منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أوهام في العمل الفلسطيني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:45 am

أوهام في العمل الفلسطيني AMEF-Conference_MohsenSaleh-535-400x280



مقال: أوهام في العمل الفلسطيني (1) …
 أ. د. محسن محمد صالح

بقلم: أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

ثمة أدبيات ومفاهيم منتشرة في الساحة الفلسطينية السياسية والإعلامية والعلمية والثقافية، تُروّج لرؤى وتصورات يبدو تنفيذها ضربا من الأوهام، غير المستندة على أساس من التجارب ولا القراءة العلمية المنهجية.

في هذا المقال نكتفي بطرح ثلاثة أوهام على القارئ الكريم.

أول هذه الأوهام، هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال مسار التسوية السلمية

وهو الوهم الذي وُقّعت على أساسه اتفاقية أوسلو، وأنشئت على أساسه السلطة الفلسطينية، وهو الشعار الذي تبنته الأنظمة العربية طوال الأربعين سنة الماضية، وخصوصا منذ مبادرة الأمير (الملك) فهد 1982؛ وأصبح “القاعدة” المعتمدة في المواقف الدولية (حلُّ الدولتين). وقد بُني الوهم على فرضية خاطئة، أنه إذا اعترف الفلسطينيون بالكيان الصهيوني (“إسرائيل”) و”حقه” في الوجود على 77 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، فإن هذا الكيان سيقوم بالانسحاب من الأرض المحتلة سنة 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ويسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها بما فيها شرقي القدس.

أما الحقيقة، فإن مسار التسوية السلمية قد تمّ تصميمه والتوافق عليه في أوسلو دون التزام حاسم من “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني بإقامة هذه الدولة المستقلة، ولا بسقف واضح للانسحاب من الضفة والقطاع، ولا بحق الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير، ولا باعتراف إسرائيلي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولا بالانسحاب من شرقي القدس، ولا حتى بوقف الاستيطان وبرامج التهويد في الأرض المحتلة 1967.

والجانب العملي في الموضوع على مدى 27 عاما، أثبت أن الطرف الصهيوني أدار مسار التسوية واستخدمه غطاء لمزيد من التهويد والتوسع الاستيطاني، خصوصا في القدس وباقي الضفة الغربية؛ وحوَّل السلطة الفلسطينية إلى كيان وظيفي يخدم أغراض الاحتلال ويقمع قوى المقاومة، واستخدم المسار لشرعنة نفسه عربيّا وإسلاميّا ودوليّا، وإنفاذ برامج التطبيع في المنطقة بقصد إغلاق الملف الفلسطيني، وفق معايير الجانب الصهيوني ومتطلباته.

وما زالت العقلية التي تدير الكيان الإسرائيلي وفق الأيديولوجية الصهيونية لا تؤمن بدولة فلسطينية مستقلة غربي نهر الأردن، ولا يتجاوز حديث معظم أحزابها عن كيان فلسطيني منزوع السلاح تحت الهيمنة الصهيونية، يدير السكان، بينما يعيش الصهاينة “استعمارا نظيفا” يهيمن على الأرض وما فوقها وما تحتها، وعلى مداخلها ومخارجها.

هذه الرؤية الصهيونية، لا يُغيّرها “حسن السلوك” الفلسطيني ولا العربي ولا الإسلامي ولا الدولي، وإنما تغيّرها المقاومة المسلحة التي تفقدها ركائز أمنها واقتصادها واستقرارها، فتضطر للانسحاب تحت قعقعة السلاح.

* * *

الوهم الثاني: الجمع بين السلطة ببنيتها الحالية، والمقاومة المسلحة تحت الاحتلال

إذ لن تسمح “إسرائيل” بقيام سلطة فلسطينية تتبنّى المقاومة المسلحة أو توفّر غطاء لها تحت احتلالها، حتى لو كانت هذه المقاومة تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وتفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية فوزا كاسحا.

الاحتلال الاستيطاني الإحلالي العدواني الصهيوني ينازعك على الأرض وعلى هويتها، وينازعك على الإنسان وعلى هويته، ولديه برنامج استراتيجي ممنهج ومتدرج للسيطرة وتغيير الهوية، وهو ليس جمعية خيرية، كما أنه ليس حالة “ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان”، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بأرض فلسطين وبالإنسان الفلسطيني. وقام هو بتكييف البنية الوظيفية للسلطة للتماهي مع هذه الأهداف، وهو من ثم ليس غبيا لدرجة أن يسمح لك بالتعبئة والتحشيد والاستفادة من الإمكانات المؤسسية والمادية، وتبني العمل المقاوم للتخلص منه.

ولذلك، فعندما فازت حماس بالانتخابات في 2006 وشكلت حكومتها، قام الصهاينة بحملات عسكرية واغتيالات ومجزرة مخيم الشاطئ، لحشر حماس في زاوية التطويع أو الرد؛ مما دفع حماس للرد العسكري بعملية “الوهم المتبدد” في حزيران/ يونيو 2006، حيث ثبت أنه لا يمكن استيعابها في مسار التسوية، فقام الصهاينة بحملة عسكرية واسعة وبحملة اعتقالات شلّت عمل حكومة حماس في الضفة، كما شلّت المجلس التشريعي. وليس ثمة أفق، بعد تجربة الـ16 عاما الماضية، بإمكانية أن تقود حكومة تتبنى المقاومة المسلحة الحكومة في الضفة الغربية. أما نجاح حماس في قطاع غزة، فيعود إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل منه، واكتفائه بحصاره من الخارج، مع قدرة قوى المقاومة على تطوير إمكاناتها للدفاع عن القطاع ضد عدوانه.

يبقى ثمة أمر يحتمل النقاش، وهو إمكانية إعادة تعريف وتكييف السلطة وبناها المؤسسية في الضفة الغربية بما يتواءم مع بيئة شعب في مواجهة الاحتلال، وأن تتشكل البنى المؤسسية بما يتواءم مع تعزيز الصمود الفلسطيني تحت الاحتلال، والخروج عن هيمنته اقتصاديّا وسياسيّا واجتماعيّا وتعليميّا وثقافيّا، وإلغاء التعاون والتنسيق الأمني، وأن تكون حالة الاحتكاك مع العدو مرتبطة بضرورات الأمر الواقع واستثناءات المتطلبات المعيشية التي تُقدر بقدرها. وعند ذلك، فإن السلطة القائمة تركز على خدمة الشعب الفلسطيني، بينما تترك المقاومة وشأنها، إن لم تستطع تبنيها أو توفير الغطاء لها. وفي الوقت نفسه، يُحوّل الفلسطينيون خسارتهم المحتملة لأي من المؤسسات إلى مزيد من الأعباء والتكاليف على الاحتلال، بمعنى أن العمل المؤسسي تحت الاحتلال هو عملية نضالية (تعليمية، اقتصادية، ثقافية، صحية)، وأي خسارة فيها يجب أن تسهم في رفع وتيرة النضال وتكشف الوجه القبيح للاحتلال.

أما إن أرادت حماس وقوى المقاومة الدخول في الانتخابات التشريعية كمعبر إجباري للشرعية الفلسطينية (مع أن هذه الفكرة نفسها أصبحت مستبعدة، وأقرب إلى حالة افتراضية خصوصا بعد تعطيل عباس للانتخابات)، فيجب أن يكون واضحا أنه ليس هناك ثمة مراهنة على حكومة تديرها المقاومة وفق النمط التقليدي للسلطة المصممة لخدمة الاحتلال، وأن إعادة تعريف السلطة وتكييفها وطنيّا هو مسار إجباري أيضا، وهو ما قد يفقدها مبررات وجودها بالنسبة للاحتلال، وسيستخدم الأدوات الممكنة كافة لتطويعها؛ أي إنه لو افترضنا جدلا سيطرة المقاومة على السلطة في الضفة مباشرة أو من خلال من يمثل برنامجها؛ فإن ذلك سيُحولها بالضرورة إلى حالة اشتباك مع الاحتلال وحلفائه الذين يحتلون الأرض، ويتحكمون بالبنى التحتية، وبالموارد المالية للسلطة وصادراتها ووارداتها، وبحركة الأفراد والمواصلات وعمل المؤسسات. ومن ثم فإما أن تتكيف السلطة مع بنية البرنامج المقاوم، أو تتكيف المقاومة (ولو بدرجة أو بأخرى) مع متطلبات الاحتلال، أو تنهار أو تتعطل السلطة أو عدد من مؤسساتها.

* * *

الوهم الثالث: صناعة قرار فلسطيني مستقل تحت الاحتلال

ربما كان مجرد مناقشة الفكرة نفسها أمرا مستبعدا قبل اتفاقات أوسلو، وكان التفكير بعقد مجلس وطني أو مجلس مركزي فلسطيني أو لقاء لجنة تنفيذية تحت الاحتلال، أقرب إلى نكتة سمجة ووقحة. ومنظمة التحرير طوال الفترة 1967-1993 لم تكن فقط تعقد لقاءاتها في الخارج، بل كانت تستبعد فلسطينيي الداخل (الضفة والقطاع و48) من النِّصاب عند عقد اجتماعات المجلس الوطني؛ ففي أواخر السبعينيات أدخلت نحو مائة عضو من أبناء الداخل في عضوية المجلس، زادوا لاحقا إلى 180، وبقيت أسماؤهم غير معلنة، خشية على سلامتهم، ولم يكونوا يُحتسبون في نصاب الانعقاد؛ حتى لا يتسبب الاحتلال بتعطيل عمل المجلس، من خلال منع عدد من أعضائه من الحضور.

ولطالما تباهت حركة فتح وشدّدت على صناعة القرار الفلسطيني المستقل؛ غير أن الممارسة السياسية بعد اتفاقات أوسلو عطّلت منظمة التحرير ومؤسساتها، وعندما أرادت قيادة المنظمة (قيادة فتح) عقد اجتماعات للمؤسسات التمثيلية للمنظمة، قامت بعقدها تحت الاحتلال، فأصبح العدو هو الذي يعطي الإذن (ولو ضمنيّا) لعقد اجتماعات المجلس الوطني أو المركزي أو اللجنة التنفيذية، وهو قادر متى شاء على إفشال هذه الاجتماعات وتعطيلها، أو اعتقال من يشاء من الأعضاء وإبعادهم، ومنع دخول أي من الأعضاء أو خروجهم. كما حدث تغييب خطير لأبناء فلسطين في الخارج (وهم أكثر من نصف الشعب الفلسطيني)، بالإضافة إلى أنه لم يكن بالإمكان عمل إصلاح مؤسسي حقيقي في منظمة التحرير بتغييب فصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديدا حماس والجهاد الإسلامي، التي كان أحد أسبابها عقد الاجتماعات تحت الاحتلال.

إذا ما أريد للقرار الفلسطيني أن يكون حرّا ومستقلا، فمن البداهة ألا يكون للاحتلال تأثير في مدخلاته ومخرجاته، وفي عقد اجتماعاته وفي حضور أعضائه. ولذلك فهذه الاجتماعات المتعلقة بصناعة القرار يجب أن تكون خارج مناطق الاحتلال، وغير ذلك هو نوع من المماحكة وخداع الذات، أو استسلام لإرادة الاحتلال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:46 am

أوهام في العمل الفلسطيني (2) …أ. د. محسن محمد صالح

تحدثنا في المقال السابق عن ثلاثة أوهام في العمل الفلسطيني، ونتابع اليوم الحديث عن وهمين آخرين.

الوهم الرابع هو إصلاح البيت الفلسطيني دون قيادة انتقالية 

فقد أثبتت التجربة، وعلى مدى الستة عشر عاما الماضية على الأقل، أن القيادة الفلسطينية الحالية لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينيية غير جادة في إصلاح البيت الفلسطيني، ولا في المضي في الانتخابات للمؤسسات التشريعية والتنفيذية إلى نهايتها على أسس ديمقراطية شفافة؛ وأنها طالما لم تضمن استمرار سيطرتها وهيمنتها على المنظمة والسلطة، فإن أي عملية إصلاحية لن تتم، وأن أي إصلاحات معروضة من طرفها، هي مجرد إجراءات ديكورية وشكلية فارغة المضمون ومضيعة للوقت.

هذه القيادة أطلقت على نفسها “رصاصة الرحمة”، عندما قامت بتعطيل مسار الانتخابات الفلسطينية في 29 نيسان/ أبريل 2021؛ وأكدت الشكوك التي كانت قائمة أصلا تجاهها؛ وانسجمت مع سلوكها التاريخي، ومع عقليتها التي تنزع إلى الهيمنة والاستبداد. ومن ثم، فلم تعد القيادة الحالية مؤتمنة على أي عملية إصلاح أو تطوير جادة للبيت الفلسطيني، وفقدت ما تبقى لها من ثقة ومصداقية. وهي ما زالت مُصرّة على أن تمثل “القديم” الأوسلوي وشبكة مصالحه وفساده وفشله، وأن تعيد إنتاج الفشل مرات ومرات.

وأصبح واضحا أنه لا يمكن القيام بالإصلاح من خلال أو تحت إشراف الرموز والقيادات التي تقوم بمحاربته، ولها مصلحة محققّة في إفشاله. كما أصبح واضحا أن تمثيلها لحزب أو فصيل مُعيّن (فتح) قد جعل حساباتها مرتهنة باستمرار سيطرته وهيمنته على المؤسسات الرسمية الفلسطينية؛ وليس بالضرورة بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

ولذلك، فإذا كنا نتحدث عن إصلاح حقيقي فلسطيني، وعن تداول سلمي للسلطة، وعن الشروط الموضوعية للنجاح في إعادة بناء منظمة التحرير وتطوير مؤسساتها واستيعاب القوى والفصائل والكفاءات الفلسطينية كافة؛ فلا بدّ من قيادة انتقالية تدير هذا المسار. ولا بأس أن تكون هذه القيادة الانتقالية هي الإطار القيادي المؤقت، ولا بأس من توسيعه ليشمل قوى حقيقية صاعدة، ولا بأس أن تنبثق عنه قيادة تنفيذية مُصغرة، المهم أن تتمتع هذه القيادة بالثقة والمصداقية والجدية للمضي بالعملية إلى نهايتها.

وإذا كان هذا الاقتراح يمثل حلا عمليا ومخرجا كريما للقيادة الحالية للمنظمة والسلطة، فإن كاتب هذه السطور يشك في استجابتها لذلك، بانتظار أن تحدث ظروف ذاتية وموضوعية تفرض نفسها فرضا عليها، وتجبرها على النزول عن الشجرة، كاستقالة أبي مازن أو وفاته وتفتت منظومته القيادية، وكتراجع شرعيتها العربية والدولية واندثارها نتيجة أوضاع سياسية مستجدة، ونتيجة حقائق مفروضة على الأرض.

الوهم الخامس هو مصطلح “طرفي الانقسام”

وهو مصطلح مُضلِّل انتشر منذ سيطرة الحكومة التي تقودها حماس على قطاع غزة، وسيطرة حكومة “الطوارئ” التي تقودها فتح على مناطق السلطة في الضفة الغربية، في سنة 2007. ويَستخدم هذا المصطلح عادة أولئك الذين يحاولون تقديم أنفسهم بشكل موضوعي، على أساس أنهم على مسافة واحدة من الطرفين، وعلى أساس تحميل الطرفين مسؤولية الانقسام بالدرجة نفسها تقريبا؛ أي إن السياق الذي يتم استخدامه فيه هو سياق مضلّل وغير موضوعي.

ابتداء، ومن ناحية أولية يظهر أن انقساما فعليا حصل من ناحية جغرافية بسيطرة حماس على قطاع غزة وسيطرة فتح على الضفة الغربية، وأن الانقسام مؤسسيا حصل باستناد حماس على مؤسسة المجلس التشريعي وحق أغلبيته في تشكيل الحكومة، ومحاسبتها، وإعطاء الثقة وحجبها؛ وباستناد فتح على مؤسسة رئاسة السلطة، وقدرتها على الاستفادة من هيمنتها على منظمة التحرير في “شرعنة” إجراءاتها.

وَوَجهُ الإيهام والتضليل في هذا المصطلح أن الانقسام بمعناه الظاهر محصور في الضفة والقطاع، ولكن الطرفين لا يتقاسمان في الحقيقة المسؤولية في البيئة الفلسطينية العامة ولا في المؤسسة “الرسمية” الفلسطينية. فقيادة فتح التي هي قيادة السلطة تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية التشريعية والتنفيذية بشكل كامل، وتحتكر السفارات والتمثيل، وصناعة القرارات وإنفاذ السياسات والإجراءات؛ بطريقة شبه مطلقة. أما حماس فنصيبها عمليا “صفر” في منظمة التحرير، وهي ليست مسؤولة عن تعطيل أي قرارات أو إجراءات في المنظمة. أما مسؤولية ضعف المنظمة وانهيار مؤسساتها وتدهور أدائها وإغلاقها في وجه عملية الإصلاح والتغيير والشراكة؛ فهي مسؤولية قيادة فتح عباس دون غيرها.

والهيمنة والسيطرة على “الشرعية” الفلسطينية هي سيطرة فتحاوية بالأساس، سواء أكان ذلك في المنظمة أم في السلطة، وهي الجهة الممسكة فعليا بمفاتيحها. ومن ثم، فتعطيل أو إنفاذ أي عملية إصلاحية تشريعية أو تنفيذية، هو أمر مرتبط بالأساس بقرار قيادة فتح وليس بغيرها، ولا يمكن تحميل حماس أو قوى المعارضة المسؤولية عن ذلك.

كما أثبت السير في التجربة الأخيرة لإصلاح البيت الفلسطيني، أن حماس قدمت التنازلات التي طلبتها فتح كافة، بالرغم من أن عددا منها حقوق أصيلة كالتنازل عن شرط التزامن الوارد في اتفاق المصالحة 2011، أو السكوت عن حل المجلس التشريعي. وأنه عند لحظة الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي، فإن قيادة فتح عباس هي التي عطلت المسار، وأعادت الجميع إلى مربع “الانقسام” لتتابع الاستئثار بالسلطة، ولتتهرَّب من الاحتكام إلى الشعب الفلسطيني؛ ولينكشف أمام الجميع أن هناك من يتحمّل أساسا مسؤولية الانقسام.

باختصار هم ” ليسوا سواء”، إذ من الظلم أن يُستخدم هذا المصطلح “طرفي الانقسام”:

• فهناك طرف يستند في شرعيته إلى عكازات عربية ودولية مصطنعة، في مقابل طرف يستند (ومستعد أن يستند) إلى إرادة الشعب الفلسطيني.

•وهناك طرف متنازل عن معظم فلسطين، ومرتَهن لإرادة الاحتلال، ويقود كيانا وظيفيا يخدم الاحتلال، ويطارد المقاومة ويقمع الحريات، في مقابل طرف متمسك بفلسطين كاملة، ويقاتل الاحتلال ويصنع الانتصارات، ويعبر عن كرامة الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.

•وهناك طرف يُغلق أبواب المؤسسات الدستورية ويبلع مفاتيحها، وطرف محروم من نيل فرصته العادلة وحقوقه الطبيعية.

• وهناك طرف يستند إلى مسار تسوية فاشل موهوم، منتهي الصلاحية، وطرف يستند إلى الحق الطبيعي للشعب الفلسطيني في كامل أرضه، وإلى الميثاقين القومي والوطني لمنظمة التحرير نفسها.

• وهناك طرف مسؤول أساسي طوال أكثر من ثلاثين عاما دستوريا وسياسيا وأخلاقيا عن التراجعات والكوارث التي أصابت العمل الفلسطيني؛ وطرف تابع الصبر على قمع سلطة عباس، كما تابع القبض على جمر المقاومة وتحدي الاحتلال والنكاية في العدو.

وبمعنى آخر، فلسنا أمام مجرد “طرفين مخطئين”، بحاجة فقط للخروج من حساباتهما الذاتية، وإنما أمام اتّجاهين مختلفين في الرؤية والمنهج ومسارات العمل وأولوياته، ومختلفين في العقلية التي تُدار بها الأمور، ومختلفين في طريقة الاستناد إلى الشرعيات. ومن ثم، فتعبير “طرفي الانقسام” بالشكل الذي يتم استخدامه فيه، يعطي إيحاء مُضلّلا، وهو غير دقيق علميا وموضوعيا.

ثم إن علاج الانقسام ليس مرتهنا فقط بمجرد الدخول في بيت واحد، وإنما بطريقة إدارة هذا البيت، وفق منظومة يحترمها الجميع (تعبّر عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني وتطلعاته وتطلعات أُمته).. وإلاّ فـ”الطلاق” نهايته السريعة والمحتومة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:46 am

أوهام في العمل الفلسطيني (3) … أ. د. محسن محمد صالح

ناقشنا في مقالين سابقين خمسة أوهام متعلقة بالعمل الفلسطيني، ونتابع في هذا المقال ثلاثة أوهام أخرى.

الوهم السادس هو تحرير فلسطين دون مقاومة مسلحة

ربما لم تكن هذه المقولة لتكون محل نقاش لولا تبني القيادة الفلسطينية والبلدان العربية والإسلامية لمسار التسوية السلمية، ودخول اتفاقية أوسلو حيز التنفيذ أواخر 1993.

ويعود جانب من الوهم إلى أن فلسطين نفسها قد أعيد تعريفها لدى هؤلاء ولدى ما يسمى المجتمع الدولي، فأصبحت مقتصرة على الضفة الغربية وقطاع غزة أو فلسطين المحتلة سنة 1967، أي نحو 23 في المئة من فلسطين التاريخية؛ وأصبح موضوع “التحرير” مقتصراً عليها؛ بينما تمّ تجاهل معظم أرض فلسطين أو فلسطين المحتلة سنة 1948 التي قام عليها الكيان الصهيوني. وبالتالي، أصبح خروج الاحتلال الإسرائيلي من الضفة والقطاع مرتبطاً بمسار التسوية السلمية، وليس بالكفاح المسلح. كما أن ثمة من يراهن على المقاومة السلمية الشعبية، والعمل الديبلوماسي والضغط الدولي، وأدوات التعبئة والتوعية.

غير أنه بشكل عام، فإن مشاريع التحرير ضدّ الاستعمار ارتبطت أساساً بالمقاومة المسلحة، أو بتحويل بقاء المستعمر إلى حالة خسارة واستنزاف مستمر وخصوصاً في أمنه واقتصاده وموارده البشرية، بحيث تصبح التكاليف أعلى من المكاسب المحتملة، وهو ما لا يتم عادة دون مقاومة مسلحة.

وإذا وضعنا تحرير فلسطين في إطارها الصحيح، أي تحريرها كاملة من نهرها إلى بحرها، فإن موضوع التحرير سيتعدّى الضفة والقطاع إلى فلسطين المحتلة 1948، وبالتالي، يعود تعريف الصراع مع العدو إلى أنه “معركة وجود وليس معركة حدود”. وهو ما يعني تطوير الإمكانات العسكرية والانتفاضية إلى مستوى مكافئ لمستوى إزالة الكيان، وليس مجرد إعادة تموضعه، أو انسحابه من أجزاء من الأرض.

وقد أثبتت مسيرة “النضال السلمي” في الثلاثين عاماً الماضية أن الكيان الصهيوني، لم ينسحب من فلسطين المحتلة 1967؛ وقام فقط بإعادة تموضعه التكتيكي، فانسحب من قطاع غزة وأبقاه تحت الحصار، بينما احتفظ بهيمنته على الضفة الغربية، باعتبارها أرضاً متنازعاً عليها، واحتفظ بالإدارة الكاملة والمباشرة لنحو 61 في المئة من أرضها، وضاعف وجوده الاستيطاني والتهويدي، وسمح بسلطة فلسطينية وظيفية، تريحه من إدارة السكان ومطاردة المقاومة. أي أنه ثبت بالتجربة المريرة أن إجباره على الانسحاب من الضفة الغربية ورفع الحصار عن غزة، يتطلب مقاومة مسلحة وانتفاضة شاملة، فكيف بتحرير فلسطين كلها؟!

من ناحية ثانية، فإن المشروع الصهيوني ليس مجرد استعمار تقليدي، بل هو استعمار استيطاني إحلالي توسعي عدواني، قائم على مقولات دينية وتاريخية، وتدعمه قوى كبرى ذات مصالح استراتيجية وتتقاطع معه في خلفياتها الدينية والثقافية، وهي تدرك مدى الظلم والمعاناة التي تتسبب بها للشعب الفلسطيني. وبالتالي، فالتعامل مع هكذا احتلال غير مرتبط بنقاشات موضوعية وطرق إقناع، وإنما بـ”انتزاع” الحق انتزاعاً، بعمل جوهره المقاومة المسلحة. أما الأنشطة السياسية والديبلوماسية وحملات الدعاية والتعبئة فهي أنشطة مساندة مهمة، تدعم جوهر العمل (أي المقاومة المسلحة) ولكن لا تحلّ محلَّه، فإذا ذهب الجوهر فإنها تفقد جدواها.

ولذلك، فإن مشروع التحرير ارتبط طوال تاريخه بالمقاومة المسلحة، وهو ما قامت على أساسه الثورة الفلسطينية، وما نصّ عليه الميثاق القومي والميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية من أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين. وحتى عندما جرى تعديله في برنامج النقاط العشر سنة 1974، فقد ظلّ النص على أنّ الكفاح المسلح طريق رئيسي لتحرير فلسطين.

وحتى في الرؤية الإسلامية، فإنّ إنهاء المشروع اليهودي الصهيوني مرتبط بـ”التتبير”، وهو معنى يفهم منه أنّ صراعاً طاحناً سيؤدّي إلى تدمير ما أقاموه وبنوه؛ وهو عمل لا يتم إلا بالمقاومة المسلحة.

* * *

الوهم السابع هو قيادة المشروع الوطني بقيادة متنازلة عن الوطن!!

وهذا من عجائب التاريخ الفلسطيني والتجربة الفلسطينية.

هذه القيادة التي تنازلت “رسميّاً” عن أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين في اتفاقيات أوسلو، و”شرعنت” ذلك في اجتماعات “مفبركة” للمجلس الوطني في 1996 و1998؛ أدارت بطريقة بائسة ومفجعة حتى “معركة” إنشاء الدولة الفلسطينية على ما تبقى من فلسطين. ورضيت بأن تكون منزوعة السلاح، ودون جيش، وبتبادل الأراضي. كما يتحدث كثير من قادتها في لقاءاتهم الخاصة، عن التنازل عملياً عن حق العودة في نهاية المطاف، باعتباره متطلباً “إسرائيلياً” أساسياً لإنشاء الدولة.

لم تلتزم هذه القيادة ببرنامج النقاط العشر الذي يتيح لها إنشاء السلطة الوطنية “المقاتلة” على أي جزء يتم تحريره من فلسطين؛ ولم تلتزم بما يسمى “البرنامج المرحلي” ولا بمتطلباته. وأثبتت للعدو أنها قابلة للضغط و”الطرق والسحب”، واستخدم العدو تسويته السلمية معها غطاءً لتهويد ما تبقى من فلسطين. وهي لم تستشر الشعب الفلسطيني في تنازلاتها، كما تجاهلت حق الأمة العربية والإسلامية في أرض فلسطين المقدسة المباركة، وكذلك حق الأجيال القادمة فيها.

إن قيادة فشلت في الحفاظ على أبرز ثوابت القضية، وفشلت (فوق ذلك) حتى في ما تسمّيه برنامجاً مرحلياً، أو في إدارة “التفاوض” على ما تبقى من فلسطين، ورضيت أن تقود كياناً خدماتياً للاحتلال.. هي قيادة غير مؤهلة لقيادة مشروع وطني يهدف للتحرير سواء للضفة والقطاع أم للأرض المحتلة سنة 1948.

***

الوهم الثامن هو “تمظهرات” الدولة قبل نجاح الثورة

لعلّ هناك مجالاً للنقاش عن فوائد إعلان استقلال فلسطين، أو إعلان دولة فلسطين، لإثبات الحق وملء الفراغ المحتمل، وتحقيق الاعتراف الرسمي العربي والدولي. وهو ما فعلته القيادة الفلسطينية سنة 1948 عندما أنشأت حكومة عموم فلسطين وأعلنت الاستقلال؛ كما فعلته القيادة الفلسطينية سنة 1988. غير أن هذا الإجراء يظل عملاً مسانداً للحقائق التي يجب إنشاؤها على الأرض؛ وإلا فسيضيع أو ينزوي في حركة التاريخ، كما حدث في إعلاني 1948 و1988.

أما حالة الإيهام التي نُحذِّر منها هنا، فتتركّز على أن القيادة السياسية المسكونة في الرغبة بالإنجاز، وإقناع الجماهير بحسن أدائها، قد تلجأ إلى مجموعة من الإجراءات المضللة، و”خداع الذات” من خلال التوسع في الشكليات المرتبطة بهيكليات الرئاسة والحكومة والوزارات والسفارات والوفود الخارجية، ومن خلال استنزاف أموال “الثورة” وإمكاناتها وطاقاتها وأوقاتها على أشكال “بيروقراطية” تؤدّي إلى إنتاج طبقة من المنتفعين، وتفسح المجال إلى إفساد المناضلين؛ بينما تَصرِف مسار الثورة عن جوهر مضمونها النضالي.

إنّ جوهر المشروع والنصيب الأكبر لنفقاته يجب أن يصُبَّ في المقاومة المسلحة وفي العمل الانتفاضي، وفي دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه. وإن الحس والالتزام الثوري وحالة الاستعداد المستمر للتضحية بالنفس والمال يجب أن تكون شرطاً أساسياً ومتطلباً لا محيد عنه لقيادة المشروع، ولكل من يمارس معها العمل السياسي والتعبوي والإعلامي.. وغيره. وهو ما فعلته وتفعله كل القوى الثورية الجادة في مشاريع التحرير. أمّا “التمظهرات” الحالية لسفارات دولة فلسطين ومنظمة التحرير، وللسلطة الفلسطينية وهيكلياتها، ولمشاريع “الرفاه” تحت الاحتلال.. فهي أوهام تصرف المسار الوطني عن جوهر مشروعه التحرري، وتستنزف إمكاناته، بل وتفقده الكثير من المصداقية والاحترام في عيون الدول والشعوب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:46 am

أوهام في العمل الفلسطيني (4) … أ. د. محسن محمد صالح

ناقشنا في مقالات سابقة ثمانية أوهام في العمل الفلسطيني، ونناقش في هذا المقال وهمين آخرين.

الوهم التاسع: تحرير فلسطين من داخلها:

المقاومة الفلسطينية في الداخل، وصمود الشعب الفلسطيني على أرضه، ومواجهته للاحتلال بكل السبل، ركن أصيل في مشروع تحرير فلسطين من نهرها إلى بحرها. كما أن تحرير أي جزء من فلسطين نتيجة ضربات المقاومة، هو خطوة مهمة باتجاه تحرير كل فلسطين، والتأسيس لمشروع المقاومة على الأرض المحررة. وهذه المقاومة وهذا الصمود يشكّلان حائط صدٍّ في وجه المشروع الصهيوني، وخط الدفاع الأول عن الأمة، ورأس حربة في مواجهته، وأداة قوية في اهتزاز أمنه وضرب اقتصاده، ونزع “شرعيته”.

ربما كان أحد أسباب حديث البعض عن تحرير فلسطين من داخلها، هو حالة اليأس من البيئة العربية والإسلامية الضعيفة والمتخلفة والمفككة، وركون الفلسطينيين المُحبِط عشرات السنوات بعد النكبة بانتظار التحرير القادم من البلدان العربية، والهزائم التي تلقتها الجيوش العربية، وجنوح البلدان العربية للتسوية السلمية والتطبيع مع العدو؛ في مقابل ما حققته قوى المقاومة من أعمال بطولية وانتصارات خصوصا في قطاع غزة. غير أن هذا التوصيف يؤكد الدور الحيوي للمقاومة، لكنه لا يلغي المسار الحيوي للبيئة الاستراتيجية المحيطة عندما يتعلق الأمر بالتحرير الكامل لفلسطين.

إنّ إنهاء المشروع الصهيوني والتحرير الكامل لفلسطين، بما في ذلك الأرض المحتلة سنة 1948 التي قام عليها الكيان الإسرائيلي، أمر مرتبط بمعادلة أوسع مبنية على أساس تحقيق تكافؤ أو تفوق استراتيجي مع الكيان، بحيث ترجح موازين القوى لصالح مشروع التحرير في مقابل المشروع الصهيوني.

قد يقوم الكيان الصهيوني بانسحابات وإعادة تموضع بما يتوافق مع حساباته الاستراتيجية ومصالحه العليا، وتقليل الأعباء والمخاطر، وهو ما قد ينطبق على أجزاء من الأرض المحتلة سنة 1967، التي تُعدُّ أرضا محتلة، طبقا لما يسمى “الشرعية الدولية” والقانون الدولي؛ ولكن مسألة انهياره وانتهائه ككيان أمرٌ آخر.

تشير الحقائق الموضوعية إلى أن الكيان الصهيوني يملك قوة عسكرية متفوقة، يمكن أن تهزم البلدان العربية، كما يملك أسلحة دمار شامل بما في ذلك أكثر من مئتي قنبلة نووية، وعندما يتعرض لخطر وجودي، فإن أداءه العسكري سيختلف عن أدائه في الإدارة التقليدية للصراع.

كما أن المشروع الصهيوني يملك مظلة دولية من قوى عظمى تدعمه وتوفر له الغطاء السياسي والعسكري والاقتصادي، لأن وجوده مرتبط بمصالحها الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، وقبل ذلك بريطانيا وغيرها. فهي نفسها رعت إقامته، كما ترعى استمراره وترعى شروط تفوقه. ومن ثم فالصراع ليس مجرد صراع مع الكيان، وإنما يتخذ شكلا أوسع في مواجهة تحالف المصالح الدولية وارتباطاتها به، وبخلفياتها الدينية والثقافية والأيديولوجية والاقتصادية التي تدفعها لحمايته. وإن تفكيك هذه العلاقة وتحويلها إلى حالة خاسرة يقع ضمن المعركة الأوسع في إدارة الصراع مع العدو.

ثم إن ما يسمى “الشرعية الدولية” تعترف بالكيان الإسرائيلي على فلسطين المحتلة 1948، وتؤيد الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، وستقف ضد أي محاولات لإنهاء هذا الكيان، ما لم يطرأ تغيير جوهري في “العقلية” الدولية، مرتبط بنشوء معادلات جديدة في المنطقة، وتحول الكيان إلى عبء كبير على المنظومة الدولية، وتطور وفعالية الدعاية والإعلام المقاوم لإحداث نقلة نوعية من هذا النوع.

وصحيح أن أحد أسباب انسحاب الاحتلال الإسرائيلي هو المقاومة الفلسطينية وبطولاتها، غير أن الانسحاب بحد ذاته في سنة 2005، جاء أيضا ضمن عملية إعادة تموضع إسرائيلي، وفق خطة شارون التي هدفت لفرض مسار تسوية سلمية مبني على انسحاب من طرف واحد؛ بحيث يتخلص الكيان من أعباء احتلال وإدارة مناطق الكثافة السكانية العالية وعلى رأسها قطاع غزة، والاحتفاظ بأكبر قدر من الأراضي ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وهو ما يحدث في الضفة الغربية. كما حافظ على قدر من الهيمنة على الأرض التي انسحب منها. ولذلك، فقد أبقى على حصاره لقطاع غزة، وعلى تحكّمه بحدوده البرية والبحرية والجوية طوال السنوات الستة عشر الماضية.

إن تحرير فلسطين عملية متكاملة تتم بالتوازي بين مشروع المقاومة الفلسطيني، والمشروع النهضوي الوحدوي للأمة؛ ولا يلغي أحدهما الآخر، كما لا يحلّ مكانه.

الوهم العاشر: تحرير فلسطين دون مشروع نهضوي وحدوي:

وهذه النقطة مرتبطة بشكل وثيق بسابقتها.

لا يستهدف المشروع الصهيوني الفلسطينيين وحدهم ولا أرض فلسطين وحدها، وهو كيان نشأ في قلب العالم العربي وقلب العالم الإسلامي، يفصل شطري هذين العالمين الآسيوي عن شطرهما الأفريقي. وهو كيان عدواني توسعي، لا يجد لنفسه مستقبلا في المنطقة إلا إذا كان ما حوله (البيئة الاستراتيجية المحيطة) ضعيفا ومتخلفا ومُفككا؛ فالبيئة العربية المسلمة هي بطبيعتها بيئة معادية لهذا الكيان، وهذا سبب وجود أنظمة فاسدة ومستبدة لا تعكس إرادة شعوبها؛ وهي تُمثل “القشرة” السطحية الراغبة في التسوية والتطبيع؛ تعبيرا عن عجزها أو ضمانا لبقائها من خلال إرضاء القوى الدولية الحليفة للكيان وعلى رأسها الولايات المتحدة.

إن جوهر القضية الفلسطينية مرتبط بمشروع استنهاض الأمة؛ إذ إن المعادلة التي يقوم على أساسها الكيان الصهيوني أن قوته واستمراره مرهون بضعف الأمة وتخلفها، وأن إنهاءه وزواله مرهون بقوتها ونهضتها ووحدتها، وتحديدا في البيئة الاستراتيجية المحيطة به.

ومن ثم، فإذا كان الهدف هو تحرير فلسطين كاملة، فإن الحديث عن التكافؤ الاستراتيجي والوصول إلى “النقطة الحرجة” التي تُمكِّن من المضي في إنهاء الكيان، يرتبط بمشروع نهضوي وحدوي، خصوصا في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين. وهذه البيئة هي التي تشكّل حاضنة المقاومة في الداخل ورئته وعناصر نموه وعنفوانه؛ وهي التي تملك (بعيدا عن هيمنة الاحتلال) الأسباب والأدوات التي تمكنها من معالجة الاختلال في موازين القوى، وتحقيق الثقل النوعي المطلوب.

إن قضية فلسطين بخطورتها والتحديات الكبرى الإقليمية والدولية التي تفرضها، هي اختبار التأهيل وبرنامج الصعود الكبير الممزوج بالآلام والمعاناة والمصاعب؛ الذي قدَّره الله سبحانه للأمة للارتقاء لمستوى “الاستخلاف” في الأرض، ومستوى التحرير على يد جيلٍ هم “عبادٌ لله، أولي بأس شديد” (سورة الإسراء: 5). وإن الأزمات التي تشهدها المنطقة، وتجربة ما يعرف بـ”الربيع العربي” الذي ظهرت فيه روح الأمة المتطلعة للحرية والتغيير، والمنسجمة مع عقيدتها وتاريخها وتراثها، هي مؤشرات على حالة المخاض التي تشهدها المنطقة، باتجاه موجة جديدة أو موجات قادمة تستعيد فيها الأمة إرادتها وعزتها وكرامتها، وتستنهض عوامل قوتها ووحدتها ونهضتها، وتتماهى مع المقاومة في فلسطين، لتحقق “الوزن النوعي” المطلوب، ولتفرض موازين قوى إقليمية ودولية جديدة، وتتقدم نحو تحرير كل فلسطين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:47 am

أوهام في العمل الفلسطيني (5) … أ. د. محسن محمد صالح

ناقشنا في مقالات سابقة عشرة أوهام، ونناقش في هذا المقال وهماً آخر:

الوهم الحادي عشر: الشرعية الدولية:

هذا وهمٌ يستند إليه دعاة التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني، ويَعدُّونه المدخل الأنسب لدفع الصهاينة للانسحاب من فلسطين المحتلة 1967 (أي الضفة الغربية وقطاع غزة)، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها. بل وجعلت قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية (قيادة فتح) من الاعتراف بهذه “الشرعية” شرطاً على حماس والجهاد وقوى المقاومة لدخول منظمة التحرير، كما جعلته مؤخراً شرطاً لاستئناف المصالحة الفلسطينية، وكأن تلك “الشرعية” وقراراتها تمثل حلاً سحرياً لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، بينما في الحقيقة فإن الجري وراء سراب هذه “الشرعية” هو أحد أسباب أزمة هذا المشروع.

والمقصود بـ”الشرعية الدولية” مجموعة المبادئ والقوانين التي تَحكُم وتُوجِّه العلاقات الدولية، وخصوصاً من خلال الأمم المتحدة وهيئاتها، أو من خلال الأعراف والمعاهدات والاتفاقات الدولية.

ويكمن جوهر هذا الوهم وخطورته في أن ما يعرف بـ”الشرعية الدولية”، عندما يتعلق الأمر بفلسطين، وبعد تجربة أكثر من سبعين عاماً، فإنها لا تملك القدرة ولا الإرادة ولا حتى الرغبة الحقيقية لإنفاذ قراراتها، وإلزام الكيان الصهيوني بها، خصوصاً عندما لا تتوافق هذه القرارات مع المشروع الصهيوني وبرنامجه ومزاجه. وبالتالي، فإن استمرار المراهنة عليها يُعدُّ ضرباً من الوهم، وخداعاً للذات، وخداعاً لجماهير الشعب الفلسطيني وكل من تعنيه قضية فلسطين.

و”الشرعية الدولية” الحالية هي استمرار للمنظومة التي تشكلت إثر الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وصنعتها الدول المنتصرة، وسعت لإكساب نتائج الحرب والواقع الذي أنشأته غطاء شرعياً. وبالتالي فقد عبّرت عن حالة التلازم بين “القوة” وبين “الشرعية”، وعبّرت عن سعي القوي لإكساب قوته صبغة قانونية وأخلاقية. واستجابت عملياً لفكرة أن صاحب القوة هو دائماً على حق!! (might is right).

وتظهر إحدى تجليات المشكلة في أن إنفاذ القرارات الدولية مرتهن بقرارات “مجلس الأمن الدولي”، وتحديداً بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ومجلس الأمن نفسه مرتهن (منذ سنة 1945 وحتى الآن) بحق النقض (الفيتو) للأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس (أمريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين)، ولا يمكن إصدار أي قرار إذا عارضه عضو واحد من هؤلاء. فإذا علمنا مدى عمق العلاقة الاستراتيجية للغرب بالمشروع الصهيوني، ومدى قوة اللوبي اليهودي الصهيوني الإسرائيلي هناك.. سندرك حجم الوهم الذي نعلّق آمالنا عليه.

ويشير رصيد التجربة إلى أن هذه “الشرعية” تمّ توظيفها بحسب مصالح الدول الكبرى، وأنها أخفقت في تحقيق الحد الأدنى من العدل وإحقاق الحقوق، عندما تتعارض مع مصالحها أو مصالح أحدها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بعالمنا العربي والإسلامي، وبالذات فلسطين. وينطبق ذلك أيضا على قضية كشمير، ومسلمي بورما (ميانمار)، ومسلمي الصين (بالتحديد الأويغور)، ومسلمي القوقاز (الشيشان..)، والبوسنة، والاحتلال الأمريكي وأفغانستان والعراق، والعقوبات الانتقائية على ليبيا والسودان وإيران، وطريقة التعامل مع دول “الربيع العربي”، من حيث توفير الغطاء لقمع شعوبها أو السكوت عن التدخلات الإقليمية والدولية لدعم الديكتاتوريات أو المسارات المخالفة لإرادة الشعوب.

كما يشير رصيد التجربة إلى أن الولايات المتحدة عطلت الأغلبية الساحقة (إن لم يكن كلها) من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التي تُدين الكيان الإسرائيلي، أو تُلزمه بأي إجراءات على الأرض لصالح الشعب الفلسطيني؛ وأنها استخدمت الفيتو نحو 43 مرة في ما يتعلق بفلسطين، من أصل 85 مرة استخدمته فيها طوال تاريخ الأمم المتحدة، في ما يتعلق بكل دول العالم وقضاياها. يُضاف إلى ذلك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت نحو 550 قراراً لصالح فلسطين، لم ينفذ منها قرار واحد، بما في ذلك قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة التي أخرجوا منها في حرب سنة 1948، والذي تكرر إصداره بأشكال مختلفة وعلى مدى أكثر من سبعين عاماً نحو 120 مرة.

إنه لأمر مستغرب جداً، بل إنه كبيرة من كبائر العمل الوطني، أن تأتي جهة فلسطينية متنفذة مهيمنة على الحالة “الرسمية” الفلسطينية؛ لتشترط على فصائل المقاومة الالتزام بما يسمى “الشرعية” الدولية كمدخل للمصالحة أو لترتيب البيت الفلسطيني.. ولتسهم في محاولة تطويع الإرادة الفلسطينية، ولتدخل فصائل المقاومة في “المستنقع” الذي ورطت نفسها وشعبها فيه، ولتتابع بيع الوهم في الساحة الفلسطينية.

ولا ينبغي أن يفهم من كلامنا أن العمل الدولي غير مطلوب، فالعمل في البيئة الدولية وعلى منصات الأمم المتحدة ومؤسساتها ليس مطلوباً فقط بل هو واجب. كما أن متابعة التواصل مع الأنظمة الدولية ومع شعوب العالم، وتعريف العالم بقضية فلسطين هو أحد ضرورات العمل السياسي، لمحاصرة المشروع الصهيوني وقطع “حبل الناس” عنه. ولكنه يبقى عاملاً مساعداً في إطار مشروع التحرير الأوسع وضمن عملية مراكمة الإنجاز، وهو يظلّ ذا ثقل نوعي محدود (قياساً بالمقاومة مثلاً) لا يمكن الرهان عليه كأساس لتغيير موازين القوى أو لاستحصال الحقوق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:47 am

أوهام في العمل الفلسطيني (6) … أ. د. محسن محمد صالح

الوهم الثاني عشر: الدولة الواحدة:

الوهم الذي نتحدث عنه مرتبط بما يسمى تفكيك النظام العنصري الصهيوني من خلال النضال السياسي، ولسنا نتحدث هنا عن تحرير فلسطين من الصهاينة، وفرض إرادة الشعب الفلسطيني على أرضه من خلال دولة واحدة مستقلة، أو كجزء متحد مع أمته العربية الإسلامية، فهذا ليس وهماً، بل هو حقٌّ سيتحقق طال الزمان أم قَصُر.

قد يبدو الحديث عن خيار “الدولة الواحدة” باعتباره وهماً في العمل الفلسطيني مزعجاً لفلسطينيين عديدين، إذ يتم تسويق هذا الخيار باعتباره الخيار الأفضل بعد سقوط خيار “حلّ الدولتين”، والذي نشترك معهم في القناعة بسقوطه، وأنه وهم من الأوهام التي تحدثنا عنها سابقاً. كما قد يراه العديد من فلسطينيي الأرض المحتلة 1948 طرحاً مقبولاً في مواجهة الكيان العنصري الصهيوني الإسرائيلي. وهو في الوقت نفسه، يُقدِّم منطقاً يمكن أن يكون مقبولاً في البيئة الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بفكرة تفكيك النظام العنصري “الأبارتايد” على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا، وباعتبار أنه آخر كيان عنصري في البيئة الدولية.

كما تجد هذه الدعوة أرضيتها التاريخية في أن النضال الفلسطيني تركز على فكرة الدولة الواحدة طوال فترة الاحتلال البريطاني 1918-1948. وكانت هناك عودة لتبني الفكرة في طرح حركة فتح سنة 1968؛ عندما دعت لمشروع الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة التي يتساوى فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، كما تبنتها فصائل فلسطينية أخرى.

ويختلف دعاة الدولة الواحدة بين فكرة الدولة ثنائية القومية التي يتوافق فيها العرب واليهود على تقاسم السلطة، دون أن يُسيطر طرف على آخر؛ وبين الدولة الديمقراطية العلمانية التي تتعامل مع الجميع كمواطنين متساوين أمام القانون، ودون النظر إلى خلفياتهم الدينية والعرقية، وهو الخيار الذي يميل إليه أغلب دعاة الدولة الواحدة.

وربما لَوَّح دعاة حلّ الدولتين (كما فعل عدد من قيادات السلطة الفلسطينية) بترك هذا الحل إلى حلّ الدولة الواحدة، كنوعٍ من التهديد والضغط باتجاه دفع الاحتلال الإسرائيلي للمضي بشكل جدي في حل الدولتين.

* * *

أما الاحتجاج بحل الدولة الواحدة خلال الاحتلال البريطاني (قبل 1948) فهو في غير مكانه منهجياً وموضوعياً؛ إذ إن الشعب الفلسطيني كان ما يزال على أرضه ولم يتعرض للتهجير، وكان من حقه وفق أنظمة الأمم المتحدة وبعد انتهاء الانتداب البريطاني أن يمارس حق تقرير المصير، حيث كان ما يزال يملك أكثر من 94 في المائة من الأرض، وأكثر من 68 في المائة من السكان. أما وقد نشأ الكيان الصهيوني على نحو 77 في المائة من أرض فلسطين، بعد أن هجَّر وطرد نحو 83 في المائة (أكثر من 800 ألف) من الفلسطينيين المقيمين على تلك الأرض، فقد تحوَّل المشروع الوطني الفلسطيني إلى مشروع تحرير، وليس إلى مجرد حقوق متساوية مع المستعمرين المحتلين، المغتصبين للأرض والمُشرِّدين لأهلها الأصليين.

من ناحية ثانية، فإن الاحتجاج بفشل حلّ الدولتين كذريعة للذهاب إلى حلّ الدولة الواحدة، بعد أن أتم الصهاينة احتلال فلسطين؛ هو في حقيقته لا يعبّر عن جاذبية الفكرة أو عمليتها، وإنما يعبّر عن مدى الغرور والعجرفة والتمادي في فرض التصورات الصهيونية؛ الذي حال دون الوصول إلى أي من “الحلول الوسط”. إذ إن اللجوء الفلسطيني والعربي إلى حلّ الدولتين لم يأتِ إلا بعد استنفاد الوسائل لحل الدولة الواحدة، والقناعة اليقينية بالرفض الصهيوني المطلق لها؛ لأن حل الدولة الواحدة يعني ببساطة إنهاء المشروع الصهيوني وتفكيكه، وموافقته عليه تعني إلغاءه لنفسه بنفسه، وإطلاق “رصاصة الرحمة” على رأسه.

فإذا كان حلّ الدولتين مقبولاً بدرجات متفاوتة لدى شرائح إسرائيلية صهيونية معتبرة؛ فإن حلّ الدولة الواحدة لا يجد له سوقاً ولا اعتباراً جدياً في أيٍّ من الأوساط الإسرائيلية الصهيونية. ولذلك، فلو افترضنا جدلاً أن حلّ الدولتين “ممكن” فإن حلّ الدولتين يدخل في دائرة “المستحيل” وفق رؤية المجتمع الاستيطاني الصهيوني؛ وعندما يكون حلّ الدولتين مستحيلاً يصبح حلّ الدولة الواحدة أكثر استحالةً.

ولعل الصهاينة عندما يجدون أنفسهم مضطرين تحت ضغط العمل المقاوم للجوء إلى الخيارات الصعبة، فإنهم سيفضلون مائة مرة حلّ الدولتين على حلّ الدولة الواحدة؛ لأنه سيبقى لهم مشروعهم الصهيوني، وسيطرتهم على معظم الأرض وعلى الطبيعة اليهودية لكيانهم، بالإضافة إلى استمرار اعتراف البيئة الدولية بهم. وبشكل عام، إذا ما غاب الشريك الإسرائيلي اليهودي المفترض في حل “الدولة الواحدة”، فإن هذا الحل يتحوَّل إلى وهم وسراب وتفكير تمنيات.

* * *

أما الحديث، من ناحية ثالثة، عن فك العلاقة بين اليهود والصهيونية وسط التجمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة، فربما بدا منطقياً لأول وهلة، غير أن تجربة المائة سنة الماضية لمن نظَّروا لهذه الفكرة وخصوصاً من التيارات اليسارية، قد أثبتت فشلها.. بل إن الشواهد تصبّ باتجاه مزيد من التطرف الديني والقومي والعنصري لليهود الصهاينة في فلسطين المحتلة، وخصوصاً في السنوات العشرين الماضية.

ولعل التجربة الواقعية تشير إلى أن هذا النوع من فكّ العلاقة لا تظهر بوادره إلا تحت ضربات المقاومة والعمل الانتفاضي الفعال؛ الذي يُفقد المجتمع الصهيوني العمودين اللذين يستند إليهما في احتلاله وهما الأمن والاقتصاد، ويُدخله في أزمة البحث عن البدائل، ويحوّل بقاء المجتمع الصهيوني والاحتلال إلى عملية مكلفة لا تُحتمَل، وإلى عبء لا يُطاق. أما وأن المجتمع الصهيوني “يمدُّ رجليه” في بيئة عربية إسلامية ضعيفة مفككة متخلفة ومُطبّعة، ويعيش الفرد فيه بدخل سنوي يوازي دخل الفرد في أوروبا.. فإن كلّ محاولات الإقناع وكلّ قصائد الهجاء والغزل والرجاء لا تُحرِّك شعرةً لدى الصهاينة.

من جهة رابعة، فإن الإغراء الذي يشكله حلّ “الدولة الواحدة” لدى المجتمع الدولي، على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا، لا يبدو طرحاً متماسكاً تماماً. فالقوى الغربية الكبرى التي رعت وترعى المشروع الصهيوني، ترى فيه قلعة متقدمة في قلب العالم العربي والإسلامي لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية في السيطرة على المنطقة، وإبقائها في دائرة الضعف والتشرذم والتخلف، وسوقاً لمنتجاتها.

ولذلك، لم يكلّ الأمريكان أو يملُّوا على مدى العقود الماضية وباختلاف إداراتهم ورؤسائهم من أن “إسرائيل” هي حجر الزاوية في سياستهم الشرق أوسطية. وتدرك هذه القوى أن الطبيعة “اليهودية الصهيونية” لهذا الكيان هي متطلبٌ لبقائه واستمراره، كما أنها لا ترى فيه نظاماً عنصرياً بالنظر إلى الخلفيات الدينية والثقافية لدى كثير من صانعي القرار، خصوصاً أولئك الذين يملكون خلفيات بروتستانتينية.

وإذا كانت هذه القوى تتبنى حل الدولتين فإن انتقالها إلى حلّ الدولة الواحدة يُصبح أكثر صعوبة؛ إلا إذا تحوّل هذا الكيان إلى عبء كبير عليها وأصبح ضرره أكبر من نفعه، وهذا أمر يرتبط أساساً باستعادة المنطقة لحالتها النهضوية وعناصر قوتها، وبتصاعد العمل المقاوم في فلسطين.

بالإضافة إلى ذلك فإن حلّ الدولتين ما زال يلقى قبولاً من معظم دول العالم، حيث يعترف 137 منها رسمياً بدولة فلسطين؛ بالإضافة إلى دول عديدة أخرى تتبنى هذا الحل ولكنها بانتظار تحقيق نجاحات في مسار التسوية. فإذا كان هذا حال حلّ الدولتين الذي فشل، وتجاوزه الكيان الصهيوني، وتعامل كـ”دولة فوق القانون” ولا قيمة للضغوط الدولية عليها، فما بالك بحلّ “الدولة الواحدة” الذي سيحتاج إلى مشوار من نوعٍ آخر؛ قد يجد الفلسطينيون أنفسهم “بعد عمر طويل” أنهم كانوا يجرون خلف السراب.

وفي كل الأحوال، فقد حذرنا سابقاً من الوقوع في وهم “الشرعية الدولية” التي لا يمكن المراهنة عليها في انتزاع الحقوق وتحرير الأرض، خصوصاً في الحالة الفلسطينية.

من ناحية خامسة، لا يجيب دعاة الدولة الواحدة عن هوية الأرض والإنسان في فلسطين بعد إقامة هذه الدولة، وهل ستعود إلى طابعها العربي الإسلامي؟ وهل من حق كافة المستوطنين اليهود الذين جاؤوا على مدى أكثر من مائة عام من كافة بقاع العالم فقط لمجرد كونهم يهوداً، الاحتفاظ بحق المواطنة والجنسية “الفلسطينية”؟! وهل يحق لمن جاء بقوة السلاح وتحت غطاء الاحتلال وضد إرادة الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، أخذ تلك المواطنة والجنسية. وعلى أي أساس يرضى دعاة الدولة الواحدة إعطاء هذا الحق لمجموعات من الغزاة المحتلين؟!

وقد يجادل البعض بأنه عندما تتشكل الدولة الواحدة، فإن الكثير من هؤلاء سيرغبون بالعودة إلى بلدانهم، بعد انتهاء المشروع الصهيوني وفشله. ولذلك فإنه يوافق “تكتيكياً” على فكرة الدولة الواحدة.. لكن ذلك ضربٌ من “السذاجة” السياسية إذا لم يكن يدرك أن الصهاينة واعون لهذه المآلات تماماً.

أما الاعتبار السادس الذي يجب أن يوضع في الذهن، فإن الدعوة إلى الدولة الواحدة قد تنعكس سلباً على العمل المقاوم ضد المشروع الصهيوني، بتحويل المعركة إلى معركة حقوقية سياسية قانونية؛ وتصبح هروباً من المقاومة وتكاليفها وأثمانها وتشتيتاً للبوصلة؛ في الوقت الذي تشير فيه الدلائل إلى الفعل المقاوم بكافة أشكاله (وخصوصاً المسلح) هو المؤهل، كما أشرنا، لتوفير “الحرارة” الكافية لتفكيك العلاقة بين اليهود والصهيونية.

ومن ناحية سابعة، فإن الدعوة للدولة الواحدة قد توفّر “شرعنة” غير مقصودة للاحتلال في الضفة الغربية، باعتبار ضمها إلى مشروع الدولة الواحدة، والتعامل “الواقعي” مع الاحتلال باعتباره الدولة التي يسعى إلى تفكيك علاقتها بالصهيونية؛ في الوقت الذي يتابع المشروع الصهيوني عمله المنهجي المنظم في تهويد الأرض والإنسان، ويترك لهؤلاء أن يستفرغوا جهودهم وأوقاتهم، كما استفرغ إخوانهم دعاة حلّ الدولتين جهودهم في السنوات الخمسين الماضية.

وثامناً، وأخيراً، يدعو البعض للدولة الواحدة، حتى لا يرفع الصهاينة عقيرتهم بأن دعاة مشروع التحرير يريدون أن “يرموا اليهود في البحر”؛ وهي بالتأكيد دعوى كاذبة.

وباختصار، فإن مشروع التحرير هو مشروع نهضوي حضاري إنساني، وأصحاب هذا المشروع معنيون بعودة الحقوق إلى أصحابها وبعودة فلسطين إلى أهلها؛ وبتحقيق العدل لكل إنسان مهما كان دينه وطائفته أو قوميته وعِرقه، وليسوا معنيين بتقديم الوعود والتنازلات المجانية المسبقة لمن دمّر فلسطين وهجَّر شعبها ونهب خيراتها. ولا ينبغي لأصحاب المشروع أن يحشروا أنفسهم في زاوية البحث عن حلول للمشروع الصهيوني ونتائج احتلاله، والتي ينبغي أن يتحملها بنفسه.

وفي المقابل، فإن الصهاينة أنفسهم لا يُبررون للعالم كيف رموا بالفعل الشعب الفلسطيني في حرب 1948 في البحر وشتتوه في أقطار الأرض، ولا يهتز لهم ضمير على جرائمهم على مدى أكثر من سبعين عاماً، ولديهم من الوقاحة ما يكفي لرفض حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، بالرغم من أن كل العالم يقف معهم في هذا الحق. وإذا كانوا يملكون حداً أدنى من الإنسانية، فليكفّوا عن إثارة “فزاعة” المستقبل، وليعالجوا مثلاً بعض ما اقترفت أيديهم فعلاً تجاه شعب فلسطين، وليرضخوا لحق اللاجئين الفلسطينيين الطبيعي والبديهي بالعودة.

* * *

ستبقى فكرة الدولة الواحدة في ظاهرها ذات إغراء ومنطق قد يجذب العديدين؛ لكنها تظل في السياق المنهجي والموضوعي فرضية لا يمكن البناء عليها، وعملاً دعائياً تسويقياً لا يمكن المراهنة الحقيقية عليه؛ إلا إذا كان المقصود بالدولة الواحدة تحرير فلسطين وإسقاط المشروع الصهيوني تحت ضربات المقاومة، وإقامة هذه الدولة وفق إرادة الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.

وبالتالي، سيعود الفلسطيني والعربي والمسلم وكل أحرار العالم، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى المربع الأساسي لمشروع التحرير وهو مربع المقاومة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

أوهام في العمل الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أوهام في العمل الفلسطيني   أوهام في العمل الفلسطيني Emptyالجمعة 12 نوفمبر 2021, 2:48 am

أوهام في العمل الفلسطيني (7) … أ. د. محسن محمد صالح

الوهم الثالث عشر: تأخر الإسلاميين عن المشاركة في المقاومة المسلحة:

يتهم البعض التيار الإسلامي بغيابه عن المقاومة الفلسطينية المسلحة لعقود، وأنه جاء متأخراً بعد انطلاقة حركة حماس سنة 1987؛ وبعد أن حملت القوى الوطنية واليسارية العبء الأكبر لعشرات السنوات.

يخلط هؤلاء ويفصلون عن عمد أو عن جهل بين التيار الإسلامي وبين الإخوان المسلمين وبين حماس. فالتيار الإسلامي “الحركي” الفلسطيني أوسع من الإخوان وأوسع من حماس. ومقاومته المسلحة هي الأقدم والأعرق في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر. وحماس لم تنشأ من فراغ، والمقاومة المسلحة لتنظيم الإخوان الذي نشأت عنه وتنتمي إليه، تعود على الأقل إلى حرب 1948؛ مما تجعله أقدم تنظيم عامل في ميدان المقاومة، وإن شهد فترات من التقطّع كما شهدت التيارات الأخرى.

تعود أولى حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية التي تحمل طابعاً إسلامياً إلى مطلع 1919 مع بدايات الاحتلال البريطاني لفلسطين. وكان هناك جمعيتان سريتان الأولى جمعية “الكف الأسود” التي نشأت في كانون الثاني/ يناير 1919 والتي أصبح اسمها “الفدائية” في شهر أيار/ مايو 1919 وكان لها فروع في يافا والقدس وغزة ونابلس وطولكرم والرملة والخليل واستمرت حتى 1923، وكان زعيمها الذي تدين له بالولاء الحاج أمين الحسيني ابن مدرسة الدعوة والإرشاد التي كان يديرها العلامة محمد رشيد رضا. وسيكون الحاج أمين بعد ذلك مفتي فلسطين 1921 ورئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى 1922، وموجهاً وراعياً للانتفاضات من وراء ستار، ثم قائداً للثورة بعد نزوله للميدان 1936. والجمعية الثانية هي جمعية الإخاء والعفاف التي كان خلفها العلماء، وخصوصاً علماء القدس، وكان يرأسها الشيخ سعيد الخطيب، وفي قيادتها الشيخ محمد يوسف العلمي والشيخ حسن أبو السعود وغيرهم.

وهناك حركة رائدة أخذت شكل التنظيم الإسلامي الحركي هي حركة “الجهادية” التي أنشأها الشيخ عز الدين القسام سنة 1925، والتي بدأت بالمشاركة المسلحة منذ ثورة البراق 1929، غير أن إعلان انطلاقتها كان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، بعد أن نظمت ودربت سراً نحو ألف من الأعضاء والأنصار، وهي الحركة التي فجرت شرارة الثورة الكبرى في فلسطين في 15/4/1936 بالعملية العسكرية التي نفذها الشيخ فرحان السعدي الذي خلف الشيخ القسام في القيادة بعد استشهاده؛ وهي الحركة التي أطلقت المرحلة الثانية من الثورة الكبرى عندما اغتال أعضاؤها أندروز الحاكم البريطاني للواء الجليل في 26/9/1937. وقد قادت جماعة القسام في أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى، وخصوصاً مرحلتها الثانية، مناطق شمال ووسط فلسطين.

أما منظمة “الجهاد المقدس” بقيادة عبد القادر الحسيني، التي نشطت خصوصاً في مناطق القدس والخليل، والتي كانت برعاية المفتي الحاج أمين، فقد انسجم فيها الوعاء الوطني مع الروح الإسلامية؛ في تعبير صادق عن الروح الإسلامية المعتدلة المنفتحة للوطنية الفلسطينية المقاومة. وشارك فيها مقاومون مسيحيون. وقدم عبد القادر الحسيني ورفاقه نماذج بطولية كبيرة في الثورة الكبرى وفي حرب 1948.

من جهة أخرى، فإن جماعة الإخوان المسلمين التي تشكَّل تنظيمها الفلسطيني في أربعينيات القرن العشرين، قد شاركت بفعالية في حرب 1948. وعندما انتهت الحرب لم يُلقِ الإخوان المسلمين السلاح، وأعادوا تنظيم أنفسهم في تنظيم عسكري سري في قطاع غزة، خصوصاً في الفترة 1952-1954، برعاية الإخوان المصريين، وبقيادة وإشراف كامل الشريف (وقد سبق أن نشرنا دراسة حول هذا العمل). ولذلك، كان تنظيم الإخوان هو من أوائل من أطلق العمل العسكري المقاوم بعد حرب 1948، إلى جانب بعض مجموعات المقاومة التي كان يرعاها المفتي الحاج أمين.

وقد كان واضحاً أن حركة فتح خرجت من بيئة الإخوان الفلسطينيين، وخصوصاً تنظيمهم العسكري، وتركزت عضويتها وتجنيدها على أفراد الإخوان في سنواتها الأولى؛ حيث نحت منحى وطنياً بعد أن قام نظام عبد الناصر بضرب تنظيم الإخوان ومطاردتهم، حتى تتمكن من متابعة المقاومة بعيداً عن حالة العداء للإسلاميين. ولعل القارئ يعلم الخلفية الإخوانية لخليل الوزير (أبو جهاد)، وعبد الفتاح حمود، وصلاح خلف (أبو إياد)، ويوسف عميرة، وكمال عدوان، ومعاذ عابد، وحمد العايدي، وهاني الحسن، وسليم الزعنون، ورياض الزعنون، ومحمد يوسف النجار، ورفيق النتشة، وأبو هشام المزين… وكثير غيرهم.

أضعفت المطاردات الشرسة للإخوان، وصعود التيارات اليسارية والقومية، من قدرة الإخوان والتيارات الإسلامية على العمل المقاوم، مما أدخلهم في مرحلة من الكمون والمحافظة على النفس، منذ منتصف الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات. غير أن الإخوان عادوا للمشاركة بفعالية في العمل المقاوم من خلال معسكرات الشيوخ 1968-1970 بالتنسيق مع حركة فتح.

ويبدو أن التيار الإسلامي الفلسطيني، أراد أن يؤسس حالة تنظيمية وشعبية قوية عميقة الجذور تستطيع الصمود والاستمرار عند الدخول في العمل العسكري المقاوم؛ ففضلوا التريّث في الوقت الذي نشطوا فيه دعوياً وتربوياً واجتماعياً ونقابياً. وهو تريُّثٌ لم يرضَ عنه عدد من شباب الإخوان؛ فقام الدكتور فتحي الشقاقي وعدد من رفاقه بتأسيس حركة الجهاد الإسلامي 1980، لتصبح هذه الحركة أحد أبرز قوى المقاومة المسلحة الفلسطينية منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

من ناحية أخرى، قام أبناء الحركة الإسلامية من فلسطينيي 1948 بإنشاء “أسرة الجهاد” أواخر سبعينيات القرن العشرين برعاية الشيخ عبد الله نمر درويش، وقيادة فريد أبو مخ وعدد من رفاقه، ونفذوا العديد من العمليات. غير أن الاحتلال الإسرائيلي تمكن من ضربها، واعتقال الكثير من أفرادها.

وفي أوائل الثمانينيات أنشأ الشيخ أحمد ياسين تنظيماً عسكرياً في قطاع غزة، غير أن سلطات الاحتلال تمكنت من ضربه، ومن اعتقال الشيخ أحمد ياسين وعدد من رفاقه 1984. وقد أفرج عن الشيخ أحمد في صفقة تبادل الأسرى في السنة التالية.

لذلك، فإن ظهور حركة حماس 1987 هو استمرار لمسيرة طويلة من العمل الإسلامي الفلسطيني المقاوم، الذي لم يتوقف على مدار المائة سنة الماضية.

الوهم الرابع عشر: إطلاق حركة فتح للرصاصة الأولى سنة 1965:

كما لاحظنا في مناقشة الوهم السابق، فإن المقاومة الفلسطينية المسلحة أصيلة وعميقة الجذور في التاريخ الفلسطيني الحديث؛ وقد قام رجالها بمواجهة الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني منذ البداية. ونشأت تنظيمات مسلحة سبقت انطلاقة حركة فتح بأكثر من أربعين عاماً. وانطلقت رصاصات أبطال المقاومة في ثورات القدس 1920، ويافا 1921، والبراق 1929، والقسام 1935، والثورة الكبرى 1936-1939، وحرب فلسطين 1948.

وقد يجادل مؤيدو فتح أن المقصود بالرصاصة الأولى هو الثورة التي تلت نكبة حرب 1948؛ غير أنه (كما أشرنا) فإن العمل المقاوم لم يتوقف بعد النكبة، فنشأ التنظيم العسكري للإخوان في قطاع غزة في النصف الأول من الخمسينيات، وقام بعدد من العمليات، وكان في قيادته خليل الوزير وعدد من رفاقه ممن أنشأوا فتح لاحقاً.

وحتى إذا كان المقصود بالرصاصة الأولى فترة الستينيات، فقد كانت هناك تنظيمات فلسطينية انشغلت بالعمل الفدائي أو التحضير له، مثل فرع فلسطين في حركة القوميين العرب الذي شكّل في أيار/ مايو 1964 “الجبهة القومية لتحرير فلسطين”، ومارس العمل الفدائي، وقدّم أول شهدائه في 2/11/1964 قبيل انطلاقة الجناح العسكري لفتح بنحو شهرين. كما أطلقت “جبهة تحرير فلسطين” عملها العسكري في منتصف 1965.

ومن الناحية التاريخية، ثمة تجاهل في الأدبيات الفلسطينية للعمل المقاوم في الفترة 1949-1956، حيث نفّذ أفراد فلسطينيون ومجموعات صغيرة الكثير من العمليات. وتعترف التقارير الإسرائيلية بعشرات الآلاف من الاختراقات الحدودية، كان جزء منها مرتبطاً بالعمل المقاوم. كما تعترف هذه التقارير بمقتل نحو 280 إسرائيلياً مدنياً، ونحو 260 جندياً إسرائيلياً في الفترة نفسها، حيث قُتل عدد كبير منهم على يد رجال المقاومة، أو من تسميهم التقارير الإسرائيلية “المتسللين”.

تمتلئ أدبيات حركة فتح بأنها أطلقت الرصاصة الأولى، حتى بدا وكأن ذلك بديهية لا تقبل النقاش، ونحن هنا معنيون ابتداء بإثبات الحقائق التاريخية. وحركة فتح لن تخسر كثيراً بالتخلي عن هذا الادعاء. فما هو أهم أنها عندما أطلقت رصاصتها استمرت دونما توقف، وعملت في أجواء وظروف صعبة وقاسية، وقد نجحت فتح في التعبير عن هموم الإنسان الفلسطيني العادي “غير المؤدلج”. كما قادت المشروع الوطني، وحافظت على شعبية واسعة، على مدى عشرات السنوات. وكانت العمود الفقري للمقاومة المسلحة حتى منتصف الثمانينيات، وشاركت بفعالية في الانتفاضات الفلسطينية. وما زال أسراها هم الأكثر عدداً في السجون الصهيونية.

ومن ناحية أخرى، فيجب التنبيه إلى أن عدداً من منتسبي فتح يستخدم هذه المقولة في التوظيف السياسي، بشكل يلغي أو يقلل من دور الآخرين، ويحاول أن يعطي الشرعية لمن أطلق هذه الرصاصة للتحدث باسم الفلسطينيين وتمثيلهم أو لإسكات الخصوم والناقدين والمنافسين؛ خصوصاً بعد أن تبنت فتح مسار التسوية السلمية وتولت قيادة السلطة الفلسطينية…، وهو ما أشرنا إليه في مقال سابق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
أوهام في العمل الفلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أوهام "قاتلة" و5 حقائق عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
»  العمل الفدائي الفلسطيني ينهض من الداخل
» مسار الكفاح الفلسطيني.. متى يعتبر العمل المسلح مقاومة وحركة تحرر؟
» بنود الإتفاق الفلسطيني - الفلسطيني في القاهرة: اسراع الحكومة في إنهاء الحصار.. والإعمار
» أوهام وحقائق حول فيتامين c

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة-
انتقل الى: