منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالأربعاء 17 نوفمبر 2021 - 9:09

إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي

عكفت لعدة أعوام على طرق فهم أزمة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في العالم العربي، وعمدت إلى البحث عن إصلاح العلاقة بينهما لصالح الوطن. ولكني وجدت أن إصلاح الحاكم والمحكوم أولوية متقدمة يبدأ منها كل برامج الإصلاح بكل جوانبه، وأسفت للصراع التاريخي بينهما في المنطقة العربية إذ أن كل ذلك ينخر في مصالح الوطن ويستفيد منها أعداؤه؛ ولذلك، فإن الخارج هو العدو الحقيقي للمواطن العربي لأن منه تبدأ المؤامرة عليه، وربما اتضحت خطوط المؤامرة بعد قيام إسرائيل كعامل مشترك فى كل جوانب الحياة العربية. فكان الصراع مع إسرائيل محل صراع بين العرب، ثم أصبح الاستسلام لها تحت مسمى السلام مصدر الصراع الجديد.

لقد تسابقت الشعارات القومية على تجميع العرب للصراع مع إسرائيل حتى صار الفصل ممكنا بين إسرائيل وفلسطين، فمعاداة الأولى لا تعنى بالضرورة نصرة فلسطين حتى وصلنا إلى مرحلة صار الانحياز لإسرائيل هو السياسة السليمة التي تضمن للحاكم حكماً مريحاً مضموناً ممن يمسكون زمام الأمور.

كانت النتيجة صراع بين الحاكم والمحكوم موضوعه إسرائيل حرباً أو استسلاماً، وراح ضحية هذا الصراع الآلاف من ضحايا العرب، ثم كان الفساد والنفاق والمنتفعون الداعمون للحاكم وذهبه وخوفاً من سيفه طبقة تتوسط الحاكم والمحكوم وانضمت لها معظم النُخب التي كان يفترض بها أن تكون صمّام الآمان لعلاقة الحاكم بالمحكوم.

والحق أن للحاكم أمراضاً وللمحكوم أمراض مماثلة؛ فإذا تمكنا من تشخيص هذه الأمراض بطريقة واقعية دون تجريح أو استخفاف، فسنستطيع معالجتها بحيث نعيد كلاً من الحاكم والمحكوم إلى حظيرة الوطن ووفرنا تكاليف الصراع لصالح الوطن والمواطنين.

لذلك كله، وضعنا برنامجاً لإصلاح الحاكم وبرنامجاً لإصلاح المحكوم، أي الشعب بصفته وعاء ينتج الحكام على كل المستويات فإذا صلح الوعاء ضمناً صلح الحاكم، أي الراعى. وفي هذه الحالة، يطوّر الوعاء آليات الرقابة على الحاكم بحيث يصعب أن يغرد استبداداً من طرف واحد؛ فالاستبداد مثل الرشوة لا بد لها من طرفين. وفي حالة الاستبداد، فإن ميل المحكوم إلى العبودية هو الذي يصنع الاستبداد والمستبدين، فالمحكوم هو الطرف الأقوى في جلب الداء.

وفي حالة الرشوة، يكون الراشي هو الذي خلق المرتشين. وفي حالة السرقة، يكون السارق هو الطرف البادئ، ولكن إهمال الشخص المسروق يسهل للسارق مهمته. وجريمة الزنا تبدأ بالمرأة؛ ولذلك، نبهنا القرآن الكريم إلى هذه الحقائق فقدّم الزانية على الزاني ولكنه قدم السارق على السرقة، كما قرر الرسول الكريم(ص) أن الراشى والمرتشى في النار.

ولإصلاح المحكوم أهمية خاصة لتحقيق التقارب مع الحاكم الصالح؛ وما دام إصلاح الحاكم والمحكوم هو لصالح الوطن، فإن تجاوب الحاكم والمحكوم مع برامج الإصلاح تختلف. فالمحكوم يهمه التجاوب مع برامج الإصلاح، ولهذا اقترحنا برنامج سد الثغرات المعرفية عند المصريين والعرب، وهذا البرنامج لا بد أن يتبناه الحاكم العربي لما في ذلك من نفع هائل لشعبة ووطنه، وتسهيل لخطابه مع هذا الشعب، وتحويل وظيفة الإعلام من تضيع العقل إلى استرجاع العقل.

لاحظنا أن برنامج سد الثغرات المعرفية لا علاقة له بمطالبة الحاكم بالمشروعية والشفافية والمحاسبة والنطق بالحقائق؛ ولذلك، لم أصدق تحفّظ بعض الأصداقاء انطلاقاً من أن الحاكم العربي يحرص على ضياع العقل العربي، وهذا البرنامج يسعى إلى توفير الوعي. هذا التحفّظ يحمل بعض الوجاهة، ولكن لا بد من إفهام الحاكم أن البرنامج لمساعدته وليس إحراجه أو تزويد المعارضين بزاد للمعارضة أو الظهور والمزايدة لأن البرنامج رسالة والرسالات لا تقبل الميل للاستغلال وسوء النية.

على أن تفهّم الحاكم وتجنيد الدولة لانجاح البرنامج هو آهم ضمانة لنجاحه، فالوطن لا يحتمل أن يتحول البرنامج من الإصلاح إلى تعقيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وصبّ المزيد من الزيت على النار، فالجميع لا بد وأن يشعر بالمسؤولية وأن يبحث عن كل ما ينقذ الوطن من تبعات التوتر بين الطرفين.

من هنا، أعتزم عرض المشروع على رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزيرة الثقافة قبل الشروع في تنفيذه وذلك بعد التمهيد الإعلامي الجيّد له؛ فإن كان الظرف مناسباً للشروع به، فهذا خير وبركة. وإن بدا غير ذلك أجلنا طرحه، حيث أننا نلتزم بقاعدة السلف الصالح لجهة التعاون على ما اتفقنا عليه وإعذار بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالأربعاء 17 نوفمبر 2021 - 9:09

هل يمكن إصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم العربيين؟


الحكام العرب استبدوا بشعوبهم وجاروا على أوطانهم، قمعوا شعوبهم، ووزعوا ثروات الوطن على حملة أعمدة عروشهم، وعقدوا تحالفات مصلحية أظهرت خبرة العقود الماضية أنها كانت ضد الوطن والمواطن.

لقد طالبت الشعوب بالتغيير السلمي في السياسات أو في الأشخاص. لكن تمسك الحكّام بالسلطة وعدم إكتراثهم بمطالب الشعوب والمسارعة إلى قمعهم، كان إعتبارهم للمطالبات بالتغيير السلمي “وقاحة”، وتجاوزاً من الشعوب ضد حكامهم، وإنكاراً لجميلهم.

فلما سد الحكام العرب كل منفذ للتغيير السلمي بأن يُغير أو يَتغير، إنفجر الشعب في ثورات متتابعة، فإنقض عليها الحكام وتحالفاتهم الداخلية والخارجية بالمقابل من أجل “تأبيد” الوضع الراهن أو ما يعرف بالـ status quo.

ولما كان هذا الوضع الراهن يضر بالوطن والمواطن، بات من البُد تغيير السياسات أو تغيير الحاكم. ولما كانت الثورات تشكل خطراً على الأوطان أي “الفوضى” التي لا تقل خطراً عن حراسة الحاكم للوضع الراهن، الذي يتم فيه مصادرة حريات الشعوب وإطلاق يد الحاكم في كل شيء فيتفاقم الفساد ويعطب المجتمع وتتعرض الدولة الفاقدة للإستقلال للزوال بعد أن غير الحاكم وظيفة الحكم من رعاية الوطن والمواطن إلى جلد المواطن والتصرف بشكل شخصي في الوطن إعتماداً على تملك كل أدوات السلطة والمقدرات. وفي ضوء هذه القراءة الواقعية، فكّرت في حلحلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وذلك من خلال مناقشة عدة قطاعات حاسمة تتحكم في هذه العلاقة.

القطاع الأول، تمسك الحاكم بالسلطة وممارستها بشكل مطلق، وإستخدام الفساد لدعم السلطة المطلقة، فأفسد قطاعات من الشعب إنحازت إلى مصالحها ضد مصالح الوطن، إما جهلاً أو انتهازية. زد على ذلك، أن الحاكم لا يشعر أن حكمه مشروع؛ لذلك، يحرص على التوسع في الإنفاق على الأتباع، ويتوجس خيفة من الكفاءات خاصة الشرفاء من العلماء ورجال الدين، ثم عندما يمكث في السلطة مدة طويلة، وهو الأغلب، يصاب بـ “أمراض السلطة” التي تضاف إلى أمراض جينية فطرية عنده.

بإعتقادي، إن تخفيف تمسك الحاكم بالسلطة، حتى لو كان ذلك بين دوائر صغيرة مثل جماعات المصالح التي تهيمن على المؤسسات وتوازياً مع ذلك، لا بد أن يظهر إتجاه بين المساعدين لرفض منهج الحاكم المتطرف في إضراره بالوطن، ولا بد من تهذيب نفس الحاكم وغرس الأخلاقيات فيه لأن نهم السلطة يزيح كل ستار أخلاقي.

القطاع الثاني، إستسلام الشعب لنزوات الحاكم، إما بالإعلام أو القبضة الأمنية. وليس مطلوباً من الشعب مطلقاً أن يثور على هذا الحاكم، ولكن المطلوب أن يستعيد عقله ويتحدى إعلام الحاكم ويستأنس شراسة الأمن بلا مواجهة أو عداء في إطار الأوساط الاجتماعية.

القطاع الثالث، توعية النخب التي يستعين بها الحاكم في كافة المجالات، والقول “إذا عمل الحاكم لمصلحة الوطن وليس لمصلحة الحاكم وأتباعه، وجب معاونته ودفعه إلى خططه وإعانته عليها لأن ذلك خدمة للوطن من خلال الحاكم المستنير.”

القطاع الرابع، علاقة الحاكم بالخارج، وهذا ما يعتبر من أصعب القطاعات، برأيي، لأن الخارج يعتقد أن مصالحه في تدمير الأوطان والهيمنة على الحاكم، هذا إن لم يتحكم في تنصيبه وضمان إستمرار حكمه.


لتحقيق ذلك، لا بد من العمل على عدة جبهات؛ الجبهة الأولى، تتعلق بالخارج. الجبهة الثانية، تتعلق بإستعداد الحاكم وحاجته الماسة إلى الخارج الذي يستمد منه شرعية حكمه وتأمينه دون أن يتلاعب الخارج بالحاكم من خلال النفاذ إلى عناصر داخلية ترغمه على سلوك معين لصالح الخارج، وهي نقطة حساسة يخشاها الحاكم رغم أنه يرى بنفسه تجارب وخبرات يستعين الخارج فيها بالحكام. فعندما تنتهي مهمتهم، يتخلص ذاك الخارج منهم بطرق مختلفة ولقد حدث ذلك في معظم الدول وخاصة العربية منها. فمنذ رحيل الإستعمار، يرى الخارج بأنه هو من حرر الوطن وأنشأ الدولة الوطنية فصارت ملكاً للحاكم وليس للشعب؛ لهذا، يحارب الخارج أية ممارسة ديمقراطية عربية، حيث يستعين بإسرائيل لإحباط أية فكرة بناءة للديمقراطية والتنمية.

علاج هذا الإشكال يتم بخطوات كبيرة لا بد منها، نخص منها خمسة أساسية:

الخطوة الأولى، ضرورة وضع خطة تحقق مصالح العرب وأوروبا دون حاجة إلى التآمر على العرب أو إستخدام الحكام العرب في مخطط يحقق مصالح الحكام والغرب ضد الأوطان.

الخطوة الثانية، ضرورة تشكيل مجلس عربي – أوروبي مشترك يضم مجموعة من الشخصيات المستنيرة لمناقشة خطة المصالح العليا للأوطان وكيفية الإلتزام بها، وأن تنتخب حكومات أوروبا على هذا الأساس وتقيِّم على هذا المعيار بحيث تكون الحياة والإستقرار والإزدهار للجميع وحل جميع المشاكل العالقة بين العرب المسلمين وأوروبا.

الخطوة الثالثة، تنشيط دور الجاليات العربية والإسلامية في الغرب بحيث تتخلى عن سلبيتها وتنخرط في عملية بناء الجسور الجديدة.

الخطوة الرابعة، التواصل مع شرائح الشعوب العربية والأوروبية، والعمل مع المؤسسات الديمقراطية، وعقد مؤتمر سنوي للمراجعة وفق تقرير اللجنة المشتركة للرصد في الجانبين.

الخطوة الخامسة، ضرورة دراسة خريطة المصالح العربية – الأوروبية وركائزها، ودور التواطؤ بين حكام العرب والحكومات الأوروبية ضد الشعوب العربية.

الخطوة السادسة، ضرورة إنهاء الحكم الأسري والحزبي والعسكري على مراحل، وتطعيم المكون المدني بكل القطاعات حتى يستحوذ على كل مرافق الدولة كي يتم الإلتزام بالقانون الصحيح.

الخطوة السابعة، إعداد برامج نفسية وثقافية لكي تتغير نظرة الحكام ووسائل حكمهم إلى شعوبهم، وتغيير نظرة الشعوب إلى حكامها.

الخطوة الثامنة، ضرورة تشكيل مجلس من المتخصصين لمساعدة الحاكم وترشيد قراراته، ووضع برامج لمدة 5 سنوات يتم فيها تخلي الحاكم عن الإمتيازات غير القانونية، وتجريد المنصب من الإمتيازات حتى يكون خدمة عامة وليس وسيلة للنهب أو التربح.

الخطوة التاسعة، إصلاح المؤسسات بحيث تصبح مؤسسات الدولة، وليس الحاكم، هي الأساس في الحكم، وأن توضع أمامها مصالح الوطن لكي تتعاون على تحقيقها.

الخطوة العاشرة، وهي المرحلة الأخيرة حيث يتحول المكون المدني إلى مكون أساسي، ويتراجع المكون العسكري إلى المعسكرات على الحدود، كما يتراجع المكون الديني إلى دور العبادة مسلمين ومسيحيين، بحيث يتم الإعتماد على الكفاءة وحدها بصرف النظر عن إنتساب المتقدم إلى أي مكون بعد مرور عشر سنوات من التحصين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالأربعاء 17 نوفمبر 2021 - 9:10

هل تعلمت الشعوب العربية الدرس؟

كثيراً ما نسمع ونقرأ عن قيام حكومات بمحاكمة رموز الفساد في بلادها، وسوقهم إلى المحاكم بتهم فساد ترقى لأن تكون جرائم ضد الوطن أولاً وضد الشعوب ثانياً؛ هذا الأمر في عنوانه العام يتصدر وسائل الإعلام العربية، ويقول إن هذه البلاد حريصة على أوطانها حرصها على نفسها، ويسعدنا حقيقة إن صح ذلك، ولكن!!!

منذ سقوط الخلافة العثمانية، أي قبل قرون مضت وإلى يومنا هذا، لا نزال نسمع عن محاكمة رموز الفساد، خصوصاً من قبل الأنظمة الجديدة التي ورثت ملفات النظم السابقة، إن كان عبر الإنقلابات أو الثورات، أو حتى بوفاة الزعيم أو الرئيس، وتخرج علينا مفردات عن محاكمة النظام الديكتاتوري ورموزه، أو من قام بمجازر جماعية وإرتكب جرائم حرب، أو من سرق قوت شعبه، أو أو أو.. إلخ.

كل هذه العناوين يجب التوقف عندها، خصوصاً أننا قد خبرناها منذ نعومة أظافرنا. لكن السؤال الأهم: هل تعلمت الشعوب العربية الدرس؟

“سياسة القطيع”

لا نستطيع القول، ونحن في القرن الـ 21، أن الشعوب العربية تعلمت أي درس طالما هناك من يساق خلق شخص واحد، زعيم أو عالم دين، أو رئيس منصب ما، أو ما شابه ذلك. حتى اليوم، لا يزال التهليل والتبريك للأشخاص أكثر من التهليل والتبريك للأوطان؛ فهل أصبحت الأوطان درجة ثانية والزعماء هم الوطن بالنسبة للشعوب؟ قد يقول قائل، إن خرج البعض وشذّ عن هذه القاعدة، سيقتل أو يسجن. هذا صحيح، فسياسة القمع مرافقة وملازمة لـ “سياسة القطيع” وإلا ستنهار المنظومة التي خدرت الشعوب العربية عبر تعاقب أجيال كثيرة.

هذا الزعيم لم يأتِ لوحده، بل جاء عبر الشعب وبمباركة منه، ما يعني أنه شريك، بشكلٍ أو بآخر، في صناعة هذه الأنظمة الفاسدة، فيصبحون شركاء في صناعته والتبعية المطلقة له عبر الهتاف والتصفيق للزعيم الأوحد بعبارة قديمة – جديدة “عاش الزعيم” أو هتافات تحمل صبغة دينية.

هنا، دعونا نضيء قليلاً على بعض الأمثلة. في أي نظام وحزب حاكم في بلادنا العربية، سواء كان إسلامي أو علماني أو عسكري، يتغلغل الفساد فيها جميعاً، والأنكى أنه يتلطى خلف قيادة صاغت رموزها السياسات على قياس أطماعها وتبعيتها وولاءها. لا ضير بالنسبة لهم طالما أنهم يحافظون على كراسيهم ومناصبهم؛ في هذه الحالة، الفساد لا عنوان له، وهذا مربط الخيل، إذ علينا أن نتقبل ونرضى بذلك لا بل أكثر.

هنا، أتذكر عند فوز الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بالرئاسة وكم فرح العرب، حيث أُطلقوا عليه حينها لقب “أبو حسين رئيس أمريكا”، حينما ظنوا أنه بأصوله مسلمة سينقذ ما خرَّبه أسلافه دون أن يتبصر أحد منهم في مفهوم “الدولة العميقة” ومخططاتها تجاه تدمير الأمة العربية. ففي عهده، لوَّح بضرب دمشق، فلا نفعت أصوله المسلمة ولا علمانيته ولا لونه ولا شيء آخر.

الأمر نفسه بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إبان مشاركته الحرب إلى جانب سوريا، حيث خرجت عبارات شعبية مثل “أبو علي بوتين”. هي واضحة المعنى وإلى ماذا ترمز. فلنفكر قليلاً، هل جاءت روسيا أو دخلت أمريكا وإيران إلا وللجميع مصالحه وتحالفاته؟ إلى متى هذا “التصحُّر الفكري” لدى الشعوب؟ يتكلمون ولا يفعلون، لا بل يعيدون تدوير الزوايا دون الخروج من هذه الدائرة!

صنّاع الديكتاتوريات

لا يختلف أحد أن المجتمعات العربية منقسمة على نفسها، هؤلاء يهتفون للعلمانية، وهؤلاء لـ “علي” وهؤلاء للخلافة الإسلامية، وكم من رئيس حمل إسم زعيم ديني وآخر ثوري، وما شابه ذلك، إلى أن وصل البعض للقول إن بلاء الأمة بسبب “الإخوان المسلمين”، والبعض الآخر إلى “ولاية الفقيه”، والآخر إلى “البعثيين”، كرموز نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وحتى “الناصريين”. نلاحظ أن جميعهم لم يسلم من تحميله وزر ما يحدث، سواء كان ذلك صحيحاً أم لا. فلقد تعودت الشعوب العربية أن تلقي التهم بما يتناسب مع أهوائها لمجرد إختلاف النهج أو العقائد أو الميول السياسية. المشكلة قطعاً وبدون أدنى شك تكمن في الشخصية العربية “الإنهزامية” التي تعقد الآمال على شخص واحد، دون أن تعمل أو تحاول العمل على إيجاد منظومة حكم لا شخصية لتحكم. إن صاغ لها قانوناً لا يعجبها، ثارت وإنتفضت، وغضبت، وإن أعجبها سكتت ورضيت؛ في كلتا الحالتين، لم يكن لها خيار وقرار الرفض أو القبول. كم من مظاهرات شهدناها مؤخراً؟ ماذا حققت؟ الجواب هو “لا شيء على الإطلاق”، بل إن أوضاعها تردت أكثر من ذي قبل.

لقد تناسى العرب أنهم هم من صنعوا الديكتاتوريات السياسية والمذهبية والحزبية وإجتهدوا في صانعة وصياغة “الفساد العشائري”، فإلتفافنا حول هؤلاء إلتفافاً عشائرياً لأن طبيعة وتركيبة العرب، بمجملها، عشائرية صحراوية وبدوية أخذت طابعها الحالي، بين الأديان والسياسة وتكتلاتها ومجالس عسكرية وغير ذلك. من خلال ما سبق، نستنتج أن هذه العقلية تميل بطبيعتها إلى الحروب والإنتقام والتصفيات رغم مظلوميتها، فتلك الشخصية العربية تحمل كل التناقضات معاً.


ما نقصده هو أنه إذا كانت الرموز والحكام والساسة فاسدة وظهرت فئات تريد تغييرها، وتغيرت الأنظمة والأشخاص بالفعل، فإن هذا التبديل ليس إلا بالأسماء إذ يبقى الفساد متربعاً على عرش الأمة جمعاء. فهذه الرموز الجديدة، لن ترتدع أو تخاف من أن تلقى مصير من سبقها، بل على العكس، حيث يمثل الفساد “موروثاً” خالداً وكأنه هو الأساس لأي حكم أو واقع لن يتغير.

ثقافة مفقودة

إن المشكلة التي نعاني منها تكمن في غياب ثقافة المؤسسات، والعقلية المؤسساتية التي تعمل لصناعة الأوطان بدلاً من تكريس عشائر أو طوائف أو أحزاب معينة. إن العقلية مؤسساتية تستطيع أن تحاكم وتحاسب وتشير إلى الأخطاء بعدالة خالصة هذا إن لم نقضِ على الفساد ككل ولو تدريجياً. عندما نؤمن بأن هناك مؤسسات تربوية وحكومية وهناك تكريس لمبدأ “تداول” السلطة بشكل صحي وسليم، وديمقراطية حقيقية شفافة، وقانون ودستور (كالدستور الأمريكي الذي يحدد بقاء الرئيس نفسه ولايتين متتاليتين فقط)، حينها سنجد أن هناك محاسبة حقيقة، لأي مسؤول بل لأي رئيس؛ عند ذلك فقط، يمكن أن نقول بأننا قد أصبحنا ضمن مصافِ الدول المتقدمة، غير التابعة أو الخانعة أو المرتهنة لأحد.

تخدير الشعوب

كل منا يسمع ويشاهد زيارات على مستوى رئاسي أو وزاري، عربي – غربي أو عربي – عربي، وتوقيع إتفاقيات أمنية وثقافية وتجارية، ونتوقف عند الأخيرة. ليست كل البلاد العربية دول منتجة، بل مستهلكة لكل شيء، رغم أن بعضها يمتلك مقومات الإنتاج، من زراعة وصناعة ويد عاملة، لكن لا يوجد شيء منها على أرض الواقع. عند توقيع بروتوكول إتفاقيات تبادل تجاري يتبادر سؤال طبيعي إلى الذهن: ماذا ستصدر هذه الدول التي تعاني أصلاً من إقتصاد منهك؟ ومع ذلك، تسحب المليارات من خزائن الدول لصرفها على مشاريع إفتراضية، في معظمها. فماذا تجني الحكومات والمسؤولون الفاسدون من اي تطور إقتصادي صناعي أو زراعي أو تجاري، إلا صرف الأموال، وحرمان الشعوب من خيرات بلادها، ومشاركة الطامعين بإفقارها.

إذاً، قوة الدول هي بقوة إقتصادها. بالتالي، إن أي تطور في دولة ما دولة مرتبط بتحقيق العدالة وإحقاق الحق وهذا هو بالضبط ما نفتقر إليه. لا تكاد تخلو دولة عربية من هذا الأمر، خاصة عندما نرى الطاقات المهدورة، والشباب المتعلم والذي لا يملك فرصة عمل، فلهذا الأمر مفرزات إجتماعية تزيد الأوضاع تعقيداً وأبرزها “هجرة العقول” بحثاً عن تقديرها وإنصافها لكن الأهم هو البحث عن العمل الذي تفتقر إليه في بلادهما. للأسف، على هذه العقول موالاة الحكام، لا الكفاءة، للإستفادة من فرصة عمل تقيها شبح العوز. كيف لا وهناك مؤسسات في الدولة توالي أشخاصاً لا أوطاناً، كبعض الجيوش أو الفرق العسكرية قديمة أو حديثة العهد، في حين أن واجبها موالاة الوطن، أولاً وأخيراً، والتقيد بالدساتير والقوانين.

إذا أردنا علاج كل هذه القضايا، علينا أن نؤمن بالمؤسسات ونبني إقتصاداً قوياً حقيقياً منتجاً، فنأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، وننهض بهذا الإقتصاد في كل الميادين والمجالات، ونصنع هويتنا العربية الحقيقية غير المرهونة لأحد، توالي الوطن وتخدم الشعب وتحقق العدالة الإجتماعية. لكن اليوم، تعتبر محاكمة رموز الفساد والديكتاتورية “كذباً” يروجه الإعلام “الرسمي” للدول التي تعمل على إنتهاك حقوق الإنسان والمواطن، فلقد دمرت كل ما هو جميل وأصيل ورأينا مفرزات ذلك بصورة تجار الحروب والمسؤولين السياسيين والإقتصاديين.

للعلم، إن لم يعالج الجميع هذه الظاهر فسنفقد كل معاني الإنسانية والشرعية، دولاً وأفراداً؛ بالتالي، علينا الخروج من العقلية العشائرية ونفعل المؤسسات التي تستطيع مكافحة الفساد والحد منه. إن التفكير العشائري المغلف بصبغات عدة، مذهبية أو حزبية وأحياناً من دون صبغة. ولكن، كيف يمكن لك أن تكرر الخطأ وأنت تعرفه؟ وتنادي بالإصلاح وأنت تقتله؟ وتطلي من الآخرين أن يرحموك وأنت من تصنع من الضعفاء سجانين لك؟!

وطنك بحاجة إليك لكنك تستهين بنفسك وبقدرتك على التغيير. متى ما تحررنا من الإنتماءات الداخلية والخارجية سننتصر بإذن الله، فـ “الدين لله والوطن للجميع”. يجب أن نرى الوعي الحقيقي من قبل الشعب العربي كله، وأن يتوحد الصوت، فلا تصنعوا طغاة جدد عليكم، كافحوا رموز الفساد والديكتاتورية، وطالبوا بما هو حق لكم. البداية هي الإيمان بدور المؤسسات التي تعتبر “المنقذ العابر” إلى بر الأمان في وجه الطغمة الفاسدة. تمسكوا بما هو حق لكم، تمسكوا بـ “العقد الإجتماعي”، كما قال الفيلسون جان جاك روسو، لأنه الوثيقة الحقيقية التي تقوي وعي الشعب العربي، ولنخرج منه بقوانين جديدة تحمينا. لو وجد معي شخص يشارك ويتبنى مداميك هذا المشروع لنخرج قوانيناً جديدة تحمي الشعوب، فسأكون أول من يُقدم على ذلك من أجل النهوض بأمتي وأبناءها.

أخيراً، يجب التنبه والحذر إلى كل الكلام الذي يُستخدم لدغدغة مشاعر الشعوب، بعضاً منه مغلف بغلاف طائفي، أو حزبي أو قومي أو شرقي أو غربي. تذكروا، لا يوجد نظام على الأرض يخلو من العيوب وأبرز الأمثلة على ذلك هي الولايات المتحدة، “أم الديمقراطية”. كلنا تباع حادثة قتل جورج فلويد مؤخراً، أفعال التعذيب الشنيعة في سجن “أبو غريب” العراقي وسجن قاعدة غوانتانامو. كل ذلك لا يعني أنني أستثي بلداً عربياً أو غربياً، مهما تلطى خلف دين أو حزب؛ فللجميع إنتهاكاته الخاصة بحق شعوبه من أعمال لا إنسانية، كالمقابر الجماعية عمليات الإخفاء القسري والتصفيات الجسدية، إذ أن لكل منهم ديكتاتوريته وأسلوبه القمعي، وإنتهاكاته بحق الإنسان. فلا يرمينَّ أحد الآخر بما لديه أصلاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالأربعاء 17 نوفمبر 2021 - 9:10

القطان: الأوطان أولاً ومن ثم السياسات الحاكمة

حوار: سمر رضوان

ما يحدث في بعض البلاد العربية، من إحتجاجات شعبية تطالب بتوفير مقومات الحياة الكريمة لها، يجعل من كل عربي معنياً بمشاركة أحوال الأمة مع إحترام خصوصية كل بلد ونهجه، ومن دون التدخل في الشؤون الداخلية أو المساس بالتركيبة السياسية لها.

حول الإحتجاجات الشعبية الحالية في كل العراق ولبنان والمواقف العربية منها، سأل مركز “سيتا” المفكر والباحث الكويتي عبد العزيز بدر القطان، حول هذا الموضوع.

تأثير الجوار

لطالما كنت مدافعاً عن الإنسان عموماً، والعربي على وجه الخصوص، في معظم كتاباتي ولقاءاتي لدرجة إلقاء الإتهامات حولي وإتهامي بالتبعية لجهات معينة وما إلى ذلك. على الرغم من إجهاري ليلاً نهاراً من أن أسمى ما أحمل هو القضية الفلسطينية والقدس كبوصلة لي، والعدو الأوحد هو الكيان الصهيوني، ومن لا يعلم إن المقاومة ثقافة قبل أن تكون رصاصة وبندقية ضد الأعداء، والجميع يعلم أنها ليست حكراً على فئة معينة بل هي إمتداد لكل أحرار العالم على مختلف توجهاتهم خاصة اؤلئك الأشخاص الذين يملكون حرية القرار والفكر والإستقلالية. إن المظلومية تقع على الجميع، ولا تقتصر على جهة بعينها، لكن هناك من يعمل على تحوير وتدوير الأزمات.

هنا نقولها وبكل وضوح: نحن مع الشعب حتى يُنصَف. وكما الحالة السورية فإن كانت ثورة لأجل الإنصاف نحن معها، لكن إختلفنا عندما قام توجيهها نحو القتل والدمار؛ وبالتالي، خرجت عن مسارها الذي كان ليقف معه كل أحرار العالم.

إن من يريد إنصاف المظلوم لن يقف أحد في طريقه حجر عثرة ليكمل ما بدأ به، فالساحة العراقية ساحة متشعبة وولاءاتها متعددة وهذا ليس سراً. لكن اللافت فيها هو إعلاء الصوت والمطالبات بتغييرات تحقق للمواطنين العيش بكرامة. الأمر نفسه في لبنان، فمن خرج من الجموع فعل ذلك بعفوية ليرفع عنه الظلم بعد التراكمات الطويلة، ولعل الظروف المحيطة بكلا البلدين كان لها العامل الأكثر تأثيراً عليهما، كالإرهاب في كل من سوريا والعراق، والذي أثر سلباً بكل تأكيد على واقع المعيشة في معظم البلاد العربية.

آلية عمل

عندما نريد أن نحافظ على شعوبنا ونصونها، يجب علينا تفعيل آليات عمل وخطط وأفكار تمنح العدل بين الجميع. وهنا لا أقول ذلك وكأني أتدخل في شؤون الآخرين بل من منطلق إنتمائي إلى ثقافة الإنسان، لكن من الواجب والأخلاق أن نقف مع المظلوم أينما وقع الظلم؛ فبلادنا العربية بلاد خيرات وتملك المقدرات، ويجب أن يمنح التوزيع العادل.


هنا، أود الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أننا في الدول الخليجية ننعم بما يعتقده البعض، أيضاً في بعض مناحي الحياة يقع الظلم على الشعب، ولا يوجد بلد كامل وعادل، لكن على الأقل يجب أن يكون هناك خطط عمل من شأنها تأمين قوت الناس وتوفير أبسط مقومات الحياة طالما هناك إستطاعة.

تحصين البيت الداخلي

يجب ألا نغفل عن العدو الأزلي الكيان الصهيوني. فإذا ما حدث أي شرخ لا سمح الله، ستخرج الإحتجاجات العفوية عن طبيعتها وسيقوم “الطابور الخامس” بركوب الموجة، والتأثير على الوضع الداخلي. على سبيل للمثال، في لبنان، إن إختلفنا أو إتفقنا، ليس من مصلحة أحد أن يضع المقاومة اللبنانية كوسيلة للتأثير على الأوضاع الداخلية، رغم أنها جزء من هذا البلد ومعنية كباقي الأطراف، لكن يجب الفصل لجهة عدم التخوين وكأنها غير معنية بالشأن الداخلي. وأنا شخصياً ومن خلال إنتمائي لمحور المقاومة، أشد على يد كل المسؤولين أن يوجدوا الحلول لشعبهم من دون المساس برمزية المقاومة وقياديها، وقد تشكل إستقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، مقدمة صحيحة تتجاوب مع مصالح الشعب، مع عدم إغفال ضرورة تحصين البيت الداخلي، كما طالبنا في العراق، ليكون منيعاً ضد الأخطار الخارجية وضد أي متربص بهم.

ومثالي الحي على ذلك، وعلى الصعيد الشخصي وبصفة إعلامية، أنني توقفت عن إكمال بعض البرامج لأبقى مستقلاً، لأتكلم كإنسان حر يُعنى بشعوب العالم ويهتم لقضاياها. فأنا مع الحق أينما وجد، ومع النقد البنَّاء، لا مع أن أكون ناطقاً بإسم أحد سوى ما يمليه عليَّ ضميري وقناعاتي.

كإنسان عربي، تعنيني كل شعوب الأرض، فكيف وإن كانت بلاد ما بين النهرين وعروس بلاد الشام؟! فمن لبنان كانت إنطلاقتي ومنها دخلت قلب كل بيت وكل عربي، وأفتخر بإنتمائي لمحور المقاومة والذي ما عهدته إلا أكثر المنصفين وهذا ما أريده منه. هنا، أستشهد بمقولة للسيد محمد حسين فضل الله “إننا نخاف من الناس أن يفكروا، نحن الذين نعتبر أنفسنا خطأً أم صواباً، في مواقع القيادة، وفي مواقع المسؤولية، في الدين والسياسة والإجتماع، نحن نخاف من الناس أن يفكروا ولذلك نمنعهم من التفكير.”
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 9:19

الإعلام وسلوك القطيع: فن قيادة الخِراف إلى المذبح

دكتور محمد عمارة تقي الدين
“إن معرفة فن التأثير على مُخيلة الجماهير تعني معرفة فن التحكم بها”، هكذا يصف المفكر الفرنسي جوستاف لوبون في مؤلفه الرائع (سيكولوجية الجماهير) فن إدارة القطيع عبر التوجه بالحديث إلى عاطفتها وقلبها دون عقلها، وهو الأمر الذي تعاظم تأثيره في أيامنا هذه في ظل الانتشار الواسع والتطور الهائل في وسائل الإعلام.
إذ تكمن خطورة تلك الوسائل الإعلامية في مقدرتها على حشد جموع كبيرة من الجماهير وراء فكرة ما وتأييدها بشكل مطلق مهما كانت سلبيتها، ومن ثم دفعهم للتصرف من دون تفكير لإنفاذ هذه الفكرة في عالم الواقع بغض النظر عن العواقب من ورائها، وكأن ما تقوم به هذه الوسائل الإعلامية هو من قبيل عمليات التنويم المغناطيسي، ولكن خطورتها أنها لا تتم بشكل فردي وإنما في شكل تنويم جماعي.
ومن ثم يتشكل العقل الجمعي بمفهومه السلبي الذي يتسم بالانصياع الأعمى والانقياد اللإرادي والانسياق اللاواعي خلف الأيديولوجيات المختلفة بتجلياتها الدينية أو الطائفية أو القومية، فهي إذن عملية تغييب تامة للوعي الإنساني، وتعد جماعات العنف مثالاً صارخاً على هذا السلوك، إذ يخلع الفرد المنتمي لها عقله على عتبات الجماعة لتتلبسه حالة متفاقمة من الخضوع والإذعان التام.
وفي هذا الشأن يشرح إميل دوركايم في نظريته “قهر العقل الجمعي” كيف يقهر هذا العقل الجمعي الإنسان ويُخضعه له بشكل مطلق فيصبح واحدًا من القطيع، فهي إذن قوة آمرة أو سلطة قاهرة، تجبر الفرد على الانصياع التام لها والتقليد الأعمى لسلوكها، أو ما يُسمى بالجبرية الاجتماعية وفقاً لدوركايم.
وعليه تنشأ مجموعة من الخصائص التي تُميز الجماهير التي تسير في شكل القطيع وهي: القابلية للتحريض المتسرع والعنيف ضد العدو الذي اختلقه لهم قائد القطيع، السذاجة وسرعة تصديق ما يطرحه قائد القطيع من فكر دون تمريره على العقل، اللجوء للعنف وتبني الحلول الجذرية، المبالغة في العواطف والدفع بها إلى حدها الأقصى ومن ثم خفوت التفكير العقلاني وصولاً لدرجة الانطفاء التام.
وفي مجتمع القطيع، وكما يذهب البعض، يفقد الفرد فرديته بشكل مطلق ويذوب في المجموع ويتماهى معه بشكل تام فيبدو شخصاً آخر ذو سمات شخصية وسلوكية متناقضة تماماً مع سماته الحقيقية، فهو في الواقع وبعيداً عن القطيع نجده يفكر بعقلانية ومنضبط المشاعر والسلوك، أما في الحشد وداخل القطيع فهو ينزع نحو الانفعالية والتطرف في السلوك والمشاعر لأقصى درجة متخيلة، فها هو عقله وقد أقاله تماماً، بل قتله بدم بارد وذهب به إلى ثلاجة حفظ الموتى.
وهو ما دعا مارك توين لأن يحذرنا من مغبة الانجرار وراء القطيع، إذ يقول: ” كلما وجدت نفسك منجرفاً في طريق الأغلبية دون تفكير، فعليك أن تتوقف دون تردد وتغير اتجاهك في التو واللحظة”.
يُعرِّف البعض عقلية القطيع أو سلوك القطيع  (Herd behavior) بأنه:” الميل السلوكي عند الأفراد لاتباع رأي الجماعة التي ينتمون إليها دون تفكير، فسلوك القطيع هو اتباع الفرد سلوك الجماعة التي ينتمي إليها دون التفكير فى منطقية هذا السلوك، فهو تنازل الفرد طواعية عن عقله المستقل الواعى ليتبع غيره باعتبار أن هذا الآخر هو أكثر فهما ودراية منه”، ويطلقون على قائد القطيع المحرك الكُلي، وخير مثال على ذلك حركة أسراب الطيور المهاجرة، أو حركة مجموعات الأسماك عبر البحار، وكذلك قطعان الحيوانات في الغابات.
وهي في منهجها وآلية عملها تتبع واحدة من المغالطات المنطقية، وهي مغالطة التوسل بالأكثرية أو مغالطة عربة الفرقة، وتقوم على افتراض صحة ما يقوم به أو يفعله أو يؤمن به أكثر الناس فما دامت الأكثرية تفعل ذلك فهو بالضرورة صحيح وذلك حسب هذا المنطق المغلوط، فهي تعتبر موقف الناس بديلا عن الدليل المنطقي، فمعظم الناس يميلون إلى الأخذ بالسائد والمنتشر كونه الأسهل لهم والأقل خطورة، ولكنه فعل ينطلي على خطأ منطقي كبير، فهل يمكن للمرء أن يدعي أن التدخين مفيد للإنسان، لمجرد أن أعداد ضخمة من البشر يفعلون ذلك؟
إن أول من أطلق هذا المسمى (سلوك القطيع) هو عالم الأحياء هاملتون، إذ أكد أن :” كل عضو في مجموعة ما يخدم نفسه بالدرجة الأولى حيث يقلل الخطر عن نفسه بالدخول مع الجماعة والسلوك بسلوكهم هكذا يظهر القطيع بمظهر الوحدة الواحدة، حيث يتبع الفرد الأضعف أو الأقل نفوذاً من هم أقوى منه وأشد نفوذاً”، فالسيف المُسلط على رقاب الجميع أن من يخالف الجماعة سيعرّض نفسه إلى الهلاك، ومن ناحية أخري فالقطيع دائماً وأبداً ما يكون لديه خوف من قطيع آخر مُعادٍ له.
ويُعد المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون من أبرز من تعمَّقوا في بلورة ملامح هذه الظاهرة وكيف يكتسب الفرد داخل المجموعة صفات جديدة ومتناقضة تماماً مع طبيعته الحقيقية، إذ يرى لوبون أن :” العقل الفردي يختلف عن العقل الجمعي (عقل القطيع) في التفكير, فالأول قد يصل إلى قرارات منطقية, ولكنه إذا انجرف مع العقل الجمعي فقد يتصرف بصورة سلبية, وعلى هذا الأساس يمكن أن توجد هوة سحيقة بين عالم كبير وبين عامل بسيط على المستوى الفكري”, ولكن في ظل الجموع وتحت سطوة تأثيرها فإن الاختلاف معدوم غالباً, إذ ينصهروا في كتلة واحدة مُستجيبين بشكل أعمى لما يدعوهم إليه قائد القطيع.
كما يؤكد لوبون أن الشيء الذي أدهشه وأدهش معه كثير من المتخصصين هو: كيف أن الجماهير قد تماهت مع الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا أكثر دول أوروبا تحضراً ولماذا لم يستطع عصر التنوير بما أحدثه من ثورة علمية وفكرية أن يمنع ذلك، ومن ثم انقادوا خلف قائد القطيع بإعجاب منقطع النظير.
ويرى جوستاف لوبون أن التفكير النقدي هو عقبة كأداء تحول دون الانخراط في الجماهير اللاواعية وداخل الحشد، لذلك فقادة القطيع من محركي الجماهير لا يتوجهون بحديثهم أبداً إلى عقلها وإنما إلى قلبها وعاطفتها.
تأسيساً على أطروحات لوبون فإن الفرد المنضوي في الجمهور يكتسب بواسطة العدد المتجمع، وكما يقول :” شعوراً عارماً بالقوة ويزداد العنف لديه مبالغة وتضخيماً بسبب انعدام المسؤولية والاطمئنان لعدم المعاقبة، ففي الجمهور يتحرر الأبله والجاهل والحسود من الإحساس من دونيتهم وعدم كفاءتهم وعجزهم ويصبحون مجيشين بقوة عنيفة وعابرة ولكن هائلة “.
تلك هي بعض النتائج الرائعة التي حاول من خلالها جوستاف لوبون بعبقريته توصيف سلوك القطيع وطرائق توظيفه، وكما يؤكد الدكتور عبد الفتاح إمام فقد :” أدرك كثيرون آلية عمل غريزة القطيع تلك فاتجهوا إلى مخاطبة مشاعر الناس لا إلى عقولهم، واكتسبوا التأييد من خلال تعطيل العقل وإلهاب المشاعر وإثارة الحماس بالخطب واللافتات والشعارات الكبرى”، ولعل أكثر من استطاع توظيف هذا السلوك على الإطلاق هو الزعيم النازي أدولف هتلر، كذلك جماعات العنف والإرهاب في عصرنا الحاضر.
الملاحظة المركزية هنا أن الإنسان دائماً وأبداً ما تتنازعه قوتان، فعندما تكون قوة الجذب المركزي (سلوك القطيع)  أقوي من قوة الطرد المركزية (العقل الفردي) هنا يصبح الفرد جزءاً من القطيع، غير أنه عندما يحدث العكس وتصبح قوة الطرد المركزية (العقل الفردي) أقوى من قوة جذب القطيع له يبقى الفرد محافظاً على عقلانيته واستقلاليته بعيداً عن القطيع.
ولا نريد أن نغادر هذه الفكرة من دون الإشارة إلى العظيم يوجين يونسكو ورائعته الأدبية “الخرتيت”، وهي المسرحية التي من خلالها استطاع التعبير عن مخاوفه من سلوك القطيع كظاهرة تفشَّت بشكل وبائي في أوروبا مع رواج الأطروحات النازية والفاشية في الثلاثينيات من القرن المنصرم، فالقصة التي تطرحها المسرحية أن إحدى المدن تشهد ظاهرة غريبة جداً وهي تحول الناس لخراتيت، باستثناء شخص واحد يحاول الصمود في وجه هذه الظاهرة رافضاً الخرتتة، قائلاً وبأعلى صوت: ” لا أريد أن أصبح خرتيتاً كباقي القطيع”، فهي صرخة أطلقها يونسكو معلناً رفضه لتلك الظاهرة داعياً الإنسان للحفاظ على النزعة الإنسانية والأخلاقية والعقلية الكامنة داخله.
وقد جاء اختيار يونسكو لحيوان الخرتيت تحديداً لاتصافه بالحمق وقصر النظر والغباء والتهور وضيق الأفق وهي ذاتها مواصفات فرد القطيع، ومن ثم يحذرنا يونسكو من القابلية للخرتتة كنزعة كامنة لدى الشعوب من شأنها أن تُخرِجها وقت انحطاطها الحضاري.
لقد أظهرت نتائج دراسات عملية أُجريت لتفحُّص الأنشطة المُخيِّة في حالة خضوع الفرد للعقل الجمعي وسطوة القطيع، أن المشاركين يبدلون اختياراتهم التي اهتدوا إليها عن اقتناع عقلي عندما يجدونها تتعارض مع رأي المجموعة، لأن هذا يعطيهم شعوراً بالراحة، فهو يجنبهم ألم الإبعاد والخوف من النبذ الاجتماعي ويعفيهم من تبعة اتخاذ القرار وتحمل المسؤلية، إذ في حالة تبنيهم آراء أو سلوكيات مخالفة فإنه تنتابهم مشاعر الخوف وهواجس الاستبعاد من الجماعة، يقول فريدريك نيتشه في سخرية تامة من هذا الفعل:” هل تريد ألماً أقل؟ انكمش إذاً وكن جزءاً من القطيع”، فهو تعطيل شامل للعقل الفردي وإبطال لكل ملكاته.
والإعلام الحالي، وبخاصة المُؤدلج منه، من شأنه أن يقود إلى ترسيخ سلوك القطيع، إذ يتبع ذات الاستراتيجيات: التوظيف الديني أو التوظيف القومي العاطفي لخدمة أيديولوجيته، تضخيم التفكير التآمري، والقطيعة مع العقل والتفكير العقلاني، العداء الشديد للآخر عبر شيطنته بشكل تام، طرح العنف المفرط والفوضوية كحل نهائي لكافة القضايا.
لذا فكثير من الخبراء يُطلقون على غريزة القطيع “العربة المعصوبة” التي تسير في طريق مجهول المسالك وبعشوائية فليس لها عقل بل هناك من يتحكم بها فيحركها حسبما يشاء ووفقاً لأجندته وأيديولوجيته أو مصالحه الخاصة.
والمُثير في الأمر أنه في ظل تنامي هذا السلوك فإن الفرد المستقل فكرياً والرافض للانخراط في سلوك القطيع يتم النظر إليه باعتباره عدو حقيقي للجماعة ومُهدِداً لوحدته، ومن ثم يُتهم بالخيانة وعدم الولاء، ليجد نفسه بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما الاستمرار في ممارسة استقلاليته وهو ما يُعرِّضه لخطر محدق، أو الانضمام للقطيع ومن ثم فقدانه ذاتيته، وبمرور الوقت ترتفع داخله القابلية للانقياد ويخفت التفكير الواعي لديه لأقصى درجة، هنا تتسع دائرة القطيع لتلتهم كل معارض لها وتستوعبهم داخلها.
ولا شك أن قول فرعون لقومه :” ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، هي محاولة منه لقطعنة الشعب، بل إن ما بعد الحداثة ومحاولة تنميطها للبشر ليسهل توجيههم وقراءة تطلعاتهم وأحلامهم هى أمور تصب في ذات الاتجاه، كما أن الجماعات الارهابية هي خير دليل على توظيف سلوك القطيع في قيادة أتباعها بشكل واسع، بل إن سلوك عامة الناس وقت الحروب وفي الاضطرابات وعند الشعور بالخطر، وكذلك في سوق الأسهم هي أمثلة شاهد على فجاجة سلوك القطيع.
ومن دون شك فإن تعقيدات الحياة المعاصرة من شأنها أن تزيد تلك الظاهرة (سلوك القطيع) تفاقماً، إذ يقود التشوش وعدم اليقين في كل شيء نتيجة لهذا التعقيد إلى لجوء الناس للعقل الجمعي طلباً للمساعدة، إذ يفقد الأفراد قدرتهم على تحديد السلوك المناسب أو اتخاذ القرار الصائب نتيجة التضخم المعرفي وسيولة الأحداث المحلية والعالمية، وبدافع افتراض أن الآخرين من متخصصين أو مشاهير وغيرهم يعرفون أكثر منهم حول هذا الموضوع فيلجأون لتبني وجهات نظرهم وسلوك سلوكهم، هنا تكون قد اتسعت دائرة القطيع.
بل إن المستهلكين يلجأون إلى الأخذ بآراء الآخرين ويميلون إلى تصديقها ومن ثم اتباعها عندما يشترون سلعة ما، وهو السلوك الذي  توظفه وسائل الدعاية جيداً عبر الترويج لأن منتجهم يشتريه كثيرون بل ومن بينهم عدد معتبر من المشاهير والذي يجرى استئجارهم لهذا الغرض الترويجي.
الأمر المخيف أن وسائل الإعلام الحالية ومع التطور الهائل الذي حدث لها واستخدام تقنيات ومؤثرات بالغة التطور وعالية التأثير، ومن ثم أضحت قدرتها على ممارسة الخداع والتزييف قدرة هائلة، وهو ما مكنها من توظيف هذه المغالطة المنطقية على نطاق واسع، فها هي وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات الفيسبوك وتويتر وغيرها تتبع آلية سلوك القطيع عبر نشر الشائعات والأخبار المفبركة والفضائح المفتعلة، فيقوم الأفراد بإعادة نشرها دون تأكد من صحة ما يتم ينشره، فقط لأنه يعتقد أن من كتبه أو نشره قبله هو أكثر علماً منه، ما زاد الأمر مأساوية هو إمكانية تخفي الفرد خلف شاشة ولوحة مفاتيح صغيرة دون أن تظهر هويته الحقيقية، فيقوم بإعادة النشر مرات عديدة، تماماً كما في الحشد الواقعي على الأرض الذي لا قيمة فيه للفرد أو لهويته الفردية، بل الكل منصهر في الحشد أو كتلة القطيع، كما أن الحشود على مواقع التواصل الاجتماعي قد تنزع  دون وعي منها إلى التعتيم على الأجندة الحقيقية للمجتمع، عبر آلية (المنع بواسطة العرض)، وقد تسهم في تشويه وعيه بدرجة كبيرة عبر تبديل أولوياته، والأمر سيكون في غاية الخطورة إذ أن تلك الظاهرة، وكما يذهب كثير من المتخصصين، مرشحة بقوة لأن تنتقل من فضاء الإنترنت إلى أرض الواقع.
الملاحظة المركزية هنا، والتي يجب أن نعيها جيداً، هي أن خصائص وسمات الحشد لا تعادل بأية حال مجموع خصائص أفراده، فمجموع خصائص أفراده قد يكون فاضلاً وعاقلاً، إلا أنها داخل الحشد تنقلب للنقيض، وهنا تكمن الخطورة.
إذن، وفي التحليل الأخير، فإن الإعلام بصيغته الحالية يقود إلى ترسيخ سلوك القطيع في الوعي الجمعي، لذا لا تسر أبداً خلف القطيع ولا تتَّبع سلوكه، فهي حقاً واحدة من أهم آليات تزييف الوعي رواجاً وذيوعاً في وسائل الإعلام، إذ داخل القطيع يغيب العقل تماماً وتحكم العاطفة.
ما يضاعف مأساتنا أن الفرد المستقل فكرياً داخل مجتمع القطيع يتم النظر إليه باعتباره عدواً للمجتمع ومهدداً لوحدته ومن ثم يُتهم بالخيانة وعدم الولاء، أما الفرد المندمج داخل القطيع المُنقاد لمن يعتقد أنهم أكثر فهماً وعلماً منه، فتخفُت ملكة التفكير النقدي والمناقشة والتساؤل والقدرة على التجاوز لديه، لنجد أنفسنا أمام إنسان الإذعان الذي جرى تدجينه ليصبح حبيس ارتهانات واقعه البائس.
من أجل هذا يتحتم تنمية ثقافة الانشقاق الفكري بمفهومه الفلسفي القيمي والقدرة على الخروج من أسر القطيع لشق مسارات جديدة للأوطان، عبر إعمال آلة العقل في حدودها القصوي، فهذا هو الإنسان كما خلقه وكرَّمه الله حُراً مستقلاً ومفعماً بالإرادة، إرادة التجاوز التي مكَّنته من بناء الحضارة الإنسانية وإرساء دعائمها.
وفي النهاية دعنا نردد مع وليم شكسبير قوله: “حشد العقلاء أمر مُعقد للغاية، أما حشد القطيع فلا يحتاج سوى راعٍ وكلب”.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالسبت 27 نوفمبر 2021 - 8:10

الجيوش والعروش

 الياس خوري


في البدء كان الصراع بين الجيوش والعروش.
في البدء، أي منذ أن افتتح الانقلاب العسكري المرحلة القومية التي جاءت كرد على هزائم حرب نكبة 1948، عاش المشرق العربي على إيقاع الصراع بين المشروع الناصري وأنظمة الهزيمة، وكان حصاد تلك المرحلة التي كانت أيضاً جزءاً من الحرب الباردة، هو سقوط العرش الهاشمي في العراق، وسقوط عرش الإمامة في اليمن، والوحدة السورية – المصرية التي لم تعمر سوى ثلاثة أعوام.
التناقضات في معسكر الجيوش كانت مدمرة، فدخلنا في صراعات ناصر والشيوعيين، وناصر والبعث، وانتهينا إلى أنظمة الكابوس الانقلابي في سوريا والعراق وليبيا والسودان.
ومع هزيمة حزيران-يونيو 1967 ونهاية الحقبة الناصرية، دخلنا في كوابيس ديكتاتورية معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية.
الظاهرة الوحيدة التي تمردت على مناخ الهزيمة والأفول، أي المقاومة الفلسطينية، دخلت في كوابيس حربين أهليتين في الأردن ولبنان، ثم ترنحت مع اتفاقات أوسلو، لتدخل في شتاء الهزيمة الطويل بعد هزيمة الانتفاضة الثانية، واغتيال ياسر عرفات.
لا أسعى إلى تأريخ مرحلة غنية بالتناقضات، كشفت حدود المرحلة الانقلابية وسقوطها المبكر أسيرة الاستبداد الذي أفقد الانقلاب الصلة بجذوره الشعبوية، فهذا التأريخ هو سجل لفشل النهضة الثانية، ولقصور فكري وسياسي يحتاج إلى دراسة خاصة به.
لكن مشهد انبطاح الجيوش الحاكمة أمام سطوة العروش التي ثارت عليها، يستحق أن يُسجل بصفته تعبيراً عن الانزلاق الأخير في حفرة الخراب التي دفعنا إليها النظام العربي حين نجح في وأد الربيع العربي، محولاً حواضرنا إلى خراب.
زيارة الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق تقع في هذا السياق، بتعقيداته الجديدة التي أدخلت ايران طرفاً في المعادلة، بحيث صار المشرق العربي ملعباً لصراع قوتين استبداديتين: السعودية وإيران.
لا تقول الزيارة جديداً إلا لأنها نجحت في قول كل شيء دفعة واحدة.
وسط ضجيج «اتفاقات إبراهيم» التتبيعية، وصمت الممانعة المريب أمام الهندسات الروسية للقصف الإسرائيلي المتواصل على المواقع الإيرانية في سوريا، جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق الشام لتفضح كل المسكوت عنه.
لقد انتصرت الثورة المضادة ونجح الاستبداد في سحق انتفاضات الربيع العربي تحت جنازير الدبابات، ورماها في أتون حروب طحنت المشرق، لعب فيها الأصوليون التكفيرون دور الوجه الآخر للاستبداد.
هناك حلف معلن وسري بين الجيوش والعروش، تتفتق في داخله صراعات طائفية وحشية، من اليمن إلى لبنان وصولاً إلى ليبيا. لكن هذه الصراعات لم تستطع أن تحجب حقيقة أن الاستبداد بأشكاله المختلفة، هو حليف وتابع للاحتلال الإسرائيلي. أما صغار اللاعبين، كما في الحالة اللبنانية، فهم مجرد أدوات موضعية لا علاقة لها بالموضوع.
الجيوش العربية التي قامت بانقلاباتها بحجة مواجهة النكبة والهزيمة، تحولت إلى عنوان الهزيمة. جيوش عاجزة ومتبطلة ولا تجرؤ على مواجهة العدو القومي، تحولت إلى أدوات في أيدي طغم عسكرية ومالية لقمع الشعوب ونهبها وسحقها، وتدمير الأوطان.
انظروا إلى الخريطة، من السودان الذي يحاول البرهان وطغمته استباحته بسلاح تحالفه الوثيق مع الإمارات وإسرائيل، إلى لبنان الذي ينهار تحت وطأة ثلاثة حصارات: حصار الطغمة الأوليغارشية التي دمرت الاقتصاد ونهبت كل شيء، والحصار الإيراني الذي رهن البلاد للتسوية المأمولة بين إيران والولايات المتحدة، والحصار السعودي المستجد، وصولاً إلى ليبيا حيث وجد الجنرال حفتر، الحالم بأن يصير ديكتاتوراً، أن الطريق إلى السلطة تمر عبر إرسال ابنه إلى إسرائيل كي يحفر قبراً لبلاده المنكوبة.
كل تصرف يأتي بحجته، لكن كل الحجج فارغة من المعاني. فمع انهيار توازنها الداخلي بسبب رعبها من السقوط في عالم متغير، فقدت الأنظمة العربية لغتها. كانت اللغة القديمة لغواً كاذباً، كما يعرف الجميع، لكنها كانت تخفي فراغها بابتذال المعاني. من شعارات العروبة والتقدمية إلى شعارات الأصالة والتمسك بالموروث الديني.
الجديد هو أن النظام العربي بجيوشه وعروشه، بممانعته اللفظية وانبطاحه، يبحث عن لغة كاريكاتورية لا تستقيم فيها المعاني. فالمعاني اليوم هي مِزق من أوهام الفرجة.
شعوب تتحول إلى مجموعات من اللاجئين والمتسولين، تتفرج على شيوخ النفط وجنرالات العسكر المهزوم وهم يسجدون أمام المستوطنين في فلسطين المحتلة. عالم من الغرائب، يصل إلى ذروته العبثية في لبنان الذي يُحتضر كل شيء فيه، على إيقاع كلامولوجيا تريد إعادته إلى صفر الحرب الأهلية.
إننا نعيش انقلاباً جذرياً في فلسفة الاستبداد العربي، ولعل المختبر السوداني هو النموذج الأفضل الذي يبرهن ما لم يعد هناك من حاجة للبرهنة عليه. فإسرائيل هي حامية الاستبداد بكل أشكاله.
كانت المعادلة قائمة على استخدام لغة العداء لإسرائيل كأداة لفرض القمع وتأبيد الاستبداد، أما في الزمن المعولم الجديد، فقد صار استمرار الاستبداد مرهوناً بارتماء المستبدين في الحضن الإسرائيلي.
عبد الفتاح البرهان وحلفاؤه الجنجويد يمثلون اليوم وجه هذا النظام المهيمن وصورته الواضحة. انقلابيون ينكرون صفتهم، يقومون بسرقة ثورة شعب انتفض ضد دكتاتورية عمر البشير، ليعيدوا إلى الواجهة كل رموز الدكتاتور المخلوع، بعدما انتهت صلاحية الرجل.
زمن يسعى إلى تحويل حلم الحرية إلى كابوس استبدادي، ويستبدل الثقافة بالتفاهة، والرؤية المستقبلية بالفرجة على إنجازات تلفزيونية وإعلامية تشترى بأموال حرام سرقت من الثروات الطبيعية، وصارت على أيدي الجيوش والعروش بدداً.
هذه الصفحة الجديدة من تاريخ العرب لا تـــستطيع أن تستمر، لأن الذين يقومون بتزوير واقعنا هم عـــصابات من اللـــصوص، وستـــقودهم تناقضاتهم المـــصلحية إلى الخراب. لكن يجب أن نعترف لهم بإنجازهم الكبير، فقد قاموا بتخريب حاضرنا بطريقة وحشية ومبتكرة، وعلينا أن نعيد التقاط حبات الضوء من ثقوب العتمة، كي نستعيد حــقنا في الحياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69653
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

  إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي     إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي Emptyالسبت 27 نوفمبر 2021 - 8:11

بناء الدولة الطائفيّة!

جاسم الشمري

أفرزت مرحلة ما بعد العام 2003 في العراق العديد من الخفايا والتعقيدات التي لم تكن تدور في خلد الغالبيّة العظمى من المواطنين، ومن بينها الأجندات الطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة!

واقعيّاً، يمكن أن نسمع ونرى بعض الممارسات الطائفيّة البسيطة خلال الفعاليات السياسيّة والمجتمعيّة والتي يمكن التغافل عنها في أماكن محدّدة؛ لأنّها لصيقة ببعض الذين يرون أنّ وجودهم مرتبط بهذه الفعّاليات الضيّقة، لكن أن تُمارس هذه الفعّاليات بأُطُر رسميّة ومدروسة فحينها لا يمكن تغافلها أو القفز عليها وتجاهلها!

وعلى سبيل المثال، نجد أنّ غالبيّة الدعايات الانتخابيّة أفرزت تخندقا سياسيّا طائفيّا، وغالبيّة المرشّحين يحاولون عبر حملاتهم الانتخابيّة والمال السياسيّ والإعلام زيادة الهوّة بين العراقيّين من أجل الظفر بالمقعد البرلمانيّ!
نجد أنّ غالبيّة الدعايات الانتخابيّة أفرزت تخندقا سياسيّا طائفيّا، وغالبيّة المرشّحين يحاولون عبر حملاتهم الانتخابيّة والمال السياسيّ والإعلام زيادة الهوّة بين العراقيّين من أجل الظفر بالمقعد البرلمانيّ!

هذه الأدوات أو المعاول ليست عبثيّة، بل هي سياسات ومخطّطات معدّة سلفا يُراد منها تحطيم بُنْية المجتمع وضرب الدولة في الصميم!

وهذا الهدم والتخريب ينطبق على نسبة ليست قليلة من وسائل الإعلام الرسميّ والشعبيّ، المرئيّ والمسموع والمقروء، وكأنّها الأدوات الناعمة، بل والخشنة أحيانا، لتنفيذ تلك الأجندات التمزيقيّة التدميريّة!

لم تكن الدولة العراقيّة الحديثة في يوم من الأيّام دولة طائفيّة، بل كانت دولة جامعة لكلّ المواطنين، عدا بعض المعالجات (الأمنيّة والسياسيّة) التي استهدفت أحزاب “المعارضة”، لغايات وطنيّة أو لكونها لا تتّفق مع سياسات الحزب الحاكم، وليس لكونها من طائفة ما!

ومنذ العام 2004 وحتّى اللحظة تتنامى في العراق السياسات والمخطّطات المريضة وغير الناضجة؛ عبر برامج وسياسات الغالبيّة العظمى من القوى الحاكمة التي ضيّعت الوطن!

ما يجري هي محاولات مربكة لبناء مؤسّسات الدولة المدنيّة والعسكريّة، وهذه المحاولات لا تقوم على الكفاءة، والقدرات العلميّة والفكريّة، لكنّها تقوم بالدرجة الأولى على العلاقات المتينة مع القوى الحاكمة والأحزاب المتنفّذة، ولا علاقة لها بالكفاءة أو المؤهّل العلميّ!
ما يجري هي محاولات مربكة لبناء مؤسّسات الدولة المدنيّة والعسكريّة، وهذه المحاولات لا تقوم على الكفاءة، والقدرات العلميّة والفكريّة، لكنّها تقوم بالدرجة الأولى على العلاقات المتينة مع القوى الحاكمة والأحزاب المتنفّذة، ولا علاقة لها بالكفاءة أو المؤهّل

إنّ بناء أيّ دولة يكون عبر سياسة التوظيف، وبحسب الحاجة لكلّ وزارة، والأولويّة تكون لأصحاب القدرات العلميّة والفكريّة، ولكنّ هذا الأمر يختلف في العراق عن بقيّة بلدان العالم، لأنّه يقوم على أسس لا يمكن وصفها إلا بأنّها مخجلة، وضبابيّة!

أصعب مسألة في البلاد منذ عشر سنوات تقريبا هي معضلة الحصول على درجة وظيفيّة لمَنْ يحقّ لهم قانونا العودة لوظائفهم؛ من المُقالين والمستقيلين والمهجّرين الذين يواجهون صعوبات جمّة في الغربة!

غالبيّة هؤلاء فقدوا وظائفهم بسبب الهروب والتهجير، والحكومات المتعاقبة لم تُفكّر بآليّات قانونيّة ومنطقيّة للحفاظ على حقوقهم الوظيفيّة أو التقاعديّة، بل نجدها قد استغلّت خلوّ الدرجات الوظيفيّة من أصحابها الأصليّين لتعيين المقربين منها بدلا عنهم!

نلاحظ اليوم أنّ غالبيّة التعيينات في دوائر الدولة منحصرة على مكوّن معين من المواطنين، وبقيّة المكوّنات لها فتات ما تبقى من قوائم التعيينات، وكأنّنا أمام دولة طائفيّة من مكوّن واحد وبقيّة المواطنين دخلاء ليس لهم حقوق تذكر!

في مرحلة ما قبل الاحتلال كان هنالك بعض “المعارضين” من الأحزاب الحاكمة الآن، وبعد العام 2003 رتّبوا لأنفسهم مؤسّسة السجناء السياسيّين وأخذوا من “الحقوق” والامتيازات ما لم يحصل عليه أيّ مواطن؛ في أيّ مرحلة من المراحل منذ تأسيس الدولة وحتّى اليوم!

تناسي مئات آلاف المهجّرين وتركهم بلا حقوق وظيفيّة وتقاعديّة جزء من المؤامرة على الوطن، وقد لاحظنا أنّ بعض أعضاء مجالس الوزراء والبلدية قد خدموا لأقلّ من عام أو عامين ثمّ أُحيلوا على التقاعد برواتب خياليّة، بينما تتغافل الحكومات عن مئات آلاف المهجّرين والمغتربين المظلومين!

وهذه سياسات وقوانين وتشريعات لا يمكن تفهّمها لأنّها مليئة بالظلم الاجتماعيّ، ولا علاقة بالعدالة والإنصاف والمروءة وقيادة الدولة من قريب أو بعيد؟
هنالك تنام لسياسات تضييع الإنسان وتهديم الدولة، أيضاً هنالك إصرار وتصميم سياسيّ وإعلاميّ على أنّهم “نجحوا” في بناء الدولة، فأين هي الدولة التي بنوها؟

وقد حدّثني بعض المحامين أنّ كلّ محاولات الحصول على الحقوق الوظيفيّة والتقاعديّة لا تتمّ إلا بدفع رشاوى ومبالغ ضخمة أحيانا لبعض الموظّفين أو المسؤولين! فكيف يستقيم هذا الواقع مع الادّعاء ببناء “الدولة”؟

هنالك تنام لسياسات تضييع الإنسان وتهديم الدولة، أيضاً هنالك إصرار وتصميم سياسيّ وإعلاميّ على أنّهم “نجحوا” في بناء الدولة، فأين هي الدولة التي بنوها؟

الحكومات التي لا تقوم على العدالة والنظرة المتساوية لجميع المواطنين هي حكومات وهميّة، ولا يمكنها أن تبني الدولة!

أنصفوا الناس في الداخل والخارج ولا تتصرّفوا مع العراق كأنّه سفينة مختطفة في عرض البحر!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
إصلاح الحاكم والمحكوم في العالم العربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الكَرْجى العربي أو الحاكم الذي يحكم و هو محكوم
» لماذا يعادي الحاكم العربي النقابات المهنية؟
»  الحاكم العربي الذي لم يهنأ بحكم بلاده سوى 9 أيام فقط؟
» الفيديو الاخطر في العالم .. تلخيص ما يجري في العالم العربي بدقائق
» شخصياتٌ من العالم العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اجتماعيه-
انتقل الى: