منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حكمة الألم وفوائده

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حكمة الألم وفوائده Empty
مُساهمةموضوع: حكمة الألم وفوائده   حكمة الألم وفوائده Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:37 am

حكمة الألم وفوائده


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.
أنعم الله تعالى على الإنسان بنعمه الوفيرة، فقال سبحانه: ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]. وقد يَكْفُر المرءُ ببعض هذه النعم جاهلاً أو غافلاً، فقد يبدو الشيءُ في ظاهره نقمةً لكنه في حقيقته نعمة؛ كالآلام الذي تُصيب الإنسان، ومن الألم ما له وجهان، ونحن لا نرى إلاَّ وجهاً واحداً، وهو جانب الشقاء والعذاب.
 
وتتنوع أسباب الألم؛ فبعضها جسدي، والآخر نفسي. فأما الأسباب الجسدية مثل الجوع، والعطش، والجروح، والحروق ونحوها. وأما الأسباب النفسية مثل القلق، والهم، والمخاوف ونحوها. والناس - عادة - يقرنون الألمَ بالإصابات الجسدية أو المرض، مُتناسين أن الأحاسيس أو العواطف يُمكن أنْ تُسَبِّب ألماً أيضاً.
 
ولا شك أنَّ تحديدَ سببِ الألم ومعرفةَ مصدرِه بدقة من الأمور الضرورية لعلاجه أو الوقاية منه مستقبلاً؛ لذا أوصى النبيُّ صل الله عليه وسلم عثمانَ بنَ أبي العاص - رضي الله عنه - وكان يشكو وجَعاً في جسده - بتحديد موضِعِ الألمِ والمباشرةِ في علاجه بالرُّقية بقوله: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ - ثَلاَثًا. وَقُلْ - سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» رواه مسلم.
 
عباد الله .. تتنوَّع الآلامُ حَسَبَ شدتها وضعفها إلى آلام ضعيفة، وآلام متوسطة، وحادة. وتنقسم الآلام حَسَبَ المدة الزمنية إلى آلامٍ قصيرة الأجل - وهذه تزول بمجرد زوال السبب أو المؤثر، وبعضُها آلامٌ مُزمِنة - تدوم وقتاً طويلاً وتُعاوِد صاحبَها كلَّ فترة زمنية.
 
ويدخل المريضُ - الذي يُعاني من هذه الآلام المُزمِنة - في دوَّامةٍ ودائرةٍ مُتَّصلة من الآلام؛ فتوقُّعُه للآلام وانتظارُه لها يُسَبِّب له آلاماً نفسيةً، فتُصبح حياتُه عبارة عن سلسلة من الآلام المُتَّصلة يُسلِم بعضها إلى بعض.
 
وكثير من الناس يَقْرِن الألمَ بالشر، أو الإحساسِ بالبُغض، فهل هذا يدل على أنَّ الألم - في جميع أحواله - شرٌّ محض؛ فلا يُرتَجى منه نفعٌ أبداً؟
 
فيقال - جَواباً على ذلك: إنَّ الله تبارك وتعالى هو خالِقُ كلِّ شيء، والألمُ شيءٌ من الأشياء، ومن صفاته سبحانه أنه حكيم وخبير، ومقتضى حكمة الله ألاَّ يَخلُقَ الشيءَ عبثاً دون نفعٍ أو جدوى؛ فمِنَ المُؤكَّد أنَّ ثمَّة منفعةً من ورائه للبشر، عَلِمَها مَنْ عَلِمَها وجَهِلَها مَنْ جَهِلها. وما علينا إلاَّ أنْ نتأمَّل هذه الآلام، وندرُسَها بشيء من التعمُّق؛ لِنَعرِف ثمارَها وفوائدَها، أو الحكمةَ منها.
 
أيها الكرام .. ومن أبرز فوائد الألم:
1- أنَّ فيه وقايةً من آلامٍ أكبر: فبالرغم من أنه إحساسٌ غير مرغوب فيه؛ لكنه يُشبه ناقوس الخطر، ويؤدي إلى أعمال عصبية انعكاسية تهدف إلى حماية الجسم، فالإحساس بالألم يُجبر الإنسانَ على الراحة واستشارةِ الطبيب؛ مما لا يترك الفرصة للمرض حتى يستفحل، فيصعب علاجه.
 
وكذا الحال بالنسبة للألم النفسي، فإنَّ الألم النفسي - الناشئ عن خوف العبد من عذاب الله تعالى - يقيه من الوقوع في العذاب الأليم في الدنيا أو الآخرة؛ وقد وُصِفَ العذابُ بكلمة "أليم" في القرآن الكريم في اثنين وسبعين موضعاً.
 
2- تطهير المسلمِ من الآثام والذنوب: فالألم ذو فائدة عظيمة؛ فهو ابتلاء من الله تعالى، والابتلاء مع الصبر نعمةٌ تستوجب الشكر، واللهُ تعالى إذا أحبَّ عبداً ابتلاه، وأشدُّ الناس بلاءً هم الأنبياء؛ فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا؛ اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ؛ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» صحيح - رواه الترمذي وابن ماجه.
 
فالألم يصهر مَعْدِن المسلم، فتصفو رُوحه، ويزكو خُلُقُه، وتَطْهُر نفسه؛ فألم الابتلاء سبيلٌ إلى لذةِ التَّقوى ونعيمِ القرب من الله، وهل يبرق الذهبُ إلاَّ إذا ذاق آلامَ النار؟
 
3- الألم يُصحِّح مسار المسلم، ويُفيقُه من غفوته: فيرجع عن سالف عهده من الذنوب والمخالفات، فمِنْ رحمة الله تعالى أنه جعل الآلامَ نذيراً لخطر داهمٍ وعقوبة شديدة. فإذا أفاق العبدُ وتضرَّع إلى الله رَفَعَ عنه الضر. قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴾ [الأعراف: 94].
 
4- الآلام تُنمِّي نِعمةَ الإحساسِ بالآخَرين: فنُقَدِّم لهم يدَ العون والمساعدة، فيتحقق بذلك التكافل الاجتماعي؛ فالغني يتألَّم للفقير فتكون الصدقة والزكاة، والمُقتدِر يتألَّم للمعوزين فتكون المشروعات الخيرية، والقوي يتألم للضعيف فيكون العون والمساعدة.
 
5- الآلام تُقوِّي العزيمةَ والإرادة: فيكتسب المرءُ حصانةً من آلام الحياة، ويستمد من مقاومتها قوةً وصلابةً يستطيع بها مواجهة صعوباتِ الحياة وظروفِها القاسية؛ فألم الإخفاق يُبَصِّر صاحبَه بطريق النجاح، وألم الندم على المعصية يقود إلى لذة الطاعة، وألم الفقر يخطو بصاحبه صوب الغِنى والثراء.
 
الخطبة الثانية
عباد الله .. ولا يكون الألمُ نعمةً حتى تتوفَّرَ فيه عِدَّة شروط:
1- الإيمان بالقضاء والقدر: وبأنَّ هذه الآلام من قضاء الله وقَدَره، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
 
2- التَّحلي بالصبر: قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]. ولمَّا صبر أيوب - عليه السلام - على الآلام المرض والابتلاء؛ جعل اللهُ تعالى عاقبته خيراً، وتأمَّلْ كيف امتَدَحه اللهُ تعالى بقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44].
 
3- احتساب الأجر عند الله تعالى: فالألم والوجع والتَّعب يُصيب المسلمَ والكافرَ، ويتألَّم منه الجميع؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ﴾ [النساء: 104]. فالمُسلمَ له مَزِيَّةٌ، فهو يرجو ثوابَ الله، ويحتسب الآلامَ التي تُصيبه عند الله تعالى، ويرجو من اللهِ الرحيمِ سبحانه أن يُكفِّر بها عن سيئاته، أو يرفعه درجات في جنات النعيم، فلا يصح أنْ يكون المسلمُ أضعفَ من الكافر - وهو يؤمن بالله تعالى، ويرجو ثوابَه، ويخاف عقابه.
 
4- قوة الإرادة: حتى يمكن تحمُّل الآلام؛ فلو استسلم لآلامه لَدَبَّ اليأسُ في قلبه، وتحوَّل الألمُ إلى نِقمة عليه، فنراه يقنط من رحمة الله، وتُثبَّط همته. فيجب على المرء أنْ يعتني بتقوية إرادته، وتدريب نفسِه على تحمُّل آلامِ الحياة وصعابِها، ثم عليه أنْ يتخطى هذه الآلام ويتناساها؛ لِيَتَّجِهَ إلى العمل النافع، والإنتاج المُثمر.
 
5- الأخذ بالأسباب في معالجة الألم، والتخلُّصِ من أسبابه: فإهمال الألم يؤدِّي إلى اشتداده واستفحاله، وحينئذٍ قد لا يُجدي معه علاج، ولا تنفع معه أيَّة مقاومة، فتَخُور القُوى، ويتحوَّل المرء إلى طاقة مُعطَّلة، فيعجز عن مواصلة الكفاح في هذه الحياة.
 
6- حُسن التقديرِ، وُبعد النظر: فينبغي على المسلم أنْ يُحسن تقديرَ آلامِه وتشخيصَها، وكذا تقدير الوسيلة والوقت اللاَّزِمَين لعلاج الألم ومقاومته، والإنسانُ من طبعِه التَّعجُّل: ﴿ خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37].
 
ثم عليه أنْ يتحلَّى بِبُعْدِ النظر؛ فالشفاء من الآلام بقَدَرٍ معلوم، وقد جعل الله لكلِّ شيءٍ قَدْراً؛ فعلى المرء أنْ يسعى، وليس عليه إدراكُ النجاح.
 
فإذا ما توافرت هذه الشروط فعندئذ يكون الألمُ نعمةً، يُثاب عليه المسلم، ويُصبح باعثاً للهِمَم، ومُحرِّكاً للطاقات البنَّاءة، ومُثيراً للعقول المُبدِعة، فهو نِعمةُ من الله تعالى، وسِرٌّ من أسرار النجاح في الحياة، نسأل اللهَ تعالى العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة[1].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حكمة الألم وفوائده Empty
مُساهمةموضوع: رد: حكمة الألم وفوائده   حكمة الألم وفوائده Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:38 am

الألم من زاوية أخرى

 
الألمُ الشريدُ هذا، هو أفضلُ ما قد يحصلُ للإنسانِ، هو أثمنُ ما قد يظفرُ به؛ بل والأصدقُ أيضًا! فالألمُ الفريد، ذاك المنعزِلُ الوحيد، المنبوذ بكلِّ مَحفِل، هو سرُّ الوجودِ كلِّه، إنسانٌ بغيرِ ألم، أيصحُّ أن يُسمَّى إنسانًا؟ أيصحُّ أصلًا أن يكون؟!
 
رُوحٌ بغيرِ ألم، جسدٌ بغيرِ روح: اثنانِ لا يمكن تصديقُهما، إلا عند غياب الرُّوح، عند فناءِ الجسد الأول، في ذاكرة الجسد الثاني؛ جسد الأرض، مؤقَّتًا ليس إلا... إذ الألم والجسدُ والرُّوح سيعيدان الكرَّةَ من جديد، بإطلالةٍ أخرى جديدة، ثلاثيَّةِ الأبعادِ، بلا خيوطٍ هذه المرَّة، وبلا تعميم.
 
جسد الأرض أيضًا يتألَّم، لكنَّهُ ألمٌ صامتٌ، راضٍ... يتبطَّنُ صرخات ثكلى، للأشجارِ وللأغصانِ وللأوراق... روحُ الأرضِ أيضًا تتألَّم، تبكي دون أن يسمعها أحدٌ، دون أن يفهمَ أحدٌ سرَّ دموعِها... لا أحد يراها أصلًا... وحدها السماء تفهمُها وتواسيها... السماءُ أيضًا تتألَّم برضا، تألم عند سماعِ الأرض... تبكي، لكن بلا خفاء... تذرفُ دمعًا ثنائيًّا، عنها وعن الأرض معًا... الأرضُ تواسي السماء، تغمرُها بعبيرٍ زاكٍ... سرٌّ غامضٌ لا يفهمه أحدٌ سواهما، لكن يستنشقه الإنسان... هذا ما يحسنه فحسب... أن يمتصَّ عبيرَ الدمع... الإنسانُ رفيقُ الدمع، حتَّى دون أن يعي ذلك...
 
عطرُ الأرضِ ونورها، أعشابها وورودُها، وِدْيانها وهضابُها وتلالُها، وثلوجها ومروجُها - كلُّها أفراحٌ منقوصة، سعاداتٌ شبه مغتصبة، صِيغَتْ من آلام الأرضِ ودموعِ السماء... بُترَت منها... نحن نأكل من نتاج الألم؛ لذا نحن دومًا في حالة تألُّم، لا نحيد عنها وهي عنَّا لا تحيد... حين يقف فيضُ الألم، ننتهي... فلنتألَّم إذًا بصمتٍ، دون أدنى صوتٍ يُسمَع.
 
فلنتقبَّل صخبَ الألمِ بكلِّ امتنانٍ وأريحيَّة، فلولا الألمُ لما كنَّا... فلنكفَّ إذًا عن محاكمةِ الألم، هذا المتَّهم المظلوم، المفترَى عليه... لنحتضنه إذًا، ونحوطه بين أيدينا... فلْندنُ منه بلا اعتراض ولا امتعاضٍ ولا منغِّصات... لا شكاوى ولا أنَّات... فلنبتلع آلامنا إذًا بكلِّ إقبالٍ وشهيَّة، فما ألذَّ الألم حين يصنعُنا، حين يصيرُ نحنُ! فلتُرفَع إذًا جلسة المحاكمة، وليُحاكَم القاضي والمحامي والشهود... فليُحاكَم كلُّ الحضور، القاصي منهم والداني، فكلُّهم جناةٌ ظالمون، إمَّا معتدون وإمَّا مقصِّرون... وحده الألمُ الشريد، هو البريء الوحيد، الحاضرُ الغائبُ أبدًا عن الحضور في الصورة، الظاهر أبدًا في قلب المشهد الحيِّ، بصورةٍ أخرى غريبة، لا تمتُّ لهُ بصِلَة.
 
فلتُنتَزعْ كلُّ المشاهد والصور، وليبقَ الألم وحيدًا، متجرِّدًا، منعزلًا عمَّا سواه، ليعكسَ نفسه فحسب، بعيدًا عن ظُلم الأرواح والأجسادِ والإطارات، وكلِّ الأماكنِ... بعيدًا عن الأرض، عن حبَّةِ رملٍ تتلبَّسُه... فتنقسم وتنشطرُ وتنفلق وتتكاثر، لتنسبَ له سببَ تبعثُرها، وضياعِها بين الصحاري الشاسعة... ناسيةً أنَّ وجودها ينمو ويزهو ويتجدَّدُ حيث يكمنُ الوجع فحسب.
 
المجدُ للألم، والحمد والشكرُ لله على نعمة الألم، وعلى القدرة الخارقة المهداة للإنسان على احتمال الألم، وتقبُّلِ الألم، والصبرِ على ألمِ الألم...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حكمة الألم وفوائده Empty
مُساهمةموضوع: رد: حكمة الألم وفوائده   حكمة الألم وفوائده Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:40 am

الألم بداخلنا





حمل ثقيل لا يكاد يفارقنا، نغلبه أحيانًا، ويغلبنا أخرى، قد يضعفنا تارة، ولعله يقوِّينا تارة أخرى، ننساه، أو نتناساه، لا يرى فيه البعض إلا نقصًا وتنغيصًا ومرارة، ويرى آخرون فيه امتحانًا واصطفاءً، بل ويخبرنا بعضهم عن حلاوة مخبأة تحت تلك المرارة، إنه الألم، قرين الحياة، الذي نعرف وننكر، ومن ذا الذي لم يذُقْه ويكتوِ بناره؟!
 

عجيب هذا الألم، والأعجب تألمنا منه مع توقعه ومعرفتنا إياه، ما أدري، هل يولد معنا أم بعدنا أم قبلنا؟ هل يكبر معنا؟ أم لعله هو الذي يكبِّرنا؟
 

صرخة يستهل بها كل قادم لهذه الحياة، يا ليت شعري، أمتألم هو أم فرح؟ هل مبعثها ألم الفِراق، وخوف الغد والمجهول، أم لعلها ضحكة لم تتضح بعدُ معالمها؟ أفيها تأسيس وتقرير مبكر لحقيقة الحياة واقترانها بالألم؟
 

نكبر ساعة بعد ساعة، ويكبر معنا الألم بصوره وأصنافه وأسبابه، مَغْص مؤلم بالبطن يبكينا، الجوع والبرد، والمرض والمجهول، والوَحدة والشوق، وتخوُّفنا من غير المألوف، نبكي بسبب وبلا سبب!
 

نكبر ويكبر معنا الألم، ويكبر فهمنا له، وسرعان ما نكتشف - بألم - أن لكل لذة ورغبة حدًّا، وأننا - مهما بكَيْنا وطلبنا - لن نحصل على كل ما نشتهي ونريد.
 

نكبر، ويزيد الألم؛ إذ يُقحمنا الكبار في آلامهم وهمومهم، أب وأم يتشاجران ورضيع بينهما يسمع، ويتأثر ويفهم، وهما لا يفهمان بأنهما لا يفهمان، يرى الرضيع قسمات الحزن على وجه أمه، فيعرفه ويؤلمه، إنها ليست تلك الصورة الضاحكة المضحكة التي اطمأن إليها بالأمس، حتى صوتها الحاني تغيَّر وتكدر، وخالطته نبرة غريبة ملؤها حزن وخوف، وفي المقابل ترعبه صرخات ذكورية مجنونة، إنه ذات الصوت الذي كان بالأمس يلاعبه ويناديه بحب، ولكنه اليوم قاسٍ ومخيف، وخالٍ من معنى الحب والرحمة، حركات وضجة ثقيلة تخيفه، يحاول أن يفهمها، ظلال وأصوات وأصداء، ويد قاسية ظالمة ترتفع، يتلوها صرخة ألم وحرقة من أمه، ويحس بعدها بيديها تحضنانه لصدرها بقوة، تقول له: لا تخَفْ، أنا معك، سأحميك.
 

يستمر الصراخ، ويعلو الصوت، ويتكرر، ويحس بخليط مضطرب من المشاعر، لسان حاله قول: لا أفهم ما الذي يحدث بالتفصيل، ولكنني جازم بأنه ألم مؤلم ومخيف، ولا مفرَّ لي من أن أسجله في مقدمة ذاكرتي الغضة، وأحفِره في أعماق نفسي الوليدة، بل أظنني قد سمعت أمثاله قبل ولادتي، في بعض نبضات قلب أمي المتسارعة، وذُقْت بعض مرارته في تلك الهورمونات المرة التي كانت أحيانًا تعكر صفو مقامي في بطنها!
 

أهرب من الألم، بل أهرب من كل الدنيا وآلامها، في حضن أمي، وحبها اللامتناهي، وتتصل رُوحي برُوحها، ألقم صدرها بقوة، أشده إلي، وأرغب وأحلم أن أعود لبطنها، وأعيش كما كنت بداخلها، فهذا العالم الجديد مخيف وغير آمن.
 

أكبر ويكبر الألم، وأزداد تعلقًا بأمي، بصوتها، ورائحتها، وغنائها، وحضنها، وملمس يديها، وكل شيء فيها.
 

حينما يبلغ التعلق أَوْجَهُ وقوته، يزورني ألم جديد، يسمونه الفِطام، وفجأة أجد صدر أمي مرًّا ومخيفًا، لم لا يتركونني وشأني؟ والله إنني لم أشكُ لهم حالي، بل إنني سعيد؛ فقد كان مهربي وملاذي من الألم، يا ويحهم، من سيحميني بعده؟ وأين المفر من الألم؟
 

إنهم يقنعونني بأن طعامًا آخر هو أفضل لي وأحسن، وكيف لهم أن يعرفوا؟ إن ما أجده في صدر أمي ليس طعامًا وشرابًا فحسب، بل هو اتصال رُوح بروح، قرب وحب، حنان ودفء، أمن وتأكيد للمحبة، ثقة واحتياج من طرفين، أحتاجها وتحتاجني، فلِمَ تبعدونني عنها؟ وتبعدونها عني؟ أنا لم أشكُ لكم أو أتضجر، ومن قال لكم بأنني أريد أن أكبر، ولماذا؟ ألكي أصبح مثلكم؟ ولأذوق المزيد من آلامكم، ولِتُشركوني في شجاركم وجنونكم.
 

لا بد لك أن تكبر، ولا خيار لك في الأمر، وإذا لم أكبر مثلهم عدُّوني مريضًا ومتخلفًا عقليًّا! ونظروا إليَّ بعين الشفقة، ألم يفطنوا أنني قد كشفت حقيقة عالمهم الكبير، وذُقْت أوائل مرارته؟
 

يعيرونك بجهلك، ويفخرون بعلمهم، ألم يعرفوا أن سر سعادتي في جهلي، جهلي بعلمهم الأجوف وعالمهم الكبير، بصُراخه، وشِجاره، وجنونه، وسُعاره، وعنفه، وعناده، وقسوته، وأنانيته.
 

افعَلْ كما نفعل، واحذُ حذونا، نحن أعرف منك وأعلم، هيا قلِّد مِشيتنا، وحاكِ عُبوسنا وحزننا، وتعلم أن للعمل الجاد وقتًا، هو أغلب الوقت وجُلُّه، وأن للضحك والبراءة وقتًا، يقلُّ ويتضاءل كلما كبرت، وأن تتعلم سَمْتَ الكبار ووقارهم، الذي لا تناسبه ضحكات الصغار وسعادتهم بالأشياء البسيطة والتافهة!
 

نكبر، ويكبر الألم، ونجده يتسلل إلى حياتنا، وينغِّصها مستترًا تحت أقنعة زائفة.
 

إن في عقلي الصغير عاصفة من التساؤلات والفضول وحب التعلم، لا تهدأ، ولا تكِلُّ، ولا تمَلُّ، كحصان جموح، يتمنع على السَّرج، ويأبى اللِّجام والقيد، ويحب أن يسرح حرًّا طليقًا، ويجول في البراري والحقول، يعانق الريح، ويلثم الأزهار، ويحلق مع الأطيار.
 

والعجب أنهم - أي الكبار - يعلَمون كل هذه الأمور عن عقلي المتسائل ونفسي الوثابة، ولكنهم - مع ادعائهم العلم - لا يتوقَّفون عن إيلامي؛ فها هم يبخَلون عليَّ بأرض الله الفسيحة الواسعة، ويحبسون جسدي ورُوحي وأنفاسي في غرفة مظلمة مغلقة، هواؤها آسِن، يسمونها زورًا وبهتانًا: غرفة التعلم، ويا ليتهم سمحوا لي بالحركة بين جدرانها، بل أجبروني على لزوم كُرسي قاسٍ مثل قلوبهم.
 

واصلوا تفنُّنَهم في إيلامي، فتحكَّموا بكل كِياني، بأنفاسي وكلماتي، وهمساتي وبسماتي، وضحكاتي ونظراتي.
 

من الممنوع أن أرقب في عجب خيوط النور تتسلل من خلف ستائر النافذة، وسرعان ما يهزُّ ذراتِ كياني صوتٌ غليظ مِن شخص يسمونه المعلم: "انظر إلى اللوح، وإلا"، حتى السماء لا أراها، وإن حاولت البحث عنها في سقف الغرفة، تفاجئني عصا المعلم الغليظة، تصرخ مزمجرة: "لا تشرُدْ بفكرك، وانظُر إلى اللوح، اللوح فقط، وإلا".
 

لا أجد مهربًا من محبسي إلا الخيال وأحلام اليقظة، ولكن هيهات؛ فعين المعلم صقرٌ يرقب فريسته، ويتبعها بلا مَلَل أو كَلَل، "ما هو ناقض الوُضوء الذي ذكرته قبل دقائق؟"، سؤال مباغت ومفزع، ينتزعني من خيالاتي، يلقيه المعلمُ بصوت أشج، وهو يقف بجسده الضخم أمامي مباشرة، لعل لمعة عينيَّ فضحتا شرود ذهني، وانشغالي مع أصدقاء الخيال، تتعثر إجابتي، وتضيع كلماتي، "لقد وقعت في شر فعلك، ركز على اللوح والشرح، ولا تسرَحْ بخيالك، وإلا"، يا ليت شعري ما الذي حصل لحصان الأمس الحرِّ الطليق؟ وكيف تحول إلى جماد أو آلة لا تنطق أو تتحرك إلا بإذن؟!
 

لن أثقل عليكم بمزيد الحديث عن أنواع الألم، التي تكبر وتتنوع كلما كبرنا، فأنا واثق أن ما سبق شرحه يكفي، وبأنكم تعرفون عن الباقي أكثر مما أعرف، ولَكَمْ أغنى قليلُ التلميح عن كثير التصريح، وصدق ذاك الشاعر حين قال:
وذو الشَّوقِ القديم وإن تأسَّى حكمة الألم وفوائده Space
مَشُوقٌ حين يلقى العاشقينَا! حكمة الألم وفوائده Space

 

جفاء وصد، وفِراق وخيانة، ونكث عهدٍ ووشاية، وخيبة أمل وتبخُّر حُلم، وضيق وظلمة طريق، وشك وحيرة، ووَحدة وكآبة، وحرمان وحسرة، وصدمات مؤلمة موجعة، تقلب الموازين، وتجعل الحليم حيران، ولعلها تذكر بحال المتنبي حين قال:
عشيَّة أحفى الناس بي من جفوته حكمة الألم وفوائده Space
وأهدى الطَّريقين التي أتجنَّب حكمة الألم وفوائده Space

 

فيما سبق قدمنا تأكيدًا وتقريرًا لتلازم الحياة والألم، وصدق ربُّنا اللطيف الخبير من قبلُ ومن بعد؛ فهو أعلَمُ بمن خلق، وهو أصدق القائلين: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].
 

لكن حديثنا عن الألم لا يكمل إلا بتأملنا في الحكمة الإلهية منه، فحاشا لأمر ربنا - الرحمن الرحيم - وتدبيره أن يكون عبثًا ولعبًا، وهو أرحم بنا من أمهاتنا وأنفسنا!
 

الألم تذكيرٌ دائم ولازم بحقيقة هذه الدنيا الفانية، ولهذا جانبان؛ موجِع ومفرِح، الأول نعرفه وتحدَّثنا آنفًا عن بعض جوانبه، أما الثاني فكثيرًا ما ننساه، وهو الجانب المشرق من الألم، ففي الجهة الأخرى من الحياة الفانية الناقصة متاعٌ كامل، وفرح لا تنغيص فيه، نعيم فوق الوصف والخيال، إنها الجنة، منتهى الرغبات، وغاية الآمال، وعزاء كل متألم، وعِوَض كلِّ مغبون، فمتى ما ذكر المؤمن بالجنة خفَّ وزال حر ما يجده من ألم.
 

فيا عجبًا كيف يذكر الألم بحقيقة الدنيا، ويثير الأشواق إلى الجنة؟! فكم من محنة في ثناياها ألف منحة، وكم من العطايا في أكناف الرزايا!
 

إن الألم يوقظ رجاء المؤمن في حسن العاقبة، الذي يصبِّر صاحبه، بل لعله - بحسن التربية - يجعله يستعذب ألمه إذا تذكر جميل العاقبة، وقوَّى رجاءه فيها، حتى يصبح الألم والمنع - في حسن ظن المؤمن بالله وقدره - عطاءً وهبة، وحبًّا وتشريفًا، فإنهم يألَمون كما تألَمون، وترجون من الله ما لا يرجون!
 

الألم، كما أسلفنا القول، حمل ثقيل، نحمله معنا في كل حالنا، نخبئه عن الآخرين، ونخجل من ذكره، نتذكره ولا ننساه، وكلما خَلُقَ في أعماقنا جدَّدنا له عهودنا، لا نبوح به إلا لخاصة الخاصة، وفي هذا جانبان؛ أحدهما: صحيح، والآخر: محل نظر، فليس من الأدب مع الخالق أن نشكَّ في قدره، أو نشكوَه لمخلوق، ولكن ليس في كل حديث وبَوحٍ عن الألم شكوى وتسخُّط من قدر الله.
 

إن من أساليب تخفيف آلام بعض الأمراض ما يشار إليه بالعلاج الجماعي المساند، أو التشافي في مجموعات (Group Therapy)، ومن خلال الاجتماع بمرضى آخرين يعانون من ذات المرض، وبوح كل فرد أمام المجموعة بآلامه ومعاناته وتجرِبته مع المرض، يحس كل فرد بأنه ليس وحيدًا في معاناته وألمه، ويعين الأفرادَ الآخرين داخل المجموعة بالمساندة الوجدانية والخبرات العلمية، فمتى ما احتاج فرد للحديث عن ألمه، تواصل مع أفراد جماعته العلاجية ليلاً أو نهارًا، وتحدث مع أحدهم بلا خجل أو وجل، فكلاهما مريض، ولا يفهم المريض إلا مثيله في المرض والألم والمعاناة، وكما يذكر الأطباء فوائد عديدة ومثبتة لهذا الأسلوب العلاجي المساند لعملهم في العلاج وتخفيف الألم.
 

رأينا خلال الحديث عن أسلوب العلاج الجماعي كيف بنى الألم جسور التواصل والفهم والتعاطف بين البشر، وقربهم بدلاً من إبعادهم وتفريقهم، فحينما يتحدث أحدنا عن ألمه مع صديق حكيم، فإن هذا ينفِّس عن بعض ألمه، ويخفِّف عنه، خصوصًا إذا تحدثنا عن آلامنا لمن جرب آلامنا، أو كان قريبًا من تجرِبة مماثلة، وما أعظمها من راحة يحس بها من يبوح بألمه حين يسمع محدِّثَه يقول مواسيًا: لستَ وحدك، وأنا أعرف تجرِبتك ومعاناتك؛ فلقد عانيت من ذات المرض، وذُقْت مرارة الحرمان، وخبرت تقلُّب الناس؛ فلقد نشأت مثلك يتيم الأبوين، وأعرف مرارة اليتم! وما ألذه من عناق من صديق يواسيك قائلاً: لست وحدك؛ فلقد جربت ألمك، وأعرف تفاصيل معاناتك!
 

لكن المتأمل في الفوائد المثبتة لأسلوب العلاج في مجموعة يسائل نفسه في حيرة وألم:
لِم نخبِّئ آلامنا عن الآخرين، ونتصنع الفرح؟
لماذا تنحصر فائدة علاج الألم بالحديث عنه في مجموعة من المرضى أو مكابدي الألم؟
لماذا لا نفيد من هذا الأسلوب العلاجي في كل حياتنا؟
لماذا لا نتعلم الثقة في بعضنا البعض لنبوح بآلامنا؟
من قال بأن كل البشر أسوياء وأصحَّاء ومحصنون من الألم؟
ألا يحمل كل منا ألَمًا يخبئه في داخله؟
إلى متى يستمر تصنعنا الفرح وإخفاؤنا للألم؟
 

الألم نارٌ تبتلي معادننا، فتُذهب خبَث الكِبْر والعُجب من نفوسنا، وتنقي أصلها، ولا تبقي فيها إلا ذهبها الصافي اللامع، وما سره إلا في التواضع والتضحية، والعطاء والإيثار، والتحرر من الأنا الشاغلة الملهية، انظر إلى ألم الصوم كيف هذب روح الصائم، وجعله يحس بمعاناة الجياع والمحرومين.
 

الألم هزة توقظ النائم، وتنبه الغافل، وترشد التائه، وتدل الحيران؛ فهو رحمة من الله، نفهمها أحيانًا، ولعلنا لا نفهمها في أحايين أخرى، فكم من مرض عضال عرف صاحبه حقيقة الحياة، فبدأ يفرح بحياته في يومِه وساعته ولحظته، ولقد كان في أمسه مخدوعًا بوعود السعادة المؤجلة التي أضاع فيها سابق عمره، وكم من مصيبة أو فِراق مؤلم أيقظ صاحبه مِن وهمه، وكشف زيف بعضِ مَن حوله، فعرف به عدوه من صديقه، ولعل هذا المعنى مما أشار إليه الشاعر في قوله:
جزى اللهُ الشدائدَ عني كلَّ خير حكمة الألم وفوائده Space
عرفتُ بها عدوي من صديقي حكمة الألم وفوائده Space

 

الألم طائر ينتزعنا من أَسْر الألفة ووهم الدَّعَة، ويسافر بنا بعيدًا، وفي وقت قصير يقطع بنا مراحل عدة، ويعطينا مجموعة من الدروس مركزة في درس واحد، فيجلو بصائرنا، ويغيِّر قناعاتنا، ولَكَمْ أفَدْنا من ألم عابر خبرة ونضجًا، وحكمة تفُوق ما تعلمناه في سنين طويلة.
 

لولا نعمة الألم لما عرفنا نعمة الأمل، ولما قدرناه حق قدره، ولقد قال البعض بأن الألم يصنع الكثير من الأمل، وكلنا يعرف بأن الحياة ناقصة، ومخطئ مَن طلب السعادة فيها بجمع المزيد من حطامها، هي ناقصة، ومصيب مَن أدرك أن حلاوتها في نقصها، وتركها كما هي ناقصة، تجمع بين الألم والأمل، في ثنائية متلازمة، تحيرنا؛ فظاهرها التناقض، وحقيقتها التكامل، تلازم بين قوتين متضادتين ومتعاكستين، خلقهما الله ليديرا دولاب الحياة نحو الحقيقة والغاية العظمى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حكمة الألم وفوائده Empty
مُساهمةموضوع: رد: حكمة الألم وفوائده   حكمة الألم وفوائده Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:42 am

الخلفيات النفسية للألم!!







تؤثر توقعاتنا ومزاجنا والصورة، التي انطبعت في أذهاننا عن الألم بشكل بالغ، في مقدار ما سيسببه لنا أي شيء من ألم، وتؤثر كذلك في القرارات التي نتخذها يومياً.
 

لذا يعتقد معظم الناس أن الألم ما هو إلا نتيجة إصابة فيزيائية أو مرض من الأمراض، بيد أن العوامل النفسية تحظى بحصة الأسد في إدراك الألم.
 

يقول هوارد فيلدس: إن التداخل ما بين الرسالة الألمية ومراكز في الدماغ تتوسط الدوافع والتعلم هو المسؤول عن التأثير القوي للحالة العقلية على شدة الألم التي يختبرها الشخص في حالة إصابته.
 

وتظهر آخر التحقيقات السر الكامن وراء كيف ومتى تغير عوامل مثل توقع المكافأة أو العقاب، والخوف، والشدة والمزاج من شدة الألم الذي ندركه وتأثيرها في قراراتنا اليومية، كما يؤثر بعض من هذه العوامل النفسية في خطورة نشوء حالة من الألم المزمن.
 

في التصور التقليدي لإدراك الألم ينشط أحد المنبهات الجسدية العصبونات الحسية المتحسسة للألم في الأجزاء الخارجية من الجسم؛ ومن ثم تقوم هذه العصبونات بنقل المعلومات على شكل إشارات كهربائية لتنشط في نهاية المطاف أجزاء من الدماغ تمكننا من إدراك الألم. غير أن الأطباء لاحظوا على مدى عقود أن الحالة العقلية للمرء قد تؤثر، وبشكل مثير، في إدراك الألم.
 

من ثم لنا أن نتساءل عن كيف تفعل التأثيرات المعرفية والعاطفية فعلها على مقدار الألم الذي نشعر به؟ لقد كشف الباحثون النقاب - خلال العقود القليلة الماضية - عن دارة في الدماغ والحبل الشوكي تعمل كنوع ضابط لحجم الألم، فتعدل مقدار ما يدركه المرء حسب ما تمليه الظروف.
 

وقد تبين للعلماء أن الآثار المعرفية المترتبة على الألم تتم معالجتها من خلال هذا السبيل المعدل. إن الدارة عبارة عن قناة مكرسة لتشكيلة من التأثيرات التوقعية، لاسيما توقع زوال الألم عند تناول حبة وهمية (دواء وهمي).
 

كما يعد التعاطف من أكثر العوامل النفسية التي تتلاعب بإدراك الألم، وهو (أي التعاطف) إحساس المرء بأنه يتفهم مدى ما يعانيه الشخص الآخر وحتى إنه يشاركه في معاناته.
 

ويمكن أن يفضي البحث في الخلفيات النفسية للألم إلى إيجاد طرق جديدة لمساعدة المرضى على قهر آلامهم أو تجاوزها، سواء كانت يسيرة أم شديدة، وناجمة عن إصابة أو معالجة طبية أو داء ألم بهم.
 

إضافة إلى ذلك، يعد من الضرورة بمكان أن نستوعب ما للمزاج والتوقع والعوامل النفسية من تأثير قوي على الألم لتقديم يد العون إلى أصدقائنا وأحبائنا، حتى يتسنى لهم التعامل مع آلامهم. عندما تحدث الناس المبتلين بالألم عن أفراد أبلوا بلاء حسنا خلال مرضهم فغالباً ما تخفف عليهم وطأة الشدة والانزعاج، وفي المقابل، فعندما يعلمون أن أشخاصاً آخرين لديهم أعراض مشابهة لأعراضهم قد واجهوا الأمرين خلال مرضهم فعلى الأرجح أن حالتهم الصحية تتردى.
 

لذا، ينبغي للأطباء ألا يغيب عن بالهم أن العوامل المرتبطة بالمزاج، مثل الاكتئاب والشدة المزمنة، يمكنها أن تحرض الألم لدى المريض، كما أنهم في حاجة إلى استجواب المرضى بعناية حيال توقعاتهم المتعلقة بمعاناتهم. وفي حال أفرط المريض بالتشاؤم فبوسع الطبيب أن يبث الطمأنينة فيه بتزويده بمعلومات أكثر صحة.
 

وأخيراً أقول:
يَعِدُ الفهم الجديد لتأثيرات الحالة العقلية على الألم بإحداث تغييرات جذرية في مقاربتنا الهادفة لعلاج الألم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

حكمة الألم وفوائده Empty
مُساهمةموضوع: رد: حكمة الألم وفوائده   حكمة الألم وفوائده Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:44 am

الألم والقلم



الحمد لله الذي علَّم بالقلم، وشفى المريضَ من السَّقَم، وقوَّى الضعفاء بالهِمم، وابتَلَى الأتقياء بالألم؛ ليجزيهم على صبرهم في الآخرة جزيل النِّعم، وعاقب أعداءه بالألم، وأرسل عليهم الحمم، وسقاهم كأس الذل والندم، بعد طول رحمة وإمهال وحِكم، فله الحمد على ما قضى وحَكم، ثم الصلاة والسلام على نبي الرحمة والكرم، المبعوث رحمةً للعرب والعجم، وعلى آله وصحبه خير القرون والأمم.
 
وبعد:
فإن الألم كلمة صغيرةُ المبنى، عميقةُ المعنى، تصل بعمقها إلى أعمق نقطة في القلب، فتلدغها لدغًا ينتشر على إثره سُمُّها - وما أصعبَه من سم! - في الدم، ثم يتفرق في سائر الجسد، حينَها يصاب القلب بالحمى والذبول، والكدرِ والذهول، فتتبعه سائر الجوارح، كما يتولد عن هذه العلة والحمى ضغطٌ على صدر المهموم بالآلام، حتى إنه ليُرى وكأنه خنيق؛ فيضطر إلى التنفس بعمق؛ ليُدخِل هواء صافيًا باردًا يلطف به حرارةً لها دخانٌ قاتم، يجدها نابعة من قلبه، خانقة لصدره، ومُرسِلةً للسم في كيانه؛ لذا لا يُرى مَن سَكَنَ الألمُ قلبَه إلا شاحبَ المحيَّا، ذابل القسمات، متردِّد الخطوات، شارد النظرات، فوخزُ الألم في الفؤاد كوخز إبرة النحل، وتشعُّبُه فيه كتشعب جذور النخل، غير أن شجرته إنما تنمو على قلة الصبر والإيمان، فلا تزال تنمو وتكبر حتى تحجب النور عن القلب، وحينئذٍ يكون القلب قد اختنق واحترق حتى صار رمادًا ولم يبق منه إلا مرآته، التي صارت سوداءَ قاتمة محجوبة عن كل نور، وليس يمسح عنها سوادَ الرماد إلا نبراسٌ من الصبر والإيمان، أو ضياءٌ ناصع من الأمل الغض الأفنان، والمعطر بماء الورد والريحان؛ ليفيض كالسيل على فتات الرماد وسواده فلا يذر منه ذرة.
 
إن أول مكان يصيبه الألمُ المعنوي هو القلب؛ إذ تكون الصدمة الأولى موجَّهةً إليه، ومركزة عليه، كأنها سهم مسموم يضرب حصونه فيُخلِيها، ويصيب سويداءه فيُعمِيها، إلا حصون الإيمان والصبر سبحان باريها؛ فإنها تثبت على أساسها وسواريها.
 
نعم، إن الألم ليشتدُّ بالقلب فيطعنه ويخزه ويخرقه، بل وحتى يحرقه، فما أشدَّ وطأتَه عليه، وما أقسى إجهازه عليه؛ إذ لا يرحم مضغة رقيقة قد أضاءت نارًا لا نورًا، ثم احترقت وشرقت؛ فالهمُّ يرعاها، والردى يغشاها؛ فمِن فرطِ حُرقتِها أصيبتْ سائر الأعضاء بالحمى، ونتج عن هذه الحمى عَرَق نضيح مسيح، دافئ مهراق، ترشحه العين ليسترسل على الخدود، ثم يسقي أرضَ الفؤاد ويخفف الألم عن القلب كما يخفف العرق الحرارةَ عن الجسد، فالبكاء سلاح القلب إذا ما غشيتْه حمى الآلام والأسقام، ولكن هيهات هيهات أن يُذهِب بكاءُ العين جرحَ سيوف الألم التي تطعن الفؤاد؛ فإن جروحه عميقة، بطيئة البرء، صعبٌ اندمالها؛ فمن الألم ما يفتك بالذهن، ومنه ما يفتك بالقلب، ومنه ما يُخرِس اللسان، ومنه ما يصم الآذان؛ بل ومن الألم ما قَتل، فما أقسى الألمَ وما أفظع جُرمَه!
 
إذا تأمَّل اللبيبُ الأريب في كلمة (الألم)، فقسَّمها ونَثَر حروفها ودقَّق في ترتيبها، وجد في ذلك سرًّا مكنونًا، يَفهم منه السببَ الذي يجعل هذه الكلمة لفظةً مهيبة، وجمرة رهيبة.
 
فهي تتكون من ثلاثة حروف:
الأول: الهمزة أو الألف[1]، ومخرجها أقصى الحلق، أو أقصى الحلق وما يليه من أعلى الصدر.
الثاني: اللام، ومخرجها من أدنى حافتَي اللسان مع أصول الثنايا العليا.
الثالث: الميم، وهو حرف شفوي يخرج من بين الشفتين.
 
وبهذا يظهر أن كلمة الألم تخرج من أقصى الحلق الذي هو أقصى موضع ينطق منه المرء ثم تلفظ سريعا إلى حافة اللسان فتطرح عبر الشفتين إلى الخارج، مما يدل على أنها جمرة تخرج من أقصى موضع في القلب القريح الجريح الذي صار بركانا ثائرا ليرمي بها سريعا إلى الخارج كأنه يرمي بشرر.
 
والظاهر أيضا أن اجتماع حرف الألف واللام والميم يفيد الاستغراق في الشيء واستيفاءه، ألم تر أن اجتماعها في كلمة * أمل* يفيد الاستغراق في الرجاء واجتماعها في كلمة *ملأ * يفيد استيفاء الملء فكذلك الألم هو الاستغراق في الوجع واستيفاء الإيجاع.
 
أما محل الاتصال بين الألم والقلم، فهو في تأثير عقيدة الإيمان بالقلم، في تخفيف الألم؛ إذ إن الألم لا يخلو أن يكون ابتلاءً أو بلاء؛ أما الابتلاء، فهو خاص بالمؤمن؛ لتخفيف ذنوبه، ومحوِ سيئاته، ورفع درجاته، وفي هذا يقول السراج المقتفى، والنبي المصطفى، من حديث صهيب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رَسُولُ اللهِ -صل الله عليه وسلم-: ((عجبًا لأمرِ المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابتْه سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراءُ صبر، فكان خيرًا له))؛ أخرجه البخاري في الإيمان "19"، وفي الزكاة، ومسلم في الإيمان والزكاة، وأبو داود في السنة، والنسائي في الإيمان، وأحمد "1/ 176".
 
وهذا الحديث أصل أصيل، بالحكمة يسيل، فمعناه معنى جليل، جاد به النبيُّ الخليل؛ ليعلمنا طريق الفلاح، وسمت النجاح، فهو يصف لنا ها هنا نوعَ الجناحينِ اللذين يجب أن يطير بهما المؤمن في سماء الأمن النفسي، ألا وهما جناح الشكر مع جناح الصبر؛ شكر في الرخاء، وصبر في الشدة واللأواء، فإن المسلم الذي يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن القلم قد جرى بما جرى قبل أن يُخلَقَ الإنسان، فليس له إلا أن يصبر فيؤجر، ويكابد طعن الألم بدروع الرضا بالقضاء، ويحتسب الأجر عند فاطر السماء؛ فعن أبي حفصة، قال: قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بُنيَّ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتبْ، قال: ربِّ وماذا أكتبُ؟ قال: اكتبْ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))، يا بُني، إني سمعت رسول الله -صل الله عليه وسلم- يقول: ((من مات على غير هذا، فليس مني))؛ رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
 
وأما البلاء، فإن الله يسلِّطه على عباده؛ ليبصرهم بذنوبهم، ويذكِّرهم بعيوبهم، ويوقظهم من غيِّهم، فكم من ظالمٍ طغى وبغى، فعمي وما درى، فلا يَرى الناسُ إلا ما يرى، ولا يقيم وزنًا لأحد من الورى، ولا يضع أنفًا له على الثرى؛ فهو مقيم على ذلك حتى يسلّط الله عليه سيف انتقامه؛ ليذوق عاقبة إجرامه، فحينئذٍ يُفيق من منامه، ويعلم أن القوة لله جميعًا، فيُنيب ويتوب إلى علام الغيوب، ويذر الظلم بعد أن ذاق طعم العقاب، وكم من ملحدٍ قد سبَّ الخالق، وتهكم بأحكامه، واستهزأ بشرعه وأوامره، ولمز أولياء الله وعباده الصالحين، فسلَّط الله عليه ظُلمةً في القلب، وغمًّا وهمًّا في الصدر، وألزمه قلقًا دائمًا، وشكًّا قائمًا، وعقلاً هائمًا، وجوًّا في حياته غائمًا، وعاقَبَه بوسواس قهري، أو مرَضٍ نفسي، أو انهيار عصبي، فإذا به يعود إلى رشده، ويفيق من نومه، بعد أن غرق في بحر لا ساحل له، وذاق طعم الذل للعباد، حين تكبَّر على شرع رب العباد، وبعد أن عاش في الظلام والسواد، حين فارق طريق الهدى والرشاد، وكم من غريق في بحار الشهوات، وأسيرٍ للهوى والنزوات، قد انساق وراء المعاصي، وجرى خلف الملاهي، فهو في سكرته ساهٍ، وفي غمرته لاهٍ، فلم يفق حتى نزل به النكال، وجنى من عمله الوبال، فإذا به يصحو ثم يعود إلى الجادة، وهلم جرًّا.
 
هذا، ورغم أن الألم شرٌّ لذاته، إلا أنه خير لغيره؛ أي: إن الألم وإن كان صعبًا على النفس ثقيلاً عليها، إلا أنه وسيلة في الدنيا لتقويمها، أو غنيمة في الآخرة لرفعتها وتكريمها.
 
نسأل الله أن يعافيَنا، وأن يجعل ما يصيبنا من ألم سببًا لنا للاستقامة على درب الحق ورفعة لنا في الآخرة، كما نسأله أن يرزقنا ضياء الصبر عند نزول ظلمة الألم، ونورَ الرضا بالقضاء إذا ما مسّتْنا الضراء؛ فهو الكريم ذو النعم والآلاء، والعليم ذو الحكمة في القضاء، له الحمد في الأرض والسماء، وفي السراء والضراء، وفي الشدة وفي الرخاء.



[1] الفرق بين الألف والهمزة هو أن الألف اللينة لا تكون إلا ساكنة، والهمزة - الألف غير اللينة - إنما تكون متحركة أو مجزومة، كما قال صاحب الوافي في كيفية ترتيل القرآن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
حكمة الألم وفوائده
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نبات  السماق وفوائده
» الكافور وفوائده العلاجية
» نبات الريحان وفوائده
» الذباب وفوائده واضراره
» شراب بذور الريحان وفوائده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: منوعات-
انتقل الى: