منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:44 pm

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  %D9%85%D9%8A%D8%AB%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%D9%8A

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية (1-2)
ا. د. ميثم الجنابي

إن جغرافية الدولة هي جغرافيتها السياسية. لكن حقيقتها تتراكم حول ما يمكن دعوته بمراكزها التاريخية الثقافية، التي تجعل منها على الدوام قوة جاذبة. الأمر الذي يجعل من توسع او تقلص حدودها الجغرافية حالة عابرة، وبالأخص بالنسبة للدولة العريقة. والعراق دولة عريقة، بل احد اعرق الدولة في التاريخ العالمي. فقد كانت حدوده الجغرافية والسياسية تتوسع وتتقلص من إمبراطوريات كبرى إلى كيانات مجزئة وصغيرة، لكنها بقت على الدوام محصورة ضمن إطار الفكرة المتراكمة في تاريخه الذاتي ومراكزه الثقافية السياسية الكبرى، أي عراق أور وبابل ونينوى، وعراق البصرة والكوفة وبغداد والموصل، أي نفس الجغرافيا السياسية والثقافية. وهي مكونات طبيعية وماوراطبيعية في الكينونة العراقية، ارتقت إلى مصاف المرجعيات الذائبة في وعيه الثقافي والسياسي، وذلك لأنها ليست جزء من تاريخه، بل مستويات ذائبة في صيرورته التاريخية وكينونته الثقافية.

ففي إحدى القصائد الكبرى التي قيلت بحق سرجون الثاني، ملك آشور (ت – 705 قبل الميلاد)، نقرأ الخطاب الموجه إلى نينيجيكو (اله الحكمة):

يا اله الحكمة!

فجّر ينابيعك لسرجون، ملك آشور،

وحاكم بابل،

وملك سومر وأكد،

ومشّيد هيكلك!

واجعل للعقلاء والعلماء قدرهم

ووفقهم بالتمام وبلوغ المرام!

ويعكس هذا المقطع النموذجي فكرة وذهنية المركز السياسي، التي صنعت بدورها قيمة المركز الثقافي. بمعنى التوكيد على أن الحكمة هي منبع الحكم، وان العراق هو آشور وبابل وسومر (أي شماله ووسطه وجنوبه) وان للحكم الرشيد (العقلاني والحكيم) قدره في بلوغ التمام والمرام. وتكشف هذه الفكرة بعد مرور حوالي 2700 سنة عن ضحالة الواقع العراقي الحالي و"نخبه السياسية"! لكننا حالما نضعها ضمن سياق الحاضر والمستقبل، فإنها ليست أكثر من مؤشر على بديهة التاريخ العراقي القائلة، بأن العراق هو صيرورة تاريخية وكينونة ثقافية لا مكان فيها للتجزئة المفتعلة. بمعنى أن كل الصيغ المفتعلة التي جرى حشرها في وعيه السياسي على امتداد تاريخه الحديث (وبالأخص منذ ثلاثينيات القرن العشرين) لم تؤد في نهاية المطاف إلا إلى الزوال والاندثار دون أن تثير في الذاكرة شيئا غير مختلف نماذج الأسى والكراهية، كما هو جلي في ما آلت إليه الأيديولوجيات الكبرى كالشيوعية والبعثية، وما نراه ونسمعه من صداها الباهت في "استفحال" الأحزاب العرقية (الكردية)، وهوس الحركات الطائفية (الشيعية والسنية)، وهمجية السلفيات الإرهابية، ومختلف أشكال ومستويات التجزئة والانحطاط. إلا أن كل هذه المظاهر الخربة والمخرّبة هي جزء من زمن الضياع التاريخي للعراق الحديث الذي تراكم في مجرى انحلال مراكز الثقافية السياسية، وخصوصية ظهوره الحديث بأثر تفاعل بقايا عثمانية متهرئة وسطوة كولونيالية بريطانية. وبالتالي، فإنها جزء من زمنه السياسي العابر وتجاربه الحديثة.

إن الدولة العراقية ليست جزأ من تجارب الحركات والأحزاب، بقدر ما هي جزء من "نظامه السياسي". والعلاقة بينهما كبيرة لكنها ليست جوهرية فيما يتعلق بالثوابت أو المرجعيات الجوهرية للدولة في العراق وهويته الذاتية. وهو أمر جلي حالما نحلل علاقة الدولة العراقية الحديثة بنظامها السياسي، وأثره بالنسبة للحالة الآنية المهددة لوحدة الدولة وإمكانية تجزئتها. بعبارة أخرى، إن كل ما يجري فيه الآن هو جزء مما ادعوه بتجربة الاحتمال الكبرى الحديثة فيه من اجل إعادة تأسيس الدولة العراقية (وليس إعادة بناءها) بطريقة تستقيم مع مكوناته التاريخية الثقافية واثر مراكزه الثقافية. انه صراع من اجل السيادة والدولة والمركزية الثقافية السياسية. من هنا الطابع العنيف للصراع فيه، بوصفها الصيغة المباشرة للصراع من اجل المستقبل.

فمن المعلوم أن نشوء الدولة العراقية المعاصرة ارتبط بكيفية انهيار السلطنة العثمانية من جهة، وبطبيعة السياسة الإمبريالية آنذاك للدول الكبرى (بريطانيا وفرنسا وروسيا) من جهة أخرى. وقد أدى التقاء هذين المكونين على صياغة معاهدة سايكس - بيكو ونتائجها المترتبة على رسم الخطوط الجغرافية العامة للدولة العراقية وخضوعها المباشر للسيطرة البريطانية. ولم تكتمل هذه الدولة آنذاك (بعد نهاية الحرب العالمية الأولى) من حيث مقوماتها الجغرافية والقومية، إلا أنها كانت تحتوي على قبول حتمي للظهور بهيئة دولة موحدة بفعل جذورها الثقافية ووعيها التاريخي الذاتي واستعدادها السياسي. والقضية هنا ليست فقط في أن العراق كان من الناحية التاريخية هو مصدر فكرة المدينة – الدولة والحقوق والإمبراطوريات في المنطقة والعالم، بل ولتكامل جغرافيته وتوحيدها المتراص منذ أقدم العصور، باعتباره وحدة للسومرية والبابلية والآشورية المصهورة بالكينونة العربية - الإسلامية لاحقا. وهي وحدة لا يمكن فصل عراها. لاسيما وأنها وحدة تختلف عن الوحدات الأخرى من حيث سيادة المكون الثقافي فيها على العرقي أو القومي. ولم تكن هذه الصفة معزولة عن خصوصية المكون العربي - الثقافي - الإسلامي للعراق وأثره الجوهري في بلورة هويته التاريخية والوطنية. ك

لقد كان العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ودخول القوات الإنجليزية إليه يعاني من ضعف ذاتي هائل في مجال بنية الدولة والمجتمع والسياسة والثقافة. باختصار انه كان مجرد هيئة قابلة للاستعداد، أي انه كان في حالة كمون أو في طور الإمكانية. والإمكانية هي واقع. أما كيفية تحول الإمكانية إلى واقع، فإنها مرتبطة بأسباب وشروط عديدة. إلا أن هذه الأسباب والشروط كانت متطابقة آنذاك فيما أشرت إليه من كيفية سقوط السلطنة العثمانية واحتلال القوات الإنجليزية للعراق. أما النتيجة المباشرة لتفاعل هذين السببين على خلفية ما أسميته بالضعف الذاتي الهائل للعراق آنذاك، فإنها ظهرت للمرة الأولى في اقتراح وتطبيق شكل ومحتوى الدولة العراقية المعاصرة في بداية عشرينيات القرن العشرين. ووجدت هذه العملية انعكاسها غير المباشر في ترافق "ثورة العشرين" الفلاحية - العشائرية وقياداتها الدينية (الشيعية) وإنشاء الملكية "الهاشمية".

لقد أدت "المساومة" السياسية التي جعلت من العائلة الهاشمية عائلة مالكة في العراق، إلى كسر الإمكانيات السياسية والثقافية والاجتماعية الآخذة بالنمو في أواخر المرحلة العثمانية في العراق. فقد كانت العائلة الهاشمية بعيدة عن تاريخ العراق ما قبل الحرب العالمية الأولى. كما أنها لم ترتبط به وجدانيا وسياسيا وثقافيا وتاريخيا. لقد كانت من حيث مكوناتها هذه كلها نتاجا "للأرستقراطية العلوية" المزيفة في مجرى صراعها مع آل سعود من اجل الاستحواذ على السلطة. إذ لم تعن الدولة بالنسبة لها في أفضل الأحوال سوى السلطة المحكومة بمفهوم ونفسية "الإمارة" القبلية والدينية. الأمر الذي كان جليا في "مساومتها التاريخية" مع الإنجليز قبيل وبعد ما يسمى "بالثورة العربية". وهو أمر كان يشير في الإطار العام إلى الضعف البنيوي الهائل آنذاك لمنطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية ككل من جهة، وللضعف البنيوي (التاريخي والاجتماعي والسياسي والثقافي) في تركيبة العائلة الهاشمية في العراق من جهة أخرى. وسوف يظل هذا التناقض يحكم تاريخ العراق السياسي حتى الانقلاب العسكري في الرابع عشر من تموز عام 1958.

فقد كانت الملكية الهاشمية في العراق مصادرة تاريخية وسرقة عائلية لتراث الجنوب العراقي آنذاك، أي للقوة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي بلورت الهوية العراقية منذ أقدم العصور. إن ذلك لا يقلل من مأثرتها التاريخية الهائلة بالنسبة لتكوين وبناء الدولة العراقية المعاصرة في مختلف الميادين، إلا أنها كانت في الواقع العائق الاجتماعي والسياسي الكبير أمام صيرورة العراق الفعلية في دولة حديثة بالمعنى الدقيق للكلمة. وكانت هذه النتيجة مترتبة على الضعف الذاتي العراقي قبيل تأسيس الدولة الحديثة، إلا أن الملكية الهاشمية حولته إلى حالة بنيوية سياسية كان بدوره الاستمرار الحتمي لنشوئها التاريخي بوصفها نتاجا لمساومة خارجية. وقد لازم هذا الضعف مسارها التاريخي في غضون ثلاثة عقود حتى انتهى بحالة مأساوية في الرابع عشر من تموز 1958.

الدولة الجمهورية – جمهورية الآمال والخراب

كان الانقلاب العسكري للرابع عشر من تموز عام 1958 المخرج العنيف للشحنة الراديكالية المتراكمة في مجرى تعمق الخلل البنيوي للدولة العراقية في مجرى ثلاثة عقود من بنائها المعاصر. إذ لم تستطع الملكية تحويل مساومة ظهورها التاريخي صوب الرؤية العقلانية السياسية من خلال إشراك المجتمع في عملية بناء الدولة. وهو ضعف تتحمله أيضا القوى الاجتماعية والسياسية العراقية التي افتقد اغلبها لتقاليد الرؤية العقلانية السياسية. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بطبيعة المرحلة التاريخية آنذاك وسيطرة النزعة الثورية وتراكم أبعادها وعناصرها التي جعلت اغلب الأحزاب أسيرة الرؤية النفسية والأيديولوجية. وقد وجد ذلك انعكاسه المباشر في "الفرح الطاغي" لجميعها على "الثورة" ونسيان قيمة الفعل التاريخي والاجتماعي للصراع السياسي المتراكم في مجرى صيرورة الدولة العراقية والأحزاب السياسية وبوادر المجتمع المدني. الأمر الذي جعل من السياسة رهينة المغامرة التي صادر العسكر بريقها اللامع، بحيث أعطى للنجوم الذهبية الرخيصة على أكتافهم وزنا ابتذل بصورة شبه تامة قيمة المادة القانونية. مما أدى إلى أن تكون "الثورة" انقلابا فعليا في المسار التاريخي "الطبيعي" للدولة العراقية الناشئة. فقد قلب هذا الانقلاب موازين القيم والأعراف السياسية الناقصة أساسا، صوب ابتذالها شبه التام. مع أن النتائج الأولية لانقلاب الرابع عشر من تموز كان من الناحية النفسية تنفيسا للكبت الاجتماعي والسياسي والضعف الاقتصادي للمجتمع. وبالتالي فسح المجال أمام التثوير الراديكالي للقيم والمفاهيم والسلوك، بما في ذلك السياسي صوب توسيع أطر الحرية ومضامينها، إلا انه أدى فعليا إلى خراب هائل لمفاهيم وقيم الحرية والنظام. وذلك لأن الانقلاب العسكري للرابع عشر من تموز لم بفعل في الواقع إلا على استكمال النقص الجوهري للدولة الملكية المتركبة من مساومة تاريخية ضعيفة بحد ذاتها، عبر تجذيره في يقين أيديولوجي متنوع الصيغ والأشكال عن إمكانية الراديكالية المتطرفة في التعامل مع بنية الدولة والمجتمع والقيم. فقد كان هذا اليقين يحاكي بصورة غير واعية ما سبق وأن أحدثته الثورات الاجتماعية الكبرى. وإذا كانت "الثورة العراقية" تلتقي في زمن حدوثها مع تاريخ حدوث الثورة الفرنسية العظمى، فإن ثقل الرمز التاريخي كان مجهولا تماما بالنسبة لحفنة من العسكر متضاربة المشارب والتربية والغايات. بحيث أعطى لمحاكاتها في إعدام العائلة المالكة وقتل رجالات الدولة بطريقة لا تقل قسوة عن المقاصل القديمة صيغة دموية مغامرة. والقضية هنا ليست في القتل بحد ذاته، بل بالقوى التي أثارت زوبعته السياسية.

إذ لم تتأسس مفاهيم الانقلاب العسكري بقيم الحرية والعدالة والإخاء، ولم تعرف ماهية الديمقراطية السياسية، كما أنها بحد ذاتها غير قادرة على التمام في فئة اجتماعية قادرة على الاندماج الفعلي بمعايير القانون والمجتمع المدني. إذ ليس بإمكان العسكر القيام بهذه المهمة، كما أنها ليست مهمته التاريخية ولا وظيفته الاجتماعية والسياسية. بينما كان تدخله المباشر والقيادي والريادي في هذه العملية قد افسد المكونات الضرورية للدولة ومؤسساتها التي تراكمت بصورة صعبة في مجرى تطور الملكية العراقية في عقودها القليلة. وفي هذا كان يكمن الخطر التاريخي والسياسي القاتل لانقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958. فقد ادخل الجيش في السياسة وإدارة شئون الدولة بصورة مباشرة مما أدى إلى تخريبه وتخريب الدولة النظام السياسي والمجتمع المدني. وهي الحصيلة التي أدت إلى نهايتها المشهورة في انقلاب الثامن من شباط عام 1963ا، الذي أنهى فصلا من فصول التاريخ الجمهوري في العراق مبتدأ فصلا دمويا ثانيا فيه.

فقد كانت الجمهورية الأولى (1958 – 1963) الصيغة الأولية للتجربة التاريخية التي رافقت القضاء على الحكم الملكي في العراق. فقد جسّد الانقلاب العسكري للرابع من تموز عام 1958 المحاكاة المضحكة المبكية لثورة الفرنسيين في الاستيلاء على الباستيل يوم الرابع عشر من تموز عام 1789.  إلا أن الانقلاب العسكري العراقي كان يخلو من تاريخ فكري سياسي، بما في ذلك عند الأحزاب السياسية الكبرى، التي أيدت بين ليلة وضحاها ما يتعارض مع حقيقة الفعل السياسي. وسوف يدفع الجميع ثمن هذا التأييد. بينما كان الخاسر الأكبر والمتضرر الحقيقي هو كل من المجتمع والدولة العراقيين على مدار أكثر من أربعة عقود دموية.

ولعل الصيغة الفاقعة في هذه المحاكاة المسطحة هو استعادة البونابرتية لفاعليتها السياسية. فإذا كان نابليون بونابرت يتمتع على الأقل بتاريخ عسكري عبر البحر المتوسط و"مكتشف" مصر وتاريخها العظيم ومثير القلاقل التاريخية الجسام في جسد أوربا العجوز، فإن البونابرتيين العراقيين الجدد لم يتعدوا في الأغلب حدود الفلوجة وتكريت والرمادي وديالى وغيرها من المناطق المتربة المشبعة بتقاليد العشائر المتخلفة. الأمر الذي يفسر في الواقع انحدار "البونابرتية العراقية" اللاحق من قاسم إلى عارف، ثم إلى عارف أتفه، ثم إلى بكر أسخف، ثم إلى صدام مجرم.

لقد كان انتهاء الجمهورية "الأولى" وإعدام القادة العسكريين وبالأخص عبد الكريم قاسم النهاية المأساوية لمرحلة الراديكالية الحالمة حيث كشفت أحداثها وإنجازاتها في ميدان بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد والعلاقات السياسية عن خلل جوهري يقوم فحواه في كسر مجرى التطور الطبيعي للدولة والمجتمع. وبالتالي فسح المجال أمام إمكانيات المؤامرة والمغامرة من جانب الحثالة الاجتماعية للوصول إلى سدة الحكم عبر الانقلابات العسكرية. وتجسدت هذه النتيجة بصورة نموذجية في مجرى ونتائج الأحداث التي رافقت الانقلاب الفاشي الدموي في الثامن من شباط لعام 1963 ووصول القوميين البعثيين للسلطة.

وهي المرة الأولى التي تصل فيها حفنة من المغامرين "الخارجين" عن منطق التاريخ ومضمونه الاجتماعي من اجل إرساء أسس "جمهورية جديدة". فقد كانت هي بالفعل جمهورية من طراز خاص شكلت من ناحية تسلسلها انقلابا شديدا في تاريخ الجمهورية في العراق، بحيث يمكن اعتبارها "الجمهورية الثانية" (1963- 1968) التي شكلت نفيا واستمرار لما قبلها. فقد نفت المضامين التحررية الجزئية والأبعاد الاجتماعية للجمهورية الأولى، إلا أنها استمرت بتوسيع وترسيخ تقاليد الراديكالية الممتزجة بالنفسية الجهوية والفئوية والمتحزبة والطائفية. وليس مصادفة أن تتشكل في أولى أيامها القوات الانعزالية التي أطلق عليها تسمية "الحرس القومي"، باعتبارها القوة الضاربة المتكونة من الحثالة الاجتماعية والأفراد الأكثر وضاعة وخروجا حتى عن الأعراف والتقاليد العادية المميزة للعراق والعراقيين. بعبارة أخرى، أنها أشركت في بناء وحدة متراصة من قوى التخلف والانحطاط الجاهلة بأولى مقومات الفعل السياسي الحقيقي. إذ كانت تجهل بصورة تامة مضمون الدولة والمجتمع المدني وفكرة الحقوق. بل أن كل كيانها كان نقيضا تاما لهذا المضمون. وبالنتيجة لم تبن إلا جمهورية "حراس" تخبطت بينهم لتنتهي بطريقة مخجلة بعد الانقلاب الداخلي لعبد السلام عارف أول الأمر ثم استكماله بأخيه عبد الرحمن، لينتهي بدوره إلى جمهورية "حراس" جدد مهمتهم تشديد القبضات حول جدران القصور الجمهورية بعد انقلاب السابع عشر من تموز عام 1968.

أما ما جرى في عراق "الجمهورية الثالثة" (1968 – 2003)، فانه يحاكي من حيث الصورة والنتائج ما سبق وأن جرى في "الرايخ الثالث" الألماني (الهتلري). بمعنى اشتراكهما في صنع توتاليتارية متشددة! مع أن كل منهما صنعها بطريقته الخاصة، وأعطى لها صورا متنوعة.

فقد كانت التوتاليتارية البعثية الصدامية مسخا متميزا في تاريخ العراق استطاعت تجريده من كل مقوماته الذاتية وحصانته المادية والمعنوية. وهو السبب الذي يفسر سرّ انهيارها السريع وهروبها المريع، اللذين كشفا عن حقيقة تقول بان التوتاليتارية البعثية الصدامية زمن بلا تاريخ. من هنا اندثارها الخاطف وبقاياها الخربة في كل مكان. وتشير هذه النتيجة في الإطار العام إلى فقدان التوتاليتارية البعثية إلى جذور طبيعة لها في العراق، وأنها مجرد ظاهرة عرضية ومرضية تمثلت العناصر الرخوية المميزة  للهامشية الاجتماعية والسياسية في عراق القرن العشرين.

وإذا كانت آلية توليد وإعادة إنتاج التوتاليتارية ترتبط أساسا بفقدان الحدود العقلانية في العلم والعمل، وبفقدان الاعتدال العقلي الأخلاقي وكذلك بالخلل القائم في التوازن الداخلي للدولة والمجتمع والثقافة، فإنها عادة ما تؤدي إلى ظهور وسيطرة وفاعلية ما يمكن دعوته بالمشروع الواحد الذي لا يعرف البدائل، واليقين الواحد الذي لا يقر  بالاحتمالات، والإرادة الواحدة التي لا يردعها رادع، والواحدية العقائدية السياسية الخاوية من كل روح ثقافي. أما النتيجة الحتمية لكل ذلك فهو تخريب المجتمع والدولة والثقافة. وفي الإطار العام يمكن القول، بان نتيجة التوتاليتارية هي تخريب الكلّ، وذلك لان كل سعي لفرض نموذج كليّ سوف يؤدي بالضرورة إلى تدمير الكلّ.

وقد جسّدت البعثية الصدامية في العراق نموذجا خاصا للتوتاليتارية أدى إلى "صناعة" نوع ربما هو الأتفه في تاريخ التوتاليتاريات بأسرها. أنها جعلت من "مشروعها" لبناء العراق عقدا أبديا لا علاقة له بالتاريخ والمجتمع، وتطاولت إلى درجة لم تسمح بأي قدر من البدائل، بما في ذلك من جانب "الحزب" الذي تمثله. وأكملت ذلك بيقينها القاطع لكل احتمالات من جانب أي فرد وجماعة ومنطقة وطائفة وحزب وقومية. مما أدى بها في نهاية المطاف إلى أن تصنع "جمهورية" قصور محمية من جانب "حرس جمهوري"، كما كان الحال بالنسبة لسابقتها التي كان يحميها "حرس قوميون". وهي استعادة لها رمزيتها ومعناها الواقعي القائم في اغترابها التام عن العراق بكافة مكوناته، جعلت من الجمهورية رديفا لسجون مطوقة بحراس من الحثالة الاجتماعية.

***


"جمهورية المستقبل" -  الاحتمالات والبدائل

أدى سقوط التوتاليتارية البعثية في العراق في نيسان من هذا العام (2003) إلى انتهاء فترة طويلة من زمن الجمهوريات الدموية الخارجة على القانون. وللمرة الأولى بعد أربعة عقود من الزمن ظهرت إمكانيات متنوعة للاحتمالات في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. فقد شكل سقوطها في عام 2003 مرور أربعين عاما بالضبط بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في الانقلاب الغادر عام 1963. ويرتقي هذا الزمن من حيث رمزيته وفاعليته في تكون الأفراد والشخصيات إلى مستوى النضج الكامل و"سن الحكمة" و"النبوة". من هنا فإن التحول العاصف الذي يلف العراق الآن لا يقوم في انتهاء مرحلة "الجمهورية الثالثة" فحسب، بل وفي تنوع الاحتمالات العديدة لتطوره اللاحق. الأمر الذي يجعل من فكرة الاحتمال عنصرا جوهريا في تحديد ماهية "الجمهورية الرابعة" وآفاق الدولة العراقية وطابعها الوطني وحدودها الجغرافية السياسية.

إن إحدى الإشكالات الكبرى التي تعاني منها الدولة في العراق تقوم في اضمحلال فكرة السيادة، بمعنى تحلل فكرة الدولة ومرجعيتها في الوعي السياسي للأحزاب. وهو السر القائم وراء تحول الدولة إلى جزء من السلطة، والسلطة إلى أداة بيد الحزب، والحزب إلى أداة بيد "القادة" و"الزعماء". ومن ثم تحول فكرة الدولة إلى جزء من الأهواء الحزبية. فقد أدت هذه النتيجة في مجرى "الجمهوريات الثلاث" (1958، 1963، 1968) إلى تآكل فكرة الدولة بصورة شبه تامة. بمعنى فقدان ابسط مقومات الشرعية فيها. بينما لا وجود لحقيقة الدولة دون فكرة الشرعية. وفي العالم المعاصر تتطابق فكرة الدولة بالمعنى الدقيق للكلمة مع فكرة الدولة الشرعية. ويتمثل هذا التطابق في الواقع حقيقة العلاقة التاريخية المتراكمة بين الدولة والشرعية. وضمن هذا السياق، يمكن اعتبار سقوط الدكتاتورية الصدامية في نيسان عام 2003 قطعا أوليا مع زمن التآكل والتحلل في فكرة الدولة. ومن ثم، أدى وللمرة الأولى بعد أكثر من أربعة عقود إلى ظهور إمكانيات جديدة واحتمالات عديدة لتجريب فكرة الدولة الشرعية، أي لتحقيق فكرة الدولة وسيادتها الذاتية.

إن "الجمهورية الرابعة"، باعتبارها نموذجا ممكنا للبديل الشرعي، هي إمكانية وليست واقعا، واحتمال لم يرتق بعد، بما في ذلك في مشاريع الأحزاب والنخب إلى مستوى النموذج الضروري. ذلك يعني أننا نقف أمام هلامية السيادة الذاتية للدولة في الفكر والواقع على السواء. وهي نتيجة مختبئة في سيادة نفسية المؤقت وذهنية السلطة. بينما حقيقة الدولة (الشرعية) هي عقل اجتماعي ومؤسساتي متراكم، وثبات في ديناميكية الإصلاح والتطور. ذلك يعني أن فكرة سيادة الدولة، باعتبارها مشروعا واقعيا وقابلا للتحقيق مرتبط بضرورة النفي العقلاني لتاريخ الجمهوريات العسكرية. وهو نفي متعدد المستويات، لكن مضمونه الفعلي ينبغي أن يتمحور حول السيادة الذاتية لفكرة الدولة بشكل عام والشرعية بشكل خاص، أي صهر السبيكة الخربة المتكونة من نفسية وذهنية الفكرة الراديكالية والمؤقت. وبالتالي التحرر من رق التراث التوتاليتاري أيا كان، والعمل من اجل إبداع بلا ضفاف في مختلف الميادين لا يقيده شيئا غير إدراكه الذاتي لأهمية سيادة الدولة الشرعية وإنهاء فكرة المؤقت.

إن انعدام الثبات الحقيقي في الدولة العراقية وتاريخها المعاصر يقوم في عدم استنادها إلى أرضية الحق الدائم والدستور الدائم، أي فكرة الشرعية، ومن ثم فكرة الدولة. لاسيما وأنه الأساس الوحيد القادر على أن يضفي على تغير السلطة وتبدل أشخاصها قوة إضافية بالنسبة لترسيخ تقاليد الحق والشرعية وتراكم قوتها الذاتية في كافة الميادين. وفي حال النظر إلى واقع العراق بعد سقوط الدكتاتورية، فإننا نقف أمام نفس الضعف الفعلي المميز لنفسية وذهنية "الانتقال". إذ لم يكن بإمكان مختلف أشكال "الحكم المؤقت" التخلص من هذه الحالة بعد سقوط الدكتاتورية، وذلك بسبب انعدام مؤسسات الدولة وتقاليدها الاجتماعية ومؤسساتها الشرعية من جهة، ولكون مختلف نماذج "الحكم المؤقت" هي نتاج مساومات سياسية واجتماعية وقومية ضعيفة. ويفسر هذا الواقع وظيفته "الانتقالية" فقط، ومن ثم قيمته السياسية، بوصفه "مؤسسة" النقص التاريخي لفكرة الدولة الشرعية. إلا انه كان وما يزال يحتوي على قدر صغير من العقلانية يقوم في تمثله للمرة الأولى فكرة المساومة السياسية، رغم أنها جرت في ظروف حرجة وبضغط قوى خارجية، أي لم يكن نتاجا تلقائيا للإدراك السياسي من جانب قواه المكونة. لكنه استطاع للمرة الأولى في تاريخ العراق السياسي من جمع اغلب القوى السياسية تحت مظلة تقر بوجودها المؤقت في السلطة، وإن ما تعمل ضمنه هو مجرد كيان عابر وكينونة انتقالية إلى أن يجري نقله إلى الوضع الدستوري الدائم. ذلك يعني إقرارها السياسي بضرورة الحصول على صيغة شرعية لحق "الثبات" في الحكم، وان هذا الثبات مقرون وملازم لثبات الدستور والقانون.

إننا نعثر في هذه الحالة على قيمة تاريخية مهمة بالنسبة لتطور الوعي السياسي والحركات والأحزاب السياسية. غير أن حقيقة هذا الإدراك وقيمته ترتبطان بمدى استعداد هذه القوى السياسية على تجسيد ماهية ومدى ووظيفة "الانتقال" المرهونة به. إلا أن تحليل طبيعة ومضمون السلوك الفعلي للأحزاب والقوى السياسية المؤثرة يكشف عنها أنها مازالت في اغلبها تمثل الاستمرار الفج لنفسية المؤقت. ولعل سيادة نفسية وذهنية الطائفية والجهوية والعرقية هو احد مظاهره القوية والبارزة. ولا تنتج هذه المظاهر غير نفسية المؤقت، أي كل ما هو عرضة للزوال والاندثار، كما كشفت عنه تجربة العراق الأخيرة، التي جعلت من تحرره من "قانون" المؤقت مقرونا بالاحتلال والغزو الأجنبي.

فالتجربة التاريخية لفقدان "السيادة" واسترجاعها في العراق بهذا الصدد تبرهن على أنها مجرد نتاج طبيعي للعملية التي رافقت مد "الطوفان" وانحساره، أي النتيجة الملازمة لابتعاده عن فكرة الدولة وسيادتها الذاتية بوصفها مؤسسة شرعية. إذ لم يكن "استرداد السيادة" الأولية من الاحتلال (الامريكي) سوى البداية الأولية لمواجهة الإشكاليات الفعلية والأكثر تعقيدا لإيجاد النسبة الواقعية والعقلانية للتحرر من العبودية أيا كان شكلها ومضمونها، بوصفه أسلوب بناء الدولة الوطنية الحديثة.

لقد خرج العراق في بداية القرن العشرين من تحت الانتداب البريطاني، وها هو يخرج في بداية القرن الحادي والعشرين من الاحتلال الأمريكي للحصول على سيادته "الكاملة". فبعد كل مائة عام يظهر له من يجدد له "دين" الاستقلال مرة و"دين" الديمقراطية مرة أخرى مع بقاء السيادة الحقيقة مبتورة أو منقوصة أو مشوهة أو مهدورة. وفي جميع الحالات يبدو هؤلاء "الغرباء" "محررين" و"مصلحين". وهي "رسالة" لها غرابتها وقيمتها التاريخية. فقد "حرر" الإنكليز العراق من شبح العثمانية الثقيل، كما "حرر" الأمريكيون العراق من همجية الدكتاتورية الصدامية. وأعطى ويعطي كل منهما "السيادة" للعراق. وما زال العراق بين السيادة الأولى والثانية يراوح في نفس المكان. إذ لا يعني الحصول على "السيادة الكاملة" الآن سوى بدايته من "الصفر" في تحسس وإدراك وتحقيق معنى كونه سيد نفسه ومستعدا للاتصاف بصفة السؤدد. ولا تزويق في هذه الحالة. فقد استعبدت الدكتاتورية الصدامية العراق، وجعلت منه عبدا ذليلا وكسرت إرادته بطريقة ليس لها مثيل في تاريخه العريق. وكشفت عن إمكانية إزالته من الوجود! وبرهنت على أن احتمال اشتقاق اسمه من العرق ليست ضمانة لعدم اقتلاعه من جذوره الفعلية. ويعطي هذا الواقع للغزو الأمريكي قيمة خاصة بالنسبة لإدراك حقيقة سيادة الدولة الشرعية بوصفها أداة السيادة الوطنية. كما انه واقع اقرب إلى المفارقة التعسة، التي تعطي لفكرة السيادة الحالية مغزاها المتميز وتجعل منها إشكالية متعددة المستويات بالنسبة للعراق وقواه السياسية والاجتماعية والفكرية. كما يجعل منها إشكالية متعددة الأوجه. والقضية لا تقوم فقط في ماهية ومستوى السيادة التي تمتع بها العراق في وجوده المعاصر، بل وبحقيقة هذه السيادة بعد قرن من الوجود "المستقل".

أما في الظروف الحالية التي تميز مرحلة ما بعد انهيار الدولة ومحاولة تأسيسها الجديد، فإن العراق يقف أمام ما يمكن دعوته بمهمة "تطهير" التاريخ السياسي للسلطة من كل أفعالها الداخلية والخارجية من خلال تعليمها والتعلم منها لغة المخاطبة الوطنية وليست لغة العنف والإرهاب. فالسيادة ليست مقولة جغرافية، بل حالة معبرة عن مستوى ولاية النفس والعمل بمعايير الشرعية والحق ومتطلبات الواجب الوطني.

فمن بديهيات الفكر المنطقي والسياسي العلمي الإقرار بالفكرة القائلة، بأن تمتع الأغلبية المعذبة والمغيبة عن السلطة بموقعها المناسب لها هو أمر معقول، وأن يتسم سلوكها بالانتقام والتشفي فهو أمر طبيعي، إلا أن المطلوب هو تجاوز هذا "الطبيعي المعقول". بمعنى الارتقاء إلى مصاف الواقع القادر على تذليل هذين المكونين اللذين كانا وما يزالا نتاجا للإخلال بمرجعية النظام والحرية وشكل تحقيقها في مبدأ الديمقراطية والحق. إذ تفترض الديمقراطية أن يكون الحق السائد للأغلبية، كما أن حق الأغلبية ينبغي أن يكون الأسلوب الطبيعي لتسيير أمور الدولة والمجتمع.

وشأن كل مفهوم، فان من الضروري النظر إليه بمعايير "المعاصرة" من اجل رؤية إمكانياته الفعلية ونواقصه المحتملة. فقد ارتبطت هذه النواقص أساسا بمستوى تطور الدولة والمجتمع والثقافة بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص. وعندما نطبق هذه المعايير على ظروف العراق الحالية، فإنها تشير عموما إلى واقع الخلل العميق، بل الانحطاط شبه الشامل والموروث من حقبة السيادة شبه التامة لتقاليد الراديكالية السياسية، التي جسدت الصدامية نموذجها الأكثر تخريبا. لقد أدى ذلك إلى خراب الدولة والمجتمع والثقافة وانحطاط الوعي السياسي. ونعثر على هذا الواقع في صعود الطائفية السياسية والقومية العرقية. وهما التياران الأكثر فاعلية في استمرار التخريب البنيوي للدولة. وذلك لانحصار همومهم الباطنية والفعلية بقضاياهم الخاصة، أي الجزئية. بمعنى غياب فكرة سيادة الدولة.

فالهمّ الشاغل للتيارات الطائفية يقوم في محاولة الاستحواذ على الطائفة من اجل إعادة إنتاج التأثير التقليدي، ومن خلاله سرقة "الأغلبية المعذبة"، بينما لا همّ يشغل الحركة القومية الكردية غير "كركوك"، كما لو أنها سلعة ينبغي المتاجرة بها أو سرقتها على حين غفلة. والقضية هنا ليست فقط في انه لا علاقة للحركة القومية الكردية والأكراد عموما بكركوك وغيرها من مناطق العراق الأصلية من الناحية التاريخية والثقافية والجغرافية والقومية والسياسية، بل ولتحويلها إلى عصب الرؤية الذاتية لكل ما يجري في العراق. ويشير هذا الواقع إلى مستوى الاغتراب شبه الشامل عن فكرة الدولة الشرعية ومبدأ النظام الديمقراطي والحق الاجتماعي. وبغض النظر عن كل الأساليب والمستويات الممكنة للتبرير والتدليل، فان طبيعة النوايا تكمن في سيادة الرؤية النفسية وليس العقلية فيما يتعلق بفكرة الدولة. ولا ينتج هذا الأسلوب بهذا الصدد غير الاغتراب الفعلي عن "الأغلبية المعذبة" في العراق عبر زجها في معركة وهمية ومخربة للعقل والضمير السياسي والتاريخي والقومي.

إن ترابط الذهنية الطائفية والعرقية في نسيج الحركة السياسية يؤدي بالضرورة إلى اندثارهما سواء نجح العراق في الخروج من أزمته العنيفة الحالية أو فشل. ففي حال نجاحه سوف يؤدي بالضرورة إلى اندثار القوى التقليدية للطائفية والقومية العرقية. وفي حال فشله، فانه سوف يؤدي إلى سحقهما بالحديد والنار. وهي مخاطر لم يتوصل هذين التيارين بعد إلى إدراكهما كما ينبغي. وسبب ذلك يقوم أساسا في بقائهما خارج حدود المعاناة الفعلية للأغلبية المعذبة. وحصيلة التأمل الواقعي والنقدي لسلوك هذين التيارين يكشف عن ضعف إمكانياتهما الذاتية في مواجهة الإشكاليات الجوهرية الكبرى التي يعاني العراق منها. وهي عملية طبيعية وضرورية بوصفها جزء م تراكم الوعي الاجتماعي والسياسي الذي خربته تقاليد الاستبداد والتوتاليتارية.

أما الحلول الواقعية والعقلانية لإعادة تأسيس الدولة، فإنها تفترض إشراك "الأغلبية المعذبة" في إدارة شئونها. وهي عملية ممكنة من خلال بناء منظومة مرنة للمركزية واللامركزية الاجتماعية الاقتصادية السياسية، وليس الطائفية أو القومية. بمعنى بناء منظومة قانونية تحكم الدولة والمجتمع، تأخذ بنظر الاعتبار واقع التعددية الفعلية (مع أنها تعددية اقرب إلى الواحدية بالمقاييس العالمية) التي انتهت في الظرف الحالي إلى مأزق خطير. إذ من الصعب إعادة اللحمة إليها بمعايير الرؤية الأخلاقية والدينية، وذلك لأن القوى السياسية الأكثر تأثير في ظروف العراق الحالية هي قوى طائفية وعرقية. ومن ثم لا يمكن الاعتماد على "أخلاقياتها الوطنية"، لأنها لا تتمتع بالقدر الضروري منها. بينما أدى ويؤدي ضعف السلطة المركزية إلى استفحال مختلف ظواهر الانكماش والتحلل. من هنا ضرورة إعلاء وممارسة مركزية الدولة وليس مركزية السلطة.


ا. د. ميثم الجنابي – باحث ومفكر عراقي


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 12 فبراير 2019, 7:26 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:49 pm

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية (2-2)

.........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:49 pm

التفاصيل الكاملة لانقلاب شباط الأسود عام 1963
كانت العاصمة العراقية هادئة تماماً . ونلاحظ إعدادا كبيرة من المسلحين المدنيين يمخرون الشوارع . أنهم أعضاء « الحرس القومي »، الذين يحملون أشرطة نسيجية خضر على سواعدهم وينسقون مع رجال الشرطة. وهم يتحركون تحت إشراف من الجيش بشكل واسع، إلا إن مهمتهم الأساسية هي قنص الشيوعيين، وهي عملية بوشرت حال توقف المقاومة في وزارة الدفاع.

هناك عدد من الشيوعيين ظل حتى يوم الثلاثاء 12 شباط، يواصل خوض معارك صغيرة في عدد من الإحياء ضد الحرس القومي. لكن هذه المعارك تبدو بمثابة النزع الأخير في مقاومة توشك على الانطفاء . أما الاعتقالات فهي من الضخامة إلى درجة يستحيل علينا الآن إعطاء رقم محدد عنها . الكثير من عمليات الاعتقال تتم لمجرد الشبهة أو الوشاية . ولقد جرى إنشاء معسكرات اعتقال جماعية كبيرة في وسط الثكنات العسكرية وأينما أمكن، لإلقاء كافة المدنيين الذين اعتقلوا في غضون أيام الانقلاب المنصرمة ولم يعدموا بعد . لكن الإعدامات التي جرت لغيرهم هي بإعداد لا تحصى وبدون محاكمة . إن عدد الذين قتلوا لحد الآن لم يتم الكشف عنه بعد . ففي وزارة الخارجية يقولون عن احتمال إن العدد هو « أربعون ضحية »، ثم يضيفون مستدركين: « إن الرقم لم يتحدد بعد على وجه الدقة ». لكن التقديرات الحقيقية الأكثر تواضعاً واتزاناً وتتحدث عن سقوط إلف قتيل على اقل تقدير في العاصمة بغداد وحدها حتى الآن.

في اللحظة الحالية تستعيد بغداد حركة شبه عادية، والأجواء بدأت تتجه نحو الهدوء . إذ يبدو إن يوم السبت 9 شباط كان، بإقرار الجميع، اليوم الأكثر رعباً . لذا فقد حبس الناس أنفسهم في المنازل، حيث حصل قطع في الكهرباء، كما إن أصوات رشقات الرشاشات كانت تسمع في أركان الشوارع . وبينما كانت الأوامر والأوامر المضادة تذاع من الراديو، كان شبان من حملة الأشرطة الخضراء على السواعد يمارسون ما يشبه لعبة الحروب الصغيرة مقيمين دكتاتورياتهم في كل حيّ . التجول لا يتم إلا بتصريح خاص يرخص به، إلا إن أولئك الذين بحاجة ماسة له لا يعرفون لمن يتوجهون بالطلب لاستحصاله. وحتى عندما ينجحون في الحصول على مثل تلك التصريحات فأنهم لا يجدون من يعترف لهم بصفتها الرسمية.

وكمثال على حملات « التطهير » الواسعة ما حصل في وزارة مهمة كوزارة النفط، حيث لم يسلم فيها سوى اثنين من الموظفين بينما القي القبض على كافة العاملين في الوزارة حتى صغار السن منهم وأرسلوا إلى المعتقلات . ففي الأوساط الرسمية للنظام الجديد نسمعهم يقولون بشكل دائم : "لدينا قوائم بأسماء جميع الشيوعيين ولن نترك أحداً منهم يفلت من يدنا". والقلق كبير جداً في أوساط المسيحيين الكلدان الذين، كما يقال، اصطفوا مع الشيوعيين . إن الإضرار المادية اقل مما تم تخيله، إذ كانت وزارة الدفاع مركز الهجمات الجوية، ومن الواضح بداهة أنها تعرضت للقصف بكثير من القذائف والتي بمعظمها لم تكن صواريخ إنما قنابل صغيرة العيار، وان كان كلام راديو بغداد خلال الساعات الأولى بعد انقلاب يوم الجمعة المصادف 8 شباط، الذي أكّد قائلاً « لقد سحقت الدكتاتورية الخائنة كالجرذ تحت أنقاض وزارة الدفاع »، أوحى بالاعتقاد بان الوزارة تعرضت لتدمير شبه كلّي . عموماً، ورغم آثار المعارك فيها، ليس لبغداد هيئة مدينة مهدمة تحت القصف بما في ذلك إحياؤها الأكثر تعرضاً للإصابات.

إما عن كيفية حصول الانقلاب الذي قامت به مجموعة من العسكريين المتمردين في يوم الجمعة الذي يصادف اليوم الرابع عشر من شهر رمضان، فان التفاصيل أصبحت معروفة الآن لدينا.، لم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم موجوداً في وزارة الدفاع، التي هي مقر إقامته الاعتيادي، في اللحظة التي قامت فيها طائرات قاعدة البانية بمباشرة هجماتها صبيحة يوم 8 شباط . فيوم الجمعة هذا كان كغيره يوم التعطيل الأسبوعي للمؤسسات الرسمية والخاصة . فقد كان السكان قد سهروا حتى وقت متأخر عشيته، وكانت الشوارع خالية إلا من عدد قليل من المارة . كما ذكرت الإذاعة العراقية إن الزعيم عبد الكريم قاسم قام في ليلة الخميس على الجمعة بواحدة من جولاته التفقدية التي اعتاد القيام بها إلى عدد من إحياء العاصمة. وفي الساعة الثامنة والنصف توقف البث الإذاعي فجأة . ثم تبين إن فريقاً صغيراً من العسكريين استطاع الاستيلاء على محطة الإرسال الإذاعي الواقعة في منطقة تبعد حوالي خمسة كيلومترات شمال شرقي بغداد . وقد تكوّن الفريق من بعض الضباط الشباب شأن معظم الذين شاركوا في تنفيذ هذا الانقلاب العسكري . في نفس الوقت، بوغت قائد الجوية العراقية (الزعيم جلال الاوقاتي) بجماعة أخرى من صغار الضباط نجحت باقتحام منزله وسارع أفرادها إلى غرس بنادقهم الرشاشة في صدره طالبين منه إن يضع توقيعه على أمر يقضي بشن عملية جوية ضد وزارة الدفاع الوطني مقر إقامة الزعيم قاسم . ولما رفض إن يفعل ذلك، ازداد الضباط الشباب حدة في عدوانيتهم.

عندئذ وضع الزعيم (الاوقاتي) احد أطفاله في أحضانه معتقداً إن ذلك كفيل بردعهم قليلاً، إلا أنهم على العكس صاروا اشدّ شراسة وخطراً في تهديدهم. وهنا، وتحت فوهات البنادق الرشاشة المتحفزة نحو رأسه وافق على توقيع أمر القيام بالعملية . بيد أنهم وحال انتهائه من وضع توقيعه أطلقوا عليه رشقات رصاص عدة أردته قتيلاً في الحال، هذه هي البداية الفعلية الأولى لعملية تنفيذ الانقلاب العسكري . وفي تلك اللحظة كانت عدة طائرات قادمة من قاعدة الحبانية قد ظهرت فجأة فوق قاعدة عسكرية أخرى كائنة في موقع جنوب غربي بغداد تسمى بـ « معسكر الرشيد » يرابط فيها عادة قسم مهم من القوة الجوية والدبابات . فالجماعة المتمردة كانت تعرف مسبقاً بأنها لا تمتلك أي حظ في كسب ضباط الجو العاملين في معسكر الرشيد إلى جانبها. لذلك سارعت، عبر عمليات قصف نُفذت جيداً، إلى تدمير جميع أسراب الطائرات الرابضة هناك خلال بضعة دقائق فقط . وبفضل الفوضى التي نتجت عن ذلك، بوشرت الهجمات الجوية على مقر وزارة الدفاع الوطني .

حيث كانت الطائرات القادمة من معسكر الحبانية تحلق على ارتفاع منخفض، مقتفية مسار مياه دجلة المتاخم للجانب الشمالي من وزارة الدفاع، قبل أن تنطلق لتلقي قذائفها فوقها ثم تصعد محلقة عالياً في سماء مدينة بغداد نفسها.

هذه الفعاليات الجوية التي أيقظت جميع سكان بغداد من نومهم، أعطت الانطباع خلال بعض الوقت بان ما يجري هو مجرد مناورة جوية . غير إن راديو بغداد سرعان ما باشر بإذاعة البيان رقم واحد الصادر من « المجلس الوطني لقيادة الثورة » الذي أعلن « إن عبدالكريم قاسم انتهى بعد إن سحقته تحت أنقاض وزارة الدفاع » . لكن وحتى تلك اللحظة لم يكن الأمر كذلك في الواقع . بل إن الزعيم لم يكن في أي من المباني التي كانت الطائرات تهاجمها .

ففي فجر ذلك اليوم وبعد اختتام جولته التفقدية المعتادة في شوارع بغداد النائمة فانه فوجئ شأنه شأن باقي سكان بغداد، بحصول الهجمات الجوية. ولقد ظل على اتصال تلفوني مع الوزارة لحوالي الساعتين قبل إن يذهب بنفسه إلى مقر قيادته العامة في حوالي ما بين العاشرة والعاشرة والنصف صباحاً مخترقا بسيارته جموع المواطنين ورافعا أصابعه إلى الأعلى تشير بعلامة النصر ليتولى بنفسه قيادة المقاومة ضد الانقلاب العسكري فقبل إن يدخل مباني الوزارة المقصوفة، تجول في عدد من إحياء بغداد، ظاهراً بنفسه إمام السكان بهدف تبديد آثار الإعلان عن موته عبر إذاعة بغداد . ولقد بدا قاسم مطمئناً جداً بينما كانت الأوساط الشعبية البغدادية تعبر له عن حبها بشكل صادق وهي تعلن تضامنها معه في تلك اللحظة الحرجة . في وزارة الدفاع كانت هناك كتيبة معززة بحوالي سبعمائة رجل، هي بمثابة الحرس الاعتيادي للحكومة ولقائد الثورة . لكنها في تلك الجمعة من رمضان، لم تكن قط في حالة إعداد مسبق لمقاومة هجمة جوية، بينما لم يكن هناك شيء خلال الساعات الأولى من الانقلاب العسكري سوى الهجمات الجوية . والطائرات المستخدمة هي من طراز « ميغ » و« هوكر هنتر »، وكانت تطير على انفراد أو زوجياً قبل إن تلقي قنابلها الصغيرة وصواريخها الموجهة بدقة كبيرة . وكان السكان في تلك الساعة يتابعون معركة إذاعية بين محطتي الراديو والتلفزيون.

حيث كان الراديو الذي سقط بأيدي المتمردين يعلن موت قاسم، بينما كانت محطة التلفزيون، التي يبدو إن « المجلس الوطني لقيادة الثورة » نسيها في حساباته، تعلن من جانبها إن « الزعيم الامين » لا يزال على قيد الحياة وهو الذي يقود المقاومة، كما راحت تبث أشرطة يظهر فيها وهو يخطب في الجماهير . عندئذ، وبعد إن فشلت محاولاته العديدة لقطع البث التلفزيوني عبر الأوامر الهاتفية، اصدر « المجلس الوطني للثورة » أوامره للطائرات بقصف مبنى التلفزيون . وبانقطاع البث التلفزيوني فجأة هكذا، خسر قاسم الوسيلة الوحيدة التي ظلت بيده للحفاظ على قناة اتصال مع جماهير الشعب في بغداد. حتى نهاية صباح يوم الجمعة ذاك، كان قاسم لا يزال صامداً، حيث استطاع العسكريون السبعمائة الموجودون في وزارة الدفاع إن ينظموا مقاومة كفيلة بتعريض الطائرات التي تحاول مهاجمتها إلى الخطر . وهنا جاء تدخل المدرعات بمثابة المرحلة الثانية في عملية التمرد، إذ انه هو الذي سيقلب كفة الوضع لصالح الضباط الشباب الذين كانوا قد حضروا للانقلاب بجرأة لكن بشكل عجول جداً في ذات الوقت . ففي بغداد معسكران كبيران احدهما يعرف باسم « معسكر الرشيد » والآخر باسم « الوشاش »، تتواجد في كل منهما إعداد مهمة من القوات المدرعة.

ورغم إن قوات الوشاش أعلنت تأييدها للانقلاب العسكري منذ الدقائق الأولى للتمرد، فانه كان ينبغي الانتظار حتى بداية ما بعد الظهيرة، لكي نرى الدبابات تظهر في شوارع بغداد لتقوم بتطويق وزارة الدفاع من بعيد، وذلك لأن العمليات الجوية للطائرات منعتها من الاقتراب جداً من مباني الوزارة المحاصرة . وهنا، ومن داخل الوزارة، راح قاسم يحاول التمكن من استقدام القوات المدرعة المرابطة في معسكر الرشيد لتجيء في نجدته، غير انه كان يواجه رفضاً مبطناً من لدن المسؤولين فيها . حيث كان قائد القوات المدرعة في معسكر الرشيد يراوغ زاعماً بأنه عاجز عن القيام بشيء . لكنهم يقولون اليوم في بغداد إن ضباط المدرعات كانوا يعتقدون منذ 18 كانون الأول 1962، بان قاسم يشك في ولائهم، حيث قام في احد الاجتماعات العسكرية معهم بإبراز ورقة مطوية في يده وهو يقول لهم "إنني اعرف إن بينكم من يحضر لمؤامرة ولديّ في هذه الورقة أسماؤهم وبعضهم من كبار الضباط..".

وهكذا، فمنذ ذلك التاريخ، وضباط المدرعات لا يضمرون إلا ثقة متأرجحة بقائد الثورة العراقية . إما الضباط الذين لم يتهمهم بشيء فأنهم هم أيضا خذلوه ولم يتحركوا للدفاع عنه في ذلك اليوم حيث كان قاسم بأمس الحاجة لهم ...

ابتداءً من الساعة الخامسة مساءً، أصبحت الطائرات أقل عدداً نتيجة نجاح الدفاعات الجوية الموجودة في وزارة الدفاع بإسقاط واحدة منها . فالمقاومة فيها كانت متواصلة بعد، غير إن التعزيزات العسكرية التي أخذت تصل إلى المتمردين تزايدت باستمرار.

وفي حوالي الساعة السادسة والنصف مساء كانت العاصمة قد شهدت وصول وحدات قادمة من معسكر ثالث أكثر بعداً عن العاصمة . كانت الدبابات المسبوقة بسيارات جيب يجلس فيها عدد من الضباط، تأخُذ مواقعها بشكل بطيء وحذر أول الأمر، ثم بعد برهة تبدأ بدورها بإمطار قذائفها على مباني وزارة الدفاع . ابتداء من هذه اللحظة فقط، أصبح مؤكداً إن قاسم خسر المعركة . واليوم، بعد عودة الهدوء، فان كل من يحلل عملية الانقلاب مقتنع بأنها أعدت بشكل سيئ وان المتمردين ما كانوا يستطيعون الإطاحة بقاسم لولا الحظ الكبير الذي حالفهم .



بقلم : فراس الغضبان الحمداني


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأحد 10 فبراير 2019, 9:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:50 pm

المأساة العراقية والعابرون الجدد!
ا. د. ميثم الجنابي

إن مآسي الأمم هو قدرها الذي يعتمل في أعماقها. بمعنى أن ما تعانيه بهذا الصدد هو الاستمرار الملازم لما فيها من نقائص. فالنتائج دوما محكومة بأسبابها. وهو تلازم يرتقي إلى مصاف الحتمية. وفيه تظهر ليس فقط حقيقة القدر بل وإمكانية البدائل للخروج من ربقته. فالقدر هو الوجه الآخر للقدرة. وعلى قدرها تتراكم حقيقة القدر في عقل وضمير النخب الاجتماعية والفكرية والسياسية. كما انه يتراكم في مواقف المجتمعات والأمم بأشكال ومستويات شتى تترامى من الخنوع لكل ما يجري إلى المواجهة والتحدي والاستعداد لتضحية بكل شيء من اجل ما تعتقده مقدسا في عقلها وضميرها، أي كل ما يرتقي في وعيها وضميرها إلى مستوى المجرد عن الابتذال. وفيما بين هاتين الحالتين، أي الخنوع إلى حد العبودية السافرة والتوكل الزائف على قيم أكثر زيفا، والاستعداد الدائم للمواجهة والتحدي مهما كانت الظروف والقوى الخارجية، تكمن أيضا قيمة النخب والأمم على السواء. وقد سبق للفكر الإسلامي وأن سجل هذه الحقيقة في عبارة مأثورة تقول "الناس على دين ملوكها"! ويمكن تأويل هذه الفكرة ها في ظروفنا المعاصرة على أن الأمم على دين نخبها بشكل عام والسياسية بشكل خاص. وذلك للدور الذي تلعبه النخب السياسية الآن في حياة المجتمع. فالتطور التاريخي للأمم يسير في أشواط الانتقال صوب أولوية وجوهرية القيم والمبادئ والقوة الاقتصادية والثقافية. وهو تحول جوهري يجعل من السياسة، كما كان شأنها على الدوام، القوة العلنية في تحديد ماهية ومضمون القدر نفسه. بمعنى نقل حقيقة القدر من عوالم الغيب والسر اللاهوتي إلى ميدان الإرادة الفعلية للأمم ونخبها الفكري والسياسية.

وعندما نضع هذه المقدمة الفلسفية في الموقف من قدر العراق الحالي ومآسيه، فإننا نقف أمام حالة مزرية لقدرة نخبه السياسية وعجزها التاريخي عن تفعيل السياسة بالشكل الذي يجعلها قوة اقتصادية وثقافية قادرة على تذليل حالة البؤس الشامل فيه. بل يمكننا القول، بان ظروف العراق الحالية بعد سقوط الصدامية تكشف عن إمكانية السير في نفس طريق الابتذال الذي ميز زمنه في مجرى النصف الثاني من القرن العشرين. ويكشف هذا الزمن عن استمرار حالة الابتذال لفكرة المقدس (الوطنية والحق والعدالة والنزاهة الاجتماعية وأولية المصالح العامة وما شابه ذلك). بل إننا نرى استفحال متوسع لهذا الانتهاك على خلفية الشعارات والإعلانات والدعاوى التي رافقت تاريخ الأحزاب السياسية التي صعدت إلى سدة الحكم بقوة الغزو الأجنبي والاحتلال. وتمثل هذه النتيجة الوجه الآخر لحالة الانحطاط الشامل في العراق، التي جعلت من الاحتلال أسلوبا لبلوغ وتحقيق الديمقراطية!

بعبارة أخرى، إننا نقف أمام حالة من الانحطاط جعلت وما تزال تجعل من المغامرة أسلوب التفكير والممارسة السياسية. ذلك يعني أن النتيجة سوف تكون محكومة هنا بأسبابها أيضا. بمعنى أن النتيجة سوف لن تكون شيئا غير الاستمرار في زمن الخراب الانحطاط. فمن الناحية المجردة، يمكننا القول، بان إدراك حقيقة التاريخ الكلي للعراق الحديث والنتائج التي أدت إليها التوتاليتارية الدكتاتورية الصدامية، كان ينبغي لها أن تصنع في وعي النخب السياسية القدر الضروري، أو الحد الأدنى من تأمل ما يمكن أن تؤدي إليه مغامرة الخروج عن فكرة الدولة الشرعية والوطنية والنظام الديمقراطي والثقافة الحرة. إلا أننا نقف أمام جهل أو تجاهل لتاريخه الحديث. فالتجربة الصدامية قد صدمت كل ما في العراق بشكل جعلته عرضة للتهشم والاندثار السريع كما لو انه كيانا هشا. مع أن العراق اعرق حتى من كل ما فيه! وتعكس هذه المفارقة مستوى الخراب والانحطاط الملازم لتقاليد الراديكالية الضيقة كما مثلتها الصدامية بصورة نموذجية! وهي نموذجية قادرة في الواقع على تعليم الحمير، بأن الخروج عن "الصراط المستقيم" في بناء الدولة لا مخرج له إلا الانزلاق في هاوية الانحطاط والخراب. ويرتقي هذا الحكم إلى ما يمكن دعوته بالبديهية السياسية. غير أن أحداث العراق الحالية ما بعد سقوط الصدامية يبرهن على أن البديهية السياسية ليست مفهومة أو معقولة أو سهله بالطريقة التي تبدو في ميدان الرؤية المنطقية والرياضية. والسر غاية في الجلاء، وهو أن "تاريخ" الانحطاط لا يشبه زمن السلطة! فزمن السلطة عرضة للتغير والتبدل الاندثار السريع، بينما "مآثر" الانحطاط أكثر رسوخا وتغلغلا في بنية الوعي والعلاقات الاجتماعية والسياسية. وهي الحالة التي تشكل مفارقة المأساة العراقية الحالية. إذ أننا نقف أمام نخب سياسية هي الوريث غير الشرعي أيضا لزمن الانحطاط! مما يجعل منها قوى ضعيفة وهشة في قدرتها على تمثل مصالح العراق الجوهرية.

فمن بديهيات الأمور في الفكر السياسي أن تكون قدرة النخبة السياسية أو الحزب السياسي على قدر ما فيهما من استعداد فعلي لتمثل المصالح الجوهرية للمجتمع والدولة والأمة. وفي الحالة المعنية على ما فيهما من قدرة على تمثل المصالح الجوهرية للمجتمع والدولة في العراق. فالأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الشيعية العربية – قلبها في الحوزة، وعيونها إلى النجف وكربلاء، وأطرافها تعمل من اجل الاستيلاء على أجساد العرب لتحويلهم إلى طائفة(شيعية). والأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية السنّية العربية – قلبها ينبض فقط بالاقتراب من السلطة، وعيونها إلى عروبة مزيفة، وأطرافها تعمل من اجل الاستيلاء على أجساد العرب من اجل تحويلهم إلى طائفة (سنية). والأحزاب الدنيوية (العلمانية) العراقية (العربية) مشتتة القلب والأطراف، مهمومة بالتحالف الكاذب مع الآخرين، أما روحها فهو التأقلم مع تقاليد السرقة والابتزاز. والشيوعيون وأمثالهم لا قبلة لهم ولا دين بعد سقوط موسكو والشيوعية غير التأقلم مع "نحن" لا قيمة لها ولا معنى. والحركة الطالبانية الكردية – لا قلب لها ولا فؤاد غير السليمانية، ولا تتقن من الفكرة السياسية سوى لعبة المغامرة السياسية في بغداد وكركوك، أما أطرافها فسائبة مع الجميع وقوتها المصطنعة في رخويتها الفعلية. أما الحركة البارازانية الكردية فقلبها في اربيل، وعيونها متنقلة من ارث جبلي تقليدي إلى واشنطن وخدمها، وأطرافها متعاونة وخاذلة لأبناء جلدتها والآخرين.

إن هذه الأحكام القاسية في مظهرها لا تنفي وجود بعض فضائل هذه القوى، عند الجميع، بقدر ما أنها تشير إلى طبيعة النقص الجوهري عند النخب والأحزاب السياسية في العراق، بوصفها النتيجة الملازمة لزمن الانحطاط الشامل في الدولة والمجتمع والثقافة. إلا أن ذلك لا يقلل من مسئولية هذه الأحزاب والنخب، كما انه لا يزيل إشكالية القضية نفسها والقائلة، بان قوى من هذا النوع ليست قادرة على تقديم وتحقيق بديل واقعي وعقلاني لتاريخ الخراب والانحطاط في العراق. ويمكن وضع هذه النتيجة في فكرة تقول، بان إذا كانت مآسي الأمم على قدر انحطاطها، فإن نجاحها على قدر ما فيها من نخب رفيعة المستوى ومجتمع حي هو مصدر وجودها ومعين إبداعها الأصيل. وبدون ذلك تصبح المأساة فعلا لا علاقة له بالعقل والضمير والإبداع. فالمآسي تصبح فضيلة فقط عندما تتحول إلى بلاء عظيم لقلوب أعظم، أي عندما تكون لقلوب الأمم كاللهب للذهب. الأمر الذي يجعل منها طاقة لتنقية القلوب والعقول.

ودروس التجربة التاريخية للعراق الحديث تكشف عن أن مصدر مأساته تكمن في عدم تكامله الذاتي. ويستحيل تحقيق هذا التكامل دون تكامل الأحزاب والنخب السياسية في رؤية وطنية واجتماعية واقعية وعقلانية. وعدم التكامل المشار إليه أعلاه هو الضعف الذي جعلت منه العقود الخمسة الأخيرة زمنا للتجزئة المغلفة بالوطنية الكاذبة والقومية الأكثر كذبا والتدين الأشد غشا. بحيث تحول العراق إلى كتلة متراكمة من التجزئة القومية الضيقة والعرقية والطائفية الآخذة في الصعود حاليا. ويمثل هذا الصعود عين السقوط. وفي أفضل الأحوال لا ينتج غير انحطاط آخر لا جديد فيه ولا معاصرة! كما انه لا يفعل إلا على استثارة النفسية الدموية ونزوعها التخريبي.

إذ لا يمكن للنزعات القومية الضيقة والعرقية والطائفية أن تحصل على إجماع وطني. كما أنها غير قادرة على الخروج من مآزقها الذاتي بوصفها أيديولوجيا المأزق التاريخي. من هنا ليس صعودها سوى الوجه الآخر لسقوطها التاريخي. وهي حالة عادة ما تميز الأبعاد الموضوعية في مرحلة الانتقال الكبرى من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. مما يجعل من صعود القوى الممثلة لهذه النزعات شيئا أقرب ما يكون إلى كبش فداء. أنها كبش بالمعنى السياسي، وفداء بالمعنى التاريخي. وتنعكس في هذه المفارقة حالة العراق المعاصرة. بمعنى خروجه من نفق التجزئة التوتاليتارية المغلفة بالوحدة والدخول إليه من جديد باسم "الديمقراطية". بينما تفترض حقيقة الديمقراطية الفعل والعمل بمعايير المصلحة الاجتماعية وقوة الشرعية والقانون، وليس بمعايير ومقاييس الدعاوى الأيديولوجية.

فالقومية الضيقة والعرقية والطائفية هي قوى مجزئة. مما يجعلها بالضرورة ضعيفة من حيث إمكانياتها الوطنية، ومنهكة في ثباتها الاجتماعي، وناقصة في عقلها العراقي. وديمومتها الوحيدة هي المؤقت والتأقلم. ولا تصنع هذه الديمومة ثباتا واستقرارا ديناميكيا للعراق. مما يحرفها بالضرورة عن فكرة الدولة الشرعية والمجتمع المدني والثقافة العقلانية. مع ما يترتب عليه من استعداد دائم لاقتراف الرذيلة "السياسية" والتقلب فيها بمعايير ومقاييس العابر والمؤقت.

ومن حصيلة هذين الاثنين، أي الاستعداد الدائم للتأقلم والخيانة الاجتماعية يظهر "فداءها" التاريخي. بمعنى أنها منفذة المهمة التاريخية التي جعلت الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية، ومن اللاشرعية إلى الشرعية مهمة مقرونة بالقوى الأجنبية الغازية للعراق، بينما هي مجرد أداتها السياسية الظاهرية. الأمر الذي جعل منها بالحقيقة والمجاز كبش الفداء التاريخي. وتستجيب هذه المهمة إلى ما فيها من استعداد للمرور بكل أوحال مرحلة الانتقال الوسخة في العراق، ولكن بوصفها قوة انتقالية من حيث مقدماتها وتاريخها وفكرها وذهنيتها ورؤيتها للمستقبل. وفي هذا يكمن سر المأساة التاريخية الحالية للعراق. بمعنى أن صعود قوى سياسية لا علاقة عضوية لها بتاريخ العراق ومضمون كينونته الثقافية إلى "قيادة" و"توجيه" حركة الانتقال التاريخي الكبير إلى الديمقراطية هو الثمن الذي ينبغي أن يدفعه العراقيون من اجل التطهير العقلي والأخلاقي للرذيلة التي جعلت من الممكن صعود مثل هذه القوى إلى هرم السلطة.

فالقوى المؤقتة والعابرة هي النتاج غير المباشر لزمن التوتاليتارية والدكتاتورية. بمعنى إنها نتاج مرحلة الانحطاط التام في بنية الدولة والنظام السياسي والثقافة والعلاقات الاجتماعية. من هنا واقع استمرار بنية الدولة التوتاليتارية في "مؤسسات" العراق ما بعد الدكتاتورية الصدامية والتوتاليتارية البعثية.

فعوضا عن التوتاليتارية نرى براعم ومظاهر الاستفحال الشامل للنعرات العرقية والقومية الضيقة والطائفية الدينية والسياسية. وعوضا عن حكم الحزب والعائلة في النظام السياسي البائد نرى توسع المحاصصة نفسها على أسس القومية والطائفية والجهوية وليس على أساس الكفاءة والنزاهة كما نراه جليا في توزيع مناصب الوزارة والمؤسسات والفساد الإداري والمالي والأخلاقي. وكما كانت حال الثقافة والمثقفين زمن الاستبداد الشامل نرى معاداة الثقافة والمثقفين على أسس أيديولوجية قومية ودينية مزيفة. وكما كان الحال بالنسبة لإبعاد المجتمع عن إدارة شئون الدولة والرقابة نرى نفس التوجه العام عن الاستمرار الفعلي في تفتيت القوى المدنية وإحلال النزعات الجهوية والعرقية والطائفية.

أما النتيجة الحتمية لهذا السلوك فيقوم أيضا في استعداد هذه الأحزاب والنخب السياسية للخيانة الاجتماعية والسياسية. مما يشير بدوره إلى أنها لم تتعظ من تاريخ المأساة العراقية، وأنها مازالت تعيش في زمن الانحطاط، دون أن تعي بان الانحطاط دوامة مخرجها الوحيد: الزوال من مسرح التاريخ والاندثار من ذاكرة الأمم!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:58 pm

.........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالأحد 10 فبراير 2019, 8:59 pm

ملف - رجل الدين والدولة المدنية .. اشكالية العلاقة
العراق - صراع من اجل المستقبل! (1)
ا. د. ميثم الجنابي
mutham aljanabiإن الحياة لا تخلو من بديهيات جلية للعيان، رغم كونها الميدان الأشد تعقيدا للحكم المنطقي المباشر. وعادة ما تبرز هذه المفارقة في مراحل الانتقال العاصفة والصراع الدامي، التي اشد ما تحتاج فيها الدولة والأمة إلى "مرجعية" تعصمها من الغرق في طوفان الغرائز وتأثير البنية التقليدية للوجود والوعي. لكنها في الوقت نفسه هي مرحلة الزمن العابر في محاولات المجتمع والدولة والأمة صنع تاريخ الثبات بوصفه طبقات وحلقات التراكم العقلاني للمؤسسات والفكر والإبداع الحر.

فالمرحلة الانتقالية مؤشر على وجود "خراب". لكنه خراب متباين ومختلف. فخراب التخلف لا يشبه في شيء خراب التقدم. وذلك لأن لكل منهما ديناميكيته الخاصة في الموقف من المستقبل. وهي القضية الجوهرية التي يمكن من خلالها رؤية الآفاق والبدائل. إذ لا بدائل في "ديناميكية" خراب التخلف والانحطاط، لأنه مجرد اجترار للزمن. أما "خراب" البدائل فهو ديناميكية التاريخ والإبداع الحر، أي المستقبل. من هنا مرارة المجهول فيه، وذلك لأنه جزء من صراع لم يحسم ولم تتحدد ملامحه بوضوح بعد. ومهمة العلم السياسي العلمي تقوم في تذوق حلاوة الانتصار ومرارة الهزيمة الكثيفتين في مرحلة الانتقال من اجل رؤية الآفاق الفعلية للعملية السياسية.

وللعراق مرحلته الانتقالية الخاصة، بوصفها مرحلة الانتقال من زمن الخراب إلى تاريخ البدائل. من هنا عنفوانها الشديد وهمجيتها التي تبدو بلا حدود. وذلك بسبب طبيعة الصراع بين قوى الخراب والانحطاط التي حكمت وجوده في غضون أربعة عقود من دكتاتورية هشمت بنيته المادية والروحية، وبين قوى أفسدها أو كسر عمودها الفقري زمن الانحطاط والغربة والاغتراب. بحيث تبدو فيها مرحلة الانتقال العراقية أشبه بطوفان نوح. العصمة فيها لمن هو قادر على جمع ولملمة ما في العراق من وحدة الاختلاف والمتضادات. وهي العملية الأشد تعقيدا، بسبب تنافر قواه الاجتماعية والسياسية وتغلغل منظومة العداء الدفين في الروح والجسد العراقيين، وتحلل فكرة الدولة والسلطة، والوطنية والقومية، وانحطاط المجتمع والثقافة والنخبة. فقد جعلت هذه المقدمة من "التحرير" احتلالا، ومن الاحتلال أسلوبا "للوحدة الوطنية". وفي ظلها يمكن للقوى المتحاربة والمتصارعة والمتنافسة والمتحدة والمؤتلفة أن تتعايش وتحتكم وتحكم! وهي المفارقة الكبرى لمرحلة الانتقال العراقية. لكنها مرحلته الخاصة. ولا معنى للخوض الآن بتقييمها بمعايير القيم والأخلاق، لأنها لا تغير من الواقع شيئا، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الوقائع ليس حقائق، بل مجريات محكومة بمقدمات تاريخية ملموسة. ومن ثم فإن الخروج منها يفترض رؤية آفاقها انطلاقا مما فيها، بوصفه الأسلوب الوحيد للرؤية الإستراتيجية القادرة على انتشال العراق من أزمته الشاملة.

فعندما نستعيد السرقة اليهودية القديمة لأساطير العراق الأقدم، فإننا سنكتشف في نوح وطوفان العالم أسطورة الطوفان السومرية. ويعادل هذا الإدراك من حيث رمزيته مهمة اكتشاف زمن الانحطاط والبحث عن تاريخ بديل. وتفترض هذه المهمة الرجوع إلى النفس والبحث عن وحدة المتضادات فيها من اجل بديل ينفيها بمعايير المستقبل. إذ لا يمكن للجبل الموهوم أيا كان شكله ومظهره واسمه أن يستعيض عن عروة النفس العراقية ومرجعياتها الكبرى في وحدة الدولة والمجتمع والوطنية. بمعنى إن العروة الوحيدة التي تحتوي في أعماقها على وحدة الممكن والواقع هي منظومة المبادئ المرجعية العملية الجامعة للأفراد والجماعات والدولة. فهي العقدة الكبرى للمرحلة الانتقالية وإستراتيجية البدائل. وذلك لأن معاناة العراق الكبرى تقوم في فقدانه لفكرة الكلية العراقية أو الفكرة الوطنية الجامعة.

وبالتالي، فإن خصوصية مرحلته الانتقالية الحالية تقوم في فقدان فكرة المرجعية العامة الوطنية والقومية. وفيها ينبغي البحث عن أن احد أسباب مأساته الحالية. بمعنى فقدان فكرة المرجعية على مستوى الدولة والمجتمع والنخب والثقافة السياسية بشكل خاص. ويمكن رؤية اغلب ملامح هذه النتيجة في ظاهرة انعدام الاتفاق على ابسط مقومات الوحدة بعد سقوط الصدامية التي كانت "فضيلتها التاريخية" الوحيدة تقوم في صنعها أسس الوحدة المعارضة للتوتاليتارية والدكتاتورية، ومن ثم التمهيد لإدراك القيمة الأخلاقية والأهمية السياسية لفكرة الحرية والنظام (الحقوق). في حين أن تجربة ما بعد سقوط الدكتاتورية من تصاعد موجة الإرهاب العشوائي، و"المقاومة الملثمة" لقطاع الطرق واللصوص، وفساد اغلب النخب السياسية وانحدارها صوب اشد الأنماط تخلفا وتقليدية (من جهوية وعرقية وطائفية وحزبية ضيقة) قد أفسدت فكرة الحرية والديمقراطية والحق والسلام الاجتماعي والوطني وكل القيم القادرة على انتشال العراق من أزمته التاريخية الكبرى.

ولم تكن هذه الحالة معزولة من حيث محدداتها التاريخية والإيديولوجية عن تخلف البنية الاجتماعية وسيطرة نمط التفكير الراديكالي والممارسة السياسية المناسبة له في كل مجرى النصف الثاني من القرن العشرين. وجعلت هذه المحددات من التحزب الضيق أسلوب "الثقافة السياسية" الوحيدة في ظل واقع لم تتكامل فيه بنية الدولة المركزية والفكرة الوطنية وقواعد النظام الشرعي وذهنية المجتمع المدني. الأمر الذي عادة ما يجعل من النطق باللسان لا يعني بالضرورة تعبيرا عما يدور في الجنان. وفيما لو جمعنا بصورة متسلسلة خطب وكلمات وتصريحات اغلب الشخصيات السياسية في مجرى السنوات الأخيرة، لأمكننا رؤية مستوى التعرج الذي لا يجمعه شيئا غير نفسية التحزب وذهنيته الجزئية. بمعنى فقدان النخب السياسية لأبسط قواعد ومبادئ ومفاهيم الوحدة الوطنية الجامعة. الأمر الذي يجعلها جميعا ضعيفة بذاتها قوية بتحالفاتها. ولا تصنع هذه "التحالفات" غير قوة المؤامرة والمغامرة. وهي ظاهرة جلية في تاريخ الحركات السياسية العراقية جميعا دون استثناء.

إن السبب التاريخي لهذه الظاهرة يقوم في ضعف التمايز الاجتماعي، ومن ثم سيادة البنية التقليدية، التي شكلت الأحزاب الكبرى والصغرى "تنظيمات" لها. ومن الممكن فهم هذه الظاهرة باعتبارها جزء من صيرورة الدولة والمجتمع المدني والتقاليد السياسية والنخب العامة والخاصة. لكن خصوصيتها في ظروف العراق الحديث تقوم في أنها تحولت بأثر انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 من مجرى الصيرورة التاريخية المتراكمة ما بعد تأسيس الدولة الحديثة إلى كيان مضاد لها. بمعنى تحول فكرة الإرادة الثورية و"شرعيتها" الأيديولوجية إلى القوة المتحكمة في مسار الدولة. مما جعل منها في نهاية المطاف جزء من السلطة والحزب السياسي.

وبما أن الحزب السياسي في العراق يفتقد لتناسب الحزب والسياسة، بمعنى أولوية الحزبي على السياسي، والحزبية على الفكرة السياسية (الاجتماعية)، من هنا كان تاريخ العراق بعد انقلاب الرابع عشر من تموز 1958 يعادل زمن الأحزاب وليس تاريخ السياسة. بحيث أصبح تاريخه السياسي الحديث اقرب ما يكون إلى مسرحية باهتة، الانتصار والهزيمة فيها ليس أكثر من "حسابات" القوى الحزبية. وهي "حسابات" لا علاقة لها بالتاريخ والدولة، بل بتمثيل ادوار محكومة بسيناريو سيئ وممثلين أسوء! وفي هذا يكمن سرّ فقدان تراكم المؤسسات والشرعية والعقلانية. كما انه سرّ الدراما التاريخية التي عانى منها العراق على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين، بحيث جعلت من الاحتلال "تحريرا" في بداية القرن الحادي والعشرين. وهي دورة واجهها العراق في بداية القرن العشرين عندما "حرره" الانجليز من السيطرة العثمانية، وفي بداية القرن الحادي والعشرين، عندما "حرره" الأمريكيون من السيطرة الصدامية! وفي هذه الدورة ينعكس بؤس التاريخ وقيمة الزمن! أي تراكم الاجترار الفارغ!

لكن العراق في كلتا الحالتين كان يحتوي على إمكانيات للتطور المستقل. وإذا كانت تجربة الحكم الملكي استطاعت أن ترسي أسس الدولة الحديثة وتفلح لحد ما في بناء مقدمات الدولة الشرعية والمجتمع المدني وتراكم الخبرات وتطوير الاقتصاد وصنع الوطنية العراقية والنخب العامة، بما في ذلك السياسية، فإنها كانت تعاني من نقاط ضعف جوهرية أسهمت الحركات الراديكالية في إجهاضها التام. بمعنى أن النظام السياسي القديم وقواه السياسية المعارضة لم يرتقيا إلى مصاف الواقعية العقلانية. ومن ثم يتحمل الجميع بأقدار مختلفة جريرة ما جرى ويجري الآن.

أدت الراديكالية السياسية العراقية إلى تخريب الدولة والمجتمع والثقافة والإنسان والقيم. وقد كانت التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية نموذجها "التام". فقد هشمت الدولة وفتت المجتمع وأرجعت كل ما في العراق إلى ما قبل الدولة، بعد أن غذت فيه عناصر التنافر والصراع الاجتماعي والقومي والعرقي والديني والطائفي والجهوي والأيديولوجي. لقد أرجعت العراق إلى حالة الصفر! لكنه صفر مروع لا يمكن استعماله في القسمة والمعادلات! وهي حالة درامية من طراز خاص، تحتوي، شأن كل مراحل الانحطاط والصراع الهمجي الدامي على بصيص أمل وآفاق للتطور.

ولعل الأمل الأكبر والآفاق الأرحب لكل هذا الخراب يقوم في انتهاء مرحلة تاريخية خربة لسيطرة الراديكالية والتوتاليتارية. ومن ثم ظهور آفاق جديدة ومتنوعة لبناء الدولة. لكنها خلافا عن عشرينيات القرن العشرين تفتقد إلى إجماع وطني ونخب قادرة على المساومة والإقناع والاقتناع. على العكس أن العراق يقف أمام حالة من التمزق العلني والتبجح به من قبل الأحزاب الكبرى الفاعلة فيه. وهي أحزاب محكومة بنوعية رؤيتها وممارستها بزمن الخراب الفعلي للعراق. من هنا وحدة الرياء والدجل والمؤامرة والمغامرة. لكن "فضيلتها" تقوم في أنها تجري بصورة علنية. إذ نقف أمام قوى متحاربة يمكن تصنيفها العام إلى قوى طائفية وعرقية. وفي نفس الوقت مجزأة في داخلها. تلتقي وتختلف لحسابات حزبية ضيقة، بسبب انعدام أو ضعف الفكرة الاجتماعية والوطنية العامة. بمعنى أن كل منها يعمل حسب نواياه وغاياته. وهي نوايا وغايات محكومة بتاريخ كل منها.

فالأحزاب الشيعية محكومة بتاريخ الطائفة المغدورة والمهانة الاجتماعية والروحية والوطنية والقومية، بينما الأحزاب السنية محكومة بشعور فقدان السلطة، أما الأحزاب العرقية الكردية فإنها محكومة بتاريخ العذاب والمهانة القومية والرغبة في تعويضها بغنية الأرض والثروة. بعبارة أخرى، إن الجميع تعمل بنفسية الانتقام والتشفي والحصول على غنيمة، أي لا تعمل حسب منطق الرؤية الوطنية وقواعد العمل السياسي الاجتماعي. وتتحمل التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مسئولية هذه النتيجة، كما تتحمل اغلب الأحزاب السياسية مسئوليتها الحالية. لكنها مسئولية من نوع جديد. بمعنى أنها تتراكم في مجرى الصراع الحالي ومستوى إدراكها من جانب الأحزاب والمجتمع. كما أنها تشق لنفسها الطريق رغم وعورة وخطورة الأحداث. بعبارة أخرى، إن المقصود بالمسئولية هنا ليست وعيا سياسيا بحتا بقدر ما هي الرؤية السياسية والوطنية والقومية للبدائل المتراكمة في طبيعة العملية السياسية التي أخذت رغم كل تعقيداتها تحول الزمن إلى تاريخ في العراق.

فعندما نتأمل مقدمات ونتائج الصراع العنيف والدموي والمتداخل من حيث مكوناته وقواه السياسية والاجتماعية في مجرى السنوات المريرة ما بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، فإننا نقف أمام حقيقة تقول، بأنها كانت السنوات الوحيدة التي تحول فيها الزمن إلى تاريخ فعلي في مجرى أربعة عقود بعد سقوط الجمهورية الأولى (1958 – 1963). بمعنى أنها كانت تعمل رغم كل قسوتها الهمجية على فرز القوى الاجتماعية والسياسية والفكرية عبر حراك قد يكون هو الأقوى والأشد والأكثر ديناميكية في تاريخ العراق الحديث. والقضية هنا ليست فقط في انه حراك كان وما يزال يعادل إشراك العالم وقواه المتصارعة على المستوى الإقليمي والقومي والدولي، بل ولأثره الفعال في جذب القوى الداخلية في العراق نحو تحالفات خارجية. وتكشف هذه التحالفات في ظروف المرحلة الانتقالية عن طبيعة المعدن الذاتي للقوى السياسية.

ففي مراحل الانتقال عادة ما تكون "العلاقة الخارجية" أكثر تعبيرا عن طبيعة الحركة السياسية وذلك بسبب هشاشة الواقع وأرضيته المتغيرة والمتبدلة. ومن ثم عادة ما تكون العلاقة الخارجية عروة تستند إليها القوى السياسية من اجل "تمشية أوضاعها" أو الاتكاء عليها. وهي علاقة طبيعية، بل وضرورية لحد ما. بل أنها اقرب ما تكون إلى قانون سياسي يمكن رؤيته في تاريخ كل الحركات السياسية في جميع الدول التي مرت بمراحل انتقال عاصفة. ولا يشذ واقع العراق الحالي عن هذه الظاهرة. بل على العكس أنها أكثر ما تظهر فيه بفعل طبيعة وحجم الانحلال الداخلي والدمار الذي خلفته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وليس مصادفة أن تكون السنوات السابقة، وبالأخص بعد تشكيل "مجلس الحكم الانتقالي" مجرد زمن التنقل والسفر والزيارات المستمرة للقوى السياسية وقياداتها. فقد كان من الممكن التهكم والسخرية والاستهزاء على الرغبة المكبوتة للتمتع بصفة "الرئيس" و"الوزير" أمام العالم الخارجي ووسائل الإعلام. ولا يخلو هذا التهكم والسخرية والاستهزاء من إصابة. غير انه كان يخدم، رغم مفارقة الظاهرة، آلية الانجذاب والتجاذب الضروري، أي الفرز السياسي الداخلي والخارجي. فكل حركة "في الخارج" هي حركة "في الداخل" على مستوى النفس والعلاقة بالحركات السياسية الأخرى. من هنا كثافة هذه الحركة التي أخذت بالخفوت السريع في الآونة الأخيرة. وعندما نضعها ضمن السياق الكمي والنوعي، فإننا نرى حماسة وفاعلية قوى "مجلس الحكم الانتقالي" حسب "حصتها" في السلطة الجديدة. بينما بقت البقية الباقية، كما نراها الآن، من حصة أولئك الذين دخلوا "المعركة السياسية" في وقت متأخر. وتكشف هذه الظاهرة عن التأخر في رؤية آفاق تطور الدولة. فقد كان تعويلها في بادئ الأمر على الخارج، حسب شعار "من سيأتي ليدعمنا!" لكن الخارج لا يدعم قوة بلا داخل. من هنا نشاطها الداخلي في مجرى الاستفتاء على الدستور الدائم والانتخابات البرلمانية ومحاولة خروجها إلى ميدان المعترك السياسي بوصفها قوة "عراقية" بمختلف الأسماء. وتتصف هذه المحاولة بقدر من البؤس، لكنها مع ذلك ضرورية. ومن هنا تخبطها. إذ عادت في اغلب سلوكها إلى نقطة البدء، بمعنى الدعوة المباشرة وغير المباشرة إلى فكرة المحاصصة الطائفية بأتعس أشكالها وأكثرها تخلفا.

ولا يمكن تفسير هذه المواقف بمعايير السياسة، لكن يمكن فهمها بمعايير الانحطاط. وفي هذا فقط تكمن قيمتها الفعلية، بوصفها "خطوة إلى الأمام" في مسار الكشف السافر عن حقيقة الشخصية وحدودها الفعلية وآفاقها الممكنة في عراق المستقبل. وتشير هذه الظاهرة إلى دوران الدورة الأولى لرجوع اغلب القوى السياسية إلى مصادرها الأولية من خلال إيجاد النسبة المعقولة بين قوى الداخل والخارج بوصفها المقدمة الواقعية للصراع السياسي الفعلي، أي الضروري بالنسبة لتاريخ الدولة. وتؤدي هذه العملية بالضرورة إلى وقوف القوى السياسية أمام "الاستحقاقات" الداخلية من اجل أن يكون لها ولرصيدها الاجتماعي أثرا وبعدا في الحاضر والمستقبل. من هنا تداخل وقسوة الرياء والمغامرة التي تضعف الجميع لكنها تسهم بالقدر نفسه في حرث أرض العراق المالحة. وبالتالي التمهيد اللاحق لظهور القوى الاجتماعية والسياسية الأكثر عقلانية ووطنية. إذ لا يمكن توقع جريان الأمور بطريقة أخرى في ظروف العراق الحالية التي تفتقد من حيث الجوهر إلى فكرة الدولة الشرعية والسلطة المركزية والفكرة الوطنية وقواعد النظام الشرعي وذهنية المجتمع المدني. من هنا يصبح الرجوع إلى البنية التقليدية مقدمة تهشيمها. وذلك لأنه يضعها على محك صراع عنيف وديناميكي تتبخر في مجراه كل "الأحلام" و"الأمزجة" و"العلاقات الشخصية" أمام استحقاقات الصعود الوطني.



ميثم الجنابي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية    الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية  Emptyالثلاثاء 12 فبراير 2019, 7:35 pm

دولة العراق بيد من الآن؟ .. دراسة استطلاعية
ا. د. قاسم حسين صالح

من عادتي انني استطلع الرأي في تناولنا لقضية سياسية او اجتماعية مهمة او خطيرة، لغرضين، الأول:ان تصاغ بدراسة موضوعية بعيدة عن تحيزات الباحث لتقدم نصيحة لمتخذي القرار وفائدة علمية للكتّاب والمثقفين، والثاني .. توثيق ما يحدث للتاريخ والأجيال.

وبغض النظر ما اذا كان العراق يمتلك الآن مقومات الدولة (السيادة، الأمن، المساواة امام القانون، الاستثمار الأمثل لموارد وثروات الوطن، العدل بمفهوميه الاسلامي والحديث، أو ان فيه دولتان .. رسمية معلنة وعميقة خفية) .. فأننا توجهنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الألكتروني بالسؤال الآتي:

(دولة العراق .. بيد من الآن؟.

نرجو ان تكون الأجابة موضوعية لأنها ستعتمد في دراسة علمية).

شارك في الأجابة 257 بينهم اكاديميون ومثقفون واعلاميون .. اليكم نماذج منها كما وردت بالنص، ولا يعني اننا معها او ضدها.

* بيد اشخاص ليس لديهم الأنتماء والوفاء والولاء لارض الوطن، يضحّون بالشعب والارض وثروات الوطن من اجل أحزاب هم ينتمون اليها.

* بيد اميركا بالمطلق والبقية ادوات.

* بيد امريكا، وايران، والاحزاب التي تمتلك المال والسلاح ، والمافيات ومليشيات مسلحة تعمل لجهات خارجية.

* بيد أحزاب ليست احزابا بالمفهوم العملي للحزب، استولت عليها عوائل متوارثة مثل (التيار الصدر، الحكمة، المجلس الاعلى، حزب الدعوة، الحزب الاسلامي). حتى الاحزاب العلمانية كالمؤتمر الوطني ايضاً يسطير عليه افراد وليس هناك ديمقراطية داخل الاحزاب السياسية.

* ليس هناك مفهوم للدولة ولا نظام سياسي واضح هناك فقط فوضى عارمة وضياع هيبة القانون .. وتفسيره حسب الرغبة.

* هناك دولتان .. الدوله الرسميه والدوله العميقه، وهما متداخلتان.

* بيد رجال الدين الشيعة، والسادة ، ومن يدعون انهم احفاد النبي.

* الدولة بيد الاحزاب الاسلامية الشيعية الفاسدة وبدرجة اقل الاحزاب السنية الفاسدة.

* الدولة بيد الطبقة الوسطى التي تعيش من إنتاج الخدمات ولا تسهم في إنتاج ثروة المجتمع

* بيد القوى غير المنضبطة والخارجة على القانون واصحاب المال والعشيرة.

* الدولة تخضع لثلاث جهات الاولي اميركا بنفوذها وتاثيرها على الواقع العراقي واحداث الفتن والاقتتال الداخلي وقدرتها على صناعة جماعات سنية وشيعية وكردية مؤثرة وتحريك ادواتها لخلق ازمات اقتصادية وارتباك امني. والثانية بيد احزاب تعمل لتحقيق مصالحها حتى لو ادى لحرب اهلية. والثالثة بيد اجندات خارجية واقليمية تعمل على ارباك العراق لانها ترى فيه كطائر العنقاء سرعان ما يعود اقوى باسا وبعضها تضخ الاموال بدافع انساني خادع يحمل خنجر بروست.

وكانت هنالك اجابات ساخرة، مثل:

- استر علينه لا تودينه بداهيه

- بيد اللصوص، الحرامية

- بيد من يرفعون شعار (ياليتنا معكم فنفوز فوزا عظيما)، واجزم لو كانوا معهم لنهبوا امتعتهم وولوا مدبرين

-  الدولة عبارة عن فريسة اصطيدت من قبل الاسود والضباع والنسور التمت حولها. يتنافسون بالتهامها يا استاذي الفاضل.

-  حضرتك تسال عن دولة .. فكيف نجيب عن مسمى لا وجود له.

- بيد الله. سالت شخصا ما الفرق بين حكم الشاه وحكم الملالي، فاختزل الجواب بجملة: في زمن الشاه كنا ندعو الله كي يخلصنا اما الان فان الله بالشارع ولا نعرف من ندعو كي يخلصنا!

تحليل النتائج

يجمع المستجيبون ، وغالبيتهم اكاديميون واعلاميون ومثقفون، أن العراق لا توجد فيه الآن دولة بالمفهوم المتعارف عليه في العلوم السياسية، ويصفون واقع الحال بالآتي:

- الدولة الان موزعة بين احزاب وكتل سياسية وعوائل تحتكر مؤسسات رسمية في الوزارات، وميليشات وقوى مسلحة ومافيات.

-  يفتقر العراق الى احد اهم مقومات الدولة المتمثل بفرض سلطة القانون وضمان امن المواطنين، فيما يعيش المواطنون فوضى عارمة واغتيالات تستهدف من يطالب بان يكون العراق دولة يحاسب فيها من يرتكب جريمة قتل لا ان تسجل ضد مجهول.

- ان الذين وصلوا الى الحكم استفردوابالسلطة والثروة، وبهذا افتقدت الدولة واحدا من اهم مقوماتها المتمثل باستثمار موارد الوطن لخدمة الناس واعمار الوطن، وتخلت عن اهم مبدأ في النظام الديمقراطي المتمثل بتحقيق العدالة الاجتماعية.

- ان الدولة تشترط ان يكون هنالك انسجام بين ما تقوله وما تعلنه، وان ما يحصل الان في العراق هو تناقض صارخ ومعيب بين ما تعلنه احزاب الاسلام السياسي وما تفعله.

استنتاج ختامي

يشخّص المستجيبون ان(اميركا وأيران) هما اللتان تمليان ما يريدان على الحكومة العراقية.والمشكلة ان هاتين الدولتين في صراع معلن ساحته الأرض العراقية، اذ صرح ترامب في زيارته لقاعدة (عين الأسد)- التي علمت بها الحكومة من وسائل الاعلام!- ان الغرض الرئيس لهذه القاعدة العسكرية (المذهلة بتعبيره) هو مراقبة ايران. وان الحكومة العراقية في مأزق يصعب عليها ارضاء دولتين قويتين لهما نفوذ قوي في العراق، ما يعني انها فاقدة للتمتع المطلق بالسيادة بوصفه الشرط الآول لمقومات الدولة، وانها فاقدة للشروط الأخرى لمقومات بالتبعية.

موقف .. قد يشكل البداية:

في لقائه (الاربعاء 6 شباط الجاري2019) بالمبعوثة الأممية، حذر السيد علي السيستاني الكتل السياسية من انها اذا لم تعالج الازمات فقد تفقد الفرصة الأخيرة، وطالب الحكومة بتأمين الخدمات ومحاسبة الفاسدين .. ما يعني ان المرجعية الموقرة هي مع ما توصل له هذا الاستطلاع من تشخيص. ومع ان الأحزاب الشيعية والكتل المحسوبة عليها تبارك ما تقوله المرجعية وتعلن التزامها بتنفيذه، فانها لا تطبق ذلك عمليا، لأنه يهدد استفرادها بالسلطة والثروة والنفوذ.وانه ليس امام القوى التي تسعى الى ان يكون العراق دولة سوى توحيد موقفها بمطلب واحد يضمن الخطوة الأولى نحو قيام دولة .. هو قيام مجلس مكافحة الفساد بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين تبدأ من الان بمحاكمة حيتان الفساد تنقل عبر وسائل الأعلام .. وبدونه تبقى سيكولجيا التغافل والتماهل هي المخدّر الذي تعتمده حكومة السيد عادل عبد المهدي .. ان اكمل ولايته! .. او أن المرجعية ستافجأ احزاب السلطة المحسوبة عليها والخجله من افعالها بما يعيد لها دورها في اقامة دولة مدنية كما فعلت في ثورة العشرين؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الدولة العراقية ودراما الانتقال من الملكية إلى الجمهورية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدولة الأيوبية.. ودور الدولة الزنكية في نشأتها
»  الديموقراطية التوافقية... المحاصصة الطائفية القومية... وخطرها على الدولة العراقية
» الانتقال السياسي
» الجمهورية اليمنية
» الجمهورية الإسلامية الموريتانية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: دول عبر التاريخ-
انتقل الى: