لماذا داعموا المقاومة في غزة أخذوا يحتضِنُون أبو ظبي بعد تحالفها مع إسرائيل؟

لماذا داعموا المقاومة في غزة أخذوا يحتضِنُون أبو ظبي بعد تحالفها مع إسرائيل؟

د. عبد الحميد فجر سلوم
1ــ
ما إن تمَّ الإعلان عن اتفاقية التطبيع بين دولة الإمارات وإسرائيل في واشنطن في آب 2020 حتى بادرت حركات المقاومَة في غزة بالتنديد بهذا التطبيع معتبرةً إيّاهُ خيانة لِفلسطين، واصطفافا إلى جانب العدو الإسرائيلي.. فأقاموا المسيرات والتجمعات الخطابية الغاضبة والمُندِّدة، ورَفَعت حماس شعار: “لا لِخيانة فلسطين”.. بينما رفعت حركة الجهاد الإسلامي شعار: “فلسطين مُشْ للبيع”..
كان جميعهم واثقون من أنّ داعميهم في إيران وتركيا سينتقمون من هذه الخطوة الإماراتية، وسوف تندم أبو ظبي على فِعلتها.. وخرجت التصريحات المُندِّدة من إيران ومن تركيا..
2ــ
فمن إيران حمَّلَ الرئيس الإيراني حينها “حسن روحاني”، الإمارات والبحرين ” عواقب” توقيع اتفاقيتي التطبيع مع إسرائيل وأثرُ ذلك على المنطقة..
وقال روحاني خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، إن إسرائيل “ترتكب المزيد من الجرائم في فلسطين كل يوم”، وتساءل: “كيف يمكنكم مد أيديكم إلى إسرائيل، ومن ثم تريدون منحها قواعد في المنطقة؟. كل العواقب الوخيمة التي ستنتج عن ذلك ستقع على عاتقكم، أنتم الذين تقومون بأمر غير قانوني ضد أمنِ المنطقة..”
بينما قال علي أكبر ولايتي، مستشار المُرشد الأعلى، أنّ: الإمارات والبحرين ستدفعان ثمن عملهما المُخزي..
واعتبرت إيران أن هذا التطبيع من دولتين مجاورتين لها، مع عدوها الأبرز، إسرائيل، إنما هو ” حماقة إستراتيجية تصل حد الخيانة”..
3ــ
وأما في تركيا، فصرّح الرئيس أردوغان أمام الصحفيين، بأنّ تركيا تُفكّر بإغلاق سفارتها في أبو ظبي وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة.. وأضاف: السياسة تِجاه فلسطين خط أحمر بالنسبة لنا..
وقال الناطق باسم الرئاسة التركية: إبراهيم قالن: إن التاريخ سيسجِّل هزيمة الأطراف التي خانت الشعب الفلسطيني وقضيتهُ..
بينما قالَ بيان وزارة الخارجية التركية: إن التاريخ لن يغفر أبدا السلوك المُنافِق للإمارات في الموافقة على هذه الصفقة..
وكان قد سبقَ أن اتّهمت بعض وسائل الإعلام التركية الإمارات بِدعمِ المحاولة الانقلابية في تركيا في تموز/يوليو 2016 ، لاسيما أن بعض وسائل الإعلام الإماراتية كانت متعاطفة مع الانقلاب.. وقال وزير خارجية تركيا، جاويش أوغلو، ” إننا نعلم أن دولة قدّمت ثلاثة مليارات دولار دعما ماليا لمحاولة الانقلاب في تركيا”. وكان يقصد الإمارات..
ووصلت الخلافات أحيانا لمستوى الشتائم والكيديات الشخصية، إذ غرّد ذات مرّة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد مُهاجِما القائد العثماني ” فخر الدين باشا” الذي كان في المدينة المنورة، واتّهمهُ بسرقتها بدلا من حمايتها، وأضاف: إن هؤلاء هم أسلاف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان..
فقامت السُلطات التركية حالا، ونكاية بالوزير الإماراتي، بتغيير اسم الشارع الذي تقعُ بهِ سفارة الإمارات في أنقرة، وتسميته باسم ” شارع فخر الدين باشا” ..
4ــ
 إذاً كلٍّ من تركيا وإيران، ندّدتا بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي واعتبرتاهُ خيانة لحقوق الشعب الفلسطيني.. ولكن هل بقي هذا الموقف ثابتا؟.
كل شيء بدا أنهُ ينقلبُ مائة وثمانون درجة.. فلا المواقِف الإيرانية باتت كما هي، ولا المواقف التركية أيضا.. وكلٍّ نسيَ، أو بلعَ تصريحاتهِ وتهديداته لأبو ظبي..
فولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، يزورُ تركيا يوم الأربعاء 24 /11/202 ، وهو من كانت بلادهُ تُواجهُ تركيا في كل مكان، من سورية إلى ليبيا إلى قبرص واليونان وشرق المتوسط، نكاية بدعمِ تركيا للأخوان المسلمين..
وأردوغان يستقبلهُ في أنقرة بحفاوةٍ بالغةٍ، ويوقِّع الطرفان على عشرة اتفاقيات بين البلدين في مجالات مُختلِفة.. وتؤسِّسُ أبو ظبي لصندوقٍ بقيمةِ عشرة مليارات دولارا لدعمِ الاستثمارات في تركيا..
5 ــ
بينما طهران، ومع زيادة التحالف الإماراتي الإسرائيلي، فكانت تُرسِل دوما الإشارات لأبو ظبي بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ في العلاقات، دون المس بعلاقة أبو ظبي بِتل أبيب، وتناست كافة التصريحات السابقة، وهذا مع قدوم الإدارة المحسوبة على التيّار المُتشدِّد، إدارة الرئيس ابراهيم رئيسي، وفي أول اجتماع لوزير خارجية إيران( الذي كان معروفٌ سابقا بِتصريحاته المُتشدِّدة) حسين أمير عبد اللهيان مع السفراء ورؤساء البعثات الأجنبية المعتمدة لدى طهران، تحدّثَ عن سياسات بلادهِ عموما، وقال: إننا نؤكد ونرسل هذه الرسالة إلى كل العالم، بأن سياستنا الخارجية ستكون على أساس متوازن.. وبناء عليه، فإن من أولوياتنا الأساسية، التوجه نحو جيراننا.. ولن نضَع أي استثناء في أولويتنا نحو الجيران..
طبعا الجيران هم دول الخليج..
تصريحات مُثيرة للاهتمام، وتغاضٍ عن كافة التصريحات السابقة بخصوص التطبيع الخليجي مع إسرائيل، فهذا لن يُثني إيران عن السعي للاقتراب من هذه الدول، كما كان يُعتقَدُ في الماضي..