منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تدوين الحديث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تدوين الحديث     Empty
مُساهمةموضوع: تدوين الحديث    تدوين الحديث     Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:36 am

تدوين الحديث





[*]
[*]
[*]
[*]
[*]


تدوين الحديث : مقدمة




موقف الإسلام من الكتابة
        منذ أن أهلت شمس الإسلام على العرب - الذين شغلتهم حروبهم , وغاراتهم وعدم حبهم لقيود الحضارة والمدنية , ونفورهم من أسباب الترف الذى يورث الخمول , ويطفئ جذوة الشجاعة فيهم , والتى أحالت هى وغيرها عن عموم الكتابة فيهم , بما يمنع عنهم صفة " الأمية " التى لصقت بهم خلال التاريخ - وهو يحاول جاهدا , وبسرعة إلى استئصال – صفة الأمية – هذه من قاموس صفاتهم 0


        حيث إنهم : قادمون على الجهاد الأكبر , الذى لا تسير هذه الصفة فى قافلته , ألاَ وهو الجهاد الفكرى فى سبيل نشر الدعوة الكبرى , التى غيرت – وسوف تغير – كل ملامح الجزيرة , ومنها هذه الصفة , التى تتنافى وعالمية الدعوة الاسلامية , إن هى ظلت بهم لاصقة 0


        ويتبين لنا حربه لهذه الأمية فيما يلى :-


موقف القرآن الكريم


        إن من أقدم المصادر العربية المدوَّنة عن تاريخ العرب - بعامة – وأصحها : القرآن الكريم (1) 0


        ولذلك يكون من ألزم الأحاديث وأصدقها : بيان موقف القرآن من الكتابة 0 خاصة : فى هذا العهد المتقدم 0


        وقد حارب القرآن – فيما حارب – أمية العرب , وعمل على محوها , وطفق يرفع من شأن الكتابة والقراءة , ويعلى من مقامها (2) ومن مقام من يجيدهما 0


        ولذا نجد فى آياته الكريمة : الكثير والكثير من ألفاظ القراءة , والكتابة 0


        بل ذكر أدوات الكتابة نفسها 0


        ومن ذلك :


        1- فى القراءة :


        أ – إقرأ : وهى أول لفظة نزلت – فى أول آية نزلت – فى القرآن الكريم 0
فى قوله تعالى ( إقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الإنسان * ما لم يعلم ) (3) 0


        وفى هذه الآيات : يشيد الحق تبارك وتعالى بالقلم , وهو من ادوات الكتابة 0


        وقد وردت لفظة " إقرأ " وما اشتق منها فى القرآن الكريم : سبع وثمانون مرة (4) 0


        ب‌- مادة التلاوة : وما اشتق منها , وردت فى القرآن الكريم :
ثنتان وستون مرة (5) 0


        2- فى الكتابة :


        وردت مادة الكتابة وما اشتق منها فى القرآن الكريم : ثلاثمائة وتسع عشرة مرة (6)0


        3- فى مواد الكتابة :


        أ – القلم : وقد نزلت سورة من القرآن , وسميت باسمه , ويقسم فيها سبحانه بالقلم ؛ فيقول تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ) (7)0


        ب- المداد : ورد فى قوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى
لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا )(Cool


        جـ- القرطاس : فى قوله تعالى (ولو نزلنا عليك كتابا فى قرطاس فلمسوه بأيديهم ) (9)


        د- الصحف : فى قوله تعالى (ان هذا لفى الصحف الأولى , صحف إبراهيم وموسى ) (10)


        وقد ذكرت هذه المادة فى القرآن الكريم مرات ثمان (11)0


        هـ- الرَّق : فى قوله تعالى ( وكتاب مسطور فى رق منشور) (12)


        و – السجل : فى قوله تعالى (يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب ) (13) 0


        كل هذا وغيره 0


        فضلا عن : دعوة القرآن للعلم والمعرفة بعامة (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ ) (14)0




موقف الرسول صل الله عليه وسلم


        ولقد اهتم الرسول صل الله عليه وسلم , بهذا الأمر البالغ الخطورة والجليل الشأن , فى نشر هذه الدعوة العالمية , التى يجب أن تتوافر لها كل وسائل التبليغ 0


        والقراءة والكتابة : من أقوى الوسائل لنقل الأفكار , والمعتقدات ، وتبليغها إلى من هم بعيدون عن منبعها زمانا ومكانا 0


        ولذلك ورد فى السنن : كثير من الأحاديث التى ، يحث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على تعلم الكتابة وتحسينها , كما وردت آثار : بمعرفته , صل الله عليه وسلم , حروف الخط , وحسن تصويرها(15) 0


        فضلا عن أنه : صل الله عليه وسلم , وضع اللبنات الأولى للتعليم الجماعى العام ، بعد غزوة بدر , كما سنرى 0


        ويتبين لنا موقفه عليه السلام : بهذه الثمرات اليانعة من الأحاديث، التى نقتطفها من حقل سنته الطاهرة 0
أولا : من السنة القولية 0


        (1) دعاؤه عليه الصلاة والسلام لمعاوية رضى الله عنه بقوله " اللهم علم معاوية الكتاب والحساب " (16)


        وهذا الدعاء : إعلاء منه عليه السلام لشأن الكتابة وتعلمها , ورفع لمنزلتها , وحث على الإقبال على تعلمها 0


        2) قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه " قيدوا العلم بالكتاب " (17) حتى يكون حافظا وسجلا لما يتلقونه من العلم 0


        وفى هذا : غاية الحث على تعلم الكتابة 0


        3) قوله عليه الصلاة والسلام لرجل شكا إليه سوء حفظه " استعن بيمينك وأوما بيده للخط " (18) 0


        وفى هذا – أيضا – دعوة منه عليه السلام , إلى كل من لم تسعفه ذاكرته فى اختزان ما يتلقاه : أن يتعلم الكتابة ؛ ليحفظ بها من العلم ما يريد0


        4) قوله للكتبة من أصحابه عليه السلام "من كتب بسم الله الرحمن الرحيم مجودة : غفر الله له " (19)0


        وهذا طلب منه عليه السلام : إجادة الكتابة , وتحسينها وتوضيحها ؛ لتؤدى الغرض منها , وتعين صاحبها على الإفادة 0


        5) قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه " قراءة الرجل فى غير المصحف ألف درجة , وقراءته فى المصحف تضاعف على ذلك بألفى درجةً (20)


        وذلك لن يكون : إلا بتعلم القراءة والكتابة , فهو حث على ذلك بطريق آكد , فيه تشويق للثواب 0


        6) أمره عليه الصلاة والسلام لأصحابه : أن يكتبوا لبعض الصحابة بعض مواعظه , كما فى حديث أبى شاه 0


        حيث إن النبى صل الله عليه وسلم : خطب , فذكر قصة فى الحديث فقال أبو شاه : اكتبوا لى يا رسول الله , فقال عليه السلام "اكتبوا لابى شاه" (21) 0


        7) قوله لمعاذ بن جبل : حين بعثه الى اليمن : " لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم , وإن أشكل عليك أمر , فقف حتى تتبينه , أو تكتب إلى فيه " (22) 0


        وفى ذلك : حث لرسله (23)– الذين كان يرسلهم عليه السلام إلى الملوك , أو عامة الناس لدعوتهم للاسلام – على تعلم الكتابة , حتى يكتبوا إليه عليه السلام , ويراسلوه بأنبائهم , وما يعنُّ لهم من الأقضية 0


        Cool قوله عليه الصلاة والسلام فى اول الامر لما كثر الكاتبون عنه وكثر ما يكتبونه , محاولين كتابة كل شئ يصدر منه عليه السلام ؛ فخاف صل الله عليه وسلم أن يختلط عندهم القرآن بغيره : فقال " لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن , فمن كتب عنى شيئا سوى القرآن فليمحه " (24) 0


        وفى هذا : توجيه منه عليه الصلاة والسلام لأصحابه , فيما يكتبون وما يدعون ، ودعوة منه : لكتابة القرآن ؛ حيث إن إفراده بالكتابة فى ذلك الوقت : فيها نوع اهتمام بذلك 0


        وهذا يستتبع بالتالى : الدعوة إلى تعلم الكتابة وتعليمها 0


        9) نهيه صل الله عليه وسلم عن أخذ الأجرة على تعليم الكتابة0


        حيث قال لعبادة ابن الصامت حينما سأله على الهدية التى أخذها نظير تعليمه
بعض الناس - كما سبق – الكتابة " إن سرك ان تطوق بها طوقا من نار فاقبلها " (25) 0


        وفى ذلك ما فيه : من أسس لمجانية التعليم , وضعها محمد صل الله عليه وسلم , منذ أربعة عشر قرنا 0


ثانيا : من السنة الفعلية0


        1) أرسل صل الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء الكتب لدعوتهم
إلى الاسلام (26)0


        وفى ذلك : دعوة عملية إلى تعلم الكتابة والقراءة ؛ حيث لا يتسنى إرسال هذه الكتب وقراءة الردود عليها 00 إلا بتعلم ذلك 0


        2) أرسل صل الله عليه وسلم إلى أهل الإسلام الكتب لتعليمهم أحكام الدين وشرائعه (14)0


        وفى هذا : حث عملى – أيضا – على تعلم الكتابة والقراءة 0


        3) ما رواه الرواة الأثبات مما يعتبر اللبنة الأولى للتعليم الجماعى ، حيث إن المسلمين لما أسروا فى غزوة بدر سبعين رجلا من المشركين , من قريش وغيرهم , وفيهم الكثير من الكتاب : قَبِل النبى صل الله عليه وسلم من الأميين منهم الافتداء بالمال , وأما الذين يعرفون الكتابة فقد فرض على كل واحد منهم أن يعلم عشرة من صبيان المدينة الكتابة 0


        وقيل : إن هذا الفرض كان على من عجز عن الافتداء بالمال , كما فى بعض الروايات (27)0


        وهذا وإن كان إعلانا منه صل الله عليه وسلم بان القراءة والكتابة عديلان للحرية , وهو منتهى ما تصل إليه الهمم فى تحرير أمة مـن رق الأمية (28) : فهو فى نفس الوقت يبين لنا قيمة القراءة والكتابة فى نظر الرسول عليه الصلاة والسلام 0


        وبخاصة :عندما نعرف القيمة المالية للفدية , والتى كانت تسقط بتعليم الأسير عشرة من صبيان المسلمين (29), فى وقت كان المسلمون فيه أحوج إلى درهم , لإزالة خصاصتهم , والتقوى على أعدائهم به 0


        ولكن ذا المواهب , صل الله عليه وسلم , أدرك أن تعليم الأمة القراءة والكتابة : خير من المال , وأنها من عوامل تقدم الأمة ورقيها وبهذه السياسة الحكيمة 0


        كان النبى صل الله عليه وسلم : أول من وضع اللبنة فى إزالة الأمية من الأمم والشعوب 0


        وأن الإسلام بهذا : سبق إلى محاربة الأمية والجهل , من قرابة أربعة عشر قرنا على ،حين كان غير المسلمين ممن بيدهم مقاليد الأمور ، يحرصون على أن تبقى شعوبهم منغمسة فى حمأة الجهل والخرافات 0


        ولقد كان لهذه السياسة الرشيدة : أثرها , فقد انتشرت الكتابة بين المسلمين , وانتشر العلم والمعرفة , وصارت تنتشر فى كل قطر فتحه المسلمون (30)0


        ومما نلاحظه على ما ترويه كتب السيرة , من الأسر والفداء فى غزوة بدر , مما يوضح لنا مقدار الكتابة وقتها :


        أ- أن الافتداء بهذا الشكل سواء كان لمن يعرف القراءة والكتابة أو لمن يعجز عن دفع المال – كما فى بعض الروايات - يدل دلالة واضحة على أنه كان فداء لعدد كثير , ممن يجيد القراءة والكتابة 0


        ب- أن القراءة والكتابة : كانت شائعة فى القوم المعاصرين لهذه الموقعة , إذ أن هؤلاء الأسرى ما هم إلا عينة ونماذج غير مختارة , تمثل جموع القوم آنذاك , والكثرة التى تجيد الكتابة بين هؤلاء تقابلها كثرة بين من حضر الموقعة ولم يقع فى الأمر أو ممن لم يحضر أصلا 0


        جـ- أنه كانت درايتهم للكتابة : تتخطى درجة المعرفة السطحية إلى درجة الإتقان والإجادة , التى يتسنى معها ممارسة تعليم عدة من الصبيان الذين اشترط تعليمهم بدل الفدية 0


        د- ان النبى صل الله عليه وسلم : عمل بذلك على نشر تعلم الكتابة وتعليمها ، بطريقة عامة ورسمية: انتشر الخط بعدها بصورة عامة وجماعية وشاملة فى المدينة والأمصار التى دخلت تحت لواء الإسلام 0


        وهكذا ظهر لنا : موقف الاسلام جليا من الكتابة والقراءة , بما ينير لنا الطريق , من ناحية كتابة القرآن الكريم وتدوينه , على النحو الذى يلى قريبا 00
-------------------------
(1) العرب قبل الاسلام ص 17
(2) مناهل العرفان 1/356
(3) العلق الايات 1-5
(4) انظر : المعجم المفهرس – مادة قرأ – ص 539
(5) المعجم المفهرس ص 155
(6) المعجم المفهرس ص 591
(7) القلم : 1 , 2
(Cool الكهف : 109
(9) الأنعام : 7
(10) الأعلى : 18 , 19
(11) المعجم المفهرس 0
(12) الطور : 2 , 3
(13) الأنبياء : 104
(14) الزمر : 9
(15) انظر : الشفاء 1/235
(16) رواه ابن حنبل فى مسنده من حديث العرباض بن سارية (4/127)
(17) رواه الدارمى فى روايتين : عن عمر بن الخطاب , وكذلك :
(18) عن عبد الله ابنه (1/105) رواه الترمذى عن ابى هريرة 4/145
(19) أخرجه أبو نعيم فى تاريخ اصبهان وابن اشتة فى المصاحف من طريق " ابان " عن "انس " مرفوعا , (انظر الاتقان ) 2/170
(20) قال الحافظ الهيثمى : رواه الطبرانى وفيه أبو سعيد بن عون , وثقة ابن معبد فى رواية , وضعفه فى أخرى وبقية رجاله ثقات (انظر : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 7/165)
(21) رواه الترمذى فى سننه , وقال حديث حسن صحيح 4/146
(22) رواه ابن ماجة فى سننه (1/21)
(23) انظر : جوامع السيرة ص 17-21
(24) رواه ابن حنبل فى مسنده عن ابى سعيد الخدرى (3/12, 39, 56)0
(25) رواه ابن حنبل فى مسنده 5/315 , ابن ماجة فى سننه 2/729 , 730 , وابو داود فى سننه 3/264 , 265وانظر : مبحث "شيوع الكتابة قبل الاسلام وابان ظهوره "المعلمين , من هذا التمهيد
(26) انظر : زاد المعاد1/30 سنن الترمذى 4/168 , جوامع السيرة ص29-31
(27) انظر : السيرة الحلبية 1/574 , فجر الاسلام ص 42 الاسلام وحضارة العرب ص 162
(28) فصل الخطاب ص 15
(29) كان مقدار الفدية عن الأسير الواحد : هى (4000 درهم ) أي يقابل كل طفل (400) درهم0
(30) المدخل ص 337
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
مدى شيوع الكتابة العربية إبَّان ظهور الإسلام
        من الذائع , والمسلم به : أن سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم أول من عمل على إذاعة ونشر الكتابة , وتعلمها وتعليمها ، بطريقة عامة ورسمية , كما سنبين ذلك 00 بإذن الله 0


        ولكن قبل تدوين القرآن الكريم , وأيام تدوينه : ماذا كان حال الكتابة ؟


        هذا ما سوف نتعرض له فى هذا التمهيد 00 بتوفيق الله تعالى 0


        ولذا , فالكلام هنا , كلام عن شئ محلى 0


        ويمكن أن توصف الجهود التى بذلت لتعميم الكتابة فى هذه الفترة : بأنها جهود فردية , وإن كان يطبعها أحيانا الطابع الجماعى , كما سنرى 0


        وهذه الفترة فى تاريخ الكتابة العربية : هى التى تناولها كثير من الباحثين (1) بالدراسة والنقد والتحليل 0


        وخرجوا من ذلك كله , بأنها : مع كثرة التناول هذه ما زالت غامضة (2) , وذلك راجع إلى أن تاريخ العرب فى جاهليتهم لم يقيد كتابة 0


        وكل ما سجل عن تاريخهم : إنما هو اقتباس من نتف يسيرة ترد فى أشعارهم أو تصديق لروايات , قد تكون محرفة ؛ لأنها لا تحمل أدلة جازمة نصدقها معها 0 (3)


        ولابد لنا : من التعرض لهذه الفترة , وإلقاء بعض الضوء عليها


        إذ أن فى معرفة تاريخ الكتابة فى هذه الفترة : معرفة لتاريخ الكلمات التى كتب بها القرآن الكريم 0


        وليس بغريب , ولا بكثير على القرآن الكريم : أن تدرس هذه الفترة من تاريخ الكتابة التى تمهد للقرب من ساحته الشريفه 0


        وفى هذا البحث : نقدم طرفا من تاريخ الكتابة والكتَّاب قبل الإسلام ؛ بما يوضح لنا درجة شيوع الكتابة قبل نزول القرآن , ودرجة إجادة هذا الفن , قبل أن نتكلم عن تدوين القرآن الكريم 0


        وفى التقديم لهذا المبحث : ما يوضح لنا تمكن الصحابة من فن الكتابة تمكنا يحميهم من الخطأ , وينفى عنهم الجهل بقواعد الكتابة (4)


        وبياننا لذلك على الوجه التالى : -


        الكتابات العامة :


        كان العرب يكتبون كثيرا فى شئون حياتهم , وألوانا متعددة من الموضوعات التى يفرضها عليهم نشاطهم : العملى , أو العلمى , أو الوجدانى 0


        و من ذلك :


        أ- المواثيق والعهود :


        وهى التى كانوا يرتبطون بها فيما بينهم , أفرادا وجماعات ؛ لكى تحميهم من الحروب التى كانت تنشأ غالبا بين هؤلاء القوم لأتفه الأسباب , فقد كانوا يدعون من يكتب لهم , ذكر الحلف والهدنة ؛ تعظيما للأمر , وتبعيدا فى النسيان 0 (5)


        ومن أشهر هذه العهود , والمواثيق : " صحيفة قريش " التى تعاقدوا فيها على بنى هاشم , وبنى المطلب , وكتبوا ذلك فى صحيفة , ثم تعاهدوا وتوافقوا على ذلك , ثم علقوا الصحيفة فى جوف الكعبة ؛ توكيدا على أنفسهم (6) 0


        ب - الصكوك :


        وهى : هذه الرقع التى كان عرب الجاهلية يكتبون فيها حساب تجارتهم , وحقوقهم لدى غيرهم 0


        ولأن كثيرا من القوم – آنذاك – كانوا تجارا : فقد كان طبيعيا أن يكثر عندهم هذا الضرب من الكتابة ؛ يحفظون به حقوقهم من أن تضيع 0


        جـ - مكاتبة الرقيق :


        ونظامها : أن يتفق العبد وسيده على مبلغ من المال , يقوم العبد بدفعه لسيده ؛ لكى يصبح حرا عتيقا 0


        وكان هذا النوع من المكاتبة , يتم تسجيله كتابة فى كثير من الاحوال 0


        ويكون بالنص الآتى : -
        " كاتب فلان مملوكه (مملوكته) الذى بيده وملكه , المقر له بالرق , والعبودية , المدعو فلانا , الفلانى الجنسية , المسلم ؛ لما علم فيه : من الخير , والديانة , والعفة , والامانة و لقوله تعالى ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) 0


        وذلك : على مال , جملته كذا وكذا , يدفعه منجما , فى سلخ كل شهر , كذا , وكذا , وأبرأه منه 00


        وقد أذن له سيده : فى التكسب , والبيع والشراء 0


        فمتى أوفى ذلك : كان حرا من أحرار المسلمين , له مالهم , وعليه ما عليهم , لا سبيل لأحد عليه , إلا سبيل الولاء الشرعى 0
        ومتى عجز ولو على الدرهم الفرد : كان باقيا على حكم العبودية (7)0


        فإن وفَّى العبد ( أو الجارية ) مال الكتابة 0 0


        كتب ما مثاله :
" أقر فلان بأنه : قبض , وتسلم من مملوكه فلان , المسمى باطنه , جميع المبلغ المعين 00 وهو كذا وكذا , على حكم التنجيم وصار ذلك بيده , وقبضته , وصورته 0


        فبحكم ذلك : صار فلان حرا من أحرار المسلمين , على ما تقدم ، ويؤرخ " (Cool 0


        وقد روى :
أن أبا أيوب الأنصارى : ندم على مكاتبة مولاه " أفلح " فأرسل إليه , فقال : إنى أحب أن ترد إلى الكتاب , وأن ترجع كما كنت 0
فقال " لأفلح " ولده , وأهله : أترجع رقيقا , وقد أعتقك الله 00 ؟
فقال " أفلح " : والله لا يسألنى شيئا إلا أعطيته إياه 0 0!!
ثم جاء بمكاتبته : فكسرها (9)0


        د – النقش على الخواتم : (10)


        وكان هذا النوع منتشرا بينهم , يختمون به رسائلهم وكتبهم 0


        وهذا يستلزم أن يكون لذلك كتبة متخصصون , يجيدون النقش عليها 0




        هـ - المعلقات :


        وأمرها أشهر من أن يحتاج إلى بيان 0


        و – الرسائل :


        وهى هذه المكاتبات : التى كانوا يسجلون فيها أخبارهم ، ويحملونها عظيم أمورهم , ويضمنونها ما تتطلبه حوائجهم وشئون حياتهم 0


        ومن هذه الرسائل :


        1) ما بعثه الرسول صل الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء (11) قبل الفتح , وبعد الحديبية 0


        وقد أسلم سائر الملوك الذين أرسل إليهم , وقومهم معهم - بسبب هذه الرسائل – عدا قيصر , والمقوقس , وهوذه , وكسرى , والحارث بن أبى شمر , والنجاشى " وهو غير الذى هاجر إليه أصحاب النبى صل الله عليه وسلم " 0


        ومما يروى : أن كسرى كان أقبح القوم ردا ؛ حيث مزَّق كتاب النبى صلى الله عليه وسلم , الذى أرسله إليه , فدعا عليه رسول الله صل الله عليه وسلم : فمزق الله تعالى ملكه أولا , ثم ملك الفرس جملة (12) 0


        2) ما بعثه صل الله عليه وسلم مع رسله الكثيرة , إلى قبائل العرب (13)0


        3) ويمكن أن نعد منها – تجاوزا – كتبه عليه الصلاة والسلام إلى أهل الإسلام فى الشرائع :


        فمن ذلك (14) :


        أ- كتابه في الصدقات الذى كان عند أبى بكر 0


        ب – كتابه إلى أهل اليمن , وهو كتاب عظيم , فيه أنواع كثيرة من الفقه فى الزكاة , والأحكام 00 إلخ 0


        جـ- وكتابه إلى بنى زهير 0


        د- وكتابه الذى كان عند عمر بن الخطاب فى نصب الزكاة 0


        وغيرها 0


        4) ومن هذه الرسائل :


        ما كان يكتبه النازحون المسافرون , إلى أهليهم , بما يعرض لهم من أمور 0


        فهذه أم سلمة – كما يذكر ابن سعد – أنها لما قدمت المدينة ، قبل زواجها من رسول الله صل الله عليه وسلم , أخبرتهم أنها بنت أبى أمية بن المغيرة , فكذبوها , وقالوا : ما أكذب الغرائب , حتى سافر ناس منهم للحج , فقالوا لها : أتكتبين إلى أهلك ؟ فكتبت معهم , فرجعوا إلى المدينة بعد ذلك وقد صدقوها (15) 0


        ومما يحلو ذكره هنا : أنهم كانوا يبدؤن كتبهم هذه بـ " باسمك اللهم " وكان النبى صلى الله عليه وسلم يكتب بها كذلك ، حتى نزلت سورة " هود " وفيها ( باسم الله مجراها ومرساها ) (16), أمر النبى , صل الله عيه وسلم أن يكتب فى صدر كتبه " باسم الله " ، وظل الأمر كذلك حتى نزلت سورة " بنى اسرائيل " وفيها ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) (17) : فأمر عليه السلام أن يكتب "باسم الله الرحمن "، وظل الأمر كذلك ، حتى نزلت سورة النمل وفيها ( إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم ) (18) : فأمر عليه السلام , أن يكتب " بسم الله الرحمن الرحيم "0


        وصارت سنة في صدر الكتب : إلى يومنا هذا (19)0


        المعلمون من العرب :


        كان يوجد فى الجاهلية , وإبَّان ظهور الإسلام , من تعلم الكتابة وحذقها , وأتقنها إتقانا جعله يصير به معلما لغيره 0


        ومن هؤلاء : -
1- عمرو بن زرارة 0
2- غيلان بن سلمة بن معتب , وهو جاهلى أسلم يوم الطائف .


        والطائف هى التى أخرجت هذين المعلمين :
3- يوسف بن الحكم الثقفى 0
4- الحجاج بن يوسف الثقفى 0


        وقد كانا معلمين ببلدهما الطائف 0


        وشهرة الطائف - وقبيلة ثقيف بها خاصة – بالكتابة وإتقانها , منذ الجاهلية : هى التى دعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أن يجعل كتبة المصحف خلال الجمع , من قريش وثقيف , ودعت عثمان رضى الله عنه , أيضا أن يقول خلال الجمع الأخير : اجعلوا المملى من هذيل والكاتب من ثقيف (20) 0


        5) عبادة بن الصامت 0


        روى القرطبى أنه قال : " علمت ناسا من أهل الصُّفَّة القرآن والكتابة , فأهدى إلىَّ رجل منهم قوسا , فقلت : ليس بمال و أرمى بها فى سبيل الله (21) , فسألت رسول الله صل الله عليه وسلم فقال : إن سرك أن تُطَوَّق بها طوقا من نار فأقبلها " (22)0


        6) الشفاء بنت عبد الله العدوية 0


        وكانت فى رهط عمر بن الخطاب , وقد كانت كاتبة فى الجاهلية 0


        علَّمَت حفصة بنت عمر , زوج النبى صل الله عليه وسلم , الكتابة بأمره عليه السلام , وقال لها – أيضا – كما ورد فى الإصابة والإستيعاب : " علمى حفصة : رقية النمل , كما علمتيها الكتابة (23) 0


        ولمعرفة حفصة للكتابة – الى جانب بنوتها لعمر , وزوجيتها للرسول صل الله عليه وسلم – أُوْدِعَتْ عندها الصحف التى جمع فيها القرآن فى عهد أبى بكر , بعد وفاة الخليفة الثالث رضى الله عنه 0


        ولم تكن هى وحدها – بين زوجات النبى صل الله عليه وسلم - التى تجيد القراءة والكتابة , بل كان هناك أيضا : أم سلمة رضى الله عنها (15)0


        7) أم الدرداء 0


        روى أنها كتبت على لوح عبارات فى الحكمة ؛ ليقلدها تلميذ كانت تعلمه الكتابة والقراءة (24) 0


        وهذه أمثلة – وليست حصرا – للمعلمين المنفردين 0


        وقد كان هناك للتعليم طريقة أكثر أثرا من ذلك فى نشر الكتابة والقراءة : وهى المدارس التى يعلمون ويتعلمون فيها جماعات 0


        من ذلك :


        ما رواه الطبرى من أن خالد بن الوليد , حين نزل الأنبار رآهم يكتبون العربية , ويتعلمونها (25) 0


        ويذكر البلاذرى – أيضا – نقلا عن الواقدى : أنه كان بعض اليهود قد علم كتاب العربية , وكان يعلم الصبيان بالمدينة فى الزمن الأول (26) 0
        ويذكر الدكتور أحمد شلبى – كذلك – أن أم سلمة زوج الرسول صل الله عليه وسلم أرسلت مرة إلى معلم كتاب , تطلب منه أن يرسل لها بعض تلاميذ كتابه , ليساعدوها فى نَدْف الصوف وغزله (24) 0


        معرفة بعض العرب للغات الأجنبية :


        وذلك أن بعضهم كان بجانب معرفته بالكتابة العربية , يجيد بعض اللغات الأخرى 0


        وأمثلة ذلك :


        1- عدى بن زيد العبادى 0


        تعلم فى الكتاب , الخط العربى ثم الخط الفارسى ؛ فصار أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية (27) 0


        2- ورقة بن نوفل ، كان يكتب الكتاب العبرانى , فيكتب بالعبرانية فى الإنجيل ما شاء أن يكتب (28) 0


        وهذا يستلزم بالضرورة : إجادته للكتابة بالخط العربى 0


        3- زيد بن ثابت :


        قال – رضى الله عنه – " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحسن السريانية ؟ قلت لا , قال صل الله عليه وسلم : فتعلمها قال – زيد – فتعلمتها فى تسعة عشر يوما "(29) 0


        وهكذا : كان يكتب له صل الله عليه وسلم ويقرأ , ما يأتيه من رسائل بهذه اللغة الأجنبية 0


        كما كان يقوم بأعمال : الترجمة التحريرية والفورية , للنبى صل الله عليه وسلم ، فى الفارسية , والرومية , و القبطية , والحبشية كذلك (30)


        وكانت هذه : مقدمات , تحتاجها عالمية الدعوة , بعد ذلك 0


        وقد رأينا – فيما بعد – أن الرسول صل الله عليه وسلم , كانت له سكرتارية فيها ست لغات 0


        إذ كانوا يعرفون : العربية , والعبرية ، والرومية , و الفارسية , والقبطية , و الحبشية (31) 0


        ويقول الدكتور عبد العزيز كامل : وبالضرورة 00 كانت هذه السكرتارية تكتب وتقرأ بهذه اللغات ، بجانب كتابتها وقراءتها للعربية 0


        كتابه عليه الصلاة والسلام :




        كان للرسول صل الله عليه وسلم كتبة متخصصون فى الكتابة له عليه السلام ، بل كان له كذلك منهم : متخصصون فى أنواع معينة من الكتابات ، كما سنرى على الوجه التالى :-


        أولا – كتّابه عليه الصلاة والسلام على وجه العموم :


        تذكر المراجع العلمية (32) أنه كان للرسول صل الله عليه وسلم من الكتاب : -
1- أبو بكر رضى الله عنه 22- سعيد بن العاص
2- أبى بن كعب 23- سعيد بن سعيد بن العاص
3- أبو أيوب الأنصارى 24- السجل (33)
4- أبو سلمة المخزومى 25- سعد بن أبى وقاص
5- أبو سفيان بن حرب 26- شرحبيل بن حسنة
6- أبان بن أبى سفيان 27- طلحة بن عبيد الله
7- الأرقم بن أبى الأرقم 28- عمر بن الخطاب
8- أبو رافع القبطى 29- عثمان بن عفان
9- بريدة بن الحصيب 30- على بن أبى طالب
10- ثابت بن قيس 31- عبد الله بن رواحة
11- جهيم بن الصلت 32- عبد الله بن عبيد الله بن أبى بن سلول
12- حنظلة بن الربيع 33- عبد الله بن سعد بن أبى السرح 13- حويطب بن عبد العزى 34- عبد الله بن زيد
14- الحصين بن نمير النميرى 35- عبد الله بن عبد رب الأسد 15- حذيفة بن اليمان 36- عامر بن فهيرة
16- حاطب بن عمرو 37- عمرو بن العاص
17- خالد بن الوليد 38- العلاء بن الحضرمى
18- خالد بن سعيد بن العاص 39- العلاء بن عقبة
19- خالد بن زيد 40- عبد الله بن الأرقم
20- زيد بن ثابت 41- معاوية بن أبى سفيان
21- الزبير بن العوام 42- معيقيب بن أبى فاطمة
43- المغيرة بن شعبة 44- معاذ بن جبل
45- محمد بن مسلمة 46- يزيد بن أبى سفيان 0


        ثانيا - الكتَّاب المتخصصون :


        وقد حظى هذا البحث بأن عثر – بفضل الله تعالى - على ما يفيد : تقدم فن الكتابة فيما قبل الإسلام وإبَّان ظهوره ؛ إذ وصل الأمر ببعض الناس من الإجادة درجة أهلته للتخصص والاشتهار بنوع من أنواعها 0


        حيث نجد من كتاب رسول الله من تخصص منهم للكتابة بين يدى النبى صل الله عليه وسلم فيما يلى :-


        1- فى كتابة المعاملات والمدانيات وسائر العقود : -
أ- عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزهرى 0
ب- العلاء بن عقبة 0
        وكانا يكتبان كذلك : فى هذه الامور بين الناس (30)0


        2- كتابة مغانم رسول الله صل الله عليه وسلم (30)
معيقيب بن أبى فاطمة الدوسى 0


        3- الكتابة فيما يعرض لرسول الله صل الله عليه وسلم من حوائجه وأموره : (30)
أ‌- المغيرة بن شعبة 0
ب- الحصين بن نمير 0
جـ - سعيد بن العاص 0


        4- كتابة أموال الصدقات : (34)
أ- الزبير بن العوام 0
ب- جهيم بن الصلت 0


        5- الكتابة فى خَرْص النخل : (35)
حذيفة بن اليمان 0


        6- كتابة العهود والمصالحات (36)
على بن أبى طالب 0


        7- ومن كتاب الرسائل له عليه الصلاة والسلام (37)
أ – زيد بن ثابت 0
ب – عبد الله بن الأرقم الزهرى0
جـ - أبى بن كعب 0


        8- وممن كان يقوم بدلا عن كل واحد ممن هؤلاء :
حنظلة بن الربيع بن صيفى الأسيدى 0


        ومعنى ذلك : أنه كان إذا غاب أحد ممن تقدم ذكرهم من الكتاب ؛ قام حنظلة هذا بكتابة ما ينفرد به هذا الغائب 0
أى أنه كان يشغل ما يشبه وظيفة " نائب الكتاب " 0
ولذا كان يسمى : حنظلة الكاتب (30)


        9- وممن كان يكتب إلى الملوك والرؤساء الأجانب , باللغات الأجنبية ، بجانب قيامه باعمال الترجمة : التحريرية , والفورية له عليه الصلاة والسلام (30) - كما سبقت الاشارة إلى ذلك :
زيد بن ثابت 0


        10- وممن كان يكتب الوحى :


        لقد كتب الوحى لرسول الله صل الله عليه وسلم – وكانوا يحرصون على ذلك أشد الحرص – كل من تقدم ذكرهم ، وغير من تقدم0


        وتشير المراجع إلى أن :


        أول من كتب له عليه السلام فى ذلك بمكة من قريش (38) :
عبد الله بن سعد بن أبى سرح 0


       وأول من كتب له حين قدم المدينة :
زيد بن ثابت (38)
وأبى بن كعب (39)


        وألزمهم له فى هذا الشأن وأخصهم به : (14)
زيد بن ثابت
ومعاوية بن أبى سفيان


        وملاحظاتنا على هذا التعداد الذى تحاوله المراجع :


        1- انه ليس تعدادا على وجه الحصر والقطع بعدد معين , كما صرح بذلك بعض الباحثين (40) 0


        ذلك : أنه لم يقم على ما نعرف من وسائل الإحصاء وسبل الحصر العلمية , التى تكشفت عنها علوم هذا العصر 0


        وأيضا فإنه لم يذكر إلا من ثبت على كتابته , واتصلت أيامه فيها , وطالت مدته وصحت الرواية على ذلك من أمره , دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة ؛ إذ كان يستحق بذلك أن يسمى كاتبا , ويصاف الى جملة كتابه " (30)


        ولذا فهناك غير هؤلاء كثيرون .


        2- أنه إذا كان هذا هو الحال فى المسلمين , وهم بالنسبة الى جميع العرب – وقتها – لا يمثلون الغالبية 00!!


        فما بالنا بأعداد الكتاب فى غير هؤلاء المسلمين 00 ؟ !!


        لابد وأنهم على هذا : كانوا أعدادا كثيرة , وكانوا كذلك مجيدين لأنواع الكتابات المختلفة 0


        مما يؤكد لنا : أن الذين كتبوا القرآن الكريم 00 لم يكن يعتور كتابتهم الخطأ , أو يشوب معرفتهم بها أى نقص , أو خلل , كما يدعى بعض الباحثين (4) 0
-------------------
(1) انظر : العرب قبل الإسلام ص 33
(2) وليس الخط العربى وحده , هو ما يحيطه الغموض فى نواحى: أصله , مصدره , كيفية نشوئه : انظر : تطور الكتابة العربية ص 14"
(3) انظر : العرب قبل الإسلام ص 16 , تاريخ القرآن د 0 عبد الصبور شاهين ص 61
(4) انظر: رسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين ، للمؤلف ص 44 وما بعدها 0
(5) الحيوان للجاحظ1/69 ,نسيم الرياض شرح شفاء القاضى عياض 3/236
(6) سيرة ابن هشام 1/375
(7) نهاية الأرب 9/113
(Cool انظر : المبسوط للسرخسى 5/108 -132
(9) الطبقات لابن سعد 5/62
(10) انظر : التنبيه والإشراف ص 293-294
(11) انظر ذلك بتوسع فى الرسائل النبوية للدكتور على يوسف السبكى "رسالة ماجستير " 0
(12) انظر : جوامع السيرة لابن حزم ص 29 -31 – زاد المعاد 1/30
(13) طبقات ابن سعد 1/15 , 2/38
(14) زاد المعاد فى هدى خير العباد 1/29 , 30
(15) الطبقات 8/65
(16) هود : 41
(17) الإسراء : 110
(18) النمل : 30
(19) أدب الكتاب ص31 ,الاقتضاب ص103 ,التنبيه والاشراف ص 259
(20) تاريخ القرآن للزنجانى ص 42
(21) تعليل لقبوله لها 0
(22) التذكار للقرطبى ص 105 , وانظر مسند ابن حنبل 5/315 -316
(23) انظر : مسند ابن حنبل 7/372 , تاريخ الخط العربى ص 60
(24) انظر : تاريخ التربية الاسلامية ص 49
(25) تاريخ الطبرى 4/20
(26) فتوح البلدان – مصر – ص 479
(27) الأغانى 2/101
(28) الأغانى 3/120
(29) مسند ابن حنبل 5/182 , المصاحف ص 3
(30) التنبيه والاشراف ص 283 وما بعدها
(31) الاهرام (عدد 31164 الصادر في 7/4/1972م)
(32) انظر : فتح البارى 9/18 , الاستيعاب ( بهامش الاصابة ) 1/50, عيون الاثر 2/315 – 316, زاد المعاد 1/29 , جوامع السيرة ص 26 , التنبيه والاشراف ص 282-284 , جمع القرآن ص 23, 24
(33) اسمه هكذا فقط فى عيون الأثر 2/316
(34) التنبيه والاشراف ص 282 , والكواكب الدرية ص 18
(35)التنبيه والإشراف ص 282 , والكواكب الدرية ص 18، سنن أبى داود 3/264
(36) الاستيعاب 1/51 , شرح الشفاء 3/236
(37) الاستيعاب 1/51 , التنبيه والإشراف ص 283
(38) الاستيعاب 1/51
(39) فتح البارى 9/18
(40) انظر : جمع القرآن ص 23


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضية تدوين السنة
        إذا رأينا أن الحديث الشريف لم يدون تدوينا رسميًا في عهد الرسول صلى الله عله وسلم ، كما دون القرآن الكريم، فلا بد لنا من البحث عن السبب الذي أدي إلي عدم تدوينه في عصره صل الله عليه وسلم.


        ولا يمكننا أن نستسلم لتلك الأسباب التقليدية التي أعتاد الكاتبون أن يعللوا بها عدم التدوين، ولا نستطيع أن نوافقهم علي ما قالوه من أن قلة التدوين في عهده صلي الله عليه وسلم ، تعود قبل كل شيء إلي ندرة وسائل الكتابة، وقلة الكتاب، وسوء كتابتهم .


        لا يمكننا أن نسلم بهذا بعد أن رأينا نيفا وثلاثين كاتبا يتولون كتابة الوحي للرسول الكريم صل الله عليه وسلم وغيرهم يتولون أموره الكتابية الأخرى، ولا يمكننا أن نعتد بقلة الكتاب، وعدم إتقانهم لها، وفيهم المحسنون المتقنون أمثال زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص.


        ولو قبلنا جدلا ما ادعوه من ندرة وسائل الكتابة وصعوبة تأمينها، لكفي في الرد عليهم أن المسلمين دونوا القرآن الكريم ولم يجدوا في ذلك صعوبة، فلو أرادوا أن يدونوا الحديث ما شَقَّ عليهم تحقيق تلك الوسائل، كما لم يشق هذا علي من كتب الحديث بإذن رسول الله صل الله عليه وسلم ، فلابد من أسباب أخري.


        وإنا لنرى تلك الأسباب من خلال دراسة الآثار الثابتة عن رسول الله صل الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ، وسنرى أن تدوين الحديث مر بمراحل منتظمة حققت حفظه، وصانته من العبث، وقد تضامنت الذاكرة والأقلام وكانا جنبًا إلي جنب في خدمة الحديث الشريف


.................................................
المصدر
السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب
كتاب (تدوين القرآن)
الدكتور عبد الحى الفرماوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تدوين الحديث     Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين الحديث    تدوين الحديث     Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:37 am

تدوين الحديث فى العهد النبوى


ما روي من كراهة النبي صل الله عليه وسلم لكتابة الحديث
        روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: " لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه(1)" .


        وهذا الحديث أصح ما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم في هذا الباب.


        وقال أبو سعيد الخدري Sadجهدنا بالنبي صل الله عليه وسلم في الكتاب فأبى ).


        وفي رواية عنه قال : ( استأذنا النبي صل الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن لنا(2)).


        وروي عن أبى هريرة أنه قال: خرج علينا رسول الله صل الله عليه وسلم ونحن نكتب الأحاديث، فقال:" ما هذا الذي تكتبون؟" قلنا: أحاديث نسمعها منك، قال:"كتاب غير كتاب الله !؟ أتدرون ؟ ما ضل الأمم قبلكم إلا بما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله تعالي(3)".
---------------
(1) صحيح مسلم يشرح النووي ص129ج18 ، وجامع بيان العلم وفضله ص63 ج 1.
(2)المحدث الفاصل نسخة دمشق ص5 ج4،
(3) تقييد العلم ص34.


==============
المصدر :
كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب (الأستاذ في كليتي الشريعة والتربية بجامعة دمشق ـ سوريا)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما روي من إباحة النبي صل الله عليه وسلم لكتابة الحديث
        1- قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صل الله عليه وسلم ، فأوما بإصبعه إلى فيه وقال: "أكتب فَو الذي نفسي بيده ما خرجَ منهُ إلا حقٌ(1)" .


        2- قال أبو هريرة رضي الله عنهSadما من أصحاب النبي صل الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب(2)).


        3- روي عن أبى هريرة أن رجلا من الأنصار كان يشهد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحفظه؛ فيسأل أبا هريرة فيحدثه، ثم شكا قلة حفظه إلي الرسول صل الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : "استعن علي حفظك بيمينك(3)).


        4- روي عن رافع بن خديج أنه قال: قلنا: يا رسول الله ، إنا نسمع منك أشياء، أفنكتبها؟ قال" اكتبوا ولا حرج(4)" .


        5- روي عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "قيدوا العلم بالكتاب(5)


        6- روي عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره.(6)


        7- روي عن أبي هريرة أنه لما فتح الله علي رسوله صل الله عليه وسلم مكة قام الرسول صلي الله عليه وسلم وخطب في الناس، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه، فقال: يا رسول الله أكتبوا لي، فقال: اكتبوا له(7). "


        قال أبو عبد الرحمن ( عبد الله بن أحمد): ليس يروى في كتابة الحديث شيء أصح من هذا الحديث، لأن النبي صل الله عليه وسلم أمرهم: قال" اكتبوا لأبي شاه"،


        8- روي عن ابن عباس أنه قال : " لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال " ايتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا من بعده " . قال عمر : إن النبي صل الله عليه وسلم غلبه الوجع , وعندنا كتاب الله حسبنا . فاختلفوا وكثر اللغط . قال : " قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع (Cool ".


        إن طلب الرسول هذا واضح في أنه أراد أن يكتب شيئا غير القرآن، وما كان سيكتبه هو من السنة، وإن عدم كتابته لمرضه لا ينسخ أنه قد هم به، وكان في آخر أيام حياته عليه الصلاة والسلام، فيفهم من هذا إباحته عليه الصلاة والسلام الكتابة في أوقات مختلفة، لمواضيع كثيرة، في مناسبات عدة ، خاصة وعامة.


        وإذا كانت الأخبار الدالة علي إباحة الكتابة منها خاص كخبر أبي شاه، فإن منها أيضا ما هو عام لا سبيل إلي تخصيصه، كسماحه لعبد الله بن عمرو بالكتابة وللرجل الأنصاري الذي شكا سوء حفظه، ويمكن أن نستشهد في هذا المجال بخبر أنس ورافع بن خديج وإن تكلم فيهما، لأن طرقهما كثيرة بقوي بعضها بعضا.
--------------
(1) - سنن الدرامي ص125 ج1 ونحوه في تقيد العلم بطرق كثيرة ص74 –83 .
(2)- فتح الباري ص217 ج1.
(3) - تقييد العلم ص65 ،66 وفي الجامع لأخلاق الرواي ص50 : وقد أخرجه الترمذي أيضًا من طريق أبي هريرة أنظر توضيح الأفكار ص353 ج2.
(4) - تقييد العلم ص72-73 ، والمحدث الفاصل ص 3ب ج 4 مخطوطة دمشق
(5)- الجامع لأخرق الراوي وآداب السامع ص44 ، آ ، وتقييد العلم ص 69، وجامع .
(6)- أنظر جامع بيان العلم وفضله: ص71ج1.
(7) - مسند الإمام أحمد ص 232 ج12 وفتح الباري من 217 ج1، .
(Cool - فتح الباري ص 218 ج1 وصحيح الإمام مسلم ص 1257 و1259 ج3


=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوفيق بين الكراهة والإباحة
        حاول العلماء أن يوفقوا بين ما ورد من نهي عن الكتابة وما ورد من إباحة لها، وترجع آراؤهم إلي أربعة أقوال:


        الأول: قال بعضهم إن حديث أبي سعيد الخدري موقوف عليه فلا يصلح للاحتجاج به، وروي هذا الرأي عن البخاري وغيره(1)، إلا أننا لا نسلم بهذا لأنه ثبت عند الإمام مسلم، فهو صحيح، ويؤيد صحته ويعضده ما رويناه عن أبي سعيد رضي الله عنه:" استأذنت النبي صل الله عليه وسلم أن أكتب الحديث، فأبي أن يأذن لي(2)".


        الثاني: أن النهي عن الكتابة إنما كان في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن ، فلما كثر عدد المسلمين، وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجاهلة، وميزوه من الحديث ـ زال هذا الخوف عنهم، فنسخ الحكم الذي كان مترتبًا عليه، وصار الأمر إلي الجواز(3) .


        وفي هذا قال الرامهرمزي: (وحديث أبي سعيد "حرصنا أن يأذن لنا النبي صل الله عليه وسلم في الكتاب فأبي"أحسب أنه كان محفوظًا في أول الهجرة، وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن(4) .


        والقول بالنسخ أحد المعنيين الذين فهمهما ابن قتيبة من تلك الأخبار فقالSadأحدهما : أن يكون من منسوخ السنة بالسنة كأنه نهي في أول الأمر أن يكتب قوله، ثم رأي بعد لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ أن تكتب وتقيد.)(5)


        ورأي هذا الرأي كثير من العلماء، وذهب إليه العلامة المحقق الأستاذ أحمد محمد شاكر (6) فبعد أن دعم رأيه بالأخبار التي تبيح الكتابة قالSadكل هذا يدل علي أن حديث أبي سعيد ـ "منسوخ ، وأنه كان في أول الأمر، حين خيف اشتغالهم عن القرآن، وحين خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن، وحديث أبي شاه في أواخر حياة النبي صل الله عليه وسلم، وكذلك أخبار أبي هريرة ـ وهو متأخر الإسلام ـ أن عبد الله بن عمرو كان يكتب، وأنه هو لم يكن يكتب: يدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلام أبي هريرة، ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرًا عن هذه الأحاديث في الإذن والجواز لعُرِفَ ذلك عن الصحابة يقينًا صريحًا(7)).


        ويمكن أن نلحق هنا الرأي الذي يقول: إن النهي إنما كان عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ، لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية، فربما كتبوه معه، فنهوا عن ذلك لخوف الاشتباه.(Cool


        الثالث: أن النهي في حق من وثق بحفظه وخيف اتكاله علي الكتابة ، والأذن في حق من لا يوثق بحفظه كأبي شاه(9).


        الرابع: أن يكون النهي عاما وخص بالسماح له من كان قارئا كاتبا مجيدًا لا يخطئ في كتابته، ولا يخشي عليه الغلط، كعبد الله بن عمرو الذي أمن عليه صل الله عليه وسلم كل هذا، فأذن له(10)، وهذا هو المعني الآخر الذي فهمه ابن قتيبه من تلك الأخبار.


        ورأينا في هذه الأخبار هو صحة ما روي عن أبي سعيد من النهي، وصحة ما رود عن غيره من إباحة الكتابة، فنحن لا نقول بوقف خبر أبي سعيد عليه.


        فالرأي الأول مردود، ويمكن أن تكون جمع هذه الآراء الثلاثة صوابًا فنهي عليه الصلاة والسلام عن كتابة الحديث الشريف مع القرآن في صحيفة واحدة خوف الالتباس، وربما يكون نهيه عن كتابة الحديث علي الصحف أول الإسلام حتى لا يشغل المسلمون بالحديث عن القرآن الكريم، وأراد أن يحفظ المسلمون القرآن في صدورهم وعلي الألواح والصحف والعظام توكيدًا لحفظه، وترك الحديث للممارسة العملية ، لأنهم كانوا يطبقونه: يرون الرسول فيقلدونه، ويسمعون منه فيتبعونه.


        وإلي جانب هذا سمح لمن لا يختلط عليه القرآن بالسنة أن يدون السنة كعبد الله بن عمرو، وأباح لمن يصعب عليه الحفظ أن يستعين بيده حتى إذا حفظ المسلون قرآنهم وميزوه عن الحديث جاء نسخ النهي بالإباحة عامة، وإن وجود علة من علل النهي السابقة لا ينفي وجود غيرها ولا يتمارض معه، كما أن وجود علة النهي لا ينفي تخصيص هذا النهي بالسماح لبعض من لا تحقق فيهم هذه العلة، فالنهي لم يمكن عاما، والإباحة لم تكن عامة في أول الإسلام، فيما تحققت علة النهي منعت الكتابة ، وحينما زالت أبيحت الكتابة.


        وأرى في حديث أبي شاه وفي حديث ابن عباس:"ايتوني بكتاب..." إذنا عامًا، وإباحة مطلقة للكتابة، وعلي هذا لا تعارض بين جميع تلك الروايات فقد سهل التوفيق بينهما وتبين وجه الصواب، وانته أمر رسول الله صل الله عليه وسلم بإباحة الكتابة .
-----------------
(1) - أنظر فتح الباري 218 ج1، وأنظر الباعث الحثيث ص 148، وتوضيح الأفكار ص 353
(2) - تقييد العلم ص 32-33.
(3) - أنظر توضيح الأفكار ص 353 ـ 354 ج2.
(4) - المحدث الفاصل ص71:آ.
(5) - تأويل مختلف الحديث ص365.
(6) - أنظر الباعث الحثيث ص 148.
(7)- المرجع السابق ص149.
(Cool - انظر فتح المغيث ص18 ج3 وأنظر توضيح الأفكار ص354ج2.
(9) - أنظر فتح المغيث ص 18ج3، وتوضيح الأفكار ص354ج2.
(10)- أنظر تأويل مخلف الحديث ص365-366.


=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما دون في صدر الإسلام
        من الثابت أن بعض الصحابة كانوا قد كتبوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أحاديثه بإذن خاص منه كعبد الله بن عمرو ، والأنصاري الذي كان لا يحفظ الحديث، ثم كتب غيرهم جانبًا من حديثه بعد إذنه صل الله عليه وسلم بالكتابة إذنًا عاما ، ولدينا أخبار كثيرة عما كتبه الصحابة من صحف.


        غير أنا لا نعرف كل ما تتضمنه هذه الصحف، لأن بعض الصحابة والتابعين كانوا يحرقون ما لديهم من الصحف أو يغسلونها قبل وفاتهم ، وكان بعضهم يوصي بما عنده لمن يثق به، كانوا يفعلون هذا خشية أن تؤول تلك الصحف إلى غير أهل العلم(1).


        ونحن لا نشك في أن كثيرًا من صحف الصحابة قد كتب في عهده عليه الصلاة والسلام، وأن أكثر ما كتب تنقله الناس في حياة أصحابه وبعد وفاتهم عن طريق أبنائهم وأحفادهم أو ذويهم.


        روى ابن عبد البر بسنده عن أبي جعفر محمد بن على قال: وجد في قائم سيف رسول الله صل الله عليه وسلم صحيفة فيها مكتوب:"ملعون من سرق تخوم الأرض، ملعون من تولى غير مواليه، أو قال معلون من جحد نعمة من أنعم عليه (2)".


        وقد اشتهر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب خطير الشأن هو ذلك الكتاب الذي أمر رسول صل الله عليه وسلم كتابه بتدوينه في السنة الأولى للهجرة، وقد نعت فيه حقوق المسلمين المهاجرين والأنصار وعرب يثرب وموادعة يهودها، وتكررت فيه عبارة (أهل الصحيفة) خمس مرات، ، وجاء في مقدمتهSadهذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم : أنهم أمة واحدة من دون الناس...(3))، وهذا دليل على أن هذا الدستور أو الميثاق للدولة الإسلامية الفتية، كان مدونًا في صحيفة أشتهر أمرها وتواتر نقلها.


        وربما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأحكام مكتوبة إلى عماله، ومن هذا ما يرويه ابن أبي ليلي عن عبد الله بن عكيم، قال قرئ علينا كتاب رسول الله صل الله عليه وسلم :"أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب(4)".


        وكتب أبو بكر لأنس بن مالك كتابًا فيه الصدقات التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية أن الكتاب كان ممهورًا بخاتم رسول الله صل الله عليه وسلم (5).


        وروي نافع عبن ابن عمر أنه وجد في قائم سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها صدقة السوائم(6)،وقد تكون هذه النسخة هي التي ورثها سالم بن عبد الله بن عمر، وقرأها عنده ابن شهاب الزهري(7)،ويؤكد لنا هذا ما روي عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قالSadلما استخلف عمر بن العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات، وكتاب عمر بن الخطاب...وجد عند آل عمر كتاب عمر في الصدقات ، مثل كتاب رسول الله صل الله عليه وسلم قال: فنسخا له(Cool).


        وقد اشتهرت صحيفة أمير المؤمنين على بن أبي طالب التي كان يعلقها في سيفه، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وحرم المدينة، ولا يقتل مسلم بكافر(9).


        وروي عن ابن الحنفية: محمد بن على بن أبي طالب (-581هـ) قال: أرسلني أبي قالSadخذ هذا الكتاب، فأذهب به إلى عثمان ، فإن فيه أمر النبي صل الله عليه وسلم بالصدقة(10)).


        وروي عن مسعر عن معن قال: (أخرج لي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كتابا، وحلف لي أنه بخط أبيه بيده(11)).


        وكان عند سعد بن عبادة الأنصاري (-15هـ) كتاب أو كتب فيها طائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روى ابن هذا الصحابي من كتب أبيه بعض أعمال الرسول صل الله عليه وسلم (12)، ويروي الإمام البخاري أن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى ، الذي كان يكتب الأحاديث بيده، وكان الناس يقرؤون عليه ما جمعه بخطه(13).


        وكان عند أبي رافع مولى رسول الله صل الله عليه وسلم (-35هـ)(14 ) كتاب فيه استفتاح الصلاة ، دفعه إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث (-94هـ)(15) أحد الفقهاء السبعة.


        وكان عند أسماء بن عميس(-38هـ) كتاب جمعت فيه بعض أحاديثه صل الله عليه وسلم (16).


        عن محمد بن سعيد قال: لمات مات محمد بن مسلمة الأنصاري (-42هـ)(17)وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا: ( بسم الله الرحمن الرحيم ، سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول: إن لربكم في بقية دهركم نفحات ، فتعرضوا له...(18)).


        وكتبت سبيعة الأسلمية إلى عبد الله بن عتبة تروي عن النبي صل الله عليه وسلم أنه أمرها بالنكاح بعد قليل من وفاة زوجها بعد ما وضعت(19).


        وكتب رسول الله صل الله عليه وسلم كتابا لوائل بن حجر(-50هـ) لقومه في حضر موت، فيه الخطوط الكبرى للإسلام ، وبعض أنصبة الزكاة ، وحد الزنا، وتحريم الخمر ، وكل مسكر حرام(20).


        وولى رسول الله صل الله عليه وسلم عمرو بن حزم(-53هـ) على اليمن وأعطاه كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وغير ذلك(21).


        وكان أبو هريرة (-59هـ) يحتفظ بكتب فيها أحاديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم.


        وروى الفضيل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه أنه قال: تحدثت عن أبي هريرة بحديث فانكره ، فقلت إني قد سمعته منك، فقال: إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي، فأخذ بيدي إلى بيته، فأرانا كتبًا كثيرة من حديث رسول الله صل الله عليه وسلم ، فوجد ذلك الحديث،فقال: قد أخبرتك أني إن كنت حدثتك به فهو مكتوب عندي(22)،وكان بشير بن نهيك قد قرأ عليه الكتاب الذي كتبه عنه قبل أن يفارقه(23).


        وجمع سمرة بن جندب(-60هـ) أحاديث كثيرة في نسخة رواها عنه ابنه سليمان (24)،ويحتمل أن يكون هذه النسخة هي الرسالة التي كتبها سمرة إلى بنيه، وقال فيها محمد بن سرين(في رسالة سمر ة إلى بنيه علم كثيرة(25)).
-----------------------
(1) -من أخبار محو الكتب وحرقها ما فعله أبو بكر رضي الله عنه بما كان عنده من الصحف انظر تذكرة الحفاظ ص5ج1 ، وانظر أخبار غيره في تقييد العلم ص59-63 .
(2) -جامع بيان العام وفضله ص71ج1.
(3) -سيرة أبن هشام ص119ج2،والأموال ص20.
(4) -معرفة علوم الحديث ص86،وقال ألحاكم : هذا منسوخ بحديث ابن عباس أن رسول الله صل الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال : هلا استمتعتم بجلدها؟ فقالوا يا رسول الله إنها ميتة، فقال إنما حرم أكلها انظر معرفة علوم الحديث ص86 وانظر أخبار أهل الرسوخ في الفقه والحديث بمقدار المنسوخ من الحديث ص27.
(5)-رد الدرامي على بشر المربسي ص131، وذكر الإمام أحمد هذا الكتاب في مسنده ص183-184حديث 72ج1.
(6)-انظر الكفاية ص353-354 ، وانظر توجيه النظر ص347.
(7)-انظر الأموال ص360ورد الدرامي على بشر ص131.
(Cool-الأموال ص358-359 ويقال كان عند عمر بن الخطاب نسخ العهود والمواثيق ملء صندوق إلا أنها احترقت يوم الجماجم (82هـ)وما بقي منها قضت عليها ظروف الزمن وغارة التيار انظر الوثائق السياسية، المقدمة.
(9) -انظر مسند الإمام أحمد ص44و35و121و131 ج2 وفتح الباري ص83ج7 .
(10) -رد الدرامي على بشر ص130، وفتح الباري ص23-ج2.
(11) -جامع بيان العلم وفضله ص72ج1.
(12) -انظر جامع بيان العلم وفضله ص72ج1، ونظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص118وانظر صحيفة همام بن عتبه ص16نقلا عن الترمذي.
(13) -انظر علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحي الصالح ص13وهامشها وفيه ( عبد الله بن أوفي) وهو خطأ مطبعي والصواب(عبد الله بن أبي أوفي) انظر صحيح البخاري بشرح السندى ص143ج2 باب الصبر عند القتال، وعبد الله بن أبي أوفي صحابي شهد الحديبية، وعمر بعد النبي صل الله عليه وسلم ، توفي سنة (87هـ) وهو آخر من توفي بالكوفة من الصحابة ، انظر تقريب التهذيب ص402ج1.
(14)-وقبل وفاته بعد قتل عثمان وقبل مات في خلافة على رضي الله عنهما.
(15)-انظر الكفاية ص330.
(16)-نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص118.
(17)-كان محمد بن مسلمة من أفضل الصحابة وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا كعب بن الأشرف واستخلفه صل الله علىه وسلم على المدينة في بعض غزواته، اعتزل الفتن ولم يشهد الجمل ولا صفين وتوفي وهو ابن (77)سنة ، انظر تهذيب التهذيب ص454ج9.
(18)-المحدث الفاصل 112.
(19)-الكفاية ص337، وسبيعة هذه هي بنت الحارث وزوجة سعد بن خولة انظر تهذيب التهذيب ص434ج12.
(20) -انظر الإصابة ص321ج6 وانظر تفصيل ذلك في المصباح المضيء ص122:أ-112:ب.
(21)-انظر الإصابة ص293 ج4ترجمة (5805) وقد أخرج الكتاب أبو داود والنسائي وابن حيان والدرامي وغير واحد كما ذكر ابن حجر في ترجمته .
(22) -انظر جامع بيان العلم ص74ج1 ، قال ابن عبد البر بعد هذا الخبر( هذا خلاف ما تقدم في أول الباب عن أبي هريرة أنه لم يكتب، وأن عبد الله بن عمرو كتب وحديثه بذلك أصح في القل من هذا لأنه أثبت إسنادا عند أهل الحديث) وقال ابن حجر أقوي من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوبًا عنده أن يكون بخطه، وقد ثبت أنه لم يكن يكتب، فتعين أن المكتوب عنده بغير خطه،انظر فتح الباري ص218ج1.أقول وصحة خبر عدم كتابة أبي هريرة لا تنفي صحة وجود الكتب عنده، وقد يكون ممن يعرف القراءة دون الكتابة، فيكلف من يكتب له.
(23) -طبقات ابن سعد ص162ج7والعلم لزهير بن حرب: 193ب والجامع لأخلاق الراوي ص137: ب والمحدث الفاصل ص128:ا.
(24) -انظر تهذيب التهذيب 198ج4.
(25) -المرجع السابق 236ج4 أخرج البخاري أول رسالة سمرة بن جندب إلي بنيه في ترجمة محمد بن إبراهيم بن خبيب وفيهاSadبسم الله الرحمن الرحيم ، من سمرة بن جندب إلي بنيه: "إن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصلى كل ليلة من المكتوبة ما قل أو كثير ، ونجعلها وترًا) التاريخ الكبير ص26 ترجمة 29 قسم 1ج1


=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص
        كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمح لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بكتابة الحديث، لأنه كان كاتباً محسنا ، فكتب عنه الكثير، واشتهرت صحيفة ابن عمرو رضي الله عنه(بالصحيفة الصادقة) كما أراد كاتبها أن يسميها، لأنه كتبها عن رسول الله صل الله عليه وسلم فهي أصدق ما يروى عنه.


        وقد رآها مجاهد بن جبر(21-104هـ) عند عبد الله بن عمرو فذهب ليتناولها ، فقال لهSadمه يا غلام بني مخزوم) قال مجاهد: قلت:ما كتبت شيئا قال: (هذه الصادقة فيها ما سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم وليس بيني وبينه فيها أحد(1)).


        وكانت هذه الصحيفة عزيزة جدًا علي ابن عمرو حتى قالSadما يرغبني في الحياة إلا الصادقة والوهط(2))،وربما كان يحفظها في صندوق له حلق(3)،خشية عليها من الضياع، وقد حفظ هذه الصحيفة أهله من بعده، ويرجح أن حفيده عمرو بن شعيب كان يحدث منها(4).


        وتضم صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث كما يقول ابن الأثير(5)..إلا أن إحصاء أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لا يبلغ خمسمائة حديث(6)،وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو بخطه فقد نقل إلينا الإمام أحمد محتواها في مسنده(7)،كما ضمت كتب السنن الأخرى جانبًا كبيرًا منها(Cool.


        ولهذه الصحيفة أهمية علمية عظيمة، لأنها وثيقة علمية تاريخية وتثبت كتابة الحديث النبوي الشريف بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم وبإذنه(9).


        وكان عبد الله يملي الحديث على تلاميذه(10)، وقد نقل عنه تلميذه حسين بن شفي بن ماتع الأصبحي في مصر كتابين، أحدهما فيه (قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم كذا، والآخر ما يكون من الأحداث إلي يوم القيامة)(11)، ونحن هنا لم نتعرض إلا للصحيفة الصادقة، فقد كان عند ابن عمرو كتب كثيرة عن أهل الكتاب أصابها يوم اليرموك في زاملتين(12).


        وقد ادعى بشر المريسي أن (عبد الله بن عمرو كان يرويهما للناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يقال له لا تحدثنا عن الزاملتين)، وهذه الدعوى باطلة ، فقد ثبت أن ابن عمرو كان أمينا في نقله وروايته، لا يحيل ما روي عن النبي على أهل الكتاب، كما لا يحيل ما روي عن أهل الكتاب على النبي صل الله عليه وسلم(13).


        ويكفي ابن عمرو فخرًا أنه كان أول من دون الحديث بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم بإذنه وفي مختلف أحواله في الغضب والرضا.
----------------------
(1) -المحدث الفاصل نسخة دمشق ص2:: ب ج4 وطبقات أبن سعد ص189قسم2 ج7.
(2) -سنن الدرامي 127ج1والوهط ارض لعمرو بن العاص تصدق بها كان يقوم بها المصدر نفسه.
(3) -انظر مسند الإمام أحمد ص 171حديث 664ج10وكتاب العلم للمقدسي ص30بإسناد صحيح.
(4) -انظر تهذيب التهذيب ص48-49ج8.
(5) -انظر أسد الغابة ص233ج3.
(6) -انظر مسند عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة ص617حيث أحصي السيد محمد سيف الدين عايش أحاديث الصادقة ، فكان منها:
202 حديثًا من أصل 632 حديثًا ورواها الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو
و81 حديثًا من أصل 232 حديثًا ورواها أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو
و53 حديثًا من أصل 127 حديثًا ورواها النسائي في سننه عن عبد الله بن عمرو
و65 حديثًا من أصل117 حديثًا ورواها ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمرو
و35 حديثًا من أصل 89 حديثًا ورواها الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو
فعدد أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهي أحاديث الصادقة كما هو المرجح بلغ 436 حديثًا بما فيه المكرر عند الإمام أحمد وفي السنن الأربعة، وقد يكون حكم ابن الأثير مبنيا على أن جميع ما روي عن ابن عمرو هو الصادقة وليس ببعيد.
(7) -انظر مسند الإمام أحمد بن حنبل بتحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر: الجزء التاسع من الصفحة 235 الحديث 6477والجزء العاشر بكامله وكذلك الحادي عشر والجزء الثاني عشر إلي الصفحة 50 الحديث 7103.
(Cool -انظر مسند عبد الله بن عمرو وصحيفته الصادقة ص671.
(9) -ورد طعن في الصحيفة الصادقة من بعض أهل العلم كالمغيرة بن مقسم الضبي الذي قال: (كان لعبد الله بن عمرو صحيفة تسمى الصادقة ما تسرني أنها لي بفلسين) انظر تأويل مختلف الحديث ص93، وفي ميزان الاعتدال ص290ج2(ما يسرني أن صحيفة عبد الله بن عمرو عندي بتمرتين أو بفلسين) إذا صحت هذه الرواية عن المغيرة فلا يجوز حملها على ظاهرها ولا قبولها هكذا مقتضبة لأنه ذكر ذلك في معرض الكلام علي الروايات الضعيفة فإذا ضعف نسخة ابن عمرو فأنما ضعفها لأنها انتقلت (وجادة) فهو لا يقبل أن تكون عنده هذه الصحيفة بالطريق الذي حملها الرواة ، لأن الوجادة أضعف طرق التحمل، فقد كانوا لا يحبون أن ينقلوا الأخبار من الصحف بل عن الشيوخ، ولا يجوز أن يحمل قول المغيرة على غير هذا الوجه، لأنه ثبت أن عبد الله قد كتبها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكننا الاستئناس أن نراجع في تهذيب التهذيب ص48-55ج8وفي فتح المغيث ص68-69 ج4 حيث يتبين لنا قيمة الصحيفة وثقة راويها عمرو بن شعيب قال الإمام تقي الدين بن تيمية: (وأما ائمة الإسلام، وجهور العلماء فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إذا صح النقل إليه مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ونحوهما، ومثل الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوبة، قالوا: (وإذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي صل الله عليه وسلم كان هذا أوكد لها وأدل على صحتها) ولهذا كان في نسخة عمرو بن شعيب من الأحاديث الفقهية التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عامة علماء الإسلام.).
(10) -انظر تاريخ دمشق ص49ج6.
(11) -خطط المقريزي ص332-333ج2.
(12) -الزاملة هي البعيرة الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، وقيل هي الدابة التي يحمل عليها الطعام والمتاع من الإبل وغيرها، انظر لسان العرب مادة (زمل) ص329ج13.
(13) -انظر رد الدرامي علي بشر ص136 ، وقد ذكر محمود أبو ربة صاحب كتاب أضواء على السنة المحمدية في الصفحة 162 هامش (3) أن عبد الله بن عمرو (كان قد أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس (عن النبي) فتجنب الأخذ عنه كثير من أئمة التابعين، وكان يقال له: لا تحدثنا عن الزاملتين ص166ج1 فتح الباري أنتهى ما نقلناه عن أضواء على السنة المحمدية.
        ومن العجيب أن يسمع إنسان مثل هذا الخبر وبصدقه لأن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا أصدق الناس لسانا، واتقى الأمة قلوبا، وأخلص البرية للرسول صل الله عليه وسلم ، فلا يعقل أن يكذب أمثال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما على رسول الله فيعزو إليه ما سمعه من أهل الكتاب ،فهرعت إلى فتح الباري وإذا به ـ شهد الله ـ خاليا من عبارة أبي ريه، فليس في قول ابن حجر(عن النبي) إنما زادها الكاتب من عنده!!!.
        فهل تكذيب الصحابة ، والافتراء عليهم ، والانتحال علي العلماء أمثال ابن حجر وغيره من الأمانة العلمية؟ وقد ثبت لنا سوء نية أبي رية في مواضع كثيرة يظهر بعضها في بحثنا عن ابي هريرة
=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة جابر بن عبد الله الأنصاري
        يحتمل أن تكون هذه الصحيفة غير المنسك الصغير الذي أورده مسلم في كتاب الحج (1) ، وقد ذكرها ابن سعد في ترجمة مجاهد، وكان يحدث عنها (2) .


        وكان التابعي الجليل قتادة بن دعامة السدوسي(-118هـ) يرفع من قيمة هذه الصحيفة ويقول (لأنا بصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة(3).


        وفي رواية : (إنما يحدث قتادة عن صحيفة سليمان اليشكري، وكان له كتاب عن جابر بن عبد الله(4))ويحتمل أن يكون سليمان اليشكري قد نقل عن جابر صحيفته، وهو أحد تلاميذه ، ويرى ابن حجر أن سليمان جالس جابرًا، وكتب عنه صحيفة(5) .


        ولعل قتادة كان قد روى صحيفة جابر بن عبد الله عن سليمان اليشكري، فإن أم سليمان قدمت بكتاب سليمان فقرئ على ثابت وقتادة وأبي بشر...فرووها كلها، وأما ثابت فروى منها حديثًا واحدًا(6)،فصحيفة جابر كانت مشهورة، وكتاب سليمان اليشكري عنه كان مشهورًا أيضًا، ويدعم هذا روايات كثيرة، منها :


        ما روي عن شعبة أنه كان يرى أن أحاديث أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري(7).


        وكانت لجابر حلقة في المسجد النبوي يملي فيها على طلابه الحديث ، فكتب منهم كثير أمثال وهب بن منبه(-114هـ(Cool).


        وقد روى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر وهم قد سمعوا منه وأكثر ما رووه من الصحيفة(9).
-------------------
(1) - انظر تذكرة الحفاظ ص41ج1.
(2) -طبقات ابن سعد ص433ج5.
(3) -طبقات ابن سعد ص1-2قسم 2ج7.
(4) -القياس لابن قيم الجوزية ص108.
(5) -انظر تهذيب التهذيب ص214 ج4 ,انظر تقييد العلم ص108 حول كتابته.
(6) -انظر الكفاية ص354.
(7) -انظر تقديمة الجرح والتعديل ص144-145.
(Cool -انظر صحيفة همام بن منبه ص14 وكان كثير من التابعين يذهبون إلى جابر رضي الله عنه يكتبون عنه الحديث، ، من هذا ما روي عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: كنت أختلف إلى جابر بن عبد الله أنا ومحمد وأبوجعفر، معنا ألواح تكتب فيها: أنظر تقييد العلم ص104، وأبو جعفر هو محمد بن على (-114هـ) ومحمد هو ابن الحنفية ، كما كتب عنه أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس(-126هـ) كثيرًا انظر: تهذيب التهذيب ص440-441ج9.
(9) -انظر تهذيب التهذيب ص214ج4، وعرضت على الشعبي صحيفة كتبت عن جابر فقال سمعت هذا كله عن جابر رضي الله عنه ، المحدث الفاصل ص91:ب.


=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تدوين الحديث     Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين الحديث    تدوين الحديث     Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:38 am

التدوين فى عهد الصحابة


ما روي من كراهة الصحابة رضي الله عنهم لكتابة الحديث
        مع ما روي عن النبي صل الله عليه وسلم من إباحة للكتابة، ومع ما كتب في عهده من الأحاديث علي يدي من سمح لهم بالكتابة ـ نرى الصحابة يحجمون عن الكتابة ، ولا يقدمون عليها في عهد الخلافة الراشدة، حرصًا منهم علي سلامة القرآن الكريم والسنة الشريفة.


        فنجد بينهم رضوان الله عليهم من كره كتابة السنة، ومن أباحها، ثم ما لبث الأمر أن كثر المجيزون للكتابة، بل روي عن بعض من كره الكتابة أولا إباحته لها أخرا، وذلك حين زالت علة الكراهية.


        روى الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم وكان خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرًا.. فلما أصبح قال: (أي بنية ، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فرقها(1)).


        وهذا عمر بن الخطاب يفكر في جمع السنة، ثم لا يلبث أن يعدل عن ذلك: ( عن عروة ـ بن الزبير ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي صل الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفق عمر يستخبر الله فيها شهرًا ، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا، فاكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء ابدأ(2)).


        وفي رواية عن طريق مالك بن أنس أن عمر قال عندما عدل عن كتابة السنة :"لا كتاب مع كتاب الله(3)".


        وكان خوف عمر من إقدامه علي كتابة السنة أن ينكب المسلمون علي دراسة غير القرآن ويهملوا كتاب الله عز وجل(4).


        ولذلك نرى عمر رضي الله عنه يمنع الناس من أن يتخذوا كتابًا مع كتاب الله، وينكر إنكارً شديدًا علي من نسخ كتاب(دانيال) ويضربه ويقول لهSadأنطلق فامحه... ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحدًا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدًا من الناس لأنهكنَّك عقوبة(5)).


        ولهذا نراه يخطب في الناس قائلا: (أيها الناس ، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلي الله أعدلها وأقومها ،فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به، فأرى فيه رأي ـ قال ـ فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها، ويقومها على أمر يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار ثم قال:"أمنية كأمنية أهل الكتاب(6))كما أنه كتب إلي الأمصار ( من كان عنده منها شيء فليمحه(7)).


        كل هذا يدل علي خشية عمر من أن يهمل كتاب الله أو أن يضاهى به كتاب غيره، ونحن نرى عمر نفسه يأبى أن يبقى رأيه مكتوبًا ويأبى إلا أن يمحوه، فعندما طعن استدعى طبيًبا فعرف دنو أجله، فنادي ابنه قائلا:"يا عبد الله بن عمر، ناولني الكتف، فلو أراد الله أن يمضي ما فيه أمضاه ، فقال له ابن عمر : أنا أكفيك محوها، فقال: لا والله ، لا يمحوها أحد غيري، فمحاها عمر بيده، وكان فيها فريضة الجد(Cool.


        ونرى عمر نفسه حين يأمن حفظ القرآن ، يكتب بشيء من السنة إلي بعض عماله وأصحابه ( عن أبي عثمان " النهدي" قال: كنا مع عتبة بن فرقد، فكتب إليه عمر بأشياء يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فيما كتب إليه: إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من ليس له في الآخرة منه شيء إلا هكذا ، وقال بأصبعيه السباب والوسطي، قال أبو عثمان فرأيت أنها أزرار الطيالسة حين رأينا الطيالسة(9)).


        وروي عن عبد الله بن مسعود كراهيته لكتابه الحديث الشريفSadعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت : بيت النبي صل الله عليه وسلم فأستاذنا علي عبد الله، فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة قال: فدعا الجارية ثم دعا بطست فيه ماء، فقلنا له يا أبا عبد الرحمن ، انظر فيها ، فإن فيها أحاديث حسانا قال : فجعل يميثها(10) فيها ويقول:" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ "القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه(11)).


        إلا أن هناك رواية تنص علي أن ما في الصحيفة كان من كلام أبي الدرداء وقصصه، (12) وفي رواية قال أحد الرواة ( يرى أن هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب، فلهذا كره عبد الله النظر فيها(13)).


        ولا يمكننا أن نجزم بأن ما في تلك الصحيفة كان من القصص أو مما أخذ عن أهل الكتاب، لأنه ثبت عن الأسود بن هلال أنه قالSadأتي عبد الله بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها ، ثم أمر بها فأحرقت ، ثم قال: أذكر الله رجلا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها، بهذا أهلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون (14)).


        إن تصرف ابن مسعود يدل علي أنه خشي أن يشتغل الناس بكتابة السنة ويدعوا القرآن أو أن يشتغلوا بغير القرآن الكريم، ونراه يكتب بعض السنة بيده حين زالت علة المنع، فعن مسعر عن معن قالSadأخرج إلي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كتابا وحلف لي أنه خط أبيه بيده(15)).


        وهذا علي رضي الله عنه يخطب في الناس قائلا:أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم(16)).


        وأبى زيد بن ثابت أن يكتب عنه مروان بن الحكم(17) وقالSadلعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم(18)) وفي رواية قال: ( إن رسول الله صل الله عليه وسلم أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه)(19).


        وكذلك أبى أبو هريرة أن يكتب عنه كاتب مرون بن الحكم(20))وكان أحيانا يقول: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب(21) وفي روية (نحن لا نكتب ولا نكتب(22)).


        وقال ابن عباسSadإنا لا نكتب العلم ولا نكتبه(23))، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينهي عن كتابة العلم، وقالSadإنما ضل من كان قبلكم بالكتب(24)).


        وقد تمسك أبو سعيد الخدري بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه في النهي عن كتابة غير القرآن, وأبى أن يُكتب أبا نضرة حين قال له هذا ألا تكتبنا فإنا لا نحفظ؟ فقال أبو سعيد : لا إنا لن نكتبكم، ولن نجعله قرآنا ، ولكن احفظوا عنا كما حفظنا نحن عن رسول الله صل الله عليه وسلم (25).


        ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان يكره كتابة الحديث، روي عن سعيد بن جير أنه قالSadكنا نختلف في أشياء فنكتبها في كتاب، تم أتيت بها ابن عمر أسأله عنها خفيًا(26)،فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه(27)).


        وكره أبو موسى أن يكتب ابنه عنه مخافة أن يزيد أو ينقص ، ومحا ما كتبه بالماء (28) وفي رواية قالSadاحفظوا عنا كما حفظنا(29)) ، وفي رواية عنه أنه قال: (إن بني إسرائيل كتبوا كتابا واتبعوه ..وتركوا التوراة)(30).
------------------
(1)- تذكرة الحفاظ ص5ج1.
(2) - جامع بيان العلم وفضله ص46ج1،ونحوه في تقييد العلم ص50،
(3) - جامع بيان العلم وفضلة ص64ح1.
(4) - اتنظر تقييد العلم ص50.
(5) - تقيد العلم ص52 ونحو مختصرا في جامع بيان العلم ص42 ج2.
(6) - تقييد لعلم ص52، ورواه محمد بن القاسم.
(7)- تقييد العلم ص53،وجامع بيان العلم وفضله ص65ج1.
(Cool - طبقات ابن سعد ص247قسم 2ج3.
(9) - مسند الإمام أحمد ص261ج1.
(10) - ماثه: مرسه، أي فكره ليذوب في الماء وتتفرق اجزاؤه.
(11) - تقييد العلم ص54 وورد عنه النهي عن كتابة ما سوى القرآن، عندما علم أن بعضهم يكتب كلامه انظر سنن الدارمي ص125ج1والآية هي: يوسف (3).
(12)- انظر تقييد العلم ص 54-55.
(13)- جامع بيان العلم وفضله ص 66 ج1 ونحو هذا في سنن الدرامي ص 124 ج1.
(14) - المراجع السابق ص65ج1 ونحوه في سنن الدرامي وفيه لو أنها" بدار النهدارية" يعني ـ مكانا بعيدًا بالكوفة ـ إلا أتيته ولو مشيا ص 124ج1.
(15) - جامع بيان العلم وفضله ص72ج1.
(16) - المرجع السابق ص63ج1.
(17)- انظر جامع بيان العلم وفضله ص 63ج1
(18)- المرجع السابق ص65ج1.
(19)- تقييد العلم ص35.
(20)- انظر تقيد العلم ص41والإصابة ص 202 ج7.
(21)- انظر طبقات ابن سعد ص 119 قسم 2ج2 ونحوه في تقييد العلم ص42.
(22)- جامع بيان العلم ص66ج1وقارون بسنن الدارمي ص122ج1.
(23)- جامع بيان العلم ص65ج1 ونحوه في تقييد العلم ص 42.
(24)- جامع بيان العلم ص65ج1، تقييد العلم ص43.
(25)- سنن الدرامي ص122ج1، وانظر تقييد العلم فيه روايات مختلفة عنه ص36، 38 وكذلك في جامع بيان العلم وفضله ص64 ج1،وفي رواية عن أبي سعيد قال:"أتدرون أن يجعلوها مصاحف، إن نبيكم صل الله عليه وسلم كان يحدثنا فنحفظ فاحفظوا كما كنا نحفظ" انظر جامع بيان العلم ص64ج1 وانظر كتاب العلم لزهير بن حرب ص191.
(26)- يريد خفية ، أي ينظر إلي الكتاب من غير أن يشعر بن عمر بذلك.
(27)- جامع بيان العلم ص66ج1 وتقييد العلم ص44.
(28)- انظر المحدث الفاصل نسخة دمشق ص6ج4وقارون بكتاب العلم لزهير بن حرب ص193وسنن الدرامي ص122ج1.
(29)- جامع بيان العلم ص66ج1.
(30) - تقييد العلم ص56.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما روي من إباحة الصحابة رضي الله عنهم لكتابة الحديث
        إن بعض الصحابة أنفسهم قد أجاز الكتابة، وكتب بعضهم بيده، وتغير رأي من عرف منهم النهي عن كتابة الحديث حينما زالت أسباب المنع، وخاصة بعد أن جمع القرآن في المصاحف وأرسل إلي الآفاق.


        ولا ينقض هذا الرأي الذي ذهبنا إليه، ما روي عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق كتب له فرائض الصدقة التي سنها رسول الله صل الله عليه وسلم (1)،بأن هذا كان قبل نسخ المصاحف، لأننا لم نجعل الخشية من التباس الكتاب بالسنة السبب الوحيد لمنع الكتابة، بل هناك أسباب أخري .


        ثم إن أنسا رضي الله عنه ممن لا يلتبس عليه ذلك، لأنه خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام وعرفه وتلقى عنه عشر سنوات، وعلى هذا نقول: إنه ثبت عن أبي بكر كتابة شيء من السنة وكذلك ثبت عن الفاروق مثل ذلك(2).


        وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقولSadما كنا نكتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الاستخارة والتشهد(3))، فهذا دليل علي كتابة الصحابة غير القرآن الكريم في عهده صل الله عليه وسلم ، وعلي عدم كراهة ابن مسعود للكتابة، وقد روينا خبر الكتاب الذي كان عند ابنه بخط يده(4).


        وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يحض على طلب العلم وكتابته، فقد قالSadمن يشتري مني علمًا بدرهم؟ قال أبو خيثمة : يقول يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم) (5)، وخبر صحيفة علي رضي الله عنه مشهور، وقد كانت معلقة في سيفه، فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات(6)....


        وهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول لبنيه وبني أخيهSadتعلموا تعلموا ، فإنكم صغار قوم اليوم، تكونون كبارهم غدًا، فمن لم يحفظ منكم فليكتب(7))، وفي رواية: (فليكتبه ، وليضعه في بيته(Cool).


        وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول لابن أختها عروة بن الزبير: (يا بني ، بلغني أنك تكتب عني الحديث ثم تعود فتكتبه، فقال لها: اسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت: هل تسمع في المعني خلافًا؟ قال: لا قالت لا بأس بذلك(9))، فلو كرهت عائشة رضوان الله عليها الكتابة لمنعته ونهته، ولكنه لم يحدث شيء من هذا، بل لم تر بأسا بعمله.


        وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يسمح لبشير بن نهيك أن يكتب عنه، ويجيزه بالرواية عنه (10)،وفي رواية يقول بشيرSadأتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبته، فقرأته عليه فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم(11))، وروى عمر بن أمية الضمري أنه رأى كتبا كثيرة عند أبي هريرة(12).


        وكتب معاوية بن أبي سفيان إلي المغيرة بن شعبة: (أكتب إلي بشي سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم، فكتب المغيرة إليه: أنه كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال(13)).


        وكتب زياد بن أبي سفيان إلي السيدة عائشة رضي الله عنها يسألها عن الحاج الذي يرسل هَديه، وهل يحرم عليه ما يحرم علي الحاج حتى ينحر، كما أفتى ابن عباس؟ فأجابته عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: (فلم يحرم رسول صل الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي(14)).


        وهذا ابن عباس يسأل أبا رافع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من يكتب له(15)،وفي رواية أنه كان معه ألواح يكتب فيها (16)، وكان ابن عباس يحض علي التعلم والكتابة ويقول: (قيدوا العلم بالكتاب ، من يشتري مني علما بدرهم؟(17))، وكان يقول أحيانًاSadإنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن(18))إلا أننا نرى ابن عباس نفسه يكتب غير الرسائل ، فيملي التفسير على مجاهد بن جبير، ويقول له: اكتب(19)، ويكتب إليه الحجاج أمير العراق يستفتيه في رجل أكره أخته، فيكتب إليه بحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم (20).


        وهذا أبو سعيد الخدري الصحابي الجليل الذي روى عن رسول الله صل الله عليه وسلم حديث"...من كتب عني غير القرآن فليمحه" يقول (كنا لا نكتب إلا القرآن والتشهد(21)).


        وكان البراء بن عازب صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم يحدث ويكتب من حوله، فعن عبد الله بن خنيس قالSadرأيتهم عند البراء يكتبون على أيديهم بالقصب(22)).


        وهذا وراد كاتب المغيرة بن شعبة يكتب بين يدي المغيرة(23).


        ويروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في كتبه(24).


        وهذا أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمه في بيته ليلا ونهارًا عشر سنوات، كان يقول لبنيه: (يا بني قيدوا العلم بالكتاب(25))، وكان يملي الحديث (26)، حتى إذا ما أكثر عليه الناس جاء بمجال (27) من كتب، فألقاها ثم قال: (هذه أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله صل الله عليه وسلم وعرضتها عليه (28)).


        تلك أخبار متعاضدة، تثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم قد أباحوا الكتابة، وكتبوا الحديث لأنفسهم ، وكتب طلابهم بين أيديهم ، وأصبحوا يتواصون بكتابة الحديث وحفظه ، كما ثبت ذلك عن علي رضي الله عنه، وعن ابن عباس، وعن الحسن ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، بعد أن كرهها بعض الصحابة عندما كانت أسباب المنع قائمة.
------------------
(1) - انظر تقييد العلم ص87، وفي مسند الإمام أحمد أن أبا بكر كتب لهم (إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله) انظر ص183ج1.
(2) - انظر مسند الإمام أحمد ص261ج1،والكفاية ص336.
(3) - مصنف ابن أبي شبه ص115:ب،ج1.
(4) - انظر جامع بيان العلم ص72ج1.
(5) - العلم لزهير بن حرب ص193 : ب وتقييد العلم ص90.
(6) - انظر مسند الإمام أحمد ص45و122 ج1، وغيرها وتقييد العلم ص88 ـ99 .
(7) - الكفاية ص229.
(Cool - تقييد العلم ص91.
(9) -الكفاية ص205.
(10) -انظر العلم لزهير بن حرب ص193: ب والمحدث الفاصل ص128.
(11) - طبقات ابن سعد ص162ج7وجامع بيان العلم ص72ج1
(12) - انظر جامع بيان العلم ص74ج0، فتح الباري ص217ج1
(13) - معرفة علوم الحديث ص100واختصر الحاكم الخبر وتجد تفصيل ما كتبه المغيرة إلي معاوية في حديث جامع شامل للبخاري في صحيحه ، انظر فتح الباري ص95 ج 9طبعة مصر بولاق سنة 1312هـ.
(14) - الإجابة لما استدركته عائشة علي الصحابة من 95-96 .
(15) - انظر ترجمة عبد الله بن عباس في الإصابة.
(16)- انظر تقييد العلم ص91-92-109.
(17) - العلم لزهير بن حرب ص193وجامع بيان العلم ص72ج1،وتقييد العلم ص92.
(18) - العلم لزهير بن حرب ص187.
(19) - انظر تفسير الطبري بتحقيق أحمد محمد شاكر ص31ج1.
(20) - انظر البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث ص214، 215ج2 وقد ذكر هذا في سبب ورود حديث( من تخطي الحرمتين فغطوا وسطه بالسيف) وهنا حرمة الزنا وحرمة الأخوة، وكان ابن عباس يفتي كتابة أيضًا، انظر فتواه لنجده بن عامر في مسند الإمام أحمد ص 56ج4.
(21) -تقيد العلم ص93.
(22) -جامع بيان العلم 81ج1، وانظر كتاب العلم لزهير بن حرب ص193: ب
(23) -انظر كتاب العلم لزهير بن حرب ص187.
(24) -انظر الآداب الشرعية ص125ج2.
(25) - انظر كتاب العلم لزهير بن حرب ص192وتقييد العلم ص96 ونحوه في ص 97وانظر صحيح مسلم بشرح النووي ص 244 ج1 حيث أعجبه حديث فأمر ابنه بكتابته.
(26) -انظر تاريخ بغداد ص259ج8.
(27) -مجال جمع مجلة والمجلة صحيفة يكتب فيها، أي القي إليهم صحفا، انظر لسان العرب مادة (جلل) ص127ج13.
(28) -تقييد العلم ص95-96


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوفيق بين الكراهة والإباحة
        بعد إثبات رأي معظم الذين كرهوا كتابة الحديث في الصدر الأول إلى جانب وجهة نظرهم فيما ذهبوا إليه من المنع والكراهية، يمكن استنتاج أسباب هذه الكراهية.


        فوجدت كما قال الخطيب البغدادي، (أن كراهة الكتابة في الصدر الأول إنما هي لئلا يضاهي بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه ونهي عن الكتب القديمة أن تتخذ، لأنه لا يعرف حقها من باطلها وصحيحها من فاسدها مع أن القرآن كفى منها، وصار مهيمنا عليها، ونهى عن كتب العلم في صدر الإسلام لقلة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميزين بين الوحي وغيره، لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين ، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يؤمن أن يُلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن (1) ) .


        أضف إلي هذا ورع الصحابة وخشيتهم من أن يكون ما يملونه أو يقيدونه غير ما سمعوه من الرسول عليه الصلاة والسلام.


        من أجل هذا أولى الصحابة رضوان الله عليهم كتاب الله عز وجل في هذه الحقبة عناية الحفظ في الصحف والمصاحف وفي الصدور، وجمعوه في عهد الصديق، ونسخوه في عهد عثمان وبعثوا به إلى الأفق، ليضمنوا حفظ المصدر التشريعي الأول من أن تشوبه أية شائبة.


        ثم حافظوا علي السنة بدراستها ومذكراتها وكتابتها أحيانا عند زوال مانع الكراهية، وقد ثبت عن كثير من الصحابة الحث علي كتابة الحديث، وإجازة تدوينه.


        ولا نشك في هذه الأخبار كما شك غيرنا ، لأننا لا نرى فيها ذلك التعارض الذي تصوره بعض المستشرقين، حتى استجازوا لأنفسهم أن يحكموا على بعضها بالوضع والإختلاق.


        وحين نقلب النظر فيما روي عن محاولة عمر رضي الله عنه جمع السنة وتدوينها، كما جمع القرآن الكريم، ثم عدوله عن ذلك خوفًا من أن يلتبس الكتاب بالسنة، وخشية ألا يميز المسلمون الجدد بينهما.


        أقول: إن محاولته هذه تدل على اقتناعه بجواز كتابة الحديث الشريف وهذا ما انتهى به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النهي عن الكتابة ولو شك عمر رضي الله عنه في الجواز، ما هم بأن يفعل ما منعه رسول الله صل الله عليه وسلم ، وما كرهه، فإحجام الفاروق لم يكن لكراهة الكتابة، بل لمانع يقتضي أن يتريث في التدوين والجمع لمصلحة أخطر وأعظم.


        ولذلك رأيناه يكتب بنفسه لمن يأمن عليه اللبس ويثق به، وربما سمح عمر رضي الله عنه بالكتابة بعد أن رأى حفظة الأمة لكتاب الله تعالى بجمعه في المصحف الشريف، ويقوي هذا ما يروى عن عمرو بن أبي سفيان من أنه سمع عمر بن الخطاب يقولSadقيدوا العلم بالكتاب(2)).


        ويتجلى لنا رجوع بعض من كره الكتابة عن رأيه مما رويناه عن ابن مسعود وعن أبي سعيد الخدري ، إذ بعد أن كانوا يكرهون أن يكتبوا في الصحف غير القرآن إنما كان مخافة أن يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، وأن يُشتغل عن القرآن بسواه.


        ويقول الخطيب البغدادي(فلما أمن ذلك ، ودعت الحاجة إلى كتب العلم ـ لم يكره كتبه، كما لم تكره الصحابة كتب التشهد، ولا فرق بين التشهد وبين غيره من العلوم في أن الجميع ليس بقرآن , ولن يكون كتب الصحابة ما كتبوه من العلم وأمروا بكتبه إلا احتياطًا كما كان كراهيتهم لكتبه احتياطًا ، والله أعلم.) (3)
---------------------
(1) - تقييد العلم ص57.
(2) - تقيد العلم ص88، وجامع بيان العلم ص72ج1،ووجد ابن عمر في قائم سيف أبيه صحيفة ، أنظر الكفاية ص354، وتوجيه النظر ص348.
(3) - تقييد العلم ص94


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيفة الصحيحة لهمام بن منبه
        لقي همام بن منبه أحد أعلام التابعين الصحابي الجليل أبا هريرة ، وكتب عنه كثيرًا من حديث رسول الله صل الله عليه وسلم، وجمعه في صحيفة أو صحف أطلق عليها اسم (الصحيفة الصحيحة(1)) .


        وربما سماها بالصحيحة على مثال (الصحيفة الصادقة) لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحق له أن يسميها بالصحيحة لأنه كتبها عن صحابي خالط رسول الله صل الله عليه وسلم أربع سنين، وروى عنه الكثير.


        وقد وصلتنا هذه الصحيفة كاملة كما رواها ودونها همام عن أبي هريرة، فقد عثر على هذه الصحيفة الدكتور المحقق محمد حميد الله في مخطوطتين مماثلتين في دمشق وبرلين(2).


        وتزداد ثقتنا بصحيفة همام حينما نعلم أن الإمام أحمد قد نقلها بتمامها في مسنده، كما نقل الإمام البخاري عددًا كثيرًا من أحاديتها في صحيحه في أبواب شتى(3).


        ولهذه الصحيفة أهمية تاريخية في تدوين الحديث الشريف ، لأنها حجة قاطعة، ودليل ساطع على أن الحديث النبوي كان قد دون في عصر مبكر(وتصحيح الخطأ الشائع: أن الحديث لم يدون إلا في أوائل القرن الهجري الثاني (4)).


        ذلك لأن هماما لقي أبا هريرة، ـ ولا شك أنه كتب عنه ـ قبل وفاته وقد توفي أبو هريرة سنة (59)للهجرة فمعنى ذلك أن هذه الوثيقة العلمية قد دونت قبل هذه السنة، أي في منتصف القرن الهجري الأول.


        وقد ثبت لنا أن عبد الله بن عمرو دون في عهد الرسول صحيفته الصادقة، وها نحن أولاء يثبت لنا تدوين صحيفة همام في منتصف القرن الهجري الأول، مما يدل على أن العلماء كانوا قد باشروا التدوين فعلا قبل أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله .


        وكان من الأولي أن نذكر هذه الصحيفة بين كتب أبي هريرة، لأنها املاؤه لهمام، إلا أننا فضلنا الكلام عنها هنا لاشتهارها باسمه، وقد رواها عنه تلميذه معمر ابن راشد ثم عبد الرزاق عن معمر ثم هلم جرًا(5 ).


        وتضم صحيفة همام هذه (138)حديثًا وقد ذكر ابن حجر أن هماما سمع من أبي هريرة نحو أربعين ومائة حيث بإسناد واحد(6)، وهذا يزيدنا ثقة بهذه الصحيفة ، لاتفاق عدد ما جاء فيها من الأحاديث وما ذكره العلماء.
--------------------
(1) -أقدم تدوين في الحديث النبوي صحيفة همام بن منبه ص20 عن كشف الظنون.
(2) -راجع صحيفة همام ص21-23 حيث وصف الدكتور حميد الله المخطوطتين.
(3) -انظر المرجع السابق ص20.
(4) -علوم الحديث ومصطلحه للدكتور صبحي صالح ص22.
(5) -انظر صحيفة همام بن منبه ص20.
(6) -تهذيب التهذيب ص67ج11.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تدوين الحديث     Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين الحديث    تدوين الحديث     Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:39 am

تدوين الحديث فى عهد التابعين


تدوين الحديث في عصر التابعين رضي الله عنهم
        لقد تلقى التابعون علومهم علي يدي الصحابة ، وخالطوهم وعرفوا كل شيء عنهم، وحملوا الكثير الطيب من حديث رسول الله صل الله عليه وسلم عن طريقهم وعرفوا متى كره هؤلاء كتابة الحديث ومتى أباحوه، فقد تأسوا بهم وهم الرعيل الأول الذين حفظوا القرآن والسنة، فمن الطبيعي أن تتفق أراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين.


        فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة علي الكراهية هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فيقف الجميع موقفًا واحدًا، ويكرهون الكتابة مادامت أسباب الكراهية قائمة، ويجمعون علي الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب .


        بل إن أكثرهم يحض علي التدوين ويشجع عليه، ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعي أحدهما يمنع الكتابة والآخر يبيحها، ولن نعجب من كثرة الأخبار التي تدل علي الكراهة في مختلف أجيال التابعين ـ كبارهم وأوسطهم وصغارهم ـ والأخبار التي تدل علي الإباحة ـ مادمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت إليها .


        ونرى أن سبيل الصحابة المتأخرين وكبار التابعين إباحة تقييد الحديث، بشروط تمتنع معها كراهته المأثورة عندهم عن النبي وكبار الصحابة، (1) .


        فقد امتنع عن الكتابة من كبار التابعين :-
        - عبيدة بن عمرو السلماني المرادي (-72هـ).
        - وإبراهيم بن يزيد التيمي (-92هـ) .
        - وجابر بن زيد(-93).
        - وإبراهيم النخمي(-96هـ) .


        ولم يرض عبيدة أن يكتب عنده أحد، ولا يقرأ عليه أحد (2)،وقد نصح إبراهيم فقال له: " لا تخلدن عني كتابًا"(3)،وقبل وفاته دعا بكتبه فأحرقها وقال: (أخشي أن يليها قوم يضعونها غير مواضعها(4)، وكره إبراهيم النخعي أن تكتب الأحاديث في الكراريس، وتشبه بالمصاحف،(5) وكان يقول: ( ماكتبت شيئا قط) (6)، حتى إنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث(7)،ثم تساهل في كتابتها ، قال ابن عونSadرأيت حمادا يكتب عن إبراهيم فقال له إبراهيم: ألم أنهك؟ قال إنما هي أطراف)(Cool.


        ونسمع عامرًا الشعبي (17-103هـ) يردد عبارته المشهورة: (ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا سمعت من رجل حديثًا فأردت أن يعيده علي (9)).


        وقد ازدادت كراهية التابعين للكتابة عندما اشتهرت آراؤهم الشخصية ، فخافوا أن يدونها طلابهم مع الحديث، وتحمل عنهم ، فيدخله الالتباس.


        ويمكننا أن نستنبط أن من كره الكتابة وأصر، إنما كره أن يدون رأيه ، وفي هذا يقول أستاذنا الدكتور يوسف العش: (وأما من ورد عنهم الامتناع عن الإكتاب من هذا الجيل، فيؤول امتناعهم بما لا يخالف ما انتهينا إليه، فهم جميعًا فقهاء(10)،وليس بينهم محدث ليس بفقيه، والفقيه يجمع بين الحديث والرأي، فيخاف تقييد رأيه واجتهاده إلي جانب أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم (11)).


        ويوضح هذا بأمثلة تثبت ماذهب إليه،فيقول: (إننا نجد في الواقع أخبارا تروي كراهتهم لكتابة الرأي، كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كتاب مروان ..وجاء رجل إلي سعيد بن المسيب ـ وهو من الفقهاء الذين روي امتناعهم عن الإكتاب ـ فسأله عن شيء فأملاه عليه ، ثم سأله عن رأيه فأجابه، فكتب الرجل، فقال رجل من جلساء سعيد: أيكتب يا أبا محمد رأيك؟ فقال سعيد للرجل ناولنيها، فناوله الصحيفة فخرقها(12)،وقيل لجابر بن زيد: إنهم يكتبون رأيك، قال: تكتبون ما عسي ارجع عنه غدًا(13)؟.


        وكل هذه الأقوال رويت من علماء ، حدث المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس، وهي تدل دلالة صريحة علي أن الكراهة ليست في كتابة العلم ( أي الحديث )، بل في كتابة الرأي ، وأن الأخبار التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة ، ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهة الرسول والصحابة الأولين: من التباس الحديث بالقرآن ، أو الانكباب عليه دونه، فما كانوا يخشونه من الحديث، ، أصبح خشية للتابعين الأولين من الرأي والتباسه بالحدث)(14).


        ويقوي هذا الرأي عندنا ما ورد عن هؤلاء التابعين من أخبار يحثون فيها علي الكتابة، ويسمحون لطلابهم أن يكتبوا عنهم،وقد نشطت الكتابة عندما فرق طلاب العلم بين النهي عن كتابة الرأي والنهي عن كتابة الرأي مع الحديث ونري التابعين ينكبون علي الكتابة ، في حلقات الصحابة.


        بل إن بعضهم كان يحرص علي الكتابة حرصًا شديدًا، فهذا سعيد بن جبير(-95هـ)، كان يكتب عن ابن عباس، فإذا ما امتلأت صحفه كتب في نعله حتى يملأها(15)، وعنه قال: (كنت أسير بين ابن عمر وابن عباس، فكنت أسمع الحديث منهما، فأكتبه علي واسطة الرحل حتى أنزل فأكتبه(16).


        ورخص سعيد بن المسيب(94هـ) لعبد الرحمن بن حرملة بالكتابة حينما شكا إليه سوء حفظه (17)ـ ونري عامرًا الشعبي بعد أن كان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء، يردد قولهSadالكتاب قيد العلم(18))، وكان يحض علي الكتابة ويقول : (إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط)(19)، ومع هذا فقد روي أنه لم يوجد له بعد موته إلا كتاب بالفرائض والجراحات(20)،وإذا كانت كتبه التي تركها قليلة ولا تدل علي نشاطه العلمي ـ فإننا نعزو هذا إلي القوة حافظته، لأنه كان يعتمد علي الحفظ أكثر من اعتماده علي الكتابة، وهذا لا ينافي قط املاءه لطلابه وحبهم علي الكتابة ويقول الضحاك بن مزاحم(-105هـ) Sadإذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في حائط) كما أنه أملى على حسين بن عقيل مناسك الحج(21).


        وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري(-110هـ) : ( إن لنا كتبا كنا تتعاهدها(22)).


        وكان عمر بن عبد العزيز (61-101هـ) يكتب الحديث، روي عن أبي قلابة قالSadخرج علينا عمر بن عبد العزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، ما هذا الكتاب؟ قال: حديث حدثني به عون بن عبد الله فأعجبني فكتبته(23).....) .


        وهذا يدل علي أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني، وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر(-103هـ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلي غرفته فيخرج إليه كتبه فينسخون منها(24).


        ويطلب هشام بن عبد الملك من عامله أن يسأل رجاء بن حيوة(-112هـ) عن حديث، فيقول رجاء: ( فكنت قد نسيته لولا أنه لكان عندي مكتوبا)(25) .


        وكان عطاء بن أبي رباح (-114هـ) يكتب لنفسه، ويأمر ابنه أحيانا أن يكتب له(26)، وكان طلابه يكتبون بين يديه (27)،وقد بالغ في حض طلابه علي التعلم والكتابة، فعن أبي حكيم الهمداني قالSad كنت عند عطاء بن أبي رباح، ونحن غلمان، فقال:يا غلمان ، تعالوا كتبوا ، فمن كان منكم لا يحسن كتبنا له ، ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا (28)!!) .


        ونشطت الحركة العلمية وازدادت معها الكتابة والقراءة علي العلماء ، ويدل علي هذا ما روي عن الوليد بن أبي السائب قال: رأيت مكحولا ونافعا وعطاء تقرأ عليهم الأحاديث(29)، وعن عبيد الله بن أبي رافع ، قال: (رأيت من يقرأ علي الأعرج ـ عبد الرحمن بن هرمز(-117هـ)،حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صل الله عليه وسلم ، فيقول: هذا حديثك يا أبا داود؟ قال : نعم(30)....).


        وها هو ذا نافع مولي ابن عمر(-117هـ) يملي العلم على طلابه ، وطلابه يكتبون بين يديه (31)،ويصور لنا قتادة بن دعامة السدوسي (-118هـ) بإجابته لمن يسأله عن كتابة الحديث ـ موقف هذا الجيل من التابعين من الكتابة، وبعد أن فشت فيهم وانتشرت وأصبحت من ضروريات كل طالب علم، فيقولSadوما يمنعك أن تكتب، وأخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب:"قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى(32)"؟ .؟


        وكثرت الصحف المدونة ، حتى إن خالدًا الكلاعي(-104هـ) جعل علمه في الصحف له أزرار وعرًا(33).
------------------
(1) - انظر تقييد العلم : انظر تصدير أستاذنا الدكتور يوسف العش ص19 ومقالته في مجلة الثقافة المصرية : العدد (352) السنة السابعة الصفحة (Cool.
(2),(3) جامع بيان العلم ص67 ج1 وتقييد العلم ص45، 46.
(4) - جامع بيان العلم وفضله ص67ج1 ونحوه في سنن الدرامي ص121 ج1.
(5) -انظر سنن الدرامي 121ج1، وجامع بيان العلم وفضله ص67ح1وتقييد العلم ص48.
(6) -تقييد العلم ص60، وكان يقول: (لا تكتبوا فتكلوا) وانظر جامع بيان العلم ص68ج1.
(7) -انظر طبقات أبن سعد ص190ج1.
(Cool- سنن الدرامي ص120ج1 ونحوه في كتاب العلم لزهير بن حرب ص194،
(9) -العلم لزهير بن حرب ص187: بن وجامع بيان العلم ص67ج1.
(10)-ذكر أستاذنا هنا أسماء بعض من ذكرتهم قبل وأضاف (سعيد بن المسيب (-94هـ) وطاوس (-106هـ) والقاسم (107هـ) وغيرهم) أنتهي مالم يذكره من النص.
(11) -تقييد العلم: التصدير ص20.
(12)-راجع الخبر في جامع بيان العلم ص144 ج2.
(13) -انظر جامع بيان العلم وفضله ص31ج2.
(14)- مجلة الثقافة المصرية : الصفحة 8-9 من العدد 352في السنة السابعة.
(15)- انظر تقيد العلم ص 102
(16) - تقييد العلم ص103 ونحوه في جامع بيان العلم ص72 ج1
(17) -انظر المحدث الفاصل نسخة دمشق ص4:ب ج4، وجامع بيان العلم وفضله ص73ج1
(18) - تقيد العلم ص99، وجامع بيان العلم ص75ج1.
(19) - المراجع السابق ص100 والعلم لزهير ص139:ب.
(20) - انظر تاريخ بغداد ص 232اج11.
(21) - انظر جامع بيان العلم وفضله ص27 ج1.
(22) - جامع بيان العلم وفضله ص74ج1، والعلم لزهير ص189:ب.
(23) - سنن الدارمي ص130ج1
(24) - انظر سنن الدرامي ص128ج1، وتقييد العلم من 105
(25)- سنن الدرامي ص129ج1، وتقييد العلم ص108.
(26) - انظر المحدث الفاصل نسخة دمشق ص3:ب ج4.
(27) - انظر سنن الدرامي ص129ج5.
(28) - المحدث الفاصل نسخة دمشق ص3،ب ج4.
(29) - الكفاية في علم الرواية ص264.
(30) - طبقات ابن سعد ص209ج5.
(31) - انظر سنن الدرامي ص129و126ج1.
(32) - تقييد العلم ص103 والآية 52 من سورة طه
(33) - انظر تذكرة الحفاظ ص87ج1


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدوين الحديث في عهد عمر بن عبد العزيز
        عاش عمر بن عبد العزيز في جو علمي ، فلم يكن بعيدًا ـ وهو أمير الأمة ـ عن العلماء، ورأيناه يكتب بنفسه بعض الأحاديث، ويشجع العلماء، وقد رأى أن يحفظ حديث الرسول صل الله عليه وسلم ويجمعه.


        وربما دعاه إلى هذا نشاط التابعين آنذاك وإباحتهم للكتابة حين زالت أسباب الكراهة، لأننا لا نعقل أن يأمر بجمع السنة وتدوينها والعلماء كارهون لهذا ، ولو كرهوا كتابتها ما استجابوا لدعوته، ومما لاشك فيه أن خشيته من ضياع الحديث دفعته إلى العمل لحفظه.


        ويمكننا أن نضم إلى ما ذكرنا سببًا آخر كان له أثر بعيد في نفوس العلماء حملهم علي تنقيح السنة وحفظها، وهو ظهور الوضع بسبب الخلافات السياسية والمذهبية.


        ويؤكد لنا هذا ما يرويه أخو ابن شهاب الزهري عنه قالSadسمعته ـ يعني ابن شهاب ـ يقول: لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ـ ما كتبت حديثًا ، ولا أذنت في كتابه(1)) .


        ورأي الزهري هذا رأي أكثر علماء ذلك العصر، فإن حرصهم علي حديث رسول الله صل الله عليه وسلم من أن يدرس لا يقل عن حرصهم على سلامته من الكذب والوضع.


        فكان هذان العاملان من أقوى العوامل التي حفزت همم العلماء إلى خدمة السنة وكتابتها، عندما تبنت الحكومة جمعها رسميًا على يدي الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز، الذي اتخذ خطوة حازمة فكتب إلى الآفاقSadانظروا حديث رسول الله صل الله عليه وسلم فاجمعوه (2)).


        وكان فيما كتب إلى أهل المدينة: ( انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه ، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله(3)) , وكان في كتابه إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (-117هـ) عامله علي المدينة أن (اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبحديث عمرة، فإني خشيت دروس العلم وذهابه(4)) وفي رواية : أمره (أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن(-98هـ) والقاسم بن محمد (-107هـ) ، فكتبه له (5))وفي رواية: (فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صل الله عليه وسلم ، وليفشوا العلم، وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا(6)).


        كما أمر ابن شهاب الزهري(-134هـ) وغيره بجمع السنن (7)،وربما لم يكلف عمر بن عبد العزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كتبًا إلى الآفاق يحث المسئولين فيها علي تشجيع أهل العلم على دراسة السنة وإحيائها.


        ومن هذا ما يرويه عكرمة بن عمار قالSadسمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقولSadأما بعد فأمروا أهل العلم أن ينتشروا في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت(Cool)كما كتب (إنه لا رأي لأحد في كتاب، وإنما رأي الأئمة فيما لم ينزل فيه كتاب ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا رأي لأحد في سنة سنها رسول الله صل الله عليه وسلم (9)).


        بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبد العزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه , من ذلك ما رواه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي قالSadرأيت عمر بن العزيز جمع الفقهاء، فجمعوا له أشياء من السنن ، فإذا جاء الشيء الذي ليس العمل عليه،قال : هذه زيادة ليس العمل عليها(10)).


        لقد بذل عمر بن عبد العزيز جهده في المحافظة على السنة، مع قصر مدة خلافته، فقد طلب من أبي بكر بن حزم جمع الحديث .


        وأبو بكر هذا من أعلام عصره , قال فيه مالك بن أنس : ( ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتم حالا... ولي المدينة والقضاء والموسم(11))، وعنه قولهSadلم يكن عندنا أحد بالمدنية عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر(12))..وكان قد طلب منه أن يكتب إليه حديث عمرة بنت عبد الرحمن، وهي خالته، نشأت في حجر عائشة ، وكانت من أثبت التابعين في حديث عائشة رضي الله عنها(13) .


        وأما القاسم بن محمد بن أبي بكر(27-107هـ) الذي ذكر في بعض الروايات فهو أحد الفقهاء السبعة في المدنية، وعالم أهل زمانه، تلقي علمه عن عمته عائشة رضي الله عنها، وعائشة أم المؤمنين معروفة بعلمها وتعمقها في السنة، وهي غنية عن التعريف،.


        وأما ابن شهاب أحد الذين شاركوا في الجمع والكتابة فهو أحد أعلام ذلك العصر، كان قد كتب السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبه العلم (14)،وكان ذا مكانة رفيعة، فقد روي عن أبي الزناد أنه قال: (كنا نكتب الحلال والحرام وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس)(15).


        وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب التي جمعها أبو بكر ـ كما يذكر ذلك بعض العلماء(16)،ـ فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده، التي حققها ابن شهاب الزهري الذي يقول Sadأمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن ، فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا(17)) وعلى هذا يحمل ما قاله المؤرخون والعلماء: (أول من دون العلم ابن شهاب(18)) وله أن يفخر بعلمه هذا، ويقول: ( لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني(19)).


        وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبد العزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارةSadوأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز) أو نحوها.


        وفهم من هذا أن التدوين الرسمي كان في عهد عمر بن عبد العزيز ، أما تقييد الحديث وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ، ولم ينقطع تقييد الحديث بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، بل بقي جنبًا إلى جنب مع الحفظ حتى قيض الحديث من يودعه المدونات الكبرى.


        وهكذا كانت نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني خاتمة حاسمة لما كان من كراهة الكتابة وإباحتها، فدونت السنة في صحف وكراريس ودفاتر، وكثرت الصحف في أيدي طلاب الحديث.
----------------------
(1)- تقيد العلم ص108.
(2)- فتح الباري ص204 ج1 رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان.
(3)- سنن الدارمي ص126ج1 .
(4)- سنن الدرامي ص126ج1.
(5)- تقدمة الحرج والتعديل ص21، والمراد أن يكتب له حديث عمرة ، لأنها توفيت قبل سنة (99)هـ ، السنة التي تولي فيها عمر بن عبد العزيز الخلافة ، وواضح هذا في الخبر الذي قبله.
(6)- فتح الباري ص204ج1.
(7)- انظر جامع بيان العلم وفضله ص76ج1.
(Cool- المحدث الفاصل ص153.
(9) -سنن الدارمي ص114ج1، وانظر جامع بيان العلم وفضله ص34ج2.
(10) - قبول الأخبار ص30، وتوفي أبو الزناد سنة (131هـ) ، ومن ذلك أيضًا ( ما روي عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه، قال: حضرت عبيد الله بن عبد الله ، دخل علي عمر بن عبد العزيز ،فأجلس قومًا يكتبون ما يقول، فلما أراد أن يقوم، قال له عمر: (صنعنا شيئا) قال: وما هو يا ابن عبد العزيز؟قالSadكتبنا ما قلت) قال: وأين هو؟ قال: فجيء به : فخرق ، تقييم العلم ص45، ربما كره الكتابة عنه لأنه ممن يحب الاعتماد على الحفظ .
(11) - تهذيب الهذيب ص39ج12.
(12) - تهذيب الهذيب ص39ج12.
(13) - انظر المرجع السابق ص438 ج12، وقال سفيان بن عبينة: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة، القاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، انظر تقدمه الحرج والتعديل ص45.
(14) - انظر جامع بيان العلم وفضله ص76ج1 والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ص156ج1.
(15) - جامع بيان العلم وفضله ص73ج1 وانظر ترجمة ابن شهاب في الفصل الثاني من الباب الخامس من هذا الكتاب.
(16) - جامع بيان العلم وفضله ص76ج1.
(17) - المرجع السابق ص76ج1 وحيلة الأولياء ص363،ج3.
(18) -الرسالة المستطرفة ص4.
(19) -تدريب الراوي ص40وقواعد التحديث ص46 ـ ونحو هذا في توجيه النظر ص6 وإرشاد الساري ص14ج1


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراحل التصنيف في القرون الثلاثة الأولى
        لم يلبث هذا التيار من النشاط العلمي وكتابة الحديث أن طالع للعالم بمدونات حديثة مختلفة على يدي أبناء النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد ظهرت تلك المصنفات والكتب في أوقات متقاربة، وفي مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية .


        فبعد أن كان أهل الحديث يجمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس ، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب ، وكانت هذه المصنفات تشتمل على السنن وما يتعلق بها، وكان بعضها يسمى مصنفا وبعضها يسمى جامعًا أو مجموعاً وغير ذلك.


        وقد اختلف في أول من صنف وبوب، فقيل عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح البصري (-150هـ) بمكة , ومالك بن أنس (93-189هـ) أو محمد بن إسحاق(-151هـ) بالمدينة المنورة ، وصنف بها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب(80-158هـ) موطأ أكبر من موطأ مالك، والربيع بن صبيح (-160هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (-156هـ) أو حماد بن سلمة (-167هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري(97-161هـ) بالكوفة، ومعمر بن راشد (95-153هـ) باليمن، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (88-157هـ) بالشام، وعبد الله بن المبارك (118-181هـ) بخراسان، وهيثم بن بشير(104-183هـ) بواسط (1)،وجرير بن عبد الحميد(110-188هـ) بالري، وعبد الله بن وهب(125-197هـ) بمصر(2) , ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم.


        وقد كان هذا التصنيف بالنسبة إلى جمع الأبواب وضمها إلى بعضها في مؤلف أو جامع، وأما جمع حديث إلى مثله في باب واحد، فقد سبق إليه التابعي الجليل عامر الشعبي (19-103هـ)،الذي يروى عنه أنه قال: هذا باب من الطلاق جسيم، إذا اعتدت المرأة ورثت(3)،وساق فيه أحاديث(4).


        وكان معظم هذه المصنفات ، والمجاميع يضم الحديث الشريف وفتاوى الصحابة والتابعين ، كما يتجلى لنا هذا في موطأ الإمام مالك بن أنس(5).


        ثم رأى بعضهم أن تفرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفات خاصة، فألفت المسانيد، وهي كتب تضم أحاديث رسول الله صل الله عليه وسلم بأسانيدها خالية من فتاوى الصحابة والتابعين ،تجمع فيها أحاديث كل صحابي ـ ولو كانت في مواضيع مختلفة ـ تحت اسم مسند فلان ، ومسند فلان وهكذا.


        وأول من ألف المسانيد أبو داود سليمان بن الجارود الطيالسي(133ـ 204هـ) (6)، وتبعه بعض من عاصره من أبتاع التابعين وأتباعهم، فصنف أسد بن موسى الأموي(-212هـ) ، وعبيد الله بن موسى العبسي (-213هـ) ومسدد البصري(-822هـ) ، واقتفى الأئمة آثارهم، كأحمد بن حنبل(164-241هـ) وإسحاق بن راهويه(161-238هـ) وعثمان بن أبي شيبة (156-239هـ) وغيرهم(7).


        ويعتبر مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ وهو من أتباع اتباع التابعين ـ أو فى تلك المسانيد وأوسعها.


        جمع هؤلاء الحديث ودونوه بأسانيده، واجتنبوا الأحاديث الموضوعة، وذكروا طرقًا كثيرة لكل حديث يتمكن بها جهابذة هذا العلم وصيارفته من معرفة الصحيح من الضعيف ، والقوي من المعلول، مما لا يتيسر لكل طالب علم.


        فرأى بعض الأئمة أن يصنفوا في الحديث الصحيح، وظهرت الكتب الستة في هذا العصر، عصر إتباع إتباع التابعين، وكان أول من صنف ذلك الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري(194-256هـ) ، ثم الإمام مسلم بن الحجاج القشيري(204-261هـ) وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (202-275) ، وأبو عيسي محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (-279هـ) وأحمد بن شعييب الخراساني النسائي(215-303هـ) ، ثم ابن ماجه، وهو عبد الله بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه القزويني (207-273هـ) (Cool.


        وقد خدمت هذه الكتب بالشرح والتهذيب والاختصار والاستخراج عليها من قبل العلماء الذين جاءوا بعدهم.
--------------------------
(1)- انظر تاريخ بغداد ص85ج14، وتذكرة الحافظ ص229ج1.
(2) - انظر المحدث الفاصل ص155 ، وتدريب الراوي ص40.
(3) - المحدث الفاصل ص155والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع نسخة الإسكندرية ص188: أ، ومقدمة فتح الباري ، وتدريب الراوي ص40.
(4) - تدريب الراوي ص40 ومنهج ذوي النظر ص18.
(5) - في موطأ ثلاثة ألاف مسألة وسبعمائة حديث انظر الرسالة المستطرفة ص11.
(6) - انظر الرسالة المستطرقة ص46، وقد طبع هذا المسند طبعة جيدة في حيدر آباد بالهند سنة 1321.
(7) - انظر منهج ذوي النظر ص18، وتدريب الراوي ص40والرسالة المستطرقة ص36-47.
(Cool - ليس من موضوعنا أن تتكلم على هذه الكتب الستة الان ولكن لابد لنا من أن نشير إلى أن صحيح الإمام البخاري وصحيح مسلم هما في الدرجة الأولي من هذه الكتب، ثم تأتي السنن الأربعة في رتبة تليها، وسنن ابن ماجه دونها جميعا لأن فيها ما أنكره وضعفه بعض العلماء، ولعلماء الحديث في ذلك أقوال يضيق بنا المقام لذكرها، انظر تدريب الراوي ص39-40، 47-49ا، وسبل السلام ص11-12ج1.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

تدوين الحديث     Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين الحديث    تدوين الحديث     Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:40 am

الآراء فى تدوين الحديث


        لقد تبين أثناء البحث في موضوع تدوين السنة -وخاصة في دراسة رجال الحديث في عصر الصحابة والتابعين- أن أمير مصر "عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي" (-85هـ) قد حاول جمع حديث رسول الله -صل الله عليه وسلم- .


        وقد روى هذا إمام الديار المصرية ومحدثها "الليث بن سعد"؛ فقال: (حدثني يزيد بن أبي حبيب أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي -وكان قد أدرك بحمص سبعين بدريًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ليث: وكان يسمى الجن المقدم، قال: فكتب إليه أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله -صل الله عليه وسلم- من أحاديثهم إلا حديث أبي هريرة فإنه عندنا(1)) لم يطلب حديث أبي هريرة لأنه كان عنده وكان قد سمعه عبد العزيز بن مروان من أبي هريرة (2).


        لقد طلب أمير مصر كتابة حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من إمام حمص وعاملها الذي كان طالباً للعلم حافظاً ثقة(3)، وقد كان هذا الطلب أثناء إمارته على مصر بين سنة (65-85 )هجرية ، ويمكننا أن نجد هذا بحد أقرب إلى الحقيقة إذا عرفنا أن كثير بن مرة توفي بين سنة (70-80(4)) للهجرة ، فلو فرضنا أنه توفي سنة (75هـ) فمعنى هذا أن طلب الأمير كان قبل هذه السنة، والراجح عندي أن طلب الأمير عبد العزيز، كان في السنين الأولى من إمارته لما عرف عنه من حب للعلم وأهله، وتفان في خدمة الدين (5).


        إلا أن المصادر لم تخبرنا عن امتثال كثير بن مرة للأمير، فنقف أمام هذا الخبر التاريخي متسائلين: تُرى هل كتب كثير للأمير ما طلب منه من حديث رسول الله -صل الله عليه وسلم- ؟ وإذا كتب إليه فما مقدار ما كتبه؟ وعن أي الصحابة كتب إليه؟ ثم إلى من آلت تلك الصحف أو الدفاتر المدونة ؟ كل هذه أسئلة تعرض أمامنا، وتحتاج إلى بحث وتنقيب .


        وريثما يكشف لنا التاريخ عن خبايا تراثنا الإسلامي العظيم، نجيب عن هذه الأسئلة على ضوء ما لدينا من أخبار قليلة.
إن ما نعرفه من عناية هؤلاء بالحديث يرجح عندنا أن يستجيب كثير بن مرة لطلب الأمير، ولو ظن الأمير عبد العزيز امتناع عالم حمص عن إجابته ما كتب إليه، مما يرجح عندي أن كثيرًا تلقى رسالة الأمير وأجابه إلى طلبه، لما عرف عن كثير من نشاط علمي عظيم.


        ومن الصعب في هذا المجال أن نقدر مقدار ما كتب كثير، لأن المراجع لم تنص على شيء من هذا (6)،فأرجو من الله أن أوفق فيما بعد للكشف عن ذلك وإيضاحه بما يكفل لنا الحكم العلمي الصحيح.


        ونقول الآن بعد هذا الخبر: إذا ثبتت استجابة كثير بن مرة لطلب أمير مصر فيعني هذا أن بعض الحديث النبوي قد دون رسميًا في منتصف العقد الهجري الثامن قبل انقضاء القرن الأول..


        وعلى أية حال، فإن اهتمام أمير مصر بحديث رسول الله -صل الله عليه وسلم- وتدوينه يزيدنا ثقة بأن التدوين قد سار جنبًا إلى جنب مع الحفظ، ولم يتأخر قط إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، فيكون شرف المساهمة في تدوين الحديث، قد كلل الوالد الأمير والابن الخليفة البار، ويكون لهما جميعاً شرف العمل لحفظ الحديث وتدوينه رسميًا.


        وأنا بهذه النتيجة لا أريد أن أخالف ما أشهر عند أئمة هذا العلم من أن تدوين الحديث النبوي كان على رأس المائة الأولى في خلافة عمر بن عبد العزيز، بل أضع يدي على مفتاح بحث تاريخي له أهميته في تاريخ تدوين تراثنا الزاخر، ينتظر من يتفرغ ليكشف عنه، فنحن في هذا لسنا بدعاً، ولا نأتي بشيء جديد سوى أننا ننقض غبار الماضي عن جواهرنا المكنونة، ونحاول أن نسلكها في عقد يصور لنا الحقيقة التاريخية.
----------------
(1)- انظر تهذيب التهذيب ص356 ج6.
(2) - طبقات ابن سعد ص157 قسم 2 ج7 وتهذيب التهذيب ص429 ج8
(3) - انظر تذكرة الحفاظ ص49ج1.
(4) -انظر تهذيب التهذيب ص429ج8.
(5) - انظر النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ص171 ، 174 ج1.
(6) - لأن التاريخ الأموي دون في عهد الدولة العباسية وقد اهتم المؤرخون بالحوادث الكبرى وبالخلفاء العريضة من حياة الأمراء, وكانت كثير من مزايا الأمويين تطمس أو تصغر تمشيًا مع سياسة العباسيين الذين لا يسرهم التحدث بمفاخر من قبلهم، انظر : أضواء على التاريخ الإسلام ص85 ونحن لا نشك بوجود مؤرخين منصفين نرجو أن نجد عندهم فيما بعد ما يروي غليلنا في هذه النقطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأي الشيخ محمد رشيد رضا في تدوين الحديث
        قال الإمام محمد رشيد رضاSad لعل أول من كتب الحديث وغيره من التابعين في القرن الأول، وجعل ما كتبه مصنفًا مجموعا هو خالد بن معدان الحمصي، روي عنه أنه لقي سبعين صحابيًا.


        قال الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال بحير: ما رأيت أحدًا ألزم للعلم منه، وكان علمه في مصحف له أزرار وعرا) .


        ثم قال: فخالد بن معدان جمع علمه في مصنف واحد جعل له وقاية لها أزرار وعرا تمسكها لئلا يقع شيء من تلك الصحف، وكان ذلك في القرن الأول، فإنه مات سنة 103هـ أو سنة 104هـ ، ولكن المشهور أن أول من كتب الحديث ابن شهاب الزهري القرشي، ولعل سبب ذلك أخذ أمراء بني أمية عنه(1)).


الرد عليه


        بعد أن رأينا موقف العلماء من الكتابة خلال القرن الأول الهجري وفي النصف الأول من القرن الثاني، وبعد أن وجدنا أدله علمية قاطعة تثبت وقوع التدوين في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي عصر الصاحبة والتابعين.


        بعد هذا لا يمكننا أن نقبل رأي الأستاذ الإمام وذلك من ناحيتين:


        الأولى : إذا اعتبرنا التدوين الشخصي الخاص بكل عالم ـ فإن كثيرين من الصحابة والتابعين سبقوا خالدا في هذا المضمار، وحافظوا على ما كتبوه، فابن عمرو حفظ صحفه في صندوق له حلق، وغيره في كراريس ودفاتر، كهمام بن منبه، وابن شهاب، فمجرد وجود علم خالد ابن معدان في مصحف له أزرار لا يكفي لأن يكون أول من دون الحديث في عصره.


        الثانية: إذا عتبرنا التدوين الرسمي للحديث استجابة لرغبة عمر بن عبد العزيز فقد سبق خالدا إلى التدوين أبو بكر بن حزم وابن شهاب الزهري، وقد ثبت أن ابن شهاب كتب لعمر الحديث في دفاتر وزعت على كل أرض له عليها سلطان.


        فخالد لم يكن أول من صنف، سواء أكان هذا التصنيف خاصا أم رسميا، فهناك من سبقه في جمع الحديث، ويمكننا أن نعتبر صحف خالد من أولى الصحف التي ضمت علمه في ذلك القرن.


        وإذا كان المشهور أن ابن شهاب الزهري أول من كتب الحديث ـ فإن هذا محمول على تنفيذه أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، لا لأن أمراء بني أمية أخذوا عنه، لأن أخذ الأمراء عنه لا يؤثر في الأدلة الأخرى التي تثبت استجابته لأمر الخليفة وتدوينه الحديث في دفاتر، وقد كتب كثيرا من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم في أثناء طلبه العلم.


        وهذا يدل علي أسبقية ابن شهاب على غيره في التدوين ومع هذا فهناك من دون قبله ـ بشكل غير رسمي ـ وحفظ علمه في صحف واعتنى بصحفه وحرص عليها من الضياع، فقد ثبت لدينا أن كثيرًا قبل ابن شهاب وقبل خالد بن معدان كتبوا الحديث وحفظوه في كل ما تيسر لديهم من وسائل، ورغبة منهم في حفظ حديث رسول الله صل الله عليه وسلم من الضياع أو التحريف.
--------------------
(1) - مجلة المنار :ص754ج10


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأي الشيعة في تدوين الحديث
        قال المرجع الديني الأكبر السيد حسن الصدر(1272-1354هـ) : (وقد وهم الحافظ الجلال السيوطي في كتابه تدريب الراوي، حيث زعم أن ابتداء تدوين الحديث وقع في رأس المائة، قال: أما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع في رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بأمره، ففي صحيح البخاري في أبواب العلم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم...قال في فتح الباري، يستفاد من هذا ابتداء تدوين الحديث النبوي ، ثم أفاد أن أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز ابن شهاب. انتهى ما في تدريب الراوي،


        قلت"السيد حسن الصدر": كانت خلافة عمر بن عبد العزيز سنتين وخمسة أشهر مبدؤها عاشر صفر سنة ثمان أو تسع وتسعين ومات سنة إحدى ومائة لخمس أول ست مضين وقيل لعشر بقين من رجب ، ولم يؤرخ زمان أمره ولا نقل ناقل امتثال أمره بتدوين الحديث في زمانه، والذي ذكره الحافظ ابن حجر من باب الحدس والاعتبار ، لا عن نقل العمل بأمره بالعيان، ولو كان له عند أهل العلم بالحديث أثر بالعيان لما نصوا أن الإفراد لحديث رسول الله -صل الله عليه وسلم- كان على رأس المائتين، كما اعترف به شيخ الإسلام وغيره..


        قال"ابن حجر": إلى أن رأَى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النبس -صل الله عليه وسلم- خاصة، وذك في رأس المائتين وعدد جماعة...


        وكذلك الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ نص أن أول زمن التصنيف وتدوين السنن وتأليف الفرو -بعد انقراض دولة بني أمية وتحول الدولة إلى بني العباس...ولا يقاس بالذهبي غيره في الخبرة بالتواريخ في أمثال هذه الأمور، فلم يذكر ما ذكره السيوطي، بل كل من كتب في الأوائل من علماء السنة لم يذكره، اللهم إلا أن يقال باستبعاد عدم الأخذ بقول مثل عمر بن عبد العزيز فلعله جمع بعده فلا يكون الحكم بجمعه في رأس المائة من القول السديد المحقق، عصمنا الله تعالى من التسرع في القول(1)).


الرد عليه


        أقول إن ما ذكره السيوطي ليس وهماً بل حقيقة علمية ، كما تبين لنا من البحث.


        وأما قصر مدة خلافة عمر بن عبد العزيز، وعدم تأريخ زمن أمره فإنه لا ينافي استجابة العلماء لأمر الخليفة، وأما أنه لم ينقل هذا فاقل فهذا حكم يناقض الدليل، فقد كثر الناقلون، ونص ابن عبد البر على أن ابن شهاب امتثل لأمر الخليفة وكتب الحديث في دفاتر، وبعث الخليفة إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا(2).


        ولم يكن ما ذكره ابن حجر من باب الحدس والتخمين، ثم إن ما ذكره علماء الحديث من أن إفراد تدوين حديث رسول الله -صل الله عليه وسلم- كان على رأس المائتين –لا ينافي قط تدوينه استجابة لأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز.


        ونحن لا نشك في أن بعض المدونات الأولى في عصر رسول الله -صل الله عليه وسلم- وفي عصر الصحابة كانت خالية من فتاوى الصحابة، وأقوى دليل على هذا الصحيفة الصادقة، والصحيفة الصحيحة، وإن كان بعض المصنفين قد كتب عمل الصحابة وفتاواهم إلى جانب الحديث فهذا لا ينافي كونهم دونوا الحديث على رأس المائة الأولي وقبلها.


        واستشهاده بما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ لا يجدي نفعاً، لأن الحافظ الذهبي لخص الحالة في القرن الأول ، ولم يدرس التدوين دراسة موضوعية تفصيلية، ومع هذا نراه يذكر في تراجم من صنف من العلماء أنهم أول من صنفوا في بلادهم، وليس من المفروض على الذهبي أن يفصل في التدوين لأن تذكرته في رجال الحديث، لا في علم الحديث ومصطلحه.


        وأما أن أحداً من الأوائل الذين كتبوا في الحديث وعلومه -لم يذكر ما ذكره الجلال السيوطي، فهذا مردود ما كشف عنه بحثنا، فقد ذكر ذلك الرامهرمزي، وبين سبب كراهة من كره الكتابة في الصدر الأول، وجمع بين أحاديث السماح بالكتابة والنهي عنها، وإذا كان الرامهرمزي لم ينقل إلينا النص كالسيوطي حرفياً، فقد ذكر ما يفهم منه أن بعض العلماء كانوا قد دونوا في القرن الأول،(3) كما بين اهتمام عمر بن عبد العزيز بنشر السنة والمحافظة عليها(4).


        ووضع الخطيب البغدادي كتابه (تقييد العلم) لعرض سير التدوين في العصر الأول، وبين كثيرًا مما خفي على الناس، وأثبت أن بعض طلاب العلم وأهله قد مارسوا التدوين في عهد رسول الله -صل الله عليه وسلم- وبعده.


        وروى أبو عبيد القاسم بن سلام (157-224هـ) بسنده عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: (لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله -صل الله عليه وسلم- في الصدقات وكتاب عمر بن الخطاب.... فنسخا له (5)).


        فما أظن بعد هذا أن يدعي إنسان أن أمر عمر بن عبد العزيز لم ينفذ أو لم يؤخذ به، فما ذهب إليه علماء الحديث من أن ابتداء تدوين الحديث وقع في رأس المائة الأولى ليس من باب الحدس والتسرع بالقول، وحمل قولهم هذا على التدوين الرسمي الذي تبنيه الدولة، أما التدوين الشخصي والفردي فكان منذ عهد رسول الله -صل الله عليه وسلم-.


        بعد ما ذكره السيد حسن الصدر قالSadإذ عرفت هذا فاعلم أن الشيعة أول من تقدم في جمع الآثار والأخبار، في عصر النبي المختار عليه وعليهم الصلاة والسلام ، واقتدوا بإمامهم أمير المؤمنين عليه السلام).


        ثم ذكر كتابًا لعلي رضي الله عنه كان عظيماً مدرجاً، وذكر صحيفته المعلقة بسيفه، ثم ذكر كتاباً لأبي رافع مولى رسول الله -صل الله عليه وسلم- سماه "كتاب السنن والأحكام والقضايا"، وقد توفي أبو رافع في أول خلافة علي رضي الله عنه، قال السيد حسن الصدرSadوأول خلافة علي أمير المؤمنين سنة خمس وثلاثين من الهجرة، فلا أقدم من أبي رافع في التأليف بالضرورة(6)).


        أقول: إذا صح هذا الخبر فإن أبا رافع يكون ممن دون في عصر الصحابة، وقد سبقه عبد الله بن عمرو الذي كتب في عهده -صل الله عليه وسلم- ، وإذا صح هذا الخبر وكان كتابه مرتباً على الأبواب: (الصلاة والصيام والحج والزكاة والقضايا)كما ذكر السيد حسن الصدر، كان لأبي رافع شرف الأولوية في التأليف لا في التدوين، وصحة هذا لا تحملنا على أن ننفي ما ثبت تاريخياً من أخبار التدوين في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز.
-------------------
(1) -تأسيس علوم الشيعة ص278ـ279.
(2) -انظر جامع بيان العلم وفضله ص76ج1.
(3) - انظر المحدث الفاصل ص71:آ-71:ب.
(4) -انظر المرجع السابق ص153:آ.
(5) - الأموال ص358-359.
(6) -تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص279-280 وقد نقل عن الشيخ أبي العباس النجاشي ما ذكره عن أبي رافع ، ثم قال السيد حسن الصدر: وأول من صنف في الآثار مولانا أبو عبد الله سلمان الفارسي(ر) ..وأول من صنف الحديث والآثار بعد المؤسسين أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وله كتاب الخطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي -صل الله عليه وسلم- ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي في الفهرست ، ثم يذكر كتابا لعبيد الله بن ابي رافع في قضايا أمير المؤمنين وكتاب تسمية من شهد مع أمير المؤمنين الجمل وصفين والنهروان من الصحابة ، ثم ذكر بعض أخبار الكتب لأشخاص طعن فيهم أهل السنة كالحارث بن عبد الله الأعور الهمداني، أو أخبار كتب لم تثبت عند أهل السنة، انظر تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص282وما بعدها


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأي المستشرقين في تدوين الحديث
        لقد عرفنا أن المسلمين حفظوا حديث النبي -صل الله عليه وسلم- في صدورهم وصحفهم، فساهمت الذاكرة والأقلام والصحف والدفاتر في حفظ السنّة المطهرة، وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جنباً إلى جنب في سبيل هذه الغاية.


        ورأينا مراحل التدوين الفردي والرسمي، وثبت لنا وقوع التدوين في عهد رسول الله -صل الله عليه وسلم- وفي عصر الصحابة والتابعين بأدلة قاطعة لا يرقى إليها الشك، ولا يعتريها الظن، وعرفنا أن ضرورة حفظ الحديث لم تنتظر خلافة عمر بن عبد العزيز وإذنه ، بل دعت إلى تدوينه قبله بكثير، وكان لعمر بن عبد العزيز شرف مساهمة الدولة في تبني هذا التدوين والإشراف عليه، وتحريك همم العلماء للجمع والتصنيف ، الذي ظهرت بوادره في النصف الأول من القرن الثاني ، ونضجت ثماره في المصنفات الكثيرة التي أخرجها أوائل المصنفين في مختلف بلاد الدولة الإسلامية آنذاك.


        بعد هذا لن نؤخذ بما وصل إليه المستشرقون وأعلنوه من أن السنة قد دونت في عصر مبكر، ولن نقع فيما نصبه بعضهم من شراك خلف بحوثهم، وإن ظهرت بعض أبحاثهم في ثوب علمي نقي.


        فقد كتب "جولد تسيهر" فصلاً خاصاً حول كتابة الحديث في كتاب "دراسات إسلامية" أتى فيه بأدلة كثيرة على تدوين الحديث في أول القرن الهجري الثاني، وكان في الفصل الأول من كتابه (قد سرد طائفة من الأخبار، تشير إلى بعض الصحف التي دوّنت في عهد الرسول -صل الله عليه وسلم- ، ولكنه حاطها بكثير من التشكك في أمرها، والريبة في صحتها) .


        وقد رمى بهذا إلى غرضين:


        أحدهما: إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور، لتعويل الناس منذ القرن الهجري الثاني على الكتابة.


        والآخر: وصْم السنة كلها بالاختلاف والوضع على ألسِنة المدونين لها، الذين لم يجمعوا منها إلا ما يوافق أهواءهم، ويعبر عن آرائهم ووجهات نظرهم في الحياة...


        وحاول المستشرق "سوفاجيه" في كتابه "الحديث عند العرب" أن يفند المعتقد الخطأ عن وصول السنة بطريق المشافهة وحدها، وجمع أدلة كثيرة على تدوين الأحاديث والتعويل على هذا التدوين في عصر مبكر يبدأ أيضاً في مطلع القرن الهجري الثاني، وليس في حياة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وغايته لا تختلف في شيء عن غاية جولد تسيهر)(1).


        ويقول الدكتور "صبحي الصالح": (وأما "دوزي" فلعله يخدع برأيه المعتدل كثيراً من علمائنا، فضلاً عن أوساط المتعلمين فينا، فقد كان هذا المستشرق يعترف بصحة قسم كبير من السنة النبوية التي حفظت في الصدور ، ودوّنت في الكتب بدقة بالغة، وعناية لا نظير لها،"وما كان يعجب لكثير من الموضوعات والمكذوبات تتخلل كتب الحديث ـ .


        فتلك كما يقول طبيعة الأشياء نفسها ـ بل للكثير من الروايات الصحيحة الموثوقة التي لا يرقي إليها الشك، ( ونصف صحيح البخاري على الأقل جدير بهذا الوصف عند أشد المحدثين غلواً في النقد)، مع أنها (2)، تشتمل على أمور كثيرة يود المؤمن الصادق لو لم ترد فيها"(3).


        فلم يكن غرض هذا المستشرق خالصًا للعلم والبحث المجرد حين مال إلى الاعتراف بصحة ذلك النصيب الكبير من السنة، وإنما كان يفكر أولاً وآخراً فيما اشتملت عليه هذه السنة الصحيحة من نظرات مستقلة في الكون والحياة والإنسان، وهي نظرات لا يدرأ عنها استقلالها النقد والتجريح، لأنها لم تنبثق من العقل الغربي المعجز، ولم تصور حياة الغرب الطليقة من كل قيد (4)).


        وعثر المستشرق (شبرنجر) على كتاب "تقييد العلم" للخطيب البغدادي فوجد فيه شواهد وأخبارًا تدل على تدوين المسلمين للحديث في عصر مبكر، فكتب مقالاً حول ما وجده.


        واطّلع (جولد تسيهر) على ما كتبه سلفه (شبرنجر) وأيد فكرة كتابة المسلمين للحديث في عصر مبكر، إلا أنه : تأمل في الأخبار التي عرضها سلفه "شبرنجر" نقلاً عن الخطيب البغدادي وغيره، فوجدها تارة تقول بأن الرسول -صل الله عليه وسلم- أجاز كتابة العلم، وطوراً تدعي بأنه نهى عنها، وتذكر مرة أن الصحابة حضوا عليها، ثم لا تلبث أن تروي كراهتهم لها، وتَعْرِض كَتْبَ بعض التابعين للعلم، ثم تذكر استنكاف بعضهم الآخر ـ .


        رأى ذلك فظن بهذه الأخبار سوءاً، وأراد أن يرى خلالها يد الوضع والتزوير، فتصور حزبين متناضلين اتخذا من هذه الأخبار سلاحًا يذود كل منهما به عن رأيه ، ويدفع خصمه فقال: إن أهل الرأي ـالذين اعتمدوا في وضع فروع الشريعة على عقلهم، وأهملوا شأن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ـ كان من حججهم أن الحديث لم يكتب دهراً طويلاً، فغابت معالمه، وتشتّت أمره، وأيّدوا رأيهم بأخبار اختلقوها، تثبت أنه لم يكتب، ولم يقف خصومهم "أهل الحديث " واجمين ، بل فعلوا فعلتهم واختلقوا الأخبار تأييداً لقولهم، فنسبوا إلى الرسول –صل الله عليه وسلم- أحاديث في إباحة الكتابة(5)).


        هكذا رأى جولد تسيهر أهل الرأي يدعون عدم كتابة الحديث، فيضعون من الأخبار ما يثبت دعواهم، وأهل الحديث يرون جواز تقييد العلم، فيضعون ما يثبت دعواهم، ليحتجوا بصحة ما لديهم من أحاديث في خلافاتهم الفقهية، أراد جولد زيهر أن يصور علماء الأمة ومفكريها، حزبين متعصبين لآرائهم ، يستجيزون الكذب في سبيل ذلك !! فساء ما تصوره وبئس ما انتهى إليه.


        وقد قيض الله لكتاب " تقييد العلم " أن ينشر في دمشق، ويحقق تحقيقاً علميا دقيقاً، على يدي أستاذنا الدكتور "يوسف العش"، الذي درس أخباره دراسة عميقة، ثم قدم للكتاب المذكور بتصدير علمي قيم، كشف فيه عن خطأ جولد تسيهر في رأيه (حين قال : إن من ادّعى عدم جواز الكتابة هم أهل الرأي، وأن مخالفيهم هم من أهل الحديث :


        " قال الدكتور العش" ـ: فالخلاف لم يكن بين هاتين الفئتين، لأن من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة كعيسي بن يونس(-187هـ) وحماد بن زيد (-179هـ) وعبد الله بن إدريس(-192هـ) وسفيان الثوري(-161هـ) وبينهم من أقرها كحماد بن سلمة (-167هـ) والليث بن سعد (-175هـ) ،وزيد بن قدامة (-161هـ) ويحيى بن اليمان (189هـ) وغيرهم، ومن المحدثين من كره الكتابة كابن علية(-200هـ) وهشيم بن بشير (-183هـ) وعاصم بن ضميرة(-174هـ) وغيرهم ، ومنهم من أجازها كبقية الكلاعي( -197هـ) وعكرمة بن عمار(-159هـ) ومالك بن أنس(-179هـ) وغيرهم(6).


        بهذه البراهين القوية نقض الدكتور العش رأي جولد زيهر وقوض كل ما بناه على رأيه من صور وهمية، وبين بعد البحث والتأمل (أن ليس من أوصاف مشتركة توحد بين أصحاب إحدى الطائفتين، فليس الفريقان حزبين اتفق أفرادهما في الرأي ، واستعدوا لخوض المعركة متضامنين، يناصر بعضهم بعضاً، إنما تمسكوا برأيهم عن عقيدة نفسية، أو عن ميول شخصية، أو عن ذوق خاص، أو عن عادة مستحكمة، وعندنا أن الطائفتين المتخاصمتين متفقتان بالغاية ، ولو أنهما تشاحنتا في القول، فكلتاهما تبغي الدفاع عن العلم والتقدم به(7)).


        بعد تلك الأخبار عن التدوين وحرص الأمة على سلامة الحديث النبوي، لا يمكننا أن نسلم بما ذهب إليه المستشرقون ، وخاصة بعد أن ظهر أمرهم على ضوء ما بيّنّاه، فالسنة حفظت منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الصدور، وقيّد بعضها في الصحف، وكانت محل اعتناء المسلمين في مختلف عصورهم، فتناقلوها جيلاً عن جيل؛ حفظاً ودراسة بالمشافهة والكتابة، واجتهدوا وسعهم لحفظ الحديث بأسانيده في مصنفات ومسانيد تكفل لأهل العلم معرفة القوي من الضعيف ، خشية تسرب الكذب إلى حديثه -صل الله عليه وسلم- .


        ثم اجتهد كبار العلماء في جمع الحديث الصحيح على أسلم قواعد التثبت العلمي، فرحلوا في طلب ذلك، وسمعوا بأنفسهم، وتثبتوا وسعهم، وكتبوا بأيديهم، فظهرت الكتب المجردة من الضعيف وأجمعت الأمة الإسلامية ـ التي فهمت الإسلام واتخذته سبيلها في مختلف وجوه حياتها ـ على صحة (صحيح البخاري) ، (صحيح مسلم).


        فإذا اعترف المستشرقون ببعض الحقيقة العلمية، وأقروا جانباً مما أثبتته المصادر الإسلامية ، فلا يجوز لنا على أي حال أن نقبل ما ذهبوا إليه من طعن في صحاح السنة، باسم طبيعة تطور الرواية أو غير ذلك، كما لا يجوز لنا أيضاً أن نقبل منهم إضعاف ثقتنا باستظهار السنة وحفظها، ما دام قد ثبت تقييد بعض الحديث منذ عهده -صل الله عليه وسلم-، فلا تعارض بين حفظ الحديث وكتابته، ولا يقتضي وجود أحدهما انعدام الآخر أو ضعفه.
------------------
(1)- انظر هذا البحث في علوم الحديث ومصلحه للدكتور صبحي الصالح ص23-30.
(2) -أي الروايات الصحيحة.
(3) - أشار الدكتور صبحي الصالح في هامش الصفحة 26 إلى أن عبارة دوزي في الأصل أوقح من أن يوردها على حالها وأحال على الأصل بالفرنسية.
(4) - علوم الحديث ومصطلحه ص26.
(5) - مجلة الثقافة المصرية العدد 351 السنة السابقة الصفحة 22-23 من مقالة أستاذنا الدكتور يوسف العش " نشأة تدوين العلم في الإسلام".
(6) - تقييد العلم ص21-22 وأنظر مقالة الدكتور العش في مجلة الثقافة المصرية العدد 353 السنة السابعة الصفحة :9: 10.
(7) - مجلة الثقافة المصرية العدد 353 السنة السابعة الصفحة 10.


=========
المصدر :
انظر كتاب " السنة قبل التدوين" للدكتور / محمد عجاج الخطيب


وانظر كتاب البداية والنهاية لابن كثير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
تدوين الحديث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة الحديث وعلومه-
انتقل الى: