من ديان حتى ترامب… اكتمال انزياح ”اليمين“ الإسرائيلي نحو ”اليسار“ في منظومة الاستعمار الاستيطاني
الإسرائيلي …
أ. أشرف بدر
ورقة علمية تناقش انزياح اليمين الإسرائيلي نحو اليسار في مسار التسوية
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان “من ديان حتى ترامب… اكتمال انزياح “
اليمين” الإسرائيلي نحو “اليسار” في منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي” للباحث الفلسطيني أشرف بدر.
وقد جادلت الورقة بأنّ “اليمين” الإسرائيلي هو الذي غيَّر مواقفه باتجاه اليسار فيما يتعلق بمسار التسوية
السلمية. وتتبعت الورقة التطورات التي طرأت على التوجهات اليمينية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة سنة 1967،
وقارنتها بالتوجهات اليسارية، من خلال استعراض موقف كلا الطرفين من التسوية السلمية والاستيطان قبل
اتفاقية أوسلو وبعدها وكيفية حلّ الصراع.
وركّزت الورقة على مواقف حزب العمل وسلفه مباي كنموذج يمثل التيار السائد في “اليسار” الإسرائيلي،
ومواقف الليكود وسلفه حيروت كنموذج يمثل التيار السائد في “اليمين” الإسرائيلي.
وأجابت الورقة على عدة تساؤلات مطروحة حول عملية التسوية السلمية وقيام دولة فلسطينية مستقلة على
حدود 1967 ضمن نموذج “حل الدولتين”، والفرق الجوهري بين “اليمين” و”اليسار” فيما يتعلق بمستقبل
المناطق المستعمرة سنة 1967، من خلال تحليل ودراسة الوثائق والنصوص المتعلقة بالموضوع، وتحليل
المصادر الأولية من وثائق أرشيفية تمّ الكشف عنها مؤخراً، تتعلق بمحاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية وجلسات
لجنة المدراء، بالإضافة إلى محاضر جلسات للكنيست، وبالاستعانة بدراسات أرشيفية تتعلق بجلسات لجنة
الاستيطان، علاوة على تحليل خطة “صفقة القرن”. ومع تحفّظ الكاتب على استخدامه مصطلحات “اليمين” أو “
اليسار”، لأنها جميعها نشأت في سياق الحركة الصهيونية الاستعمارية ذات الصبغة العنصرية، لكنه في هذه
الورقة استخدمها بمعناها السياسي الدارج في وسائل الإعلام.
وناقشت الورقة الانزياح الذي حصل في المجتمع الإسرائيلي نحو انتخاب أحزاب “اليمين”، والذي لا يعني
بالضرورة تغليب البرنامج السياسي اليميني. فانتخاب الإسرائيليين لليمين متأثر بعوامل اقتصادية وأمنية بالإضافة
إلى العوامل السياسية. وعلى العكس تماماً، فقد تطورت المواقف اليمينية على مدى عقود استعمار مناطق 67،
باتجاه تبني بعض التوجهات اليسارية فيما يتعلق بمسار التسوية.
كما تناولت الورقة رؤية ترامب للسلام من خلال “صفقة القرن”، وتوصَّل الكاتب إلى أن ما هو مطروح في خطة
ترامب هو عبارة عن تقنين للواقع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي أسس له حزب العمل، بواسطة خطة “
العمود المزدوج”، وتكريس للواقع السياسي والأمني الحالي الذي تعيشه السلطة الفلسطينية، من فقدان للسيادة،
وتبعية لـ”إسرائيل”، وأن الدولة الفلسطينية الموعود بها ليست أكثر من حكم ذاتي. ورأى الكاتب أن هنالك توافقاً
بين “اليمين” و”اليسار” على قبول رؤية ترامب لـ”السلام”، والمبنية على أساس رؤية رابين للدولة الفلسطينية.
يثار سؤال “اليمين” و”اليسار” مع اقتراب عقد أي انتخابات داخل الكيان الصهيوني. يدّعي البعض؛ ومن بينهم
جرشون شافير Gershon Shafir، بأنّ “اليمين” الإسرائيلي، وفي مقدمته حزب الليكود Likud وأداته
الاستيطانية حركة غوش أمونيم Gush Emunim، عمل على استبدال الصهيونية العلمانية وصيغة “الأرض
مقابل السلام” بالشرعية الدينية. فوقف ضدّ عملية أوسلو Oslo Accords، مما تسبب في إعاقة عملية
التفاوض والتوصل لتسوية سلمية.[2] فما مدى دقة هذا الادعاء؟ وهل وجدت عملية سلمية كانت ستؤدي لتسوية
وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ضمن نموذج “حل الدولتين”، وحال صعود “اليمين” الانتخابي
دون تحقق ذلك؟ وهل يوجد فرق جوهري بين “اليمين” و”اليسار” فيما يتعلق بمستقبل المناطق المستعمرة سنة
1967؟ هذه الأسئلة وغيرها ستحاول هذه الورقة الإجابة عليها من خلال تحليل ودراسة الوثائق والنصوص
المتعلقة بالموضوع، بواسطة تحليل المصادر الأولية من وثائق أرشيفية تمّ الكشف عنها مؤخراً، تتعلق بمحاضر
جلسات الحكومة الإسرائيلية وجلسات لجنة المدراء، بالإضافة إلى محاضر جلسات للكنيست Knesset،
وبالاستعانة بدراسات أرشيفية تتعلق بجلسات لجنة الاستيطان، مثل كتاب يحيئيل أدموني Yehiel Admoni مدير
قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية Jewish Agency for Israel، علاوة على تحليل خطة “صفقة القرن”.
ومن ثم سيتم تتبع التطورات التي طرأت على التوجهات اليمينية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة سنة 1967،
ومقارنتها بتوجهات “اليسار” الإسرائيلي، من خلال استعراض موقف كلا الطرفين من الاستيطان وكيفية حلّ
الصراع. مع إدراكنا صعوبة تصنيف الأحزاب الإسرائيلية تحت مظلة “اليمين” أو “اليسار”، فجميعها نشأت في
سياق الحركة الصهيونية الاستعمارية ذات الصبغة العنصرية، لكننا في هذه الورقة سنستخدم مصطلح “اليمين”
و”اليسار” بمعناه السياسي الدارج في وسائل الإعلام، مع التحفظ على استخدامه. وسنلجأ للتركيز على مواقف
حزب العمل Labor Party وسلفه مباي Mapai كنموذج يمثل التيار السائد في “اليسار” الإسرائيلي، والليكود
وسلفه حيروت Herut كنموذج يمثل التيار السائد في “اليمين” الإسرائيلي.
تجادل هذه الورقة بأنّ الانزياح الذي حصل في المجتمع الإسرائيلي نحو انتخاب أحزاب “اليمين”، لا يعني
بالضرورة تغليب البرنامج السياسي اليميني، الرافض لأي تسوية سلمية على أساس نموذج حلّ الدولتين. فانتخاب
الإسرائيليين لليمين متأثر بعوامل اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى وليس سياسية.[3] وعلى العكس تماماً، فقد
تطورت المواقف اليمينية على مدى عقود استعمار مناطق 67، باتجاه تبني التوجهات اليسارية. ولإثبات ذلك
قسَّمت الورقة إلى عدة أقسام، بعد المدخل التمهيدي يتم استعراض موقف حكومة “الوحدة الوطنية” الإسرائيلية
من مستقبل الأراضي المحتلة سنة 1967. ومن بعدها الانتقال إلى تحليل الموقف اليساري واليميني من مستقبل
الأراضي المحتلة سنة 1967 والاستيطان فيها، قبل انطلاق عملية أوسلو وبعدها. ومن ثم عقد مقارنة مع رؤية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump لـ”السلام”، والتي اصطلح عليها بـ”صفقة القرن”،
وأخيراً… الموقف الحالي لمعسكرَي “اليسار” و”اليمين” من مستقبل المناطق المحتلة سنة 1967.
مدخل:
يعود تقسيم التيارات السياسية إلى يمين ويسار إلى سنة 1789، التي انتصرت فيها الثورة الفرنسية.[4] أنتج ما
عرف بـ”مجلس المؤسسين” (البرلمان)، الحاضنة لمفهوم “اليسار” و”اليمين”؛ فكان أنصار الإصلاح يجلسون
على يسار رئيس المجلس، بينما أنصار الملكية الفرنسية السابقة على يمينه. والحياديين المستقلين يجلسون في
الوسط، والذين كانوا ينقسمون الى الوسط اليساري والوسط اليميني، يمين الوسط كانوا من أنصار فكر “
مونتيسكو Montesquieu”، الذين ينادون بحكومة دستورية شبيهه ببريطانيا، ويكون لها مجلس أعيان
ومجلس شيوخ. أما يسار الوسط فكان أقرب لليسار الذي رفض فكرة مجلسي الأعيان والشيوخ، لأنها تنبع من
أصل عدم المساواة الوطنية.[5] لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار:
أنّ اليسار واليمين ليسا من المصطلحات المطلقة، إن اليسار واليمين يعكسان الموقع والموقف الذي تتخذه الجماعة
السياسية في مرحلة من المراحل. ومن المحتمل أن تبادر تلك الجماعة نفسها إلى تغيير موقفها في فترة ومرحلة
زمنية أخرى. وعليه يكون مفهوم اليسار واليمين مفهوماً نسبياً، بيد أنّ هذه النسبية لا تعني أنها أموراً جوفاء لا
تأثير لها، إن اليسار واليمين لا يقدمان مجموعتين من النظريات الثابتة، بل هما طيفان أو محوران ينتقلان من جيل
إلى جيل آخر.[6]
يجادل يحيعام ويتز Yechiam Weitz بأنّ بداية تشكل تكتلين لـ”اليمين” و”اليسار” في “إسرائيل” بدأ في سنة
1965، ولم ينشأ مع بداية الإعلان عن قيام “إسرائيل” سنة 1948. مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ أول تغيير
سياسي مهم حدث بعد انقسام مابام[7] سنة 1954، هو إنشاء “الحزب الليبرالي” في 25/1/1961 من خلال
توحيد الحزبين المركزيين – الصهاينة العامين (تسيونيم كلليم The General Zionists—Tzionim
Klaliym) والحزب التقدمي (هامفلجاة هبروجروسفيت Progressive Party—Miflaga
HaProgresivit). وكان تأسيسه خطوة أولى نحو توحيد القوى السياسية لمعسكر يمين الوسط.[8] كان
الحزبين اللذين شكلا الحزب الليبرالي قد حصلا مجتمعين على 14 مقعد في الكنيست المنتهية ولايته، وهي ثالث
أكبر كتلة في الكنيست، بعد مباي[9] وحركة حيروت.[10] في الكنيست الجديد التي أجريت انتخاباته في
15/8/1961 حصل الحزب الليبرالي على 17 مقعد. كان السؤال المركزي للحزب هو الانضمام إلى الحكومة
الجديدة. طمح قادة الحزب إلى ذلك، بينما كان هناك صراع على رأس حزب مباي حول هذه المسألة، فقد أيَّد قدامى
حزب مباي، بقيادة ليفي أشكول Levi Eshkol الذي شكَّل الحكومة؛ انضمام “الوحدة العمالية” (أحودات
هعفوداه Labour Unity—Ahdut HaAvoda) إلى الحكومة الجديدة، وعارضوا إضافة الليبراليين؛ وذلك
بدافع إنهاء الصدع الذي حدث سنة 1944 وانشقاقه عن مباي، وربما بسبب الذكريات السلبية عن مشاركة “
الصهاينة العامين” أحد مكونات الحزب الليبرالي، في الحكومتين الرابعة والخامسة (1952-1955)، في المقابل
أيَّد ديفيد بن جوريون انضمامهم للحكومة خشية من انضمامهم لحيروت في حال بقوا في المعارضة.[11]
بقي “الحزب الليبرالي” في المعارضة، ومن ثم بدأت الشقوق في المعسكر الليبرالي حيث بدأ الحزب التقدمي في
البحث عن شريك جديد، والتفت إلى العرض المغري لتأسيس إطار عمل مشترك مع حيروت. وهكذا أسهمت
تشكيلة الحكومة سنة 1961 في إنشاء تكتلين سياسيين جديدين؛ يمين ويسار.
في سنة 1964، وافق الحزب الليبرالي على اقتراح حركة حيروت لمناقشة إنشاء كتلة سياسية جديدة. أيَّد
الاقتراح 20 عضو من الصهيونيين العامين، وعارضه 15 عضو من الحزب التقدمي، بعد هذا القرار تصاعدت
التوترات داخل الحزب، وفي بداية 1965 أيدت أغلبية كبيرة من إدارة الحزب اقتراح أليمالك ريميلت Elimelech
Rimalt، أحد قادة “الصهاينة العامين”، لمعرفة إمكانية إنشاء جبهة برلمانية ديموقراطية مع “حركة حيروت”
وعناصر أخرى. ومن هنا كان الطريق إلى الانقسام الرسمي حيث أعلن موشيه كول Moshe Kol أنه لا توجد
أرضية مشتركة بين الليبراليين وبين حركة حيروت، وفي آذار/ مارس 1965 انقسم الحزب الليبرالي. وهكذا، تمّ
حلّ الحزب الليبرالي بعد نحو أربع سنوات من تأسيسه. وتأسس “الحزب الليبرالي المستقل Independent
Liberals” على أنقاضه، عندما استقال سبعة أعضاء من الفصيل الليبرالي وأعلنوا عن تشكيله، مما أعاد فعلياً
تأسيس “الحزب التقدمي”.[12]
بدأت الاتصالات بين حركة حيروت والحزب الليبرالي في كانون الثاني/ يناير 1965. وأدت المفاوضات إلى إنشاء
هيئة سياسية وهي كتلة حيروت الليبراليين (غاحال Herut–Liberals Bloc—Gahal) يمثلها في الكنيست
27 مقعداً، 17 من حيروت و10 من الليبراليين. وبذلك وللمرة الأولى منذ نشأة “إسرائيل”، تكون هنالك معارضة
لحزب مباي في الكنيست بهذا الحجم.[13] نصت اتفاقية غاحال صراحة على أن الحزب الليبرالي يمكنه اتخاذ
موقف مستقل بشأن ثلاث قضايا كان يختلف فيها مع حيروت. القضية الأولى كانت مسألة علاقة الدين بالدولة،
والثانية كانت “أرض إسرائيل” الكاملة (حيروت كان يرفض قرار التقسيم)، والثالثة كانت الموقف تجاه ألمانيا،
والتي أصبحت محل اهتمام سنة 1965. حيث أقيمت علاقات ديبلوماسية بين “إسرائيل” وجمهورية ألمانيا
الاتحادية (ألمانيا الغربية)، رفض حيروت ذلك لكن أيده الليبراليين.[14]
في المقابل، وفي النصف الأول من سنوات الستينيات كان هنالك عملية مشابهة في معسكر “اليسار”؛ قام حزبي
مباي وأحودات هعفوداه بتشكيل المعراخ(The Alignment—HaMaʿarakh)، في الوقت الذي انشق فيه
معارضي الوحدة بقيادة ديفيد بن جوريون لتشكيل قائمة عمال “إسرائيل” (رافي Rafi). المعراخ كان حزب يسار
الوسط، ورافي كان حزب مركز. بدأت الاتصالات بين الحزبين في كانون الأول/ ديسمبر 1963 بتوجيه من أشكول
رئيس الحكومة الجديد. وجرت مراسم تشكيل المعراخ في 20/5/1965 في مكان رمزي في مبنى التخنيون
Technion القديم، حيث تأسس الاتحاد العام للعمال (General Federation of Labour in Israel—
Histadrut) سنة 1920. وفي 26/6/1965 انشق بن جوريون عن مباي وشكل حزب رافي.[15] عشية حرب
حزيران/ يونيو 1967 وبينما كانت الحرب تلوح في الأفق، انضم مناحيم بيغن Menachem Begin ويوسف
سافير Yosef Safir من غاحال للحكومة كوزراء بدون حقيبة، وكذلك موشيه ديان Moshe Dayan من رافي
كوزير للدفاع. ليمهد ذلك في سنة 1968 لإقامة حزب العمل (المكون من مباي، وأحودات هعفوداه، ورافي). وفي
سنة 1969 أقيم حزب المعراخ بين العمل ومبام Mapam.ا[16]
أولاً: الموقف من المناطق المحتلة سنة 1967:
يُظهر ما كشف عنه الأرشيف الإسرائيلي مؤخراً حول جلسات الحكومة الإسرائيلية التي بحثت مستقبل المناطق
المحتلة سنة 1967، توجهات الأحزاب السياسية الإسرائيلية، فالحكومة وقتئذ تمثل فيها جميع أطياف الحقل
السياسي الإسرائيلي، من يمين ويسار. تظهر جلسة الحكومة في 19/6/1967 أي بعد انتهاء الحرب بنحو
أسبوع، أن الحكومة الإسرائيلية كانت على استعداد للتخلي عن أجزاء من الأراضي المحتلة سنة 1967 مقابل
توقيع اتفاق “سلام” مع مصر وسورية، على أن يتم تعديل الحدود بما يضمن “احتياجات إسرائيل الأمنية”، مع
ضمان حرية الطيران والملاحة في مضائق تيران وخليج العقبة وقناة السويس، ومناطق منزوعة السلاح في شبه
جزيرة سيناء، مع إبقاء قطاع غزة تحت السيادة الإسرائيلية، وإبقاء مصير الضفة الغربية مفتوحاً بدون قرار
بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات مع النظام الأردني. أما مشكلة اللاجئين فيترك التعامل معها لوكالة الأمم المتحدة
لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works
Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA)، مع التفكير بتوطينهم في الدول
العربية أو سيناء والضفة الغربية تحت مظلة اتفاق “سلام” مع الدول العربية، يتضمن توزيع المياه، مع بقاء
القدس تحت السيادة الإسرائيلية. وطالما لم يوقع اتفاق “سلام” ستبقى مناطق 67 تحت السيطرة
الإسرائيلية.[17]
يُظهر لنا محضر الاجتماع استعداد جميع الأطياف السياسية، من يسار بما فيه مبام، ويمين بما فيهم حيروت
والمفدال Mafdal،ا[18] للتنازل عن أجزاء واسعة من المناطق المحتلة سنة 1967 والتي كانت تسيطر عليها
مصر وسورية، مقابل توقيع اتفاق “سلام” معهما، وإجماع على ضمّ القدس، والسيادة على قطاع غزة. أصر
بيغن في الاجتماع على أن تتضمن صيغة أي اتفاق “سلام” مستقبلي عبارة تنص على: تعديل الحدود بما “يضمن
احتياجات إسرائيل الأمنية”، وهي عبارة مطاطية، قد تعني الاحتفاظ بنصف سيناء، حرفياً نبه لذلك وزير الأديان
زيراح فرهابتيغ Zerach Warhaftig (المفدال)،[19] لكن ذلك لم يؤثر على الإجماع بتضمين هذا البند. استند
بعض الوزراء في موقفهم المؤيد لهذه الصيغة على الافتراض بأن الدول العربية لن تقبل بعقد اتفاق “سلام” مع
“إسرائيل”، وبالتالي ستتحول هذه الصيغة إلى مجرد حبر على ورق. عبّر عن ذلك وزير الدفاع موشيه ديان (
رافي/ العمل)، بقوله: “لست أحلم بأن السوريين أو المصريين سيوافقون على اتفاق سلام”.[20]
ثانياً: موقف “اليسار” من التسوية السلمية والاستيطان قبل أوسلو:
تركت الحكومة الإسرائيلية مصير الضفة الغربية بدون قرار، مما أفسح المجال أمام المتنافسين الرئيسيين في
الحكومة الإسرائيلية على خلافة أشكول، وزير الدفاع ديان، والوزير إيغال ألون Yigal Allon (أحودات هعفوداه/
العمل)، لوضع رؤيتهما الخاصة بهما لمستقبل مناطق 67، موضع التنفيذ. وعلى الرغم من وجود تناقض بينهما،
إلا أن كلاً منهما عمل على فرض الوقائع على الأرض حتى تصبح رؤيته قابلة للتبني من قبل الحكومة. فعمد ألون
إلى تنفيذ خطته الاستيطانية القائمة على بناء خط من المستوطنات في الأغوار الفلسطينية. في المقابل قام ديان
بترسيخ حالة “التطبيع” والدمج الاقتصادي.
1. خطة ألون Allon Plan:
تقدم ألون في 13/7/1967 بخطته للحكومة تحت مسمى “مستقبل المناطق وطرق التعامل مع اللاجئين”.
وتضمنت التالي:
أ. حدود “إسرائيل” ستكون نهر الأردن والخط الفاصل للبحر الميت.
ب. لأغراض الأمن يتم ضمّ شريط بعرض 5-10 كم في غور الأردن، والذي يتضمن عدد قليل من السكان، وشريط
بعرض عدة كيلومترات في شمال شارع البحر الميت القدس، وكل جبل الخليل، أو على الأقل صحراء “يهودا”
النقب، وتعديل حدودي طفيف في منطقة جنوب جبل الخليل واللطرون.
ج. في الأراضي التي سيتم ضمها لـ”إسرائيل” ستقام بها مستوطنات وقواعد عسكرية ثابتة لحاجات الأمن.
د. في شرقي القدس سيقام حي يهودي بالإضافة إلى إسكان يهود في المربع اليهودي في المدينة القديمة.
ه. تفتح مفاوضات مع قادة وممثلي الضفة لإقامة حكم ذاتي عربي في الأراضي التي لا تضم لـ”إسرائيل”. القسم
الذي فيه حكم ذاتي عربي سيكون مرتبط مع “إسرائيل” اقتصادياً، واتفاقيات دفاع مشترك، واتفاقيات ثقافية،
وأيضاً إسكان لاجئي غزة في الضفة.
و. ستعد الحكومة خطة تتضمن حلّ مشكلة اللاجئين على أساس التعاون الإقليمي، ومساعدة دولية، وستوطن
الحكومة اللاجئين في الضفة وغزة.
ز. قطاع غزة جزء لا يتجزأ من “إسرائيل”، سيكون ضمه الرسمي لـ”إسرائيل” بعد معالجة موضوع اللاجئين
فيه وخروجهم منه. وحتى ذلك الوقت سيتعامل معه كمناطق محتلة.[21]
عدّل ديان فيما بعد على خطته بتخليه عن فكرة ضمّ قطاع غزة، داعياً في مقالة له نشرت سنة 1976 إلى تحديد
ممر من الغرب إلى الشرق تحت السيادة العربية، يسمح بالاتصال غير المنقطع على طول محور أريحا – رام الله،
بين المناطق العربية المأهولة بالسكان على الضفة الغربية والشرقية للنهر. وبهذه الطريقة يمكن حلّ مشكلة
الهوية الفلسطينية التي يمكن أن تجد تعبيراً عنها في دولة أردنية فلسطينية واحدة، ويمكن لقطاع غزة أن يشكل
جزءاً من الوحدة الأردنية الفلسطينية التي ستنشأ شرقي “إسرائيل”، وتكون بمثابة ميناء لتلك الدولة على البحر
المتوسط، عبر توفير طريق بري يربطها ببعضها.[22]
خطة ألون[23]