منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 التاريخ الشفوي.. سرد الحياة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالإثنين 05 أغسطس 2013, 1:40 am




 
[rtl]التاريخ الشفوي.. سرد الحياة (1)[/rtl]



التاريخ الشفوي.. سرد الحياة 235c4680a0fb2ec73e2a26f7c0fbd456738da88c




[rtl]
 - محبة لهم.. الأهل الذين يهشون ترحيبا كلما شرفتني قراهم باستقبالها الحميم لي، فأكون بينهم، واحدا منهم، وهم يتحلقون في مضافاتهم، ويبدأون بالحديث الطيب المهم المعبأ بريحان الذاكرة، وزعفران اليومي المعاش.
هذا البوح التلقائي الذي ينثره كبار تلك القرى، ما زال يشكل سجلا غير مكتوبا لتاريخ الأمكنة والناس هناك، ويوثق لأحداث لم يدونها أحد، فصارت محفوظة في الصدور ومتداولة على ألسنة الناس، بينما لم يتم جمعها، لتكون مدونة موثقة، خوف أن تضيع مع مرور عجلة الزمن، أو غياب هؤلاء الكبار، ومعهم هذه الكنوز المهملة.


التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Untitled_15_7
الكلمة المحكية
للقرى تاريخها الشفوي الذي حاولنا في «بوح القرى» جمع ما تيسر منه، ولذا فإن هذه المساحة ستكون لإلقاء الضوء على قيمة تدوين التاريخ الشفوي، وجمعه، مع محاولة تقديم نماذج من حكايات القرى، وأحداثها التي تم رصدها، من خلال شهادات كبارها، وأحادثيهم، وقد أفدت في الدخول الى هذا المضمار، وامتلاك الأدوات البحثية في التعامل مع التاريخ الشفوي، من ورشة عمل كانت قبل سنوات، وكان فيها الخبير العربي الفلسطيني، الدكتور عادل يحيى، مدير المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافي، والذي يعتبر كتابه حول التاريخ الشفوي، دليلا مهما للباحثين والمختصين، وفيه يشير الى أن التاريخ الشفوي هو «منهج بحث يعنى بدراسة الماضي من خلال الكلمة المحكية المحفوظة في الذاكرة، والمنقولة مشافهة، ويشمل التراث الشفوي وتاريخ الحياة»، حيث أن التراث الشفوي هنا هو «دراسة الماضي البعيد من خلال الروايات الشفوية الشائعة في مجتمع معين، والمنقولة مشافهة عبر عدة أجيال، أو جيل واحد على الأقل»، بينما تاريخ الحياة، هو «دراسة الماضي القريب من خلال روايات شهود العيان، أي روايات الناس الشفوية عن أحداث حياتهم، خبراتهم ومشاهداتهم، خاصة تلك الأحداث التي شاركوا فيها شخصياً أو كانوا شهود عيان لها».

عايد الفروخ: «حاربت في القدس»
ولعل جولات القرى، كانت تلامس هذين المضمارين، في توثيق لتلك الروايات الشفوية التي يؤشر بعضها الى التراث الشفوي، ويحاكي البعض الآخر تاريخ حياة الناس فيها.
وربما يكون من المفيد تقديم نماذج عملية، تعاملنا معها، أثناء الجولات في القرى، لتكون حاضرة أثناء هذا الحديث عن التاريخ الشفوي، وأول تلك النماذج هو ما كان من مقابلة قبل ثماني سنوات، مع المعمر عايد الفروخ، في قرية سبع اصير، التابعة لمحافظة المفرق، وكان عمره آنذاك مئة وعشر سنوات، تقريبا، فقد كان يبلغ خمسة عشر عاما حين كانت الثورة الوهابية على أشدها في جزيرة العرب،وهو يتذكر هذا الحدث عندما قال ان زوج أمه قرر ان يذهب إلى الغزو في تلك المناطق معتقدا ان هناك حالة فوضى، ومنعه من ان يرافقه، فبقي حتى الآن معمرا وقتل زوج امه آنذاك على أيدي الوهابيين.
كان هذا بعض حديث «عايد الفروخ» الذي كان يوضحه لنا احد أحفاده الذي قال لنا أن جده تزوج أربع نساء رزق منهن بثلاثة أولاد وتسع بنات..قال انه حارب في القدس عام 1948 مع المجاهدين في باب الواد، واستذكر ان قرية سبع صير كانت فارغة قبل ان يسكنها السردية في ثلاثينيات القرن الماضي بعد مطالبات شيخهم سعود في تلك الحقبة من الزمن.
وهو يتذكر مثل الحلم الدولة العثمانية في نهاياتها، وكيف أن الجيش التركي المنهزم كان يمر من القرية، وكانوا يعانون من التعب والعطش، فكان الشباب يحاولون أن يسلبوهم بالمقاليع، وما كانت لديهم أسلحة فكان أفراد ذلك الجيش يولون هاربين وهم في القرية منتشين بابتعاد شبح الجندرمه (الجنود الأتراك) عنهم.

«كُنت في السجن الفرنسي»
ويضيف المعمر عايد الفروخ بأنهم كانوا بعد ذلك قريبين من الفرنسيين الذين احتلوا سوريا، وكانت البادية مفتوحة على تلك الأراضي التي يقول انه كان ذات يوم فيها يبحث عن ابل له، ففاجأه اثنان من الفرنسيين على خيولهم وبدأوا يطلقون النار عليه وكان معه بندقيته فأطلق عليهم وأصاب حصان احدهم الذي سقط على الجندي ومات هو والفرس. ثم امسك به الفرنسيون وبعثوه إلى الشام التي أمضى في سجونها تسعة أشهر ولم يخرج منها إلا بأعجوبة تمثلت في تدخل المحامي السوري «فايز بيك الغصين» الذي كانت له قصة مع قبيلة السردية. 
وكان هو يتحمل قضايا الموقوفين فتعجب من وجود بدوي في السجون السورية وحين علم بقصته قال أن السردية كانوا هم من يؤمنون له مسيرته من الشام باتجاه الشريف حسين في ذهابه وإيابه إلى الحجاز والأردن في تخطيطهم للخلاص من الأتراك، فلهم عليه دين قديم هؤلاء المخلصون من قبيلة السردية، وهذا الدفاع عنه كان جزءا من سداد ذلك الدين فقال له قبل أن يحولوه إلى المحكمة بأن المشكلة بالنسبة له هي في حمل السلاح أكثر من قتل الجندي الفرنسي، لأنه في هذه الحالة يعتبر كسّارا أي قاطع طريق، وأوصاه أن يقول أمام القاضي أن لديه بيتا كبيرا وزوجات وأموالا ولديه مئة ناقة وثلاثمئة رأس غنم وفرس، ولا بد له من أن يحمل سلاحا ليحمي رزقه وعرضه وسط هذه الصحراء، وحين ذهب إلى المحكمة اتبع وصية المحامي وعاد إلى مضارب القبيلة!! 

الحاج حمد المواجدة: شاهد عيان!!
الشهادة الشفوية الثانية هي حول مذبحة وقعت في قرية العراق في الكرك، أيام نهايات العهد العثماني، حيث أن من يزور القرية القديمة في العراق، فإنه سيرى الجماجم والعظام في تلك المغائر المنتشرة هناك،وسيعرف أكثر،على أرض الواقع،حجم الشهداء في قرية العراق،ويتلمس مقدار المذبحة الجماعية التي مورست على أهل القرية ابان نهاية الحكم التركي في البلاد. 
 هذه الشهادة زودنا بها الباحث الأستاذ خالد المواجدة، والتي كان قد سجلها عام 1981م، للحاج حمد بن سليمان بن موسى المواجدة وهو أحد المسنين من مواليد عام 1898،وقد حج 27مرة الأولى عام 1934م، وكان امير ركب حاج الكرك عام 1938م،وقد عاصر تلك المجزرة التي ارتكبت بحق أهالي قرية العراق عام 1911م، وكان عمره آنذاك 12 سنة.
يذكر الحاج حمد في شهادته أنه عندما اندلعت ثورة الكرك عام 1910م قام سكان القرية بالهجوم على السراي التركي، وقتلوا (65)جنديا، وقتل من السكان(12)شخصا، وكان مع الجنود مترجم عربي اعتقه السكان وما زال من ذريته من يسكنون الكرك حتى الآن.

مجزرة العراق!!
بعد هية الكرك في صباح 16/1/1911 هاجمت كتيبتان من القوات العثمانية بقيادة البيكباشي وحيد بيك ناحية العراق، فاعتقلت 84 شخصا من أبناء قرية العراق، وارتكبت بحقهم مجزرة تقشعر لها الأبدان، يروي بعض تفاصيلها الحج حمد قائلا: (في مصباح شين، برد، الدنيا محلته (باردة جدا)، وهالعالم، اللي بعده في بيته، واللي عند حلاله بعده ما نشر، وان الدنيا مطوّقة، يوم طلت الناس وان الجيش مطوقها من شرق ومن شمال ومن جنوب ومن غرب، وهم جايين (يقصد القوات التركية) ويلقطوا (يلقوا القبض) واحد اسمه حمد من الطبور، ويربطوه ويطبوا فيه في الخيزرانات (ضربوه ضرباً مبرحاً) قام مشى قدامهم وهوه مكتف (مكتوف اليدين) وهم يضربوا فيه، والجيش بزمّر وبطبل، بسمّوا جية الجيش علينا العُرضي، وهم بصيحوا أمان أمان، بسوّي ألف (يقصد ان عدد القوات التركية حوالي الألف جندي)، ما عاد الناس انها قدرت تشرد، المهم اللي صار صار، وصلونا من جميع الجهات، طوقونا ويلموا الرجاحيل (القوا القبض على الرجال) ويحطوهم في مضافة أبو الحج خليل ابن موسى (يقصد موسى بن عيسى المواجدة).
ايامها كان عنا خيل ما لها مثيل في الكرك كلها، وكان فيه خير كثير عند الناس ويقوموا (الاتراك) ويلموا الخيل والحلال كله، ويفوتوا على البيوت، ويلموا السمن واللبن والقمح والطحين، ويطلّعوا الفراش والبسط من البيوت، ويحرقوا كل اشي ما خلوا شي.
أيوه، يومها انا قطعة وواعي (يقصد صبياً) لما جمعونا في دار موسى، محمد حطني في حجره (يعني شقيقه محمد حضنه) قام الجيش وكتف الزلم كل اثنين خلف اخلاف (يقصد انه تم تقييد كل رجلين مع بعض ووجوهم الى الخارج) وجا وحيد سود الله وجهه(يقصد البيكباشي وحيد بيك قائد الحملة على بلدة العراق)، وشّوه، زلمة متبغل احمر ما بفوت من الباب، ويقوم يرطن (يتحدث باللغة التركية) وما ناس فاهم اشي، اما كان بزبّد وعيونه بتقدح قدح.
وهم بربطوا فينا وصلوا عند اخوي محمد، قام واحد بترجم سأل محمد عني ويش بقرب له، قال هذا اخوي الزغير، قام واحد منهم لحد الحين لا يمكن انسى خلقته،انحيف، ما تقول انه منهم، قام مسك ايدي وضربني وطلعني برا، وانا اشرد على امي الله يرحمها.
جوا (في داخل المضافة) هي الموجودين فيها بسوي (حوالي) 80 رجلا مربطين، (مقيدين) وما ظل ناس غير النسوان كل حملت اعيالها وغرّبت (هربت بأبنائها)، وما نفذ من الزلم غير صربة قليلة (مجموعة صغيرة).
قاموا يسوقوا كل زلمتين من مضافة الحج موسى للسرايا، وهناك يفوتوا الزلمتين على العسكر ويتقابلوا عليهم في السنج(مفردها سنجة وهي حربة طويلة تركب في مقدمة البندقية ) تبعت البواريد، لما ما ظل منهم اللي يخبر.
يوم طلعوا لعنة الله عليهم (يقصد الاتراك) ويلاقيهم مرة بتصيح (تبكي) مدوا فيها وانهم ذابحينها (اطلقوا عليها النار). وقامت الناس تلم الميتين ويدفنوهم في مغارة السّد مع بعضهم.
ما ظل عتالي المواجدة ناس غير مسلّم وصربة زلم قليلين، اكثر المواجدة اللي انذبحوا من الهوارين واعيال احمد، وظلت هالناس تنوح وتجوح شهور، وقام المواجدة اللي ظلوا صاروا عيلة واحدة ومراح واحد (يقصد بذلك التضامن وتضميد الجراح)، وفيه أكمّن واحد من المواجدة اللي اتجوز مرت اخوه او مرت ابن عمه من اللي انذبحوا ودهم يربوا اعيالهم.
المهم مات من المواجدة لحالهم فوق الثمانين لحية وشارب (كناية عن شباب لم يتزوجوا بعد، ورجال متزوجون) وحافظ اساميهم كلهم، سجل عندك)،ويذكر في السجل ثمانين شهيدا من عائلة المواجدة ومعهم أيضا يذكر حمد بن سالم المرابحة ولافي بن شحاده الحرازنه وغريب الخطباء وسعيد الدرارجه الخرشه وخضرا بنت حريثان.



[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالإثنين 05 أغسطس 2013, 1:42 am




 
[rtl]التاريخ الشفوي.. سرد الحياة (2)[/rtl]



التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Cbfdf7f5c0319d382e6b454d02095b79



[rtl]
ما زال البوح يدور في فلك ذاكرة الناس، وصدور الطيبين من كبار تلك القرى التي تمسك على جمر تاريخها، وأمكنتها، وتفاصيل المخبوء فيها. هنا ستكون محاولة اضافة معلومة جديدة لما هو مكتوب من وثائق، على أساس الاضافة أو التأكيد أو النفي لما هو مدون في الوثائق الرسمية، حيث يقول في هذا المضمار المؤرخ الشفوي الأمريكي هينينج أنه «عندما تختلف الروايات الشفوية مع المصادر المكتوبة فإن الروايات الشفوية تصحح المكتوبة، أما العكس فهو نادر الحدوث». وجمع هذه الروايات الشفوية عمل مهم لأنه يحفظ خبرات وتجارب كانت ستنسى أو تتحول الى خرافات بفعل تناقلها مشافهة من شخص الى آخر، ومن جيل الى آخر.

«أيام البلاد».. و»أيام وحدة الضفتين»
أفتح في هذه الإطلالة جانب من ذاكرة تتعلق بنموذج من القرية المخيم في الأردن، وهذا الموضوع له حكاية تروى، وربما كان لقراءتي لما كتبه الدكتور عادل يحيى في كتابه (قصة مخيم الجلزون/ تاريخ شفوي)، أثر في طرحي لهذا الأنموذج حول ضرورة كشف التاريخ الشفوي للقرى التي لامست ذاكرة المخيم فيها، ففي الكتاب يقول الدكتور عادل يحيى حول مخيمات اللاجئين تحت الحكم الأردني، في الضفة الغربية، أيام البلاد، وأيام وحدة الضفتين، بأن الحياة فيها «كانت مستقرة نوعا ما، بالمقارنة مع السنوات الأولى للهجرة، وما أعقب الحكم الأردني للضفة الغربية من احتلال وقمع اسرائيلي». ويورد هنا عدة شهادات شفوية حيث تقول السيدة فاطمة اشنين: «على زمن الأردن بقى الوضع احسن من هيك، أحسن من اليوم، بقى هادي بالنا، لا فيه انفاضة، ولا في يهود. بقينا يعني عاديين نتفة، مش زي اليوم، اعتقالات ومحاسيم على الطرق». وتقول فخرية الرياحي: «زمن الأردن زمن الأردن بقت منيحة، والله بقت منيحة. والله احنا ما صار فينا هيك غير من يوم الاحتلال من اليهود وبس». وتقول فتحية الرمحي تلخيصا لحال الناس في المخيم في هذه الفترة: «والله على أيام الأردن كانوا الناس عايشين، يعني يسرحوا هالناس ويروحوا. يعني مش تقول إنه عالبسط، كانوا الناس اللي عنده ولد متعلم، يسافر على الكويت، يسافر على السعودية، عايش عيشه منيحة، واللي ما فش عنده اولاد صغار، والله بقت حالتهم انها تقرف. فش يعني تقول هالمعاشات. الاردن ما كانت تعطي معاشات».
ومخيم الجلزون الذي تدور هذه الدراسة حول التاريخ الشفوي فيه، انشىء عام 1949م، على قطعة أرض جبلية تبلغ مساحتها حوالي 240 دونما، وترتفع 760 مترا عن سطح البحر، ويقع في وسط الضفة الغربية، وعلى مسافة 7كم الشمال من مدينة رام الله.

القرى/المخيمات
اذن قصة مخيم الجلزون، كانت مفتتح التفكير في كتابة جانب من قصص المخيمات التي كونت بعض قرىالأردن، أو أنها قامت بجوار بعض تلك القرى، فصارت تشكل جانبا من تاريخها، وذاكرتها الشفوية، وهنا نشير الى مخيمات البقعة والوحدات والحسين والطالبية والزرقاء وحطين وإربد والحصن وغزة وسوف. وقد كان هناك مرور في «بوح القرى» على بعض القرى المحاذية للمخيمات، وتم توثيق جانب من التاريخ الشفوي للمخيم، في سياق التأسيس، والقرب من تلك القرى، والعلاقة التبادلية بينهما، وهنا يمكن تحديد كل من قرى سوف المجاورة لمخيم سوف، وقرية أبو نصير المجاورة لمخيم البقعة، وقرية الجيزة الواقع فيها مخيم الطالبية، وكذلك السخنة في الزرقاء، وقرية الرصيفة التي تضم مخيم حطين.

الكرامة.. بدايات التكوين
 ولكن هناك قرية بأكملها تم توثيق تاريخها الشفوي وتأسست بجوار نهر الأردن، كمخيم في البداية، لكنها تشكلت، واستقرت قرية مكتملة مع مرور الزمن، وفيها قصة تروى، وتاريخ شفوي تم جمع جانب منه خلال زيارة «بوح القرى»، اليها، وهي قرية الكرامة، التي كان العنوان الدال عليها هو «الكرامة..بنيت وهدمت مرتان»..وقد كان الاسم الأقدم للقرية هو «الآبار»، كما أن هذه المنطقة كانت أراض أميرية في تلك الفترة، واستقر فيها القادمون إليها، وبنوا خيامهم فيها.كان هذا إثر تداعيات حرب عام 1948م، عندما جاء مُهَجَّرو النكبة، واستقبلهم الشعب الأردني، فاستقر بعضهم في منطقة الآبار، وبدأت مسيرة القرية، والبناء فيها، وإعطاءها اسما جديدا.وهنا يمكن الدخول الى التاريخ الشفوي للمكان، وأحوال الزمان، وعما كان في تلك الفترة، وتغيرات الاسم والمكان، المختار محيسن «محمد حسين محيسن»، أبو بدر، مختار التعامرة في لواء الشونة، حيث يبدأ قائلا بأنه» سميت الكرامة بهذا الاسم في هذاك الوقت نسبة إلى مكرمة الملك عبد الله الأول، وتكرمه بهذه المنطقة على أبناء النكبة في الثمانية وأربعين، فسميت بالكرامة نسبة إلى هذه المكرمة».

مطاردة العقارب
للبدايات قصة تروى..
إذ أنه عندما استقر المُهَجّرون قسريا في الكرامة، عام 1948م، وكان اسمها الآبار، تم إيجاد مقومات السكن، والخدمات، والعناية الأمنية، من قبل الحكومة، لكن الخدمات الأخرى، للمنكوبين، قامت وكالة الغوث بتقديمها لهم ويروي كبار القرية، عن صعوبات تلك البداية، في أن هذه المنطقة كانت موبوءة، وتكثر فيها الحشرات، والقوارص، والحيوانات المفترسة، بحيث أنه كان الضبع يغير على الأغنام في النهار، ويأخذ منها، من كثرة ما كانت المنطقة موحشة، كما أنه كانت تكثر فيها العقارب، حتى أن وكالة الغوث للاجئين اتخذت إجراء لمكافحة العقارب حيث كانوا يقومون بإعطاء مبلغ خمسة فلسات إلى كل من يحضر لهم عشرين عقربا، أي بواقع فلس عن كل أربعة عقارب، وبالفعل بدأت المكافحة بهذه الصورة، وبدأت تقل العقارب، فصارت الوكالة تعطي قرشا عن كل عشرين عقرب، وبعد فترة صار كل عشر عقارب بقرش، لأنه قلّ عددها، وأصبحت نادرة في المنطقة من كثرة ملاحقتها، ومقاومتها.


سوق.. وسينما
بعد هذا الاستقرار، توسعت الكرامة، وصارت مركزا تجاريا مهما، حتى أنها أصبحت بمثابة سوق للضفتين، وبلغ عدد سكانها حوالي الثمانين ألفا، ويصف كبار القرية حالها في تلك الفترة، بأنها « كانوا يجوها من الضفة الغربية، ومن السلط، ويقظّوا مصالحهم فيها، وبعد هيك يروحوا، وكانت مساحتها تصل حتى ستة كيلومتر باتجاه الشمال، وتصل حتى مشروع المحاسره هناك، وكانت الكرامة مشهورة، وأقوى من المدن القريبة كمركز تجاري، وفيها مدارس ثانوية، وأساسية، وكان فيها دار سينما، ومركز صحي لوكالة الغوث، وأربع مدارس للوكالة كمان، وفيها سوق خضرة مثل سوق عمان للاستيراد والتصدير.. هذا الحكي ظل حتى معركة الكرامة».

التدمير.. وإعادة البناء
وقرية الكرامة تقع في الغور إلى الشمال من الشونة الجنوبية، على طريق الغور الذي يربط الشمال بالجنوب، وتتبع إداريا إلى لواء الشونة الجنوبية، من محافظة البلقاء، وتقع من ضمن بلدية الشونة الوسطى، وترتبط في ذاكرة الوطن بمعركة الكرامة في 21 آذار 1968م، التي جسد بطولة الجيش الأردني، والتلاحم مع مقاتلي المقاومة الفلسطينية، ليسفر هذا عن انهزام الجيش الاسرائيلي، وتفسخ اسطورته.
بعد معركة الكرامة، كانت القرية مدمرة بالكامل، حيث أن العدو الصهيوني، قصف وضرب كل معالمها، وبيوتها، فكان هذا هو التدمير الأول لها بعد أن بنيت بأيدي المُهَجّرين، وكان في أثناء فترة ما قبل المعركة، وخلالها، وما بعدها، نوع من الهجرة من الكرامة إلى أماكن أخرى داخل الأردن، مثل مخيم البقعة والوحدات وغيرها، ولكن بقي فيها بعض من سكانها، وكان الشعب شبه معدم، وكل ما حوله دمار، فصار العمل على إعادة بناء قرية الكرامة، فيما يمكن أن نسميه البناء الثاني بعد بنائها الأول عام 1948م.

أوراق اللوثري
يقول المختار محيسن»محمد حسين محيسن»، أبو بدر، أنه «بعد ما توقفت المعركة، ونظرا للخراب الذي حل بالقرية، كان هناك نية من الحكومة لنقل ما تبقى من السكان إلى منطقة «وادي الحصينيات»، على بعد سبعة كيلو مترات جنوب الكرامة، ولكن أهل القرية رفضوا هذا الاقتراح، وظلوا ثابتين، وبناءا على رغبتهم هذه ثبتتهم الحكومة في الكرامة، وبدأت خطة إعمار القرية مرة أخرى».
عدة عوامل ساعدت في إعمار الكرامة بعد المعركة، يمكن المرور عليها، لتشكل حكاية القرية الجديدة، والتي يتحدث أهلها أنها هدمت مرة أخرى(المرة الثانية) على يد سلطة وادي الأردن، ليتم إعمارها كاملا وبشكل منظم، ولكن بالتزامن مع جهود الحكومة، وتكوين هذه السلطة في السبعينات، وعلى اثر ذلك استلمت أراضي الغور للتنظيم، ونظمت وحدات سكنية، وشوارع، وكهرباء، وماء، وساهمت، أيضا، مع السلطة في الإعمار، وكالة الغوث للاجئين.
ولكن هناك جانب آخر ما زال أهل القرية يتذكرونه، وينسبون اليه بعضا من تاريخها، تحت مسمى»أيام اللوثري»، والذي يشيرون إلى بعض تفاصيله كبار القرية قائلين، أنه « بعد الدمار اللي صار، جمع رئيس الوزراء في تلك الفترة مجموعة من المستثمرين، ورؤوس الأموال في الأردن، وطلب منهم ان يتبرعوا لإعمار الكرامة، وبالفعل صار في تبرعات منهم، واحد اتبرع بمية(100) طن اسمنت، وثاني بميتين(200) طن حديد، وثالث اتبرع بكمية ثانيه، لكن طلع من بين الموجودين واحد اسمه اللوثري، وهو مستثمر كبير، وقال أنا بتبرع بالحديد والإسمنت لأي واحد بده يبني ويعيد بناء بيته، وبالفعل صار اللي بده يصلح بيته ويبنيه يروح للوثري وياخذ منه ورقة، وياخذ حديد واسمنت.
وهذه الأوراق اللي اخذوها من اللوثري على أيامه، لما اجت بعد هيك سلطة وادي الأردن، وصارت تنظم وحدات سكنية مساحتها(12*24)، اعتمدت أوراق اللوثري، وملّكتهم في الأرض بناءا على هذه الأوراق».

صار البناء..
واستلمت سلطة وادي الأردن المنطقة، ووزعت المساكن، وكانت هناك تسهيلات لتثبيت المواطنين، وكان في الكرامة جزء من أهلها الأصليين، وجاء اليهم آخرون من أماكن أخرى في الأردن، ليعاد التشكيل الديمغرافي لها بعد ذلك، ولتصبح بداية ما هي عليه الآن.

[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالإثنين 05 أغسطس 2013, 1:43 am




 
[rtl]التاريخ الشفوي.. سرد الحياة (3)[/rtl]



التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Cc08001b6b473a15004295bbe286e8f1



[rtl]
 - نكمل ما بدأناه حول التاريخ الشفوي، وتجربة «بوح القرى» في هذا المضمار، حيث كانت لقاءات كثيرة من كبار ورواة من تلك القرى التي مررنا بها خلال السنوات الماضية، وقد مات بعض هؤلاء الرواة، وكان ما دوناه من ذاكرتهم هو نزر قليل من التاريخ الشفوي الذي يحفظون، وأثناء وقبل وقت قليل من كتابتي لهذه الإطلالة على التاريخ الشفوي، أخبرني الصديق الدكتور اسماعيل القيام عن وفاة أحد الرواة الذين التقيتهم في كتابتي عن قرى: النبي هود والرشايدة والرياشي.. قال لي: مات المختار أبو فخري. فترحمت عليه، وبدأنا استعادة تلك الجلسة التي كانت معه قبل حوالي ثلاث سنوات في قرية الرياشي (بجانب قرية النبي هود جنوب شرق جرش، وعلى مسافة 45كم شمال عمان).

رحيل الراوي
آنذاك كان اللقاء مع المختار عبد السلام محمد منيزل القيام (أبو فخري)، للحديث عن ذاكرة الحياة في قريته والقرى المجاورة، وكان حافظا لكثير من تاريخها، وكانت قصة سردها حول تسمية القرية بالرياشي، نقلتها كما رواها، فكانت محفزا لغيره ممن يحفظ سيرة التسمية وامتداداتها الاجتماعية في أماكن أخرى ليرسل لنا شهادة مكتوبة عززت ما دوناه من شهادة شفوية للمرحوم المختار أبو فخري، وهذه مناسبة لاستذكار الراوي الذي رحل، والقصة التي دوناها، قبل أن تغيب برحيله، اضافة الى ما كان من إضافة عليها من مصادر أخرى.

الرياشي.. حديث المختار
كنا نحفر في السياق الاجتماعي الأقدم، والذي ارتبط به اسم قرية الرياشي، حيث هو يقترن بعشيرة معروفة بهذا الاسم، أشار اليها المختار عبد السلام القيام، وتقيم في أكثر من دولة عربية، في مصر وفلسطين والأردن والحجاز، ويرجع نسبهم الى الشريف عطية الرياشي، ولقبه عطية القناص، الذي اشتهر بالصيد، وسمي بالرياش لأنه كان يصنع الريش في مؤخرة سهامه للتأكيد على اصابته سهم الصيد، وتميزه عن سهام الآخرين. وفي العقل الجمعي للريف الأردني هناك رواية شعبية تقال حول الرياشي، والتي سردها المرحوم عبد السلام القيام على النحو التالي: «سكن شيخ اسمه الرياشي على الخربة في هذه المنطقة، على راس الميه، وخلّف هذا الشيخ 12 ولد، وقام لما كبروا جوّزهم كلهم بليلة واحدة. وبسبب أن المنطقة خالية، وما فيها أمان، قام الشيخ الرياشي يحرسهم في هذيك الليلة، ومن حرصه كان كل ما يشوف أي حدا يقتله. والأولاد كانوا يطلعوا من البيوت واحد واحد، وهو كان بعفويته، وبحرصه الزايد، يطلق النار على اللي يشوفه، واللي يطلع يقتله، وهو يفكر انه عدو، أو واحد من قطاعين الطرق، وظل هيك للصبح، ولما فَجْ الظَوْ، وإلا إنّه قاتلهم كلهم، وما بقي إلا أم الأولاد، ونسوانهم الجداد، بليلة دخلتهن، فحس بالمصيبة اللي صارت، ومن زعله وحزنه، عض على إصبعه، حتى قطعه، وهرب عنهم، فَلْ وفَظْ عن المنطقة، وسرح بعيد عنهم. وبعد سنين طوال حن لأهله، فرجع، ولقي الختياره انعمت من كثر الحزن، والغم. ولما دخل على المنطقة اللي كان ساكن فيها، وبيها أهله، لقي وانه نسوان اولاده اللي قتلهم، كانن حملن منهم بهذيك الليلة، وصار الهن اولاد، وطلعوا اولاد نشامى، وناجحين بحياتهم.. فقال بدي امتحنهم، واذا كانوا اولاد اولادي، فيوم اجاهم لقيهم متعطلين عن الحراث، وطلع عالبقر وانهن محلهن، والشرعات رايحات، فقالوا الاولاد والله ما نتعطل، وقاموا وجابو ثور، وصلخوه، ودبروا حالهم، واستغلوا جلده، وكملوا حراثهم.. فاطمن الرياشي، وراح عالدار، وكانت ربابته معلقه، فاتناولها، وبدا يقصد، وهم حواليه : «يقول الرياشي.. والرياشي هيثم.. «.. واكمل القصيدة، فسمعته الختيارة، وهي عمياء، ولكنها عرفت من لحن الربابة انه اصبعه مقطوع، فكانت ودها تتأكد منه، فقالت الحق اصبعك، وانشالله اصبعك مقطوع، فلما سمعها عدّل وضع اصبعه على الربابة.. فقالت لاحفادها: يا اولاد هذا جدكم».

رواية أخرى، لتكتمل الذاكرة
كانت تلك هي القصة الشعبية برواية المرحوم المختار أبو فخري، لكن الطريف في الموضوع، ذاك الاتصال الذي وردني بعد نشر مادة بوح القرى الخاصة بقرية الرياشي، وكان هذا الاتصال من قبل المهندس محمد حسن ابو رياش، والذي أضاف على ما أورده المختار تفاصيل مهمة في قصة الرياشي، لكونه جد عشيرته (أبو رياش)، ولدقة التفاصيل نشرت كتتمة لما كتب حول قرية الرياشي ليكتمل سرد التاريخ الشفوي، برواية شفوية أخرى، مدعمة بوثائق أيضا هذه المرة، حيث روى المهندس محمد أبو الرياش القصة على النحو التالي:»أما قصة الرياشي الجد، الذي يتغنى بها أحفاده، والقاصي، والداني، فهي أنه كان يسكن قصره في الهيدان، المعروف بقصر الرياشي، مع زوجته، وأولاده السبعة الذين أردا أن يزوجهم في يوم واحد كي يبقى لهذا اليوم ذكره وجدّته على مر الأيام، وما درى فعلا بأنه سيكون لهذا اليوم شأن يدون في التاريخ، إذ أنه وبعد القيام يتزويجهم أمرهم بالسعي في مناكب الأرض طلبا للرزق وسعيا للكسب فامتثل الأبناء لرغبة أبيهم، وحزموا أمرهم، وساحوا في أرض الله الواسعة، ويقال بأن ذلك كان قبل حوالي سبعمائة سنة.
وفي أحدى ليالي الشتاء الماطرة، والمدلهمة الظلمة، والشديدة الرياح، تناهى الى سمع الرياشي أصوات سنابك الخيل، والصهيل القادم من بعيد، فحسبها غزوة واجتياح لبيته، فما كان منه إلا أن اسرع الى كنانته، وانتزعها، واعتلى ظهر قصره، وأخذ يرمي القادمين بوابل سهامه، وقد كان راميا جيدا، وقناصا ماهرا، كما أن الطريق الى قصره كانت وعرة وشائكة ولا يستطيع أحد عبورها إلا بشق الأنفس. وبعد أن انجلى الصبح، أراد الرياشي أن يطمئن على ما حصدته يداه، فإذا به يصبح مشدوها من هول المفاجأة، فقد رأى أبناءه السبعة مضرجين بدمائهم، فقد كانوا هم خيّالة الليل الذين قتلهم بسهامه. ولكن الرياشي كان مضاء عجيب، وذو عزم أكيد، فرجع الى زوجته رابط الجأش، هادىء، مشبع بالسكينة، وأمرها أن تذهب وتأتي له بقدر لم يطبخ فيه طعام عزاء، فامتثلت الزوجة لأمره، وشرعت تسأل عن قدر لم يطبخ فيه طعام عزاء، ولكنها بعد كلل، وجهد، وسؤال في أكثر من مكان، لم تظفر بمرادها، وعادت خائبة الى زوجها الذي يعلم يقينا بأنها لن تجد ذلك القدر أبدا. وقالت له عند عودتها: العذر منك، والرحمة، فأنا لم أهتد الى هذا القدر، ولعلني لن أهتد اليه أبدا، فبادرها بالسؤال: هل يعني ذلك أن الناس كلهم قد فقدوا أحبة لهم، وأعزاء عليهم؟ قالت: نعم.. كلهم، مات لهم أحبة عليهم. عندها قدم الرياشي لزوجته عزاءه في أبنائها السبعة قائلا: فلتحتسبي عند الله أبناءك، ولعله يعوضك خيرا منهم، فصرخت صرخة مدوية، وسقطت مغشيا عليها. وعندما أفاقت كان الرياشي قد حزم أمره على الرحيل، هائما على وجهه، بعد الذي صنعته يداه، ولكنه قبل أن يخرج، قال لزوجته، بعد أن أفاقت من غيبوبتها: إني عزمت النية على السفر في رحلة لا يعلم إلا الله مداها، فكوني لهذا البيت عماده، وكوني ربته الحانية، أما زوجات أبناءك فسرحيهن الى أهلهن، وأي واحدة تلتفت وراءها عند ذاك الوادي أرجعيها. ورغم حزنها امتثلت لأمره، لأنه مكلوم مفجوع بما اقترفت يداه. وما ان غاب شخصه عن ناظريها وابتلعته الآفاق، حتى أمرت زوجات أبنائها بأن تلحق كل واحدة منهن بأهلها، فرجت النساء الحزينات، والهم والغم يملأ قلوبهن، ولكن ما ان وصلن حافة الوادي حتى التفتن جميعهن خلفهن. وما ان رأت زوجة الرياشي حركتهن هذه، حتى أِشارت اليهن بالعودة، قائلة: عدن أيتها الحبيبات، عدن لتسرين عني وحدتي، وتخففن من فجيعتي، وهول مصيبتي، فأنت من بقي لي في هذه الحياة. وعلمت بعد فترة بأن زوجات أولادها كلهن حوامل، وأخذت تنتظر أبناء أبنائها، وحيدة مع زوجاتهم الأرامل.
أما الرياشي، فقد اجتاز السهول والجبال، وبقي هائما على وجهه، حتى وصل الساحل الفلسطيني، حيث غزة هاشم، وبقي هناك فترة من الزمان يعالج آلامه بالوحدة، ويضمد جروحه بالعزلة فترة من الزمن، حتى تعافى ونهض من ركوده، ثم انخرط بالحياة، وتعامل مع الناس، حيث رأى فيه أهل غزة شيم الأشراف، وشمائلهم، فزوجوه إحدى بناتهم، بعد أن عرفهم بنفسه، وانجبت له زوجته الغزيّة ثلاثة أبناء، استقر أحدهم فيما بعد في شمال سيناء، وأما ثانيهم فقد هاجر الى مصر وله ذرية هناك، وأما الثالث فقد استقر في شمال ليبيا وما زالت سلالته معروفة في تلك الأراضي.

القصيدة
ولكن الرياشي الذي واصل مسيرته مع الحياة، والناس، في غزة، بقي محافظا على هوايته في الصيد والرمي، وكان يمارسها في براري غزة، والسبع، وفي واحدة من رحلات الصيد التي يقوم بها، وجد طائرا يئن جريحا مغروسا في صدره سهم، وكم كانت مفاجأته عندما استحضر في هذه اللحظة ذكريات قتله لأبنائه، ودقق أكثر في الطائر الجريح، فإذا بريش في مؤخرة السهم المغروس، وهذه الطريقة في صنع السهام لا يتقنها، إلا هو. تداعت الذكريات لدى الرياشي عندما رأى سهمه قد أدمى الطير، وأسقطه أرضا، كأنه يرى أبناءه وهو يصطادهم واحدا واحدا..في تلك اللحظة، هبت عليه رياح الحنين لأهله، والشوق لزوجته الأولى، والتوق لدياره التي ارتحل عنها، فأخذ ينشد بعد أن عالج الطائر الجريح:
«يقول الرياشي، والرياشي هيثم 
حيطان قلبي هدد البين سورها
ضانا منازلنا، وضانا ديارنا 
غدينا، ولا خش الوخم في قصورها
يا مسكني بين سد وهضبة 
يحرم على السرايا عبورها
قناصنا يقنص في يومه وينثني 
ويجيب من طيب الصيد هبورها
ما ينشل الدلو الكبير اذا ما امتلا 
الا الصبايا المدمجات خصورها
سألتك بالله يا دار وين راحوا أهلك 
هم اللي كانوا حماها وسورها 
ردت علي الدار واثنت تقول لي هذولاك 
من تالي الليل حملوا حمل المطايا صدروها
قال الا بطير اخضر مغرب على بلاد يزورها
قلت وانا علامي عن بلادي ما زورها»
وبعد أن قال قصيدته، حزم أمره مرة ثانية، وقرر العودة الى دياره بعد أن اطمأن على زوجته الثانية، وأبناءه، عند خؤولتهم في غزة هاشم.

جرّ الرباب
عاد الرياشي، ولكنه وعند اقترابه من موقع قصره الشائك الطريق، وجد فتيانا يحرثون، فصرخ بأحدهم ناهيا، محذرا اياه من وعورة المكان، وبأن تحته صخورا صلبة جدا ستكسر المحراث. لم يأبه الفتى بما قال الرياشي، وشرع في الحراثة، وبعد هنيهة تكسر المحراث، فهرع الفتى الى الشيخ الرياشي معتذرا عما بدر منه من سوء أدب، وعدم أخذه بالنصيحة، وأبى إلا أن يكون ضيفه، فأذعن الرياشي لرغبة مضيفه الفتى، ولكن ما ان حطت قدماه على عتبة القصر حتى انتابه هاجس بأن قصره قد احتل، وسكنه غرباء، وهذا الفتى هو واحد منهم، غير أن تلك الهواجس زالت عندما رأى زوجته مكومة في إحدى زوايا القصر، وقد ابيضت عيناها، ولكن ذهنها كان حاضرا، حيث أنها ما ان احست بوقع الأقدام الآتية حتى نادت: من هناك؟ فأجابها الفتى بأنه قد حلّ عليهم ضيف. فرحبت قائلة: حيا الله بالضيف، وبالساعة التي يأتي به الضيف.. ويا هلا بضيف الرحمان.
ولما استقر المقام بالرياشي في القصر، وجد ربابته معلقة في مكانها على الجدار، فقد كان شاعرا ذا صوت شجي رخيم، فحنت أنامله لمداعبة أوتار ربابته، كما أنه أراد كذلك أن يشعر زوجته الثاكل بأنه زوجها الآيب بعد طول غياب، فطلب منها أن (يجرّ)، على الربابة، غير أنها اعتذرت منه قائلة بأن هذه ذكرى زوجها العزيز، ولن يمسها أحد إلا هو. فألح عليها، فقبلت قائلة: لولا أنك ضيف ما سمحت لك بذلك، ولولا أن الله أمر بإكرام الضيف لما قبلت. فأمسك بالربابة، وأخذ (يجرّ) عليها، فوثبت العجوز، وسرى الدم في عروقها، وأحست برائحة زوجها، وبحضور الغائب، لكنها أرادت أن تتأكد من أن هذا العازف على الربابة هو زوجها حقيقة، فطلبت منه قائلة: جر على الخامس يا ضيف الرحمان. فأجابها بأنه مقطوع أيتها المضيفة، فما كان منها إلا أن صرخت بأحفادها قائلة: هذا جدكم يا أولاد».

[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالإثنين 05 أغسطس 2013, 1:46 am




 
[rtl]التاريخ الشفوي.. سرد الحياة (4)[/rtl]



التاريخ الشفوي.. سرد الحياة 6551fa3a936a881eb2658c01afc7aa4f



[rtl]
 - هنا.. ما زلنا نُقلّب صفحات ما كُتب عن التاريخ الشفوي، وعلاقته بالحياة وكتابة التاريخ بشكل عام، متتبعين بعض سيرة من التفت اليه، منذ أقدم العصور.. هنا نورد بأن هوميروس شاعر اليونان العظيم من القرن العاشر قبل الميلاد هو أول مؤرخ شفوي، فهو الذي جمع التراث الشفوي للإغريق، ونظمه في ملاحم أصبحت تنسب اليه، وأشهرها الإلياذة. أما المؤرخ اليوناني هيرودوتوس الملقب «أبو التاريخ» فقد عتمد على الروايات الشفوية اضافة الى مشاهداته الشخصية والقليل من المصادر المكتوبة في كتابة تاريخ عالمي، حيث مثلت تجربته هذه أول محاولة لكتابة تاريخ جدي بطريقة علمية. أما هثيوسيديس فقد كتب تاريخا للحرب البلبونيزية التي عاصرها، بالاعتماد على مشاهداته، وروايات شهود العيان من جنود وغيرهم.
وعلى صعيد العرب المسلمين فإن علم التاريخ نشأ عندهم على هامش علم الدين واعتمد المؤرخون المسلمون الأوائل مناهج علماء الحديث نفسها، وهي: الاسناد، والجرح، والتعديل، التي طورها علماء الحديث أساسا لمعالجة الروايات الشفوية للأحاديث النبوية. وفق هذه التفاصيل يمكن القول بأن «التاريخ الشفوي هو منهج ابتكرته، وقننته شكلا وموضوعا العقلية العربية».

راويان وحكاية
وهنا أيضا.. نستعيد، في هذه المساحة، ما تيسر من إطلالة على جوانب من التاريخ الشفوي الذي تلمسناه في بوح القرى خلال السنوات الماضية، حيث كان مرور على قرية جرف الدراويش في محافظة الطفيلة، وعرج بنا أحد الرواة على قصة الضيغم، وهي حكاية تراثية تعتبر ملحمة يتغنى بها أبناء البادية، وهي محفوظة في صدور الكبار، ولم تدون على هيئة مخطوط، حتى كانت تلك الزيارة، وكان فيها توثيق لجانب من تلك الملحمة، وهذا الديوان، غير أن راو آخر كتب عدة رسائل منبها ايانا بضرورة كتابة الديوان كاملا، وهو حافظ له، فكان أن تم نشر هذا الديوان كاملا في بوح القرى، على لسان الراوي سليم حداد (أبو مازن)، وبعد حوالي عشر حلقات اكتمل ديوان الضيغم، وتم نشره مكتوبا في وزارة الثقافة، وهنا بوح استعاد بعض تفاصيل ديوان الضيغم، من خلال راويين له؛ الأول هو الشيخ ظاهر حمود البنيان الحجايا(أبو خالد)، والذي سرد قصة الضيغم، في سياق حديثه عن جد عشيرة الحجايا، حيث كان يسمى بـ»الحجوي»، أما الثاني فهو سليم حداد (أبو مازن)، الذي علّق على جوانب من رواية الشيخ ظاهر الحجايا، وتحمل عبء ومسؤولية تدوين ديوان الضيغم كاملا، ومن ثمة كان نشره بين دفتي كتاب ليكون متاحا لمن يريد أن يقرأ هذه الملحمة التراثية، وليكون محفوظا في إطار الكلمة المطبوعة، خوف أن يضيع ان بقي ينتقل مشافهة من جيل الى آخر.

عرار وعمير
يقول الشيخ ظاهر الحجايا (أبو خالد): «قصة (الِحْجُوي)، تبدا من شمر، وأصلها يرجع الى اخوين اثنين هما (عمير) و(عرار)، وكانوا هما زعما شمر، في منطقة «بطن عبده»، واجوا عالمنطقة هذي، وسكنوا بيها، من هان لحدود السعودية، وتحاربوا ببعض، وهم اولاد عم، وكان ابو عرار اسمه (شهوان)، وكان بعدوا طيب(عايش)، فقام ونصحهم انهم ما يتحاربوا، قال: (انتم عيال عم، وما لازم تتحاربوا، وتتشتتوا).
 لكنهم تحاربوا عشان (شجرة المِيز)، حيث إن عرار كان فارسا طويلا.. أما ابن عمه عمير فقد كان قصير القامة. والشجرة التي أججت الفتنة، كانت مثمرة وجميع أبناء القبيلة يأكلون منها، ومعهم عرار وعمير، غير أنه بسبب كون عرار هو الأطول قامة بينهم كانت تقع على عاتقه تقطيع الثمار، ورميها لمن حوله، ومن بينهم ابن عمه عمير، وكان عندما يفعل هذا يقول مستفزا اياه:»كلوا يا قصار بعروة الطوال».وكان يقصد بكلامه اللمز من قناة عرار القصير،الذي لم يعجبه هذا التلميح لأنه زعيم مثل ابن عمه، فلما استشاط به الغضب أخذ يقطع الشجرة بسيفه، ويرمي بالثمار التي تسقط الى من حوله، ومن ضمنهم ابن عمه عمير، وهو يقول «كلوا يا طوال بفعل الصغار».غضب عرار كثيرا من فعل عمير، فأقدم على الانتقام من ابن عمه وذلك بأن رمى النار على جُبّة(فروة) عمير، وحرقها.لم يسكت عمير على هذه الفعلة، فكان رده باستخدام النار أيضا، حيث أنه أراد أن يحرق شيئا عزيزا، وقريبا من ابن عمه الذي كانت توجد عنده فرس أصيلة يقال لها «أم عامر».قام عمير بوضع الجمر في «عليقة الفرس»، وألقمها لها،أثناء الليل وبن عمه نائم، وعندما كان الصباح ، التقى الاثنان.قال عرار لعمير: (جُبْتَك محروقة يا ابن العم).رد عليه عمير: (شوف(انظر الى)»أم عامر»،كيف تضحك على الجُبّة). 
ويقصد هنا أنها من أثر الحرق الذي أصاب فمها بانت أسنانها وكأنها تضحك.بعد هذه الحادثة وقعت الحرب بينهما، وكانت الغلبة فيها لعرار الذي أخرج عمير من هذه المنطقة الى «حضر موت»».

ديوان الضيغم
الراوي لديوان الضيغم، (أبو مازن) سليم الياس حداد، يعطي في بداية كتابته لهذه الملحمة التراثية جذور التنافس بين الشيخين، كتهيئة للمتلقي حول طبيعة الشخصيتين، وبدايات التصادم بينهما، حيث يقول في مستهل (ديوان الضيغم): 
«حكم الأتراك البلاد العربية حوالي خمسة قرون ونيف. وأثناء حكمهم هذا كانت تعيش عشيرة كبيرة تسمى العَمُر في هذا البلد الطيب، وتحديدا في محافظة الكرك. وتتألف العشيرة من فرعين أو فخذين، هما الضيغم وشيخ هذا الفرع عرار ابن الضيغم، والراشد وشيخ هذا الفرع عمير بن راشد. وكانت هذه العشيرة بفخذيها؛ الضيغم والراشد، ترحل وتنزل سوية مع بعضهم البعض كعشيرة واحدة، إلا أن الطبيعة الانسانية عمل من شخصية كل من شيخي الفرعين طبائع لكل واحد منهما منافية للآخر، وجعلت كل واحد منهما يغالي في الإيقاع بالآخر ليكون موضعا للهزء أو السخرية، وكان لكل منهما صفة خاصة به تختلف عن الثاني، فبينما نجد أن عرار طويل القامة، شجاع، سريع الغضب، نجد أن عمير مربوع القامة، شجاع، طويل الأناة، غير متسرع، وهو أقرب الى الدهاء منه الى البراءة. 
وحدث أن يوما نزل عمير الى المدينة (الكرك)، واشترى صحنا (منسف) من النَحّاس الذي يجيد صنع هذه الصحون بشكل يرضي أصحابها، خاصة عندما يكون مقتنيها شيخا معروفا. وعندما عاد الشيخ بالصحن، شاهد رجال العشيرة هذا الصحن الضخم الذي اشتراه عمير، فبدأوا يتناقلون عنه بأنه واسع وجميل وحسن الصنعة، مما حدا بعرار، شيخ الضيغم، أن ينزل الى المدينة، ويذهب الى ذات النحّاس الذي صنع صحن عمير، ويسأله بالقول «سمعت ان الشيخ عمير اشترى صحن من عندك»، فيجيبه الصانع بالإيجاب، ويبادر عرار بالقول بأنه يريد صحنا أكبر منه، وأحسن، مهما كلف من ثمن، فيوافق الصانع على ذلك ويعمل صحنا الى عرار أحسن منه وأكبر، ويأخذه عرار الى بيته.
وفي احدى الجلسات يتحدث عرار ويقول؛ سمعت ان الشيخ عمير اشترى صحن جيد وواسع، ولكني اشتريت صحن أكبر منه، وأحسن، فيتناول الجالسون مثل هذا الحديث بالتعليق والهرج الى أن اقترح أحدهم احضار الصحن ليحكموا أيهما الأحسن. وهنا يُسرّ عرار في أذن أحد عبيده أن خذوا الصحن وامسحوه بالسمن، ووهجوه على النار، وامسحوه جيدا، واحضروه ليشاهده الناس. وفعلا ينفذ العبيد الوصية، ويحضروا الصحن، وإذا به يلمع لمعانا يخطف الأبصار، فيلهج الجميع بالإطراء والمديح، والقول بأنهم لم يشاهدوا أحسن منه صحنا أبدا. وهنا يأتي دور عمير الذي يسرّ لعبيده أن املأوا الصحن بالتمر والسمن، وأحضروه للرجال، ليأكلوا، فينفذ العبيد ما قاله عمير. وأحضروا الصحن ملآنا بالتمر والسمن. وهنا يقول عمير للحاضرين؛ (تفضلوا عكيس الله، وكيس ولد عمي عرار). فيأكل الحاضرون، ولا يسعهم إلا القول بأن «الصحن الملآن أحسن من الفارغ». ويكتم عرار غيظه لوقوعه في هذا المطب، ويصمت على مضض، ويتحين الفرص للإيقاع بالشيخ عمير».
يكمل أبو مازن بعد ذلك قائلا:»وفي احد الأيام تهدي عرار أفكاره ليعمل من عمير مهزلة وأضحوكة للرجال، بأن يطلب من عبيده أن يحفروا حفرة عريضة، ويطلب من عمير أن يتجاوزها، والذي لا يستطيع على تجاوزها، يقوم بعمل وليمة للعرب. وكان عرار يتكل على طول قامته، وهو واثق بأنه سيتجاوز الحفرة، بينما عمير سيقع فيها، ويكون عرضة للسخرية. والذي حدث فعلا أن عرار تجاوز الحفرة، بينما عمير لم يتمكن من ذلك، وبادر حسب الشرط بأن نحر وعمل وليمة للعرب. وبعد أن أكل الجميع، طلب عمير من عبيده أن يوسعوا الحفرة أكثر، ثم طلب من عرار أن يتجاوزها، ولم يتمكن عرار من أن يتجاوز الحفرة لأنها أوسع من السابقة، بينما قفز عمير، معتمدا على قوته، وخفته، وتجاوز الحفرة. وهناك سأله عرار «لماذا لم تتجاوز الحفرة الأصغر في المرة الأولى». فأجابه عمير بدهاء «يولد عمي، اذا انت تجاوزت الحفرة وانا اتجاوزتها، من اللي يغدي العرب».. وقد ذهبت هذه الحادثة مثلا منذ تلك الأيام الى اليوم: الخيّر يقع في الحفرة».

قصيدة الرحيل
يستكمل أبو مازن كتابته لديوان الضيغم، بجهد وإخلاص وأمانة في التفاصيل، موثقا هذا السفر التراثي، وتلك الملحمة التي تحتوي على كثير من الحكمة، والشجاعة، والشعر، ولذا فإن هذا المرور السريع على مفتتح ديوان الضيغم لا يغني عن قراءته، والتمعن فيه كاملا، ولكن قبل الانتهاء من هذه الإطلالة، سأورد قصيدة رحيل عمير، والتي يشير اليها أبو مازن بقوله: 
«إلا أن عمير على أثر ما حدث ترك العشيرة، وقال لعرار «انا تارك العشيرة لك». وقال قصيده يشرح بها ما حدث، بألم ومرير، وحرقة:

قنصنا قنيص يوم الخميس
صدنا من الوحوش بقرة مهاة
ساوينا حيله ما هي نفيله
طلعت علينا من الخاسرات
أول عمانا قلّة هدانا
تعليق غدانا بغصن الغضاة
طلق عرار من سيفه
طلق عرار من الماضيات
قال اكلوا يقصار بظف
 الطوالعادات اهلنا قص الطايلات
جاها عمير بسيف شطير
قطع ارشاها ويّا الحاملات
قال اكلوا يطوال بظف القصار
عادات اهلنا قص الطايلات
بعيني المشهور لولا الهجار
كان المشهور مع الطايرات
قاموا علينا، قمنا عليهم
الكل اعتلى ظهور الصافنات
عيا عليهم هلال وعقيل
عيا عليهم ارياد البنات
يا ريت شهوان لا كان خلّف
يا ريت شهوان عقبه بنات
خلف عرار عكبده مرار
خلّى الرفاقا ايروحوا شتات»
يا شجرة الميس ريتك تبيس
لا بلك الله بقطر النداة
عمنك ملمه لولد عمي
عمنك ملمه للصافنات»

[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالإثنين 05 أغسطس 2013, 1:47 am




[rtl]التاريخ الشفوي.. سرد الحياة (5)[/rtl]




التاريخ الشفوي.. سرد الحياة 0997b85618777b8e16b478c259f6d76f


 - كثيرا قال الأهل في القرى، وتحدثوا عن تفاصيل سيرهم الأولى، فكان بوحهم أمانة لا بد من ايصالها لكل «سامعين الصوت»، وتبقى هذه الكتابة وثيقة للقادم من الزمان، بعد أن تغيب أجيال وتأتي أخرى.
[rtl]وهنا سيكون تجوال في ما تم رصده من صدور الكبار وذاكرتهم في بعض القرى، حيث كان الحديث هنا يتركز حول المقدس والغيبي وطقوس عبادة في تلك الأمكنة، فيها جوانب تستحق الدراسة والتركيز، وتعطي صورا مغايرة لبعض قرانا، وأهلها، وسيكون هنا رصد لبعض تلك النماذج لا كلها، اذ أن لكل قرية حكاية مع المقدس، وطقوسه، وأمكنته فيها. 

تصوّف
يقول كبار قريتي عبين وعبلين حول طرقهم الصوفية، وطقوسهم التي يعبرون بها عنها، أنه 
«حين خرج أهل القريتين (عبين وعبلين)،في البدء،من عين جنا كانوا يحملون معهم تعاليم نورانية تحت راية الطريقة الشاذلية الرفاعية التي ينتهجونها، وقد سميت زاويتهم الصوفية التي كانت في عبين بالزاوية المومنية الشاذلية، نسبة إلى من ساق التصوف إلى هذه المنطقة وهو جدهم الأول علي الجنيدي الملقب بالمؤمن(المومني).
تقول ذاكرة كبار القريتين أن الشيخ علي تعود جذوره إلى الجنيد البغدادي شيخ الطائفة الصوفية في زمانه، وأنه جاء في البداية الى عجلون، وقبلها كان يقيم مع أبيه الشيخ عبد الله،وهو متصوف أيضا،في البلقاء داخل قرية موبص بمنطقة البقعة من أراضي السلط،ولهم في تلك البقعة بقايا قصة هناك تقول أنه في زمن الأتراك نودي في الناس لتتم قسمة الأراضي بينهم،فحضر الجميع،وتم قسمة بعض الأرض،إلا أن المكلف بالتقسيم لاحظ أن الشيخ عبد الله لم يحضر،وكان جالسا بعيدا وزاهدا بكل ما يحدث،فاستدعاه،وجاءه الشيخ غير مكترث بكل ما يتنافس عليه الناس،ولما سأله التركي هل تريد أرضا،قال لا فالأرض كلها لله،فأعجب التركي بالجواب،وأخبره أهل المنطقة أنه درويش زاهد،وكان الشيخ عبد الله آنذاك يحمل عصا،فقال له التركي أنا أريد أن أعطيك ، فارمى عصاك، والمسافة التي تصلها رميتك هي لك ولأهلك، فرمى الشيخ عصاه، وبقيت تحلّق عاليا حتى أحاطت بكل أرض قرية موبص ثم سقطت أمام الشيخ فاقتطعت الأرض له، وما زال حتى الآن في تلك القرية جبل يسمى جبل المومني، ويقول أهل عبين وعبلين أنهم بقوا يأخذون خراج تلك الأرض حتى عام 1920م.
ارتحل الشيخ المومني في البدء إلى عين جنا،هذا قبل حوالي 275عاما، بقي فترة ثم تفرق الابناء في قرى متعددة جاء جزء منهم إلى عبين وعبلين مع نهاية القرن التاسع عشر، وجزء ذهب إلى صخرة، لكن مقام الجد الشيخ علي المومني بقي في عين جنا».

الشيخ السبعي
قرية عبين كانت حاضنة الزاوية الصوفية قبل أن تنقل إلى صخرة في السنوات الاخيرة، وكان آخر شيخ له كرامات فيها هو الشيخ محمد حسن السبعي الذي توفي قبل سبع سنوات (الحديث هنا كان عام 2005م)، ويروي عنه أهل القريتين الكرامات الكثيرة، وعنه قالوا أنه»كان قبل أن يعطى السر طويل الشعر، يقود فرقة الدبكة في اعراس الشباب في عبين وعبلين، لكنه تغير حين تم اختياره ليحمل السر، وليلبس الخرقة كشيخ للطريقة خليفة في النسب النوراني بعد الشيخ احميّد الذي كان آخر الشيوخ قبل السبعي،اذ أن الطريقة بدأت هنا بالشيخ علي المومني،وتلاه من جاء حاملا السرّ من بعده مثل الشيخ داود الثاني،والشيخ جفال،والشيخ محمد علي،والشيخ قاسم،وكل واحد منهم كان يسلم مفتاح الطريقة إلى من يليه،وحين قاربت وفاة الشيخ احميّد،أتى الأمر بتسليم السر، فاتجه إلى السبعي،الذي اخذ هذه التسمية لأنه ولد ابن سبعة اشهر وليس تسعا، وقال له الشيخ احميد أنت الشيخ من بعدي،ومنذ تلك اللحظة ترك السبعي كل الاشياء الدنيوية التي كان يمارسها، وكان ذاك اليوم بالنسبة للشيخ السبعي هو يوم العطاء من الله، عطاء السر والفتوح، ويقال أن يوم اعطائه السر اجتمع كل شيوخ الطريقة القدامى ليكونوا شهودا على التسليم،والتزم لهم الشيخ السبعي في ذلك الاجتماع بالحفاظ على السر،فكتبوا الوثيقة وكانوا عليها شهودا،ويزيد مشايخ القريتين بأن كل شيوخ المومنية الأموات كانوا حاضرين،في اجتماع التسليم، بما فيهم علي المومني ومعه الجنيد البغدادي».

«دَقْ العدّة»
كما يتحدث اهل القريتين،عبين وعبلين، عن قصص كثيرة حول كرامات السبعي في أنه «كان يعالج ويشفي المرضى عندما يقرأ عليهم، وأنه كان متزوج من جنية ويتعامل باللغة السريانية، وكانت زوجته الانسية تعرف عن ضرتها الجنية التي له منها أولاد أيضا.
عندما توفي الشيخ السبعي بقي أهل القريتين محتارين في الفراغ المتبقي بعده،لأن الشىء الغريب الذي لم يعهدوه في الطريقة،أنه لم يتسلم السر في العلن أحد بعده حتى الآن،والكل ينتظر تسمية الشيخ الجديد الذي يقول بعض الراسخين في التصوف أنه قد تمت تسميته، وتسليمه السر ولكن في السر هذه المرة دون أن يعلن اسمه»!!
وهناك في القريتين،عبين وعبلين، كان حتى عهد قريب طقس «دق العدة» المرتبط بالمتصوفة،أصحاب الطريقة، وهذا بعض وصف ذاك الحال: «حلقة من الذكر، وترفع اعلام لا اله الا الله التي يميزها اللون الأخضر وطول سارية العلم التي تكون ثلاثة امتار،يحملها شخص ويبدأ الذكر باسم الله، بمرافقة صحن من النحاس تضرب قطعتيه ببعضهما فيخرج الصوت مع الذكر، وكلما زاد دق العدة هذه، زاد حضور الارواح، وتكون حلقة الذكر هذه للإنس والجن معا، وكانت تلك الحلقة تسير في الحارات، وأحيانا كان العلم يطير مع صوت الذكر، والدف، ودق العدة، كأنه يبتعد نحو العالم الآخر».
ومن الحكايا المرتبطة بعَلم المتصوفة أنه «حاول أحدهم سرقة علم الشيخ السبعي،بأن امسك العلم وركض به،لكنه تفاجأ بأن العلم يطير به ويبقيه معلقاعاليا،إلى أن جاء الشيخ السبعي،وأمسك العلم فنزل الشخص على الارض».

مزار الخضر
قرية أخرى، نقلب فيها ذاكرة المقدس، وهي الرامة، في الغور، قريبا من الشونة الجنوبية، وهي تقسم في داخلها الى قسمين هما المزار والشاغور، ولعل تسمية المزار تحمل في طياتها كثيرا من دلالات القداسة والبركة، حيث أنه في هذا المكان توجد مقبرة فيها القبور ذات بناء مرتفع،وشواهد ضخمة،بارزة،كما أن داخلها قبر الخضر،كما يعتقد أهل القرية،وهنا تتحدث «الحاجة يامنه عبد العدوان»أم سامي»أن الخضر كان «يحمي اللي يستجير بيه،وكانوا يدفنو السمن والجميد عنده، وما حدا يسرقها، ولا ياخذها،كان التجار يرمو مفاتيح حواصلهم(دكاكينهم) عنده، وما يخافوا عليها،وما حدا يقرب منها لأن الخضر(تستور من خاطرو) كان يرعاها ببركاته».

العجام
كما يتحدث القدماء في الرامة عن قبر قريب من الخضر هو قبر سعيد، لكن أهل القرية كانوا يعتبرون أنفسهم أقرب إلى قبور أسيادهم «العجام»،وهو قبر على شكل جزيرة بين شارعين،ويأخذ هيئة تلة صغيرة، وهو بالنسبة للمنطقة كان قديما كأنه مزار خاص بأهلها،ويشير إليه الكبار حتى الآن قائلين أنه يوجد هنا «العجام سياج الظلام»،وأنهم كان موقعهم هنا،ولكن بدون «حوطه» لكنهم كانوا يتعاملون معه بمهابة ويقدمون له مثلما يقدمون من طقوس إلى مزار الخضر القريب منه.
ويتحدث كبار القرية بأن كل الذين كانوا يمرون من عند «العجام» كانوا يستأذنوا عند المرور،ويقولوا»يا عجام يا سياج الظلام،إحنا داخلين عليك»،كما أن صاحبة البيت عند طبخها لوجبة العائلة كانت في بعض المرات»تَنِبْ»(تتوجه بالدعاء إليهم) الطعام إلى هؤلاء الأسياد،وتقول عند وضع الملح «للأعجام سياج الظلام،عن روحهم حتى ما يؤذوني ولا يؤذوا عيلتي».
ويضيف أهل القرية بأنه عندما تم بناء المدرسة القريبة منه في عام1979،كانت تقوم بعمليات الإنشاءات شركة كورية، لكن ما إن اقتربت جرافات هذه الشركة لتسوية الشارع،والذي كان يتطلب فتحه تجريف عدة أمتار من «حرم العجام سياج الظلام»،لكن «الجرافة الأولى توقفت وما اشتغلت،فجاءت جرافة أخرى وتعطلت»،ويقول أهل القرية أن ثلاث جرافات حاولت أن تحفر في المكان ولم تستطع ،وبعدها تركوه ولم يحفروه،وما زال ماثلا حتى الآن بين شارعين يتحدى أي محاولات للنبش في باطن تربته.

مقبرة القلخة
أما في قرية الحميمة، في محافظة معان، فقد كانت لي زيارة الى مقبرتها القديمة، واسمها مقبرة «قلخه»، حيث يوجد فيها قبر أحد الأولياء الشعبيين، لكن الدرب إليها، لا بد وأن يمر من الحميمة العباسية، كما أن الطريق إلى المقبرة ترابي غير محدد، ولذا فهناك ضرورة لدليل من أهل القرية، وكان معنا سالم عطوه(أبو جهاد) رفيقا ليوصلنا إلى قبر الولي هويمل أبو زيتون.
وقد كان دليلنا يعمل سابقا مع البعثات التي كانت تنقب عن الآثار في الحميمة،لذلك حين اقتربنا من أطلال قريته، بدأ يشير الى معالم القرية معرفا ايانا عليها، وكأنه يستعجل الكلام قبل أن نتجاوزها، قال «هنا المدرسة القديمة، وهذا المسجد العتيق،وتلك الكنيسة». وأوقفنا حتى نتمكن من رؤية فسيفساء صليب على أرض الكنيسة، ثم أشار بيده إلى البرك النبطية، وتحدث عن بقايا قنوات الماء الفخارية النبطية التي تأتي بالماء من رأس النقب إلى الحميمة.
وأوضح لنا بأنه يتحدث بثقة عن المكان لأنه سكن فيه، كما أنه اشتعل هنا مع بعثة كندية، وكان عاملا يحفر معهم، وقد كان يرأس تلك البعثة بروفيسور كندي.
يقول أبو جهاد أنه في احد الأيام «كانوا يحفروا وطلع تمثال»، وما أن رآه البروفيسور حتى أعطاهم إجازة في ذلك اليوم، ولم يعرفوا ماذا حدث للتمثال بعد ذلك، ويضيف أنه «في منطقة ثانيه، كان هذا عام1998م، وجدنا حلق قديم، وكانت هناك آثار كثيرة تخرج معنا ..».
نتجاوز الآثار القديمة، ونترك الطريق لنخوض في أرض ترابية ممتدة، ثم بعد مسافة نتوقف عند ثلاثة قبور محفورة في الصخر، وبعدها نواصل السير بحثا عن المقام.

الولي سليمان أبو زيتون
يطالعنا المنظر من بعيد.. بدائيا، يغلفه اللون البني الضارب إلى السواد، والقبور بموازاة سطح الأرض، متداخلة مع بعضها البعض، أما الشواهد فهي صخور غير منتظمة وإن حاول من اختارها أن تكون أقرب إلى الشكل المستطيل، لكنها مدببة في كثير من حوافها، وكأنها رماح تنمو من باطن الأرض.
أشار لنا الدليل..»هناك القلخة». ثم تابع: «نزلوني هان». توقفنا، وبدأت محاولة إقناعه بأن يدخل معنا المقبرة، إلا أنه أوضح لنا بأن هناك عرفا قديما لأهل القرية,، بأن لا يدخلوا المقبرة إلا لحاجة يطلبونها من الولي، أو لكي يقبروا أحدا فيها..قال إن هذا «عرف قديم»، وما زال بعض أهل القرية يتخوفون من كسر هذا التقليد.
بصعوبة رافقنا، وهو متخوف وقلق، وحين مررنا بالقبور كنا نحاذر أن نطأ عليها لكنها متداخلة بشكل لا يظهر منها إلا الشواهد كأنها أشتال قصب صغيرة متقاربة، وكان قبر الولي سليمان أبو زيتون في أبعد زاوية جنوب المقبرة، وكان عليه مجموعة من الحجارة وقطع حطب، ونبات رتم أخضر، وحجر مستطيل يستعملونه لإيقاد البخور عليه، وكمية من السكر في وعاء،وبجانب القبر هناك مساحة قال لنا الدليل أنه تذبح فيها التقدمات من أغنام قريبا من قبر الولي، يقدمها من يأتي إلى هنا مريضا أو طالب حاجة.
ويروي الدليل قصة عن جماعة من السعوديين جاؤوا الى قبر أبو زيتون، وكان معهم أحد رجال القرية، وكان المريض الزائر للقبر مصابا بانفصام في الشخصية وعندما أرادوا أن يناموا بجانب القبر، وكانوا قد أشعلوا النيران هناك، شاهدوا قماشا ابيض يخرج من قبر الولي، وهربوا خوفا من هناك، ويقسم الرجل الذي كان يرافقهم انه شاهد هذا، وقد يكون أبو زيتون غاضبا من تصرف أحد الموجودين ولهذا أخافهم، هذا كان جزءا من المعتقد الشعبي حول قبر سليمان أبو زيتون الذي تروي الروايات أنه كان في الأصل أحد أبناء القرية الصالحين.
[/rtl]





 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70237
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ الشفوي.. سرد الحياة   التاريخ الشفوي.. سرد الحياة Emptyالثلاثاء 13 أغسطس 2013, 12:37 am




 
[rtl]التاريخ الشفوي .. سرد الحياة (6)[/rtl]



التاريخ الشفوي.. سرد الحياة A18a0f9b3899d6138ad171c4bf0c8573



[rtl]
 لا يكتمل البوح حول التاريخ الشفوي الذي رصدناه في القرى/ قرانا، فهو ثري، عميق، ومعطاء، غير أن ما لا بد منه أن تنتهي حلقات «التاريخ الشفوي.. سرد الحياة»، على صفحات «بوح القرى»، لأن فكرة استعراض هذا المخزون السردي، قامت على تقديم نماذج لهذا الزخم من التاريخ الساكن هناك في تلك الأمكنة، والمحفوظ في صدور كبارنا الصامدين على تراب أرضهم، يحرسون الذاكرة، والحلم، والتاريخ، وما تبقى من قيم ومعان تتجسد في القرى على امتداد الوطن.
هنا سنستعيد ما قاله الحاج مطر حسين لافي «أبو سهيل» في قرية بيت رأس المجاورة لمدينة اربد، كما سنقدم تفاصيل أعلن عنها الشيخ هارون علي النصرات (أبو محمد) أحد كبار قرية الحي قريبا من وادي موسى، والقائمة تطول ان أردنا اعادة سرد ما باح بها كبار تلك القرى، فهناك أحاديث وحكايات ونوادر واحداث كلها مكتوبة ومدونة في ما تم انجازه من مشروع توثيق القرية الأردنية (بوح القرى)، الذي صدر منه الجزء الأول عام 2008م، والجزء الثاني عام 2010م، عن مركز الرأي للدراسات، وسيصدر قريبا الجزء الثالث نهاية عام 2013م، هذا مع استمرار الرحلة في قرى أخرى تنتظر لتدلي بشهادتها التاريخية، عبر صفحة بوح القرى الأسبوعية في ملحق أبواب.
 
ذاكرة الحاج مطر
قرية بيت راس.. تحت شجرة عتيقة فيها، كان ينتظرنا معمر القرية الحاج مطر حسين لافي(أبو سهيل)، وأمامه ابريق شاي، وبيده عكازه، ولحية بيضاء تغطي وجهه، حيث يظهر كأنه خرج للتو من احد كتب الحكمة القديمة، ويريد أن يدلي بما لديه من ذاكرة يحاول أن يلم شتاتها، فيرتبها لتكون حكاية تروي جانبا من تفاصيل المكان والانسان في بيت راس.
قال الحاج مطر بأنه غير متأكد من سنة ميلاده، غير اننا نخمن أنه قارب على التسعين عاما.. وبدأ حديثه بهدوء وثقة: «أنا من مواليد بيت راس، وأول ما سجلت بالجيش عايام أبو فارس(ويقصد هنا كلوب باشا)، وكان عمري سطعش السنة(16 سنة)، وكان بهظاك الزمن يجي واحد بسياره، ويجمع الشباب اللي بدو يتجند، ورحت لعمان، وبعديها اخذونا لفلسطين، وخدمت بحيفا ويافا وصرفند، ورام الله، والقدس. لكن لما كنت في حيفا خدمت بالمينا هناك، وكان المسؤولين عنا انجليز، وكان راتبي بهظاك الوقت اربع جنيهات فلسطينية، ورجعت عالأردن في عام 1950 بعد الخدمه هناك».
وعن قرية بيت راس، وكيف كانت الأوضاع فيها، في تلك الفترة، وما سبقها يقول ان «البدو كانوا متسلطين على الفلاحين، وكانوا يتجمعون مع بعضهم في القرى حتى يقووا بعظهم ضد الهجمات عليهم، وكانوا قراب من بعض ومتكاتفين، وكان بعضهم يسكن بالمغارة اللي فوق براس التل واسمها(عراق الهيلات)، هذي كبيره وتسع الجميع، والشارع اللي بنص القرية بتذكروا كان من حجاره مرصوفة قديمة، والعمدان حواليه واقعه، وفي ناس اخذوا منها وعمروا منه دورهم، وناس ثانيين باعوا من هالعمدان».
وإذا كانت بيت راس تحمل تاريخا عظيما، ففي عمقها أيضا روح متاصلة للفداء، حيث أن الحاج مطر يتذكر ما قدمت القرية من شهداء في الحروب المتتالية، ومنهم  المرحوم غازي زيدان مصطفى الحموري الذي استشهد على اسوار القدس، وعلي مصطفى الشوحه، واحمد نجيب الخلف الحموري، وخلف سالم الفايز الطعاني، ومحمد احمد السليمان الحموري.
أما عن المركز الصحي في القرية فيقول بأنه في مرحلة ماضية كان مكان الطبابة عندهم مكوناً من بناء صغير وقديم، وكان فيه «كل طبيبين بغرفة». بينما ذاكرة مكتب البريد في بيت راس، فهي أقدم تاريخا، فقد كان مكتب البريد عبارة عن بقالة (أبو شبيب) وهو محمد طالب الحموري، حيث كان عنده في هذا الدكان تلفون «مانويل» قديم، ومن يريد الاتصال بأي احد خارج القرية عليه أن يحضر الى أبي شبيب ليقدم له هذه الخدمة. وبذلك يمكن تتبع سيرة البريد في بيت راس من هناك وأنه تأسست شعبة بريد في عام 1963، وتم تحويلها إلى مكتب بريد عام 1969، وما زال هذا المكتب عاملاً يقدم خدماته حتى الآن. 

الشيخ هارون يتحدث
التقيناه في وادي موسى، وتحدث لنا عن قرية الحي، القريبة،والتي هجرها أهلها، وبقيت الخربة هناك، ببيوتها ودروبها والذاكرة المنتظرة فيها والتي يعي كثيرا من جوانبها الشيخ هارون علي النصرات (أبو محمد)، حيث يقول حول الخربة القديمة بأنها صارت «على دور الثمانية وعشرين أو الثلاثين(1928 أو 1930) تقريبا، وكان في مْعَلمين حجر معروفين يبنوا هذي البيوت ومنهم محمد عطيه سليمان النصرات، وهارون سليمان المشاعلة، وكان البنا اللي يصير كله ارتجالي».
ويرجع الشيخ هارون بذاكرته إلى أيام ما كانت (الحَي) عامرة بالناس، ويصف بعض مناطقها بأسمائها مثل (القصيلة)، و(مقطع الرحي)، و(منطقة السن)، و(شعبة العين)، و(شعوب القوس)، و(عرقوب أبو طخة).
أما عن جانب عيون الماء فيتحدث عن (عين الحَي) التي كان ماؤها غزيرا، ويروي القرية جميعها.
وقد كان منوطا بقرية الحي دور دفاعي، ومعها قرى أخرى، عن وادي موسى والبتراء،وبقيت هذه المهمة ملتصقة بالحي منذ القدم، وحتى نهاية الحكم التركي. عن هذا الجانب يقول الشيخ أبو محمد أن «وجود الناس هنا كان لحماية البترا، ووادي موسى، فقد كان العبيديه حاميين واجهة الشمال، وكان من الشرق حاميينها العلاية، ومن الجنوب الغربي بني عطا والشرور، أما من الغرب فكانت البترا حامية نفسها».
وبالنسبة للعائلات التي كانت تسكن القرية فإن «الحي كانت حوالي 120 عائلة منقسمين على خمس عشائر(أفخاذ)، وهم (نصرات، طويسات، مشاعلة، حسنات، وهلالات)، وهؤلاء هم أهل الحي، وجميعهم اسمهم العبيدية من بني ليث، أو اللياثنة، وهو ما يطلق على أهل وادي موسى قاطبة.
وبنو ليث، أو اللياثنة، يقسموا الى (العلاية، والعبيدية، بني عطا، والشرور )».
وقد كان نمط الحياة في القرية يعتمد في جزء منه على التجارة، وجانب آخر على تربية الأغنام، وجزء أخير على الفلاحة والزراعة، وكانت الثروة الحيوانية في الحي هي الأغنام، والخيول، فأهل القرية « كانوا من هواة تربية الخيول منذ القدم، هذا قبل دخول السياحة، وتربية الخيول من أجل الاستفادة منها في مواسم السياحة، فقد كان أهل هذه القرية يفتخرو بتربية الخيل، وكانوا يربوا الجمال وهذه عشان القوافل، والحجاج، وزراعتهم كانت القمح والشعير». 
ويضيف الشيخ هارون: «كنا تجار معدودين بالقرية..يعني كنا تجار، وأهل حلال، وفلاحين، وأنا كنت واحد من هالتجار، وكنا نبيع بحب قمح وشعير، وكانت حال الناس فقر، يعني نبيع الشغلة وعالحول لما يسدونا ثمنها قمح وشعير، ومن التجار اللي كانوا بالحي بهالزمنات أذكر هارون النصرات، ورجا النصرات، وهارون بن حسن الهلالات، وسلمان عطا الله الهلالات، وابراهيم عيسى الحسنات، وهارون الطويسي، وهارون المشاعلة، ومن خارج وادي موسى كان عطا الله عرار، واللي ما هو من وادي موسى، مثل اللي من معان، كانت أرضهم مشترينها من الناس هان.. واحنا كنا نجيب مواد حواصلنا من معان، نحملها على البغال والجمال. وكانت بهذاك الوقت معان مزدهرة بالتجارة، وكانت مركز الحجاج اللي كانوا يجيبوا معهم بضاعه ويبيعوا ويشتروا، وكان يظل بيها بقايا حجاج ويستقروا فيها، واحنا كنا نجيب من معان قماش وسكر، وحلاوة، وقهوة، وبهار، وغيرها من المواد». يعني الحي كانت بلد تجارة، وكانوا يجوها ناس من المراعية، وقسم من العمارين، والعزازمة، والبدول اللي كانوا يجوا من حسمى.وكان يجي للحَي كمان شيوخ البدو مثل الشيخ الباشا حمد بن جازي، والشيخ عفاش الجزوان، والشيخ جدوع العودات، وغيرهم من شيوخ البدو اللي يجو ظيوف، ويشبّوا(يزاوجوا من أجل النسل الأصيل) خيلهم من المنطقة، لأنه أهل الحي كانوا يهووا الخيل، ويربوها، ويقنوها». 
أما عن الرحيل من الحي، وخروج أهل القرية الى وادي موسى، فيشير الشيخ هارون النصرات(أبو محمد) الى ذلك معلقا بقوله: «كنا قبل ما نرحل من الحَي زي البدو، ومعتمدين بحياتنا كثير على تربية الحلال والزراعة، لكن صرنا بهذيك الأيام نفلح وما نوكل من زراعتنا، والمطر قليل، وكانت السياحة والوظايف بوادي موسى، وكمان التعليم متقدم هناك.
وزيد على كل هذا انه الدولة عملت بلدية بوادي موسى، وصار التنظيم فيها بالسبعينات، ولما صارت البلدية صارت الانتخابات، وكان النا أراضي بوادي موسى، فنقلنا من قرية الحَي، ونقلت أنا بالأول، وطلع معي بهذاك الوقت علي عودة حمدان الهلالات، أما آخر واحد طلع من الحَي لوادي موسى فهو موسى محمد هلال الهلالات اللي طلع من القرية بسنة 1994م».
وبخصوص ذاكرة التدريس في قرية الحي يقول بأن من الشيوخ الذين كانوا» يقرّوا بالقرية واحد اسمه عمر عناني، وهو والد معالي الدكتور جواد العناني، كان هو وعيلته ساكنين بالقرية، وهناك شيخ ثاني كمان اسمه أبو عدنان، وهذا الحكي بالثلاثينات».
وقبل أن ينهي الشيخ بوحه حول ذاكرة الحي، عرّج على حدث مهم وخطير شهدته هذه القرية، وهو «هُوشة المِكوَن»، حيث قال: « في نهاية عهد الأتراك، لما بدت الحرب مع تركيا، كان الناس خايفين على وادي موسى، يعني ممكن نقول إنه صار هذا الحكي ببداية سنة 1916م، وصارت بهذاك الوقت الهوشة.قبل ما يصير القتال أجا علم لشيوخ المنطقة ان الأتراك هاجمين بكره على وادي موسى، فقاموا بالليل وحصّنوا المكان، ووزعوا المهمات.ومع طلعة النهار اجوا الأتراك، وهاجموا الوادي من ثلاث جهات، ومنها الجهة الشمالية اللي من عند قرية الحي، فصدوهم هناك العبيدية، ودارت معركة في منطقة المِكوَن، يعني هذا المكان موقعه شمال الحي بكيلو متر واحد، وانقتل هناك علي سالم النصرات، وعطايا محمد الهلالات.أما من الجهة الشرقية فركز الأتراك فيها على البقعة، وعلى الجبل المطل على وادي موسى، نصبوا هناك مدفع (متراللوز)، وتصدولهم هناك في منطقة (جران جميل)، العلاية، واستشهد منهم بهذيك المعركة أربع رجال منهم عطية العمرات، وتم دفنهم بالمغر، كمان في المنطقة الجنوبية اتصدولهم الشرور وبني عطا وغيرهم، وانكسر الأتراك بهذيك المعركة».
[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
التاريخ الشفوي.. سرد الحياة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: اردننا الغالي-
انتقل الى: