عدد المساهمات : 75565 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: الأصول الفكرية لحرب بوتين الجمعة 18 مارس 2022, 6:08 pm
الأيديولوجيا والثقافة في الحرب الروسية على أوكرانيا.. الأصول الفكرية لحرب بوتين
خلال خطابه الذي ألقاه في نادي فالداي (المكافئ الروسي لمنتدى نقاش النخبة دافوس) في سبتمبر/أيلول 2021 أشار بوتين إلى 3 مؤلفين مؤثرين: الفيلسوف اللاهوتي المولود في كييف نيقولا بيرديائيف (1874-1948)، وعالم الأعراق السوفياتي ليف غوميليوف (1912-1992)، والمنظّر الأيديولوجي إيفان إيليين (1883-1954)
من اليمين المفكرون الروس نيقولا بيرديائيف وإيفان إيليين وألكسندر دوغين وليف غوميليوف منذ قرابة 3 أسابيع يكافح المثقفون والكتّاب في الغرب لفهم دوافع حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا، ويبحثون عن مبررات فكرية وثقافية وحتى دينية تشكل عوامل محتملة للحرب إضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية المعروفة. فهل كانت خطوة بوتين عقلانية أم رد فعل متهور ومجنون؟ يصر البعض على أن الجوانب السياسية والإستراتيجية لا تكفي لتبرير الحرب، ويبحثون عن مفكر ملهم للرئيس الروسي ربما يكون دافعه للحرب على طريقة المثقف المثير للجدل غريغوري راسبوتين الذي كان مستشارا نافذا في بلاط الإمبراطورية وملهما ومقنعا للقيصر نيقولا الثاني وزوجته ألكسندرا فيودوروفنا حتى زمن قيام الثورة الروسية عام 1917.
لكن راسبوتين كان معارضا للحرب، وظل يتوسل للقيصر ألا يتورط في القتال مع العثمانيين في البلقان عام 1913، وتنبأ الراهب واللاهوتي بزوال حكم أسرة رومانوف إذا دخلت الحرب، ومع ذلك دخل القيصر الروسي الحرب العالمية الأولى التي فقد أكثر من 4 ملايين روسي فيها أرواحهم.
وهكذا تبدو المقارنة مع راسبوتين معكوسة، فقد كان الراهب معارضا بشدة للحرب واستخدم نفوذه على الإمبراطورة والقيصر في محاولة تجنبها، فيما المثقفون المقربون من الرئيس الروسي قد يكونون من داعمي الحرب.
ملهمو بوتين
وفي مقاله بمجلة "أنهيرد" (Unherd) البريطانية كتبت مارلين لارويل مديرة معهد الدراسات الأوروبية والروسية بجامعة جورج واشنطن أنه في المشهد الروسي الراهن لا يوجد أحد يمكن وصفه بالمعلم لبوتين فالواقع أكثر تعقيدا، ومع ذلك هناك العديد من المصادر الأيديولوجية التي تسبب خلطها بالحرب الكارثية، وكلها عملت من خلال "بلاطه" على إنجاز مهمة إعادة أوكرانيا كدولة للدوران في فلك روسيا. خلال خطابه الذي ألقاه في نادي فالداي (المكافئ الروسي لمنتدى نقاش النخبة دافوس) في سبتمبر/أيلول 2021 أشار بوتين إلى 3 مؤلفين مؤثرين: الفيلسوف اللاهوتي المولود في كييف نيقولا بيرديائيف (1874-1948)، وعالم الأعراق السوفياتي ليف غوميليوف (1912-1992)، والمنظّر الأيديولوجي إيفان إيليين (1883-1954). استعار بوتين من غوميليوف مفهوميه الأكثر شهرة، أولا: المصير التاريخي المشترك لشعوب أوراسيا وتعدد الجنسيات الحقيقية لروسيا، في مقابل القومية العرقية الروسية، وثانيا: فكرة "العاطفة" كقوة حية خاصة بكل مجموعة تتكون من طاقة كونية حيوية وقوة داخلية كما صرح بوتين في فبراير/شباط 2021 "أنا أؤمن بالعاطفة، في نظرية العاطفة روسيا لم تبلغ ذروتها، نحن في مسيرة، على مسيرة التنمية، لدينا شفرة وراثية لا نهائية، وهي تقوم على اختلاط الدم". وأشار بوتين في عدة مناسبات إلى رؤية إيليين لمصير روسيا الفريد المفترض ومركزية قوة الدولة في التاريخ الروسي، وقد لاحظ أيضا بالتأكيد كراهية إيليين الغاضبة لأوكرانيا. وبالنسبة لإيليين سيحاول أعداء روسيا إخراج أوكرانيا من فلك روسيا من خلال الترويج المنافق للقيم الديمقراطية بهدف جعل روسيا تختفي كخصم إستراتيجي، وقد كتب "أوكرانيا هي منطقة روسيا الأكثر عرضة لخطر الانقسام والغزو، الانفصالية الأوكرانية مصطنعة وخالية من أسس حقيقية، لقد ولدت من طموح قادتها والمكائد العسكرية الدولية".
أوكرانيا وروسيا
ومع ذلك، فإن إسناد رؤية بوتين لأوكرانيا إلى إيليين فقط هو فشل في فهم أنه من الشائع بالنسبة للمفكرين الروس القول إن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من روسيا وواحدة من نقاط الضعف في مواجهتها مع الغرب. كان الآباء المؤسسون الأيديولوجيون للنزعة الأوروآسيوية في العشرينيات أيضا مناهضين بشدة للأوكرانيين، فقد استنكر الأمير بيوتر تروبيتزكوي الثقافة الأوكرانية ووصفها بأنها "ليست ثقافة، بل صورة كاريكاتيرية". وأوضح جورج فرنادسكي أن "الانقسام الثقافي (بين الأوكرانيين والبيلاروسيين) هو فقط خيال سياسي، من الناحية التاريخية من الواضح أن الأوكرانيين والبيلاروسيين هم فرعان لشعب روسي فريد". ومن بين الأيديولوجيين المعاصرين استشهد المراقبون الغربيون بحماس ألكسندر دوغين باعتبار أن له تأثيرا قويا على بوتين، وقد كان دوغين بالفعل دائما عدوا لأوكرانيا المستقلة "أوكرانيا كدولة ليس لها معنى جيوسياسي" كما كتب في كتابه "أسس الجغرافيا السياسية"، ودعا إلى أن تستوعبها روسيا بالكامل تقريبا وترك معظم المناطق الغربية من أوكرانيا خارج نطاقها.
لكن بحسب الكاتبة فإن دوغين راديكالي وغامض للغاية في صياغاته، مما يقرب أفكاره من كلاسيكيات اليمين المتطرف الأوروبية التي لا تستطيع التماشي مع احتياجات إدارة بوتين، لقد كان أحد المروجين الأصليين لمفهوم جيوسياسي لأوراسيا وروسيا كحضارة مميزة في التسعينيات، لكن هذه الموضوعات أصبحت أفكارا سائدة بصرف النظر عن استخدام دوغين لها في العقود التالية، ولم يكن دوغين أبدا عضوا في أي من العديد من منظمات المجتمع المدني المهمة حتى لو كان قادرا على إلهام بعض المؤثرين في دوائر الصناعة العسكرية والخدمات الأمنية، بحسب الكاتبة.
رعاة دوغين
ومن بين المفكرين الآخرين الذين يدافعون عن المهمة الإمبراطورية الروسية اثنان من رعاة دوغين: رجل الأعمال الأرثوذكسي كونستانتين مالوفيف الذي يقود قناة على الإنترنت ومجموعة للنقاش، والأسقف تيخون، وهو شخصية مؤثرة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ويشاع أنه أحد الذين "يعترف لهم" بوتين. لقد عمل كلا الرجلين معا لدفع أجندة رجعية من حيث "القيم التقليدية"، بما في ذلك الموقف من قضايا الإجهاض والعسكرة وبيزنطة كنموذج تاريخي لروسيا، والتلقين الأيديولوجي للأجيال الشابة. أصبح مالوفيف شخصية محورية في تواصل روسيا مع دوائر اليمين المتطرف والأرستقراطية الأوروبية، فيما يركز تيخون على سد الفجوة بين الكنيسة والكرملين وضمان التقارب الأيديولوجي بينهما، تقول الكاتبة.
الكنيسة الأرثوذكسية
يقودنا هذا إلى بطريركية موسكو (الهيئة المؤسسية للكنيسة الأرثوذكسية الروسية) والتي ظلت دائما غامضة في موقفها تجاه أوكرانيا، فالكنيسة تروج لمفهوم الأراضي الكنسية، أي حقيقة أن الأرض الروحية للكنيسة أوسع من حدود الاتحاد الروسي، وتشمل بيلاروسيا وأجزاء من أوكرانيا وكازاخستان. من وجهة نظر الكنيسة للعالم تشكل جميع الدول السلافية الشرقية أمة تاريخية واحدة، وكييف هي مهدها الروحي، وسبقت الكنيسة اعتناق بوتين لفترة طويلة لفكرة الوحدة الروسية الأوكرانية كما أعلن في مقالته عام 2021، ولكن نظرا لأن البطريركية كانت تضم عددا كبيرا من رعاياها في أوكرانيا فقد كان عليها أيضا الاعتراف بسيادة أوكرانيا كدولة، وحاولت تجنب الاستقلال الكنسي للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية على الرغم من أن بطريركية القسطنطينية اعترفت بذلك في النهاية في عام 2018. الكاتدرائية الرئيسية للقوات المسلحة الروسية (شترستوك) وتقول الكاتبة إنه "لا نستطيع التأكد من مدى صدق تدين بوتين، لكنه يعتقد بالتأكيد أن الحضارة الروسية تعتمد على الأرثوذكسية كنواة ثقافية مركزية". وينبغي أن يضاف إلى ذلك مفهوم "العالم الروسي" الذي تروج له الكنيسة بوضوح، في إشارة إلى مهمة إعادة توحيد "الأراضي الروسية" التي ستنتمي إليها أوكرانيا. هناك أيضا المزيد من الشخصيات الخفية المؤثرة: أحد أقرب أصدقاء بوتين، رجل الأعمال الكبير يوري كوفالتشوك المعروف بآرائه المحافظة والدينية حول عظمة روسيا، وهو واحد من أكثر الشخصيات الاقتصادية والإعلامية سرية في الدوائر الداخلية لبوتين، ولا يتمتع بأي وضع في مؤسسات الدولة بحسب الكاتبة. وهو أكبر مساهم في أحد البنوك الروسية الرئيسية، ويسيطر على العديد من القنوات الإعلامية والصحف الرئيسية، يقال إنه المصرفي الشخصي لبوتين، قام ببناء القصور الرئيسية للرئيس، وقضى بوتين جزءا كبيرا من إغلاق كورونا معه، وفي ما يبدو فهو من غرس فيه فكرة أن التاريخ مهم أكثر من الحاضر، وأن بوتين بحاجة إلى التفكير في إرثه بتاريخ روسيا على المدى الطويل، بحسب الكاتبة. لكن حتى لو تمكنا من تحديد الشخصيات التي لها تأثير عقائدي على بوتين فإن ذلك لن يوضح ما يدفعه إلى الحرب، لأن وجهات النظر الأيديولوجية للعالم تتشكل دائما من خلال سمات ثقافية أوسع من مجرد قراءات محددة. أنتجت الثقافة السوفياتية بأكملها على مدى عقود روايات عديدة عن افتقار أوكرانيا المفترض للهوية الجيوسياسية الواضحة، ورسمت المنطقة على أنها متأرجحة إلى ما لا نهاية بين الرعاة المتنافسين على مر القرون. لقد تم إدانة القومية الأوكرانية بعمق بدعوى عدم "تطهيرها" من وصمة نزعاتها التعاونية خلال الحرب العالمية الثانية مع النازية، وكانت هذه الاستعارات جزءا من الأدوات السياسية للنظام السوفياتي الذي قمع العديد من الأوكرانيين باسم "قوميتهم (البرجوازية)"، وتمت مشاركتها أيضا على مستوى غير سياسي من خلال النكات عن الأوكرانيين. وبلغت هذه الرؤية ذروتها بالنقش في الدستور الذي تنص تعديلاته الجديدة لعام 2020 على أن الدولة تحمي "الحقيقة التاريخية"، ولعبت العديد من مؤسسات الدولة -مثل الجمعية التاريخية العسكرية- دورا مركزيا في تقوية حروب الذاكرة، وبالتالي في تغذية فلاديمير بوتين بسرديات عن النازية المفترضة في أوكرانيا. وتختم الكاتبة بأنه تم بناء نظرة بوتين للعالم على مدى سنوات عديدة، وتشكلت من خلال استيائه الشخصي من الغرب أكثر من أي تأثير أيديولوجي، وكذلك عبر قراءة الأعمال الكلاسيكية للفلسفة الروسية التي تصر على صراع روسيا التاريخي مع الغرب، وتؤكد على دور أوكرانيا كحدود حضارية بين كليهما، وهو ما تعزز ببساطة من خلال تجربته الشخصية.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75565 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الأصول الفكرية لحرب بوتين الجمعة 18 مارس 2022, 6:10 pm
الصراع على التاريخ والكنيسة.. رؤيتان أرثوذكسيتان متنافستان على إرث المسيحية في روسيا وأوكرانيا
بطريرك القسطنطينية يسلّم المرسوم الرسمي إلى المتروبوليت إبيفاني الزعيم الجديد للكنيسة الأرثوذكسية المستقلة في أوكرانيا مطلع 2019 (غيتي) بينما تحشد روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية استعدادا لغزو محتمل، فإن التوترات بين البلدين تتصاعد أيضا من خلال صراع آخر تدور فصوله في أروقة الكنائس الأرثوذكسية المتنافسة. وفي مقاله بموقع "ذا كونفيرزيشن" (the conversation)، يقول يوجين كلاي الأستاذ بكلية الدراسات التاريخية والفلسفية والدينية بجامعة ولاية أريزونا إن كنيستان أرثوذكسيتان مختلفتان تدّعيان أنهما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الحقيقية للشعب الأوكراني، وتقدم الكنيستان رؤيتين مختلفتين بشكل لافت للنظر إلى العلاقة بين الشعبين الأوكراني والروسي.
كنيستان أرثوذكسيتان
ويقول الكاتب إنه شعر بالذهول من التاريخ الديني لروسيا وأوكرانيا منذ زار العاصمة الأوكرانية كييف أول مرة في إطار تبادل علمي في عام 1984، وقرر مواصلة بحثه الأكاديمي لاستكشاف تاريخ المسيحية والدور الخاص للدين في المجتمعات والسياسة في أوراسيا. فمنذ أن غزت روسيا أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014 توترت العلاقات بين البلدين بوجه خاص، وتنعكس هذه التوترات في المقاربات المختلفة جدا للكنيستين تجاه روسيا. الكنيسة الأقدم والأكبر هي الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية-بطريركية موسكو. ووفقا لإحصاءات الحكومة الأوكرانية، كان يتبع لهذه الكنيسة أكثر من 12 ألف أبرشية (وحدة في النظام الكنسي يرأسها الأسقف أو المطران) في عام 2018، وهي فرع من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتخضع للسلطة الروحية للبطريرك كيريل بموسكو، وكثيرا ما أكد البطريرك كيريل وسلفه البطريرك ألكسي الثاني مرارا وتكرارا حرصهما على الروابط القوية التي تربط شعبي أوكرانيا وروسيا. على النقيض من ذلك، تحتفل الكنيسة الثانية الأحدث، الكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا، باستقلالها عن موسكو، بمباركة البطريرك المسكوني ورئيس أساقفة القسطنطينية وروما الجديدة برثلماوس (مقره في إسطنبول)، إذ اجتمع مجلس رسمي في كييف في ديسمبر/كانون الأول 2018، وأنشأ الكنيسة الجديدة، وانتخب قائدها، المتروبوليت إبيفاني. وفي يناير/كانون الثاني 2019 اعترف البطريرك برثلماوس رسميا بالكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا كعضو منفصل ومستقل ومتساو في شركة الكنائس الأرثوذكسية العالمية. كانت الكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا، المتمتعة بالاستقلال والحكم الذاتي بالكامل، تتويجا لعقود من الجهود التي بذلها رعايا الكنائس الأوكرانيون الذين أرادوا كنيستهم الوطنية الخاصة خالية من أي سلطة دينية أجنبية، وكتعبير عن الاستقلال الروحي لأوكرانيا، شكلت هذه الكنيسة الأرثوذكسية الجديدة المتمتعة بالحكم الذاتي في أوكرانيا تحديا لموسكو. وفي المصطلحات الأرثوذكسية، تدّعي الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا أنها (autocephalous) "ذاتية الرأس" وهو مصطلح ينتمي للقانون البيزنطي القديم ويقصد به الكنائس التي تتمتع باستقلال قانوني وإداري كامل وتنتخب رؤساءها وأساقفتها. وعلى عكس الكنيسة الكاثوليكية التي لديها زعيم روحي أعلى واحد هو البابا، تنقسم الكنيسة الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم إلى 14 كنيسة معترفا بها عالميا ومستقلة أو ذاتية، ولكل كنيسة مستقلة رأسها، أو "كيبال" (kephale) باليونانية، وتتمسك كل كنيسة مستقلة بإيمان الكنائس الشقيقة نفسه، ومعظم الكنائس المستقلة كنائس وطنية، مثل الكنائس الروسية والرومانية والروم الأرثوذكسية. والآن، تطالب الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بمكانتها بين الكنائس المستقلة الأخرى. تضم الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا أكثر من 7 آلاف أبرشية في 44 أسقفية، وتنظر إلى الروس والأوكرانيين على أنهم شعبان مختلفان، يستحق كل منهما أن تكون له كنيسته المنفصلة. كاهن أرثوذكسي يشارك بمسيرة احتجاجية على الزيارة الرسمية لبطريرك القسطنطينية برثلماوس إلى كييف في 2021 (غيتي)
كنيسة أوكرانيا المستقلة
القضية الرئيسة التي تفصل الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا عن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية-بطريركية موسكو هي علاقة كل منهما بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية. تتمتع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية-بطريركية موسكو باستقلالية كبيرة في شؤونها الداخلية. ومع ذلك، فهي في النهاية تابعة للبطريرك كيريل (أسقف الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا منذ 2009) الذي يجب أن يؤكد رسميا تزعمه لها وقيادتها، وتؤكد الكنيسة الوحدة التي تتمتع بها مع المؤمنين الأرثوذكس الروس. على النقيض من ذلك، فإن الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا مستقلة عن أي هيئة دينية أخرى. أما لدى أنصار الكنيسة، فإن هذا الاستقلال يسمح لها بتطوير تعبير أوكراني فريد عن المسيحية.
تقليد مسيحي أرثوذكسي مشترك
في كل من روسيا وأوكرانيا، المسيحية الأرثوذكسية هي التقليد الديني السائد. ووفقا لمسح أجرته مؤسسة "بيو" الأميركية عام 2015، فإن 71% من الروس و78% من الأوكرانيين عرفوا أنفسهم بأنهم أرثوذكس، وتظل الهوية الدينية عاملا ثقافيا مهما في كلا البلدين. ويرجع المسيحيين الأرثوذكس في كل من روسيا وأوكرانيا تحولهم الديني إلى أمير كييف الأكبر عام 988 بعد الميلاد؛ الأمير الوثني المعروف باسم فلاديمير الأول عند الروس وفولوديمير عند الأوكرانيين، الذي جعل إمارته (كييف روس أو روس الكييفية) أمة مسيحية أرثوذكسية، ومنها انتقلت إلى سكان "خقانات روس" (الأراضي السلافية الشرقية) بعد تعميده من قبل المبشرين المسيحيين من القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، لتصبح كييف بعد ذلك أهم مركز ديني للسلاف الشرقيين. وبعد أن دمرها المغول عام 1240، سقطت كييف في حالة تدهور حتى مع ازدياد قوة جارتها الشمالية، موسكو. وبحلول عام 1686، احتلت روسيا شرق أوكرانيا وكييف، وفي ذلك العام نقل بطريرك القسطنطينية رسميا سلطته الروحية على أوكرانيا إلى بطريرك موسكو. في القرن الـ20، طالبت حركة قومية متنامية باستقلال أوكرانيا ويشمل ذلك الكنيسة والدولة. وعلى الرغم من أن أوكرانيا أصبحت دولة مستقلة في عام 1991، فإن الكنيسة الأرثوذكسية الوطنية الوحيدة المعترف بها عالميا ظلت خاضعة لموسكو. حاول بعض المسيحيين الأرثوذكس الأوكرانيين إنشاء كنيسة مستقلة في أعوام 1921 و1942 و1992، وفشلت هذه الجهود إلى حد كبير، ولم تحظ الكنائس التي شكلوها باعتراف المجتمع الأرثوذكسي العالمي، حسب الكاتب.
الكنيسة الأوكرانية المستقلة
في أبريل/نيسان 2018، حاول بيترو بوروشينكو، رئيس أوكرانيا آنذاك، مرة أخرى تشكيل كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة. ادّعت ما لا يقل عن 3 كنائس مختلفة أنها الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الحقيقية، وكان بوروشينكو يأمل توحيد هذه الهيئات المتنافسة. أولها الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية-بطريركية موسكو التي كانت أكبر كنيسة، وحظيت باعتراف المجتمع الأرثوذكسي في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فقد كانت ولا تزال خاضعة لبطريرك موسكو، وهو وضع غير مقبول لدى العديد من الأوكرانيين. فشلت كنيستان أخريان، الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية-بطريركية كييف، في الحصول على اعتراف من الكنائس الأرثوذكسية الأخرى. صلاة برعاية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية أقيمت في وسط كييف في يوليو/تموز 2019 (غيتي)
دعم القسطنطينية
لكن البطريرك المسكوني للقسطنطينية برثلماوس الأول دعم كنيسة أوكرانيا المستقلة، وبصفته الأسقف البارز للعاصمة القديمة للإمبراطورية البيزنطية، يتمتع برثلماوس بالمركز الأول في مرتبة الشرف بين جميع رؤساء الكنائس الأرثوذكسية. وعلى الرغم من أن المسيحية الأرثوذكسية الشرقية ليست لديها طريقة واضحة لإنشاء كنيسة مستقلة جديدة، جادل برثلماوس بأن لديه السلطة لمنح هذا الوضع، لأن أوكرانيا قد تلقت المسيحية في الأصل من البيزنطيين، وكانت القسطنطينية هي الكنيسة الأم في كييف. وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، حلّ مجلس كنسي رسميا الفروع الأخرى للأرثوذكسية في أوكرانيا، وأنشأ الكنيسة الأرثوذكسية لأوكرانيا، وفي يناير/كانون الثاني 2019 وقع برثلماوس مرسوما رسميا، يعلن فيه أن الكنيسة الجديدة مستقلة.
ردود فعل متباينة
حتى الآن، تلقت الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا اعترافا من 4 كنائس أرثوذكسية مستقلة أخرى، إذ رحبت كنائس القسطنطينية والإسكندرية واليونان وقبرص بالكنيسة الجديدة. لكن 3 كنائس أخرى مستقلة رفضت صراحة الكنيسة الجديدة، حتى إن بطريركية موسكو قطعت شراكتها مع القسطنطينية بسبب دور القسطنطينية في إنشاء الكنيسة الجديدة. وقال ناديزدا كيزينكو، وهو مؤرخ بارز في الأرثوذكسية، إن برثلماوس حطم الوحدة الأرثوذكسية لإنشاء كنيسة ذات شرعية مشكوك فيها. وفي تعليق سابق على القرار، قال الناطق الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ألكسندر فولكوف، للجزيرة نت، إن "الكنيسة الأوكرانية لم تسع في يوم من الأيام إلى الاستقلال على يد المؤمنين الأرثوذكس في أوكرانيا، وإنما نبع هذا من مبادرات حصرية للقوى السياسية الأوكرانية". وذكر أن من الضروري تأكيد أن كنيسة أوكرانيا مستقلة منذ عام 1990 "عندما منح البطريرك ألكسي الثاني بطريرك الكنيسة الروسية السابق لكنيسته الأوكرانية بقيادة توموس الحكم الذاتي والاستقلال التام في إدارته". ويتابع الناطق الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية "لهذا نحن نفهم أن قرار بطريركية القسطنطينية لا يعني الاعتراف باستقلال الكنيسة الأوكرانية القائمة، بل محاولة لإضفاء الشرعية على منظمات كنسية منشقة، وربطها مع الكنيسة بالقوة، ومن ثم كسر الوحدة الروحية التاريخية والكنسية للكنيسة الروسية". على النقيض من ذلك، رحب اللاهوتي الشهير سيريل هوفورون بفكرة الكنيسة الأرثوذكسية المستقلة في أوكرانيا باعتبارها "دليلا إيجابيا على التضامن مع الشعب الأوكراني الذي عانى من العدوان الروسي".
رؤيتان للتاريخ
اليوم، يعكس التعبيران المتنافسان الرئيسيان للأرثوذكسية في أوكرانيا رؤيتين تاريخيتين مختلفتين للعلاقة بين الروس والأوكرانيين. في نظر بطريركية موسكو، فإن الروس والأوكرانيين شعب واحد؛ لذلك يجب أن توحدهم كنيسة واحدة. والكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا لها وجهة نظر مختلفة تماما. ففي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، رفض مطران كييف وعموم أوكرانيا المتروبوليتان إبيفاني بشدة "التقاليد الإمبراطورية الروسية"، وقال إن الأوكرانيين شعب منفصل بثقافة فريدة، لذا يحتاجون إلى كنيسة مستقلة. ويختم الكاتب بالقول إن مستقبل الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا غير واضح، وتتمتع بدعم العديد من الكنائس الشقيقة، لكنها في الوقت نفسه تواجه معارضة شرسة من موسكو. وفي الوقت الحالي، لا يزال هذا مصدرا للجدل الديني والثقافي بين روسيا وأوكرانيا.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75565 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الأصول الفكرية لحرب بوتين الجمعة 18 مارس 2022, 7:34 pm
للقصة بقية يكشف جذور وخفايا الحرب على أوكرانيا في وثائقي حصري
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75565 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: الأصول الفكرية لحرب بوتين الجمعة 18 مارس 2022, 7:35 pm