منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف) Empty
مُساهمةموضوع: فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)    فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف) Emptyالإثنين 07 مارس 2022, 4:09 pm

فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)
المؤلف: أ. عبد العزيز عرار
 لمحه في جغرافية وتاريخ عزون
نشأ الثائر “فارس” محمد الحواري(1913-1940) في قرية عزون، وهي تقع على المرتفعات الجبلية القريبة من الساحل الفلسطيني وترتفع عن سطح البحر في بعض مواقعها 176مترا، وتمتاز بكونها نقطة اتصال مهمة على خطوط المواصلات بين نابلس وقلقيلية وطولكرم ورام الله، و تتوسط مجموعة قرى. تعرضت عزون لمحاولة احتلال من قبل الفرنسيين الذين ساروا في حملة متجهين نحو مدينة عكا في عام 1898 وقد توجهت كتيبة من الجيش يقودها دوماس لغرض احتلال القرية ولكن جموع قرى بني صعب والتي تضم كفر جمال، كفر زيباد، كفر عبوش، كفر صور، الرأس، فرعون، الطيبة، الطيرة، قلنسوة، جيوس بقيادة شيخ قرى الصعبيات الشيخ محمود الجيوسي ومركزه قرية كور، وقتل القائد الفرنسي دوماس على يد فلاح من عزون يدعى عابد مريحة العدوان، والذي اغتنم فرصة احتساء دوماس لكأس من القهوة وعندها صوب بندقيته واقتنصه، مما بعث الذعر في صفوف الجيش الفرنسي، كما أن الهزيمة دبت في نفوسهم بعد أن أشعل أبناء الجبل النار في الأحراج فأحاطت بهم ألسنة اللهب ودخانها من كل جانب. ففروا مذعورين  إلى يافا حيث صب نابليون جام غضبه عليها، وكانت معركة فاصلة ردت الجيش الفرنسي عن جبل نابلس الذي أطلق عليه من يومها لقب: جبل النار وهي معركة خلدها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:

سائل بها عزون كيف تخضبت        بدم الفرنجة عند بطن الواد
شارك أبناء عزون في معظم الثورات الفلسطينية وكان لهم السبق فيها. ففي ثورة 1921 هاجموا مستعمرة ملبس إلى جانب قرى أخرى، وبرز دورهم في ثورة 1936 وقدموا الشهداء وحدثت معركة وادي عزون في 26/6/ 1936. وبعد أن فك الإضراب في تشرين أول 1936 وبعد أن حضرت لجنة بيل في العام اللاحق وصل إلى عزون رئيس اللجنة، والذي استمع لرأي السكان فرد عليه مختار البلدة الشيخ مصطفى سرور قائلاً “من جرب المجرب عقله مخرب. لقد جربنا بريطانيا ولم تصدق في وعودها وتعهداتها”. وعندما تجددت الثورة في عام 1937 قام الشاب يونس الشايب بإطلاق ا لنار على سمسار عربي عمل على تسريب الأراضي العربية لليهود، ولكنه قبض عليه بعد أن فر باتجاه البحر وقامت حكومة الانتداب بشنقه وقد دفن في قريته عزون وكتب على قبره.

سقى الله رمساً حل فيه مجاهد          شهيد غدت أعماله خير مؤنس
فدا وطن غال يقهر العدا                شكو إلى القهار متجسس
 طفولة “فارس” العزوني
ولد “فارس” في “خربة تُبصُر ” من أعمال عزون، وهي أحدى الخِرَب التي نزلها أهالي عزون بعد عام1810، ودعيت أيضاً “غابة عزون ” والتي أقيمت على أراضيها مستعمرة رعنانيا وبجوارها مستعمرة كفار سابا، و قد دمرت خربة تبصر وأجبر أهاليها على الرحيل في الثالث من نيسان عام 1948. عاش “فارس” يتيماً، وتلقى تعليمه في   مدرسة عزون، ودرس فيها حتى الصف الرابع، وقد تعهدته والدته بالعناية، وقد عمل في الزراعة والفلاحة وكانت والدته وإخوانه يديرون بيارة زرعت بالبرتقال. عرف عنه ولعه المبكر بالسلاح، وقد اعتقل مرات عديدة قبل بلوغه سن الرشد، وحينما بلغ سن السادسة عشرة من عمره، توجه إلى قرية المزيرعة من قرى قضاء اللد مع صديقه مصطفى غزال سويدان، الذي يكبره سنا بهدف شراء بندقية، حيث وجد شخصا تعّود بيع بندقيته للباحثين عن سلاح. وكان يبيعها ومعها طلقات مغشوشة، ثم يفاجئ من يشتريها بعمل كمين، وتحت تهديد السلاح يقوم باستردادها، ويسلبه ما لديه من مال وتكرر هذا الأسلوب مع عدة أشخاص. سمع “فارس” الحواري وصديقه مصطفى غزال بقصة هذا الرجل، وحكاية سلاحه فخططا للحصول عليها فتجهزا بطلقات احتياطية وذهبا إلى المزيرعة وحدث معهما كما يحدث مع الآخرين، واعترضهما خارج القرية فحّذراه من مغبة صنيعه، ولكنه لم يتراجع عندها أردياه قتيلا . بعد التحاق “فارس” بالثورة عاد إلى  قرية المزيرعة، وقبل دخوله القرية أرسل مندوبين يستأذنون له بالدخول كزائر وضيف، وأذن له أهلها بالدخول وأكل بها وشرب، وقاموا بإجراء مصالحة، وتفهم أهل القرية حادثة القتل التي كان سببها ابن قريتهم.

 حدثتني أرملة “فارس” السيدة عيشه جودة نقلا عنه
” سجنت عدة مرات وخرجت من السجن، توجهت إلى قرية المزيرعة ومعي صديقي مصطفى غزال، واشترينا بندقية ورجعنا لقريتنا، واقتربنا من بئر ماء يقع في مدخل القرية، وعليه يقف أحد الرعاة الذي كان يسقي دوابه، وحدق بي وطلب مني خلع بارودتي وقد طمع فيها واستهتر بي وظن أني صغير، واتجه نحوي وحذرته أن يقترب مني لكنه لم يرتدع، فأطلقت عليه النار مضطراً وسقط المهاجم على الأرض، وهربت ومعي مصطفى غزال”.

و حدثنا عبدالله جوده من بلدة عزون نقلاً عن  أبو علي ناصر أحد مواطني قرية المزيرعة أن “فارس” اشترى بندقية من قرية المزيرعة، ولكنه تعرض لمحاولة تقشيط (سلب) من نفس الشخص الذي باعها له، ورغم أن “فارس” حذره من الاقتراب منه إلا أنه اندفع باتجاهه مما حمل “فارس” على إطلاق النار عليه فأرداه قتيلاً، وقد تسبب نزيف الدم الذي أصاب جسمه في موته. بعد مقتل الرمحي من المزيرعة أصبح “فارس” وصديقه مصطفى فارين تبحث عنهما سلطات الاحتلال البريطاني، وتقتفي آثارهما للقبض عليهما ، حيث بقيت خلفهما بعض آثار العملية، ومنها عثورهما على قطعة من أهداب الكوفية. حضرت قوات الشرطة إلى قرية كفر ثلث المجاورة لقرية عزون، ظناً منها أن القاتل منها، وقامت السلطات بعمليات تحقيق مع بعض الأشخاص، وقد اتهمت سليم عيسى بأنه وراء حادثة قتله، حيث كان يلبس كوفية وعقالاً تشبه لباس “فارس”، وقد نفى التهمة المنسوبة إليه وانتهى علم المخابرات البريطانية ورجال الشرطة أن القاتل من قرية عزون ويدعى “فارس” محمد الحواري، الذي يقطن خربة تبصر (غابة عزون ) ويرتدي نفس اللباس فأسرعوا بالتوجه إليها، وطلبوا من مختار خربة عزون أن يصطحبهم إلى بيت “فارس”، حيث تم اعتقاله. أجرت السلطات البريطانية  تحقيقا مع “فارس” وصديقه مصطفى، ووجدت بعد التشخيص أن أهداباً قد مزقت من كوفيته، واعترف بالتهمة المنسوبة إليه، وأنه هو القاتل ؛ لكن السلطات البريطانية أعدمت صديقه مصطفى غزال، وحكم “فارس” الحواري بالحكم مدى الحياة بسبب عدم بلوغه السن القانوني.

حدثني محمد كايد عواد سويدان ـ صديق “فارس” في طفولته ـ فقال
“هو من أجيالي تعلق بحمل السلاح، وسجن لفترات عديدة، وفي أحدى فترات سجنه سمع عن شخص في المزيرعة يبيع السلاح. وبعد ها ذهب مع مصطفى غزال، وكان أكبر منه سنا، حيث قاموا بشراء قطعة السلاح المطلوبة، وبداخلها رصاص مغشوش، وقب لذهابهم لشرائها أحضرا رصاصا حيا واشتروا البندقية،، وعادا إلى بلدتهم ، وفي طريق عودتهم فاجأهم المحتال (بائع البندقية ) بمحاولته تجريده البندقية ولكن “فارس” لم يمهله طويلا حيث أطلق النار عليه من الرصاص الحي فأرداه قتيلا. أخذ أهل القرية  قتيلهم  وأحضروا البوليس البريطاني، وأخبروهم أن القاتل من عزون. ودافع عنهم المحامي الإنجليزي أبو كاريو،  وأعدم مصطفى لكبر سنه، وحكم “فارس” بالمؤبد لأنه لم يبلغ سن الرشد ” .

 فرار “فارس” من سجن عكا
سُجن “فارس” في معتقل المسكوبية في مدينة القدس، وانتقل إلى سجن عكا، وبعد أن قضى بضعة أعوام في المعتقلات والسجون، سمع أخبار الثورة الفلسطينية التي اندلعت في عام 1936، فقرر الهرب من سجنه في صيف عام 1938. فكر في طريقة ملائمة للهرب فهداه تفكيره بالتعاون مع رفاق السجن وأقام علاقات وطيدة مع السجّانين العرب، وبفضل هذه العلاقة نجح في الهرب. حدثتنا أرملة الثائر “فارس”: “بعد إعدام صديقه مصطفى وقضائه مدة في المعتقل، طلب نقوداً من أمه لشراء أسلاك ومنشاره حديد، وقام برشوة السّجانين وكانوا عرباً، وفي الليل قطع قضبان الشباك، وتدلى بحبل من الأسلاك الشائكة،  وشاركه بعض المسجونين من العرب، ونجح “فارس” بالقفز خارج الخندق المحيط بالسجن لكن يديه انسلخت من الأسلاك أثناء الهبوط بينما وقع أحد أصدقائه في الخندق وكسر ظهره، و وقع آخر وكسرت يده، أما “فارس” فقد وصل لأقرب منزل إلى السجن، حيث قام أهل البيت بعلاجه   بعدها بقليل طرق الجيش باب البيت، وقامت ست البيت ولفّت “فارس” بالحصيرة، وأوقفته في زاوية الدار كأنه جزء من أثاث البيت. بحثوا عنه في جميع أنحاء الدار ولكن لم يجدوه، بعد يوم أو يومين  توجه “فارس” إلى منطقة طولكرم واختبأ عند صديقه الثائر عبد الله الأسعد من عتيل، الذي كان مسجوناً معه وبقي عنده قرابة عشرة أيام. وفي الليل اتجه “فارس” لغابة عزون وانتظر في موقع سيل الماء عند بيارتهم حتى حضر أخوه حامد وأعمامه يوسف وعبد الجليل “.

وتتفق رواية الحاج محمد كايد مع رواية أرملة الشهيد لكنه يذكر تفاصيل أخرى حدثنا
“أودع في سجن عكا في الطابق العلوي، قام برشوة البوليس الذين أحضروا أسلاكا ومنشارا، وأخبرهم بنيته للهرب وكان معه عبدالله الأسعد من عتيل، وفارس” الطوباسي. نجح عبدالله الأسعد في الهرب، بينما فشل “فارس” الطوباسي الذي وقع على ظهره في الخندق وتكسرت أضلاعه وباغت “فارس” مدير السجن ولبس ملابس غسيل وهرب إلى غابة عزون   ووصلها ليلاً ،  وأخذه أخوه حامد، وصديقه أسعد القاسم إلى القائد عارف عبدالرازق كي يلتحق بالثورة”

 التحاق “فارس” بالثورة وقيادته فصيل الموت
تأسيس “فصيل الموت” في جنوب طولكرم
نجح “فارس” في الهرب من سجنه في أوائل صيف عام 1938، حيث ساعده الشرطي أحمد شطارة من قلقيلية والذي عمل في الشرطة البريطانية. وبعد نجاحه في الهرب من سجن عكا، لمعت في ذهنه فكرة تشكيل فصيل ثوري، وقد سماه باسم  فصيل الموت، بينما كان الآخرون يسمون فصائلهم بأسماء القادة و الصحابة المسلمون أو معارك الفتح الأولى أو باسم فصيل محمد صل الله عليه وسلم. عمل “فارس” على تجنيد أبناء عزون وكفر ثلث وغيرهم من منطقة قلقيلية ومعهم عرب سعوديين ويمنيين وسوريين، وفي غضون فترة قصيرة بلغ عددهم ما لا يقل عن خمسة وسبعين إلى مائتي ثائرً.  ويظهر أن عدد عناصر الفصيل كانت في تغير من وقت إلى آخر، ويرتبط ذلك بالمناسبات والمعارك؛ ففي مؤتمر دير غسانة الذي عقد في منتصف أيلول 1938 كان عدد عناصر الفصيل 200 عنصر حسبما يذكر أحد الباحثين .  أجمع الرواة الذين قابلتهم على أن الرقم تجاوز سبعين شخصا، حدثني أسعد القاسم أن عدد فصيل “فارس” بلغ خمسة وسبعين رجلا،، وأتفق مع هذا الرأي لأن هذا الشخص كان أحد مرافقيه والمقربين منه. وحول عدد عناصر فصيل الموت حدثني عبدالعزيز إسماعيل الأعرج أنه بلغ في أحد المرات سبعين رجلا والدليل على ذلك أن “فارس” طلب إحضار سبعين دجاجة لإطعامهم، وأخرجت له كفر ثلث هذا العدد . ضم فصيل الموت عناصر عديدة من قرى طولكرم، و دخلت إليه عناصر أخرى من الأقطار العربية المجاورة، وبعضهم عمل مع عارف وتركه لينضم إلى فصيل الموت، وهذه هي بعض الأسماء التي شاركت فيه:

1) قرية عزون: التحق كل من محمود أبو غزال ابن الشهيدة فاطمة غزال التي استشهدت في معركة عزون في 26/ 6/ 1936، وعبدالله القنبر، ونمر القنبر وكامل الحواري، وزعل بدران، وابراهيم الكيوي، وسعيد أبو حلاوة، وعبد الرحيم الرياشي، وعبد العزيز الجودة، وأحمد البدوان، وقاسم الشايب الطحلة من عزون واّخرين .

2) قرية عِسلة: أسعد القاسم، وجاسر سليمان، وابراهيم البم راضي.

3) قرية سنيريا: عمر أبو طبنجة، وسليمان فرح .

4) كفر ثلث: إسماعيل أبو هنية، ورشيد أبو هنية، وموسى مقبل، وحسين شقير، ويونس أبو خالد.

5) دير بلوط: محمود قرعوش.

6) كفر الديك: الأخوين حافظ عبد المجيد علي الأحمد، ومحفوظ عبد المجيد علي الأحمد، وأحمد عودة علي الأحمد.

7) كفر قاسم: علي بدير وآخرين، وتعاون المختار وديع أبو دية مع الفصيل.

Cool كفر قدوم: فهمي صوفان، وكان بمثابة سكرتير الثورة وكاتبها ، وأحمد القدومي.

9) مسكة: المعلم إبراهيم عبدالحفيظ الذي كان يتولى مهمة الكتابة على الآلة الطابعة الخاصة بالثورة.

10) خريش: حسن أبو عمر، ومهمته تصنيع الكبسولات.

11 ) قلقيلية: انضم إلى الفصيل: عبد الرحيم الدكة، وقام  بالتنسيق مع الفصيل مسؤول اللجنة القومية حسين جميل هلال، والذي لعب دورا هاما في إحضار الذخائر والتمويل للفصيل وتوجيههم نحو أهداف محددة في محطات سكة الحديد، والمستعمرات القريبة، ومنها: كلمانيا، وهاكوفيش ومحطة رأس العين وغيرها، وقد لاقى “فارس” الترحاب والحفاوة من آ ل زيد في ديوانهم بمدينة قلقيلية. التحق به من البلدان العربية سوريون، ويمنيون، وسعوديون، ومنهم:ـ جميل السوري وعبدالرحيم السوري والحاج عبده والحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والجدير بالذكر أن هؤلاء الثلاثة الأخيرين كانوا مدعاة للشك في أن يكونوا عربا، وقد قابلت أشخاصاً شاركوا في الثورة من جبل الخليل و قلقيلية، وطولكرم، ورام الله وفي رواياتهم اتهام للحاج محمد مسلم، والحاج محمد اليمني، والحاج عبده كانوا مدسوسين في الثورة ويعملون لحساب الحركة الصهيونية توزعت مهمات أعضاء الفصيل بين مهمات قتالية، وعمليات مختلفة مثل: الاغتيالات، وشراء الأسلحة والذخائر والمناظير، ومن الأمثلة على ذلك تكليفه موسى مقبل عودة من كفر ثلث بشراء منظار من مدينة نابلس، بينما قام فهمي صوفان بتسجيل أحداث الثورة بصورة يومية، وكلف عدد كبير من الناس بتنظيف الرصاص القديم الذي بقي من الحرب العالمية الأولى . اهتم “فارس” باتخاذ لباس عسكري موحد لفصيله حيث لبس المقاتلون اللباس الخاكي (الكاكي ) والحذاء البني الطويل والشروال الواسع مقلدين الثوار السوريين فيه، وحمل “فارس” مسدسين، ومما قام به تكليف البعض بتأدية مهمات عسكرية كالاغتيالات وأجرى تحريات عن بعض الأشخاص، وقام أحيانا بالتخفي وملاحقة بعض أبناء بلده وأقربائه للتأكد بنفسه إذا كانوا جواسيس أم لا ؟. كان “فارس” يشعر بالتقدير والامتنان للدروز السوريين، الذين ضمهم” فصيل الموت “، وعرف منهم جميل السوري، وعبدالرحيم السوري، وعبر عن إعجابه وتقديره لهم بأن لقب نفسه ب “أبي معروف “.

أبرز الأعمال الثورية لفصيل الموت
قام فصيل “فارس” بالعديد من العمليات العسكرية إلى  جانب قتل عملاء وجواسيس يعملون لحساب الاحتلال البريطاني كانت أولى العمليات التي قام بها فصيل الموت هي زرع ألغام على الطريق الترابي الواصل بين نابلس ومدينة قلقيلية، الذي كانت تمر منه مركبات الجنود والسيارات الفلسطينية وهي قليلة ونادرة.

حدثني عبد الخالق سويدان، و محمد كايد سويدان في مقابلتين منفصلتين أنه كلف عبدالله القنبر بوضع  لغم على الجسر القريب من قريته عزون ووقف الثوار من الجانبين ودمرت دبابة مرت من هذا المكان وبها ثمانية أشخاص وغنموا منها أسلحة وذخيرة .

 أما أرملة الشهيد “فارس” فقد روت للباحث أن أولى العمليات التي قام بها فصيل “فارس” ومن معه كانت في تعرضهم لسيارات ودوريات إنجليزية عند كفر لاقف في موضع “القرنين “، الذي تقوم عليه الآن مستعمرة قرني شمرون. حيث أقام الثوار حاجزاً من الحجارة في وجه الدوريات الإنجليزية المارة من المكان، وقد راح فيها العديد من القتلى والجرحى وربح فيها الثوار الأشخاص والأسلحة والمناظير، التي استخدمها “فارس” فيما بعد،  وقد شارك فيها فصيل حمد زواتا.  توجه “فارس”  إلى  نقطة حراسة أقامها اليهود حول مستعمرة مجدييل اليهودية القريبة من بيار عدس ومدينة قلقيلية، وكمن خلف أرض مرتفعة من الرمال، وانتظر حتى تم تبديل حراسها من شرطة اليهود الإضافية وأطمئن إلى سكون الليل، وقد جلسوا على غير عادتهم خارج تحصيناتهم، فأطلق عليهم النار وقتل منهم ثلاثة، وجرح اثنان، وأسرع  إلى مدينة قلقيلية . وكانت هذه الشجاعة كافية لأن يسلمه القائد عارف عبدالرازق قيادة فصيل. جرت اشتباكات أخرى كان منها اشتباك جرى عام 1938 على جانبي وادي عزون الجنوبي حيث وقف الإنجليز شرقي قرية عِسلة في شمال وادي عزون، في حين رابط الثوار إلى الجنوب بجوار “خربة الخراب “من أراضي كفر ثلث، وجرت اشتباكات سقط خلالها  الثائر يوسف عوده من قرية بديا شهيدا. حدثنا توفيق أبو صفية: ” كنت إصغير يوم استشهاد يوسف عودة من بديا، وقد جاء أهله وحملوه على جمل وتحمست نساء القرية وقلن في الأفراح:ـ

يوم معركة الخراب      انقتل يوسف شيخ الشباب
ومن أعمال ” فصيل الموت ” القيام بوضع ألغام في خط سكة حديد حيفا ـ رأس العين بالقرب من جلجولية التي أدت إلى انحراف القطار عن مساره وانقلابه. وقد تخصص فرح عوده من سنيريا في وضع الألغام، حيث استفاد مما تبقى من أسلحة وقنابل العثمانيين، التي كانت مخبأة في مغارة قريبة من خربة خريش، وظل عودة يضع الألغام حتى جاءت قوة بريطانية إلى خريش وتوجهت إلى مغارة قريبة منها، وجمعت القنابل المخبأة بها منذ عهد الأتراك والتي اعتاد الثوار استخدامها كلما دعت الحاجة لوضع الألغام . كما اعترض “فارس” وعدد من رفاقه  إلى دورية إنجليزية مرت بالقرب من رأس العين، التي قتل فيها 8ـ12 إنجليزيا، ومما قام به الثوار الهجوم على بنك باركليز البريطاني في مدينة يافا وحرقه، وقام “فارس” بمهمات سرية واستطلاعية وتكليف أشخاص باغتيال سماسرة في مدينة يافا، حيث أرسل قاسم الشايب لاغتيال أحد السماسرة فيها و قام فصيل “فارس” بتصفية عدد من العملاء والجواسيس وسماسرة الاحتلال البريطاني في منطقة رام الله . لم يقتصر نضال فصيل “فارس” العزوني على العمليات المذكورة بل شارك في معركة الهجوم على القدس لتحريرها برفقة الثوار وقادتهم، ومنهم: عارف عبد الرازق” أبو فيصل “، ومحمد عبدالكريم النوباني “ابو شوكت”، وحمد داود زواتا ” أبو فؤاد “، وآخرين كانوا داخل المدينة المقدسة.

كتب فيصل عبدالرازق نقلاً عن الثائر حمد زواتا والثائر سعيد الناشف أن عارف أعد خطة لتحرير القدس، وبناءَ على ذلك طلب من فصيل حمد، وفصيل “فارس”، وفصيل محمد عمر النوباني، وفصيل عارف عبدالرازق العمل على تحرير القدس و نظمها عارف وجهزها لاحتلال القدس القديمة، وأمر كلا من “فارس” الحواري وحافظ عبدالمجيد أن يدخلا سراً إلى المدينة لترتيب الفصائل الثائرة تحت إمرتهم، ووضع فصائل على مقربة من الطرق المؤدية للخارج لتقف في وجه أي قوات تجلب لداخل الأسوار، وتم ترتيب الإعداد للمعركة مع ضابط الشرطة العربي جميل العسلي، ومع بهجت أبو غربية، وفوزي القطب، وشكيب القطب، وقد ساعد هؤلاء في نجاح المعركة لمعرفتهم بأسرار المدينة. نجح الثوار في تحرير المدينة لمدة ثلاثة أيام وسيطروا فيها على مركز الشرطة وحرقوا مستنداته، وقد استخدم الجنرال هايننغ السلالم لإرسال قوة للنجدة ، وقد قوبل دخول الثوار بالفرح والتهليل والزغاريد، وأخيراً اضطر الثوار للانسحاب من المدينة . وكان لفصيل “فارس” حضوراً في اجتماع عقده رؤساء مجموعة كبيرة من الفصائل الفلسطينية في قرية دير غسانة في 15 ـ 18 أيلول 1938، الذي جرى فيه بحث أمور الثورة وتنظيم عملها بانتخاب ” مجلس قيادة الثورة ” وعن اجتماع دير غسانة، والتحضير له حدثنا حسن حسين:ـ “جاء إلى كفر ثلث عدد من قواد الفصائل كان منهم: عبد الرحيم الحاج محمد، وكان لباسه يشبه لباس الشاميين، جاكيت طويل، وسروال واسع، وحطة وعقال، وجاء عارف عبدالرازق، وفارس” العزوني، وعبدالرحيم المرداوي، واستراحوا في كفر ثلث، عند حيط دار سعيد عبدالسلام، وأحضر الناس كراسي من بيت المختار سلامة عودة، والثوار رايحة جاية داخل البلد كأنهم في عرس، وبعدها توجهوا للجنوب، وهناك أطلق “فارس” وجماعته طلقات على طياره إنجليزية، ويقال أنهم أسقطوها في مطار اللد، ثم حدثت معركة استشهد فيها الثائر محمد صالح ” أبو خالد” . غمرت القرى التي مر منها الثوار مظاهر البهجة والسرور بعد قدوم الثائر عبدالرحيم الحاج محمد، وحسن سلامة وعارف عبدالرازق وعبدالحميد المرداوي، وعبدالقادر الحسيني، حيث أقيمت الدبكات الشعبية. حدثنا محمود أسعد خطيب، فقال: جاء عبدالرحيم الحاج محمد (أبو كمال ) إلى كفر ثلث. ومعه ثوار يحملون العلم الفلسطيني وهم يغنون

حطوا البيارق على الجبل            وتباشري يا بلادنا
و يا كافر والله ما نطيح              حتى تشوف فعالنا
عاداتنا حمل السيوف               وذبح العساكر كارنا
أظهر “فارس” ميلاً وحماساً ظاهرا نحو أسلوب التصفيات الجسدية للمعارضين والعملاء، وبعث عمله الذعر والخوف في نفوس المخاتير خاصةً في قرى رام الله الغربية والشمالية وقرى قلقيلية. وقد سببت هذه الأحداث لجوء البعض للقوات البريطانية ورافقوهم في عمليات مطاردة للثوار وتعقبوا قادة الفصائل، حيث عملوا جنباً لجنب مع قوات الجيش البريطاني، وركبوا دباباتهم. حدثنا أسعد القاسم أن “فارس” أعطى أوامره بتصفية طاهر عبد سعيد من قرية بديا، والذي شعر بأنه مستهدف من قبل الثوار فهرب وسلم نفسه للإنجليز، وشارك فيما بعد في مرافقة قوة إنجليزية اشتبكت مع ثورة “فارس” في معركة الوادات، ويقال إن هذا الشخص كان مسؤولاً عن قتل كامل البعنة في هذه المعركة التي جرت بالقرب من عزون، حتى أن هذا الشخص كان يفخر بقوله: “ما أحلى قتل الثوار على ظهر الشجر “، وقد راح مقتولاً في أواخر عام 1948. وقام “فارس” بالتخطيط وسعى جاهداً لاغتيال قائد الجيش الأردني البريطاني غلوب باشا، الذي أشرف على الجيش الأردني بتكليف من بريطانيا، وكان يتعارض وجوده مع الطموحات القومية العربية، ولا بد أن “فارس” أدرك الدور الذي يلعبه هذا القائد البريطاني المسيطر على الجيش الأردني، والذي كان يعيق حركة الثوار والمجاهدين الذين عبروا  إلى فلسطين. حدثنا الثائر أسعد القاسم: ” ذهبنا إلى قرية قريبة من طوباس، وكنا قرابة عشرين وكان قائد المجموعة من قرية جلبون من أصدقاء “فارس”،  واستضافنا شيخ قبيلة الزيناتي لمدة يومين، وأراد “فارس” القضاء على غلوب باشا، وكان يساعده رجل من الأردن، عمل كدليل له، واستطلعوا المنطقة فوجدوها ملغومة ويستحيل الوصول إليه، حيث يحيط به حراسه، ووجدنا من الصعوبة بمكان قتله، وقوتنا لا تعادل قوته، ورجعنا من هناك ووجدنا عارف عبدا الرازق، وحمد زواتا قد قاموا بقتل حسن أبو نجيم، ربما بسبب تفوقه عليهم،  وقد شعر “فارس” بالانقباض وتأثر تأثراً شديداً “.

محاكمة “فارس” وإعدامه
معركة الوادات ونهاية “فصيل الموت”
جرت معركة الوادات في موقع غير بعيد عن قرية عزون، و يقع على بعد 2كم إلى الغرب من القرية ويطلق عليه أيضا واد اسحق، تعد هذه المعركة الأخيرة بين فصيل “فارس” والإنجليز، قبل أن يقرر ”فارس”  الرحيل مرةً ثانية إلى  سوريا، وينتهي دور فصيله، وقد جاءت في ظل غياب القائد عارف عبدالرازق عن ساحة فلسطين، ومعه عدد من الثوار الذين توجهوا إلى سوريا واستشهاد القائد العام للثورة الفلسطينية الشهيد عبدالرحيم الحاج محمد، ووصول الثورة الفلسطينية إلى حالة من الاختناق إضافة إلى سوء الأوضاع العربية والدولية.

حدثنا أسعد القاسم عن ظروف المعركة:
” كنت في لبنان ومعي “فارس” العزوني، ونمر القنبر أوائل عام 1939 و زرنا القائد عبد الرحيم الحاج محمد في مكتب اللجنة المركزية للجهاد، والتقينا من أعضاءها محمد عزة دروزة، وداود الحسيني، و سليم أبو لبن. وكان “فارس” يقيم في بيت خاص به وزوجته، وذهبنا إلى بيت داود الحسيني ورحب بنا وسلم الواحد منا أكثر من مائة دينار. بعدها فكرنا بالرجوع مع الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد إلى البلاد، إلا أن داود الحسيني عارض ذهابنا معه، فسألته عن السبب فقال: إنك من رجالي وأخشى عليك أن تقتل إذا رافقت عبد الرحيم الحاج محمد وسأؤمن وصولك إلى كور أقرب بلد إليك. وحّملني رسائل لعدة أشخاص ودعمنا برسائله وتوصياته في هذه البلاد، حيث رتب لنا في القرى من نتوجه إليه، وملأ الُخرجين بما يلزم من الأكل، و وصلنا إلى بلدنا عِسلة ونمنا خارج القرية تحسبا من عملاء الإنجليز وحدث ما توقعنا حيث جاء الإنجليز يبحثون عنا. نام الإنجليز ليلتهم على سطوح الدور بانتظار رجوعنا للبيت. بعدها سمعنا أن “فارس” رجع إلى البلاد، ولم التحق به مرةً أخرى ، حيث عملت بحصاد الأرض غربي حبلة.  توجه “فارس” إلى رأس العين ورابط قرب شجرة صبار قريبة من سكة الحديد بانتظار مرور دورية إنجليزية لينقض عليها ومعه مجموعة من فصيله، ومرت سيارة تنقل عربا حكم عليهم بالعمل الشاق في كسارات قرية المجدل، ومن خلفهم كانت تحرسهم سيارة عسكرية بريطانية تحمل ثمانية جنود أو أكثر قام “فارس” بإطلاق النار على الجنود وتبعه رفاقه، وصعد “فارس” إلى الدورية وأكمل على من بقي حياً . وقال “فارس”: دعوني فأنا من سيقضي على الناجين منهم ومن مسدسه أطلق النار على سائقها الذي كان  أمامه مدفع رشاش، و قفز بداخلها وقضى على الباقين منهم. لكنه أصيب بطلقة في فخذه، وقد شعر بها بعد وصوله إلى خريش، وأسعفه مختار كفر ثلث أحمد الخطيب، وجاء به رفاقه إلى أرض الوادات من أراضي عزون القريبة من جيوس، لحقه الإنجليز يبحثون عنه ويريدون القضاء عليه بأي ثمن، وقاموا بتعذيب بعض أقاربه حتى يعرفوهم عن مكانه، وقد اعترف أحدهم عن مخبأه من شدة القتل والتعذيب، وأشار إلى أنه في “أرض الزايدة” من أراضي عزون. جرت هذه العملية حينما كان عارف عبد الرازق خارج البلاد، في حين أستشهد عبد الرحيم الحاج محمد في صانور، وظل “فارس” وحيدا في الميدان ربما جرى هذا الحادث في أول أيار صيف عام  1939.

حدثني جدي عبدالهادي عرار: 
“جرح “فارس” في معركة رأس العين ونقل على نقالة إسعاف وسار به رفاقه إلى قرية سلمان ومنها توجه إلى  مغارة تقع في أرض “حريقة أبو فارة ” من أراضي كفر ثلث، و حضر لمعالجته طبيب العيون الدكتور رفعت عودة من بلدة بديا “. وتذكر زوجته نقلاً عنه أنه: نقل بعد العملية إلى أرض “حريقة السيد ” شمال كفر ثلث، واعتنى به مختار كفر ثلث وخربها، وصارت معركة الزايدة و اعتنى به مختار جيوس محمد عمر الذي وضعه في مغارة بأرض محمد النوفل، وقمت مع والدته بزيارته   في خربة نوفل من أراضي جيوس، و رفض الكشف عنه حتى تأكد أنها أمه وأني زوجته. مرت أيام وحصلت المعركة وبعدها قرر التوجه إلى لبنان وسوريا. أما كيف حدثت معركة الزايدة، وكيف انتهى مصير فصيل “فارس” العزوني، فقد أجمع الرواة الذين قابلتهم على أن مجموعة من الثوار يقارب عددها عشرون ثائراَ كانوا يجتمعون بين قريتي عزون وجيوس في وادي عزون، بمكان يدعى ” الزايدة ” ـ كما يعرفها أبناء عزون ـ ، وبينما كانوا يجتمعون كانت الطائرات الإنجليزية تحلق بعلو منخفض، وقد رصدت تجمع الثوار ومعهم خيولهم، وقد اختاروا الاشتباك مع الإنجليز فأطلق أحدهم طلقة على الطائرة التي تحلق في سماء المنطقة، مما سهل انكشافهم، وأمطرت الطائرات الثوار بقذائفها الملتهبة ، وجوبهت بسلاح ناري بسيط، يمتلكه الثوار، وكانت المنطقة مكشوفة بشكل جيد للطائرات البريطانية، مما أدى إلى استشهاد ثماني أشخاص، ولم يخسر البريطانيون أحداً منهم.

حول هذه المعركة حدثنا محمد كايد سويدان: 
بعد ستة شهور من اعتقالنا في مزرعة عكا التي كان بها حوالي ألفين شخص معتقلين عند شط البحر. روحَّنا وسَّلمنا على “فارس” في البلد من شامى، وثاني يوم جابوا خيل، ونزلوا على خربة خريش من شامى وربطوا الخيل في البيارات القريبة منها، ومرت دورية إنجليزية وبها ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، باغتهم الثوار ونجحوا في قتلهم وأخذ سلاحهم وركبوا الخيل وهربوا، وفيها جرح “فارس” بطلقة في فخذه، ويقال أنها أطلقت من أحد مرافقيه، وبعد وصولهم خريش قال لهم “فارس”: أصبت. حّطوه في “واد اسحق ” شمال عزون، وأخذ الإنجليز يبحثون عنه، وكشف الجواسيس مكانه ، وحلقت طائرة حول عزون فكشفت من معه في ” أرض الوادات “، وكان بعضهم يشكو من الجوع، مثل نمر القنبر، وقذفت الطائرة على عزون المناشير التي كتبت باللغة الإنجليزية لغرض فرض منع التجول، وهجم الجيش الإنجليزي بدباباته وطائراته على الثوار. بينما كان أبناء عزون يتعرضون للتعذيب. بعد استشهاد رفاقه وجرح عدد منهم اختار “فارس” الانسحاب من الجهة الغربية لا من الجهة الشرقية، حيث يتوقع الإنجليز ذلك، وتسلل من بين الدبابات البريطانية، وفعل مثله عبد الرحيم عثمان زيد، حيث رجع إلى بلده قلقيلية. وقف “فارس” في “أرض العابد” قرب النبي الياس وهو منهك، وقد أعياه التعب والعطش ونادى على قريب له بأعلى صوته وطلب ماءً للشرب، وتأسف “فارس” لاستشهاد رفاقه. حضر أبناء جيوس لرفع الشهداء، ونقلوهم ودفنوهم في مقبرة القرية وبعدها نقلوا لعزون وخسرت عزون ثمانية شهداء منهم: ـ نمر القنبر،  كامل البعنة، أحمد أبو خديجة، وشهيدين من سوريا أحدهما جميل السوري .

وعن المعركة يتحدث أسعد القاسم الذي يقيم في قرية عِسلة المجاورة لقرية عزون والمطلة على موقع المعركة

حدثنا أسعد: يوم المعركة كنت غير بعيد عنها، ولكنني لم أشارك فيها. قام الإنجليز بتطويق عزون، وشًددوا الخناق عليها بدهم يعرفوا وين راح “فارس”، وقد اعترف عن مكان وجوده  بعض أقاربه من القتل والتعذيب وقالوا أنه بين عزون وجيوس، أخذت الطيارات تحلق وتحوم على طيران منخفض، و كشفت الثوار مجتمعين في الزايدة. و أطلق أحدهم طلقة على الطيارة و صارت معركة من الظهر حتى المساء، واستشهد فيها مجموعة من رفاقه، وبعد انتهاء المعركة وقد قارب الوقت على المغيب قرر “فارس” ترك المكان واتجه غربا جنوب الطريق العام في الاتجاه الذي وقفت فيه الدبابات، وقيل أنه تخبى في عرق بلوطة وأن ضابط إنجليزي كان بالقرب منه، و “فارس” متخبي فيها، ولم يراه الضابط، وبعدها توجه إلى جهة النبي الياس وصار ينادي على عبد البري حتى يسقيه ويطعمه، و فيما بعد توجه إلى مختار حبلة محمد القدورة . وحول عملية رأس العين، التي حدثت أواخر ربيع عام 1939، التي أثارت سخط المسؤولين الإنجليز واليهود معاً. يسود الاعتقاد أن بعض الأشخاص اغتنموا فرصة حدوث المعركة المكشوفة مع البريطانيين في معركة الوادات وراحوا ينتهزون الفرصة في معاونة الجيش البريطاني. ووجد المعارضون للثورة فرصتهم فيها، واتخذوها وسيلة لتصفية الحساب والقضاء على مجموعة من أعضاء الفصيل، وقام بعضهم بملاحقة الثوار ودلوا البريطانيين عليهم و كانت حصيلة المعركة استشهاد كوكبة من الثوار المرافقين ل”فارس” خاصةً من أقاربه والقوة الثورية التي اعتمد عليها مما قلل من حماسه لتجديد العمل الثوري، وأخذ يعد العدة للرحيل عن البلاد ريثما تتغير الأحوال وتنجلي الأمور.

 بعد ان شفي “فارس” من جرحه بمدة تقارب الشهر قرر الرجوع إلى لبنان، وقد رتب خروج زوجته معه، وقد أصابه اليأس، وذلك للأسباب الأتية:
أولا: بعد أن أستشهد الأهل والأصحاب وتفرق عنه رفاق الثورة والسلاح.

ثانيا: سوء الأوضاع العربية الداخلية والخارجية والدولية المحيطة، حيث تحالفت قوى الردة الداخلية “عصابات السلام ” العميلة مع الاحتلال البريطاني، كما تحالف الفرنسيون مع البريطانيين نمع اقتراب الحرب العالمية الثانية.

إجراءات الاحتلال البريطاني للقضاء على الثورة:

تضايق الاحتلال من أعمال الثوار، وقرر القضاء عليهم بأي ثمن، فماذا فعل لتحقيق هذه الغاية ؟

قام الإنجليز بسلسلة من المضايقات للسكان والأعمال التعسفية، فتارةً يقذفون المناشير من الطائرات، التي كانت تحرض الأهالي ضد الثورة، وتارةً يقومون بفرض منع التجوال على السكان ولمرات عديدة خاصةً في قريتي عزون وكفر ثلث اللتين اعتبرتا حاضنتين لفصيل الموت ثم سائر القرى التي تؤويه مثل قرى: حبلة، وصير، وقلقيلية والزاوية من قرى جبل نابلس وقد فرض حظر التجوال ثماني مرات على قرية كفر ثلث لوحدها، وقد رافقتها حملة قمع وممارسات تعسفية راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى . كانت سلطات الاحتلال البريطاني حريصةً كل الحرص على القضاء على فصيل “فارس”، وقد اتخذت سبلاً للضغط عليه وكلفت أشخاصاً للتوسط بينه وبين سلطات الاحتلال البريطاني حتى من أقرب الناس إليه ولكن الثائر “فارس” رفض هذه الوساطات أو أن يخدم أغراضها، أو أن يكون طوع إرادتها، ورفض التساهل أو التجاوب مع السلطات الاستعمارية والتخلي عن مواصلة أسلوبه في الكفاح المسلح.

حدثنا فضل عبدالجليل  نقلاً عن أبيه أن أحد أخوته طلب للحاكم العسكري البريطاني، وأن الحاكم عرض عليه أن تقوم بريطانيا بدعم الفصيل بالمال على أن لا يتعرض للإنجليز بالقتل وأن يسير وفق ما تمليه السياسة البريطانية، ولكن “فارس” طلب من أخيه أن لا يعود للحديث معه بمثل هذا، وطلب منه أن لا يلبي طلبهم إذا أرسلوا مرة ثانية في طلبه وإذا فاتحه بهذا الحديث مرة أخرى سيقتله بمسدسه. وعن الإجراءات التعسفية مع أبناء القرى التي تؤويه قام الجيش البريطاني في يوم الثالث من آذار عام 1939 بفرض منع التجوال على كفر ثلث، حيث منع فيه السكان من الخروج، وجمعوا في جامع القرية رجالاً ونساءً وأطفالا، وأعلن المحتلون في مناشير قذفوها من طائراتهم أن على السكان أن يلتزموا بقرار منع التجوال. وأخذت طائراتهم تحلق في سماء القرية ومحيطها، في حين كانت مجموعة من رجال القرية ونساؤها يعملون في الحقول. أخذت طائرات الإنجليز تسقط المناشير، التي تحذرهم وتطلب منهم العودة إلى القرية، وعدم خرق حظر التجوال. سمع أبناء القرية بمنع التجوال، فعاد بعضهم إلى القرية، ومنهم: عبدالله القصاص، وأحمد حامد شواهنة، وفاطمة حامد عوده، وصديقه إبراهيم موسى شواهنة، وكان هؤلاء قد رجعوا للقرية عند سماعهم خبر منع التجوال فعادوا عبر وادي العجمي (وادي حامد) عند ظاهرها الشمالي، لكن طائرات العدو حلقت فوق رؤوسهم استعداداً لإطلاق قذائفها عليهم. لقد اختبأوا في جذوع “الزيتون الرومي “، وقام طيار بريطاني بتصويب قذائفه باتجاههم، فاستشهد عبدالله قصاص، بعد أن احترق جذع الزيتون الذي اختبأ فيه فخر شهيداً. استشهد عبد الله بينما كان في طريقه إلى مدينة يافا، وقد توجه لإحضار ملابس الزفاف لعروسه وكان خروجه من السجن قبل فترة وجيزة  من استشهاده، حيث اعتقل في معتقل عتليت مع آخرين من كفر ثلث وعزون وجرح يومها عدد من أبناء القرية الذين كانوا يعملون في حقولهم. ومن الإجراءات  التعسفية المتبعة في هذا العهد سن قانون  الاعتقال الإداري، الذي يجيز لسلطات الاحتلال البريطاني اعتقال وحجز وسجن أي شخص تتهمه بالخطر على أمن الدولة دون محاكمة، وقد طبقت السلطات هذا القرار وراحت تعتقل من تشاء في منطقة قلقيلية، وقد اقتيد عدد كبير منهم إلى  سجن عتليت، بهدف عزل الثوار عن الفلاحين، وفي عام 1938 قام الإنجليز بهدم بيت الثائر “فارس” العزوني، وقد صادف يوم عيد الأضحى المبارك، وقاموا باعتقال زوجته ووالدته في محاولة واضحة للانتقاص من معنوياته القتالية . وتعرضت أسرة الشهيد لمختلف الضغوط للانتقاص من عزيمته التي لا تلين ومن قوته الفولاذية، وقد صمم على مواصلة الكفاح مهما كانت الصعاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70067
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

 فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف) Empty
مُساهمةموضوع: رد: فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)    فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف) Emptyالإثنين 07 مارس 2022, 4:10 pm

فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)
المؤلف: أ. عبد العزيز عرار
 لمحه في جغرافية وتاريخ عزون

حدثتنا عيشة جودة أرملة الشهيد:
تزوجت قبل العيد الصغير، وبعد العيد بثلاثة شهور نسفوا الدار، أي بعد العيد الكبير، وهي دار اشتراها من حسن حمد الشبيطة  ب600 دينار. حضر الجيش البريطاني الساعة العاشرة ليلا، وقد جاءه مكتوب من الثوار وهو في البيت معنا، وقد أوعز له شخص بالخروج قبل تطويق المكان، عندها أرسل “فارس” شخصا لأحد أفراد المجموعة  في واد أبو شعر شرقي عزون، طالبا اللحاق به غرب عزون، قام الجنود بطرق الباب وركلوه بأرجلهم وقد طوقت المنزل قوة كبيرة من جنود  الإنجليز وفتحوه بالقوة وفاجأني القائد بتسليط المسدس علي، ولم يجد أحد.

سألني أين زوجك ؟

قلت:ـ ليس لي زوج، وسألني من معك ؟

قلت:ـ هي أمي.

أخذونا غصبا عنا إلى قلقيلية ومعي حماتي التي أصيبت بالإغماء وقبضوا على أشخاص كانوا قرب المنزل ومنهم كامل القنبر من عزون وأحمد عبدالرحمن من نابلس  واتجهوا بنا غربا. قام “فارس” بوضع بعض حراسه عند النبي الياس، و في هذه الأثناء نادى أحد الثوار وقال: سر الليل. سمع الجنود البريطانيون هذا الصوت، فانبطحوا أرضا واشتبك الثوار معهم ، وأخذ الإنجليز يجرون اتصالاتهم  حتى تأتيهم  قوة أكبر ولحقوا الثوار إلى عِسلة دون القبض عليهم، وواصلوا المسير فينا حتى وصلنا مركز بوليس قلقيلية وقد وصلنا عند أذان الصبح، ولم يحصلوا منا على إفادة، وأخذونا على مستعمرة نتانيا. وجاءت شرطية تطلب منا الإمضاء أنه لم يحدث للدار شيء فرفضت فادخلوا حماتي ووقعوها على الإمضاء وأفرج عنا وروحنا إلى عزون.

القبض على “فارس”، وتسليمه للسلطات البريطانية:
دفعت الخسائر الفادحة التي حلت في عناصر ” فصيل الموت ” واستشهاد الأهل والأصحاب ، ومنهم أقربائه وأخلص الناس إليه ومريديه والذين يشكلون الحلقة المركزية في نضاله  إلى قناعة  “فارس” العزوني بضرورة الهجرة للخارج، وأن الظروف لم تعود مهيئة للاستمرار في الثورة،  وكان قد سبقه رحيل القائد العام عارف عبد الرازق وتسلله إلى الحدود السورية ومعه اثنا عشر شخصا، وهذا أدى إلى تشجيعه على الهجرة خارج البلاد، ويظهر أنه بات يدرك الصعوبات البالغة والظروف القاسية التي مرت بها فلسطين قبيل الحرب العالمية الثانية واللقاء الذي تم بين الحليفتين بريطانيا وفرنسا، كما دفعت مشاعر العزلة والكراهية لقادة الثورة المسلحة التي انتشرت بين أبناء المنطقة إلى الترتيب لهذه الهجرة القسرية. تمت الترتيبات مع عبد الرحيم الشنطي من مدينة قلقيلية الذي أحضر وثيقة السفر لوالدته وزوجته، وأخيه من أمه أحمد الزماري. في حين توجه “فارس” عبر الحدود ووصل إلى مدينة طرابلس اللبنانية، وسمى نفسه باسم مستعار وكانت هذه المرة الثانية التي يتوجه فيها إلى سورية ولبنان. وإذا كان “فارس” قد نجا في المرة الأولى من العملاء والجواسيس؛ حيث كان قد رحل إلى لبنان وسوريا، إلا أن قدر الشهادة رافقه هذه المرة. فقد قامت مجموعة من العملاء والحاقدين بمتابعته إلى  لبنان ورصد حركاته فيها، وكانوا ككلاب الصيد يقتفون آثاره، ويراقبون تحركاته، وقد عرفوا بالحقد على الثورة والثوار، حيث اندفعوا يطالبون بثأرهم أو لارتباطهم بحزب المعارضة العميل لبريطانيا.

حدثنا فضل حواري نقلا  عن محمد مصطفى شريم الذي يقيم في عمان أن “فارس” العزوني أرسل شخصين إلى مدينة قلقيلية لاغتيال محمد قاسم أحد أبناء القرية، وقد شعر محمد قاسم  بقدوم الثائرين الذين وجها له رصاصةً فرمى بنفسه في حضن نمر السبع فسقط مضرجاً بدمه، وراح المرحوم نمر ضحية الحادث، بينما نجا محمد من القتل وتشافى بعد فترة من الزمن، وقد أرسل “فارس” لآل شريم يعتذر لهم عما جرى، وأعرب عن استعداد فصيله لدفع دية مقابل ما حدث، ولكن طرأ ما هو جديد، فقد قتل أحمد الشطارة ـ أحد أبناء العائلة ـ الذي ساعد “فارس” في الخروج من سجن عكا، وعرفت سلطات الاحتلال أنه وراء هروبه من السجن، فضغطت عليه، وخّيرته بين السجن والإعدام أو اغتيال “فارس”، فخضع لابتزازهم، والتحق ب”فارس” وفصيله وحاول أن يتصيده ويطلق النار عليه من الخلف، وتذرع أنها بالغلط، وشجع هذا العمل “فارس” على تصفيته، وأرسل “فارس” إلى  آل شريم يطلب مالاً للثورة، فاجتمعوا في ديوان العائلة، وكان رأي شيوخ العشيرة وبحضور محمد مصطفى شريم أن يشتروا سلاحاً بهذا المال على أن لا ينصاعوا لفصيل “فارس” مستهزئين بهذا الدور الذي يقوم به ، وقد تعمقت الخلافات وشعر الإنجليز بهذه الحركة وغذوها من طرفهم حتى عرف بعضهم بمكان “فارس” في طرابلس ـ لبنان راحوا يجرون اتصالاتهم مع شيف وهو ضابط يهودي في البوليس البريطاني، وضغطوا على إبراهيم النصار المرافق ل”فارس” حيث أعلمهم بمكانه  وكان ذلك مقابل الوعد بالإفراج عنه، واتصلت السلطات البريطانية مع الفرنسيين وطالبتهم بتسليمه باعتباره مجرماً فاراً من فلسطين، وقد أراد الضابط اليهودي شيف الانتقام من مقتل  “الشرطة الإضافية” من اليهود الذين قتلوا عند رأس العين، وقبض الفرنسيون  على “فارس” وسلموه للسلطات البريطانية . لقد تبسم الحظ للثائر “فارس” أكثر من مرة، وقد نجح في الانسحاب أو التخفي ولم تنجح أعمال منع التجول في القبض عليه، الا أنه في هذه المرة قبض عليه كمغنم كبير. جاء قبض السلطات الفرنسية على “فارس” ليشكل النهاية المحتمة لكفاحه. لقد اقتيد في أغلاله إلى سجن عكا ومعه عدد من الثوار الذين قبض عليهم في فلسطين، ومنهم إسماعيل أبو هنية (كفرثلث)، ومحمود قرعوش (دير بلوط) وعمر طبنجة (سنيريا) وآخرين من كفرالديك وقرى رام الله.

وحول الطريقة التي اتبعتها بريطانيا للقبض عليه، ثم إعدامه حدثنا الحاج محمد عواد: ” هرب إلى سوريا ومعه إبراهيم النصار قبض الفرنسيون على إبراهيم حطوه في السجن، وضغطوا عليه، ثم قبضوا على “فارس” ثم هرب إبراهيم إلى فلسطين وضغط عليه بعض الأشخاص في قلقيلية كي يعرفهم بمكان “فارس”  مقابل العفو عنه من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، وعرف بمكانه الضابط اليهودي شيف رئيس قسم المباحث الجنائية، وسلمه الفرنسيون للإنجليز، جاءوا به إلى عكا، واتهم إسماعيل أبو هنية بمساعدته وذهب صالح عبدالهادي عيسى لحضور جلسة المحكمة، وقال: ” والله يا “فارس” لو أن الرجال تفدى بالمال لفديتك الآن “

وحول محاكمته، وموقف “فارس” من جلاوزة الاحتلال البريطاني، حدثنا الراوي السابق عن محاكمته

 ” سألوه يا ”فارس” من قتل الإنجليز في رأس العين ؟

قال: أنا من قتلهم.

ـ أين ذهب الذين كانوا معك ؟

ـ غادروا إلى بلادهم أو انتقلوا للرفيق الأعلى.

ـ ماهي علاقتك بإسماعيل أبو هنية، ومحمد قرعوش وعمر طبنجة ؟

“فارس”: هؤلاء أولاد، وانا لم أتخذ غير السوريين أصحاب.

وسأله المدعي العام البريطاني : الا تطلب الاسترحام ؟

ضحك “فارس” وقهقه: لا لن أطلب الاسترحام.

القاضي: وهل تفضل الموت على الحياة ؟

ـ “فارس”: نعم وسأبقى أحارب الاستعمار من داخل قبري، ولوكان معي مسدس لأفرغته في رأسك الاّن.

وردد “فارس” قول الخالق عز وجل “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون “.

أعدم “فارس” بعد أسبوع، بقرار فاجأ الأهل والأحباب حتى أن زوجته لم تتوقع إعدامه، وحكم على رفاقه بأحكام مختلفة، حيث حكم على إسماعيل أبو هنية بالسجن سبع سنوات، وسجن عمر طبنجة من سنيريا بالحكم المؤبد، واستأنف قرار المحكمة، فجاء إعدامه في المرة الثانية، وحكم على محمود قرعوش بالسجن عشرة أعوام وأفرج عنه، وخرج للعمل في الولايات المتحدة الأميركية. وأعدم الأخوين حافظ، ومحفوظ عبدالمجيد من كفر الديك، وبإعدام هؤلاء الثوار انتهت الثورة في جنوب طولكرم وبقي بعض الثوار يتنقلون من مكان لآخر، ولكن دون فعاليات تذكر، وقد لاذوا بالتخفي عن العيون . كان الثائر حمد زواتا أوفرهم حظا ولكن سلطات الاحتلال البريطاني قبضت عليه صيف عام 1941، حيث أنهكه الجوع والتعب ونام في بيادر قرية حجة، وبعد سنوات أفرج عنه بوساطة مجموعة من الشخصيات الفلسطينية. وقام الإنجليز بحملة قمع شرسة استخدموا فيها سلاح الطيران، وقبض على الأخوين الثائرين حافظ ومحفوظ بعد أن غدر البعض  بهما وقبض عليهما بخيانة، ونقلوا إلى سلفيت، وسجنوا في بيت أحد المعارضين للثورة، وجاءت نسائهم يولولن، ويصحن، وأعربن عن استعدادهن لإعطاء حليهن وأساورهن مقابل الإفراج عنهما، لكن مجموعة المعارضة كانوا يشددون الخناق عليهما وقيدوهما، وحضرت دوريات الإنجليز التي نقلتهما إلى سجن عكا، وتحركت “عصابات السلام ” العميلة للاحتلال البريطاني لمضايقة السكان، والبحث عن الثوار، وقادها في المنطقة عزيز بلاطة، ولم يبق في منطقة غربي نابلس مشردا وثائراً غير الثائر أحمد عوده (كفر الديك)، الذي اختبأ في الكهوف، والمغارات المهجورة، وبين الصخور العالية، وقد حفّته الرعاية الإلهية، وساعدته خفة حركاته ونشاطه ويقظته وسهره الدائم، ومساعدة الفلاحين على النجاة، وكان ذكياً لا يقيم في مكان واحد.

تقول وفاء أرملة الشهيد “فارس”: رحل “فارس”، وقذف الإنجليز جثته في وسط القرية دون بلاغ مسبق، وأخذ أهله الجثة، وقبل أن يدفن  ودعته زوجته الوداع الأخير قبل أن يوارى جثمانه ويدفن في ساحة بيته، وتقدم العديد لخطبة أرملته بعد بضعة شهور من استشهاده  لكنها رفضت الزواج منهم، وأخلصت لزوجها في حياته  وأصاب والدته مس من الجنون، حيث مات ابنها الذي كان يحظى بنصيب وافر من محبتها وتقديرها ولقد  انفعل الناس بهذا الحادث الجلل وعز على نساء عزون وكفر ثلث وخريش وسائر قرى قلقيلية، استشهاده بعد إعدامه، فبكت النساء وقلن هذه البكائية:

قلن انكسر ريح المراكب            وانكسر مركب نحاسي

اخسارة يا أبو معروف               يا قايد كل الناس

قلن انكسر ريح المراكب          وانكسر مركب ذهب

يا خسارة يا بو معروف               يا قايد كل العرب

قلن إنكسر ريح المراكب            وانكسر مركب حديد

يا خساره يابو معروف             يا قايد كل الاجاويد .

تقييم التجربة الثورية
 مسيرة فصيل الموت تحت المجهر:
سُجلت على هذا الفصيل عدد من المآخذ مما حمل البعض للقول أن “فارس” يمثل سلوك “مجرم ” أكثر منه ثائراً، وقد وصفه الكاتب الصهيوني سمسار الأراضي عزرا دانين والحاقد على الثورة الفلسطينية 1936ـ 1939 بهذا الوصف ويظهر أن العديد من الفلاحين تأثروا بهذه الرواية، كما أن المتضررين أشاعوا بين الناس هذا القول رغم بطولته النادرة ومقارعته لقوات الاحتلال.

وقد وجد الباحث أن الانتقادات تتمحور حوله في المسائل الآتية:
1) لم يكن فصيل “فارس” يمتلك وعياً ثورياً كافياً أو نظرية ثورية تحدد توجيه بوصلة الثورة، وتكشف الطريق المناسب للعمل. كان عمله عفوياً وفردياً يقوم على ردة الفعل المباشرة مصحوباً بهاجس أمني كبير، وذلك بسبب كثرة العملاء والجواسيس الذين لاحقوه وفصيله، كما أن “فارس” كان صغير السن قياساً بغيره من الثوار، ومنهم: عبدالرحيم الحاج محمد وحمد زواتا، وعارف عبدالرازق.

2) يظهر أن  بعض العملاء والمشبوهين استطاعوا التسلل في الفصيل، ويشاع أنهم من اليهود ومنهم: محمد الحاج مسلم الحجازي الذي التحق بفصيل عارف عبدالرازق ثم انضم إلى فصيل “فارس” لاحقاً، وكان هذا الشخص قاسياً في ردة فعله تجاه أي مشكلة تعترض الفصيل أو تُهم توجه للبعض وضد رجال المعارضة  الموالين للبريطانيين، ووصفت ممارساته بالابتزاز والقسوة بذريعة العمل لمصلحة الثورة. وكأنه كان يُسعر نار الخلافات العائلية و كان حضوره قوياً في اغتيال عدد من قادة حزب المعارضة والمخاتير، وحوله دارت شبهات  عديدة، وهو يقوم بتعذيب الأشخاص وابتزازهم إذا ما تأخروا عن دفع المال، ويجلدهم  بسوطه بطول مترين وبه رصاصة في مقدمته وله قصص عديدة رواها لنا أشخاص في حبلة وكفر ثلث ورأس عطية وطيرة بني صعب وخريش وغيرها، ويبدو أنه على علاقة باغتيال حسن صدقي الدجاني وربما اخترق فصيل “فارس” ومن قبله فصيل عارف عبدالرازق واستغل تكليفه ببعض المهمات وراح يعمق الشرخ بين العائلات الفلسطينية لمصلحة الاستعمار البريطاني والصهيونية وقد تصرف محمد الحاج مسلم بتصرفات قاسية أوحت للكثيرين على أن يده غير نظيفة، بل اتهموه بأن يهودي مندس في الثورة، ولقد كان عنواناً للاستياء العام، ومثالاً صارخاً للقسوة في تعامله مع الجماهير التي كرهت الثورة  لوجود أمثاله في صفوفها.

وهذه بعض الأعمال التي شارك فيه الحاج مسلم وأثارت الاستياء الشعبي:
أولاً: تجريد وتصفية حسن أبو نجيم قائد فصيل قلقيلية:

نسب إلى “فارس” تصفية أبو نجيم، فهل كانت له علاقة بهذه التصفية ؟ كانت البداية الأولى للخلاف بين قادة فصائل الثورة في منطقة قلقيلية قد ظهرت في الخلاف الذي حدث بين حسن علي ابو نجيم قائد فصيل في مدينة قلقيلية، والقائد العام عارف عبدالرازق في صيف عام 1938. ضم فصيل أبو نجيم عددا من شباب قلقيلية وشباب كفر ثلث كان منهم: بركات يوسف عودة، وسلامة عودة، و يونس عبدالله أبو خالد وغيرهم. وقد تحدث عن هذا الخلاف وأسبابه رواه عديدون. وتذكر هذه الروايات أن حسن اتهم بسلب فرس من قرية مجدل الصادق، وأن الناس فيها اشتكوا لقائد الثورة العام عارف عبدالرازق، وبناءً عليه تقرر الاجتماع به في كفر ثلث، لبحث الشكاوى الموجهة ضده. عندما شعر حسن أبو نجيم أنه سيحاسب من قبل القائد العام عارف عبدالرازق ومن معه من قادة الثورة أمثال: حمد زواتا وفارس” العزوني. بيَّت خطة للانقضاض عليهم، بحسب المثل الشعبي القائل: ” بتغدى فيهم قبل ما يتعشوا فيي “، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

كتب فيصل عبدالرازق نقلاً عن القائد حمد داود زواتا وآخرين حول الأحداث التي أوصلت لتجريد قائد الفصيل  أبو نجيم ” إن حسن من قلقيلية عين وسلح من قبل عارف وفصيله، وصلت إلى عارف تعديات قام بها في منطقة قلقيلية لأسباب شخصية ليس لها علاقة بالثورة. ثم جمع أموالاً وتصرف بها لحسابه الخاص، شكاه الناس لعارف فأرسل في طلبه ولكنه بدلا من الحضور أرسل من يتوسط له فوسط سيف أبو كشك، حضر سيف ومعه وجهاء آخرون إلى القيادة، قبل عارف الوساطة على أن يمتنع أبو نجيم عن القيام بأعمال مماثلة. عاد يتصرف كالسابق فاستدعاه عارف. عند ذلك تآمر أبو نجيم مع فصيله لاغتيال عارف. ففي أثناء وجود عارف وقسم من مساعديه في قرية كفر ثلث وكان حمد زواتا أحدهم. توجه أبو نجيم  إلى كفر ثلث ومعه فصيله المكون من ستين ثائراً، ولكن قبل أن يدخل القرية أمر فصيله بالاختفاء في بقعة أرض مغطاة بالزيتون تابعة للقرية، وقد أمر ثوار الفصيل أنه عند سماعهم ثلاث طلقات عليهم التقدم نحو البيت الذي يتواجد فيه عارف ومن معه، وعند وصولهم للبيت عليهم تطويق البيت ثم القضاء على كل من بداخله من جماعة عارف. جلس أبو نجيم مقابل عارف وكان عارف في تلك الأثناء مشغولاً بأمور تتعلق بالثورة. كان بالغرفة حمد و ”فارس” العزوني. أخذ الثلاثة بالحديث، ولكن الشكوك جعلت حمد يهتم بمراقبة أبو نجيم بدقة، لاحظ حمد أن أبو نجيم يحاول فك أزرار سرواله العسكري فارتاب بالأمر وامسك بكلتا يديه خلف ظهره بينما شق حمد سروال أبو نجيم وأمسك “فارس” باليد الأخرى.

ويحفظ عدد كبير من الرواة الذين قابلتهم قصة أبو نجيم ويتفق سردها، مع اختلافات وتلاوين بسيطة من شخص إلى آخر. حدثني عدد من الرواة، ومنهم: الثائر أسعد قاسم الذي كان مرافقاً لفارس” العزوني يومذاك حدثنا: صعد حسن  أبو نجيم إلى الطابق الثاني في دار داود حسين شواهنة في كفرثلث، أحد أقارب “فارس”، وترك أعضاء الفصيل خارج الدار وقال لهم: إذا سمعتم إطلاق نار قوموا بتجريد الفصائل الأخرى من السلاح واستعد لمقابلتهم، و قد عقد العزم على تصفيتهم، وخبأ مسدسه بين لباسه وحذائه الطويل. جرى نقاش بين القادة الثلاثة وهم: عارف عبدالرازق وحمد زواتا، وحسن أبو نجيم، بينما كان “فارس” العزوني مختبئًا في شباك الغرفة، والمغطى بقماش رقيق وأثناء نقاشهما معه وتوجيه بعض الأسئلة له، وقد اتهموه بسرقة فرس في قرية مجدل والإساءة للثورة، واتهمه عارف بالتقصير تجاهه حينما طوقه الجيش البريطاني ومن معه في أحد المعارك ولم يحاول تخليصهم. حاول حسن أن يلتقط مسدسه في محاولة منه لتصفية عارف وحمد،  فأسرع “فارس” بتحذير عارف عبدالرازق الذي اصفر لون وجهه و تعارك معه،  وقبضوا على يديه وجردوه من سلاحه وأخذوه خارج البيت، وأمروا أعضاء فصيله بالتخلي عنه وترك بعضهم الثورة منذ ذلك اليوم وانضم الباقون لفارس” وطلب عارف من “فارس” أن يتولى مهمة تصفيته ، لكن “فارس” همس في أذن أسعد القاسم، ونمر القنبر أن يتظاهروا بأنه هرب ويطلقوا عليه رصاصات طائشة في الهواء، ونجح حسن أبو نجيم بالهرب و ُقبض عليه مرة ثانية في قرية سمسم من قرى غزة، وسلم مرة أخرى إلى عارف عبدالرازق الذي أمر فصيل حمد زواتا بتصفيته بعد أن جلدوه وعروه وعذبوه ثم أطلقوا النار عليه حيث وصلوا به إلى كفر لاقف، وبقيت جثته في العراء المكشوف أياما وليال، وبعدها حضر أهله ودفنوه في أحدى المغارات الأثرية .

أثار قتل حسن في أهله مشاعر التذمر والتقزز من هذا العمل ؛ خاصة وأن حسن أبو نجيم سبق له أن شارك في أعمال جهادية ومنها: عملية قتل بضعة أشخاص من الشرطة الإضافية البريطانية في قرية عزون وهي عملية راح فيها ما لا يقل عن 6 أشخاص، وكان ثائرا تطارده القوات البريطانية للقبض عليه بعد أن قام بعمليات جريئة في السهل الساحلي الفلسطيني وهاجم فصيله عددا من المستعمرات القريبة من مدينة قلقيلية مثل كلمانيا وهكوفيش، ورعنانيا، وسكة حيفا ـ رأس العين. عن هذه العملية التي حدثت في عزون يروي الحاج محمد عواد ” تمركزت الشرطة الإضافية في دواوين عزون منها: ديوان رضوان، و ديوان عدوان، ودار سليم، وكان مطلوب من الناس خدمتهم، واطعام خيولهم عندها قرر الثوار وعلى راسهم عارف عبد الرازق الهجوم بغتة وهجمة رجل واحد، ووزعهم في مجموعات منها: مجموعة حسن أبو نجيم تتوجه لديوان رضوان، ومجموعة علي الهنطش (من صير ) تهاجم ديوان دار سليم، وتوجه حمد داوود زواتا إلى ديوان العدوان ومجموعهم ثلاثون ثائرا موزعين في ثلاث مجموعات، ولكن حسن أبو نجيم  عاجلهم بإطلاق النار قبل الباقين وطوقهم، وأخذ الثوار سلاحهم وقتلوا من الشرطة البريطانية بضعة أفراد مع خيولهم وهرب الباقون.

وبعد ذلك قام  الجيش الإنجليزي بضرب الناس وتعذيبهم حتى جاء شوقي عبد الهادي أحد ضباط الشرطة، وقال: ” اللي بمد يده على عزون بورية، ويا فواز الهواش كفى ” ويضيف الراوي بأنهم حملوا القتلى الذين كان عددهم ثمانية، وصادر الثوار سلاحهم وانسحبوا بعد مقاومة وعلى أثر الحادثة نسف الإنجليز محلات شطارة، ودار “فارس”، وعددا من الدور ومجموعها 10 دور. كانت هذه العملية الثورية الجريئة عنواناً رئيساً لصحيفة الدفاع التي كان يحررها ابراهيم الشنطي، وجاء في صدر صفحتها الأولى   “مقتل 6 من البوليس الإضافي وأخذ 11 بندقية ومسدسين. مسلحون يطوقون قرية كفر ثلث لمدة طويلة ” وأشارت الصحيفة إلى ان تطويق قرية عزون تم في الساعة الثانية صباحاُ حيث طوقت عزون بما يقرب من مئة مسلح، ثم دخل فريق منهم إلى القرية، حيث طوقوا ديوان اّل رضوان الذي كان فيه أحد عشر نفرا من البوليس الإضافي، ودخل المضافة ثلاثة مسلحين وطلبوا من البوليس الذي كان جالسا مع أهل المضافة الخروج خارج المضافة ثم أخذوا يطلقون النار عليهم وعلمنا أنه قتل منهم ستة انفار، وجرح اثنان وأخذ المسلحون أحدى عشرة بندقية، كما جاء في إخبارية وكيل المختار للبوليس، وعلمنا ان المسلحين قتلوا ثلاثة رؤوس خيل للبوليس الإضافي واستمر إطلاق النار بين الطرفين مدة ثلاث ساعات. حول مصير حسن أبو نجيم حدثني كايد عواد حدثنا: هرب أول مرة من قبل عبد الله القنبر، وجاسر سليمان وتظاهروا بأنه فر منهم، وقد أطلقوا النار عليه في الهواء وفي يوم من الايام قام شخص من قرية سمسم من قرى غزة بتقييده وإحضاره للثائر حمد زواتا الذي أعدمه على طريق عزون كفر لاقف. أدى قتل حسن إلى كراهية بعض أقاربه ومؤيديهم للثوار، وافتراق عدد كبير من أعضاء فصيله عن الثورة، وقد نسب إلى “فارس” مسؤوليته عن قتل حسن أبو نجيم وهي رواية ثبت للباحث عدم صحتها.

ثانياً: قتل أحمد شطارة من مدينة قلقيلية:

ومما نسب إلى “فارس” العزوني من ممارسات وأخطاء قيامه بقتل أحمد أبو شطارة من عائلة شريم في مدينة قلقيلية، وهو شخص ساعد “فارس” في هربه من سجن عكا، وتم تصوير “فارس” على أنه شخص ناكر للجميل ومجرم بحق أصحابه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
فارس الحوّاري العزّوني (أبو معروف)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: شخصيات من فلسطين-
انتقل الى: