الطَّريق لَنبَّهَ على ذلك واستدرك قائلاً: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة إلا أن يخشى فوات الوقت، وعليه فالظن بأنَّ الظاهرَ مقصودٌ للشارع كان عند هؤلاء الصحابة أقوى من ظنِّ العلة وبناءً على ذلك عملوا بمقتضاه لا بمقتضى العلة.

فسيرهم هذا وراء الظاهر لم يكن نتيجةَ إِهمالٍ للعلِّةِ مُطلقاً كما يفعلة الظَّاهِريَّة، وإنما لأنهم رَأوا أن العِلَّة - وهي محلٌ لاختِلاف التقديرات - لم تبلغ من القوة بحيث تقضي على ظاهر اللفظ.

هذا وجهٌ في التخريج، ووجهٌ آخرُ لعلَّهُ أَصَحُّ:

أنَّ الصحابة المؤخِّرين للصلاة إِذِ اتبَّعوا الظاهر فإنَّهم قد التفتوا إلى العلةِ فتأيَّد لديهم ظاهرُ اللفظِ بموافقته مقتضى العلَّةِ، ووجه ذلك: أن النُّزول للوضوء في الطريق، ومن ثم الصلاة يتطلَّب قدْراً لا بأس به من الوقت، وهذا تأخير يُنافي "الإسراع" الذي هو علَّةُ النص، وبهذا يكون مقتضى العلة من هذا الوجهِ يُوجِبُ تَأخيرَ الصَّلاةِ وعدمَ أدائِها في الطَّريق كما يوجب ذلك ظاهرُ اللفظ.

وإذن، ونظراً لالتِفات هؤلاء الصحابة إلى العلة فليس في هذا الحديث دلالةٌ على جواز إهمال العلَّةِ واتِّباعِ ظاهر اللفظ مُطلقاً كما هو دأب الظاهرية.

فإن قيل: فإذا كان الصحابة المؤخِّرين للصلاة، وكذا المقدِّمين لها قد التفتوا جميعاً إلى العلة فلماذا اختلفت نتيجةُ اجتهادهم؟

فالجواب هو أنَّ الفريقين جميعاً، وإن التفتوا إلى العلة، إلا أنهم لم يلتفتوا إليها بالقدْرِ نفسِهِ، بل كان التفاتُ المؤخِّرين للصلاة إلى العلَّةِ أعمقَ وأقوى، حيث إنَّهم أَبَوا أن يُفَوِّتوا "الإسراع" الذي هو علَّة النص ولو بأداء الصلاة، أما الآخرون فإنهم، وإن التفتوا إلى العلة، إلا أنهم اكتفوا تلبيةً لمقتضاها بِسرعةِ النُّهوض والذَّهاب إلى بني قريظة من غير تَشَاغُلٍ بشيء، ورأوا أن ذلك فقط يحقِّق مقصود النبي، صل الله عليه وسلم، من قوله، ولم تصل بهم نظرتُهم إلى العلة إلى درجة أن يعتبروا الإسراعَ مَطْلوباً في أثناءِ الطَّريق إلى القَدْرِ الذي ينبغي أن تُتْرك من أَجْلِهِ الصَّلاة على الرَّغْم من أهميتها وضرورتها، وهذا ظاهر في قولهم: "بل نصلي لم يرد منا ذلك" أي أراد منا الإسراع لكن لا إلى درجة ترك الصلاة، وبناء على ذلك صلوا في الطريق وإن كان ذلك مخالفاً لظاهر اللفظ.

هذا ولمَّا كان في هذا الحديث حجةٌ قويةٌ على جواز اتباع مقتضى العلة، وإن عارض مقتضى اللفظ فقد تلبَّك ابن حزم، رحمه الله، في الإجابة عنه وذَكَرَ في تزييف دلاله هذا الحديث على ذلك جواباً ضعيفاً وهو [الإحكام 3/28]: "أنه قد كان تقدم من رسول الله، صل الله عليه وسلم، أمرٌ في وقت العصر أنه مُذْ يزيد ظل الشيء على مثله إلى أن تصفَّر الشمس، وأن مؤخِّرَها إلى الصُّفْرَةِ بغير عذرٍ يفعل فِعْلَ المنافقين، فاقترن على الصحابة في ذلك أمرانِ واردان، واجبٌ أن يُغلَّب أحدُهما على الآخر ضرورةً، فأَخَذتْ إحدى الطائفتين بالأمر المتقدِّم وأَخَذَتِ الأُخرى بالأمْر المتأخِّر".

وحاصل هذا الجواب أن اختلاف الصحابة في هذه الواقعة لم يكن بسبب اتباع العلة أو اتباع الظاهر وإنما بسبب تعارض الأوامر الشرعية:

    أحدها: وهو المتقدِّم، يوجب أن تُؤدَّى صلاةُ العصر في وقتها.
    والآخر: وهو المتأخِّر، يُوجب أن تُؤدَّى الصلاة في بني قريظة بغضِّ النَّظر عن وقت الأداء.

والخِلاف النَّاشئ بسبب تعارض النصوص يجيزه ابن حزم ولا يُحَرِّجُ فيه، بخلاف الناشئ عن اتباع الرأي والعلل [الإحكام 8/146 وما بعدها].

ولا يخفى تكلُّفُ هذا الجواب على ذي نَظَر؛ إذ على فرض تسليم التعارض بين الأوامر كما ادَّعاهُ ابن حزم رحمه الله، فإن المتعارِضَيْن عامٌّ مُتقدِّمٌ وخاصٌّ متأخِّرٌ: عامٌّ يأمر بالمحافظة على صلاة العصر بوجه عام وأدائها في وقتها، وخاصٌّ ينهى عن صلاةِ عَصْر مُعينةٍ في يومٍ مُعينٍ لأناسٍ مُعينين، ومن المُحَالِ على الصحابة، وهم أفقه هذه الأمة وأعلمها أن يقدِّموا العامَّ المتقدِّم على الخاصِّ المتأخِّر، لا سيما وقد تَضَافَرت وتتابعت أقوال الأصوليين - حتى ابن حزم - على أنَّ الخاصَّ المتأخِّرَ يقضي على الخاصِّ المتقدِّم [الإحكام 2/22، 4/54] فكيفَ لا يقضي على العام الذي هو أضعف دلالة؟!

وما مَثَلُ من قدَّمَ العامَّ المتقدِّمَ على الخاصِّ المتأخِّرِ إلا كمثل سيِّدٍ قال لغلامه: "لا تُدْخلْ أحداً عليَّ" ثم جاءَه بعد حينٍ وقال له: "إذا جاء زيدٌ فأَدْخِلْهُ"، فجاء زيد فلم يسمح له الغُلامُ بالدخول، فلمَّا بلغ ذلك إلى السَّيِّد قال لغلامه: "لِمَ لمْ تسمحْ لهُ بالدخول، وقد أمرتُك بإدخاله"، فقال الغلام مُجيباً: إنه قد سبق منك أمرٌ لي بعدم إدخالِ أَحَدٍ، وعلى هذا الأمر اعتمدتُّ فقدَّمتُهُ على أمرك المتأخِّر، فهل تستقيمُ عند ذوي العقول حجَّةُ هذا الغلام؟!

والقول بأن اجتهاد الصحابة الذين صلوا في الطريق كان اعتماداً على العام المتقدم ما هو إلا تشبيهٌ لاجتهادهم هذا باجتهاد هذا الغلام.

وفي هذا من التجهيل لهم - رضوان الله عليهم بأبسط قواعد الاجتهاد ـ بل التفكير المنطقي ـ ما فيه؟ فحاشاهم إيَّاه.

نعم، لا يُنكرُ أن الصحابة نظروا إلى العام المتقدِّم الآمِر بأداء الصلاة على وقتها، لكنّ هذا لم يكن إلا بعد أن صرفوا النَّهي الخاصَّ المتأخِّر عن ظاهره بالتعليل، وهذا هو المقصود من الاستدلال بهذا الحديث، وذلك بينٌ واضح - لو تأمَّل ابن حزم - من قولهم في دفع النهي المتأخر "لم يُرِدْ منا ذلك" أي تأخير الصلاة،

النسخ
معنى النسخ
النسخ في اللغة :
   يطلق على معان تدور بين النقل و الإبطال والإزالة .فيقولون نسخ زيد الكتاب  إذا نقله عن معارضة إلى مقابلة ،نسخ النحل إذا نقله من خلية إلى أخرى ، ويقولون نسخ الشيب الشباب ، إذا أزاله وحل محله .
   ويقولون: نسخت الريح آثار القوم  ؛إذا أبطلتها وعفت عليها . ويختلفون في هذه المعاني أيها على سبيل الحقيقة ، وأيها على سبيل المجاز ،ويختلفون كذلك في قياسه مما لايتسع المجال لتفصيله هنا ، وهو مفصل في أساس البلاغة  و معجم مقاييس اللغة  .

وفى  لسان العرب

 النسخ اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف والأصل نسخة والمكتوب عنه نسخة لأنه قام مقامه والكاتب ناسخ و منتسخ و الاستنساخ كتب كتاب من كتاب وفي التنزيل (  إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )  أي نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند الله وفي التهذيب أي نأمر بنسخه وإثباته و النسخ إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه وفي التنزيل (  ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )  والآية الثانية ناسخة والأولى منسوخة  ،ابن الأعرابي النسخ تبديل الشيء من الشيء وهو غيره ونسخ الآية بالآية إزالة مثل حكمها و النسخ نقل الشيء من مكان إلى مكان وهو هو..... الفراء النسخ أن تعمل بالآية ثم تنزل آية أخرى فتعمل بها وتترك الأولى والأشياء تناسخ تداول فيكون بعضها مكان بعض كالدول والملك وفي الحديث لم تكن نبوة إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال يعني أمر الأمة وتغاير أحوالها والعرب تقول نسخت الشمس الظل و انتسخته أزالته والمعنى أذهبت الظل وحلت محله.... و نسخت الريح آثار الديار غيرتها و النسخة بالضم أصل المنتسخ منه و التناسخ في الفرائض والميراث أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم وكذلك تناسخ الأزمنة والقرن بعد القرن .  
النسخ عند الأصوليين :

للنسخ عند الأصوليين تعريفات كثيرة ،اختار الشوكانى منها تعريفا ، نقله عن جماعة من العلماء فقال : "... وأما في الاصطلاح فقال جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني والصيرفي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي والغزالي والامدي وابن الانباري وغيرهم :هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه وإنما أثروا الخطاب على النص ليكون شاملا للفظ والفحوى والمفهوم فانه يجوز نسخ جميع ذلك  وقالوا" الدال على ارتفاع الحكم " ليتناول الأمر والنهي والخبر وجميع أنواع الحكم وقالوا " بالخطاب المتقدم " ليخرج إيجاب العبادات ابتداء فانه يزيل حكم العقل ببراءة الذمة ولا يسمى نسخا لأنه لم يزل حكم خطاب وقالوا "على وجه لولاه لكان ثابتا " لان حقيقة النسخ الرفع وهو إنما يكون رافعا لو كان المتقدم بحيث لولا جريان النسخ لبقي 
وقالوا " مع تراخيه عنه " لأنه لو اتصل لكان بيانا لمدة العبادة لا نسخا
مثال ذلك قوله – صل الله عليه وسلم - : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا "
وقد ساق الشوكانى عددا من التعريفات وما دار حولها من المناقشات ، ثم اختار تعريفاً للنسخ فقال " فالأولى أن يقال : هو  رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه "
الحكمة من النسخ
وأما حكمة الله في أنه نسخ بعض أحكام الإسلام ببعض فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها وبيان ذلك أن الأمة الإسلامية في بدايتها حين صدعها الرسول بدعوته كانت تعاني فترة انتقال شاق بل كان أشق ما يكون عليها في ترك عقائدها وموروثاتها وعادتها خصوصا مع ما هو معروف عن العرب الذي شوفهوا بالإسلام من التحمس لما يعتقدون أن من مفاخرهم وأمجادهم فلو أخذوا بهذا الدين الجديد مرة واحدة لأدى ذلك إلى نقيض المقصود ومات الإسلام في مهده ولم يجد أنصارا يعتنقونه ويدافعون عنه لأن الطفرة من نوع المستحيل الذي لا يطيقه الإنسان من هنا جاءت الشريعة إلى الناس تمشي على مهل متألفة لهم متلطفة في دعوتهم متدرجة بهم إلى الكمال رويدا رويدا صاعدة بهم في مدارج الرقي شيئا فشيئا منتهزة فرصة الألف والمران والأحداث الجادة عليهم لتسير بهم من الأسهل إلى السهل ومن السهل إلى الصعب ومن الصعب إلى الأصعب حتى تم الأمر ونجح الإسلام نجاحا لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه .

تلك الحكمة على هذا الوجه تتجلى فيما إذا كان الحكم الناسخ أصعب من المنسوخ كموقف الإسلام في سموه ونبله من مشكلة الخمر في عرب الجاهلية بالأمس وقد كانت مشكلة معقدة كل التعقيد يحتسونها بصورة تكاد تكون إجماعية ويأتونها لا على أنها عادة مجردة بل على أنها أمارة القوة ومظهر الفتوة وعنوان الشهامة فقل لي بربك هل كان معقولا أن ينجح الإسلام في فطامهم عنها ولو لم يتألفهم ويتلطف بهم إلى درجة أن يمتن عليهم بها أول الأمر كأنه يشاركهم في شعورهم وإلى حد أنه أبى أن يحرمها عليهم في وقت استعدت فيه بعض الأفكار لتسمع كلمة تحريمه حين سألوه  صل الله عليه وسلم    يسألونك عن الخمر والميسر  

أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه فالتخفيف على الناس ترفيها عنهم وإظهارا لفضل الله عليهم ورحمته بهم وفي ذلك إغراء لهم على المبالغة في شكره وتمجيده وتحبيب لهم فيه وفي دينه

وأما الحكمة في نسخ الحكم بمساويه في صعوبته أو سهولته فالابتلاء والاختبار ليظهر المؤمن فيفوز والمنافق فيهلك ليميز الخبيث من الطيب

يبقى الكلام في حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم وفي حكمة نسخ التلاوة مع بقاء الحكم

أما حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم فتسجل تلك الظاهرة الحكيمة ظاهرة سياسة الإسلام للناس حتى يشهدوا أنه هو الدين الحق وأن نبيه نبي الصدق وأن الله هو الحق المبين العليم الحكيم الرحمن الرحيم يضاف إلى ذلك ما يكتبونه من الثواب على هذه التلاوة ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها

وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فحكمته تظهر في كل آية تناسبها وإنه لتبدو لنا حكمة رائعة في مثال مشهور من هذا النوع

ذلك أنه صح في الرواية عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا كان فيما أنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبته أي كان هذا النص آية تتلى ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولا به إلى اليوم والسر في ذلك أنها كانت تتلى أولا لتقرير حكمها ردعا لمن تحدثه نفسه أنه يتلطخ بهذا العار الفاحش من شيوخ وشيخات حتى إذا ما تقرر هذا الحكم في النفوس نسخ الله تلاوته لحكمة أخرى هي الإشارة إلى شناعة هذه الفاحشة وبشاعة صدورها من شيخ وشيخة حيث سلكها مسلك ما لا يليق
أن يذكر فضلا عن أن يفعل وسار بها في طريق يشبه طريق المستحيل الذي لا يقع كأنه قال نزهوا الأسماع عن سماعها والألسنة عن ذكرها فضلا عن الفرار منها ومن التلوث برجسها كتب الله لنا الحفظ والعصمة .  

ويمكن إجمال حكمة النسخ في النقاط التالية :

1.    مراعاة مصالح العباد .
2.    تطور التشريع إلى مرتبة الكمال حسب تطور الدعوة و تطور حال الناس .
3.    ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه .
4.    إرادة الخير للأمة والتيسير عليها ،لأن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة الثواب ، وإن كان إلى أخف ففيه سهوله ويسر
موقف العلماء من النسخ
أجمع العلماء على أن النسخ جائز عقلاًَ ، وواقع سمعاً ، إلا ما يروي عن أبى مسلم الأصفهاني  في أنه جائز ، ولكنه لم يقع .

و النقول عن أبى مسلم متضاربة ، فبعضهم ينقل عنه نفي الوقوع مطلقاً ، وبعضهم ينقل عنه أنه يقول بوقوعه بين الشرائع بعضها مع بعض وينكر وقوعه فى الشريعة الواحده .

وقد حاول بعض العلماء أن يجعل الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً  لفظيــــا ً .

قال ابن دقيق العيد : " نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ لا بمعنى ان الحكم الثابت لا يرتفع بل بمعنى انه ينتهي بنص دل على انتهائه فلا يكون نسخا "
كما نقل عنه بعض العلماء : أنه إنما أنكر الجواز ، وأن خلافه في القرآن خاصة ، لاكما نقل الآمدى  وابن الحاجب أنه أنكر الوقوع .

قال الشوكانى  رداً على هذه الافتراضات : " وعلى كلا التقديرين فذلك جهالة منه عظيمة للكتاب والسنة ولأحكام العقل فانه إن اعترف بأن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع فهذا بمجرده يوجب عليه الرجوع عن قوله وان كان لا يعلم ذلك فهو جاهل بما هو من الضروريات الدينية "   

 ويري فضيلة الشيخ :على حسب الله  عدم تصديق أن عالما ً مثله ينكر نسخ شريعة بشريعة أو نسخ القرآن للسنة ، فذلك مما لا يخفى  على مثله ولا ينكره مسلم ، وأنه لا يستحق كل ما وكل إليه من لوم وتشنيع ولا ينبغي أن نصدق كل ما أ فترى عليه .

وزعم فريق من اليهود أن النسخ لا يجوز عقلا ً ،لما يلزمه –في نظرهم- من البداء – وهو ظهور الحكمة بعد خفائها .

فقالوا : أن النسخ إن لم يكن لحكمة كان عبثا ً ،يتنزه الله –تعالي -عنه- و إن كان لحكمة فإنه يقتضى ظهور مصلحة لمتكن ظاهرة له ، وذلك محال عليه .

وقد فند علماء الأصول زعمهم ، وردوا شبههم  بالمعقول والمنقول ومن أقوى الأدلة في الرد ورود النسخ في التوراة في كثير من المسائل .

 وقد أفاض الشيخ الزرقانى  في مناهل العرفان في الرد علي هذه الشبه
الفرق بين النسخ و التخصيص
إن وجود تشابه بين النسخ والتخصيص حيث أن النسخ يفيد تخصيص الحكم ببعض الأزمان، والتخصيص يفيد رفع الحكم عن بعض الأفراد؛ مما حدا ببعض العلماء أن أنكر وقوع النسخ في الشريعة وسماه تخصيصاً ، ومنهم من أدخل صوراً  من التخصيص في باب النسخ .

الفروق التي تميز النسخ من التخصيص :
1.    أن العام بعد تخصيصه مجاز ، لأن مدلوله وقتئذ بعض أفراده، مع أن لفظه موضوع للكل ، والقرينة هي المخصص ، وكل ما كان كذلك فهو مجاز ، أما النص المنسوخ فما زال كما كان مستعملاً فيما وضع له ، غايته أن الناسخ دل على أن إرادة الله تعلقت أزلاً باستمرار هذا الحكم إلى وقت  معين ، وإن كان النص المنسوخ متناولاً جميع الأزمان . 
2.    أن حكم ما خرج بالتخصيص لم يكن مرادا من العام أصلاً ، بخلاف ما خرج  بالنسخ فإنه كان مراداً من المنسوخ لفظاً . 

3.    أن التخصيص لايأتى على الأمر لمأمور واحد ولا على النهى لمنهي واحد ، أما النسخ ، فيمكن أن يعرض لهذا كما يعرض لغيره ، ومنها الأحكام الخاصة بالنبي – صل الله عليه وسلم - .


4.    أن النسخ يبطل حجية المنسوخ إذا كان رافعاً للحكم بالنسبة إلى جميع أفراد العام ، ويبقى على شيء من حجيته إذا كان رافعاً للحكم عن بعض أفراد العام دون بعض . أما التخصيص فلا يبطل حجية العام أبداً ،بل العمل به قائم فيما بقي من أفراده بعد تخصيصه .

5.    أن النسخ لا يكون إلا بالكتاب والسنة ،بخلاف التخصيص ، بخلاف التخصيص  فإنه يكون بهما وبغيرهما كدليل الحس والعقل ، فقول الله سبحانه: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )  .
 قد خصصه قوله - صل الله عليه وسلم - : { لا قطع إلا في ربع دينار }   .
                                                                   
ومثله قوله سبحانه : (تدمر كل شيء بأمر ربها )    قد خصصه ما شهد به الحس من سلامة السماء و الأرض ، وعدم تدمير الريح لهما .

6 . أن النسخ لا يكون إلا بدليل متراخ عن المنسوخ ، أما  التخصيص فيكون بالسبق واللاحق و المقارن .

7 . أن النسخ لا يقع في الأخبار ، بخلاف التخصيص فإنه يكون في الأخبار وفى غيرها


... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Empty
مُساهمةموضوع: رد: أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه    أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه  Emptyالسبت 08 ديسمبر 2018, 7:56 am

....  تابع
التعارض والترجيح والنسخ


 أدلة الجمهور على وقوع النسخ

أستدل الجمهور على جواز النسخ بأدلة كثيرة نورد منها دليلين لضيق المقام هنا

أولا ً – النصوص الشرعية :

هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدل علي وقوع النسخ في القرآن الكريم ،ومما يجرى علي القرآن يجري علي السنة .

الآية الأولي قوله تعالى في سورة البقرة ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله علي كل شيء قدير )   .
سبب نزول الآية ، قال الإمام القرطبي :

" وهذه آية عظمى في الأحكام وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه فما كان هذا القرآن إلا من جهته ولهذا يناقض بعضه بعضا فأنزل الله وإذا بدلنا آية مكان آية وأنزل ما ننسخ من آية   .

و جمهور المفسرين علي أن المراد من الآية هنا هي الآية القرآنية وممن قال بهذا لرأى الحسن الماوردي و جار الله الزمخشري و الرازي و القرطبي وأبو حبان و النيسابوري و شهاب الدين الآلوسى  وغيرهم كثير من كبار أئمة التفسير

 قال الزمخشري :

والمعنى أن كل آية يذهب بها على ما توجبه المصلحة من إزالة لفظها وحكمها معا أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل  .

 قال الرازي في التفسير الكبير :

" وأما قوله   مّنْ ءايَةٍ   فكل المفسرين حملوه على الآية من القرآن "   

وفى تفسير الخازن : "الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن المراد من النسخ هو رفع حكم بعض الآيات بدليل آخر يأتي بعده وهو المراد بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها  نأت بخير منها أو مثلها ) لأن الآية إذا أطلقت فالمراد بها آيات القرآن لأنه هو المعهود عندنا " 
ثم قال : النسخ في القرآن على وجوه :

أحدها : ما رفع حكمه وتلاوته كما روى . عن أبى أمامة بن سهل أن قوما ً من الصحابة قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -   فأخبروه فقال رسول الله –صل الله عليه وسلم –تلك سورة رفعت بتلاوتها وحكمها . وأخرجه البغوى من غير سند . وقيل : إن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة فرفع بعضها تلاوة وحكما ً .


الوجه الثاني :  ما رفع تلاوته وبقى حكمه مثل آية الرجم  .
والوجه الثالث : ما رفع حكمه وثبت خطه وتلاوته وهو كثير في القرآن.
ثانياً الإجمــــــــــــــــاع :

فإن جميع العلماء يقررون وقوع النسخ إلا أبا مسلم الأصفهاني الذي تقدم الكلام عنه وإن كان بعض المتأخرين يرى استبعاد إنكار محمد بن بحر  الأصفهاني النسخ إنكاراً مطلقاً وأن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ على حسب الله .

وبالأخص الإمام الشافعي-رضي الله عنه – الذي وضع اللبنة الأولى لعلم الأصول بتأليف كتابه المسمى (الرسالة ) كان من بين ما حوته هذه الرسالة تحريره لمدلول النسخ ، وبيان ما هو نسخ مما ليس بنسخ ، وذكر الحكمة فيه ، وبين مذهبه أن القرآن لا ينسخه إلا القرآن ، وأن السنة لا ينسخها إلا سنة مثلها ،مع دعم ذلك بذكر أمثلة تثبت وقوع النسخ في القرآن الكريم .  
وإذا كان المفسرين وعلماء الأصول قد عالجوا قضايا النسخ في أثناء تآليفهم ،فإن هناك العديد من العلماء في مختلف العصور قد أفردوا كتباً خاصة ببيان النسخ في القرآن الكريم ، وهذه الكتب منها ما هو مخطوط ، ومنها ما هو مطبوع ، ومنها ما أشارت له كتب التراجم و التاريخ ، وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن المنكرين لوقوع النسخ قد خالفوا النص القرآني ، والسنة النبوية الصحيحة  ومنطق  العقل  السليم  ،  و إجماع  المجتهدين  من  أمة سيدنا  ٍٍ النبي –صل الله عليه وسلم
الفرق بين النسخ  و اَلبَدَاء 
البَدَاء عبارة ظهور الشيء بعد خفائه ،ومنه يقال بدا لنا سور المدينة بعد خفائه ، وبدا لنا الأمر الفلاني ،أي ظهر بعد خفائه ، وإليه الإشارة بقوله تعالى (وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون )    ،

 ( بل بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون )    (وبدا لهم سيئات ما عملوا )   . 

فإن النسخ يتضمن الأمر بما نهى عنه ، والنهى عما أمر به ، والفعل لا يخرج عن كونه مستلزما لمصلحة أو مفسدة ، فالنهى عنه بعد الأمر به على هذا الحد الذى أمر به ، إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المفسدة ، وذلك عين البداء .

 قال أبو جعفر الفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فيحرم أو كان حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحا فيمنع أو ممنوعا فيباح إرادة الصلاح للعباد

وقد علم الله عز وجل العاقبة في ذلك وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه إلى ذلك الوقت فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور فالصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت وصيرت إلى الكعبة وكذا قوله عز وجل   إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة   وقد علم الله عز وجل أنه إلى وقت بعينه ثم نسخه في ذلك الوقت وكذا تحريم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم آخرون بإباحة العمل فيه كان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب .


وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك امض إلى فلان اليوم ثم تقول لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأول وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إذا قلت ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت لاتفعل فهذا البداء وإن قلت يا فلان ازرع فقد علم أنك تريد مرة واحدة وكذا النسخ إذا أمر الله عز وجل بشيء في وقت نبي أو في وقت يتوقع فيه نبي فقد علم أنه حكمة وصواب إلى أن ينسخ وقد نقل من الجماعة من لا يجوز عليهم الغلط نسخ شرائع الأنبياء من لدن ادم  صلى الله عليه وسلم  إلى وقت نبينا  صل الله عليه وسلم  وهم الذين نقلوا علامات الأنبياء
وقد غلط جماعة في الفرق بين النسخ والبداء كما غلطوا في تأويل أحاديث حملوها على النسخ أو على غير .  

ولما خفي الفرق بين الباء و النسخ على اليهود والرافضة ، منعت اليهود النسخ فى حق الله تعالي و جوزت الروافض البداء عليه لاعتقادهم جواز النسخ على الله تعالى  مع تعذر الفرق عليهم بين النسخ والبداء ، وتمسكوا بما نقل عن علي ،وجعفر الصادق ، وموسي بن جعفر –رضي الله عنهم -  .

وما نقلوه عن علي وآل بيته ، فمن الأحاديث التي انتحلها الكذاب الثقفي على أهل البيت ، فإنه كان يدعي العصمة لنفسه ، ويخبر بأشياء فإذا ظهر كذبه  فيها ، قال إن الله وعدني بذلك ، غير أنه بدا له منه ، وأسند ذلك إلى آل البيت مبالغة  في ترويج أكاذيبه .           
   
فائدة في الفرق بين النسخ و البداء

يقول الكرمى في كتابه الناسخ والمنسوخ :

أن الله تعالى عالم بما فرض وبرفع ذلك الفرض وإزالة حكمه وانقضاء زمن تلك العبادة ووقت الفرض الناسخ للفرض الأول فهو تعالى علام الغيوب ليس علم شيء عنه بمحجوب يعلم سبحانه عواقب الأمور وكل شيء عنده في كتاب مسطور بخلاف البداء فإنه من أوصاف أفعال المخلوقين الذين لا يعلمون عواقب الأمور تركه أولى من فعله ولم يكن ما ظهر له ثانيا في نيته حين أمر بالأول ولم يعلم أن ما أمر به سيبدوا له وجه المصلحة في الرجوع عنه ومع ذلك فهو لا يعلم أي الأمرين خير له ما عزم أولا أم ما بدا له ثانيا بل كل ذلك تبعا للظن تغليبا له بقياس يستعمله العقل ويريه إياه في مرآة التجارب وكثير من يخطئ في القياس ويغلط فيه للعجز عن إدراك حقائق الأشياء لأن ذلك مما استأثر الله به دون خلقه تعالى الله علام الغيوب ،
فهذا هو الفرق بين النسخ والبداء وهو من دقيق هذا العلم فاعرفه

شروط النســـــــــــخ
شروط النسخ ، منها ما هو متفق عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه .

أولاً : الشروط المتفق عليها :

1.  أن يكون المنسوخ حكما شرعياً ، لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات .

2.    أن يكون النسخ  بخطاب شرعي لا بموت المكلف ، لأن الموت مزيل  للحكم لا ناسخ  له .

3.  أن لا يكون الحكم السابق مقيداً بزمان مخصوص ، نحو قوله عليه الصلاة والسلام :  " لا صلاة  بعد  الصبح  حتى  تطلع  الشمس ، ولا صلاة  بعد  العصر  حتى    تغرب الشمس " . فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقت ،فلا يكون نهيه عن هذه النوافل  الوقت المخصوص نسخاً لما قبل ذلك من الجواز لأن التوقيت يمنع النسخ .

4.    أن يكون الناسخ متراخياً عن المنسوخ .

ثانياً : الشروط المختلف فيها :

1.    أن يكون الناسخ مثل المنسوخ في القوة ،أو أقوي منه ، لا دونه لأن الضعيف لا ينسخ القوي .

2.    أن يكون ناسخ القرآن قرآناً ، وناسخ  السنة سنة .

و الخلاف في المسألة خلاف لفظي ، مرجعه الخلاف في المراد بالبدل ، فالجمهور يفسرون البدل بالحكم الشرعي الناسخ للدليل السابق ، والمخالفون يقصدون بالبدل مطلق البدل ، وهو يشمل البراءة الأصلية ، وهو بدل أيضاً ، لأنه حاشا لله تعالي أن يترك عباده سدى من غير تشريع حكيم .

على أن الناظر في أدلة الطرفين  يجد أن المانع للنسخ بلا بدل قد استدل بأدلة شرعية ، والمجوز لذلك قد استدل بالدليل العقلي ، وهذا يجعلنا نحكم بأن المانع مراده ؛ أنه لم يقع شرعاً النسخ بلا بدل ، والمجوز يري أن ذلك جائز عقلا ،وإن كان غير واقع ، وبذلك يكون النفي و الإثبات لم يتوارد علي محل واحد ، فارتفع النزاع بين الطرفين في هذه المسألة
نسخ القرآن بالسنة المتواترة

للعلماء فيه رأيان :
1 – رأي الجمهور :
وهم يرون جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ، حكى ذلك عنهم أبو الطيب الطبري، وابن برهان، وابن الحاجب.
قال ابن فورك في "شرح مقالات الأشعرى"1: وإليه ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعرى، وكان يقول: إن ذلك وجد في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } ، فإنه منسوخ بالسنة المتواترة، وهي قوله: "لا وصية لوارث " "وكان يقول: إنه لا يجوز أن يقال إنها نسخت بآية المواريث"* لأنه يمكن أن يجمع بينهما.
قال ابن السمعاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وعامة المتكلمين.
قال الدبوسي: إنه قول علمائنا، يعني: الحنفية.
قال الباجي: قال به عامة شيوخنا، وحكاه "أبو"* الفرج عن مالك. قال: ولهذا لا تجوز عنده الوصية للوارث للحديث، فهو ناسخ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية.
2 - وذهب الشافعي  وأكثر أصحابه و أكثر أهل الظاهر ، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه ،  إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة بحال، وإن كانت متواترة.
 وبه جزم الصيرفي، والخفاف، ونقله عبد الوهاب عن أكثر الشافعية.
ثم اختلف المانعون، فمنهم من منعه عقلا وشرعا، ومنهم من منعه شرعا لا عقلا بمعنى أنه جائز عقلا لكن لايقع
 أدلتة الجمهور :
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ حقا علي المتقين  } ، فإنه منسوخ بالسنة المتواترة، وهي قوله – صلي الله عليه وسلم : "لا وصية لوارث "
 "ولا يقال : إن الناسخ لآية الوصية آية المواريث  " * لأنه الجمع ممكن ، من حيث إن الميراث لا يمنع من الوصية للأجانب .
 وغير ذلك من الآدلة
أدلتة المذهب الثاني :
أستدل أصحاب المذهب الثاني ، وهم الذين ينكرون نسخ الكتاب بالسنة بأدلة كثيرة أهمها :

أولا : الأدلة النقلية :
منه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}  الآية
ووجه الاستدلال بهذه الأية : أن الله  تعالى أسند الإتيان بالبدل إليه والذى يأتى به  – سبحانه - ، هو القرآن فقط ، فكان الناسخ للقرآن هو القرآن ، لا السنة .
قالوا: ولا تكون السنة خيرا من القرآن، "ولا" مثله، قالوا: ولم نجد في القرآن آية منسوخة بالسنة
كما استدلوا بقوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )
ووجه الاستدلال : أن الله تعالي جعل السنة مبينة للقرآن ، فلو كانت ناسخة له ،  لكانت رافعة له لا مبينة ، لأن النسخ  رفع لا بيان ، وهذا خلاف مدلول الآية .
وغير ذلك من الآيات .
ثانيا الأدلة العقلية :
 كما استدل المانعون بأدلة عقلية منها :
1 – أن السنة إنما وجب اتباعها ، وثبتت حجيتها بالقرآن الكريم وهذا يدل علي أن السنة فرع عن القرآن  والفرع لا يرجع على أصله بالإبطال والإسقاط .
2- أن القرآن أقوى من السنة من ثلاثة وجوه .
وقد ناقش العلماء هذه الأدلة
الراجح في هذه المسألة :
 الراجح  - والله أعلم – : هو رأي الجمهور ، وهم الذين يقولون بجواز نسخ الكتاب  بالسنة ، حسبما تقدم في أدلتهم . حتى استنكر بعض العلماء ما ذهب إليه الإمام الشافعي من منع نسخ الكتاب بالسنة قال إلكيا الهراس: هفوات الكبار على أقدارهم، ومن عد خطؤه عظم قدره.
قال: وقد كان عبد الجبار كثيرا ما ينصر مذهب الشافعي في الأصول والفروع، فلما وصل إلى هذا الموضع قال: هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه، قال: ولم نعلم أحدا منع من جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد عقلا، فضلا عن المتواتر، فلعله يقول: دل عرف الشرع على المنع منه، وإذا لم يدل قاطع من السمع توقفنا، وإلا فمن الذي يقول: إنه عليه السلام لا يحكم بقوله في نسخ ما ثبت في الكتاب، وأن هذا مستحيل في العقل؟
والمغالون في حب الشافعي لما رأوا هذا القول لا يليق بعلو قدره، وهو الذي مهد هذا الفن ورتبه، وأول من أخرجه، قالوا: لا بد أن يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل، فتعمقوا في محامل ذكروها.
 طرق معرفة النسخ
لا بد في تحقيق النسخ من ورود دليلين عن الشارع وهما متعارضان تعارضا حقيقيا لا سبيل إلى تلافيه بإمكان الجمع بينهما على أي وجه من وجوه التأويل وحينئذ فلا مناص من أن نعتبر أحدهما ناسخا والآخر منسوخا دفعا للتناقض في كلام الشارع الحكيم ولكن أي الدليلين يتعين أن يكون ناسخا وأيهما يتعين أن يكون منسوخا هذا ما لا يجوز الحكم فيه بالهوى والشهوة بل لا بد من دليل صحيح يقوم على أن أحدهما متأخر عن الآخر وإذن فيكون السابق هو المنسوخ واللاحق هو الناسخ . 

طرق معرفة ذلك :

1 - أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما نحو قوله تعالى (  أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) .وذلك بعد قوله تعالي : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ....)  .
  ونحو قوله تعالى : (  الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ) فإنها قد نسخت حكم الآية التي قبلها وهي قوله تعالي : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين .....) الآية .  
  و كقوله -  صل الله عليه وسلم – " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هجرا " . 

2- أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر منهما ، كقتل شارب الخمر في المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بالإجماع . 
نقل السيوطي في إتقانه  عن ابن الحصار قوله : إنما يرجع في النسخ إلي نقل صريح عن رسول الله –صلي الله عليه وسلم – أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخت كذا . قال : وقد يحكم به عند وجود التعارض به من علم التاريخ ، ليعرف المتقدم و المتأخر . 

3- أن يرد من طريق صحيحة عن أحد من الصحابة ما يفيد تعيين أحد النصين المتعارضين للسبق على الآخر أو التراخي عنه .
 كأن يقول نزلت هذه الآية بعد تلك الآية أو نزلت هذه الآية قبل تلك الآية أو يقول نزلت هذه عام كذا وكان معروفا سبق نزول الآية التي تعارضها أو كان معروفا تأخرها عنها . 

أما قول الصحابي هذا ناسخ وذاك منسوخ فلا ينهض دليلا على النسخ ، لجواز أن يكون الصحابي صادرا في ذلك عن اجتهاد أخطأ فيه .

  
وكذلك لا يعتمد في معرفة الناسخ والمنسوخ علي الطرق الآتية :
1.    اجتهاد المجتهد من غير سند ، لأن اجتهاده ليس حجة .

2.    قول المفسر هذا ناسخ أو منسوخ من غير دليل ، لأن كلامه ليس بدليل . قال الإمام  ابن حزم  :
قال أبو محمد لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة هذا منسوخ إلا بيقين لأن الله عز وجل يقول   وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما   وقال تعالى   قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون   فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه ففرض إتباعه فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ

فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم إتباعه وهذه معصية لله تعالى مجردة وخلاف مكشوف إلا أن يقوم برهان على صحة قوله وإلا فهو مفتر مبطل.

ومن استجاز خلاف ما قلنا فقوله يؤول إلى إبطال الشريعة كلها لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره والنسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى وحديث آخر فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة وهذا خروج عن الإسلام .
وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون ولا يجوز أن تسقط طاعة أمر أمرنا به الله تعالى ورسوله إلا بيقين نسخ لا شك فيه  . 

3- ثبوت أحد النصين قبل الآخر في المصحف  ، لأن ترتيب المصحف ليس علي ترتيب النزول  .
4- أن يكون أحد الراويين من أحداث الصحابة دون الراوي للنص الآخر ، فلا يحكم بتأخير حديث الصغير عن حديث الكبير  ، لجواز أن يكون الصغير قد روي المنسوخ عمن تقدمت صحبته ، ولجواز أن يسمع الكبير الناسخ من الرسول –صلي الله عليه وسلم – بعد أن يسمع الصغير منه المنسوخ ، إما إحالة علي زمن مضي ، وإما لتأخر تشريع الناسخ و المنسوخ كليهما .

5- أن يكون أحد الراويين أسلم قبل الآخر ، فلا يحكم بأن ما رواه قبل الإسلام منسوخ ن وما رواه المتأخر عنه ناسخ لجواز أن يكون الواقع عكس ذلك .

6- أن يكون أحد الراويين قد انقطعت صحبته ، لجواز أن يكون حديث من بقيت صحبته سابقاً علي حديث من انقطعت صحبته .

7-  أن يكون أحد النصين موافقا للبراءةالأصلية دون الأخر ، فربما يتوهم أن الموافق لها هو السابق ، والمتأخر عنها هو اللاحق ، مع أن ذلك غير لازم ، لأنه لا مانع من تقدم ما خالف البراءة الأصلية علي ما وافقها ، مثال ذلك قوله – صلي الله عليه وسلم - : (( لا وضوء مما مست النار )) فإنه لا يلزم أن يكون سابقا علي الخبر

 نسخ الحكم ببدل أخف أو مساو ٍ أو أثقل
النسخ يتنوع إلى ثلاثة أنواع :

1.    النسخ إلى بدل أخف من المنسوخ .

2.    النسخ إلي مساو ٍ للمنسوخ .

3.    النسخ إلى حكم أثقل من الحكم المنسوخ .

مثال الأول:

النسخ إلى بدل أخف من المنسوخ .

كنسخ تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليل رمضان بإباحة ذلك إذ قال سبحانه (  أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) .( سورة البقرة الآية (187 ))
  
مثال الثاني :

  النسخ إلي مساو ٍ للمنسوخ .

كنسخ وجوب استقبال بيت المقدس بوجوب استقبال الكعبة في قوله سبحانه  ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره  ) . ( سورة البقرة الآية (144 ) )

وهذان النوعان لا خلاف في جوازهما عقلا ووقوعهما سمعا عند القائلين بالنسخ كافة .

النوع الثالث :

النسخ إلى بدل أثقل من الحكم المنسوخ .

 وفي هذا النوع يدب الخلاف بين العلماء .

 فجمهور العلماء يذهبون إلى جوازه عقلا وسمعا كالنوعين السابقين ويستدلون على هذا بأمثلة كثيرة تثبت الوقوع السمعي وهو أدل دليل على الجواز العقلي كما علمت من تلك الأمثلة أن الله تعالى نسخ إباحة الخمر بتحريمها ومنها أنه تعالى نسخ ما فرض من مسالمة الكفار المحاربين بما فرض من قتالهم   كتب عليكم القتال وهو كره لكم   ومنها أن حد الزنى كان في فجر الإسلام لا يعدو التعنيف والحبس في البيوت ثم نسخ ذلك بالجلد والنفي في حق البكر وبالرجم في حق الثيب ومنها أن الله تعالى فرض على المسلمين أولا صوم يوم عاشوراء ثم نسخه بفرض صوم شهر رمضان كله مع تخيير الصحيح المقيم بين صيامه والفدية ثم نسخ سبحانه هذا التخيير بتعيين الصوم على هذا الصحيح المقيم إلزاما

الترجيح
هو : اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها .

ويجب تقديم الأمارة على معارضها إذا رجحت ; لأنا نقطع أن الصحابة قدموا بعض الآثار على بعض ،  منها : أنهم قدموا خبر عائشة بالتقاء الختانين على خبر أبي هريرة : الماء من الماء ، وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه - عليه السلام - كان يصبح جنبا وهو صائم ، على خبر أبي هريرة : من أصبح جنبا فلا صوم له .

وعورض بأن شهادة أربعة راجحة على شهادة اثنين .

فلو وجب العمل بالراجح ، وجب تقديم أربعة على اثنين .

أجاب بالتزامه ، فإن عند بعض الأئمة يجب تقديم شهادة أربعة على شهادة اثنين .

وبالفرق ، فإن الشهادة شرعت لدفع الخصومة ، فلو اعتبر الترجيح بالكثرة ، لأفضى إلى تطويل الخصومة ، وهو خلاف ما هو المقصود من شرعها ، بخلاف الأمارة .

ولا تعارض بين قطعيين ; لأن القطع بالإيجاب يجب أن يكون مطابقا للواقع . فلو قطع بالنفي على تقدير القطع بالإيجاب ، يلزم كون النفي أيضا مطابقا للواقع ، فيلزم اجتماع النقيضين في الواقع ، وهو محال .

ولا تعارض أيضا بين قطعي وظني ; لانتفاء الظن بأحد الطرفين عند القطع بالطرف الآخر ، بل التعارض إنما يقع بين الظنيين .

وهو إما في منقولين أو في معقولين أو في منقول ومعقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
أولا : مصطلحات وتعريفات وموضوعات مهمة فى الفقه وأصول الفقه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة الفقه الشاملة-
انتقل الى: