الخريطة التاريخية للعالم من 1004 الى ... الحرب العالميه الاولى

الاندلس
بعد النزاع على السلطة في اسبانيا كما ذكرنا، تأسست ممالك مختلفة، بشكل مشابه للدول العربية الآن ، حيث لكل منها أمير وجيش وعلم، وسمي هذا العصر بعصر ” ملوك الطوائف” في هذا الوقت بدأ الاسبان بشن هجمات على هذه الممالك الواحدة تلو الآخرى، وانحسر المسلمون في جنوب أسبانيا ، استنجد أمير إشبيلية ابن عباد، بيوسف بن تاشفين( مؤسس دولة المرابطين في المغرب ) دخل ابن تاشفين الأندلس وخاض معركة الزلاقة ضد الاسبان، فاستطاع المسلمون بهذه الواقعة الحفاظ على الأندلس من الضياع. “يذكر ان بن تاشفين كان يكن عداء للدولة الفاطمية ولم يقبل أن يذهب للحج عبر اراضيهم، كما تقرب من الخليفة العباسي السني واعتبره الخليفة الشرعي””.

بعد انهيار دولة المرابطين، أسس الأمازيغيون دولة الموحدين، والتي حكمت بلاد المغرب والأندلس حتى عام 1269 م. هادن الإسبان الدولة الموحدية بعد تمددهم شمالا وتهديدهم لممالك اسبانيا، ونقض الإسبان الهدنة مرتين، وفي الثانية جمعوا حملة صليبية كبيرة ضمت ممالك إسبانيا ومرتزقة إيطاليين وفرنسيين، والتقت هذه القوة مع الموحدين في معركة حصن العقاب (معركة لاس نافاس دي تولوسا بالإسبانية) وانتهت بخسارة الموحدين. المعركة كانت مؤشرا لبداية سقوط الاندلس

دولة السلاجقة الروم
“”يطلق عليهم هذا المسمى لأنهم بالأصل كانوا خليطا من الأتراك والروم البيزنطين الذين اعتنقوا الدين الإسلامي ,لعب السلاجقة الروم دورا أساسيا في حماية الدولة العباسية ورد الحملات البيزنطية عن بلاد المسلمين

حكم السلاجقة في بداية عام 1000 إيران وأفغانستان ووسط آسيا، فضلا عن العراق والشام والأناضول وصولا الى مشارف القسطنطينية, بعد أن هزموا الغزنويين السنة وباقي الدويلات الشيعية التي انتشرت في بلاد المسلمين، كما أنهم خاضوا عدة معارك ضد الدولة الفاطمية لمنعها من الدخول لبغداد. مؤسِّسها طغرل بك وهو أول من حمل الراية الحمراء ذات الهلال والنجمة، والتي أصبح فيما بعد علما لتركيا. بعد موت طغرل، نشب صراع على السلطة حسمه ابن أخيه ألب أرسلان ثم تفكَّكت الدولة لاحقا إلى ولايات منفصلة حكمت وسط وغربي آسيا. ومن الولايات المنفصلة أتابكة، اذربيجان والبوريون وغيرهم، لكن أشهرهم كانت:

دولة الزنكي
أسسها عماد الدين الزنكي في الموصل، وهو جد نور الدين الزنكي، قامت الدولة الزنكية بأعمال مهمة خلدت ذكراها مثل تبني سياسة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين والقضاء على اللصوص وقطاع الطرق والمفسدين،مما جعلها مؤهلة لقيادة المرحلة في صد الصليبيين الذين غزوا بلاد الشام حيث انشغل باقي الحكام كل منهم في دويلته.

“وهنا يذكر التاريخ قصة، أن أحد المسلمين من بلاد الشام تعرضت بلدته لمجزرة صليبية، فذهب إلى بغداد في شهر رمضان وبدأ يحث الناس على الجهاد في الشام فلم يطعه أحد، وكان أهل بغداد حريصون على صلاة الجمعة، فجلس في أحد أكبر مساجد بغداد خلال صلاة الجمعة وكان شهر صيام، فأخرج طعاما من جعبته وبدأ يأكل منها، فهاجمه المصلون، فقال لهم تغارون على دينكم لأني أفطرت ولا تغارون على دينكم والصليبيون يغزون بلادكم”.

أول مابدأه عماد الدين الزنكي هو توحيد الصفوف والقضاء على الحكام الذين تصرفوا في ولاياتهم وكأنها كيان مستقل عن باقي البلاد، فضم مدينة حلب ثم حماة ثم قلعة بعرين وأسر قائدها الصليبي (ريموند) ثم فتح معرة النعمان وتصدى لهجمات الصليبيين على قلعة شيزر، عدا دمشق التي استعصت عليه وفشل في انتزاعها من الصليبيين.

عندما جاء نور الدين للحكم، كان هدفه تحرير القدس، حتى أنه أمر ببناء منبر ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يقوم بفتح المدينة ونُقل هذا المنبر بالفعل إلى القدس بعد فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي ودعي هذا المنبر فيما بعد بمنبر صلاح الدين.

وسع نور الدين مملكته حتى مصر، حيث قضى على الدولة الفاطمية فيها، وبعد وفاة نور الدين الزنكي، وصل صلاح الدين للحكم واكمل ضم بلاد الشام ومصر لدولة واحدة سميت الدولة عندها بالدولة الأيوبية،لينحسر نفوذ الدولة الزنكية في الموصل وسنجار.

دولة خوارزم
هي سلالة تركية مسلمة سنية حكمت أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وغرب إيران قامت على انقاض الدولة الغزنوية، والدولة الغورية (الدولة الغورية نشأت شمال الهند وقامت بفتح اجزاء واسعة من الهند مثل دلهي ولاهور وغوجرات والبنغال). احتفظ بقايا الغوريون بسلطنة شمال الهند لا تتبع للدولة الخوارزمية سميت “سلطنة دلهي الاسلامية”

الدولة الفاطمية
حاولت روما تسيير حملات صليبية على مصر، والتي كان ولاتها يعيشون في عصر من المؤامرات والاغتيالات،مما حمل الخليفة الفاطمي لدفع جزية للصليبيين بلغت 160 الف دينار ذهبي.. بعد ذلك نشب خلاف بين أحد قادة الجند والوزير شاور ، استطاع هذا القائد وبالتعاون مع الخليفة الفاطمي خلع شاور من الوزارة و تنصيب نفسه مكان شاور الذي لجأ إلى نور الدين الزنكي حيث قام بإرسال حملة عسكرية بقيادة شيركوه للإطاحة بوالي الدولة الفاطمية و إعادة شاور للسلطة، لكن شاور تحالف مع الصليبيين ضد المسلمين، لم يدم الأمر طويلا حتى نكث الصليبيون بالحلف ، أرسل شاور مرة أخرى لنورالدين الزنكي يطلب منه مساعدة عسكرية ضد الصليبيين، فأرسل أيضا نور الدين شيركوه لمصر،فقام بدحر الصليبيين ثم قتل شاور الخائن، وأصبح شيركوه وزيرا على مصر الفاطمية. بعد موت شيركوه صعد صلاح الدين لسدة حكم مصر (كان الوزير في الدولة الفاطمية هو المتصرف بشؤون البلاد وليس الخليفة الفاطمي) لتبدأ الدولة الايوبية.

الدولة الايوبية
اقامها صلاح الدين بن أيوب في مصر، بعد أن وصل لمرتبة وزير للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، فحكم مصر وساعد على سقوط الدولة الفاطمية بالتعاون مع الدولة الزنكية، وأعاد لمصر التبعية للدولة العباسية، فمنع الدعاء للخليفة الفاطمي وهدم الحسينيات في مصر. بموت نور الدين وضعف الدولة الزنكية، أكمل صلاح الدين ما بدأه نور الدين في الحرب على الصليبيين فانتصر عليهم في عدة معارك والحاسمة بينهم كانت حطين ثم فتح القدس. وانحسر الصليبيون في سواحل بلاد الشام. ومات البابا أوربان الثالث من الحزن. لاحقا وبسبب غارات صلاح الدين على ماتبقى من مملكة القدس على السواحل، خاصة حصاره لعكا، أجبر ملك بريطانيا على القدوم.

بعد وفاة صلاح الدين تقاسم أولاده وأخوه العادل الدولة الأيوبية، ثم نشبت حروبا بينهم. سيطر بعدها العادل على الدولة ليتقاسم أولاده الثلاثة الدولة، الكامل حكم مصر، والمعظم حكم دمشق، والأشرف باقي الشام وتنازل الكامل عن القدس للصليبيين. بعد موت الكامل قام أخوه الصالح أيوب باسترداد القدس ودمشق وعسقلان بعد تحالفه مع الخوارزميين الهاربين من الغزو المغولي( وصل المغول في هذا الوقت لمشارف البلاد الإسلامية بعد خروجهم من معارك الحملات الصليبية). انتهت الدولة الايوبية بقتل الجارية شجرة الدر لابن الصالح ايوب واستيلائها على حكم مصر.

اوروبا
استطاع النورمانديون استعادة جنوب إيطاليا وجزر صقلية وكورسيكا ونشأت مملكة صقلية. النورمانديون هم فرنسيون من منطقة النورمندي، أحد قادتهم يدعى وليام الأول وهو الجد الأول لملكة بريطانيا الحالية، ولريتشارد قلب الاسد كما يدعى وليام الأول أيضا باسم وليام ابن الزنا لأن اباه لم يتزوج من أمه، استطاع وليام هزيمة الأنجلوسكسون في معركة هاستينغ ومد نفوذه من غرب فرنسا إلى بريطانيا.

حاكم القسطنطينية الأرثوذوكسي أرسل لبابا الفاتكيان في عام 1095 رسالة يطلب فيها مساعدته على السلاجقة الروم، فبدأ البابا أوربان الثاني جولة في أوروبا أهمها اجتماع كليرمونت في فرنسا حيث حث البابا الكاثوليك على حرب المسلمين واسترجاع القدس والتعايش مع البيزنطيين الأرثوذوكس والتنسيق معهم. بدأ البابا باصدار صكوك الغفران للمشاركين في الحملات الصليبية، ويقال أنه بلغ عدد الحملات تسعا ، بدأت في عام 1096 واستمرت حتى 1290 م ولكن أهمها ثلاث حملات:

الحملة الاولى 1096 الى 1099
شارك بها أمراء من اوروبا بشكل عام ومن فرنسا وإيطاليا بشكل خاص. استخف السلاجقة بالصليبيين، لأنهم سحقوا قبلها حملة صليبية صغيرة من فقراء الكاثوليك والمتحمسين، ولم يتخذوا خطوات عملية لإيقافهم لكن سرعان ما وصل الصليبيون لإنطاكية عبر سواحل تركيا، وحاصروا المدينة ل8 أشهر، وعانى الصليبيون من العطش والجوع، قبل أن يقوم حراس قلعة أنطاكيا بخيانة المسلمين وفتح المدينة للصليبيين الذين اغتصبوا نسائها وقتلوا رجالها وأطفالها. كرر الصليبيون هذه المجازر في معظم مدن بلاد الشام، وكان المسلمون منشغلون في أرزاقهم وولاياتهم. الجدير بالذكر أن الصليبيون قاموا بمجازر حتى ضد اليهود الذين رافقوهم بالحملة ضد المسلمين بحجة عدم دفعهم أموال الكافية للحملة الصليبية. لم يستطع المسلمون صد الصليبيين الذين وصلوا للقدس و استباحوا دماء وأعراض المسلمين الذين لم يكونوا قد استوعبوا أنها حرب صليبية بعد، كما أقام الصليبيون القلاع على طرقهم من أنطاكية وحتى القدس، وانتزع الأرمن منطقة كيليكة و أطلقوا عليها أرمينيا الصغيرة، كما توسعوا حتى اوديسا (اورفا في تركيا). عند وصول عماد الزنكي الى الحكم، بدأ بحملات على الصليبيين واستطاع طردهم من المناطق الداخلية في بلاد الشام، عندها طلب الصليبيون تعزيزات لتبدأ بها الحملة الصليبية الثانية

الحملة الثانية 1147 الى 1192
بقيادة ملكي المانيا وفرنسا، جاءت لاستعادة أورفا وحلب من نور الدين الزنكي، لكنها فشلت أيضا. “أحد أسباب فشلها انها تشتتت على الاندلس والروس السلاف”.

الحملة الثالثة 1190 الى 1192
بعد القدس حرر صلاح الدين كل موانئ الشام، ما عدا طرابلس وأنطاكية، التي استعصت، واستطاع الصليبيين لاحقا حصار مدينة عكا، ولكن صلاح الدين حاصر الجيش الصليبي أيضا قبل أن تأتي الحملة الصليبية الثالثة وتقلب المعادلة وتسقط عكا، ثم يافا، لكنهم لم يجرؤوا بالهجوم على القدس. مرض ريتشارد بعد ذلك ووقع مع صلاح الدين صلح الرملة، وعاد الى بريطانيا، ليموت هناك. قام الصليبيون بتجميع أنفسهم لحملة رابعة لكنها تشتتت، وتوجهت الى القسطنطينية لنهبها والاستيلاء عليها. الحملة الخامسة من النمساويين والهنغار استهدفت مصر وسيطرت على دمياط قبل أن يقوم المسلمون بدحر الصليبيين. تبع ذلك حملة سادسة كانت سياسية اكثر منها عسكرية. يذكر أن الحملات الصليبية أيقظت الجهاد في نفوس المسلمين كما ساهمت في إضعاف القسطنطينية.

الغزو المغولي الأول 1260 ميلادي

ظهرت في منغوليا قبائل تتارية استطاع جنكيز خان (تيموجين) توحيدها ضمن مملكة واحدة غزت العالم لكنها لم تستمر زمنا طويلا، وبالرغم من ذلك فقد استطاعت خلال زمن قصير أن تجتاح الاراضي كما يجتاح النار الحصيد.

توسعت الدولة المغولية غربا وقضت على دولة خوارزم الإسلامية خلال عشر سنوات، وكالعادة كانت باقي البلدان الإسلامية مشغولة في إعمار الأراضي والبساتين، ثم واجهت السلاجقة الروم في معركة كوسيداغ وبعد هزيمة السلاجقة، فتح الطريق أمام الجيش المنغولي شرق تركيا، ثم إيران (حيث قضوا على دولة الحشاشين) ثم بغداد (سقطت بتعاون وزير الخليفة ابن العلقمي الشيعي مع هولاكو على أمل أن يصبح خليفة فقتله هولاكو أيضا) ثم سقطت ماردين بعد حصار دام ثمانية أشهر، ثم نصيبين ثم أكمل هولاكو طريقه نحو حلب. وكانت الشام تحت سيطرة الملوك الأيوبيين.

انضم للمغول بقايا الصليبيين كملك أرمينيا الصغيرة وأمير طرابلس وأمير إنطاكية، وسيطروا في سوية على حلب ثم حارم فالمعرة فحمص، ولما وصلت الأنباء باقتراب المغول من دمشق فرَّ الملك الايوبي إلى غزة.

يذكر أن بغداد وعنتاب وحلب وحارم شهدت مجازر بمئات الألوف من المسلمين بسبب خوف المسلمين من المغول وتسليمهم المدن، وبسبب حقد بقايا الصليبيين على المسلمين، أما الموصل وحمص فلم يرتكب المغول أية مجازر فيها لأن أمير الموصل و أمير حمص الايوبي أعلنا الولاء والبيعة لهولاكو خلال غزوه لبغداد. كما أن الملك الأيوبي في دمشق أعلن ولاءه لهولاكو لكنه طلب جيشا مغوليا بقيادته للهجوم على المسلمين في مصر، فغضب عليه هولاكو لأنه قارن نفسه بهولاكو. قام أيضا مسيحيو دمشق بإهانة المسلمين أيام المغول، فكان يجبر البائعون المسلمون على الوقوف أمام دكاكينهم إن مرَّ مسيحي من أمامهم.

أرسل هولاكو رسالة لقطز (من خوارزم بيع مملوكا لدمشق ثم مصر) في مصر يأمره بالاستسلام، فقتل قطز الرسل وبدأ بإعداد الجيش لكن أموال بيت المال لم تكفي فأفتى له العز بن عبد السلام، بجواز أخذ أموال من الرعية للاستعانة على الجهاد لكن بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وأن يبيع الأمراء كل مايملكونه فيتساوون مع العامة. كما أفتى ببيع أمراء المماليك في السوق ثم إعتاقهم قبل السماح لهم بتولي شؤون البلاد. لاحقا هجم قطز على المغول في غزة ثم انتصر على القائد المغولي كتبغا (نصراني) في معركة عين جالوت، والتي أدت لتراجع المغول فدخل دمشق ثم حلب وكانت معركة مرج الصفار في الكسوة جنوب دمشق فاصلة وقاسمة، أدت هذه المعركة لانهيار قوى المغول واستطاع المسلمون شن هجمات على بقايا الصليبيين على سواحل الشام واستعادوا جميع هذه المناطق ماعدا جزيرة قبرص.

الغزو المغولي الأخير 1402

بعد عدة أعوام أعاد المغول جمع جيوشهم بقيادة تيمورلنك، فسار بجيشه من سمرقند فسيطر على شرق تركيا، وأذربيجان وجورجيا ، ثم سار جنوباً عبر الأناضول واحتل ملطية وعنتاب، ثم حلب ثم حماة،ثم سلمت دمشق لتيمورلنك بعد أن وثق المفاوض “وكان حينها قاضي القضاة ” ابن مفلح الحنبلي” بتيمورلنك حيث شرع في تخذيل الناس عن القتال وتمكن خلال يومين من إقناع أهل البلد بوقف الجهاد وبدفع ماطلبه تيمورلنك( مليون دينار) ولم يكن تيمورلنك ليترك دمشق فدخلها واستباحها، بل وأجبر قاضي القضاة على أن يكون دليله لثروات دمشق، بعد استباحة دمشق اضطر تيمورلنك لمغادرة الشام لأسباب غير مؤكدة لتنتهي بذلك غزوات المغول على بلاد الشام.

الدولة العثمانية 1299 الى 1922

بدأت السلطنة السلجوقية تتقسم إلى إمارات والتي بدأت تنأى بنفسها عن تحكم السلاجقة والمغول. في عام 1277 داهمت جيوش الظاهر بيبرس الأناضول استجابة لنداء قبائل الأناضول ونجح في هزيمة المغول، ليجبرهم على التخلي عن السيطرة على سلاطنة السلاجقة، لكن نظراً لضعف قبائل الأناضول وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم انسحب راجعاً إلى مصر ليعود التحكم المغولي على الأناضول من جديد.

حين تغلب المغول على السلاجقة، بدأت تتفكك دولة السلاجقة الروم وأعلن في عام 1299 عُثمان بن ارطُغرُل (ولد يوم سقوط بغداد) نفسه سلطانا مستقلا، وتوسعت الدولة غربا وخاضت معارك طاحنة مع تيمورلنك والذي تمكن من هزيمة السلطان العثماني بايزيد الأول وأسره في معركة أنقرة وأجبر تيمورلنك زوجة السلطان على تقديم الطعام في حفل انتصار تيمورلنك وهي عارية فمات السلطان من الحزن.

من الأسباب التي ساعدت المغول على اجتياح الاراضي سريعا كان:

1. سرعة انتشار ليس لها مثيل لاعتمادهم على الخيل
2- أعداد كبيرة من المقاتلين
3- نظام محكم وترتيب دقيق
4- تحمل الظروف القاسية
5- قيادة عسكرية بارعة جدا
6- شجعان

7- الحالة النفسية التي تسببوا بها للمناطق التي اجتاحوها والرعب الذي بثوه بسبب همجيتهم وسفكهم للدماء

بلاد المغرب العربي والاندلس

سيطر المرينيون “بنو مرين” على كامل الأراضي التي كانت تشكل الدولة الموحدية، وعبروا للجهاد في الاندلس لمنع الاسبان من التقدم جنوبا ( بعد تقهقر المسلمين في معركة العقاب)، قام المرينيون بتقريب الاشراف والادارسة وبجلوهم واعادوا بناء ضريح ” إدريس” وإحياء الإحتفالات بالمولد النبوي، بعد ان منع الموحدون ذلك، كما قرَّبَ المرينيون العنصر اليهودي الفارّ من الأندلس.

اتحدت مملكة ليون وقشتالة مع مملكة أراجون‏ واستطاع الملك فيرنانديو والملكة إيزابيلا، استرجاع المدن الاندلسية الواحدة تلو الأخرى، فسقطت قرطبة 1236 واشبيلية 1248، وانحصرت الاندلس في غرناطة وماحولها إلى أن سقطت في أيديهم لاحقا في عام 1492.

استنجد الاندلسيون بالدولة الحفصية في تونس، فاكتفى حاكمها بإرسال المساعدات الانسانية من طعام ومال والتي استولى عليها الاسبان. يذكر ان الدولة الحفصية كانت ولمرات عدة تستنجد بالاسبان لحمايتها.

بلاد روسيا

استوطنت قبيلة مغولية في روسيا وتحديدا في مناطق تركستان وكازاخستان وأوكرانيا ومولدوفا والقوقاز. لاحقا اسلمت القبيلة واختلطت بالقبائل التركية

الهند

استطاعت دولة دلهي الاسلامية السيطرة على معظم الهند قبل ان تنسحب لشمال الهند

للتحميل

صحيح ان حملة المغول كانت اقسى على المسلمين من الحملات الصليبية، لكنها لم تدم كما دامت الحملات الصليبية. سنقوم بالتبحر اكثر في السلسلة التاريخية خلال الحلقات القادمة، لانعكاسات تاريخ الحقب هذه على الوضع الحالي في بلاد المسلمين

ذكرنا أن تيمورلنك اجتاح بلاد المسلمين في بداية القرن الخامس عشر. كان لابد لتيمور في تمدده غربا أن يصطدم مع العثمانيين، لكن وبوجود سلطان حكيم ومحنك مثل ” السلطان بيازيد” وفي نفس الوقت وجود محنك وقوي مثل “السلطان برقوق” في الدولة المملوكية في مصر والشام منعت تيمور من تحقيق هدفه، فكلما اقترب تيمور من الأناضول تحرك الجيشان المملوكي والعثماني سوية لصده، ولكن سرعان ما تغيرت الظروف بعد موت برقوق وصعود ابنه فرج، فرج هذا كان قصير النظر، واشعل صراع داخلي مع الدولة العثمانية وبالتالي اخذهم تيمور فرادى.

بعد تغلب تيمور على بيازيد وأسره في معركة انقرة، توجه الى ازمير التي كانت مقسمة بين العثمانيين و فرسان رودس النصارى، فحاصرها و استولى عليها. ثم عاشت الدولة العثمانية مايعرف ب “دور الفترة” وهي الحرب الأهلية بين أمراء بني عثمان والتي أجلت فتح القسطنطينية لخمسين عاما أخرى و أخرجت الجيش العثماني من أوروبا لفترة من الزمن. خرج من هذه الحرب محمد الجلبي أصغر أبناء بيازيد سلطانا فوحد الدولة من جديد ثم خلفه ابنه مراد، الذي واجه قوة صليبية جديدة حيث توحدت المجر أقوى قوة برية في اوروبا حينها مع البندقية أقوى قوة بحرية، وراسلت عائلة قرمان في الأناضول وشكلوا تحالفا ضد العثمانيين، و لكن سرعان ما انهار التحالف، خاصة بعد اعلان ابن حجر العسقلاني بردة إبراهيم بك قرمان لغدره بالسلطان مراد وأفتى بقتله، مما دفع إبراهيم بك قرمان لإعلان توبته ووقع اتفاق تبعية للسلطان مراد

سرعان ما اتحدت أوروبا بحملة صليبية خامسة، شاركت فيها المجر، بولونيا، المانيا،البندقية، البابوية، فرنسا، و بورغاندي ، وتواجهوا مع الجيش العثماني في فارنا البلغارية وانتهت المعركة بمقتل الملك المجري، فقامت حملة صليبية سادسة بقيادة هونيادي، واستطاع مراد هزيمتها ايضا.

لننتقل قليلا إلى أوروبا لفهم وضعها خلال تلك الفترة، حيث كانت أوروبا الغربية غارقة في الحروب، حرب المئة عام بين فرنسا و انجلترا و التي أنهكت العرشين ، والتي دخلت فيها مملكة قشتالة الإسبانية لصالح العرش الانكليزي، أما أوروبا الوسطى فقد انتقلت السلطة فيها إلى عائلة هابسبورغ، في ظل الإمبراطورية الرومانية المقدسة لكن بدأ تفكك الحكم المركزي للامبراطورية وكانت المجر اقوى دولة فيها.

شهدت ايطاليا في هذه الفترة تقدما حضاريا او مايعرف ب “عصر النهضة” نتيجة احتكاك الايطاليين بالمسلمين وبالقسطنطينيين خلال الحروب الصليبية ونتيجة وراثة اوروبا بشكل عام للحضارة الاموية في الاندلس. بدأ عصر النهضة بتمويل البابوية و عائلات البنوك في فلورنسا، أما شرقا فقد كانت الدول الأوروبية منهكة من هجمات العثمانيين.

العوامل التي مهدت لسقوط القسطنطينية، كانت:
1. انتهاء الدول الشيعية في منطقة الشرق الاوسط واخرها الفاطمية
2. توحد الدويلات الاسلامية واعتقاد معظم المسلمين وقتها بأن العثمانيين هم الاقدر على قيادة المسلمين، وتوحد العلماء خلفهم،حتى كان يدع
3. انتهاء الحروب الداخلية بين الحكام على السلطة
4. انشغال الاوروبيين ببعضهم، كما انتشر الجدل او مايعرف بالجدل البيزنطي في القسطنطينية حيث كانوا يتجادلون في جنس الملائكة بينما المسلمون يتجهزون لفتح القسطنطينية.

وصل محمد الفاتح الى العرش العثماني، وكان تركيزه منصبا حول حلم المسلمين القديم بفتح القسطنطينية، وكان مؤدبه وشيخه وهو صغير “آق شمس الدين الدمشقي القرشي”

طلب قسطنطين الحادي عشر المساعدة من البابا ولكنه اشترط عليه التحول إلى المذهب الكاثوليكي، و حينها قال احد وزراء الروم كلمته “إني أفضل أن أشاهد عمامة الأتراك على أن أشاهد قبعة اللاتين”.

عندما بدأ حصار القسطنطينية وهو الحصار رقم 12 لها من قبل المسلمين، توقع كثيرون فشل الحصار، كان الفاتح يستشيط غضبا لمجرد التلميح بصعوبة الموقف، وانتهى حصار القسطنطينية بوقوف مقاتل اسمه “أولوبادلي حسن” على أحد الأسوار ورفع راية المسلمين، وقتل بعدها مباشرة ولكن الراية لم تسقط، فقد استطاعت مجموعته الحفاظ على النقطة حتى جاء الدعم من خلفهم.

يقول محمد الفاتح “لو لم أكن سلطانا لتمنيت أن أكون أولوبادلي حسن”، وتدفق المسلمون إلى المدينة عبر السور ودخلت القسطنطينية في دار الإسلام. يذكر ان هجرة علماء القسطنطينية قبل الفتح و بعده إلى اوروبا ساهمت بنشوء عصر النهضة في أوروبا. كما اصبح سلاح المدفعية منذ ذلك الوقت هاجسا للاوروبيين يعملون على تطويره.

بعد فتح القسطنطينية استكمل المسلمون فتوحاتهم في البلقان وخرجت سواحل تركيا من سلطة مملكة فينيسيا، واستطاع محمد الفاتح أن يحارب 25 دولة اوروبية أعلنت الحرب عليه دفعة واحدة، سميت بالحرب الكبرى.

خلف الفاتح ابنه بيازيد، ولم يكن بيازيد مبادرا بالفتوحات واكتفى بصد هجمات بولندا والبندقية ثم هدأت الجبهات في شرق أوروبا لمدة عشرين عاما مما ساهم بتركيز الاوروبيين على اخراج المسلمين من الأندلس، حيث سقطت غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الاندلس، وانتشرت محاكم التفتيش في الاندلس للتنكيل بالمسلمين، كما طردت اسبانيا اليهود مع المسلمين من اسبانيا، واستوطنوا في المغرب.

بدخول القرن السادس عشر وبسبب توقف الفتوحات، ظهرت في الشرق فتنة الشيعة مرة أخرى، بسبب تلكؤ بيازيد بوأدها، فأخذ سليم بالقوة السلطة من ابيه مدعوما بالجيش الانكشاري وتوجه نحو الشرق لمجابهة الصفويين. بدأت الحركة الصفوية كحركة سنية صوفية تدعوا للتعبد والزهد، ثم ذاع صيتها واهتم بها تيمورلنك وتبرع للتكايا، لاحقا بدأ مشايخها ومنهم المسمى جنيد بالتحول الى المذهب الشيعي الإثنا عشري وخرج من صلبه حفيده اسماعيل الذي اجبر الكثيرين تبديل دينهم للمذهب الإثنا عشري بالقوة المفرطة، وعاقب من لم يبدل دينه بإرسال زوجته وبناته إلى دور البغاء. ووجت الدولة الصفوية دعوة إلى فرنسا طلبت دعمها ضد العثمانيين، كما زار المبعوث البابوي الكاتوليكي أصفهان عام 1699. ووقعت بعدها عدة اتفاقيات عسكرية بين فرنسا والصفويين.

مع وصول حملة سليم الى الاناضول لتأديب الصفويين، انسحب اسماعيل من الأناضول متجنبا المواجهة والتقوا لاحقا في معركة فر منها اسماعيل، واسرت زوجته. ثم توجه بعدها سليم نحو الدولة المملوكية، التي بدأت بالخروج من التاريخ، لكن كان المماليك يمتازون بأمور تفردوا بها، فمثلا كانوا يأنفون ان يموتوا على فراشهم عالبهائم، ويعتبرونه عارا، وجرت بينهم معارك استطاع العثمانيين بعدها السيطرة على مصر.

خلال ذلك وفي اوروبا، توسعت الامبراطوريتين الاسبانية والبرتغالية بعد وراثتهما للحضارة الاسلامية ومكاتبها وعلمائها في الاندلس، وجابت أساطيلهما المحيطات بحثا عن اراضي جديدة بعيدا عن العثمانيين، فوصلت الاساطيل الاسبانية (وسميت ارمادا) الى الامريكتين وكادت اسبانيا ان تسيطر على بريطانيا في عام 1581 بعد تحول الاخيرة للبروتستانتية بمباركة من بابا الفاتيكان الكاتوليكي، وجرت معركة بينهما هزم الاسبان على اثرها وكانت تلك المعركة بداية انتهاء الامبراطورية الاسبانية، بينما اتخذ البرتغاليون طريقهم نحو أفريقيا وآسيا. وسيطروا على مدن شمال المغرب مثل سبتة وسيطرت اسبانيا على مليلة، وشن البرتغال حروبا ضد الدولة السعدية الصوفية في المغرب، وفي عام 1508 وصل اول أسطول برتغالي إلى عمان وسيطر على سواحلها، دون تحرك المماليك لاستردادها، وبسبب وجود الاباضيين الذين شكلوا لاحقا دولة اليعاربة، ويعتبر هذا بالاضافة الى تمدد الصفويين ورغبة العثمانيين توحيد البلاد سببا لدخول العثمانيين الحجاز، ولم يستطع العثمانيين السيطرة على اليمن التي كان يحكمها الشيعة الزيديين، ولم يرد العثمانيين مطاردتهم في الجبال فتركوا اليمن لهم

تطورت التجارة الدولية كثيرا خلال هذه الفترة ونشأت مدرسة اقتصادية سميت بالميركنتلية ترى أن الذهب هو مصدر القيمة وربح أحد الطرفين يوجب خسارة الطرف الآخر كما ظهرت شركة الهند الشرقية البريطانية ووقعت اتفاقيات مع اليعاربة في عمان، حتى ان اليعاربة اعطوا حصونا في عمان للبرتغاليين.

بدأت ايضا الدول الأوروبية في مطلع القرن السادس عشر صراعا دينيا، كان موقد شرارته القس الالماني “مارتن لوثر”، لم يكن الخلاف بداية عقديا، وانما بسبب الفساد المستشري في جسم الكنيسة الكاتوليكية، والضرائب الكبيرة التي فرضتها البابوية في روما على الالمان، وحاجج لوثر الكنيسة بأن روما حتى في أيام أوكتافيان أغسطس لم تستطع أن تجعل ألمانيا تابعة تدفع الضرائب.

نشر لوثر اطروحته عام 1517 و كان حينها سليم القاطع في مصر، و انتشر فكره في المجتمع الألماني و الإسكندنافي مغيرا خريطة أوروبا الدينية و السياسية، و نشأت من ذلك حروب أهلية في انكلترا و فرنسا، و حروب بين الدول الأوروبية آخرها حرب الثلاثين عاما، ووجد العثمانيون فرصة لاستغلال هذا الانشقاق وتحالفوا مع الفكر الجديد ضد الكنيسة، بينما تحالف الصفويون مع الكاثوليكية بتسهيل من البرتغاليين.

خلال هذه الفترة بدأت إمارة موسكو تحت حكم عائلة رومانوف بالتوسع متحولة مع الوقت الى الإمبراطورية الروسية. ووصلت عائلة هابسبرغ للسلطة في دولة الرومان المقدسة وكان حكام اسبانيا، وبعض دويلات ايطاليا، المانيا، هنغاريا، بريطانيا ، المكسيك، ايرلندا والبرتغال من هذه العائلة.

بوصول سليمان القانوني لسدة الحكم، وكان صاحب عقل استراتيجي، ومجاهد في الصف الاول ويعتبر أكبر فاتح مسلم بحسب عدد القلاع، توجه فورا إلى بلغراد وقام بفتحها ثم رودس، ثم المجر والتي جرت على اراضيها معركة موهاج وتعتبر أحد أشهر معارك الإبادة للمجريين في التاريخ العسكري، وبعدها توجه الى النمسا، ففتح معظمها وحاصر فيينا، لكنه لم يفتحها بسبب الامداد، حيث لم يستمع لنصيحة الصدر الأعظم إبراهيم بتأسيس مراكز التموين اللازمة للجيش، وعليه فشلت الحملة لأسباب في معظمها لوجستية.

تابع السلطان سليمان المعظم وهو لقب اطلقه الاوروبيين عليه “سليمان لو ميغنيفيسا” حملاته في ألمانيا والعراق، وعقد اتفاقيات لحماية الإمارات البروتستنتية في كل من المانيا وهولندا، و بهذا تشكل حلف سني بروتستنتي مقابل حلف شيعي كاثوليكي، حكم العلاقات بين الغرب و الشرق.

كان للسلطان العديد من الأبناء أكبرهم و أقدرهم مصطفى وكان متعلما ومحبوبا من الجيش إلا ان وراثة الحكم كانت احد اكبر مشاكل الدولة الاسلامية وسببا في وصول غير الاكفاء للحكم. كان لمصطفى إخوة من زوجة أبيه روكسانا التي سعت لتحييد مصطفى لوضع أحد أبنائها الأربعة على العرش، فقامت بتزوير مراسلات بين مصطفى والصفويين، وكان سليمان يرى ان التعاون مع الصفويين امر عقدي لايبرأ فاعله، فأمر بخنق ابنه مصطفى، ومات 3 من ابناء روكسانا كلهم يحب مصطفى، ووصل للحكم اصغرهم سليم.

بموت سليمان وجلوس سليم انتهت الفترة الذهبية للدولة العثمانية وبدأت فترة الاختراق الاوروبي ويعتقد ان روكسانا لعبت هذا الدور، علما ان الدولة العثمانية فتحت بعدها قبرص، ودخل فرسان القرم التتار موسكو و حرقوا الكرملين, و فرضوا على الروس ضريبة بقيت تسدد حتى عام 1689.

بالرغم من ضعف سليم وخلفائه بقيت الدولة العثمانية اعظم قوة في العالم وتستطيع مواجهة العالم كله بمفردها. لكن ترك الفتوحات والعزلة الداخلية والاهتمام الزائد بعمار الارض ساهم بتوقف التطور بينما كانت أوروبا تتطور على كافة الصعد.

في عام 1687 فشل حصار فيينا الثاني، وبدأت بعده الدولة بالانهيار، بينما كانت أوروبا على أعتاب ثورات علمية ساهمت بنشوء أوروبا الحديثة التي نعرفها الآن.

مع انتشار الحركة الصوفية والتي دعت للتعبد والزهد والبعد عن الدنيا، تخلى الناس عن دراسة العلوم والعزلة بعيدا عن الواقع، فتحول جزء كبير من الناس الى عباد وزهاد، وانتشر الدراويش، وترك الناس السياسة والتجارة والصناعة، وانشغلوا بسرد الامور الخارقة للطبيعة، فانتشرت الاوهام والخرافات والسحر.

كانت أوربا الصليبية وقتها تواصل صعودها في سلم الحضارة المادية وتعد جيوشها للزحف على العالم

للتحميل

مقدمة:
لم تسقط بغداد في يد الولايات المتحدة عام 2003، و لم تسقط حلب بيد روسيا عام 2016، و لم يدخل الشيعة الموصل عام 2017، بل ان بداية سقوط هذه المدن كان عام 1683عندما فشل الصدر الأعظم في فتح فيينا، وتوقف جهاد الطلب، بدأ بعدها الجيش العثماني بالضعف، وافتقر للتطوير العسكري، وبدأت سلسلة الانهيارات حتى وصلنا الى ما أمسينا عليه اليوم. بدأت سلسلة مدن دار الإسلام بالتهاوي في عام 1687 عندما سقطت بودابست في يد النمسا الى الأبد، ثم بمعاهدة كارلوفيتز ـ1699ـ التي تنازلت بها الدولة عن المجر وبلغراد وأعطت روسيا ميناء على البحر الأسود، ثم خسرت الدولة العثمانية جزيرة القرم لصالح روسيا، وأمست العثمانية دولة تعامل على التساوي مع باقي دول أوروبا، وعليه أنهت هذه المعاهدة الجزية المفروضة على أوروبا.

يمكن القول أن الدولة العثمانية وقعت في سلسلة من افخاخ التفاوض السياسي والاتفاقيات الذي ادى لتخليها عن الكثير من الاراضي، او تأجيل الصراع لصالح الدول الاوربية، وقد لعبت بريطانيا دور الحكم بين الدولة العثمانية والبلغار والمجريين وكانت في نفس الوقت تدعم اي ثورة على الدولة العثمانية سرا.

للأسف العصر الذي نتكلم عنه هو عصر لويس الرابع عشر و عصر الامبراطورة كاترينا، وعائلة هابسبرغ النمساوية. في هذا العصر بدأت ملامح الثورة الصناعية وتهدم الكاتوليكية لصالح البروتستانتية التي دعمت العلماء، حيث ظهر خلالها آلة النسيج والمحرك البخاري والمطبعة ، والعلماء والمفكرين كنيوتن وهوبز وفولتير، في حين كان سلاطين المسلمين منشغلين بقصورهم، انه عصر الثورات الاوروبية، حيث قتل مئات الالوف من الاوروبيين في الثورة الفرنسية والأمريكية. هذا العصر هو عصر التحول من العثمانيين الى الاوروبيين السلاف والجرمان لأول مرة في تاريخهم.

تحولت روسيا إلى دولة قوية لاعبة على الساحة الدولية, و كانت بروسيا و عاصمتها برلين على طريق التحول الى امبراطورية, وخسرت هولندا و فرنسا ممتلكاتهما في العالم الجديد لصالح بريطانيا, لتخسر نصفها لاحقا بالثورة الأمريكية بعد عشرين عاما، و لكن تعوض خسارتها باستعمار الهند.

بدأ يشعر المسلمون بفارق التطور مع أوروبا وأبدوا النية في التعرف على أوروبا بعد أن كانوا يرونها قارة بربرية، وكان الصدر الأعظم ابراهيم باشا أول مسؤول عثماني يهدم السور الحديدي المحيط بالعثمانية و يرسل السفراء لباريس و فيينا ليسجلوا ملاحظاتهم, ولكن قاموا باستيراد الترف من عرشين الفرنسي و النمساوي, وبدأ أرباب الدولة بالتنافس في بناء القصور الفخمة واستيراد التصاميم الأوروبية، والطبول والالبسة، بدل التنافس على بناء المدافع والسفن والمدارس. تحولت العثمانية إلى دولة من الدرجة الثانية، حيث كان التحالف الروسي النمساوي ضد العثمانية قائما طوال القرن الثامن عشر وكانت العثمانية تحارب 3 دول بشكل مستمر وهما النمساويين والروس والصفويين، وبالرغم من بعض الانتصارات على الجبهات الأوروبية فإن الهزائم كانت السمة العامة، كانت أكبر الخسائر شبه جزيرة القرم على يد كاترينا امبراطورة روسيا، إذ ساهمت هذه الهزيمة في سيطرة روسيا على البحر الاسود والانتقال جنوبا. كما خسرت العثمانية بلغراد لصالح النمسا، ولم يستغل العثمانيين حرب السنوات السبع، او الثورة الفرنسية وما تبعها من حروب نابليونية أودت بعروش أوروبا لفترة من الزمن، كما لم تستفد من التنافس بين روسيا وبريطانيا حول السيطرة على البحار.

في هذا العهد خرجت الإنكشارية عن سيطرة السلطان، واصبح الجيش يحكم بشكل غير مباشر، واصبحت سمة الجيش عدم الانضباط و الانخراط في التجارة و التعدي على أموال الناس، بدأ المماليك ايضا بالاستبداد بالسلطة في مصر حتى أصبحوا يخلعون الباشا الصوري الذي يعينه الباب العالي، ووصل بهم الحد للتحالف مع روسيا في زمن علي بك الكبير على حرب الباب العالي، ولكن تم التخلص منه في معركة ميدانية، كما بدأت الصفويين والبرتغاليين ببناء الحصون، وصعدت الدولة السعودية الاولى في نجد، وتحالفت عمان مع الصفويين، في اليمن استقل سلطان لحج عن الدولة العثمانية وتحالف لاحقا مع البريطانيين، ثم سلم اليمن للبريطانيين. انفصلت الكويت عن الدولة العثمانية. البحرين ايضا اصبحت تحت النفوذ الصفوي، حتى قام بنو عتبة في قطر باعادة البحرين للنفوذ الاسلامي، وفشلت محاولات الصفويين وآل مذكور في استعادة البحرين. كما انتشر الاسلام عبر تجار اليمن وحضرموت الى اندونيسيا وماليزيا والفلبين والمالديف. قبل ان تقوم اسبانيا والبرتغال بتنصير معظم سكان الفلبين، ولاحقا قامت بريطانيا وهولندا بحملات تنصير في الهند واندونيسيا والصين.

شهد هذا العصر ايضا صعود امبراطورية الماراثا الهندوس وسيطرتها على اجزاء واسعة من الهند بسبب انشغال الحكام المسلمين بفنون العمارة والزخرفة ومازالت بعض قصورهم قائمة هناك كتاج محل.

شهد هذا العصر ايضا وصول العلويون للحكم في المغرب وهم اسلاف العائلة الحاكمة في المغرب حتى يومنا هذا

سلاطين بني عثمان :
-أحمد الثالث (1703-1730)
كان ميالا للسلم يحب الورود حتى صار اسم زمانه “عهد التوليب” استورد في زمنه نمط الحياة الغربي الباذخ، وهندسة الحدائق وادوات الموسيقى وبدأ الناس حتى الفقير المعدم بزراعة التوليب، وتحولت التكايا الصوفية الى متاحف مزخرفة. دخل أحمد الثالث مجبرا في حرب مع روسيا وانتصر على بطرس الأكبر و لكن لم يعرف كيف يستثمر انتصاره و الا كان باستطاعته تدمير روسيا، ثم أعلن الحرب على البندقية و استرجع بعض ممتلكات العثمانية منها، حتى أعلنت النمسا الحرب و هزمت العثمانية و أخذت بلغراد بالقوة و بسبب تعاقب الحروب عليها، هجرها الاتراك، ثم المجر و تحولت مع الوقت إلى مدينة صربيا حتى الآن. السلطان الذين تلاه كان ملحنا موسيقيا، وسحقت جيوشه جيوش النمسا وفارس وروسيا ولم يستمع لنصيحة مستشاريه بفتح المجر.

بدأ الروس تحديث جيوشهم، والبريطانيين والفرنسيين والنمساويين، وبنيت الاكاديميات العسكرية وترجمت الكتب الحربية في عهده كانت الامبراطورة كاترينا تبني الجيش الروسي. وخسرت العثمانية ثاني حرب في تاريخها على يد دولة واحدة، بعد الاولى ضد تيمورلنك. وبدأت العثمانية تدفع الجزية لأول مرة في تاريخها.

-عبد الحميد الأول (1774 -1789)
كل بني عثمان حتى يومنا هذا من صلب عبد الحميد الأول، ودخلت العثمانية في زمانه الحرب مع روسيا و النمسا، قام الجيش بتشتيت الجيش النمساوي و منح بذلك السلطان لقب الغازي، ولكن لم يستطع إيقاف الجيش الروسي، عاود النمساويين الهجوم، وأخذوا رومانيا وأخذ الروس مولدوفا، و أنقذ الموقف قيام الثورة الفرنسية وتهديد الشعوب للعروش الأوروبية، فعرض الروس والنمساويين إيقاف الحرب و أعادوا ممتلكات العثمانية للباب العالي، للتفرغ للخطر القادم من الغرب.

الثورة الصناعية
بدأت في بريطانيا بعد تحول بريطانيا للبروتستانتية، وتجمعت فيها رؤوس الاموال الاوروبية هربا من حروب اوروبا، ولوجود حركة تجارية بين بريطانيا ودول العالم الجديد، بعد بناء بريطانيا لاساطيلها البحرية العملاقة. قامت ملكة بريطانيا اليزابيث الاولى بإنشاء شركة مساهمة بأسهم لمعظم تجار بريطانيا لمزاولة التجارة شبه القارة الهندية والصين. حصلت الشركة على تفويض ملكي إنجليزي، وحماية جيش بريطانيا. كما انشأت هولندا شركة الهند الشرقية الهولندية وهي شركة ذات مساهمة مفتوحة. قام اليهود لاحقا بشراء اسهم في هذه الشركات حتى استحوذوا على ربع اسهم شركة الهند الشرقية الهولندية. واصبحت هذه الشركات العالمية هي المحرك لحكومات اوروبا نحو الاستعمار. قامت بريطانيا خلال هذه الفترة ايضا بتشجيع الصناعة لتسريع عملية تصنيع البضائع من المواد الخام لتقوم الشركات العالمية باعادة بيعها للدول بأسرع وقت، أدى ذلك للاستثمار في تطوير الحديد، المدافع، السفن، الات النسيج والمحركات البخارية.

الثورة الفرنسية 1789
بعد حرب السنوات السبع وحرب الاستقلال الأمريكية، كانت الحكومة الفرنسية غارقة في الديون، وحاولت استعادة وضعها المالي من خلال خطط ضرائب على الشعب بينما تعيش الطبقة الحاكمة ورجال دينها حياة ترف وبذخ. ازداد الاضطهاد حتى اصبح سجن الباستيل مكانا لسجن من يعارض الدولة. فقام الشعب بثورة على الطبقة الحاكمة والاقطاعيين، وتم الإعلان عن قيام الجمهورية الفرنسية في 1792. جميع الدول أدانت الثورة، التي انتهت عام 1799 بانقلاب نابليون بونابرت، الذي أسس الامبراطورية الفرنسية عام 1804. أدت الثورة الى تغيير جذري في فرنسا نحو التطور والانفتاح والتحول الى دولة عظمى أسوة ببريطانيا وروسيا.

الخاتمة
كما ذكرنا شهدت هذه الفترة ثورات دموية كثيرة في اوروبا وامريكا لكنها انتجت دول عظمى، في حين أسهم انشغال المسلمين عن جهاد الطلب في انحسار اراضيهم.. ليشهد القرن التالي لهذه الفترة زحف الدول الاوروبية على المسلمين.

للتحميل

العالم قبل 1800 هو ريفي الطابع، والزراعة وتجارة المنتجات الزراعية هي محور الاقتصاد في ذاك الزمن. أدى هذا لاحقا لصراع اجتماعي بين ملاك الاراضي (الاقطاعيين) والمزارعين. هذه المشكلة غيرت التاريخ، فالفقر سيطر على العالم واوروبا وخاصة فرنسا، حيث حكمت عائلة البوربون وتجمع في يدها الثروات بينما يعيش الشعب الفرنسي في جوع حقيقي فبدأت الثورة الفرنسية بثورة جوع ثم انتهت بثورة سياسية ألغت الملكية، والفروق الاجتماعية بين الطبقات، مما زلزل العروش الأوروبية واجبرها على اتخاذ خطوات لحل مشكلة الفروقات الاجتماعية.

وبالرغم من فشل الثورة الفرنسية عندما توج نابليون كأمبراطور على جمهورية فرنسا الجديدة، لكنها زرعت الفكرة في عقول الأوروبيين، واجبرت العلماء على تحويل الإنتاج اليدوي إلى الانتاج الصناعي باختراع الالات واهمها المحرك البخاري الذي ادى لزيادة الطلب على الفحم، والات النسيج حيث كان القطن حتى ثلاثينات القرن التاسع عشر هو الصناعة الوحيدة التي استخدمت فيها الآلات في المصانع ، و سيطرت صناعته على الاقتصاد برمته و غيرت من شكل اقتصاد المستعمرات التي أصبحت كلها مزارع للقطن، ويمكن القول أن القطن هو محور الصناعة الأولى.

– فترة نابليون:
استطاع نابليون وراثة عرش البوربون في فرنسا و بسبب الكره العميق لمصطلح الملكية أعلن نفسه إمبراطورا ، وأعاد بناء الجيش الفرنسي، وشرع في حملاته العسكرية على اسبانيا وايطاليا والنمسا وبروسيا وروسيا ومصر. استطاع نابليون الوصول لموسكو، وصحيح أن الروس لم يستطيعوا مواجهته لكن البرد القارس ونقص المؤن في الطريق لموسكو، افقده الكثير من جنوده، كما حصل نفس الامر في مصر، حيث انه حاصر عكا لكنه لم يستطع السيطرة عليها ومات الالاف من جنوده بسبب الامراض.

الجدير بالذكر ان البلدان التي كانت عواصمها بعيدة عن الساحة الجيوسياسية، والتي لم يكن لأي دولة اطماع بها استطاعت الاستفادة من هذه الفترة كأمريكا وروسيا وبريطانيا.

من اهم ماقام به نابليون هو ثورة في الجيوش الاوروبية وعلوم الحرب، ويمكن القول ان فرنسا وحدها استطاعت التغلب على معظم دول اوروبا مجتمعة، كما ساهم دخوله للامارات الالمانية الى التقارب بينها مما ساعد بسمارك على توحيدها (ماعدا بروسيا والنمسا). اما حملته على اسبانيا فأنهت الاسبان وساهمت بتخلص المستعمرات الإسبانية في أمريكا الجنوبية من تسلط مدريد.

في بريطانيا كانت الملكيات المطلقة قد بدأت بإحكام قبضتها على جميع البلدان في العالم، لم تستفد الانظمة من التجربة الفرنسية واعتبرت نفسها انتصرت على الشعوب و الحركات الليبرالية و القومية، و توجت هذا النصر باتفاق فيينا عام 1815 الذي عقده المنتصرون على نابليون بقيادة الأمير ميترنخ وزير خارجية النمسا، الذي أعلن استمرار الملكيات المحافظة واستمرار سياسة التوازن الأوروبية و أمن هذا الاتفاق السلام في أوروبا 40 عاما أخرى.

في عام 1830 قامت ثورة جديدة في فرنسا وانتقلت هذه الثورة إلى إيطاليا و بلجيكا و بولندا منادية بالاستقلال على أساس قومي، واستطاع البلجيك انتزاع الاستقلال من مملكة الأراضي المنخفضة، وسحقت الحكومات الاوروبية الثورات قبل ان تعود لتشتعل في عام 1848. فنتج عن ذلك الجمهورية الفرنسية الثانية واصلاحات اجتماعية في جميع بلدان اوروبا. الجدير بالذكر ان الحكومات الغربية دعمت الثورات في البلقان على الدولة العثمانية بالترويج للقومية، بينما منعت الثورات في بلدانها

يذكر ان هزيمة نابليون ساعدت عائلة روثشايلد اليهودية والعديد من الاسر اليهودية في الثراء السريع والسيطرة على مفاصل الاقتصاد الاوروبي بشراء اسهم معظم الشركات الاوروبية وخاصة البريطانية بعد معركة واترلو.

الدولة العثمانية
بدأ القرن التاسع عشر في دار الإسلام بانقلاب في الأستانة، حيث قامت تشكيلات القابوقولو (عبيد الباب) وقادات الانكشارية بانقلاب على سليم الثالث، الذي اراد الاصلاح لخوفهم من فقدانهم لامتيازاتهم في السلطة، وقاموا بتعييم مصطفى الرابع -المختل- على عرش السلطنة. ادى ذلك لتراجع الدولة العثمانية بشكل كبير. وبدأت بفقدان السيطرة على اراضي الدولة.

– الثورات البلقانية:
انتشرت في الدولة العثمانية الأفكار الليبرالية القادمة من فرنسا، وبسبب فساد الانكشارية وزيادة ظلمهم على الشعوب، بدأت فكرة القومية تروق لجميع الشعوب التي كانت تثق بالدولة العثمانية، بدعم من اوروبا، وتحديدا بريطانيا وفرنسا. بدأت الثورة في اليونان ثم في الافلاق وبغدان (مولدوفا وولاخيا)

بدأ المسلمون بفقدان الثقة بالجيش الانكشاري، وكانوا يعلمون ان هذه التشكيلات القديمة لم تعد تستطع الصمود امام الثوار اليونانيين، فكيف ستصمد امام الجيش الروسي او الفرنسي. فقام السلطان بالتعاون مع أهالي إسطنبول بسحق الانكشارية فيما يعرف بالواقعة الخيرية وقضى على الانكشاريين.

بسبب ضعف المركزية في اسطنبول، استقلت معظم الاراضي البعيدة عن القسطنطينية، كما حصل في تونس ومصر، ففي مصر، ارسل العثمانيين محمد علي باشا لمصر ضمن المتطوعين الألبان لقتال نابليون ، ولكن سرعان ما سيطر على الكتيبة الألبانية، ثم مصر واستغل كره الشعب للمماليك الفاسدين فحثهم على ارسال طلب للباب العالي لتعيينه واليا على مصر وبهذا حاز على لقب الباشا الذي استمر معه طوال حياته.

في عام 1811، تخلص محمد علي من بقايا المماليك (مذبحة القلعة)، كما قام بحملة على نجد للتخلص من الدولة السعودية واستطاع حصار الدرعية وأسر قادة الدولة السعودية وارسلهم لاسطنبول. بدأ محمد علي بعدها بتطوير الجيش بالاعتماد على الفرنسيين، وتحالف مع فرنسا، واتجه الى الشام وسيطر عليها ووصل الى قونيا في تركيا. تدخلت الدول الأوروبية عام 1833 لمنع سقوط العاصمة بيد محمد علي وخاصة بعد طلب السلطان حماية روسيا ونزل الأسطول الروسي في البوسفور.

كانت هذه نهاية طموحات محمد علي الذي انكفأ بعدها لتطوير مصر وتزامن موته عام 1849

نابليون
في عام 1800 كان نابليون بونابرت جنرالا شابا حير بدهائه الحربي رجالات أوروبا وتفوق عليهم، بدأ بحملة على مصر وخاض معركة ابوقير مع البريطانيين ثم معركة الاهرامات مع المماليك، وسيطر على مصر، ثم حاول الوصول للشام فتحالف البريطانيون مع العثمانيين لمنعه من السيطرة على عكا ومات الالاف من جنوده بالطاعون، في عام 1804 انطلقت نخبة جيشه الإمبراطوري من باريس، وسرعان ما سيطر على مساحات شاسعة ما كان لأحد من الفرنسيين أن يحكمها غيره في اوروبا، في عام 1807 لم يبقى امامه غير روسيا وبريطانيا.

ثم هزمت روسيا واستطاع نابليون دخول موسكو، لكن الروس لم يقوموا بتسليم مفاتيح المدينة له ولم يستقبلوه بل واحرقوا كنوزهم وديارهم في موسكو حتى لايعود نابليون بأي غنائم من روسيا، كان الجيش الروسي يمتنع عن الاستسلام لنابليون ورفضوا الصلح معه، ولم يقوموا بمواجهة جيش نابليون المؤلف من 500 ألف جندي الا بحرب عصابات، تركوه يدخل الى اي مكان يريد في روسيا لكنهم احرقوا كل شيء، فانسحب نابليون من روسيا بعد ان افني جيشه وشيع ماحصل له في حملته في روسيا فتشجعت الدول الاوروبية على قتاله وتجمع تحالف دولي (النمسا، السويد، بريطانيا، بروسيا ثم انضمت روسيا) فهزم في معركة ليبتزغ ثم في معركة “واترلو” عام 1815.

مع انتهاء عصر الثورات الأوربية برزت فرنسا وبريطانيا كقوى عظمى، وبدأ صعود القوة الألمانية التي ستغير مجرى التاريخ والتحالفات الدولية، وهذا ما سنتكلم عنه في الحلقة القادمة من هذه السلسلة بإذن الله.

للتحميل

العالم حتى الحرب العالمية الاولى
العصر الفيكتوري

في هذا العصر كان التركيز التاريخي على اوروبا والتي تعيش عصرها الذهبي، حيث استطاعت فرنسا وبريطانيا وهولندا التوسع خارج اراضيهم في افريقيا وآسيا. يسمى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بالعصر الفيكتوري، نسبة إلى فيكتوريا ملكة بريطانيا التي حكمت 64 عاما، وهو عصر الحروب الحاسمة في اوروبا، بعد انهيار اتفاقية فيينا للسلام، وعودة الحروب إلى أوروبا بدءا من حرب القرم وانتهاء بحرب عام 1877 بين الدول الأرثوذكسية والعثمانية، كما شهد هذا العصر حروب الوحدة الألمانية والوحدة الإيطالية، والحرب الأهلية الأمريكية، وصعود اليابان كقوة عسكرية، كما كانت اوروبا في أوج ازدهارها العسكري والاقتصادي، كما تم التركيز على خطوط الامداد والنقل والاتصالات، حيث افتتحت قناة السويس عام 1869 وتم وصل خطوط التلغراف عبر الأطلسي، واخترع الهاتف عام 1876، وبعد عام 1871 ساد السلام في أوروبا لعدة اعوام استعدادا للحرب العالمية الاولى

المسألة الشرقية و حرب القرم
مع ضعف الدولة العثمانية، وقضم اوروبا للاراضي البعيدة عن اسطنبول خاصة مناطق السواحل العربية، بدأت اوروبا تتخوف من استيلاء روسيا القيصرية على الدولة العثمانية خاصة مع قضم روسيا لاجزاء من اوروبا الشرقية الارثوذوكسية والتي كانت روسيا تسعى للسيطرة عليهم، وتخوفت اوروبا من ذلك ومن وصول روسيا للبحار الدافئة وتهديد طرق امداد بريطانية وفرنسا.

من هنا برزت المسألة الشرقية، في نهاية القرن التاسع عشر وهي التنافس الاوروبي-الروسي على وراثة العثمانية، فقامت اوروبا بدعم العثمانيين ضد الروس، لتأجيل انهيار العثمانية لحين إضعاف روسيا، حيث أرسل السفراء الغربيين رسائل مبطنة للقيصر نيقولا، أن اوروبا ستقف على الحياد في حال نشوب حرب عثمانية روسية، وفي نفس الوقت قام سفراء اوروبا بالتأكيد لاسطنبول أن بلدانهم ستقف مع اسطنبول ضد روسيا.

لكن بالمقابل، طالبت فرنسا ببعض الحقوق في القدس، واعطتها العثمانية لفرنسا ولم تعط اي حقوق لروسيا، وكان هذا القرار هو الشرارة لحرب القرم والتي اصطفت فيها الدول المسيحية في اوروبا مع العثمانيين ضد روسيا المسيحية، وانتهت بهزيمة ساحقة للروس و خسارتهم لشبه جزيرة القرم، و تدمير أسطول البحر الأسود و تأجيل استقلال الدول البلقانية عقدين من الزمن، كما أعطت القيصر درسا قيما بالسياسة الدولية.

الصعود القوي للأمة الألمانية 
كانت ثورات اوروبا سببا في تطور انظمتها السياسية، حيث سعت الدول لتجنب الثورات في المستقبل، وقامت بإصلاحات سياسية، ففي بروسيا ساهمت الإصلاحات إلى وصول بيسمارك إلى البرلمان ومنه إلى منصب المستشار، مما أدى فيما بعد إلى توحيد ألمانيا تحت راية القياصرة البروس بفضل جهوده، حيث كان بيسمارك رجل دولة بامتياز و يجيد عقد الصفقات الدولية، و بدأ برحلة توحيد الأمة الألمانية التي كانت عبارة عن عشرات الإمارات والمقاطعات التي تدور في فلك الدول الأوروبية، بإعلان الحرب على كل دولة على حدة و الحرص على إرضاء بقية الدول بصفقات تضمن حيادها، فعلى عكس خلفائه لم يقبل دخول حرب تتضمن جبهتين إطلاقا، بدأ بالدانمارك أضعف الدول عام 1864 ثم وجه قوته إلى النمسا بهدف سحب وصايتها على الإمارات الألمانية، ثم وجه الجيش باتجاه فرنسا والتي تعد أحد أخطر أعداء الأمة الألمانية، واستطاع بفضل التنظيم العالي للجيش و التكنولوجيا الحديثة هزيمة الإمبراطورية الفرنسية بقيادة نابليون الثاني وإعلان وليام الأول إمبراطور على كل ألمانيا عدا النمسا في قاعة المرايا قصر فرساي.

تطورت الأحداث بعد هذه الحرب إلى الحرب العالمية الأولى، حيث تنامى خوف اوروبا من صعود المانيا، خاصة في فرنسا، وبدأ عهد الثورة الصناعية الثانية والتنافس على الصناعات العسكرية مما سبب الدمار الواسع الذي شهده العالم في الحرب العالمية الأولى. رأت الدولة العثمانية في ألمانيا حليفا أوروبيا قويا في وجه روسيا وبريطانيا وفرنسا، وطريقا لها لتحديث الجيش والتكنولوجيا.

الحرب العثمانية الروسية 1877
كان سبب الحرب هو ثورات البلقان، حيث ثارت صربيا على العثمانيين بسبب قتل الجيش الانكشاري لحاكم بلغراد التركي، فهب اهل بلغراد ضد الجيش الانكشاري، كما كانت الدولة العثمانية تخوض حربا مع اليونان، والمدعومة من الحلف البريطاني-الفرنسي-الروسي، قبل ان تسوء علاقة فرنسا وبريطانيا وروسيا والمانيا مع بعضهم البعض لتخوف كل طرف من اسقاط اسطنبول والاستحواذ على تركتها. كادت حرب 1877 والتي انطلقت من البلقان ثم امتدت لتشمل القوقاز وجزيرة قبرص ان تطيح بالدولة العثمانية، لولا تدخل الأسطول البريطاني مهددا بحرب شاملة ضد روسية إذا أصرت على التوجه إلى اسطنبول، وكانت الخسارة يومها كارثية حيث تراجعت حدود العثمانية إلى حدود عام 1396، أعلنت كل من صربيا والجبل الأسود وبلغاريا الاستقلال التام عن العثمانية، و انتقمت روسيا من هزيمة القرم قبل عقدين من الزمن.

وقعت الدولة العثمانية العديد من الاتفاقيات مع الدول الاوروبية ولم تكن جميع هذه الاتفاقيات الا محاولات من الدول الاوروبية لكسب الوقت للتركيز على جبهات اكثر اهمية، وتغيرت التحالفات في اوروبا عدة مرات، فبعد تحالف روسيا-فرنسا-بريطانيا ضد العثمانيين، تقاربت الدولة العثمانية من روسيا وهذا ما اقلق اوروبا والتي بدأت بتحريض الرأي العام في اوروبا لحماية المسيحيين في البلقان من العثمانيين، وفي عام 1877 اعلنت روسيا الحرب على العثمانيين ووقفت بلغاريا مع روسيا، وكادت روسيا ان تسقط اسطنبول الا ان بريطانيا اعادت تغيير الرأي العام ضد روسيا، وانها تريد احتلال اسطنبول والسيطرة على الشام ومصر. فتحرك الاسطول البريطاني وحط في اسطنبول مجبرا روسيا على الانسحاب بعد ان كانت قريبة من اسطنبول، وقامت على الفور بتوقيع اتفاق مع العثمانيين تنص على حصول صربيا ورومانيا على استقلالهم. لاحقا جرى الاتفاق بين الدول الاوروبية على انتداب هنغاريا والنمسا على البوسنا والهرسك، وحصول بريطانيا على قبرص. ولم يبقى للعثمانيين في اوروبا الا مقدونيا والبانيا، قبل ان تظهر ثورة في مقدونيا تحت شعار “مقدونيا للمقدونيين”، حيث اعتمدت بريطانيا في هذه الفترة على تنمية القومية على حساب الدين لمحاربة تفوق روسيا الارثوذوكسي على هذه الشعوب. كما استخدمت بريطانيا هذه النزعة بشكل واسع حتى تشكلت في الدولة العثمانية نفسها نزعة تركية، وظهرت حتى في البانيا المسلمة والتي قامت بثورة على الدولة العثمانية. ومع محاولة ايطاليا احتلال ليبيا في بدايات القرن العشرين، اعلنت بلغاريا وصربيا واليونان الحرب على الدولة العثمانية فبل ان تدخل هذه البلدان الثلاثة في حرب فيمابينهم، انتهت باغتيال ولي عهد النمسا من قبل عصابة من القوميين الصرب في سراييفو لتكون شرارة الحرب العالمية الاولى

الحرب الاهلية الامريكية
في عام 1861 فاز لينكولن بالانتخابات الرئاسية وكان أول جمهوري يفوز بالانتخابات وكانت معظم الأصوات التي حصل عليها من الشمال، و جاء بمشروع إلغاء العبيد الذي أدى في النهاية إلى الحرب الأهلية. قامت الحرب على أسس اقتصادية، حيث تشريع إلغاء العبودية سوف يضر بالإنتاج في الولايات الجنوبية التي تعتمد على العبيد في مزارع القطن والبن و التي بدورها تشكل عصب الاقتصاد الجنوبي، على عكس الشمال الذي توجه نحو الصناعة منذ حرب الاستقلال.

أطلق على الولايات الشمالية اسم الاتحاد والذي أعلن الحرب على الجنوب حيث دامت الحرب لمدة أربع سنوات على ارض الجنوب دمرت فيها البنية التحتية والمزارع، و عانى الشعب الويلات، ولكن سرعان ما بدأت النهضة الاقتصادية بعد انتهاء الحرب على أكتاف المهاجرين المعدمين الذين كانوا على أرض الواقع أقرب للعبيد من الأحرار.

اليابان (فترة ميجي):
هي الفترة بين 1868 و 1912 حيث دخلت اليابان في عهد الإصلاحات والانفتاح على العالم، بعد قرون من الانغلاق، و بدأت اليابان خطة تحديث للدولة والمجتمع قادها الإمبراطور ميجي بهدف استعادة الاستقلال المطلق لليابان و حمايتها من تهديدات الدول الأوروبية، وبالرغم من الاتجاه نحو التحديث حافظت اليابان على هويتها الثقافية و نجحت في بناء دولة صناعية قوية استطاعت هزيمة أعدائها.

الخاتمة:
كان نهاية القرن التاسع عشر نهاية هادئة بالنسبة لأوروبا ولكن كان تحت هذا الهدوء بركان يغلي، كان الجميع ان هناك حربا كبرى ستقع ولكن لا أحد يعلم متى وقوعها، كانوا يطلقون عليها اسم الحرب التي ستنهي جميع الحروب، و كان الجميع يستعد لها، وكما قال بيسمارك “الحرب الكبرى ستندلع بسبب تصرف أحمق من البلقان و هذا ما حدث فعلا”

للتحميل

يمكن القول أن أسباب الحرب العالمية الأولى الغير مباشرة،كانت:

1. معاهدات الدفاع المشترك الموقعة خلال تلك الفترة بين روسيا وصربيا،وبين ألمانيا والنمساالهنغارية وبين فرنسا وروسيا وبين بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وبين بريطانيا واليابان.

2. توحد ألمانيا والتي كانت العدو اللدود لفرنسا.
3. سيطرة الامبريالية والرأسمالية، والتي تعني أن يكون هناك بلدا يسيطر على مناطق خارج سلطته للاستفادة من مقدرات هذه الثروات عن طريق شركات، وكانت بريطانيا وفرنسا وهولندا رؤوس الامبريالية في تلك الفترة حيث قامت هذه الدول باستعمار أجزاء واسعة من آسيا وافريقيا وأمريكا للحصول على المواد الخام ولتصدير البضائع، ومنعتا اي دولة جديدة من تهديد مصالحهم هناك
4. الحركات الوطنية في اوروبا الشرقية حيث أراد السلاف في البوسنة الانضمام لصربيا وليس للامبراطورية النمساهنغارية

العثمانيين
كان لقب العثمانيين في تلك الفترة بالرجل المريض على البوسفور، وبدأت روسيا وفرنسا وبريطانيا التفكير بغزو تركيا، فتحالف العثمانيين مع الألمان، لصد الأطماع الغربية في الدولة العثمانية ولرغبة ألمانيا الاستفادة من سلطة السلطان العثماني في إعلان الجهاد والذي سيجيش ملايين المسلمين حول العالم، لكن ذلك لم يحدث أي صدى في العالم الإسلامي. بل إن بريطانيا بدأت فورا بالعمل مع القبائل العربية للتمرد على العثمانيين

اليهود

كان اليهود قبل الثورة الصناعية في أوروبا يعانون كثيرا من كره الأوروبيين لهم، وتغيرت هذه النظرة لاحقا بسبب تمدد الحركات الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والتي دعمها اليهود لتستبدل الهيكلية الملكية الحاكمة في أوروبا. لاحقا ومع انتشار الحركات القومية، وازدياد ثروات اليهود بسبب الربا في المصارف التي سيطر اليهود على معظمها وبسبب محاولات اليهود شراء السياسيين الأوروبيين، عاد الحقد ضد اليهود مرة اخرى ، بعد اغتيال القيصر الكسندر الثاني الروسي من قبل متمردين اشتراكيين، انتشر الحقد ضد اليهود في روسيا ،حيث كان لديهم أكبر جالية يهودية، اعتبر الروس أن الفكر الاشتراكي من صنع اليهود. بدأ القياصرة أيضا اتخاذ اجراءات صارمة ضد اليهود، حتى بدأت الثورة البلشفية والتي أطاحت بآخر قيصر (نيكولاس)

بدأ اليهود بعدها بالاجتماع سرا لإيجاد بلد لهم، واستقر رأيهم على فلسطين. كان بعض اليهود قد بدأ بالفعل شراء الأراضي في فلسطين والهروب من اوروبا، حيث كان المسلمون يعاملون جميع أهل الكتاب معاملة حسنة وفقا للتعاليم الاسلامية (هذا سبب عدم هجرة اهل الكتاب من البلدان التي فتحها المسلمون وبقائهم حتى هذا الزمن)

قدم في عام 1896 رئيس الوكالة اليهودية ثيودور هرتزل إلى إسطنبول للقاء السلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بالسماح لليهود الهجرة إلى فلسطين مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل. فرد عليه السلطان العثماني بالقول “لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليست ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة”، وأصدر بعدها السلطان فرمان تم ضمه للقانون “عثمانلي أراصي قانوني” والذي ينص على منع بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود. خلال الحرب العالمية الأولى، وجد اليهود فرصة سانحة لإقناع بريطانيا باعطائهم فلسطين ضمن ماعرف باسم وعد بلفور.

العرب
إن استراتيجية فرنسا وبريطانيا في القرن الماضي، اتسمت بتشجيع تقسيم أعدائهما الى بلدان ذات نزعات عرقية، أو دينية وذلك لضمان بقاء العداء بين هذه البلدان. فبعد تجاربهما في تقسيم أوروبا الشرقية التابعة للعثمانيين، استخدمت نفس النموذج في تقسيم العرب المسلمين إلى بلدان جديدة، ثم قامت باحتلالها لزرع المفاهيم الغربية فيها.

كان اهتمام بريطانيا بالدول العربية محصورا على مصر والسواحل وذلك قبل اكتشاف النفط في إيران والعراق وذلك في أوائل القرن الماضي، بعدها وسعت بريطانيا سيطرتها لتشمل المناطق النفطية، وما إن انتهت الحرب العالمية الأولى حتى هرعت مع فرنسا لتقاسم التركة العثمانية، بعد أن خدعت العرب لإبعادهم عن العثمانيين. الفتنة التي زرعتها بريطانيا في عقل الشريف حسين هي أنه من آل البيت وبالتالي هو أحق بخلافة المسلمين من الأتراك.

يقول الباحث ديفيد فرومكين أن القيادة البريطانية كانت تتخوف من أن الشخص الذي سيعلن نفسه خليفة للمسلمين، سيقوم بالتحكم بالمسلمين السنة وهذا ماقد يؤدي إلى إعلان الجهاد كما فعل الخليفة في اسطنبول في الحرب العالمية الاولى

يقول الكاتب جيرترود بيل، أن ثورة الحسين لم تحقق نجاحات عسكرية حقيقية على الجيش العثماني، ولم تستطع جذب المسلمين للخروج عن طاعة خليفتهم في اسطنبول

خلال الحرب العالمية الأولى وقبل الثورة العربية بشهر كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا واليونان قد تقاسمتا البلاد الإسلامية فيما بينهم ضمن اتفاقية سايكس بيكو، والتي بقيت سرية (حتى لايعلم الشريف حسين بالخيانة البريطانية له وبعد معرفته، قالت بريطانيا إن وعود مكماهون له عن طريق الرسائل غير رسمية ولايمكن الأخذ بها) حتى قام الثوار البلشفيون بنشر محتوى الاتفاقية في جريدة برافدا إيزفيستيا، بعدها بثلاثة أيام قامت الغارديان مانشستر البريطانية بنشر الوثيقة. وعلم الشريف حسين وقتها أنه خدع. لتجنب الإحراج قامت فرنسا وبريطانيا عن طريق الامم المتحدة بفرض الوصاية على الدول العربية ولكن الوصاية الدولية كانت مطابقة لاتفاقية سايكس-بيكو في مؤشر عن من يقوم بالتحكم بالأمم المتحدة.

يقول لورنس العرب:
إنه من المفيد لبريطانيا تقسيم الكيان الإسلامي لتحقيق الهزيمة للإمبراطورية العثمانية، وذلك إن قام الشريف حسين بخلافة الاتراك فلن يكون ذلك مضرا بمصالحنا، لأن العرب أقل استقرارا من الاتراك، وإن استطعنا إدارة الموضوع فسيكون لدينا بلاد متناحرة كلوحة الموزاييك لاتستطيع الاجتماع فيما بينها. إن مايعيق اي خطر عربي هو حب العرب للسلام وعدم امكانية توحدهم.

عندما اندلعت الحرب، تبين لفرنسا وبريطانيا أن هناك حاجة ملحة لتقسيم العالم الإسلامي، عن طريق إنشاء ولايات عميلة، معترف بها دوليا، تسيطر على الأمن الداخلي، وتعتمد على بريطانيا في الحماية الخارجية (ضمن قرارات يتم إصدارها من المنظومة الدولية لكسب شرعية التدخل) وبذلك تقوم بالالتفاف على أي محاولات حالية أو مستقبلية للقوى الكبرى للسيطرة على هذه المناطق.

لاحقا قامت حكومة بريطانيا في الهند بإصدار وثيقة اسمها “ماذا نريد” وتحدثت الوثيقة أن بريطانيا لا يجب ان تسعى لبناء دولة عربية موحدة، بل يجب تقسيم البلاد لمنع التنسيق فيما بينها لأي عمل ضد مصالح بريطانيا

بعد انتهاء الحرب العالمية، قام الشريف حسين بإعلان نفسه ملكا على جميع المناطق العربية، الا أن بريطانيا لم تكن مستعدة لإعطائه أكثر من الحجاز، وبسبب تخوفها من أطماعه، قامت بريطانيا بدعم عدوه الطبيعي الملك عبد العزيز آل سعود، والذي بدأ بالسيطرة على نجد وماحولها، لكن حكومة بريطانيا في الهند كانت مع فكرة دعم عبد العزيز لأنه شخص غير معروف لدى المسلمين في الهند وبالتالي لن يستطيع الحصول على مبايعتهم له كخليفة للمسلمين. وبناء على هذا بدأت بريطانيا بغض الطرف عن هجوم عبد العزيز على الحجاز لمنع الشريف حسين من إنشاء مملكة عربية، وفي نفس الوقت تركت خيطا لم تقطعه مع الشريف حسين وعينت أبناءه ملوكا على العراق والاردن (صوريا).

يقول تشرشل عن الملك عبد العزيز “اعجابي به عميق، بسبب ولائه لبريطانيا”.

في عام 1917 قامت بريطانيا بإرسال الجاسوس هاري فيلبي (والد الجاسوس البريطاني كيم الذي عمل لصالح السوفييت) والذي قيل أنه أشهر إسلامه، وعمل خلال عشر سنوات على تفويض مهام وزارة الخارجية السعودية إلى وزارة الخارجية البريطانية. ومع التقارب البريطاني السعودي، وبسبب ولائه للإنحليز، حاول جيش عبد العزيز “الاخوان” الثورة عليه، فطلب العون من بريطانيا والتي أرسلت جنودا من العراق لمساعدته في إعدام الثورة، لاحقا تم قتل معظم المعارضين وتم التوصل مع من تبقى منهم ومنحهم حقيبتي التعليم والهيئة

الحرب العالمية الاولى

اندلعت الحرب عام 1914 ودامت 4 سنوات، وأدت لإعادة تغيير التاريخ الجغرافي السياسي في العالم. حيث انهارت خلالها امبراطوريات ألمانيا والنمساهنغارية، والعثمانية وروسيا(سبب انهيار روسيا التي كانت مع الحلفاء فهو قيام الثورة البلشفية).

كان اغتيال ولي العهد النمساوي فرانز فيرديناند في سراييفو على يد الصرب السبب الرئيسي للحرب. فبعد الاغتيال لم يتم التوصل لاتفاق سلمي بين النمسا وصربيا، بسبب تبييت النمسا لنية الحرب، التي أعلنتها لاحقا تبعها إعلان روسيا الحرب، فالألمان، ففرنسا، ومع دخول ألمانيا لبلجيكا والتي اعتبرتها بريطانيا حليف لها، دخلت بريطانيا الحرب. في بداية الحرب اتفقت روسيا وبريطانيا وفرنسا في لندن على عدم عقد أي اتفاقيات سلام أحادية مع اأمانيا أو النمسا، وبناء عليه تم تسميتهم بالحلفاء.

كانت جميع الدول المتحاربة مكتفية ذاتيا من حيث الطعام إلا بريطانيا وألمانيا، المسيطرتان وحدهما على 29% من اقتصاد العالم. جميع جيوش أوروبا كانت مدربة بسبب الخدمة الإلزامية للرجال لمدة تتراوح بين 3 إلى 4 سنوات إلا الجيش البريطاني والذي كان جيشا تطوعيا. كانت جيوش ألمانيا وروسيا وفرنسا هي أكبر جيوش العالم وقتها ورجحت كفة الميزان العسكري للحلفاء على القوى الوسطى (المانيا وحلفاءها)، ولكن الجيش الألماني كان أحد أفضل الجيوش في العالم وقتها، مما جعل الحرب تطول دون حسم لأي الطرفين.

بسبب الحرب السابقة بين الفرنسيين والألمان، قامت فرنسا ببناء عدة حصون وقلاع على حدودها مع ألمانيا، ومع اندلاع الحرب، فكر الألمان بقصم ظهر فرنسا أولا قبل التوجه نحو روسيا. وبسبب التطور العسكري للدول الاوروبية، كاختراع الرشاشات والدبابات والطائرات السبب في إطالة زمن الحرب، وتحويلها إلى حرب خنادق دون رجوح الكفة، حتى قامت بريطانيا باقناع إيطاليا وأمريكا بدخول الحرب.

أمريكا كانت محايدة بل عرضت أن تكون وسيطا للسلام، لكنها كانت منحازة ضمنيا للبريطانيين. ومع قيام بريطانيا لاحقا بفك شيفرة رسالة ألمانية للمكسيك بالسماح لألمانيا ببناء قواعد لها هناك مع وعود ألمانية للمكسيك باستعادة ولايات تكساس وأريزونا ونيومكسيكو الأمريكية، وقامت الصحافة الامريكية بنشر الرسالة فتم تجييش الشعب الأمريكي والذي بدأ يطالب بدخول امريكا بالحرب. لاحقا قامت الغواصات الألمانية بإغراق بعض السفن الأمريكية التجارية والتي كانت بعضها تقوم بنقل ذخيرة وعتاد للبريطانيين وعليه أعلنت أمريكا الحرب على المانيا

دخول أمريكا غير مسار الحرب ليس بسبب قوتها(حيث تم تدريبها على يد البريطانيين والفرنسيين) لكن الاموال الأمريكية لعبت دورا في ترجيح كفة الحلفاء حيث منحت الحلفاء قرضا بلغ 7 مليارات دولار وقامت بإرسال الطعام والمعدات لهم، خاصة بعد انتشار المجاعات في ذلك الوقت في أوروبا

خلال هذه الفترة، وبعد الحرب، عملت الدبلوماسية البريطانية على جذب جميع الدول للتحالف، حتى الصين أعلنت الحرب على ألمانيا. كما قامت بريطانيا بدعم إنشاء دول جديدة شرق أوروبا لتفكيك القوى الوسطى، فدعمت الصرب لإنشاء يوغوسلافيا، كما دعمت إنشاء بولندا وأوكرانيا (كان هناك تخوف بريطاني من انزعاج روسيا بإعلان إنشاء بولندا وأوكرانيا حيث أن هناك مطالب روسية ببعض أراضيهم) وبعد الثورة البلشفية، تشجعت بريطانيا على هذه الخطوة.

في عام 1918، هزم التحالف القوى الوسطى ليقوم بعدها بتأسيس عصبة الأمم كمنظمة دولية، وكان من مقررات هذه العصبة شرعنة سيطرة فرنسا وبريطانيا على معظم دول العالم وبدأ بعدها بسنوات تدفق القوات الغربية على البلاد الإسلامية

للتحميل