منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:30 am

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني
 عبد الحميد صيام

دأبت منذ عام 2011 على أن أراجع أهم التطورات في العام الذي يقترب من المغيب لعلنا نأخذ منه درسا أو درسين للعام الذي ينتظرنا على ناصية الشارع بكل أسلحته المبهمة ونظراته الغريبة. وقد رأيت في هذا العام أن أحافظ على هذا التقليد.
كما دأبت منذ زمن على أن قضي نهاية العام في أرض فلسطين التاريخية لأتابع عن كثب آخر التطورات والمستجدات في الأرض الطيبة، التي تتعرض للنهب والتدمير الممنهج، وكي أتعرف عن قرب على أوجاع الناس وهمومهم ومعاناتهم، تحت سنديان الاحتلال ومطرقة السلطتين الفلسطينيتين. وأود في نهاية هذا العام أن أراجع أهم التطورات التي شهدها آخر أعوام العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبداية عقد جديد سيحمل تحديات كونية عظمى، على رأسها التغير المناخي، والهجرة، والجوع والفقر، والإرهاب والتمييز القائم على الدين، خاصة ضد المسلمين.
شهد عام 2019 أحداثا كبرى على المستوى العالمي من بينها، صعود القوى اليمينية الشعبوية في كثير من بلدان العالم، خاصة في البرازيل والهند وبريطانيا، مستندين إلى دعم ومناصرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ينظر إليه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، على أنه مثله الأعلى هو والبرازيلي جايير بولسونارو ومودي رئيس وزراء الهند، الذي تعلم من صديقه نتنياهو «إعادة تعريف الهوية الهندية» ليستثني منها المسلمين، وقام بضم مقاطعة كشمير على طريقة ضم المستوطنات في فلسطين وهضبة الجولان، كما نصت عليها شرائع ترامب، الذي يتنمّر على العرب، بينما يدينه مجلس النواب ويطالب مجلس الشيوخ بمحاكمته لعزله من منصب الرئيس.
انتفاضات وحراكات شعبية شهدتها كل من بوليفيا وفنزويلا وتشيلي وهونغ كونغ، وبعضها مدعوم من الولايات المتحدة، أدت إلى هجرة ملايين من فنزويلا وسقوط الرئيس البوليفي إيفا موراليس، وتولي النائبة الثانية في البرلمان مقاليد الحكم، جنين أنييز، التي سارعت إلى إعادة العلاقات مع إسرائيل. أما تشيلي فقد شهدت احتجاجات مطلبية بداية من 25 أكتوبر، سقط على أثرها عشرات الضحايا وآلاف الجرحى واعتقل الآلاف، وما زالت شوارع هونغ كونغ تشهد احتجاجات قوية، تسببت في إحراج الصين، التي أيضا تعاني من تشويه سمعتها، لما تقوم به من اضطهاد وتنكيل واعتقالات بين صفوف مسلمي الإيغور.
العملية الإرهابية في مسجدين في بلدة كرايس شيرش في نيوزيلندا، أثناء صلاة الجمعة في 15 مارس، كانت الأبشع خلال العام المنصرم من بين العمليات الإرهابية الكثيرة التي شهدها العالم، والتي ذهب ضحيتها 50 بريئا إضافة إلى 50 جريحا. بشاعتها تعود إلى الفاعل الأسترالي، الذي بث عمليات التصفية الدموية مباشرة، وأطلق تصريحات يفاخر بالجريمة، ويدعو العالم المسيحي الانتقام من حروب المسلمين، مركزا على سقوط القسطنطينية بيد المسلمين، وتحويلها إلى اسطنبول مذكيا نعرات قديمة تعود إلى أيام الحروب الصليبية. كما أن بشاعة الهجوم على المسجدين قد تبدو شاحبة، أمام بشاعة الهجومات المتعددة على ثلاث كنائس وثلاث فنادق في سريلانكا يوم 21 إبريل، التي خلفت 295 ضحية. الجريمة لا تبرر أخرى والإدانة يجب أن تكون شاملة لا انتقائية.

شهد عام 2019، ربيعا عربيا جديدا متجددا، نعتبره النسخة الثانية من الربيع المغدور به عام 2011، رغم التشكيك واستحضار نظرية المؤامرة

الهجمات المتتابعة على منشآت النفط في السعودية، كانت الحدث الأبرز في منطقة الخليج، بداية بمهاجمة ناقلات النفط الأربع في خليج عمان في مايو، تلاها بعد أسبوعين إسقاط طائرة أمريكة مسيرة ذاتيا، وصولا إلى أكبر عملية قصف لمنشآت أرامكو في منطقة الظهران بتاريخ 14 سبتمبر، التي أدت إلى خسائر جسيمة، ليس فقط في ما أحدثته من خراب، بل في تمكن خصوم السعودية من إلحاق الأذى في مركز العصب الحساس للسعودية. قررت بعدها الولايات المتحدة إرسال قوة عسكرية تقدر بثلاثة آلاف عنصر لترابط في منطقة الخليج، تتحدث الأنباء مؤخرا عن رفع العدد إلى 14000 مع نهاية العام.
شهد عام 2019، ربيعا عربيا جديدا متجددا، نعتبره النسخة الثانية من الربيع المغدور به عام 2011، رغم التشكيك واستحضار نظرية المؤامرة، التي لا يتمسك بها إلا من هم مهددون بخسارة مواقعهم وامتيازاتهم. لقد تشابهت الأحداث والتطورات، إلى حد بعيد بين النسختين. شهد هذا العام انتفاضة كرامة يقودها شباب الأمة طافت شوارع العالم العربي، بعد أن انطلقت الشرارة هذه المرة من السودان وعبرت كسابقتها الحدود فحطت رحاها في الجزائر، عاصمة العناد والشباب والبطولة، وانتقلت إلى بغداد بعد مرور عابر في عمان والقاهرة، ثم أفرغت حمولتها في لبنان، بلد الحرية والإبداع والتعددية العرقية والثقافية. شباب الأمة رفعوا أصواتهم عاليا ضد أوطان أسيرة، لطغمة فاسدة بغيضة كتمت أنفاس الشعوب، وضيقت هامش الحرية، وصادرت حقوق المواطن الأساسية، وعاملت الشعب كأنه غير موجود إلا في الشعارات، طالبت بطاعة ولي الأمر، ونزلت بالهراوات على رؤوس من يعارضها مرة، وبالرصاص القاتل والمناشير والبراميل المتفجرة، وحبال المشانق مرات. أنظمة بليدة متشابهة، فرطت بالأرض والشرف، ولم تحافظ على سيادة الوطن ووحدة أراضيه، وافتعلت معارك مع إخوتها وجيرانها، وأقامت الاحتفالات، ورقصت بالسيوف لمن دمروا الجار العربي.
ولأن الربيع في نسخته الأولى غدرت به قوى الردة والظلام والعسكر، ولم يفلت من الثورة المضادة إلا تونس، التي ظلت عصية على الانكسار، عاد الربيع العربي بطبعته الجديدة في أكثر من عاصمة، وبأكثر من شكل. تعددت الأشكال وتشابهت المطالب، سقط أولا الطاغية الأقبح عمر البشير، ولحق به نظام بوتفليقة الذي كان يشكل إهانة للشعب الجزائري، الذي تتجاوز نسبة الشباب فيه 70%، ثم أطيح في العراق ولبنان برئيسي الوزراء، وما زالت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات. الربيع في طبعته الثانية ما زال قائما، وإن حقق نصف انتصار في السودان والجزائر، إلا أن الأمور لم تستتب بعد في لبنان، أو العراق الذي كرس مفهوم تاريخية العنف كما ثبتها المؤرخ باقر ياسين في كتابه «تاريخ العنف الدموي في العراق».
تكاد تكون القضية الفلسطينية الآن في أسوأ أوضاعها لثلاثة عوامل أساسية، أولها العامل الفلسطيني المتمثل في الانقسام الحاد الجغرافي والأيديولوجي، بين الضفة الغربية وغزة، أو بين حماس وحركة فتح، الذي انعكس على عزوف الشارع الفلسطيني عن التحرك بشكل جاد وواسع ومتواصل لمواجهة الاحتلال. كما أن الفصائل الأخرى أصبحت هامشية وتعمل على أسلوب «رد الفعل» لمسلكية الطرفين الأساسيين، بدون أن يكون لها أي دور فاعل في تحريك الشارع الفلسطيني. والبعد الثاني المتمثل في تغيير الأولويات العربية، وتسارع حدة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، وتخاذل العرب في الوقوف مع عدالة القضية الفلسطينية والمبادئ التي توافق عليها العرب. لقد بدأ العديد من العرب مسيرة التخلي عن القضية الفلسطينية، وتُرك الفلسطينيون وإخوتهم الأردنيون في الساحة وحيدين وبقية الدول العربية كل يغني على مصالحه. أما البعد الثالث فوجود إدارة أمريكية تغالي في دعمها للتطرف الإسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، لدرجة أن ترامب وبخ بعض اليهود الأمريكيين واتهمهم بأنهم لا يحبون إسرائيل بما فيه الكفاية. لقد تابع ترامب الحرب التي أعلنها على الفلسطينيين، والتي بدأها يوم 6 ديسمبر 2017 عندما قرر أن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم قام بإغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. كما قررت هذه الإدارة الرعناء أن تعيد تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني وتلغي حقه، وتشطب كلمة احتلال من أدبياتها. كما اعتبر وزير الخارجية بومبيو، أن المستوطنات لا تتعارض مع القانون الدولي. إن الإدارة الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، تعمل الآن على اعتماد قانون لتسهيل هجرة الفلسطينيين من كل فلسطين لتبقى فقط للإسرائيليين.
الناس هنا مشغولون في اتفاقية «مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، المعروفة باسم «سيداو» التي انضمت إليها السلطة، وقد سمعت خطبة جمعة عن الموضوع وأنطق الشيخ الاتفاقية ما ليس فيها، انتظرته إلى أن خرج كافة المصلين وسألته: يا شيخنا هاجمت اتفاقية «سيداو» فهل قرأتموها»؟ فقال لا فقلت له فكيف تفتي في شيء ليس لك به علم؟
الشيء الإيجابي في نهاية هذا العام أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السيدة فاتو بن سودة، بعد خمس سنوات أقرت بأن هناك أرضية للتحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها إسرائيل. لكن قبل تلك الخطوة طلبت من الدائرة التمهيدية حسم موضوع «ولاية المحكمة» على الأراضي التي تشكل السلطة الفلسطينية. وهي خطوة لئيمة ليست ضرورية، وستأخذ وقتا طويلا قبل حسم الجدل، ثم إذا ما أقرت مسألة الولاية، تبدأ مرحلة التحقيق.. لكن نحن نقر بأنها خطوة إيجابية وهناك ضرورة للمتابعة.
وكل عام وأنتم بخير

محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:31 am

سوريا 2019: احتلالات تكشف سوأة النظام قبل الغزاة
 صبحي حديدي


بعد أن شهد العام السوري 2019 حملة عسكرية ثالثة على إدلب، أوائل أيار (مايو)؛ وحملة رابعة، أواسط تشرين الثاني (نوفمبر)؛ كان منطقياً أن يعمد النظام، مدعوماً بالطيران الحربي الروسي والميليشيات الموالية المحلية والدخيلة، إلى اختتام العام بحملة خامسة، أشدّ وحشية وشراسة، وأوسع استخداماً لأسلحة الإبادة والتدمير الأقذر، وأوضح هدفاً من حيث اقتلاع المدنيين من قراهم وبلداتهم واشجار الزيتون التي حوَلوها إلى بيوت، وتهجيرهم إلى العراء والمجهول. أهداف هذه الحملة الأخيرة لم تتغير كثيراً عن أغراض الحملات الأربع السابقة، ويمتزج فيها 1) هدف قضم المزيد من الأراضي، خاصة في مناطق جنوب غرب المحافظة؛ و2) مبدأ تفكيك الاجتماع السوري المدني (الذي تجمّع، أو أُجبر على التجمّع، في قرى وبلدات ومدن المحافظة، وافداً من حماة (22%)، وحلب (21%)، وحمص (5%)، ودير الزور (4%)، وريف دمشق (4%)، ومناطق أخرى (28%)؛ إلى جانب الـ14% من سكان المحافظة الأصليين)؛ و3) تفريغ اتفاقيات أستانة وسوشي، بصدد ما تبقى من خرافة «خفض التصعيد» والتفاهمات أوّلاً، ثمّ التذكير بأنّ التفاهمات الروسية ــ التركية حول إدلب يمكن أن تتبدل وتتحوّل أو حتى تنقلب إلى حبر على ورق.

نظام استبداد وفساد بات مجرّد خادم/ دمية، لا تكاد وظائفه تتجاوز التأتأة الإعلامية، وإدارة النهب عن طريق الإمعان أكثر في إفقار المجتمع، ومواصلة ارتكاب جرائم الحرب حيثما أتاح له الرعاة أن يثبت علامة وجود

كان منتظَراً، كذلك، ان يسكت الجيش التركي عن هذه الجولة الخامسة، كما سكت على الجولات السابقة، رغم أنّ أنقرة تتشبث بموقع الراعي الإقليمي للأمر الواقع في محافظة إدلب؛ إنْ لم يكن اتكاءً على إدارة جيشها لـ12 مركز مراقبة في الشمال السوري، فعلى الأقلّ بسبب عمليتَين عسكريتين في حالة تفعيل («درع الفرات» و»نبع السلام»)، وبسبب «الجيش الوطني»، الذي أنشأته تركيا وينتشر في شمال حلب. لا أحد، بالطبع، ينتظر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يأمر المقاتلات التركية بالتصدي لبراميل بشار الأسد أو قاذفات فلاديمير بوتين؛ إذْ في وسع الناطقين باسمه إعلامياً (وبينهم بعض «المعارضين» السوريين، للتذكير!) أن يحيلوا الصمت التركي إلى تعاقدات ثنائية مع موسكو حول تقليم أظافر «هيئة تحرير الشام»، وهو إجراء يمكن أن يشمل توجيه ضربات عسكرية مصغرّة، كما حدث مراراً في الماضي. وفي نهاية المطاف، ماذا يمكن لرجل اجتاح مئات الكيلومترات في العمق السوري أن يقول على سبيل معارضة الأسد وبوتين في إدلب؟
وأما تهجير عشرات الآلاف من أبناء معرّة النعمان أو جرجناز أو القرى والبلدات التي دكها النظام السوري والغزاة الروس، فإنّ لدى أردوغان ذلك الخطاب الجاهز، الصالح للاستخدام في المدى المنظور والبعيد، حول عجز تركيا عن استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، وإنذار أوروبا/ ابتزازها بأنّ العبء الثقيل لا يمكن أن يظل تركياً فقط. ثمة، هنا تحديداً، هامش مشروع للتفكير في نظرية مؤامرة من الطراز الذي يتيحه منطق المعطيات الميدانية الأبسط: إذا كانت تركيا عاجزة عن، وغير راغبة في، استقبال المزيد من موجات اللجوء، وهي بالتالي لن تمكّنهم من العبور إلى أوروبا عبر بوّابات تركية مفتوحة على مصاريعها؛ فهل التوطين الوحيد المتاح أمام هؤلاء اللاجئين هو الأرض السورية ذاتها، ولكن تلك التي احتلها الجيش التركي في سياق «نبع السلام» وينوي طرد الأكراد منها على سبيل التطهير العرقي، الذي لا تسمية أخرى تنطبق عليه في نهاية المطاف؟ في عبارة أخرى، ما الذي يضير موسكو، راعي النظام السوري، أنّ الاجتماع السوري الذي تجمّع في إدلب، يمكن أن يتبعثر تدريجياً ومنهجياً في عشرات القرى والبلدات التي احتلتها القوات أنقرة الغازية، على طول الحدود السورية ــ التركية؟
ما كان منتظَراً، ثالثاً ومنطقياً، هو ثبات «هيئة تحرير الشام»، التي تُحكم على إدلب قبضة جهادية وعسكرية وأمنية ومافيوزية منذ أكذوبة «تحرير» المحافظة في ربيع 2015، على سلوك مماثل مطابق لأدائها خلال الحملات الأربع السابقة. ولعلّ الجديد الوحيد انكشاف طبائع العلاقة بين «الهيئة» وأجهزة الاستخبارات والقيادات العسكرية التركية، ليس لجهة تنزيه هؤلاء عن إي إثمّ بحقّ «الجهاد الشامي»، أسوة بـ» الإمبراطوريتين الروسية والصفوية الإيرانية»، فحسب؛ بل كذلك التزام صمت القبور (كما فعل أبو محمد الجولاني في كلمته المصوّرة مؤخراً) عن كلّ فعل أو خيار أو موقف أو صفة… على صلة برعاة «الهيئة» الأتراك. وفي ذروة القصف الوحشي وتساقط الشهداء، من الأطفال والشيوخ والنساء أوّلاً، بقيت «الهيئة» وفية للسلوك المماثل المطابق إياه؛ تختار من «ساح الجهاد» ما تحلّ فيه يوماً، كي تغادره بعد يوم؛ ولا «شعب» تكترث له خارج تعريف زائف لـ»أمّة الإسلام»، يرتبط بالغيب أكثر من اتصاله بالبشر؛ ولا «اجتماع» عندها يتجاوز ما يُجمع عليه «أمير الجماعة»، أو ولاته؛ ولا قتال إلا ما تأذن به، حتى لجهاديين أشقاء أمثال «حرّاس الدين» و»أنصار التوحيد»!
العام السوري 2019 شهد، أيضاً، وخلال الأسبوع ذاته أواخر شباط (فبراير)، زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، وزيارة رأس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران؛ حيث العلاقة بين الزيارتين لا تقتصر على التزامن بالمصادفة، بل التقاطع في كشف حال العلاقات الروسية ــ الإسرائيلية مقابل تلك السورية ــ الإيرانية. ففي الملفّ الأوّل ثمة إحصائية دالّة في ذاتها تقول إنّ اللقاءات بين بوتين ونتنياهو بلغت 15 اجتماعاَ منذ أن اتخذ الرئيس السوري قرار التدخل العسكري المباشر في سوريا؛ وأنّ نتنياهو حظي من بوتين بهدية ثمينة هي دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري قد غنمها في سهل البقاع اللبناني، سنة 1982، وأهداها النظام إلى متحف سوفييتي، ليعيد بوتين تسليمها إلى دولة الاحتلال. في المقابل، بصدد الملفّ الثاني، تقول المعطيات إنّ معظم القتلى في صفوف جيش النظام لم يسقطوا، خلال الأشهر الأخيرة، في القتال مع المعارضة المسلحة على اختلاف فصائلها؛ بل جراء المواجهات المسلحة الضروس بين ميليشيات إيران والنظام وكتائب الفرقة الرابعة، من جهة؛ وميليشيات سهيل الحسن وكتائبه التي تدعمها القوات الروسية، في ريف محافظة حماة ومنطقة الغاب، من جهة ثانية.
وقد لا يصحّ، سياسياً وأخلاقياً، إيجاز حصيلة العام السوري 2019 دون تكريم شهداء سوريا الذين سقطوا تحت القصف أو في ميادين الدفاع عن الأرض؛ واستذكار أحد هؤلاء على وجه الخصوص، عبد الباسط ممدوح الساروت (1992 ــ 2019)، ليس لأنه يمكن أن ينوب عن شهداء كثر سواه؛ بل لأنه، ، للمفارقة الرفيعة والنادرة، امتلك من أسباب الواقع والرمز ما يكفي كي يكون نسيج ذاته وصنيعة انفراده، حتى وهو يستكمل الكثير من اصفى عناصر النماذج الاستشهادية الكبرى في سوريا ما بعد انتفاضة 2011. والساروت، مجدداً، لم يكن نسخة أخرى مكمّلة أو متطابقة مع أمثال غياث مطر أو باسل شحادة في صفّ النشطاء المدنيين؛ ولم يكرّر نماذج شهداء عسكريين، أمثال «أبو فرات» وعبد القادر الصالح؛ بل كان تكثيفاً مأساوياً بليغاً لمآلات انتفاضة بدأت سلمية، وسيقت إلى السلاح بحكم وحشية النظام وصعود الجهاديين، وكذلك بسبب الحاجة في حدودها الدنيا، القصوى والأقرب إلى الضرورة وخيار الدرجة صفر.
عام عاث فيه الغزاة فساداً في سوريا، إذن، وتضافرت فيه احتلالات روسية وأمريكية وإيرانية جديدة مع احتلال إسرائيلي قديم، وميليشيات جهادية ومذهبية تقاطرت من أربع رياح الأرض، و»معارضة» زائفة كاذبة تابعة وأجيرة؛ تكشف سوأة نظام استبداد وفساد بات مجرّد خادم/ دمية، لا تكاد وظائفه تتجاوز التأتأة الإعلامية، وإدارة النهب عن طريق الإمعان أكثر في إفقار المجتمع، ومواصلة ارتكاب جرائم الحرب حيثما أتاح له الرعاة أن يثبت علامة وجود من أيّ طراز.

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:36 am

مسارات جزائرية: محاولة قراءة…
 بيير لوي ريمون

«أقلمة المطالب مع الظرف»، عبارة أثارت انتباهي تلقفتها من إحدى حلقتَي برنامج «حديث الساعة» من قناة «بي بي سي» المخصصتين لأحداث الجزائر في الأيام الأخيرة. في هذا الملف، توالت الأحداث وتتابعت فعلا، وأسعدني أن ركز برنامج «حديث الساعة» مع ضيوفه على محاور تحليلية، حاولت تجاوز ثنائية الحكم والحراك الشعبي للتركيز على قطيعة أخرى، قطيعة «ما قبل الانتخابات وما بعدها.
قد أفاجئ البعض بقولي، ليس الأساسي أن يفوز بالانتخابات أحد ممثلي «الجهاز القديم»، أو بعبارة أخرى أحد ممثلي «الدولة العميقة» مدعوما بالمؤسسة العسكرية، بقدر ما الأساسي، أن ننظر في كيفية كتابة الفائز أيا كان، صفحات المستقبل. فالسياق السياسي الجزائري ليس هو السياق التونسي نفسه، وقد يتقاطع مع المصري من زاوية هيمنة المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة، لكن يختلف عنه كثيرا في كون الحراك غيّب طبقة سياسية، أو حركات تنتمي إلى المجتمع المدني، ما لم يترك للمحلل مجالا لمعاينة تيارات وتوجهات محددة.
لكن هناك خصائص تنفرد بها الجزائر، تجعلها، وقد ذكرنا مصطلح القطيعة، على مفترق جملة من «القطيعات»، التي ينبغي أن تخوض فيها قبل أن يصبح لها استقلال سياسي، يمكن تسميته بالـ»مدنية السياسية». أولاها، هو ما يشترك فيه هذا الجيل الجديد من الشباب الجزائري والفرنسي، الذي يريد القطيعة مع كل ما يمكن أن يمت بصلة في المتخيل الجماعي الجزائري لعقلية «حزب فرنسا» ومرجعيته. وأظن أن المقبل من الأيام ينذر بالإشارات الملموسة في هذا الاتجاه. لنتوقف قليلا عند عبارة «ما نجاوبوش» التي استعملها الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون، ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي، الواقعة بين مطرقة عدم استفزاز أكبر جالية مقيمة في فرنسا وسندان مراعاة الأصول الدبلوماسية، مع إبقاء وتيرة الاتصالات على حالها، وهنا نعلم أن الرجلين تخاطبا فعلا ومطولا. تصب عبارة «ما نجاوبوش» على الأقل في اتجاه تكريس برنامج «هوياتي»، ننتظر طبعا تجسيدا له على أرض الواقع. هل ستكون أرض الواقع الجزائري، أرض التجديد؟
نعلم أن أطرافا عديدة من الحراك تجيب بلا، لكن هناك سيناريو آخر يمكن توقعه أيضا، وهو أن يؤدي الحراك في هذه المعادلة دور الرقيب الأخلاقي، المنوط بكل «سلطة مضادة» عندما يطبَّق مبدأ توازن السلطات بطريقة سليمة.

السياق السياسي الجزائري ليس هو السياق التونسي نفسه، وقد يتقاطع مع المصري من زاوية هيمنة المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة

هل سيجري توازن السلطات في الجزائر بطريقة سليمة؟ هنا، مرة أخرى، المسألة على المحك والتحدي على الأبواب، وثمة في هذا الملف سؤال تال ومباشر يطرح نفسه بعد رحيل قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، وهو هل سيعين الرئيس تبون، الذي يحتل حاليا منصب وزير الدفاع بالوكالة بحكم الظروف، وزيرا مدنيا للدفاع؟ نعم، تجتاز الجزائر حالة من اللايقين، لكن من الأساسي أيضا أن نتحدث عن «الجانب الممتلئ من الكوب» ومؤشرات إيجابية مثل، إطلاق سراح المعتقلين، وفتح المجال الإعلامي، ثم التركيز على مكافحة الفساد، وهي نقطة اشتهر الرئيس الجديد بجعلها شعارا لولايته، كرئيس للوزراء . محاور أعرف أن كثيرين لا يؤمنون بإمكانية تحقيقها في الظرفية الحالية، لكن أمورا في أهمية مراجعة الدستور والتوجه نحو قانون انتخابي جديد، تترك موضوعيا، معطيات مؤسساتية سليمة، فإذا نظرنا نظرة بحتة إلى المسار القانوني، الذي يفترض أن يخوضه الرئيس الجديد، ثمة انتخابات جديدة مقبلة على الأبواب، أي ثمة تفعيل لسلامة سيرورة المخطط الديمقراطي.
أما الموضوع المركزي الشائك، الذي تناولناه عرضا – وهو في الواقع جوهري – أي مدنية النظام وإرجاع المؤسسة العسكرية إلى ثكناتها، ليس موضوعا جديدا، فالتاريخ الذي من المفيد استدعاؤه في لحظات نتمنى أن تكون حاسمة، يذكرنا كيف باتت مدنية الدولة من ركائز أدبيات حزب التحرير الوطني عام 1956. لكن التاريخ صنع العكس. وبالإمكان أن نختتم من هنا، من فكرة روج لها أحد أبناء الجزائر بالتبنّي، فكتاباته الأولى كانت عنها، عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بيير بورديو الذي ذكّر أن ما صنعه التاريخ، يمكن إعادة صنعه دوما.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي


مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني 34ipj-6-730x438


وفاة قايد صالح تخلط الأوراق في الجزائر


تحت عنوان “وفاة قايد صالح تُعيد خلط الأوراق في الجزائر” قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه علاوة على الجدل، القوي أحياناً، حول شخصية قائد الجيش الجزائري الراحل الجنرال أحمد قايد صالح ودوره في المشهد السياسي، فإن الجزائريين يتساءلون خاصة بشأن تداعيات هذه الوفاة المفاجئة للرجل القوي التي وصفتها وزارة الدفاع الجزائرية بـ”المحنة المؤلمة والتراجيدية للجزائر”.

وأضافت لوموند أنه على الرغم من أن الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون يتمتع رسمياً وبموجب الدستور الحالي بسلطة شبه ملكية تسمح له باتخاذ تدابير لتهدئة الوضع الاجتماعي ووضع البلاد على سكة التغيير، لكن الجزائريين يعلمون أنه سيتعين عليه في الواقع التعامل مع قيادة الجيش التي لا تزال في قلب النظام السياسي الجزائري.

وهنا تساءلت الصحيفة الفرنسية: “هل ستغير وفاة قايد صالح المعطيات؟ وهل سيواصل الجيش الجزائري اتباع الخط المتشدد الذي وضعه قائده الراحل في مواجهة الحراك أم أنه سيختار السير في طريق الانفتاح؟”.

الصحيفة، اعتبرت أن وفاة أحمد قايد صالح -قائد الجيش منذ عام 2004 ونائب وزير الدفاع منذ عام 2013-  لن تمحي مشواره المهني ولا قربه من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي دعم ترشحه لـ”عهدة خامسة” ورد بقوة على المظاهرات الشعبية الأولى ضد الرئيس السابق، قبل أن يتخلى عن بوتفليقة بعد ذلك بشهر ويجبره على الاستقالة، تحت ضغط الشارع.

كما أوضحت الصحيفة أنه بالنسبة للعديد من الجزائريين، فإن أحمد قايد صالح كان يجسد الحكم القديم الذي قاد البلاد نحو طريق مسدود وبات اليوم موضع رفض شعبي واسع.

ومضت لوموند إلى القول إن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، الذي أضحى “الصوت الفعلي للنظام” الجزائري، لم يرسل لحد الآن أية إشارات واضحة بشأن السياسة التي سيتبعها في الأسابيع المقبلة ومازالت دعوته إلى الحوار غامضة.

في غضون ذلك، يجعل المعارضون السياسيون ونشطاء الحراك من إطلاق سراح سجناء الرأي ونهاية السيطرة على وسائل الإعلام السمعية والبصرية، شرطاً مسبقاً لأي انفراج سياسي محتمل.

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني 33ipj-6


إندبندنت: وفاة الرجل القوي تعزز الشكوك في الجزائر

نشرت صحيفة الإندبندنت الإلكترونية البريطانية تقريرا لمراسل الشؤون الدولية بورز دراغي بعنوان “وفاة الرجل القوي تعزز الشكوك في الجزائر”، أكد فيه أن وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح تعزز الشكوك في البلاد، التي تسيطر فيها المؤسسة العسكرية على الحكم لعقود.

وشدد الكاتب إعلى أن قايد صالح كان هو المحرك الحقيقي للأوضاع في البلاد منذ الإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقب انتفاضة 22 فبراير/ شباط الماضي، وأكد أن رئيس أركان الجيش، الذي ظل وفيا لبوتفليقة لسنوات، “سرعان ما انقلب على رئيسه مدعما جهود الإطاحة به”.

وأشار دراغي إلى مسار قايد صالح، الذي كان قائدا للقوات البرية خلال حقبة العشرية السوداء، كما وصفت، خلال تسعينيات القرن الماضي المريرة في البلاد، واستمر في مراتب عسكرية عليا لأكثر من عقدين، قبل أن يتصدر المشهد خلال الأشهر العشرة الأخيرة من الاحتجاجات الشعبية، التي استمرت برغم استقالة بوتفليقة.

واعتبر الكاتب أن “صالح تمكن بكفاءة من موازنة الأمور في مواجهة المحتجين المعارضين لدور الجيش المتزايد في المجال السياسي، وقام باستخدام سلطاته طوال العام الماضي لمحاكمة وسجن ضباط كبار باتهامات الفساد، في محاولة منه لتخفيف الضغوط الشعبية على القوات المسلحة”.

وشدد على “أن وفاة الجنرال صالح جاءت بعد أقل من أسبوعين فقط من وضعه رئيسا جديدا للبلاد في السلطة ممثلا في رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون، رغم الاعتراضات التي تشهدها أنحاء متفرقة من الدولة الغنية بالنفط، حيث عانى من أزمة قلبية مفاجئة ليرحل عن عمر يناهز 79 عاما”.

وتناول دراغي خليفة قايد صالح بالإنابة، قائد القوات البرية، اللواء سعيد شنقريحة، الذي ارتبط اسمه بمحاربة الإرهاب، ونوه إلى أن شنقريحة الأقل سنا، حيث يبلغ 74 من العمر، يختلف عن قايد صالح بكونه ولصغر سنه لم يشارك في الحرب التحريرية، وأشار إلى أن مقاربة شنقريحة قد تكون مختلفة عن قايد صالح مع استمرار الاحتجاجات الشعبية، التي دخلت شهرها الحادي عشر.

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني 1-112-442x320


جنازة حاشدة.. هل صنع قايد صالح شعبيته في 10 أشهر؟

الجزائر- متابعات: في مشهد يعيد إلى الذاكرة توديع الشعوب لرؤسائها الذين يحظون بتقدير جماهيري، حمل جثمان قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح على مركبة عسكرية محاطا بحراسة مشددة، لينقل إلى مثواه في مقبرة العالية بعاصمة البلاد.
وصل أوفياء قايد صالح إلى قصر الشعب قبل أن يصل جثمانه، وحملوا الأعلام وصوره منتظرين مروره لإلقاء النظرة الأخيرة، واصطف المئات منذ الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء كي لا يفوتوا فرصة الوداع كما حبذوا أن يسموها، حسب تقرير”الجزيرة نت”.
من مختلف ربوع البلاد ومختلف التوجهات السياسية حضر الآلاف واقفين أمام قصر الشعب في قلب العاصمة، حيث وقف الرئيس الجديد عبد المجيد تبون وأعضاء حكومة تصريف الأعمال وعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة بالبلاد والوفود الدولية.
لم تأبه الأعداد الكبيرة من القادمين إلى قصر الشعب ببعد المسافة ولا الطرق المغلقة، فقد ساروا من مختلف الأعمار والفئات مرددين “جيش، شعب، خاوة، خاوة”، و”القايد صالح مع الشهداء”، و”يا القايد ارتاح، سنواصل الكفاح” وغيرها.
محبو الرجل
لم تستطع الحاجة حفيظة (76 سنة) حبس دموعها وهي تقف على مدخل قصر الشعب، تضرب صدرها كمن يحاول إخماد نار، وتقول للجزيرة نت إن “الجزائر اليوم آمنة بفضل هذا الرجل لأنه وفى بعهده حين قال: لن تراق قطرة دم جزائرية واحدة”.
تتذكر هذه السيدة للراحل قايد صالح مواقفه طوال فترة الحراك الشعبي الذي دخلت فيه البلاد منذ 22 فبراير/شباط الماضي، فتقول إنه “كان حكيما في التعامل مع الغضب الشعبي، تعامل مع المتظاهرين بحنكة المجاهد”.
ويقول أحد الشباب -الذين جاؤوا لإلقاء النظرة الأخيرة على الفريق الراحل- إن “دموعه خالصة لرجل جنب البلاد التدخل الأجنبي”، ويردد هذا الشاب باكيا وسط الحشود “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”.
وسار المشيعون خلف موكب قائد أركان الجيش الذي فارق الحياة في خبر مفاجئ بعد أيام قليلة من ظهوره في مراسم اليمين الدستورية التي أداها الرئيس الجزائري الجديد.
ومشى الآلاف من عامة الشعب مسافة تزيد على 15 كلم على الأقدام محيطين بموكب الراحل يحاولون مد أياديهم نحو الموكب الجنائزي، مؤشرين بالوداع للرجل الأكثر ظهورا في البلاد بعد استقالة عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة.
مخالفو الفريق
وسار في جنازة قايد صالح أيضا بعض من خالفه في موقفه السياسي وكان يطالب حتى الأسبوع الماضي برحيله، إذ يقول عبد اللطيف (27 سنة) “صرخت الجمعة الماضية: الشعب يريد إسقاط القايد صالح”.
ويضيف أن “رئيس أركان الجيش رحل اليوم، هو كان خصما سياسيا ولم يكن عدوا، لأننا أبناء الوطن الواحد”.
وقال “أتيت رفقة عدد من أصدقائي ممن يحبون الرجل فعلا وممن يخالفونه، أخطأ في الفترة الماضية أم أصاب، نحن لا نعرف، ولكن الأكيد أنه من الإنسانية الترحم على الميت”.
ويعتقد بعض من ناهض خطة قيادة الأركان في الفترة الأخيرة لحل الأزمة في البلاد أن “الحراك الشعبي ظل واقفا بسلميته والأخلاق العالية التي تحلى بها المتظاهرون طوال الأشهر العشرة الماضية”، إلى جانب “حرص قيادة الأركان على عدم إراقة قطرة دم واحدة” كما قالت سميرة بوعروة (37 سنة).
ويتفق الجزائريون -الذين خرجوا لتوديع من سموه “مهندس مرحلة ما بعد بوتفليقة”- على أن قائد أركان الجيش قابل الحراك الشعبي على حلبة نظيفة، فكان الأخذ والرد بينهما، ويتساءل البعض عما إذا كانت الأشهر العشرة الماضية أكسبت الفريق الراحل هذه الشعبية؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 9:37 am

الجزائر في الرؤى الألمانية من 1830 إلى 1871: كيف وصف الرحالة البلاد؟

الدكتور رضوان ضاوي
أنجز رفيق سليمان نيبيا بحثه الموسوم بـ “أدب الترحال الألماني المكتوب عن الجزائر من 1830 إلى1871. دراسات عن صورة الجزائر، وصف رحلاتها وتقاريرها” سنة 1979 في لايبتسيغ بألمانيا، وهو في الأصل رسالة تقدم بها المؤلف لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة من جامعة لايبتسيغ سنة 1978. وعدد صفحات الرسالة 206 صفحة من الحجم العادي.  قسّم المؤلف عمله إلى ثلاثة أقسام، فبعد المقدمة يأتي القسم الأول بعنوان: الحقيقة التاريخية للجزائر ودوافع سفر الأوروبيين إلى هذا البلد. والقسم الثاني بعنوان: الإشكالية المضمونية لأدب الرحلة وموقع رؤية العالم لدى المؤلفين. أما القسم الثالث فتحدث فيه المؤلف عن القيمة الأدبية والتوثيقية لأدب الترحال. وألحق المؤلف بالبحث ثلاثة ملاحق، الملحق الأول فيه نبذة عن تاريخ الجزائر من 1830 حتى 1871. والثاني فيه نبدة كرونولوجية عن أدب الرحلات، أما الملحق الثالث فيتعلق بالسير الذاتية لكل من الرحالة هاينريش بارت ومالتسان وبوكلار-موسكاو وشيمبر وفاغنر. وضمن المؤلف كتابه بيبليوغرافيا مهمّة تتعلق بالمصادر والمراجع التي استعان بها في دراسته.
تعرض المؤلف في هذه الدراسة للعديد من الكتابات بالبحث والدراسة. ولا يمكنه بالطبع الإحاطة بكل الكتابات التي ألفها الرحالة عن الجزائر لأنها كثيرة جداً. والفضل في وجود نصوص من هذا النوع يرجع إلى أن الجزائر عرفت قبل سنة 1830، أي في نهاية العهد التركي وإبان الاحتلال على الخصوص، عدداً غير قليل من الأسرى والعبيد، كانوا ينتمون إلى كل الأمم الأوروبية، وزارها كذلك بعض الرحالين والكتاب والعلماء والشعراء. وأصدروا كتباً على شكل رحلات أو بصورة رسائل أو مذكرات، تحدثوا فيها عن تجاربهم الشخصية في الجزائر وعلاقاتهم بأهلها، وعبروا عن موقفهم من قضاياها الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتطرقوا إلى وصف العادات والتقاليد وأساليب الحياة. ومن هنا نجد العديد من هذه الكتب في مكتبات الجامعات الأوروبية تختلف قيمتها بين كتاب وآخر.
يعطي الكاتب مدخلاً تاريخياً للعلاقات الألمانية الجزائرية قبل وبعد الغزو الفرنسي للبلد الذي شكل قبلة ووجهة لسفر الألمان بعد 1830. فقد عرف البلد عند الفرنسيين “بالجزائر”، لكنها عرفت في أدب أوروبا أكثر “ببلد البرابرة”، ويقول المؤرخون بأن مفهوم “الجزائر” لم يكن معروفاً قبل 1830. وتميزت فترة هذا البحث بوجود تيار أدبي ألماني هو “ألمانيا الفتاة”، فزار الشاعر لاوبه الجزائر، وزارها الأمير بوكلار، وزارها أفراد ينتمون إلى الفيلق الأجنبي والسياح والرحالة العلميين، وضباط الحرب. ركزت كتاباتهم عمومًا على جمهور محدّد وهو “المهاجرون”. واهتم بعض هؤلاء الرحالة بالحرب ضمن “أدب الحرب”، وهي كتابات موجهة إلى جمهور محدد هو “أخوة السلاح” أو”المتخصصون في الحرب”. وأعلن الباحث في دراسته هذه عن الغاية منها، وهي تحقيق وظيفتين: الأولى هي عرض حقيقة البلد وجهة السفر وعلاقته ببلد الانطلاق مع ذكر دواعي سفر الألمان إليه. والوظيفة الثانية هي تحليل أدب الترحال الذي كتبه الألمان عن الجزائر. وخصص النصيب الأكبر في دراسته لتحليل مؤلفات الرحالة شيمبر وفاغنار ومالتسان وهيرش والأمير بوكلار والمرأة الرحّالة فون شفارتس.
ووضع المؤلف مجموعة من الجداول المبيّنة والملخصة والشارحة لأهم الرحالة الذين زاروا الجزائر، وخطاطة تلخص أنواع وأهداف وغايات الأدب الرحلي قيد التحليل في الدراسة، ودوافع السفر ونتائج هذه الرحلات، حيث نميز بين الرحالة من خلال الأصل التكوين والدوافع، ومن خلال رسالة هؤلاء الناتجة عن خطابات كتاباتهم، وهي تؤثر بوعي أو دون وعي في القارئ، فهي تمتعه كما لو كان شارك في الرحلة بنفسه، وتخبره بمعلومات علمية أو تجمع بين المتعة والعلم. وقسم الكاتب الأدب الرحلي إلى أربعة أقسام، أدب ينتمي إلى الوصف الرحلي وهدفه علمي، وأدب ينتمي إلى الوصف الرحلي وهدفه نقل التجارب والمعايشات، وأدب رحلي جمع بين الصنف الأول والصنف الثاني، إضافة إلى نصوص لمستوطنين وضباط حرب واستعماريين.
ويُبرز المؤلف في دراسته لأدب الرحلة مدى ارتكاز هذه الكتابات على”التبليغ” و”الفهم”. فلم يهتم المؤلفون بالأسلوب أو بالشكل، أي إن المؤلفين لم يهتموا في مؤلفاتهم بالمجال الفني للكتابة.
الحقيقة التاريخية للجزائر ودوافع السفر
وجهت أوروبا أنظارها نحو الجزائر في القرن التاسع عشر. ولعبت “دولة البرابرة” الجزائر أهمية تاريخية، إذ سكن هذه البلاد القرطاجنيون والرومان والعرب والأتراك، وكانت الجزائر ساحة للعديد من الأحداث التاريخية ومسالك لمختلف الثقافات. وحصر المؤلف دراسته بين سنة 1830 و1871، أي بين غزو فرنسا للجزائر و”الثورة الكبيرة” للجزائريين (ثورة المقراني والحداد) من أجل تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي. وكانت فرنسا في 1871 مشغولة أيضاً بحربها ضد ألمانيا حيث اندحر الجيش الفرنسي. وفي هذه السنة تأسس الرايخ الألماني الثاني بفرساي. وبعد مقاومة الحكم العثماني الأجنبي، توجب على الجزائريين مقاومة الحكم الأجنبي الفرنسي: “فالكره العميق الذي يكنه قبائل شمال إفريقيا لكل غاز أجنبي أثر في العصور الوسطى على فشل محاولات العنف الإسبانية والبرتغالية وجعل أيضاً توسع سلطة الأتراك على كل البلاد مستحيلة”.  ويؤكد الباحث سليمان رفيق نيبيا هذه الفكرة فيقول: “طيلة فترة الغزو الفرنسي اصطدم الفرنسيون ليس فقط بجيش معاد، ولكن أيضاً بثقافة مختلفة، وهي مواجهة ثقافية كانت مبرراً لمشاكل اجتماعية، إضافة إلى المشاكل السياسية”.
وقد زار عدد كبير من الألمان قبل سنة 1830 البلاد بصفتهم أسرى، لكنهم تركوا أعمالاً توثق تجربة أسرهم في الأيالة. وفي القرن التاسع عشر زار عدد كبير من الرحالة الجزائر، بينهم رحالة ألمان قصدوا برحلاتهم التعرف على البلاد وأحوال العباد، ودون هؤلاء الرحالة هذه الرحلات على شكل مؤلفات تندرج ضمن مجال “أدب الرحلة” عن الجزائر.
وتعتبر أوروبا القرصنة البحرية إرثاً تاريخياً لدول شمال إفريقيا. ولهذا سعت أوروبا إلى عقد اتفاقيات تضمن حرية الإبحار وأيضا حرية التجارة. وبالنسبة للأوروبيين، لم تكن القرصنة هي الخطر الأكبر فقط، ولكن الأسر هو الذي كان الأخطر. كذلك ارتبطت القرصنة بالأسر. وقد كتب عالم الطبيعيات موريتس فاغنر الذي زار الجزائر في 1830: “جدير بالذكر أن دولتا الجزائر والمغرب يقطنهما شعب بربري ومتعصب ومتعطش للقرصنة وللقتل، وتعتبر بالخصوص من البلدان الأكثر انغلاقاً بالنسبة للمسيحيين، كما أن الأسرى يعانون بسبب سوء المعاملة (…)”.  ويقول المؤلف إن معاملة الأسرى لم تكن سيئة، على عكس ما يزعمه بعض الأوروبيين، فالكثير منهم تم السماح له بمزاولة الحرف أو فتح متاجر لبيع السلع وبعضهم أصبح موظفاً في الأيالة.
وجد الرحالة على المستوى الإثنولوجي في ظل الوجود الفرنسي على الأرض الجزائرية، العديد من اللغات يتكلم بها المحليون والمستعمرون الأوروبيون. ويميز الرحالة الألمان بين سبع مجموعات إثنية في الجزائر، لكل مجموعة ثقافتها وتقاليدها الخاصة بها، وهي: العرب، والمورسكيون، والقبايليون، والأتراك، والموزابيون، والزنوج واليهود والتركمان. كل هؤلاء الأصناف يتفاهمون في تلك الفترة مع بعضهم البعض ومع الأوروبيين بواسطة لغة (lingua franca) وهي خليط لمختلف اللغات الأوروبية. ودقق الرحالة الألمان في عدد السكان فقدموا إحصائيات تدل على اهتمامهم بالأعراق. وازداد عدد الأوروبيين مع وصول مستعمرين جدد إلى الجزائر، وإلى جانب اهتماماتهم المختلفة حافظوا على الخصوص على عادات بلدانهم، فعكست حياتهم وعاداتهم طابع وطنهم.
تحدث (فاغنر) عن وجود سبعين مقهى عربيّاً اختفى معظمها أثناء الاستعمار وبنى الفرنسيون مكانها فنادق ومحلات تجارية عسكرية. ونافست المقاهي الفرنسية مقاهي العرب بسبب أناقة مقاهي الأوروبيين. وكان الألمان ملاكاً كباراً اهتموا بالزراعة، ونجد من بينهم أيضاً فقراء وأجراء يعيشون في بؤس كبير. أما الأغنياء الألمان فقد كانوا حرفيين وخياطين ونجارين وبنائين شيدوا منازل على الطراز الألماني.
وكان دودو أبو العيد قد ذكر في كتابه”الجزائر في مؤلفات الرحّالين الألمان (1830-1855)” قد ذكر أن شيمبر تحدث عن الدين الذي “يلعب دوراً مهماً في صقل طابع الشعب وطريقة عيشه. ولهذا السبب خصص للدين المحمدي صفحات كثيرة في كتابه”. ويتم في أدب الرحلة الألمانية في الغالب الحديث عن العادات والتقاليد الجزائرية مثل “صوم رمضان”. وقد صادفت فترة زيارة فاغنر للأيالة مناسبة شهر رمضان الفضيل. يقول فاغنر: “يتم الإعلان عن بداية رمضان بـ 101 طلقة من المدفع في العاصمة الجزائر. ويتوجب على السكان المحمديين أن يؤدوا عن كل طلقة دورو واحد، أي خمسة فرنك وعشرين سنتاً للبلدية”.
ويعتبر مسرح “الأراجوز” مسرحاً شعبياً بطله “بدوي حقيقي”. ويشاهده الجزائريون والأوروبيون. فهو “مكان آخر يحج إليه في رمضان الكثير من المحليين ومن الأوروبيين…هو نفسه يوجد في الزاوية الأكثر قذارة بالمدينة…ويشبه هذا المسرح عندنا ألعاب خيال الظل أو مسرح شخوص الخيال الصيني (انتقل إلى العرب عبر تركيا خاصة في العهد المملوكي)”.  وتحدث الكاتب عن تقييم المسرح الشعبي والعادات والتقاليد الجزائرية بعيون الرحالة الألمان، فيقول إن الجزائر “مارست على أوروبا قوة جذب كبيرة خاصة في القرن التاسع عشر، وبالنسبة لأوروبا، لا تعني الجزائر فقط إفريقيا، بل أيضاً الشرق. وأيقظت البلاد اهتمام الأوروبيين بها بسبب ثقافتها، وكذلك بسبب تاريخها المثير للجدل أثناء حكم العديد من القوى. وباختصار كانت الجزائر منطقة مهمة للعلماء الأوروبيين، وبالنسبة لبعضهم كانت هي فقط ممراً إلى القارة السمراء، وبالنسبة للبعض الآخر كانت هي هدف اهتماماتهم وميولاتهم.
بعد إنشاء الجمعية الإفريقية سنة 1788، بدأ عصر “الدراسات الإفريقية” ذي الأهداف العلمية الإنسانية، وخاصة محاربة الرق من مصادره. ومن الأسماء التي ارتبط ذكرها بهذا النشاط العلمي نذكر شوته مونجو أوارك الذي اهتم بالدراسات الزنجية. ويمكننا أن نتحدث عن”الدراسات الإفريقية” بالمعنى العلمي بعد حروب نابليون وثورة يونيو ومارس. ويلخص المؤلف اهتمامات أوروبا بإفريقيا فيقول إن بروسيا أولاً والرايخ الألماني ثانياً بدلا في القرن التاسع عشر جهوداً من أجل تطوير توثيقهم للمناطق البعيدة.  فكانوا بحاجة إلى معلومات تتعلق بإفريقيا. وحتى سنة 1830 كان الوضع غير مريح بالنسبة للسفر وبالنسبة للبحث العلمي في الأيالة. ولم يكن هذا الأمر ممكناً إلا بعد أن أخذت العلاقات السياسية بين شمال إفريقيا وأوروبا شكلاً منظماً، وكذلك بعد أن دفعت الدول الأوروبية المسيحية جزية مُذلّة لشراء السلام من دولة البرابرة، فأصبح بإمكان بعض الرحالة بمساعدة القناصلة المعتمدين لدى دولة القرصنة زيارة بعض المناطق الشاطئية وداخل “دولة البرابرة”. ومع بداية الإستعمار للجزائر أصبحت الظروف أكثر ملاءمة للرحلة والسفر، فلم يعد يوجد ما كان يخافه الأوروبيون وهو القرصنة والأسر. و”بعد الإنزال الفرنسي بسيدي فرج فقط، أصبح بإمكان الرحالة الأوروبيين الوصول إلى هذه البلاد”.  ويوضح المؤلف بأن حضور الجيش الفرنسي كان حيوياً وهاماً لأوروبا وحدثاً جعل من الجزائر بلدًا آمنًا بالنسبة لهم. وكون العديد من العلماء زاروا الجزائر يدل على أهمية هذا البلد العلمية. ولم تكن للجزائر أهمية علمية بالنسبة لأوروبا فقط، ولكن كانت كذلك للعالم كله، وباختصار يريد الأوروبيون الاهتمام بثقافة أخرى. ويكتفي الأوروبيون بالمناطق التي يتواجد فيها الجيش الفرنسي. وكان الفرنسيون يسمحون للرحّالة الألمان بزيارة هذه المناطق بعد حصولهم على رسالة توصية توفر تسهيلات للرحالة. وقام شيمبر برحلة رسمية بطلب من “نادي السفر بفتنبرغ” وحصل عليها من وزير الحرب الفرنسي شخصياً. وتسلمها فاغنر في سبتمبر 1836 من باريس من وزير الحرب، ومن أساتذة المتحف التاريخي الطبيعي. وكانت الجزائر مجهولة لديهم، ويجهلون بالطبع أحوال وأوضاع البلاد التي يطلبون من أجل زيارتها رسائل توصية من باريس. وبالنسبة لـفاغنر تلعب هذه التوصيات دوراً هاماً، فهي وثائق قيمة لسفره داخل البلاد، وهو مالم يكن دائماً بالنسبة لرحالة آخرين. فبالنسبة لهاينريش بارت على سبيل المثال، لم يكن ممكناً أن يُتم رحلاته حسب برنامجه ولم يكن يستطيع القيام برحلة منظمة في البلاد بسبب عدم جدوى رسائل التوصية في بعض مناطق الحرب بالجزائر.  وهذا ما عبر عنه الرحالة شمبير بقوله إن كل شيء نسبي: “يؤسفني ألاّ تكون مجموعة من التوصيات التي تسلمتها من وزير الحرب الفرنسي شخصياً للحاكم وللعديد من الموظفين ذات قيمة كبيرة”.
وإضافة إلى رسائل التوصيات قدم مكتب “العرب” مساعدات كثيرة للأجانب في الجزائر. وقد تأسس هذا المكتب في الأول من فبراير 1844، وهو نوع من مكاتب الوساطة بين الفرنسيين ورؤساء القبايل الجزائريين، ويضم موظفين ومترجمين بارعين في اللغة العربية ويستطيعون فهم المجتمع المحلي. وقد ساعد هذا المكتب مالتسان بعد “خيبة أمله” لدى الحاكم في البليدة لأن هذه المؤسسة هي الأعلى في اتخاذ القرارات السيادية في البلاد.  ولا يستطيع أي أجنبي أو محلي السفر في البلاد دون موافقة المكتب. وتسلم فاغنر أيضاً رسائل من الحاكم العسكري في الجزائر، وقدم نفسه بصفة طبيب. واعتبرها فاغنر حيلة ذكية من أجل تأمين سفره وإزالة كل سوء فهم وكل سوء ثقة، وهي وسائل يستعملها المغامرون والرحالة: “فالعرب يشكون في كل أوروبي ويعتبرونه عميلاً فرنسياً يخبر الفرنسيين بمعلومات عن المناطق التي يجهلها الفرنسيون في البلاد”.
زار شيمبر الجزائر في 1831 كملاحظ وجامع للنباتات النادرة وغير الموجودة في أوروبا. واطلع فاغنر كعالم مهتم بالحيوانات على كتاب شيمبر. أما بارت الجغرافي فاهتم بالجغرافيا وبالطابع الإثنوغرافي للبلاد. وزار بلدان البحر المتوسط. واهتم الرحالة الألمان بكل ما هو شرقي، “فالرحالة الذي تطأ قدماه لأول مرة أرضاً غريبة، يهتم غالباً أيضاً بطراز البناء الشرقي، وفي بعض المرات بالمآثر الرومانية… ويهتمون بالمقاهي العربية”.  على عكس فاغنر، استعان مالتسان بوسيلة أخرى هي تعلم العربية عند معلم جزائري. وبهذه الطريقة استطاع الدخول إلى أعماق المجتمع للتعرف عليه أكثر. فهو لم يكن فقط رحالة، بل كان باحثاً أيضاً في اللغات. وبفضل دراسة العربية استطاع أن يربط علاقة بالمحليين. وكانت دراسة العربية بالنسبة إليه “الوسيلة الوحيدة الفعالة، على الأقل، من أجل تكوين صداقات، تتقدمها نيتي في تعلم العربية”.
يقدم لنا المؤلف نموذجاً ثالثاً باحثاً هذه المرة عن العجائبية والغرائبية مثل ماري فون شفارتس التي أقامت في البلد مدة شهرين. وتريد هذه الرحالة اكتشاف البلد المجهول. فالجزائر فكرة توحي لماري فون شفارتس بعالم جديد.  إنه عالم تريد اكتشافه قبل أن يغير الاستعمار الفرنسي معالم البلد الشرقية. ويريد الرحالة الأمير توسيع أفقه عبر “رحلة عطلة”. هو سفر من أجل المتعة وسفر لا يحلم به أجداده وآباؤه، والذي أصبح في منتصف القرن التاسع عشر ممكناً ومريحاً بسبب “اختراع الآلة البخارية”. وهناك رحالة أرادوا مغادرة شتاء ألمانيا وقضاءه في الجزائر الدافئة، من أجل الإستشفاء أيضاً مثل أوتو شنايدر .وزار هاينريش بارت الجزائر في فترة الثورات في وهران وتيتري وحوضنة، ورغم قصر مدة إقامته، فقد أمكنه التعرف على أجزاء كبيرة من البلاد. لكنه لم يزر مناطق أخرى بسبب الحرب. ولم يستطع فاغنر أيضاً زيارة وهران، لهذا نجده يقول: “لا يمكن أن نلوم هذه الأجزاء الجغرافية والوصفية غير الكاملة، إذ إني زرت كل مناطق البلاد التي تقع في يد الفرنسيين حتى يونيو 1838 أثناء مغادرتي الجزائر”.  ويجب الإشارة إلى أن أغلب الرحالة الذين زاروا الجزائر في فترة الدراسة اكتفوا بمنطقة الشمال. ومن النادر أن يزور بعضهم الصحراء بإستثناء بعض المهتمين الذين زاروها. ولهذا فالصحراء تمثل فقط قسماً ثانوياً من المعلومات عن الجزائر.
مضمون أدب الرحلة
يشكل الوضع الاجتماعي للرحالة ورؤيته للعالم عاملين حاسمين في رؤيته للجزائر. فقد بذلت ألمانيا في القرن التاسع عشر جهداً كبيراً لتوسيع مداركها ومعارفها عن الجزائر وعن الدول المحمدية. وبهذه الطريقة ساهم الرحالة بشكل مهم في نشر هذه المعرفة بواسطة مؤلفاتهم. وقام العلماء الألمان، وهم رحالة أيضاً، بانجاز مهام علمية في بلد ما زالت معرفة أوروبا به قليلة. وكانت وظيفة الباحث أساساً جمع المعلومات وملء الفراغات في “علم البلدان وعلم الشعوب”. ونزل شيمبر، “عالم رحالة وباحث وجامع للنباتات” إلى الأيالة خمسة أشهر بعد إنزال سيدي فرج، وكان واحداً من الألمان الأولين الذين زاروا الجزائر بدعم وطلب وتمويل “نادي السفر التاريخي الطبيعي” ومن الحكومة الألمانية، وطلب منه “نادي الرحلة في فتنبرغ” تدوين ملاحظاته عن الجزائر.  وهذا يظهر مدى مساهمة جمعيات ونوادي جغرافية أو رحلية في ألمانيا من أجل الوصول إلى البلد. وارتبطت “دراسة الجزائر” أيضاً بأسماء أخرى، فـبارت الباحث في الدراسات الإفريقية الشهير زار الجزائر عشر سنوات بعد زيارة فاغنر. وفي مقدمة كتابه أكد على مهمته العلمية، ويعبر عن ذلك بقوله: “موقفي هو موقف تاريخي-جغرافي، وفي بعض الأحيان زرت بلدان البحر الأبيض المتوسط ووصفت رحلتي هذه”.  وقد أصبح بارت في 1863 رئيساً- نظير عمله الدؤوب في دراسة إفريقيا- للجمعية الجغرافية في برلين لكل فرع “علم البلدان وعلم الشعوب”.
لقد أضاف الإحتلال الفرنسي إلى اهتمامات الأوروبيين الاهتمام بالعلوم الطبيعية والبحث في “المجال الشرقي”، وبحث اللاجئون الألمان والمغامرون عن حظ أسعد في الفيلق الأجنبي. وتحدث (ماكس فرايهير فون فيبر) الذي قام برحلة استجمام إلى الجزائر في 1853 وأصدر كتابه “الجزائر والهجرة إلى هناك “في 1854، فتحدث أولاً عن أوضاع أبناء بلده الموجودين على الأرض الإفريقية، وكان هدفه اكتشاف بلدان غريبة وثقافة غريبة مثل الأمير بوكلار. أما ماري شفارتس فكانت تبحث عن الغرائبية حين زارت البلد في 1847 وتمنت لنفسها رؤية واكتشاف عالم شرقي بأشجار النخيل والجمال تماماً كما يتصور الأوروبيون هذا العالم، قبل أن تتغير المعالم “الشرقية” بسبب تسلط وفرض الثقافة الأوروبية. ويشير المؤلف إلى أن الباحثين عن المغامرة والاستجمام والراحة في إفريقيا هم النبلاء والأغنياء مثل بوكلار وماكس ماريا فرايهير فون فيبر وماري اسبرنس فون شفارتس. وهناك من جاء إلى الجزائر من أجل إنجاز وظيفته ومهمته والتعرف على العلاقات السياسية بين الجزائر وألمانيا مثل بوفري  عضو “النادي المركزي للهجرة الألمانية والإمكانيات الكولونيالية”، وأيضاً عضو مراسل “لجمعية الإستشراق” في فرنسا، الذي ألف كتاب “الجزائر ومستقبلها تحت الحكم الفرنسي”، صدر سنة (1855) بعد مقامه بالجزائر سنة 1852. وهو عبارة عن دليل نصائح للمسافرين الألمان إلى الأيالة بالجزائر من أجل الاستيطان فيها. وظهرت كتابات يمكن أن نصنفها ضمن “أدب الحرب”  ككتاب “تاريخ الحروب في الجزائر” الذي صدر سنة 1861 للجنرال هايم.
وقد ساهم الحضور الفرنسي في تدمير “الثقافة الجزائرية”، وعمل على ذلك. وأعلن (هيرش) في كتابه عن تضامنه مع الشعب الجزائري من خلال مقدمة كتابه، فقال: “… شعب حر يدافع عن وطنه له الحق الكامل في ذلك”.  كما يعتبر الأمير عبد القادر موحداً للأمة وذا توجه جديد في السياسة. ومع اكتشاف وفتح مناطق أجنبية على الأرض في شمال وجنوب أمريكا واستراليا بدأ عصر الهجرة الألمانية “التي بلغت أوجها في 1854”. ونقرأ في “تاريخ الجزائر في محطات” الذي يصدر سنة 1969 أن: “الأسباب هي-بين أخرى-الحاجة الاقتصادية ورفض الوضع السياسي وتدهور الحالة الإجتماعية في ألمانيا”.
وضع المؤلف جدولاً يبين تطور الهجرة الألمانية بين 1831 و1866 في المدن الجزائرية مثل العاصمة وإقليم الجزائر ووهران والقسطنطينة. واختلفت آراء الرحالة الألمان بخصوص هذه الهجرة. فبوفاري عضو “النادي المركزي للهجرة وفرض الاستعمار الألماني” شجع هذه الهجرة نحو الجزائر التي تقدم مزايا أكثر من الهجرة إلى أمريكا. ولكن جل الرحالة يحذرون أبناء وطنهم من خطر مشروع المستعمرة الجديدة في الجزائر.  وكان شيمبر من بين الذين حذروا مواطنيهم من الهجرة إلى الأيالة. وأهم منطقة استوطن بها الألمان هي مستنغانم. وقد اهتم شيمبر بالعلاقات الاجتماعية بين أبناء وطنه. وصوّر في كتاباته بؤس وفقر المستوطنة الألمانية. ووصف بوكلار أوضاع هؤلاء بسخرية. أما هيرش فيكتب بأن البلاد فيها كل شيء، فيها الثروة والتعليم والحرية. وبالإرادة فقط نجد هنا جرمانيا الكبرى مهد الحضارة الأوروبية والحكم الذاتي. وعموماً لا ينصح الرحالة أبناء وطنهم بالهجرة إلى الجزائر كمستوطنين، لأنه لا يمكنهم انتظار الشيء الكثير من الفرنسيين.
يقول المؤلف بأن الرحالة الألماني الذي يزور الجزائر لأول مرة يواجه في كل مكان ثقافة شرقية. وكان الحكم على هذا العالم وتقييمه مختلفاً. فبعضهم اعتبر البلد لا ثقافة له، ويصف بهذا المعنى الجزائر ببلاد البرابرة. وجعل آخرون من الثقافة الجزائرية موضوع بحثهم ودراستهم. ويتحدث فاغنر عن اللغة العربية ويصف الثقافة إثنوغرافياً. ولأن العاصمة فيها جنسيات كثيرة عربية وأمازيغية وصحراوية وإفريقية وأوروبية من مختلف الدول، فقد تطورت لغة وسيطة هي اللغة المشتركة كوسيلة تفاهم بين كل عناصر هذا الخليط.  وقد اهتم مالتسان بالعربية وأخذ دروساً في تعلمها من أجل فهم المجتمع وربط العلاقات مع الجزائريين. أما الكاتب الشاب لاوبه فقال عن معجم العربية إن جلّه في مجال الحيوانات، ويمثل وجهة نظر تقول إن الجزائر لا ثقافة لها، وأن الجزائريين غير متحضرين وأن محاولات ثقافتهم “لا تتعدى مرحلة بداية الطفولة”. وتمثل هذه الفكرة منطلق رؤيته للعالم، تفسرها كلماته: “سمعنا لأول مرة هذه اللغة…التي أرعبتنا كما لو كانت لغة أفاعي…”. ودرس هيرش العربية بألمانيا في الجامعة واهتم بترجمات القرآن ويتأسف لأنه “في الجزائر يتم إهمال لغة جميلة” . أما شفارتس فتقول إن الجزائر فقدت أصالتها بسبب الاستعمار الذي خيب أملها حين وجدت الجزائر فاقدة لطابعها الشرقي. وتحدث فاغنر أيضاً عن هذا التدمير الممنهج لثقافة الجزائر. أما مالتسان فـ”أصيب بالصدمة” من سياسة التدمير هذه. فقد اتخذت فرنسا من دافع تجميل المدينة حجة لتدمير معالمها الأصلية وإعادة بناء المدينة على الطراز الفرنسي.  فحتى المؤسسات الثقافية لم تسلم من سياسة التدمير مثل “مكتبة الجزائر” المتخصصة في “الدراسات المكتوبة عن إفريقيا”، وكانت أيضاً قطعة فنية ومعمارية بنيت على الطراز الشرقي المورسكي. وتحتوي فقرة “أغاني عربية” في كتاب الرحالة هيرش و”الأغاني الشعبية” على انطباعاته التي تعترف بقيمة الشعر العربي الشعبي الجزائري. وأورد المؤلف قصيدة تتحدث عن الأعراف والتقاليد السياسية الجزائرية بطريقة ساخرة.
يقول فاغنر إنه “قبل الاحتلال الفرنسي كانت تتوفر الجزائر على عشرة مساجد كبيرة وخمسين مسجداً صغيراً. والآن تقلص هذا العدد إلى النصف…هكذا أصبح مسجد مسرحاً، وآخر مخزناً وآخر ثكنة عسكرية”.  واهتم فاغنر بوصف صلاة المسلمين التي اعتبرها غامضة وفيها مبالغة وخيال. يقول “في طريقهم إلى بيوتهم، لا يتوانى هؤلاء المصلون المبجلون علانية في نهب ممتلكات إخوتهم المؤمنين، أو في القبض على أول مسيحي وقطع رأسه”.  وتنطلق شفارتس من وجهة نظر “الباحثة عن العجائبية والغرائبية” لتسم بها ملاحظاتها عن المسلمين، فتقول: “لا يمكنني إلا أن أقارن محمدياً مصلياً بالبط العوام”.  ويقول سليمان رفيق نيبيا إن هذه الرنة الغرائبية تؤكد رغبة الرحالة في اكتشاف عالم شرقي في الجزائر. ويقول اللاجئ السياسي يونجمان لن تسمع أبداً مسلماً يتحدث باحتقار عن صلوات الآخر، حتى الصلاة اليهودية التي يمقتها بشكل عميق. بينما المسيحي، خاصة الفرنسي، يجعل أديان الآخرين هدفاً لنكته وغمزاته”.  ويعتبر فاغنر شهر رمضان شهر التعصب الديني عند المسلمين، وكان الرحالة الغربيون يستهزئون ويتعبرون الصوم في النهار تصحبه صرامة مضحكة.
أما لاوبه فتحدث عن الفروسية التي اعتبرها دليلاً على”ثقافة بدائية”، يقول: “نحس كما لو أننا بين متوحشين، ومحاولاتهم الثقافية لا تعبر حتى عن مرحلة الطفولة الثقافية”. ومدح هيرش عادات الضيافة الجزائرية، واستعمال الحناء، واحترم هذه العادات على غرار المثل المأثور الذي أورده المؤلف وهو: “بلدان أخرى، تعني عادات أخرى”. ويحاول هيرش فهم هذه التقاليد. يصف المؤلف لاوبه بالرحالة الأكثر موضوعية، فعندما نطالع كتاباته الرحلية ونحللها نلاحظ بأن أوصافه خالية من الأحكام القبلية فيما يخص تبليغه لتجاربه بالجزائر. فهو لا يقيم الجزائر وعادات وتقاليد الجزائريين انطلاقاً من وجهة نظر مسيحية أو وجهة نظر أوروبي أكثر تحضراً، كما أنه لا يخجل من جرح أبناء وطنه أو الأوروبيين عامة عند تبليغ بعض الحقائق. وفي فقرة من كتابه بعنوان “الأديان في التجارة والتعامل “ثمن عدل المسلمين في التجارة على عكس المسيحيين أو اليهود، إذ يقول: “هكذا سيحس جل قرائي بالخذلان، حسب تجاربي العديدة، المسلمون عادلون في تعاملهم ممن يستثنيهم من عدهم تجاراً فاسدين”.
تم سد الكثير من الثغرات في مجال علم الشعوب وعلم البلدان بفضل أدب الرحلات. فقد درس الألمان أيضاً الطبيعة الجزائرية. بعد دراسة شيمبر بميونيخ العلمية زار الجزائر كجامع للنباتات. واهتم بالأنواع النباتية التي لا توجد في أوروبا. لكنه فقد جزءاً كبيراً مما جمعه. أما فاغنر فبفضله وضع أول تصنيف كامل ووافر لحيوانات الجزائر واكتشف أنواعاً جديدة من الحيوانات. ويتمنى فاغنر أن يسير باقي الرحالة على نهجه ويغنوا المتحف الجزائري بما اكتشفوه في الجزائر من ثروة حيوانية وطبيعية، فيعبر عن هذا بقوله، إنه وضع مجموعته في عدة مؤسسات ألمانية مثل المتحف الخاص بالحيوانات في برلين، كما أهدى للمتحف الجديد بالجزائر بعض النماذج: “إنني سعيد، لأنني كنت أول من أسس تجميعاً للحيوانات هناك، بالمتحف الجديد الذي تم إنشاؤه بالجزائر وأهديته بعض الحشرات والحيوانات وبأمل في أن يكبر المتحف بهدايا مجمعين آخرين للحيوانات والحشرات من الجزائر”.  ويشير المؤلف إلى أن الفرنسيين اهتموا أكثر بهذا المجال العلمي لأنه بالنسبة إليهم “ضرورة وحاجة” إلى إنجاز أبحاث علمية في المستعمرة الإفريقية الجديدة، ولهذا الهدف أنشأت الحكومة الفرنسية اللجنة العلمية في 1839، وأرسلت اللجنة إلى الجزائر. فقبل 1830 اعتبر الأوروبيون الجزائر لا يستفاد منها علمياً. وحاول الرحالة غير المتخصصين إخبار القارئ الألماني عن الطبيعة الجزائرية وعن الحيوانات الموجودة فيها مما يشبع انتظارات القارئ من هذه المنطقة في الشرق. وبفضل هؤلاء الرحالة حصل القارئ على منابع المياه والطقس والطب البديل بالأعشاب.
القيمة التوثيقية والأدبية
رغم قصر مدة إقامة فاغنر في البلاد الا أنه كتب نصاً مهماً يجمع بين التعليمي والمتعة. يقول إنه “يريد قارئاً مؤدباً، يتبعني في رحلتي إلى داخل الجزائر”.  ويتساءل بمرارة عن سبب عدم تأسيس فرنسا مدارس للتكوين المهني والعلمي لتكوين الأطر في الجزائر في العربية وفي الجغرافيا وفي الاثنوغرافيا وتاريخ البلد وفي الدين وفي علم العادات وعلم الإسلام، طيلة الخمسة والثلاثين سنة الماضيّة. ففي رأيه يجب أن يعرف الموظف الفرنسي في الجزائر، سواء أكان موظفاً أو قاضياً في شؤون الجزائريين القرآن، “تماماً كما يعرف قاضي الفرنسيين مدونة نابليون”.  أما ماكس هيرش الذي كتب “رحلة إلى داخل الجزائر عبر القبايل والصحراء” (1862)، وتحدث عن الأسماء الجزائرية التي تحمل “بو” وعن الآثار التي توجد في الجزائر ذات الأصل الإغريقي. واهتم بمعاني أسماء الأماكن وأسماء المدن، وقارن هذه الأسماء بالأسماء اليونانية وفي اللغات الهندو-جرمانية. ظهر كتاب هيرش ست سنوات بعد قيامه برحلته، والكتاب ممتع ويقدم معلومات قيمة عن البلد بنبرة ممتعة وشروح وافية. وتقدم ماري فون اسبرونس فون شفارتس في مدة إقامتها القصيرة (شهران) رحلتها على شكل يوميات. ومثل لقاؤها الأول مع الشاطئ الإفريقي أول خداع كبير تعبر عنه بقولها :”ينتظر المرء هنا رؤية مدينة شرقية، ولكن كم يصدم المرء. مباني مورسكية قليلة، ولا وجود لأشجار النخيل تقريباً. وفي ترتيب غير منظم تقف باصات شبيهة بالتي كانت توجد قبل عشر سنوات. وفي فرنسا… أجد هنا نفس الشوارع المتسخة التي تركتها خلفي في مارسيليا…”.  إذاً، تمنت هذه المرأة اكتشاف درجات العجائبية والغرائبية، لكن خاب ظنها في الجزائر. وأول خيبة أمل لها تجلت في الطبيعة الجزائرية. وقد حاولت فون شفارتس تبليغ القارئ “العجائبية والغرائبية” في الجزائر من خلال كتابها لكي يمتلك القارئ أساس مشاركته في الرحلة، ولهذا وصفت مغامراتها في حمام عربي للنساء، حيث حكت قصص حية وخيالية عن تجربة الكاتبة في هذا العالم السفلى الذي وصفته بالدخول إلى “المقدس” . وكان الوصف حيوياً ومليئاً بالصور والمقارنات العديدة.
اطلع فاغنر على كتاب بوكلار واعتبره من بين الأعمال الثلاثة المكتوبة عن الجزائر التي كان يتوفر عليها قبل سفره إلى الجزائر. لم يكن بوكلار باحثاً عن الراحة في الجزائر ولم يكن هدف سفره علمياً، ولم يكن حالماً مثل الرومانسي بالبعاد والوحدة. لكنه كان مثل شعراء “ألمانيا الفتاة” يبحث عن أصدقاء جدد يتعرف عليهم ويعايش أحداثاً جديدة. ويعتبر المؤلف كتابه “سميلاسو في إفريقيا” عرضاً غنياً وفكرياً لرحلة إلى الجزائر، حيث بذل جهداً بشكل ساخر أيضاً، لتقديم ما هو غرائبي وعجائبي في رحلته.
يقول المؤلف إن أغلب الكتابات الرحلية التي ظهرت عن الجزائر تهمل الجوانب الأدبية، لأن هدف مؤلفيها ليس أدبياً، باستثناء كتاب الرحالة الأمير بوكلار-موسكاو والرحالة هاينريش لاوبه اللذين نلمس فيهما التأثر بهاينريش هاينه وكتابه الأدبي الهام جداً “صور رحلية”. ولهذا حاول الكاتبان أن يركزا على إظهار روح “ألمانيا الفتاة” في كتابهما.
 استنتاجات
ركز الباحث على ما تحتويه الكتابات الألمانية عن الجزائر من معلومات عن المجتمع الجزائري وتنظيمه وطريقة عيش المحليين. وعلى المستوى التاريخي والسياسي قدم الرحالة الألمان كشهود عيان الكثير من الوثائق الثمينة التي تدين الإستعمار الفرنسي في الجزائر، مثل ما قدمه (فاغنر) من شهادات عن حملات الفرنسيين ضد القسطنطينة وشهادات أخرى كثيرة عن المعاملات التي تمت بين الأمير عبد القادر والفرنسيين. ويخلص المؤلف إلى أن الكتابات الألمانية التي اعتمدها في دراسته هذه لها قيمة توثيقية أكثر من كونها قيمة أدبية، لأنها تؤدي وظيفة تبليغية وإخبارية. واختار الكاتب نصوصاً تواجهت مع الثقافة الجزائرية، فشكل عرض العادات والتقاليد للمحليين الجزء الأكبر والأهم من هذه الكتابات. وتناولت هذه الكتابات أيضاً الأوضاع السياسية وأوضاع الحرب في أول مستعمرة أوروبية في شمال إفريقيا. وظلت صورة الجزائر صورة مستمرة متواصلة تعيد صياغة ما عايشه ولاحظه هؤلاء الرحالة.
*باحث في الدراسات الثقافية المقارنة
الرباط/ المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالأحد 29 ديسمبر 2019, 10:07 am

مصنع العالم: الصين وثقافة الانضباط الجديدة
 محمد سامي الكيال


أثارت قضية اضطهاد عرقية الأيغور في الصين تساؤلات كثيرة عن طبيعة النظام الصيني، والدور الذي يلعبه بوصفه أحد أكبر الأنظمة الشمولية المعاصرة. سبق للملياردير الأمريكي المجري جورج سوروس التنبؤ بأن الصين هي الخطر الأكبر على «المجتمع المفتوح»، باعتبارها تجمع بين الديكتاتورية السياسية، والتطور التقني، فهي قادرة على توظيف آليات الذكاء الصناعي والهندسة الحيوية، لتطوير أساليب جديدة للقمع والتحكم، لا قبل للمجتمعات البشرية بمواجهتها.
الأخبار الواردة عن المعسكرات الجماعية التي يُحتجز فيها مئات الآلاف من المسلمين الأيغور، في سبيل إعادة تأهليهم، واجتثاثهم من «هويتهم الإسلامية»، تذّكر بتاريخ طويل من ممارسات الأنظمة العقائدية في الهندسة الاجتماعية القسرية، أي محاولة إعادة تشكيل المجتمعات وثقافاتها التقليدية وأحوالها الديموغرافية بشكل فوقي عنيف، إلا أنه من الصعب اعتبار الصين ببساطة «دولة معادية للإسلام»، كما يحاول تصويرها جانب كبير من إعلام الدول ذات الأغلبية الإسلامية، وبعض الدول الغربية. فقضية الأيغور تتداخل فيها الجوانب الدينية والقومية والمناطقية بشدة. يتعلق الموضوع بإقليم تركستان الشرقية «شينجيانغ»، الذي يشهد دعوات انفصالية منذ عقود، ما يجعل قضيته مشابهة نوعاً ما لقضية إقليم التيبت، ذي الأغلبية البوذية. فضلاً عن هذا فإن المسلمين من عرقية «الهوي»، وهم أغلبية المسلمين الصينيين، لا يعانون اضطهاداً مماثلاً، ولديهم حريات دينية لا بأس بها، دعك من «صناعة الحلال»، أي إنتاج السلع والأطعمة، وهي صناعة مزدهرة بشدة في الصين، تسوّق منتوجاتها في السوق الداخلي، كما في مختلف أرجاء العالم.
اختزال الصين بكونها معسكراً للعمالة الرخيصة والقمع السياسي والاجتماعي، يسقط كثيراً من جوانب الصورة المعقدة لهذه البلاد، التي تشهد نمواً كبيراً للطبقة الوسطى، وتطوراً في بعض جوانب الحريات الاجتماعية، التي تعتبر اليوم في صميم الليبرالية، مثل حقوق المرأة والمثليين وحرية السفر. فما هو التهديد الفعلي الذي تشكّله الصين على المسيرة المتعثرة لانتشار الديمقراطية – الليبرالية حول العالم؟ وهل يمكن اعتبار البلد، الذي بات بامتياز «مصنع العالم»، حالة استثنائية في قمعيتها؟

تحول الصين إلى «مصنع العالم» أثار الجدل حول «النيوليبرالية الاقتصادية» في البلاد، التي يبدو أنها لن تؤدي إلى ليبرالية سياسية أو أيديولوجية.

معسكر الانضباط الكبير

تحول الصين إلى «مصنع العالم» أثار الجدل حول «النيوليبرالية الاقتصادية» في البلاد، التي يبدو أنها لن تؤدي إلى ليبرالية سياسية أو أيديولوجية. بالنسبة لسلافوي جيجيك، فالشيوعيون الآسيويون، في دول مثل الصين وفيتنام، أثبتوا أنهم أفضل مديرين للرأسمالية، رغم أن هذه العبارة لا تخلو من صحة، فإن الشيوعيين ليسوا مجرد مديرين لمصلحة الرأسمالية في هذه الدول، فالقطاع العام، شديد الضخامة، يلعب دوراً كبيراً في الاستثمار والنمو الاقتصادي، كما تم إدماج جانب من مستثمري القطاع الخاص في الحزب الشيوعي. لم تعد الصين اشتراكية بالمعنى التقليدي، ولكنها لم تصبح رأسمالية تماماً، فالرأسماليون هناك لا يمكن أن يتحولوا لطبقة مستقلة ذات نفوذ سياسي، مفارق لهيمنة الدولة وحزبها الحاكم، وهم بالتالي لا يستطيعون أن يضمنوا سلامة ملكيتهم الخاصة، وهو حق مقدس في أي منظومة رأسمالية، وأساس أي منظور أيديولوجي ليبرالي.
ما هو أكثر أهمية في التجربة الصينية هو دلالتها على تقسيم العمل على الصعيد العالمي، فهي تلعب دوراً عضوياً في المنظومة الاقتصادية العالمية، بوصفها أحد أبرز المصدّرين للمنتجات الصناعية، وحضورها ساهم في نزع التصنيع في الدول الغربية، والانتقال نحو «المنعطف الأيكولوجي»، والاقتصاديات التي تسعى لأن تصبح خالية من الانبعاثات. من ناحية سياسية واجتماعية ساهمت هذه التطورات بتحلل المؤسسات الانضباطية في الغرب، والمصنع هو أحد أهم نماذجها، لحساب آليات تحكّم أكثر سيولة، لتصبح الصين بدلاً من الغرب هي الممثل المعاصر لانضباط المجتمعات الصناعية، بعد أن صارت المصنع الأكبر. بهذا المعنى فإن الرأسمالية، بوصفها منظومة عالمية، لم تتخل عن تقنيات الضبط القديمة، بل نقلتها جغرافياً فقط إلى دول لديها ميزة استثمارية: عمالة رخيصة، وتقاليد سياسية وثقافية واجتماعية، قابلة لإعادة إنتاج الانضباط بأكثر صوره قسوة. قمع العمال الصينيين لا يتحمل مسؤوليته المديرون الشيوعيون القساة فقط، بل أيضاً المديرون والسياسيون الرأسماليون حول العالم، المهتمون بالتنوع والاستدامة والمنتجات الصديقة للبيئة. ولكن الصين تتطور بسرعة، رغم كل الأزمات الاقتصادية التي تهددها، وتهدد المنظومة العالمية كلها بالتالي، وقد بدأت تنال نصيبها من نزع التصنيع والمنعطفات الأيكولوجية. اليوم يتوسع الاقتصاد الصيني عبر مشاريع «الحزام والطريق»، ليس فقط في الدول النامية في افريقيا وآسيا، بل يطرق أبواب أوروبا أيضاً، ما أثار نقمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. تستثمر الصين في مشاريع بنية تحتية هائلة، وتدفع الدول التي تستقبل استثماراتها، لرهن بعض أهم أصولها لضمان سداد القروض الصينية. من جانب آخر باتت الصين أحد أبرز المستثمرين والمنتجين في مجال «الطاقة النظيفة». معسكر الانضباط الكبير، إذن أصبح أكثر انفتاحاً وعدوانية في الآن نفسه، ولكن بكل الأحوال لا تستطيع المنظومة العالمية الاستغناء عنه، مهما تبرّمت من قمعيته.

ما بعد «الأخ الأكبر»

هذا التطور الصيني ترافق بتحسّن لا يمكن إنكاره في مستوى حياة الملايين، من الصحيح أن غالبية العمال الصينيين يعانون من ظروف عمل قاسية، وأن الحريات السياسية منعدمة إلى حد كبير، في حين تطور الحكومة آليات رقابة تذكّر بأدب الخيال العلمي ذي النزعة الديستوبية، ولكن في الوقت نفسه استطاعت سياسات الحزب الحاكم انتشال كثير من المواطنين من الفقر المدقع، وبناء طبقة وسطى قوية تتمتع بقدر معقول من الحريات الفردية، وبعد أن كان كثير من الصينيين لا يعرفون ما هو أكثر من قراهم التي ولدوا فيها، بات السياح الصينيون يملأون المدن السياحية حول العالم.

إلا أن الديمقراطية توفر الصيغة الأنسب لممارسة سياسية جذرية، يمكن من خلالها للفئات الاجتماعية المختلفة الدفاع عن مصالحها وتمثيل نفسها، والسعي لفرض هيمنتها السياسية، أو مواجهة الهيمنة السائدة.

لا يمكن مماثلة الأوضاع في الصين بما تخيّله جورج أورويل في روايته «1984»، التي يراقب فيها «الأخ الأكبر» الجميع في أدق التفاصيل، بل يمكن القول إن النظام يترك مساحات للحريات الاقتصادية والفردية، ما لم تتجاوز حداً معيناً، مثل الدعوة للانفصال وتحدي الأجهزة السيادية للدولة، كما في حالة «شينجيانغ»، أو انحراف الشركات الصينية عن المخططات الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى للحكومة والحزب، إنه نمط فريد من الانضباط، غير رأسمالي، ولكن لا يتعارض مع الرأسمالية أو يهددها.
من الصعب الحديث أصلاً عن نمط إنتاج رأسمالي صرف، فـ»النمط» هو تجريد ذهني بالدرجة الأولى، ولطالما تجاورت عبر التاريخ عدة أنماط إنتاج مختلفة في المنظومة الرأسمالية، سواء داخل الدول الرأسمالية المركزية، أو في علاقتها مع دول ومجتمعات الأطراف. الأجدى الحديث عن تشكيلة اجتماعية – اقتصادية صينية خاصة، تتجاور وتندمج فيها أنماط إنتاج عدة على الصعيد الاقتصادي، وأشكال مختلفة ومعقدة من التحكم السياسي والأيديولوجي. الصين ربما تعيش اليوم مرحلة ما بعد «الأخ الأكبر»، تتراكب فيها الرقابة المتطورة مع أشكال متعددة من السماح بالمبادرات الذاتية والمساحات الخاصة للفردانية. وإذا كان هنالك «خطر صيني» حقيقي، فهو يأتي على الأغلب من ميل عالمي لتوجه مماثل: إهدار الحريات الجماعية والسياسية، ومبدأ السيادة الشعبية، الضروري للديمقراطية، لحساب نوع من الإدارة البيروقراطية – التكنوقراطية، التي لا تتقبل بصدر رحب إلا الحريات الفردية في المساحات الخاصة.

مشكلة الديمقراطية

بالعودة لسلافوي جيجيك، فقد كتب مؤخراً مقالاً عن خسارة حزب العمال الانتخابات البريطانية، يعتبر فيه صيغة «سنجعل الناس يقررون»، التي رفعها الحزب بخصوص إعادة الاستفتاء حول «بريكست»، صيغة كارثية. لأن البشر بحسبه، يريدون من القادة أن يشيروا لهم للطريق الصحيح، لا أن يحمّلوهم مسؤولية تقرير الأمور المصيرية. عموماً تزداد الانتقادات للصيغ الديمقراطية، إما لحساب الدعوة لـ»حلول عالمية» على طريقة جيجيك، أو لتبيان تعارض الديمقراطية أحياناً مع أساسيات الليبرالية، وعلى رأسها حقوق الأقليات والأفراد.
التلازم بين الديمقراطية والليبرالية، الذي نشأ في سياق الثورات الاجتماعية في الغرب خصوصاً، ليس أمراً بديهياً، ويمكن مؤخراً رصد بوادر مواقف سياسية تصبح فيها الديمقراطية أمراً غير مرغوب به من منظور ليبرالي، ولعل «بريكست» هي المثال الأهم على ذلك، فالإرادة الشعبية قد تؤدي، برأي البعض، لحلول «غبية»، أو تفتح الباب للعنصرية والأنظمة الشعبوية.
إلا أن الديمقراطية توفر الصيغة الأنسب لممارسة سياسية جذرية، يمكن من خلالها للفئات الاجتماعية المختلفة الدفاع عن مصالحها وتمثيل نفسها، والسعي لفرض هيمنتها السياسية، أو مواجهة الهيمنة السائدة. وربما كان الدفاع عن الديمقراطية والسياسة هو الخيار الأمثل لمواجهة التحكّم النيوليبرالي، القائم على الإدارة التكنوقراطية، التي تنزع السياسة من المجتمع وتحتكرها لفئات محدودة. وكذلك لتجنب مصائر ديستوبية، مثل «الخطر الصيني»، الذي يترافق فيه التقدم البطيء للحريات الفردية مع زيادة القمع السياسي. مناصرة حريات الأفراد والأقليات عالمياً، على أهميتها، قد تكون قاصرةً إذا لم تتلازم مع المطالبة بحق العموم بالممارسة السياسية الديمقراطية. وقد يكون هذا التلازم أفضل صيغة اجتماعية- سياسية نعرفها في عصرنا.
٭ كاتب من سوريا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 12:42 pm

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني %D8%B1%D8%A7%D9%94%D9%8A-%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A7%D9%88%D9%8A-730x438


2020… خطوط الصراع في عقد العرب الجديد
 عمرو حمزاوي

 
في 2019 وبعد سنوات من الخمول، أعاد خروج المواطنين العرب إلى الشارع من جديد ظاهرة الانتفاضات الشعبية إلى الواجهة.
كانت النتائج الهزيلة التي حققتها انتفاضات 2011 قد دفعت تدريجاً باتجاه اندثار الحركات الاجتماعية والسياسية التي طالبت بالتغيير 

الديمقراطي ومساءلة الحكومات. وبحلول 2013، بدا أن الأكثريات في العالم العربي على استعداد للقبول بالصفقة السلطوية التي تعرضها 

عليها حكوماتها، أي الحصول على الغذاء والأمن مقابل الخضوع إلى حكّامٍ متفلّتين من المساءلة. ومنعاً لتكرار انتفاضات 2011، عمدت 

الحكومات العربية (ماعدا تونس) إلى إقرار قوانين جائرة تفرض قيوداً شديدة على حريات المواطنين، وأطلقت يد الأجهزة الأمنية على نطاق 

أوسع لإبقاء المجموعات المعارِضة والنشطاء المؤيّدين للديمقراطية تحت السيطرة. فضلاً عن ذلك، خصّصت الحكومات العربية المزيد 

والمزيد من الموارد الشحيحة لمناصري الأنظمة الذين يشغلون أعلى المناصب في البيروقراطيات الحكومية الفاسدة ولرجال الأعمال 

المحسوبين على تلك الأنظمة. كما استخدمت ترساناتها الإعلامية الضخمة لفرض عبادة الفرد المتمثّل بالحاكم ـ سواءً كان رئيس جمهورية أو 

ملكاً أو ولي عهد ـ وصُوِّر هؤلاء الحكّام وكأنهم المنقذون الوحيدون لدولهم.
غير أن 2019 شهد على نحوٍ غير متوقع مواجهة الحكومات العربية لتحدّيات شعبية تعترض تطلعاتها إلى فرض سلام أوتوقراطي. فقد 

خرج المواطنون إلى الشارع في بلدانٍ لم تكن جزءاً من انتفاضات 2011 وطالبوا بالتغيير السياسي. واندلعت الاحتجاجات في السودان 

والجزائر والعراق ولبنان بدفعٍ من المشقّات الاقتصادية والتقت شرائح واسعة من السكان في نظرتهم السلبية إلى التزام الحكومة بتحسين 

مستويات المعيشة ووضع حد للفساد.
يُشار إلى أن البلدان الأربعة المذكورة مدرَجة في قائمة الدول التي تعاني من فساد مستشرٍ حسب مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة 

الشفافية الدولية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها شبكة الباروميتر العربي في جامعة برنستون، أن التنمية الاقتصادية 

ومكافحة الفساد وتحسين نوعية الخدمات العامة هي المسائل الأكثر إلحاحاً في نظر أكثرية كبيرة من الأشخاص في هذه البلدان. هذا ما عبّر 

عنه79 في المئة من السودانيين، و81 في المئة من الجزائريين، و56 في المئة من العراقيين، و73 في المئة من اللبنانيين. لقد فقدت 

المؤسسات الحكومية ثقة المواطنين بها.

إن التنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد وتحسين نوعية الخدمات العامة هي المسائل الأكثر إلحاحاً في نظر أكثرية كبيرة من الأشخاص في 

هذه البلدان

لقد ركّزت مطالب التغيير السياسي في السودان والجزائر على إنهاء عهد الحكومات الخاضعة إلى سيطرة الجيش والتي انطبع حكمها 

بتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتفشّي الفساد على نطاق واسع جداً، وتردّي الخدمات العامة، وانتهاكات حقوق الإنسان. ورفعَ المطالِبون 

بالتغيير في العراق ولبنان شعار نبذ السياسة المذهبية. لقد وضعت الاحتجاجات الحاشدة في العراق ولبنان، التي يتصدّر الطلاب والنشطاء 

الشباب صفوفها، إسقاط النخب الطائفية في رأس أولوياتها. تحكم هذه النخب العراق منذ 2003، وتُهيمن على السياسة اللبنانية منذ عقود، 

ما أدّى إلى إفراغ الأطر الديمقراطية التمثيلية في البلدَين من أي جوهر ليبرالي.
لقد تسبّبت السياسة الطائفية بتقويض سيادة القانون على نحوٍ منهجي، وأفسحت في المجال أمام تفشّي الفساد، وأتاحت صعود الميليشيات 

المسلحة التي تتحرك خارج الأطر القانونية لتهديد المواطنين وقمع المعارضين بصورة مستمرة. اكتشف المواطنون في السودان والجزائر 

والعراق ولبنان أن الحكّام غير الخاضعين إلى المساءلة والسياسيين الطائفيين هم السبب الرئيسي وراء المشقات الاقتصادية والفساد. وقبل 

كل شيء، رفعت الاحتجاجات في أنحاء العالم العربي الصوت تعبيراً عن الاستنكار الجماعي للصفقة التي تقوم عليها الأنظمة السلطوية. 

فالأكثرية لم تعد تقبل بمقايضة الكرامة والحرية وحقوق الإنسان بالغذاء والأمن.
ليس واضحاً بعد إذا كانت احتجاجات 2019 سوف تؤدّي إلى إسقاط السلام العربي الأتوقراطي. فالحكّام المتفلتون من المساءلة 

والسياسيون الطائفيون ليسوا على استعداد للتخلي عن السلطة من دون مواجهة، ولا للرضوخ لمطالب المحتجين. فلطالما بُنيت سيطرتهم 

على الأجهزة الأمنية الهمجية، والبيروقراطيات الحكومية الفاسدة، ورجال الأعمال المحسوبين عليهم، ووسائل الإعلام الخاضعة إلى سيطرة 

الدولة، والشبكات الطائفية والزبائنية.
ومما لا شك فيه أنهم لن يتوانوا عن اللجوء إلى العنف المطلق والقمع الذي لا حدود له من أجل الحفاظ على المساومة التي تقوم عليها 

أنظمتهم السلطوية. ليس مؤكداً ما إذا كانت الأكثريات ستُظهر قدرة أكبر على الصمود في 2019 وتتجنّب السقوط في فخ العنف الذي 

تجرّها إليه الحكومات، من خلال التمسّك بسلمية الاحتجاجات. ولكن على ضوء نجاح السودانيين في فرض اتفاق على الجيش لتقاسم السلطة 

ديمقراطياً، واستمرار التظاهرات في الجزائر والاحتجاجات الحاشدة غير العنفية في العراق ولبنان ثمة ما يدعو إلى الأمل في 2020.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 12:42 pm

ويمرُّ العام 2019 والعالم العربي أكثر البقاع العالمية دموية واضطرابا والمحاصصات الطائفية في ذروتها.. 

لماذا؟

 د. عبد الحميد فجر سلوم
عقدان مضيا على بداية القرن الحادي والعشرين، والعالم العربي مازال يخضع لأكثر أشكال الحُكم تخلفا في التاريخ.. لم تتطور أنظمته قيد 

أنملة منذ أكثر من نصف قرن، بل لم تستفِد من كل ما طرأ على هذا العالم من تطورات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الأوروبية 

وتحطيم جدار برلين قبل أكثر من ثلاثين عاما.. وإنما على العكس فهي تسير إلى الوراء بخطى متسارعة، إذا ما استثنينا تونس.. أوْ كَما قال 

المرحوم نزار قباني ” الوراء يرجع إلى الوراء”..
وحتى في الدول التي حملوا فيها السلاح وخاضوا فيها الحروب، فهذه الحروب لم تكن غايتها وأهدافها تطوير أنظمة الحُكم والانتقال بها نحو 

الحداثة والتنوير والحضارة والرقي، وإنما لِنقلها أكثر نحو الوراء، ونحو مزيد من التخلف والجهل والبدائية.. ولذا كان الخيار بين أمرينُ، 

إما الحِفاظ على هذا المستوى من التخلف، أو الانحدار نحو مزيد من التخلف .. فلم يكُن هناك خيارا ثالثا .. ولذا من أين، وكيف ستنهض هذه 

الأمة، وكيف لن تبقى بُلدانها مسرحا ومرتعا لكل القوى الأجنبية!..
**
الروابط العربية عموما، انهارت لصالح الارتبطات بالدول الأجنبية، والروابط مع إسرائيل، واستقواء كل طرف بالأجنبي على الطرف الآخر 

المتخاصم أو المتحارب معه.. سواء داخل الدول، أو بين الدول.. إنه عودة زمن ملوك الطوائف بالأندلس وصراعاتهم وتحالفاتهم مع الغرباء 

ضد بعضهم بعضا..
لم يستطع العرب، ولا جامعتهم من حل مشكلة واحدة في دولة عربية، أو بين دولة عربية وأخرى..
كل الوسطاء لحل المشاكل تعيِّنهم الأمم المتحدة ويعملون بتفويض من الأمم المتحدة، وتحت إشرافها..
فإن كان المتحاربين، أو المتخاصمين، من أبناء الشعب الواحد، أو الأمة الواحدة، أعجز من أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم ويحتاجون للوسطاء 

الأمميين، فكم وصل مستوى الانهيار في هذه الأمة على يد طبقاتها الحاكمة!.
شعار : “كلُّن يعني كلُّن” ينطبق (تقريبا) على الجميع في الطبقات الحاكمة.. فقلّما نستثني من لا يحمل في تلابيب دماغه وجيناته، العقلية 

الجاهلية المتخلفة المعروفة بأبعادها العنفية والإقصائية والالغائية وشريعة الأقوى، وسحق الرأي الآخر، والعصبيات العائلية والعشائرية 

والقَبَلية، وثقافة السبي، واستباحة الأرزاق والأعراض حينما كانت تختلف قبيلة مع أخرى..
تلك العقلية الجاهلية تبرز حالا ونحن في القرن الحادي والعشرين لدى خلاف طرف مع آخر، داخل الدول، أو بين الدول، فكل شيء حينها 

مُستباح..
**
العقلية الجاهلية تترسّخ أكثر من طرف الطبقات الحاكمة ( أو الأنظمة) على بلدانها وشعوبها، اعتقادا منها أن هذا ما يحمي عروشها.. فهي 

لم تكتفي بالمحاصصات الدينية والطائفية والمذهبية والعشائرية والعُرقية والمناطقية واحتكار السُلطة والمال، بل انحدرت إلى تطبيق أسوأ 

النماذج حتى ضمن هذه المحاصصات، وهو أنموذج “الفئوية” التي لا يمكن اعتبارها إلا شكلا من أشكال العنصرية لأنها تقوم على التمييز 

البشع، والابتعاد الكامل عن المعايير الوطنية..
هذا الأمر معروف للجميع، وليس بسرٍّ.. وهذا ما جعل هذه الأنظمة تراوح مكانها بلا أدنى تقدم للأمام على صعيد الإصلاح السياسي وامتلاك 

الشعوب للقرار والإرادة، واحترام حقوقها الإنسانية، والتساوي بالمواطَنة وتكافؤ الفرص، وتطبيق القانون والعدالة، وحرية التعبير..الخ..
فالكل، تقريبا، يعتبرون شعوبهم ” رعايا” ليس لها حقوق إلا تلك التي يتفضلون عليها بها، ويعتبرون البلدان ممتلكات شخصية، وهم 

أحرار بالتصرف بها..
ورغم أن بعضها (كما دول الخليج العربي) تقدمت في مجالات الخدمات والعُمران والأسواق وتنظيم المُدن والبنية التحتية، وتعيش شعوبها في 

بحبوحة بفضل الثروات الباطنية المُستخرَجة التي أوجدها الله، وليس البشر، ولكن ما زال ينطبق عليها قول نزار قباني: (لبِسنا ثوب 

الحضارة والروح جاهلية..) ..
نظام “الفئوية”  الآنف الذكر، هو خلاصة، أو عُصارة أوساخ الطائفية الدينية والطائفية السياسية والعقلية التمييزية،  بآنٍ معا .. وهذا ما 

دفع بالشعوب للانفجار بالشوارع مؤخرا، لاسيما في السودان والجزائر والعراق ولبنان..
نظام المحاصصات في الحُكم منصوص عليه رسميا في الدستور اللبناني، ولكن في دستور العراق غير منصوص عليه، إلا أنه بات عُرفا 

معمولا به، ويجب أن يكون رئيس الجمهورية كرديا ورئيس البرلمان سُنّيا ورئيس الوزراء شيعيا..
دستور العراق دستورا جيدا ولا ذِكرا به  للطائفية والمحاصصات، ولكن الطبقة السياسية (الفئوية) دعست على الدستور وتوزّعت بين 

بعضها المناصب على أسس مذهبية وعُرقية ( ومن يعتقد غير ذلك فأنصحه بقراءة الدستور، إنه جيد)..
وحتى لا يقول أحدٌ ( وكما قال لي سفيرٌ لبناني ذات يوم)، وهل بلادك هي استثناء من المحاصصات والفئوية، فلماذا لا تنتقدها كي تتحلى 

بالموضوعية؟. لهؤلاء أقول: في بلادي لا يوجد أي إشارة لنظام المحاصصات في الدستور، ولكن للأسف الشديد، فهذا ملحوظ في كل 

التعيينات بالمناصب، الحكومية، والحزبية، وحتى في البرلمان، والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية، فكل تلك التعيينات تقوم على قاعدة 

الانتماءات الجغرافية والدينية والمذهبية والعشائرية، بل وأحيانا العائلية.. وهذا يعني مُحاصصات غير مكتوبة نظريا في الدستور ولكنها 

مقروءة في الواقع العملي.. ومن حقنا، بل من واجبنا، أن نشير إلى هذا الواقع بهدف إصلاحه وتغييره نحو الأفضل، ويصبح الأساس المعايير 

الوطنية، وليس سواها..
فليس مقبولا أن تجد شخصا في منصب سياسي من 20 سنة أو 14 سنة ، ولا حتى من خمس سنوات.. أو سفيرا على مدى20 سنة، أو 

17 سنة أو 16 سنة، أو حتى عشر سنوات أو سبعة.. أو شخصا يتنقل من منصب لآخر على مدى أربعين عاما..
هذه كلها ظواهر فئوية، قد ترى منها في بعض الدول المَلكية الشمولية المعروفة بإقطاعها السياسي(كما السعودية وشقيقاتها) حيث البعض 

خُلِقوا ليكونوا فقط في المناصب.. ولكن هذا المرض تفشّى وبات في كل مكان، تقريبا، من خُلِقوا فقط للمناصب، بغض النظر عن مؤهلاتهم 

واختصاصاتهم..
**
أنظمة المُحاصصات هي بحد ذاتها مُصيبة في أية دولة، ولكن حينما تنحدر هذه المحاصصات إلى مستوى ” الفئوية” فإنها تصبح كارثة 

ومصيبة في آنٍ معا، على أية دولة ووطن..
“الفئوية” اسم منسوب إلى “فئة”، وهذه تعني، بالنسبة لي، فئة بعينها ضمن المجتمع أو الدولة أو الطائفة أو المذهب أو العِرق أو 

العشيرة، أو الحزب.. الخ.. تحتكر تمثيل هذه المكونات..
أي نحن أمام حالات لا تكتفي هنا بالمحاصصات وإنما بهيمنة وسيطرة فئات بعينها على تلك المحاصصات.. دون أدنى اعتبار لدور النُخَب 

الثقافية والعلمية والفكرية بالمجتمع، وتغييب دورها، وانتقاء المدعومون والمزاودون من بينها..
فأنظمة المحاصصات لا تقوم على اختيار الأكفأ والأحق والأقدر.. وإنما على المصالح الأنانية والضيقة وتقاسُم المكاسب، وعلى الأكثر قوة 

وتأثيرا ونفوذا داخل الطوائف والعشائر، أو الأكثر دعما والتماسا لدى أجهزة الدول العميقة، وأحيانا الأكثر زعرنة وبلطجة، بِحسب الحالة 

في كل بلد.. (زعامات الحرب الأهلية في لبنان كانوا وما زالوا هم أنفسهم) ..
 أيْ يمكن القول أن ” الفئوية” هي أبشع أشكال الإقطاع السياسي في أي بلدٍ كان..هي عقلية عصور وسطى.. هي عصارة داء ووباء 

الطائفية السياسية والطائفية الدينية والعصبيات القبَلية والعشائرية.. مجتمعة بجهات بعينها..
 وهذا للأسف سائد في غالبية الدول العربية، إن لم يكُن جميعها.. وأسوأ نماذج الفئوية هي تلك المعمول بها في مشرق الوطن العربي، سواء 

في دول الخليج العربي أو لبنان والعراق..
ففي دول الخليج العربي تقوم أنظمة الحُكم على المحاصصات القبَلية والعشائرية والعائلية، ولكن حتى ضمن العائلات والقبائل والعشائر هناك 

فئات هي من تحتكر تمثيلها دوما (الوجُوه) .. ولذا نجد ذات الفئات في كل عائلة وعشيرة وقبيلة هي الموجودة دوما على المسرح السياسي 

منذ استقلال تلك الدول وحتى اليوم..
هذا ينطبق أيضا على العراق، فمنذ صياغة الدستور العراقي عام 2005 وحتى اليوم، هناك فئات داخل الأحزاب السياسية، سواء منها 

الأحزاب الطائفية الشيعية، أو الأحزاب الطائفية السُنية، كل هذه الأحزاب تتحكم بها ذات الوجوه منذ تأسيسها بعد الاحتلال الأمريكي 

للعراق..
وهذا ينطبق على الأحزاب الكُردية، كما الحزب الديمقراطي الكردستاني، لآل البرازاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لآل الطالباني) 

..
النسخة الأخرى من ذات الصورة نجدها في لبنان.. فمنذ الاستقلال وحتى اليوم هناك ذات الأحزاب الطائفية التي تتحكم بها ذات العائلات 

الفئوية، ويتوارثون زعامتها.. وهناك استثناء، وهو الحزب السوري القومي الاجتماعي فهذا تتغير قياداته باستمرار بالانتخابات بداخله، وهو 

حزب عَلماني..
ولكن حتى الأحزاب الشيعية تهيمن عليها ذات الوجوه منذ عقود من الزمن..
أي بات تمثيل الطوائف والأحزاب مُلكا حصريا، لأطراف أو عائلات بعينها، داخل الطوائف والأحزاب ذاتها (وهذه فئوية) ..
الثقافة الفئوية تعني تفصيل وطن ودولة وحكومات وأنظمة على مقاسات وأهداف المصالح الضيقة والفئوية لجماعات وفئات بعينها داخل 

الأوطان.. ومن هنا يأتي لاحقا احتكار السُلطة، والثروة، والمناصب.. وكل
هذا يُرسِّخ من ثقافة قُدسية ( الأفراد) ، ويخلق حالة من الفساد والإفساد وتوزيع ثروات الوطن ومناصبه بين تلك الأقطاب الفئوية، ويَحول 

دون المُحاسبَة.. وكل هذه العوامل لها انعكاسات خطيرة مع الزمن لا بُدّ أن تدفع بالجماهير للشوارع، لأنه لا بُدّ أخيرا من أن يفيض الكيل 

وينفذ الصبر على الفساد والفاسدين والفئويين، لاسيما حينما ينتشر الفقر والجوع والحرمان والبطالة والغلاء بقوة، وتتشكّل في المجتمع طبقة 

أسياد وطبقة عبيد وكأننا في العصور الوسطى من التاريخ..
**
هناك من يعتقدون أن المحاصصات الطائفية والمذهبية والعرقية والعشائرية، هي الحل لمشاكل بلدانهم، ولكن الحقيقة أن هذه المحاصصات 

هي المشكلة والمصيبة، لأنها حالة غير وطنية، وتُرسِّخ الانقسامات داخل المجتمعات وتتسبب بتفسخها وتفتتها، وبالفوضى الاجتماعية، وكلٍّ 

يشعر بداخلهِ أنه مُختلِفا عن الآخر وبعيدا عنه، وأحيانا تقود إلى العُنف الطائفي، كما الحالة في مصر، وكما حصل في لبنان بالحرب الأهلية، 

وكما حصل في السودان قبل التقسيم.. وتؤدي للاستخفاف بكل القيم الإنسانية .. الخ.. وكل هذا لا يمكن أن يكون إلا على حساب الوطن 

والوحدة الوطنية..
ولذا في مصر شكّلوا لجنة عليا لمواجهة المشكلة الطائفية والاحتقان الطائفي..
وفي هذا السياق علينا التوضيح، أنه ليست المشكلة بوجودِ تعدديةِ طوائف ومذاهب وأديان وأعراق وقبائل وعشائر، في أي مجتمع.. فهذه 

ظواهر اجتماعية قائمة عبر التاريخ وقد تكون موجودة في كل المجتمعات، ويجب احترامها، ولكن المُشكلة في انتقال هذه الحالة التعددية في 

المجتمعات إلى حالات طائفية وعشائرية وفئوية وعنصرية تقوم على التمييز والتميُّز واعتقاد البعض أن ما يليق بهم لا يليق بغيرهم، أو على 

الكراهية ونبذ الآخر أو التقليل من شأنه، وعلى العصبيات أو التعصُّب للطائفة أو المذهب أو العشيرة، أو التمترس خلف ذلك.. فالتعصُّب 

يعني نظرة كل طرف لنفسه أنه هو الصح وغيره الخطأ.. والتعصب هو موقف عدائي من الآخر( أحيانا يصل لدرجة الحروب والاقتتال أو 

التكفير) .. أي بتبسيط أكثر ليست المشكلة بالطائفة، وإنما بالطائفية.. وليست بالعشيرة وإنما بالعشائرية.. وليست بالمذهب وإنما بالعصبية 

المذهبية، وليست في الدين وإنما بالتعصب الديني .. الخ..
ومن البديهي أنه كلما زاد التعصُّب الديني والمذهبي والعشائري والعرقي في أي مجتمع كلما زاد المجتمع تفككا وتشرذما وضعفا، وكلما 

ضعُف بالمقابل شعور الانتماء للوطن لِحساب الانتماء للأديان والطوائف والمذاهب والأعراق، أو سواها..
 وحينما تصبح مصالح الطوائف متناقضة، وكلٍّ يرى مصلحته في الولاء لهذه الدولة أو تلك، وتمدُّ أياديها للخارج،  لأجل الدّعم  والاستقواء 

على بعضها بعضا، فحينها تتحول الأوطان إلى براميل بارود قابلة للاشتعال بأية لحظة..
كل ما تقدم عن طبيعة الأنظمة العربية القائمة على المحاصصات، يجعلها متشابهة من حيث المضمون، وإن اختلفت من حيث الشكل، أي في 

التسميات، ممالك أم جمهوريات أم إمارات.. الخ..
**
صورة العالم العربي بشِعة جدا في هذا الزمن الذي نعيشه.. إنه وحده خِلافا لكل دول العالم، ما زال يعيش أشكال حُكمٍ أشبه بأشكال الحُكم 

في العصور الوسطى في أوروبا، حينما سادت أنظمة أوليغارشية، إقطاعية وأرستقراطية ثرية وكانت تحتكر الحُكم وثروات الأوطان وتعيش 

التّرف والإسراف، وتتعامل مع بقية الشعب كتابعٍ يخضع لأُمرة الأسياد، ولم يكن هناك أدنى اعتبار للشعوب ولا لإرادتها ولا لمعيشتها 

ومعاناتها.. وهذا ما أدّى أخيرا لقيام الثورة الفرنسية الأبرز في التاريخ، حيث كانت أوّلا ثورة فقراء وجياع ومحرومين، وثانيا ثورة لأجل 

الحرية والكرامة والتخلُّص من الاستبداد، متأثرةً بأفكار روّاد الحركة الفكرية آنذاك، كما: مونتسكيو ، وفولتير، وجان جاك روسو ..
ولكن على الرغم من كل ذلك، فليس أمام الشعوب العربية سوى ترديد قول الراحل سعد الله ونوس: سنبقى محكومون بالأمل.. وقول الراحل 

محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. وقول أبو إسماعيل الطغراني: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل..
فهل سيكون العام 2020 بأفضل؟؟!!.. استطلاع مؤسسة ” غالوب” الدولية أجاب على هذا السؤال في الاستطلاع الذي يجريه في 

نهاية كل عام عن مقياس السعادة.. وفي استطلاع نهاية 2019 احتلت الأردن ولبنان والعراق وسورية، أدنى النقاط عالميا.. ولكن سنبقى 

نعلل النفس بالآمال ونعِدها بتحقيق ما لم يتحقق..
كاتب سوري ووزير مفوض دبلوماسي سابق..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 12:43 pm

إدلب وما بعدها.. بين التوازنات الإقليمية والدولية

الدكتور حسن مرهج
قلائل الذين يعرفون بأن معركة إدلب أُفتتحت بصواريخ كاليبر الروسية، التي أطلقتها البوارج الروسية من مياه المتوسط، الأمر الذي يحمل 

رسائل استراتيجية بالمقاييس كافة، حيث أن الضغط الذي تُمارسه قوى العدوان على سوريا، بُغية منع تحرير إدلب، يدرك بأن روسيا قد 

وجهت رسائل صاروخية، ليس لمعاقل الإرهابيين فحسب، بل أن صوت تفجير هذه الصواريخ قد اصمّ أذان ترامب وأردوغان على السواء، 

خاصة أن واشنطن وأنقرة تسعيان إلى إحداث تغييرات ديمغرافية في شمال شرق سوريا، إضافة إلى تنظيف صفحة جبهة النصرة الإرهابية، 

إيذاناً بدخولها إلى طاولة المفاوضات السياسية، التي ستُنتج الحل النهائي في سوريا. لكن دمشق وحلفاؤها وإن كانوا قد افسحوا المجال 

للحلول السياسية، إلا أن وقائع الأمور وتطوراتها، تفترض تحركاً ثلاثياً يطوى ورقة إدلب، ويسحب أي تأثير سياسي لهذه الورقة من 

التداول، فـ روسيا أكدت مراراً على أن بؤرة الإرهاب في إدلب ينبغي أن تنتهي، وكذلك دمشق التي تركت باب المصالحات موارباً، إلا أن 

إصرار تركيا – أردوغان على المماطلة والتسويف، قد أعلن ساعة الصفر لتحرير إدلب.
بخطى متسارعة تقدم الجيش السوري في محافظة إدلب، وبغطاء جوي سوري روسي، ما يعني عسكرياً بأن الدولة السورية تُطبق اتفاق 

سوتشي بالحديد والنار، خصوصاً أن تركيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاق المبرم في مدينة سوتشي الروسية، الذي يشمل عدد من النقاط كان 

أهمها تأمين طريق حلب – دمشق الدولي الذي يمر بمحاذاة عدد من المدن والبلدات السورية، منها خان شيخون ومعرة النعمان وخان 

العسل. فضلاً عن أن القذائف الصاروخية التي يطلقها الإرهابيون على المدنيين الأبرياء، لم تزل تنهمر على الأحياء الغربية من مدينة حلب، 

في خرق واضح للاتفاقيات المبرمة التي تُلزم الفصائل المسلحة بالابتعاد عن المناطق المحاذية لحلب، وسحب الأسلحة الثقيلة منها ضمن 

منطقة محددة تكون منزوعة السلاح.
الجولة الجديدة من معركة إدلب، تبدو أن تختلف عن سابقاتها، فالتوقيت السياسي يشي بأن استمرار كافة الأطراف الإقليمية والدولية تحاول 

الاستثمار في ملف إدلب، من أجل قطع الطرق على الدولة السورية لمنع التوصل إلى حل سياسي، وفي جانب أخر أكدته الكثير من المصادر 

الخاصة، بأن تركيا كانت تعد العدة لإطلاق هجوم كبير، بُغية استعادة المواقع التي حررها الجيش السوري في الفترة السابقة، لا سيما مدينة 

خان شيخون الإستراتيجية، كما أن تركيا وبحسب المصادر، ترغب في التأسيس لجناح اخواني في مستقبل سوريا، خاصة أن الخواتيم 

السياسية والعسكرية، قد رُسمت بتوقيت دمشق، ما يعني بأن أردوغان سيفقد ورقته الرابحة في إدلب، من هنا كانت تركيا تحاول بعثرة 

أوراق الانتصار السوري، وإعادة الوقائع والمعطيات التي هندستها الدولة السورية إلى المربع الأول، لتأتي العملية العسكرية السورية مُعلنةً 

البدء بالقضاء على مشروع أردوغان الإرهابي في سوريا.
أما في التوقيت العسكري، فمن الواضح أن انتشار الجيش السوري في شمال شرق سوريا، بعد تفاهمات سورية كردية وروسية تركية، 

أعطى زخماً بإطار عسكري، لتُترجم المجنزرات السورية أقوى أبجديات السياسية. فالأرض سورية، وكذا السيادة سورية، وبالتالي فإن أي 

مراهنات إقليمية أو دولية، لا تعدو عن كونها تصريحات سياسية يُراد بها رفع سقف المطالب، خاصة أن الرئيس الأسد قد أعلن مراراً بأن 

تحرير إدلب سيتم إما سلماً أو حرباً، وهذا ما يُترجمه الجيش السوري واقعاً على الأرض.
في النتيجة، يبدو واضحاً أن محاولات تركيا وأمريكا لجهة رسم توازنات جديدة في شمال شرق سوريا، قد باءت بالفشل، فالتعويل على قدرة 

محور أعداء سوريا، على اللعب بورقة إدلب، يبدو أنه بعيد عن الواقع، فالاستحقاقات السورية في ملفي إدلب وشرق الفرات، لا يُمكن 

المساومة عليهما، وبصرف النظر عن أي تفاهم سياسي، أو اتفاق روسي تركي حيال مشهد شمال شرق سوريا، فكل المعطيات تشي صراحة 

أن الدولة السورية وجيشها قد وضعوا النهايات السياسية، ولكن مع الابقاء على الخيار العسكري ضد واشنطن وأنقرة وأدواتهما في سوريا، 

موضع التنفيذ الدائم. وكما كان الجيش السوري عراب التفاهمات السياسية في عموم الجغرافية السورية، ستكون إدلب في عهدة الجيش 

السوري عبر تفاهم سياسي أو خيار عسكري بدأت بشائره.
كاتب فلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69962
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني   مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Emptyالثلاثاء 31 ديسمبر 2019, 12:44 pm

مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني Hawthy-bin-salman-bin-zaied





لماذا يُهدّد الحوثيون وحُلفاؤهم فجأةً باستِئناف الهجمات على السعوديّة والإمارات؟ وما هي الأهداف “الحيويّة” و”الحسّاسة” التّسعة 

التي يستعدّون لضَربِها في البَلدين؟ وهل يشهد العام الجديد تصعيدًا على كُل الجبَهات.. وما هي الأسباب الحقيقيّة؟

تهديد العميد يحيى سريع، المُتحدّث العسكريّ باسم قوّات حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها، بتوسيع رُقعة أهدافها العسكريّة ليشمَل 

مراكز حيويّة، وحسّاسة، على طُول وعَرض جُغرافيا دول العُدوان، من ضِمنها ستّة أهداف بالغة الأهميّة في السعوديّة وثلاثة أُخرى في 

الإمارات، هذا التّهديد يعني للوهلةِ الأولى أنّ المُفاوضات السريّة التي بدأت في أيلول (سبتمبر)  الماضي ربّما وصلت إلى طريقٍ مسدود، 

وأنّ التوتّر عاد إلى المُربّع الأوّل.
مِن الطّبيعي أن لا يُفصِح العميد سريع عن هذهِ الأهداف، وكيفيّة ضربها في البَلدين المذكورين، لأنّ هذا الأمر مِن الأسرار العسكريّة، ولكن 

ما يُمكِن استنتاجه بالقِياس إلى الهجَمات العسكريّة السّابقة لحركة “أنصار الله” وقوّاتها مِن المُتوقّع أن تكون مطارات ومُنشآت نفطيّة.
الهجَمات الثّلاث التي شنّتها الحركة على مُنشآت أرامكو السعوديّة وبدأت بضربِ مضخّات خط أنابيب شرق غرب قُرب الرياض، ثم مصافي 

النّفط في حقل الشيبة في الرّبع الخالي، وأخيرًا المُنشآت النفطيّة الأكثر أهميّةً لشركة أرامكو في بقيق وخريس، ومعامل التّكرير والفصل، 

هذه الهجمات غيّرت موازين القِوى في حرب اليمن، وكشفت ضُعف الإجراءات الأمنيّة الحمائيّة السعوديّة.
استِخدام 25 صاروخ كروز مُجنّح وطائرة مُسيّرة مُجنّحة لضرب مُنشآت أرامكو في بقيق وخريس كان الحدث الأخطر في عام 2019، 

لأنّ الهُجوم دفع السعوديّة إلى الحديث بشكلٍ مُباشرٍ إلى حركة “أنصار الله” الحوثيّة والاعتراف بها كقُوّةٍ شرعيّةٍ على أرض اليمن لا 

يُمكن التوصّل إلى اتّفاقٍ بُدونها، فهذا الهُجوم أدّى إلى فُقدان الثّقة ببطّاريّات صواريخ “باتريوت” والرّادارات الأمريكيّة التّابعة لها، وهي 

المَعدّات التي كلّفت عشَرات المِليارات من الدّولارات.
لا نعرف أين ستكون الضّربة القادمة في حال إعطاء الضّوء الأخضر لها، فالقيادة الحوثيّة عوّدتنا وغيرنا على المُفاجآت، ومن غير المُستَبعد 

أن تكون القادمة أخطر من الهُجوم على عصَب الصّناعة النفطيّة في بقيق، وهي الضّربة التي خفّضت إنتاج النّفط السعوديّ إلى النّصف.
والشّيء نفسه يُمكن قوله أيضًا عن الأهداف الإماراتيّة الثّلاثة، عُنصر المُفاجأة هُنا ربّما يكون أكبر، لسببٍ بسيط وهو أنّ الحوثيين لم 

يستَهدِفوا العُمق الإماراتيّ، ومُنشآته الحيويّة بأيّ هُجومٍ في السّابق، ومن غير المُستبعد أن تكون مصافي النّفط، وربّما محطّات الماء 

والكهرباء والمطارات من بين الأهداف.
السّؤال الذي يطرح نفسه هو عن أسباب إطلاق هذه التّهديدات، وتحديد الأهداف المُدرجة على قائمة الهُجوم في هذا الوقت بالذّات؟ هل طفَح 

كيْل الحوثيين من “مُناورات” قُطبيّ التّحالف في حرب اليمن؟ وهل تقدّم الحوثيون بطلباتٍ أثناء المُفاوضات السريّة رفضتها السعوديّة 

والإمارات، أم أنّ هُناك خطّة لمحور المُقاومة الإيراني اللّبناني العِراقي السوري بتسخين جميع الجبَهات مع مقدَم العام الجديد؟
لا نملك إجابات، ولكن ما يُمكن قوله إنّ هذه التّهديدات يجب أن تُؤخَذ بكُل جديّة، لأنّ حركة “أنصار الله” باتت أكثر تسليحًا، وإذا قالت 

فعلت.. واللُه أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مراجعة عام 2019: عام الربيع العربي والخريف الفلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الربيع العربي: حلم أم كابوس؟
» قوة مشتركة لمحاربة الربيع العربي
»  المؤسسة العسكرية وثورات «الربيع العربي»
» انحرافات «الربيع» إذ تضرب العالم العربي والأميركي والإسرائيلي
» الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ :: حركات وأحزاب-
انتقل الى: