منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Empty
مُساهمةموضوع: ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر   ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 6:29 pm

ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر

اتسمت العلاقة بين الإسلام والغرب -عبر قرون طويلة- بالصراع وعدم الثقة، وهذه الإشكالية كان سببها الموروث السلبي عند الغرب، وذلك نتيجة عدم الإقرار بالإسهام العربي الإسلامي في حضارة الغرب تارة، وبفعل عوامل الصراع العربي الإسرائيلي تارة أخرى، ناهيك عن صور المعاملة السيئة للنساء في أفغانستان والجزائر على أيدي جماعات تدعي الإسلام وهو منها براء. الأمر الذي ساهم بتشويه صورة العرب والمسلمين في العالم الغربي عموماً؛لكن هل نترك الحوار مع الكارهين لنا، مع العلم أن الكثير من الحروب والصراعات البشرية كان سببها انقطاع الحوار وعدم التواصل مع الآخر؟


اقتباس :

فالعرب تفاعلوا مع الغرب عبر علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبظهور الإسلام أصبح العرب والمسلمون أكثر احتكاكًا بالعالم الغربي


بداية ليس من الضروري أن تشكل صورة العرب والمسلمين السلبية عائقًا أمام التواصل والتفاعل بين الإسلام والغرب، فمعظم البلاد العربية والإسلامية –كما هو معلوم- تتمتع بعلاقات طيبة وجيدة مع الغرب سواء أكانت هذه العلاقات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

ويعود التواصل بين الشرق والغرب إلى عصور سابقة على بداية الدعوة الإسلامية، فالعرب تفاعلوا مع الغرب عبر علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبظهور الإسلام أصبح العرب والمسلمون أكثر احتكاكًا بالعالم الغربي، وانتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا؛ لتفتح آفاق المعرفة والتحضر فيها، واستمرت أوروبا تنهل من حضارتنا الإسلامية حتى ما بعد سقوط الأندلس 1492م.

ونحن في حوارنا الجديد المتوازن مع الآخر لا نريد تقبل معطياته بالكلية، وكذلك لا نريد الرفض المقفل لتلك المعطيات، وإنما يجب علينا أن نتعامل مع هذه المعطيات في ضوء التمحيص العلمي المتأني القائم على المنهج الموضوعي الدقيق، ولابد من القول أن هناك ثمة فرق بين مستشرق وآخر، فنحن إذا نظرنا إلى ماكتبه “مونتغمري وات montgomery watt” وما كتبه” هنري لا منسhanrilammens” نجد هوة واسعة تفصل بينهما، حيث نجد الأول منهما يقترب حتى ليبدو أشد إخلاصًا لمقولات التاريخ الإسلامي من بعض أبناء الإسلام نفسه، ويبتعد الثاني حتى ليبدو شتامًا لعانًاوليس باحثًا جادًا يستحق الاحترام.

اقتباس :

إن من أهم شروط نجاح الحوار البدء بالقضايا المتفق عليها كالوحدة الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبيان القواسم المشتركة بين الشعوب الإنسانية جميعًا


إن من أهم شروط نجاح الحوار البدء بالقضايا المتفق عليها كالوحدة الإنسانية والقيم الأخلاقية، وبيان القواسم المشتركة بين الشعوب الإنسانية جميعًا، حيث أكد القرآن الكريم على أنّ أصل بني البشر واحد، وأنّهم متساوون في الإنسانيّة والحقوق، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13).

وصح أنّ جنازة مرّت بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقام، فقيل له: إنّها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفساً”. ويحرم الإسلام امتهان الكرامة الإنسانيّة، ومن فعل ذلك عوقب عليه، ومن ذلك قصّة القبطي الذي ضربه محمد بن عمرو بن العاص، وقال له أنا ابن الأكرمين، فذهب القبطي إلى المدينة المنورة، وشكا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصابه من الهوان، فاستقدم عمرُ عمراً وابنه معه، وطلب الخليفة من القبطي أن يقتص، وقال له:” دونك الدرة، فاضرب بها ابن الأكرمين”، فضرب القبطي محمد بن عمرو بن العاص، وقال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمته الخالدة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.

لا بد من التركيز أثناء الحوار مع الآخر على الجوانب الإيجابية، والاعتماد على شهادات علماء أوروبا فيما ذكروه عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية، بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية لصورة العرب في الغرب، ومن هذه الشهادات:

اقتباس :

لا بد من التركيز أثناء الحوار مع الآخر على الجوانب الإيجابية، والاعتماد على شهادات علماء أوروبا فيما ذكروه عن الإسلام والحضارة العربية الإسلامية


– يقول “ول ديورانت”: “لقد كان أهل الذّمّة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون في عهد الخلافة الأمويّة يتمتعون بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحيّة في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابده”.

– تقول المستشرقة الألمانية زيغريدهونكه: “العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعاً -دون أي عائق يمنعهم- بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟”.

– يقول جوستاف فون جروينباوم:” ليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يضرب فيها الإسلام بسهم، ولم يزد ثروة التقاليد الغربية فيها غنى”.

لذا كان من الأهمية الإقرار بالتبادل الحضاري واحترام إنسانية الشعوب، والإقبال على الآخر بروح جديدة أساسها العلمية والموضوعية، بعيداً عن سياسة قلب المفاهيم والاستنتاجات الخاطئة، والعمل على إقامة المؤتمرات واللقاءات والتركيز على الجوانب الإيجابية أثناء الحوار، بما يعزز ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والثقافات الإنسانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر   ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 6:30 pm

الصداقة.. من العنف إلى اللاعنف

منذ أن قُتل هابيل على يد أخيه قابيل والإنسانية تعيش على وقع سلسلة صراعات لا تكاد تنتهي؛ بفعل تنامي حدة الأحقاد التي يكنها الإنسان لأخيه الإنسان.. فبدل أن يُشرع في بناء جسور التواصل والحوار بين الشعوب لبناء مجتمع يضمن للكل حقه في العيش بهناء وسعادة، اتسعت هوّة الخلاف وهو ما تسبب في استفحال ظاهرة التعصب بشتى أشكالها، تعصب للفكرة وللجنس وللدين. وهذا الأخير -التعصب الديني- أضحى خطرًا محدقًا يهدد إنسانية الإنسان بالإرهاب والقتل دون أدنى شفقة، لأن الدين قد يصبح خطرًا إذا ما استُغل في تدمير الإنسان. ولا غرو في أن الحرب التي تنشُب عن خلفية دينية، تكون عواقبها وخيمة على الإنسان وعلى الكون، لأن الطرفين فيها يعتقدان أنهما على صواب، مستمدين شرعية أفعالهم من الدين نفسه، وحجتهم في ذلك تطبيق آوامر الإله. فالناظر في تاريخ الديانات، يجدها حُبلى بالصراع والاقتتال، وهذا راجع لفهم الناس، وإلا فروح الدين تهدف إلى إسعاد البشر في العاجل والآجل.


ولما كانت روح الدين تدعو إلى التعارف بالانفتاح على الآخر المخالف دينيًّا وعرقيًّا، فإننا لا نجد أي بُدّ من الصداقة ما دمنا نعيش في عالم واحد ونتنفس هواء واحدًا، إيمانًا منا بقيمة الصداقة باعتبارها قبولاً واحتواء، تتطلب منا غض الطرف عن الخلافات التي هي في جوهرها طبيعية والانتقال إلى واقع يقبل الجميع، ويُسهم في بناء المشترك الإنساني الذي يُجمع الكل حول أهميته باعتباره ضرورة للعيش معًا.
ففي الوقت الذي تدعو فيه كل الديانات إلى نبذ أشكال العنف والتعصب، نجد هناك بعض الحالات الشاذة التي تؤوّل النصوص الدينية حسب الأهواء، وتعمد إلى إشهار السيوف في وجه المُخالف تحت ذريعة الجهاد، وغيرها من الخطابات التي لا يمكن لعاقل أن يصنفها داخل الأخلاق ولا الدين، باعتباره (الدين) جاء لخدمة البشرية وتمتيعهم بالسعادة الروحية فكان أن حصل عكس المبتغى؛ لأنه ترجم في العديد من الأحيان إلى حروب دامية راحت في سبيلها أرواح عديدة، وبدل أن يعيش الإنسان حرًّا في إرادته أصبح يتملكه هاجس الخوف في التعبيرعن مواقفه وقراراته ، خوفًا من المواجهة مع من يختلفون معه. ولقد ازدادت حدة العنف تلك في السنوات القليلة الماضية، واتخذت عدة تلوينات طائفية دينية وغيرها. فكيف للصداقة أن تنقلنا من العنف إلى اللاعنف؟


في أهمية الصداقة


لدينا كلنا ذاك الصديق الذي نلجأ إليه عند الشدة والضيق، ولم نفكر يومًا أن هذا جوهر الصداقة، إنما نطلب منفعة عرضية تجعلنا بعيدين كل البعد عن جوهر الصداقة المحمودة (صداقة الفضيلة)، فهل الصديق هو من يصاحبنا في وقت المحنة؟ يجيبنا أرسطو بقوله: “الصديق هو من يعيش معك، ويتحد وإياك في الأذواق، وتسره مسرّاتك وتحزنه أحزانك”. إن الصداقة بهذا الاعتبار هي تجرد من الذات -من الأنا إلى النحن- وهي ضرب من المشاركة الوجدانية. وهذا هو المعنى الحقيقي لصداقة الفضيلة. وعمومًا ينحصر الإنسان بين نوعين من الصداقة، صداقة المنفعة وهي عرضية زائلة تنتهي بانتهاء الغرض الذي يصبو الإنسان إلى تحقيقه على المدى القريب، وصداقة الفضيلة التي تتجاوز كل ما هو محسوس غائي إلى الحب باعتباره أسمى الغايات بين البشر.
إن الإنسان بما هو إنسان يظل وجوده مرتبط بالغير، فإما أن يكون صديقًا أو عدوًّا، لأن انتماءه للبشرية يفرض عليه الانخراط بشكل إرادي في الحياة الاجتماعية، لذا لا يُتوقع أن يعيش الإنسان السوي في معزل عن أخيه الإنسان، والصداقة هي التي تسهم في بناء الروابط الاجتماعية وتمتينها، طبعًا إذا ما تغيت روح الإنسان بعيدًا عن الخلافات التي لا يمكن أن تحدث أي مساس بالجوهر الأساسي للإنسان، وهي تقتضي عامل الزمن؛ فكلما طال عمر الصداقة أيقن الإنسان بدوامها، لأن الصداقات العابرة في الغالب ما تكون غايتها بلوغ مصلحة ما، وهي بهذا المعنى لا ترقى إلى ”الصداقة الخلاقة” المبنية على الفضيلة وحب الآخر.
أن يكون الشخص صديقًا ليس معناه أن تكون له نفس معتقداتك وأفكارك، فهذا كله أمر شخصي ومن المغالطات الإمساك بمثل هذه الخيوط، واعتبارها حُجة وذريعة لتبني فكرة العنف. قال الجنيد ذات مرة: “لو صحبني فاجر حسن الخلق، كان أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق”؛ فالأكيد أن ما يهمني من الصديق هو خلقه وما يبديه لي من احترام، أما معتقداته وأفكاره وغيرهما فهي تخصه هو ولا دخل لي بها. وغير بعيد عن واقعنا الذي نعيشه كثيرًا ما نسمع أو نشاهد أخلاق المخالفين لنا من الغرب، في الوقت الذي تفتقر فيه كثير من مجتمعاتنا لهذا الرقي، وهذا يدفعنا لإعادة طرح السؤال القديم الجديد “لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟”. والواقع أن المجتمع الذي تسوده القيم الأخلاقية هو مثال للتقدم والتحضر، لأنه يؤمن بروح الإنسان والأخلاق التي تتجاوز كل الحدود الدينية والعرقية.
إن ما يدفع الناس إلى ربط علاقات الصداقة هو هذا الإحساس بالنقص، فالصديق هو من يوفر للشخص نوعًا من الأمان وتبادل وشائج الحب، ففي الحالة الاجتماعية تغمر الفرد رغبة قوية تحمله على الانفتاح تجاه الأصدقاء، لتبادل مشاعر الحب والإخاء فيما بينهم، عملاً بأهمية الصداقة في خلق جسور التواصل والحوار بين بني البشر. لذا نجد الصداقة اقترنت بوجود الإنسان داخل الجماعات، فمنذ أن وُجد الإنسان وهو في بحث مستمر عن إنشاء وإقامة علاقات صداقة مع الآخرين، وإن كانت في البداية اتخذت شكل عشائر وجماعات لمواجهة قسوة الطبيعة، إلا أنه ومع تطور الإنسان وبروز تلك الانقسامات التي عرفتها البشرية، أصبح الإنسان يصادق الإنسان لمواجهة أخيه الإنسان بشتى أنواع العنف والتقتيل.


العنف فعل إنساني


بالرغم من أن الإنسان يتميز عن غيره من الكائنات بالعقل والتفكير، إلا أن هذا لم يمنعه من عيش تجربة العنف بشتى أشكالها.. ولا يزال الإنسان يرتكب الجرائم والقتل في حق أخيه الإنسان إلى أن يفنى، فحيث ما وُجد الإنسان وُجد العنف، بمعنى أن العنف مرتبط بوجود الإنسان وملازم له، والعنف يصبح أخطر حينما يواجه بعنف مضاد؛ عندها يصبح البقاء للأقوى، كما هو الحال في الحروب منذ فجر التاريخ إلى اليوم، حيث لا زال الإنسان يحتفظ في ذاكرته الجمعية بصور شنيعة جدًّا.
إن أخطر صور العنف هي تلك التي اقترنت بالتجربة الدينية، بالرغم من الأصوات الداعية إلى التسامح والحوار مع الديانات المخالفة، إلا أن الناس لم يزدهم ذلك إلا إصرارًا وإنتشاء بإزهاق الأرواح. فقد “كان الديني -ولا يزال- يرمي إلى تهدئة العنف ومنعه من التفجر، وبكلام أوضح، فإن هدف هذه المسلكيات الدينية والأخلاقية هو تحقيق اللاعنف بطريقة مباشرة”. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى عقول تَقبل الآخر، وتعتبره فعالاً في بناء المشترك الإنساني والحفاظ عليه، للحد من هذا العناد والتعصب في التعاطي مع المسألة الدينية؛ وبالتالي النظر إلى الإنسان الآخر على أنه قيمة القيم، بمعنى أن القيمة التي يتصف المرء بها يجب -قطعًا- أن تَخدِم الإنسانية جمعاء، وأن تحقق الخير الأسمى لكل إنسان، وأن تكون كونية الطابع، حتى تتحصل لديها تلك الدلالة المفاهيمية التي ينص عليها مجال القيم والأخلاق، وحتى الدين.
يكاد العداء أن يكون سمة ملازمة لكل أخوين في العهد القديم والأساطير الإغريقية على السواء، حيث يبدو كلاهما مدفوعًا بما يشبه الحتمية القاهرة إلى ممارسة العنف ضد الآخر”. فالإنسان مدفوع لممارسة العنف ضد أخيه الإنسان، فحتى في الأوقات التي نظن فيها أننا بعيدون عن ممارسة العنف والعدوان نكون حقًّا ممارسين للعنف بأي صيغة من الصيغ. “فالعالم ليس بئيسًا إلا في أعين الذين يسقطون عليه بؤسهم.


الصداقة من العنف إلى اللاعنف


إن الصداقة باعتبارها حاجة إنسانية أساسية، تهدف إلى إسعاد الناس فيما بينهم، وهي بذلك تتبوأ أعلى الدرجات في سلم الحاجات لدى الإنسان، إذ نجد الإنسان الذي حقق التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي، هو الذي نجح في خوض تجربة الصداقة. فكلما نجح الإنسان في كسب صداقات خارجة عن الوسط الذي يعيشه -مثال العائلة- اكتسب مناعة أوفر تُمكّنه من العيش بسعادة، وهذا ما نحتاج إليه اليوم في وقت أصبحت فيه الإنسانية تعيش على وقع الفرقة والانقسام، حتى بات الكل يعيش نوعًا من الغربة، غربة في الحب في الوطن وفي الكون.
وإذا كانت الصداقة رابطة أنطولوجية وروحية تسعى إلى تحقيق الخير الأسمى للإنسان في العاجل والآجل، فإنها تعد أنموذجًا عمليًّا لفض النزاعات التي سببتها وحشية الإنسان من عنف هستيري وشغف في إبراز الذات ولو على حساب الآخر، وهذا كله بلا شك يسهم في يناعة العدوان وبالتالي العنف. إن مجرد التفكير في العنف، يجعل الفرد قلقًا يحمل هوية موسومة بشعور عدم الأمان والريبة من الغير، وهذا مبلغ الفرقة والشتات.
إن العنف باعتباره فعلاً لا عقلانيًّا موسوم بفرض الذات على الآخر، يصعب مقاربته فلسفيًّا رغم أن الفلسفة اهتمت به موضوعًا للنقاش مثل جميع المواضيع التي تهم الإنسان؛ بمعنى هل تتم مناقشته بما هو كائن أم بما يجب أن يكون، والعنف في الحقيقة يمثّل وضعًا تنعدم فيه كل القيم الأخلاقية، وتلغى فيه القوانين. بهذا المعنى يصبح العنف أساسه عدم قبول الذات بالأحرى، وعدم قبول الآخر، فغياب الحوار الداخلي المتمثل في المصالحة مع الذات هو المسؤول عن رفض الآخر.. فما دمنا لم نتدرب بعد على أن نعيش معًا، فالأكيد أننا سنعيش على وقع العنف، وهي دعوة لبناء المشترك والحفاظ عليه من خلال قيمة الصداقة التي “تتمثل في أن نحب الصديق”.


خاتمة


لقد عُرفت العلاقات الإنسانية بالتشنجات منذ فجر الإنسانية إلى اليوم، نتيجة الرغبة الجامحة التي تدفع بالإنسان نحو التملك والسيطرة على أخيه الإنسان، الأمر الذي لا يتم قبوله من لدن الآخرين، فيتبلور إلى عنف وصراعات عويصة يصعب الفكاك منها، وتبقى الصداقة حلاًّ واحدًا ووحيدًا، لأنها تنقل الإنسان من التفكير الذاتي إلى التفكير الجماعي، من الأنا إلى نحن.. وحاجة الإنسان إلى الصداقة تعدل حاجته إلى المأكل والمشرب، فأن يصادق الإنسان هو ضرب من إرضاء للنفس وللروح، ويتحقق له الاستقرار المنشود الذي تحتاجه البشرية اليوم، في ظل هذا الوضع الآيل للتأزم.

(*) باحث في الفلسفة والعلوم الإنسانية / المغرب.
المراجع
(1) الحياة المشتركة، لتزفيتان تودورف، ترجمة منذ عياشي، المركز الثقافي العربي 1995، الطبعة الأولى 2009.
(2) الصداقة والصديق، لأبي حيان التوحيدي.
(3) العنف والمقدس، لرينيه جيرار، ترجمة سميرة ريشا، مراجعة جورج سليمان، ط1، 2009، مركز دراسات الوحدة العربية.
(4) التجربة الصوفية بين الحب والعنف، لأنوار حمادي، كتاب جماعي، التصوف والعنف، من تنسيق صابر سويسي، منشورات مؤمنون بلا حدود، 2018.
(5) في الحل والترحال، لميشيل مافيزولي، ترجمة عبد الله زارو، أفريقيا الشرق، 2010.
(6) ما هي الصداقة؟ لجاك دريدا، ترجمة فتحي المسكيني، مومنون بلا حدود، 6 مارس 2019.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر   ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر Emptyالثلاثاء 15 أكتوبر 2019, 6:41 pm

وعي الاختلاف ونبذ الخلاف

لقد قضت حكمة الله تعالى أن جعل الاختلاف قديم قدم الخلق، وهو سنة كونية أبدية، وطبيعة بشرية، فمن المستحلات الثابتة جمع الناس على كلمة واحدة، يقول الحق سبحانه(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ  ولذَلكَ خَلَقَهُمْ)(هود:118-119) وويقول أيضا في محكم تنزيله: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(البقرة: 251) فسنة الاختلاف عند الخلق دليل بالغ على كمال الخالق، ولولا سنة الاختلاف لاندثرت الخليقة، ولذلك أضحى اختلاف الناس بين مدرك واع بهذه السنة الكونية، فهو مشرف على كمال العقل البشري  في أبهى حلته في فهم سنة الاختلاف، وبين مقبل على البهيمية بأشد ما تكون عليه من الغباء بالإجرام بحق كل ذي رأي مختلف. وإن هذا الصنف الأخير الذي ترعرع في الجمود والانغلاق، ونشأ على التفرد والاستبداد بالرأي والفكر، والذي يغلق أبواب عقله على مرضه، يرى رأيه الرأي المنير وقوله القول الفصل الحكيم، فجدير بنا أن نقر بأن هذا الصنف شر بلية أريدت بنا، وشر خيبة سيقت لنا، ولا غرابة إن قلت هو السبب الأعظم لتخلفنا عن ركب الأمم.


اقتباس :

 إن الاختلاف ضرورة واقعة وأمر طبيعي بين الناس لتفاوت ادراكهم وفهمهم، وطرق استدلالهم،  ولا يقع عليه البتة ذم ولا تنقيص  بقدر ما يقع على السلوكيات السيئة الناتجة عن عدم التخلق بآدابه.


ها نحن ذا نقدم العلاج الأمثل، والدواء  المفعم في ثلاثة جرعات لفهم الاختلاف ووعيه ونبذ الخلاف وتركه: جرعة ترك الهوى، وجرعة ترك التقليد الأعمى، وجرعة نبذ التعصب، وقبل أخذ هذه الجرعات لابد من تهييء العقل والقلب.

أولاً: الإقرار بهذا المرض إقرارًا باطنًا لا ظاهرًا، إقرارًا عمليًّا لا قولاً نفسيًّا حتى نكون أصحاب فهم دقيق ورأي بديع.

 ثانيًا: أن ندرب أنفسنا على أسمى معاني الإنسانية، وترويدها على ما يتميز به البشر في العلو أو الانحطاط. وقد أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء”أن يونسَ الصدفي قَالَ: مَا رَأَيتُ أَعْقَلَ منَ الشافعي، نَاظَرْتُهُ يَوْما في مَسْأَلة فَلَمْ نَتَفقْ، فَلَقيَني بَعْدَهَا وَأَخَذَ بيَدي، وَقَاَل: يَا أَبَا مُوسَى أَمَا يَسْتَقيمُ أَن نَكونَ إخْوَانا وَإنْ اخْتـَلَفْنَا في مَسْأَلَة”.

وحتى  نستصيغ الدواء ونتخلص من الداء، تعالوا معانا نضع قاعدة مشتركة ألا وهي: استيعاب أن الاختلاف ليس اعتداء متعمدًا أو تعبيرٌ عن قوة أعلى بل هو أمر أراده سبحانه ليؤدي وظيفته. وحتى يتأتى هذا الفهم للخروج من هذه الأزمة الفكرية المتجذرة، لا بد من نبذ ثلاثة أمور رئيسية، حيث تبين بالاستقراء والتتبع أن مرد جهل سنة الاختلاف وتعميق جرح الخلاف، وهجر ضوابطه وعدم التحلي بآدابه هو:

[list="zoom: 1; color: rgb(128, 128, 128); font-family: font; background-color: rgb(255, 255, 255); box-sizing: border-box; margin: 15px 0px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; list-style-position: inside; letter-spacing: 0px !important;"]
[*]الهوى: وهو ميل النفس إلى الصنم الخفي بذواتنا، الذي نهوي إليه مكبرين مهللين كلما هممنا على اختلاف، دون الاستناد إلى مبادئ فطرية، أو دلائل عقلانية، أو تجارب علمية، بل هو وضع الذات في كفة، والحكم على المخالف في كفة، وترجيح الذات ابتداء.
[*]التقليد الأعمى: وهو الظل الذي يستظل به بدوي القدوة، وإنزال الناس منزلة العصمة ومقام العظمة، فكم مرة أمكننا فهم اختلاف وفض النزاع بإقناع أو اقتناع، لكن الركون إلى الأشخاص الزائفين جعل الاختلاف ينحرف عن مساره الصحيح ليسلك طريق إمعة، ويضع السدود بين طرفين بدلاً من إعانة على المقاربة والالتحام.
[*]التعصب: وهو تمركز حول الذات وهجر الموضوعية، والرد الصريح لسنة الاختلاف، وتحجير العقل  واخراجه عن وظيفته الطبيعية في تناول القضايا الخلافية، ليصبح استيراده للمعرفة من قناة واحدة دون أدنى حرج، وهو من أبرز سمات وأسس هذه الأزمة الفكرية المتجذرة .
[/list]

إن إدراك المعاني الحقيقية للهوى والتقليد والتعصب، ونبذها هو السبيل الموصل إلى إدراك أن الاختلاف ضرورة واقعة وأمر طبيعي بين الناس لتفاوت ادراكهم وفهمهم، وطرق استدلالهم،  ولا يقع عليه البتة ذم ولا تنقيص ولا تفريق بقدر ما يقع على السلوكيات السيئة الناتجة عن عدم التخلق بآدابه، كالظلم والبغي والرد للحق وهضم للخصم.

وقد أشار بن القيم -رحمه الله- في كلام قيم، أن المخالف إذا سلم قصده لا تضر مطيته حين قال “فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزيب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسول، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لا بد منه في النشأة الانسانية”، وكما آثَرَ الإمام مالك نفسه  -رحمه الله- في موقف رفيع وقول بديع، إفساح المجال للمخالف واحترامه وذاك حين أراد الخليفة العباسي حمل الناس على الموطأ  -وهو كتاب مالك وخلاصته في الحديث والفقه- فَقَالَ “لَا تَفْعَلْ يَا أَميرَ المُؤمنينَ” معتبرًا و مقررًا مبدأ الاختلاف، وأن لكل عصر ومصر علماءه وآراءه، دون أدنى محاولة لإشباع الذات، فَعَدَلَ الخليفة عن ذلك، فظهر أن الاختلاف سائغ وواقعٌ ما دام في الحدود والضوابط المشروعة، بل يكون ممدوحًا وهادفًا إذ هو مصدر من مصادر الإثراء الفكري، والغنى المعرفي، ودافعًا لتلاقح الأفكار والآراء، ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعًا لهذا الاختلاف الرحيم قال تعالى(وَشَاورَهُمْ في الأَمْر)(آل عمران:159) إذ نحن التزمنا بآدابه  كالعذر بالجهل، والعذر بالاجتهاد، والرفق في التعامل، واللين في القول، ومراعاة المصالح والمفاسد عند الرد أو الإنكار.

إن قبول الاختلاف وفقهه، والتحلي بآدابه ضرورة لا محيد عنها، وواجب ملزم لمن أراد استشراف المستقبل بأمان، حيث أن فكر المخالف وآراءه منبع إلهام، وصرح لنحت الأفكار، وسبب عظيم من أسباب الازدهار، وإحياء لروح التسامح في الأمة ونبذ الكره والتباغض، وبث روح الأخوة والمودة بين المسلمين قاطبة. وإدراك أن الاختلاف وجهة مشروعة وجب استثمارها، أما تحجر الأذهان وصمم الآذان وإعجاب كل ذي رأي برأيه لم يبرز إلا الضعف والوهن والتشرذم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ثقافة التسامح وأهمية الحوار مع الآخر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ثقافة الحوار
» علم الاجتماع العائلى وأهمية دورة فى المجتمع،
»  قيمة العمل والإنتاج وأهمية ذلك من منظور شرعي
» حالة التذمر عند الطلبة.. تداعياتها وأهمية علاجها
»  متى بدأ التسامح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: منوعات-
انتقل الى: