منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 القنبلة الذرية – البدايات الأولى..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. Empty
مُساهمةموضوع: القنبلة الذرية – البدايات الأولى..   القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. Emptyالخميس 20 أكتوبر 2022, 4:21 am

القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. من الحجارة التي أحرقت فيلم التصوير إلى عفاريت النيوترونات في الكتلة الحرجة للبلوتونيوم.. الاستعداد لإطلاق الجان الأزرق من القمقم.. الجزء الأول



القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. 2022-10-15_10-22-37_766314



خالد شحام



هذه مقالة علمية بحتة ستأخذكم في رحلة تاريخية نحو البدايات والمحطات التي شكلت ركائز الوصول إلى السلاح النووي وتأثيراته ولماذا يعد السلاح الأشد فتكا وكيف يكون كذلك ، ما أوجه البلاء في هذا السلاح  ؟وهل توصل الأمريكان لما هو أقوى من هذه ؟


عندما كنا نقرأ او نشاهد التاريخ الماضي لاستخدام القنبلة النووية ضد اليابان تصورنا جميعا أن مثل هذا الحدث مضى دون رجعة وان المجتمع العالمي ( وحتى من نفذوا الضربة الاجرامية ) قرروا ألا يحدث مثل  ذلك مرة اخرى بسبب الفظائع والمآسي التي خلفها وراءه .

[rtl]



ad[/rtl]

اليوم ومع تصاعد حدة الأزمة ( الروسية -الأوكرانية ) أو بتعبير أدق (الروسية – الأمريكية ) وعودة شبح الحرب الساخنة أصبح سماع نغمة السلاح النووي شيئا مطروحا وكثير الحضور في التصريحات الروسية ، بعيدا عن التحليل السياسي  لما يحدث فسوف أقدم لكم هذه المقالة العلمية في جزأين  لمعرفة  قصة القنبلة الذرية  بالطريقة المبسطة  وخاصة للجمهور غير المتخصص في القضايا العلمية  وآمل أن تحقق هذه القراءة مستوى مناسبا من الفهم والوعي الأعمق وتعبئة خزائن الثقة في قوة العرب أمة قادمة .


تبدأ رحلة النهوض العلمي الحقيقي  في أية أمة أو مجتمعات بشرية نشطة مع علم الكيمياء  بشكل خاص ودون منازع  لأنه هو الأساس في كل ما بعده ، في علم الكيمياء نحن ندرس خصائص المواد التي خلقها الله وسلوك هذه المواد التلقائي وكيف يمكن أن نستغل هذه الخصائص أو السلوكات لتخدم غايات متنوعة وعديدة ، كل المخترعات والمبتكرات والتقنيات في عالمنا المدرك قائمة بشكل أساسي على هذه النقطة ، سأحاول  ان أقدم لكم مقالة خاصة حول فلسفة وجوهرعلم الكيمياء وأهميته في بناء نهضة عربية علمية إن شعرت بحاجة لذلك  .


من أين بدأت قصة القنبلة الذرية وكيف تَحضَر مسرح العالم لها ؟ ……السيناريو المعتاد للإكتشافات العلمية يبدأ من خلال التعثر بظاهرة أو حدث غريب لا تفسير ولا قيمة له ، أو تساؤلات صادمة أو عبثية جاءت من المختبرات وعجز الكل عن تقديم إجابات لها  ، تاليا تحدث الدراسات ، قفزات وبوابات يتم اختراقها واحدة تلو الاخرى لنجد أنفسنا في النهاية أمام تشخيص عظيم وشيء مذهل يقدم للإنسان قوة جديدة وحيزا جديدا من المعرفة .


في القرون السابقة إبان النهضة العلمية في أوروبا كان يمكن تشخيص ظاهرة بسيطة معروفة بظاهرة الإستضاءة أو التألق التوهجي( الفسفرة والفلورة ) والتي لم يمتلك أحد تفسيرا لها  ، بمعنى أن هنالك معادن جيولوجية  أو مواد كيميائية إذا وضعت في الظلام الدامس فإنك تراها تتوهج ، كمثال على ذلك ربما يذكر بعضكم عقارب الساعات التي تتوهج في الظلمة لتعرف الوقت من خلالها  ، كانت هذه الظاهرة جديرة بالاهتمام وطرح التساؤل حولها وهي من الظواهر الأولية المتعلقة بالموضوع .


في مختبر المعهد التقني في فرنسا 1869 كان العالم هنري بيكريل يجري تجارب تكميلية على الأشعة السينية المكتشفة حديثا وعلاقتها بظاهرة الاستضاءة ، كان قد جلب بضع عينات من صخور تحتوي معادن اليورانيوم  لاختبارها  ، وبالصدفة البحتة وعندما وضعت هذه الصخور قرب أفلام التصوير المغلفة بإحكام اكتشف بيكريل لاحقا أن الأفلام قد تلفت كليا وأسودت وكأنها تعرضت لضوء شديد  ، ومن خلال تجاربه التابعة تأكد بأن هذه الصخور تطلق أشعة خاصة تسببت في تلف الأفلام بعيدا عن ظاهرة الاستضاءة ، وضع بيكريل يده على اكتشاف جديد  ولكنه لم يقدم  أي تفسير نظري وترك الأمر لمن بعده .


تابعت ماري كوري وزوجها دراسة هذه الظاهرة بمنهجية أفضل وهي أول من أسماها ظاهرة النشاط الإشعاعي  ، ومن خلال رحلتها العلمية تمكنت ماري من تشخيص الكثير عن هذه الظاهرة وتمكنت  من تحضير عنصرين مشعين هما الراديوم وعنصر البولونيوم  بالتعاون مع زوجها بيير ، عقب ذلك أصبح واضحا لدى المجتمع العلمي أن هنالك خاصية طبيعية موجودة في بعض العناصر المدمجة داخل الصخور تسمى ظاهرة الإشعاع الطبيعي ومنحت ماري وزوجها وبيكريل جائزة نوبل عام 1903 .


من الملاحظات الأساسية التي درست حول ظاهرة الإشعاع الطبيعي أنها تطلق أنواعا مختلفة من الإشعاعات ( ألفا – بيتا – جاما ) تمت دراسة كل منها جيدا  ، وأن هذه الظاهرة يصاحبها تحول في بنية العنصر المتحلل لينتج عناصر جديدة فمثلا ينتج من التحلل الإشعاعي لليورانيوم بعد سنوات مديدة تنوع كبير من العناصر مثل الباريوم – الكريبتون – الثوريوم – الرصاص ، اما النقطة الأهم في الأمر فهي أن هذه الظاهرة يصاحبها تحرر طاقة بأشكال مختلفة من اهمها الطاقة الحرارية ، السؤال الكبير هنا كان  من فئة : كيف ولماذا  يحدث النشاط الإشعاعي ؟


في بدايات القرن العشرين كان العلم يشتغل على تشخيص ماهية العناصر لفهم تركيبها الداخلي  حيث أمكن التعرف على مفهوم الذرة والتي بدورها تتألف من كتلة مركزية تسمى النواة وتدور حولها جسيمات خفيفة جدا تسمى الالكترونات ، تم تشخيص نوعين أساسيين  من الجسميات داخل نواة الذرة طيلة رحلة علمية شاقة وطويلة ، هذان الجسيمان هما البروتون والنيوترون ، وبالتالي فلو درسنا ذرة من عنصر ما سنجد أن بداخلها عددا محددا من جسيمات البروتون والنيوترون  يختلف عن أي عنصر آخر وهذا ما يسبب الفرق الجوهري بين ذرات العناصر ، تماما كما يسبب اختلاف عدد الكروموسومات هوية كائن حي عن آخر .


بعض العناصر الخفيفة مثل العناصر الغازية كالهيدروجين والهيليوم وغيرها تحوي بداخلها عددا قليلا جدا من هذه الجسيمات بينما تحوي العناصر الثقيلة  بداخلها عدد كبيرا من هذه الجسيمات ، الطريف في الأمر أن الذرات المتخمة بهذه الجسيمات تميل تلقائيا لتخفيف هذه الحمولة الزائدة  ومحاولة التكسر إلى عناصر اكثر خفة ويتم هذا من  خلال ظاهرة غريبة تسمى التحلل الإشعاعي ، أي أن هذه العناصر تسعى الى رحلة الاستقرار من خلال تكسيرحمولتها الداخلية  وتصغيرها ويصاحب ذلك إطلاق الاشعاع النووي ، من الأمثلة على هذه العناصر اليورانيوم- الراديوم –  البولونيوم – الثوريوم  ، وطبعا هذه العناصر لا يمكن ايجادها في الطبيعة بشكلها الحر بل تكون متحدة مع عناصر أخرى وتشكل معادن جيولوجية محددة ومعروفة وتتمتع بتراكيز قليلة في الصخور  ، ولهذا السبب عند فحص بعض صخور ومعادن الأرض مثل اليورانيت والأتونايت والكارنوتايت والمونازايت وغيرها سوف نكتشف مجموعة معادن تتمتع طبيعيا بظاهرة الاشعاع الذري ولذلك يحظر لمسها أو الاقتراب منها أو التعامل معها من دون الخبرة الكافية خاصة إن كان التركيز مرتفعا فوق الحدود .


 يتم الكشف عن  الإشعاعات من خلال جهاز قياس يسمى بعداد  (جايجر -مولر ) ،  كمثال على ذلك اذا قمت بتقريب عداد جايجر من قطعة من صخر الجرانيت الذي ينتشر بكثرة في العالم والبلاد العربية ستجد أن هذا العداد يتأثر وترتفع أصوات القرقعة منه لأن صخر الجرانيت الناري بطبيعته يحمل مواد مشعة بنسب صغيرة جدا ، واذا قمت بتقريب العداد كمثال من  رسوبيات صخور الفوسفات في المغرب العربي أو بعض مواقع الرمال السوداء في مصر فسوف تجد بأن قراءة العداد ترتفع لأن هذا الترسبات تحوي نسبة معينة من المعادن المشعة ، من خلال علم الجيولوجيا الرائع تم تشخيص مواضع محددة في كثير من دول العالم تمتلك تراكيز عالية من المعادن المشعة وأكثرها اهمية وشهرة هي بلدان قارة افريقيا وخاصة زائير وجنوب افريقيا والنيجر حيث التراكيز العالية من معدن الاتونايت ( صنعت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية في العام 1945 من مناجم زائير وكندا ) ، في وقتنا الراهن تتربع  كازاخستان  واستراليا وكندا ( افضل جودة خام )  و روسيا  كأكبر مصدرين لخامات اليورانيوم الجيولوجية ، وفي المنطقة العربية يتربع المغرب والجزائر ومصر والاردن   صدر القائمة في تواجد ثروة هائلة من خامات اليورانيوم .


عندما نتكلم عن المعادن الجيولوجية المشعة فعلينا بأن نعلم بأن تركيز المعدن النقي المشع داخل هذه الصخور هو تركيز صغير جدا لا تتجاوز نسبته في احسن الاحوال 50-150 PPM   أي أن كل طن من الصخر يحوي 50-150 غرام من المعدن الخام وهذا المعدن الخام عند فرزه واستخلاصه لا يمكن أن يعطي أكثر من 2-0.1% من العنصر الحر من خلال عمليات فيزيائية /كيميائية شاقة  ، إن استخلاص العناصر المشعة مثل اليورانيوم من خاماته  تتم على عدة خطوات ومراحل ضمن منهجية منظمة  مكلفة وبهذه الطريقة كانت امريكا تحصل على هذه الفلزات من عروق الصخور النارية الكونغولية بنفس الموازاة التي كانت تحصل فيها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وقتها على هذه الفلزات من مصادر جيولوجية اخرى في مطلع القرن العشرين مع تصاعد حمى الحرب.


في بداية اكتشاف ظاهرة النشاط الاشعاعي لم يكن أحد يدرك خطورته على النسيج الحي إلى درجة أن مركبات الراديوم المشعة كانت تباع على شكل لصقات توضع على الجلد لإزالة الثآليل وتصنع منها دهانات ورسومات مشعة في الظلام  ، وكان يتم العمل مع المحاليل المشعة في المختبرات وكأنها حامض أو قاعدة أو مادة عادية ، ولهذا السبب فكل من اشتغل في تلك الفترة بهذه التجارب دفع حياته ثمنا لاحقا لها  مثل ماري كوري التي تسممت بشدة بإشعاعات أملاح الراديوم وفتك بها سرطان الدم ، وحتى هذه اللحظة تعتبر كل مقتنيات ماري كوري من دفتر ملاحظاتها حتى ملابسها المحفوظة في المتحف من الأشياء الممنوعة اللمس بسبب تشربها بالدقائق المشعة الخطرة لملايين السنين ، كانت عاملات المصانع اللواتي يقمن بتجميع الساعات ذات العقارب المشعة  يستخدمن مركبات الراديوم بكل ثقة دون التنبه للعواقب الكارثية التابعة والتي فتكت بهن جميعا بلا رحمة بسرطان الدم والجلد .


بقيت ظاهرة النشاط الإشعاعي شيئا مثيرا للإهتمام وحقلا علميا للعمل الخصب والمشاريع البحثية الواعدة ، القفزة النوعية التالية التي طرأت على هذا الميدان جاءت على يد ابنة ماري كوري -إيرين وزوجها فردريك  الفرنسيان اللذان قدما تجربة علمية ثورية فتحت بابا لعالم جديد ( لهذا السبب تعتبر فرنسا من الدول السباقة في مجال البحوث النووية وتركيب المفاعلات قبل الولايات المتحدة  )  ، كانت التجربة عبارة عن تنشيط بعض العناصر غير المشعة وتحويلها إلى عناصر مشعة ويتم هذا من خلال استثارة هذه العناصر بقذفها بجسيمات أشعة ألفا وبذلك تمكنت كمثال من إنتاج سيليكون مشع من عنصر المغنيسيوم غير المشع  ، لقد تم تدشين صناعة جديدة اسمها العناصر المشعة الصناعية أو النظائر المشعة التي شكلت حقلا طبيا كاملا بعيدا عن رعب القنبلة الذرية القادمة  ، إن عملية قصف أنوية العناصر لتحويلها إلى عناصر أخرى مشعة  تشبه قذف كرة بلياردو لتصدم مجموعة من هذه الكرات وتقسمها إلى متفرقات ،  لقصف نواة الذرات كان لا بد من مقذوف مناسب صغير الحجم  لذلك تم اللجوء إلى أشعة ألفا والتي هي عبارة عن بروتونات موجبة ثم تم اللجوء إلى النيترونات لأنها متعادلة  ولا تتنافر مع النواة  وانتشرت تجارب القصف بالنيترونات عبر كل أوروبا  .


في تجارب قصف وتكسير الأنوية ( شطر الانوية ) تم الانتباه إلى ملاحظات هامة جدا  : الأولى أن هنالك عناصر جديدة تتولد من عملية التكسير ، الثانية أن كل عملية شطر للنواة يصاحبها تولد طاقة لا يستهان بها ( تسمى طاقة الربط النووي نسبة إلى النواة )  ، النقطة الثالثة ان بعض عمليات الانشطار يرافقها تولد نيترونات جديدة وجسيمات جديدة  !


تحول موضوع  قصف أنوية العناصر وشطرها إلى موضة علمية في ثلاثينيات القرن العشرين لأنه قدم آفاقا علمية تشبه استشكاف كوكب جديد مثير ، أحد العلماء الهنغاريين الهاربين من المانيا  وهو ليو زيلارد 1933 فكر كالاتي مستفيدا من أفكار عالم ألماني يدعى أتوهان : ماذا لو قصفنا ذرة مثل اليورانيوم بقذيفة من جسيم النيترون ؟ ألا يقود هذا الأمر إلى تولد نيترون جديد من الذرة المتكسرة ؟ ماذا لو أن هذا النيترون المتولد  قام بقصف نواة مجاورة ؟  ثم هذه بدورها ولدت نيترونا جديدا تولى قصف نواة اخرى وهكذا ؟… ألن تتولد لدينا سلسلة إنشطار متواصلة تلقائية ؟  ألن نحصل على طاقة هائلة في زمن قصير بهذه الطريقة ؟ أليست هذه فكرة لقنبلة من نوع مفرط القوة ؟ …….مسرح التاريخ الذي كان يتأمل أفكار زيلارد كان يعقد الحبكات لولادة أول قنبلة نووية على يدي هذا الرجل وعلى الأقل نظريا  .


هذه الفكرة الثورية قادت إلى مفهوم الانشطار النووي المتسلسل والذي إذا حصل فنحن بصدد الحصول على قدر هائل من الطاقة النووية الناجمة المصاحبة لعمليات شطر الأنوية وفي زمن صغير ، وهذا يعني أنه بالمقدور الحصول على حالة انفجارية مرعبة  بمعنى الكلمة ، هذه هي الأفكار التي دارت في ذهن ليو زيلارد  والتي تاليا دفعته   لإرسال خطاب تحذيري الى الرئيس الأمريكي روزفلت  من أن هتلر يقترب من امتلاك سلاح يفوق كل انواع الأسلحة التقليدية ،  وبعد توفير الدعم لزيلارد اشتغل على هذه الأفكار مع العبقري الايطالي أنريكو فيرمي في جامعة كولومبيا أولا ثم   تحت ملعب كرة القدم في صالة مخصصة للسكواش في جامعة شيكاغو .


أطلق على المشروع اسم (مانهاتن ) وكانت التجربة غاية في البساطة  حيث يتوجب توفير مصدر للنيترونات وتوجيهه  نحو كتلة من اليورانيوم  املا في حدوث تفاعل متسلسل داخلها ، فشلت التجارب الأولية التي تلقت دعمها من الحكومة الأمريكية وسط شكوك كبيرة في النجاح ، بعد التدقيق اكتشف زيلارد وفيرمي أن كتلة فلز اليورانيوم تحوي بداخلها نوعان من اليورانيوم ( أو بالتعبير العلمي نظيران) وهما يورانيوم 238 ويورانيوم  235 ، واكتشفا أيضا أن اليورانيوم 235 هو الذي يحظى بالاهتمام الأكبر لأنه يسهل شطره بالنيترونات ويسهل حدوث التفاعل التسلسلي بداخله  ، المشكلة الكبرى هي ان فلز اليورانيوم المستخرج من المناجم بعد التنقية  يحوي بداخله فقط 0.7 % من هذا النوع والباقي من النوع 238 غير النشط ، وبعد عدة اختبارات يائسة  اكتشف الفريق أنه من الممكن تحسين العملية باستخدام الجرافيت وتحويط قطع اليورانيوم به لأن الجرافيت ( المادة في قلم الرصاص ) لديه القدرة على تخفيف سرعة النيترونات مما يسمح للذرات بالتصادم معها بسرعة معقولة  ويحقق فكرة التفاعل المتسلسل ،  بهذه الطريقة تم بناء حجرة بارتفاع سبعة أمتار من  380 طن من مكعبات الجرافيت وفي جوفها ستة أطنان من اسطوانات اليورانيوم وجهاز قياس لتدفق الإشعاع  ومن خلال تقريب أو ابعاد مصدر النيوترونات عن اليورانيوم يدويا كان التفاعل المتسلسل يشتد أو يضعف حسب الرغبة وبالتالي يمكن السيطرة عليه ، بهذه الطريقة تولدت فكرة أول مفاعل ذري خاضع للسيطرة وقائم على فكرة التفاعل المتسلسل الجهنمية 1942.


بعد إجراء حسابات معقدة استخلص زيلارد وفيرمي أن هذا التفاعل لا يمكن أن يصل إلى المستوى الانفجاري لأن التفاعل التسلسلي ليس قويا كفاية داخل كتلة اليورانيوم  وتوصلا إلى أنه يجب إيصال كتلة اليورانيوم إلى نقطة أسمياها الكتلة الحرجة ، وهي تعني ان تولد النيترونات التلقائي يجب ان يكون مساويا أو أعلى من امتصاصها  ولذلك يجب أن يكون هنالك حد ادنى من الكتلة ، ولفعل هذا هنالك حلان ممكنان : الحل الأول هو استخدام اليورانيوم 235 والذي يتطلب تحضيره عملية استخلاص صعبة ومعقدة ( تخصيب ) كالذي تقوم به جمهورية إيران حاليا ، الحل الثاني هو استخدام الطريقة التي جرباها بناءا على اليورانيوم 238 وتركيز قصفه بالنيترونات ليتحول إلى عنصر جديد هو البلوتونيوم 239 المؤهل ليكون انفجاريا  بشدة.


عقب تأكد الجيش الأمريكي الذي استلم المهمة تيقنت القيادة الأمريكية أن لديها الفرصة للحصول على سلاح خارق ليس له مثيل ولهذا السبب لم تعد الكلفة مهمة أو ذات أولوية مهما  بلغت وتحول الأمر إلى منطق الإسراع في العملية للحصول على نتائج ودخلت بريطانيا وكندا كشركاء في المشروع  ، من أجل تلك  الغاية تم  إنتقاء مساحة هائلة من الأرض الأمريكية بعيدا عن عيون العامة في لوس آلاموس في ولاية نيومكسيكو  حيث مختبرات لوس ألاموس الوطنية وتم تشييد مدينة كاملة مصغرة بكامل خدماتها  على عجالة وتم جلب العلماء مع عائلاتهم بالكامل إلى هذه المنطقة المخصصة لبناء أول تجربة انفجارية نووية وكان معظمهم أوروبيين ممن فروا من جحيم هتلر وموسوليني ، وبالتالي أصبح الدخول والخروج يتطلب تصاريح وتفتيشا والمرور عبر نقاط عسكرية ،  تم تحييد زيلارد بسبب حدة طباعه ولسانه السليط وأبقي على فيرمي واستلم روبرت اوبنهايمر ادارة المشروع بأكمله .


ثلاث سنوات مضت من العمل المجهد والمكلف جدا ، و في تاريخ 16 من تموز في عام 1945 كانت التجربة الأولى جاهزة وسط الصحراء ، برج فولاذي عملاق بارتفاع ثلاثين مترا  ثبتت في أعلاه رافعة تحمل كرة معدنية تزن الأطنان  تلفها الأنابيب والكيبلات وبداخلها شحنة من متفجرات TNT  شديدة الانفجار وفي جوفها تربض كتلة من البلوتونيوم  مثل جان عملاق  يرقد في قمقمه ملقم بكمية من البيريليوم الذي سيمنحه عفاريت النيوترونات ، الفكرة كانت أن شحنة الانفجار التقليدي ستوجه ضغطا هائلا نحو الداخل المركزي للكرة حيث تقبع شحنة البلوتونيوم وهذا الضغط المرعب سوف يضغط بشدة حجم كرة البلوتونيوم ويوصلها للكتلة الحرجة  مما يحول المسألة إلى أتون ناري في ظرف أجزاء من الثانية.


كانت شدة الانفجار تفوق الوصف بقدرة 20 كيلو طن من TNT ، كرة الوهج وبدرجة حرارة تقارب المليون في المركز شوهدت من مئات الكيلومترات ، البرج الفولاذي تحول إلى بخار وصهرت الصخور المحيطة وغطى الغبار شروق الشمس لليوم التالي ، رقص الفريق فرحا بنتيجة كانت مدوية وسجل التاريخ ولادة أول غول نووي أخرجه  البشر من مرقده وهم لا يعرفون ماذا اقترفوا .


عقب شهر من هذه التجربة كانت قنبلة هيروشيما القائمة على يورانيوم 235 المخصب جاهزة وتلتها قنبلة ناكازاكي القائمة على البلوتونيوم الأشد فتكا ، كانت هذه القنابل مخصصة لهتلر لكن هزيمة المانيا في نفس العام حيدت الهدف تماما وحلت اليابان مكانه ، كانت الاستخبارات السوفياتية متغلغلة في مشروع مانهاتن وأسرار التقنيات والتجارب بين يديها ولم تكن سوى سنوات قليلة لتكون القنبلة السوفياتية جاهزة للعمل ، مشروع مانهاتن اليوم  هو رسميا  هيئة الطاقة الذرية الأمريكية التي أخذت على عاتقها الرقابة على العالم ومنع أحد من إمتلاك هذه التقنيات تحت شعار التنظيم والحماية العالمية .



عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الخميس 20 أكتوبر 2022, 4:32 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: القنبلة الذرية – البدايات الأولى..   القنبلة الذرية – البدايات الأولى.. Emptyالخميس 20 أكتوبر 2022, 4:24 am

القنبلة الذرية – اللاغفران…اليورانيوم من فوقكم والبلوتونيوم من تحتكم.. في إنتظار إعادة البشرية إلى نقطة الصفر والتاريخ سيمنح اليابان ثأر مسح مدينتين أمريكيتين


عقب نجاح تجربة (ترينتي) في مشروع مانهاتن الذري راودت القيادة الأمريكية  جبروتها بأنه لا بد من استخدام هذا السلاح لجملة من الغايات بعد كل هذا الإنفاق والجهد والصبر الطويل (كلفة مشروع مانهاتن في تقديرنا المعاصر وصلت إلى حدود 20 مليار دولار)، توفي الرئيس روزفلت في تلك الفترة واستلم الرئاسة المجرم هاري ترومان الذي قرر أن استخدام القنبلة صار جزءا حيويا من معالم الهيبة الأمريكية المزينة بالنسر الخالد  وتقديم عرض قوة مجاني لبقية العالم المتبقي بعد الرماد، عدد كبير من فريق العلماء الذين اشتغلوا في المشروع كانوا يدركون تماما أن أمريكيا سوف تستخدم هذا السلاح ضد اليابان حتما  فكان نزولهم إلى الشارع وتوقيعهم لعرائض ممانعة الضربة شيئا حيويا لما رأوه من هول ما فعلته التجربة .
بعد رحلة علمية لا بأس بها توضحت الصورة المطلوبة للحالة النووية ، إذا أردت صناعة قنبلة ذرية كالنموذج الأمريكي فهنالك خياران ، الأول هو ان تستخلص اليورانيوم  235 من صخور الأرض وتستمر في تخصيبه وتركيز نوعيته حتى تحصل على عشرات أو مئات الكيلوغرامات من هذا الفلز وبعدها يمكن استخدامه مباشرة في صناعة قنبلة ذرية سهلة التركيب وسريعة النتائج لكن الثمن هنا هو الوقت والكلفة والتجهيزات ، الطريقة الثانية هي مفاعل ذري يقصف اليورانيوم 238  بالنيترونات لتحويله الى البلوتونيوم 239 الانفجاري ثم يتم عزل هذا بالاذابة الكيميائية واستخلاصه تاليا والكلفة هنا أكبر ولكن النتائج أفضل وأسرع.
في السادس من آب من عام 1945 تحركت طائرة قاذفة تحمل في داخلها القنبلة الذرية الحربية الأولى ( الولد الصغير ) ، وهي عبارة عن تسمية استعلائية  مرققة لملاك موت  من الفولاذ يزن أربعة أطنان ويحمل في داخله ما يقارب 64 كيلو غرام من اليورانيوم  ذي النظير 235 المركز بمستوى 80% ، كانت آلية التفجير بسيطة للغاية حيث وضعت شحنة من المتفجرات التقليدية أمام اسطوانة مجوفة من الفلز الفضي المستحضر من أحد وديان سقر  وعند الانفجار فإنها تندفع بشدة نحو المقدمة بحيث تتلاقى مع كتلة اسطوانية مصمتة أخرى من نفس الفلز وتتحدان معا لتصلا إلى الكتلة الحرجة الانفجارية حيث ينطلق التفاعل المتسلسل تلقائيا في ظرف أجزاء من الثانية .
ad
تم تجهيز آلية التفجير كي يتم قدح الشحنة عند ارتفاع 600 مترا عن سطح الأرض لتوليد الموجة الانفجارية الكروية بأفضل انتشارية لها وتحقيق أعلى أذى ممكن .
عند حدوث الانفجار تولدت كرة نارية بقطر 370 مترا وتمددت باتساع مطرد ، درجة الحرارة المنتجة ليست سوى الجحيم بحد ذاته ، قتلت هذه القنبلة 140 ألف نسمة من الشعب الياباني  في مجمل الجريمة ، هكذا مثل أعشاب خريفية تحرق في الفناء الخلفي للبيت دون ادنى إكتراث ، كانت القوة الانفجارية من فئة 14 كيلو طن ، بعد ثلاثة أيام من رفض اليابان الاستسلام تم دك مدينة ناكازاكي بالقنبلة الثانية ( الرجل السمين ) وهي بقوة 18 كيلو طن وتتألف من شحنة من البلوتونيوم  تم تفجيرها بنفس طريقة تجربة مانهاتن ، تم قتل 80 ألف إنسان مباشرة ولو كانت الكثافة السكانية أعلى لكان عدد الضحايا أكبر بكثير .
قد يكون من الممكن في هذه الدنيا أن يموت الإنسان ميتة واحدة ممزقا أو محترقا او متسمما دون أي ذنب ، لكن أن يموت حرقا وتمزيقا وتسمما وإمتهانا  ثم يتحول إلى رماد تذروه الرياح بلا قبر ولا مودعين فهذا ليس من العدل في شيء ، إنها جريمة واحدة تجمع كل جرائم ووحشية البشرية في حلة واحدة وهذا ما اقترفته الأيدي الأمريكية .
لم ترتكب الولايات المتحدة جريمتها من اجل إنهاء الحرب فقط ، لقد فعلت ذلك عدوانا وغطرسة وفرضا للقوة على العالم وفي جانب آخر نفذت الضربة كاختبار استراتيجي علمي سياسي ، لقد تمت دراسة تبعيات الجريمة بدقة كاملة وجمعت عينات وصور وسجلات دقيقة للمأساة عقب استسلام اليابان و كلها استخدمت كمدخلات وملاحظات علمية للتعرف على أبعاد جديدة للطاقة الذرية ، تم إرسال فرق المفتشين إياهم الذين يتوالدون عادة عقب حملات التركيع الأمريكي تماما كما فعلوا مع العراق المسكين لجمع الفتات وإحصاء الضحايا وعمل ملف كامل للمباهاة بفظائع القتل وجعل اليابان مضرب المثل في الصغارة والتأديب.
بناءا على الملاحظات الميدانية التي سجلت من جريمة اليابان تمكنت المذكورة  من الانتباه للكثير من الحقائق والملاحظات الأولية التي يمكن أن تكون مدخلات بحثية تسليحية ومدنية في القادم من السنوات:
إن موضوع قذف أنوية العناصر بالنيترونات قد فتح الباب أمام علم جديد كامل أفاقه متعددة وواسعة وخلافا لخدمة الأغراض الحربية والردعية فقد كان حقلا علميا طبيا وصناعيا وسبقا للمعرفة ولأجله تم بناء المفاعلات و المسارعات الذرية المكلفة جدا وخصصت الخزينة الأمريكية مبلغا مهولا لهذه الغاية كمكافأة لهذا الفتح ، لقد توصلت الولايات المتحدة في السنوات الصاعدة  إلى تحضير مضاد المادة وشخصت خصائصه  والذي يمكنه أن يكون مادة الفناء  للأرض ولا يتسع المجال للشرح حوله الان .
تم فتح الباب أمام تجارب الإندماج النووي الأشد فتكا من الانشطار النووي وصناعة القنبلة الهيدروجينية ذات البأس الشديد إنتشاءا وتعزيزا لنشوة الجريمة السابقة.
تم رصد الملاحظات المتعلقة بالتأثيرات الجوية للانفجار النووي وأخذت كدراسات لتصميم مشاريع بحثية حول أسلحة بمقدروها العبث بحالة الطقس أو التحكم بمساره .
تم اكتشاف التأثير الكهرومغناطيسي لكرة البلازما النووية الناجمة عن الانفجار وكيف يمكن لهذه السحابة أن تتسبب في عمل تحريض كهربائي في كل الأجسام المعدنية من حولها وبالتالي تعطل عمل أشباه الموصلات والدوائر الكهربائية .
تم تدشين عالم جديد من الاستخدامات العملية للطاقة النووية ، خلافا لمحطات توليد الكهرباء وكمثال يمتلك الجيش الأمريكي والروسي وغيرهم بطاريات ذرية  ذات كثافة تيار عالية جدا تعمل لعشر أو عشرين سنة أو أكثر دون انقطاع ، يمكن صناعة غواصات وأليات تعمل بلا توقف لمدة عشر سنوات اعتمادا على كيلوغرامات من اليورانيوم او الثوريوم أو البلوتونيوم من خلال مفاعل بسيط ، نظير البلوتونيوم 238 يتوهج من تلقاء نفسه عند تحضيره لأن التفاعل الانشطاري فيه بطيء ويطلق حرارة تدوم لسنوات طويلة دون اية انفجارات وقد استخدم لتدفئة رواد الفضاء في مركباتهم دون اي وقود اضافي ، النظائر المشعة أثبتت نجاحا عاليا في مكافحة الأمراض ودراسة علم النبات ومجالات واسعة جدا.
نعود إلى السؤال الأساسي الذي تصدر رأس  المقالة : ما هي أوجه الخطر في انفجار القنبلة النووية وما الويل الذي ذاقه سكان المدينتين الحزينتين  ؟ لماذا يلهث العالم أنفاسه مع كل تهديد تطلقه روسيا أو الدول صاحبة هذه الأسلحة ؟
الخطر الأول في الانفجار النووي يتمثل في كمية الطاقة المتحررة قياسا للكتلة والحجم ، في داخل المتفجرات التقليدية المعروفة فإن مصدر الطاقة هو تفاعل كيميائي بمعنى أن هنالك نوع من تفاعل الاحتراق أو الأكسدة الذي يولد منتجات غازية تتمدد بقوة بفعل حرارة الانفجار مما يولد الضغط ثم الانفجار وهذه الطاقة محدودة نسبيا ، اذا اعتبرنا أن مادة TNT هي وحدة قياس معقولة فإن قنبلة هيروشيما تكافىء في فعلها المفعول الانفجاري ل 14 ألف طن من هذه المتفجرات ، قنبلة Tsar  الروسية المعلن عنها تمتلك طاقة تفجيرية بقوة ميغا ألف طن وليس من السهل وصف  كمية الجولات المتحررة من هكذا بلاء أشد فداحة  ، لكن  ما هو مصدر هذه الطاقة الهائلة إذا لم تكن تفاعلا كيميائيا  ؟ الجواب هو طاقة الربط النووي الكامنة في النواة  والمعادلة الرياضية التي تقدم التفسير السريع والفوري هي معادلة اينشتاين الشهيرة التي تربط بين الطاقة والمادة ، في داخل القنبلة الذرية الانشطارية أو الاندماجية  يتحول قدر ضئيل من المادة الى طاقة زخمة ، ففي قنبلة هيروشميا مثلا كانت كتلة اليورانيوم 64 كغم تحول منها فقط أقل من غرام إلى طاقة خالصة سببت كل ذلك الدمار ، إن الطاقة  الأكبر تعني سعة ومساحة تدميرية واسعة جدا من الصعب أن يفلت منها شيء ، لا بشر ولا حيوان ولا نبات ولا بنية تحتية .
عند حدوث الانفجار النووي تتشكل كرة اللهب التي تتحول تابعا إلى شكل فطر المشروم الشهير ، هذه الكرة المرعبة من النار ليست إلا غازات ومواد في حالة البلازما ( أي أنها تفككت إلى أيونات والكترونات من شدة التسخين ) درجة الحرارة هنا عالية جدا تترواح ما بين مليون الى نصف مليون درجة مئوية ، مثل هذه الدرجة كفيلة بحرق كل شيء في قطر عريض ، في حالة قنبلة هيروشميا كانت دائرة الحرق بقطر 3 كيلومترات  ومن يقع أبعد من ذلك يتعرض للشواء والحروق الشديدة والعمى المباشر من الوميض والإشعاع الحراري ، لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فهذه الكرة النارية تشع خلافا للحرارة أشعة إكس وأشعة فوق بنفسجية وأشعة جاما القاتلة خلافا لجسيمات ألفا وجسيمات النيوترونات والمقادير المباشرة والقريبة من التفجير تكون مهلكة فورا ، الأمر يشبه وضع هؤلاء البشر جميعا داخل حجرة ميكروويف عملاق وتشغيل الأشعة عليهم ،  لقد رصدت لجان التحقيق العلمي في كارثة هيروشيما ظاهرة الظل المحترق ، وهي عبارة عن آثار على الجدران تدل على التفحم والتطاير الفوري لأفراد كانوا قريبين من مركز الكرة الناري .
الخطر الأكبر من الانفجار والرعب الملموس الذي يحضر بعد ثوان هو ما يعرف بإسم الموجة الانفجارية أو موجة الصدمة ، ولتوضيح هذا المفهوم ركزوا معي  جيدا : عند حدوث الانفجار في أي سيناريو انفجاري فإن مركز الانفجار يحرر غازات لاهبة مضغوطة بشدة تتسع  بشكل كروي مجسم ، هذه الغازات بمجرد خروجها من الحاوية المتفجرة تعمل على التصادم مع الهواء من حولها  وتعمل على رص جزيئاته بسرعة خارقة وكأنها تشكل فقاعة هوائية عالية الكثافة وسماكتها لا تتعدى ملمترات ، هذه الطبقة الرقيقة جدا من الهواء تتمتع بكثافة عالية جدا وتتصرف وكأنها جدار فولاذي بمعنى الكلمة  ، هذه ( القشرة ) الهوائية تتمتع بميزتين قاتلتين ومدمرتين ، الأولى هي سرعة الحركة الكبيرة جدا الأسرع من الصوت ، والثانية هي الضغط والتراص المرتفع جدا الذي يفوق الضغط الجوي بمئات أو الاف المرات ، إن هذه الطبقة الهوائية الكروية التي تكتسح كل شيء وتتضخم بسرعة عالية تمسح كل شيء في طريقها وكأنها منجل يقص كل ما  يعترضه  بلا رحمة ، كثير من القذائف الصاروخية التي كانت اسرائيل المجرمة تلقيها على الأبرياء في غزة كانت تسبب الوفيات للأفراد ليس بسبب الشظايا او اللهب بل بسبب التمزق الداخلي للأنسجة اللينة بفعل الموجة الصدمية الانفجارية ، واذا كنت بعيدا عنها لمسافة أكبر فعلى الأغلب لن تنجو بسهولة لأن هذه الموجة ستسبب إقحاما قسريا للهواء داخل الرئتين مما يفجر كل الحويصلات الرئوية ويحول الرئتين الى ثريد دموي ويعرف الأطباء هذه الظاهرة بإسم تفجر الرئتين ( معظم اطفال ونساء القصف في غزة يحدث لهم هذا الأمر من تمزق النسيج الرئوي وتمزق طبلة الاذن بسبب الموجة الصادمة )  ، إذا لامست الموجة الانفجارية المخففة سطح جلدك فإنها تسفع البشرة وتسبب كدمات دموية ولطخات من التمزق الشعيري الدموي وكان ملاكما ضخما سدد إليك لكمة  ، في حالة الموجة الانفجارية القادمة عن الانفجار الذري فالأثر هنا مضاعف ملايين المرات والطاقة المحمولة في الموجة الانفجارية فاقدة لعقلها تمسح البنايات وتقصم أساسات المنشآت الاسمنتية والشجر وتجرف كل الطبقة السطحية من التربة وتنسفها نسفا ، إنها عبارة عن مكنسة ماحقة لا يسلم شيء في طريقها الممتد بضعة كيلومترات حيث تنخفض  الطاقة بعد ذلك.
الكارثة الأخرى المصاحبة للموجة الانفجارية هي الحمولة التي تستولي عليها في طريقها وتحملها بمعية حركتها ، هذه الحمولة مؤلفة من التراب والحصى والاغصان والشظايا والفتات من أي شيء ، هذه الحمولة عبارة عن قذائف صغيرة قاتلة مزودة بطاقة ميكانيكية تؤهلها لإختراق الجسد البشري بكل سهولة وحتى جدران المنازل والزجاج ، إن أثر هذه الحمولة يمتد عن مركز الانفجار لبضعة كيلومترات وتكون مسؤولة عن عدد كبير من الضحايا الذين مزقت أجسادهم حبات الرمل وألياف خشبية بسيطة .
الكارثة الخامسة التي تظهر بشكل عاجل ثم آجل هي المخلفات المشعة الناجمة عن الانفجار والتي يتم ابتلاعها او تنفسها او لمسها قسرا في كامل المساحة الملوثة ، كما ذكرنا فإن كمية اليورانيوم في قنبلة هيروشيما التي تحولت الى طاقة هي أقل من غرام واحد وباقي كمية اليورانيوم (64) كغم تحولت الى غبار ذري ونظائر قاتلة توزع على كل المدينة إضافة إلى جسيمات النيوترونات والنظائر المشعة المباشرة ونفس الأمر ينطبق على شحنة البلوتونيوم ، كل من تعرض لهذه المواد عن قرب فإنه يذوق عذابا مريرا من التسمم الإشعاعي وانهيار كل أنظمة جسمه عن العمل وفقدان فاعلية الجهاز المناعي ويكون الموت هو المصير المحتوم خلال أيام قليلة ( نذكركم كمثال بقصة اغتيال الرئيس ياسر عرفات من خلال جرعة ميكروية من عنصر البولونيوم المشع ورحلة العذاب التي قضاها في أيامه الأخيرة بسبب التسمم الإشعاعي ) العذاب الحقيقي طويل المدى يكون من نصيب من بقي على قيد الحياة من تنفس واجتراع الدقائق المشعة بكميات أصغر حيث يصاب الجسد بالوهن وسرطان الدم والأخطر من ذلك هو التشوه الوراثي الممتد لسنوات طويلة بسبب التأثر بإشعاعات جاما المسببة للتحور في الحامض النووي للبشر ، إن سجل الآلام الخاص بالشعب الياباني في هذا الجانب لتدمع له العين ويدرك العقل مدى فداحة الجريمة الأمريكية ناهيكم عن تسمم التربة والمياه الجوفية والنسيج النباتي لمئات السنين من هذه المصائب .
إن القنبلة الذرية ليست إلا الشر المطلق بحق الإنسانية ، إنها تكديس للجريمة والخراب وإنتهاء الحياة وبؤس البشرية في عبوة واحدة لا يقدمها سوى الشيطان بنفسه للإنسان لقتل أخيه الإنسان ، إنها محرقة لا يقترفها إلا عدو للبشر وخطيئة كبرى لا يمحوها التاريخ أبدا .
هنالك عبر وحقائق لا بد من ذكرها تماشيا مع حق التاريخ في ثأره وغلبته لأن التاريخ لا يمكن إلا أن يكون عادلا وحكيما وقاسيا أيضا ، هنالك حقائق لا يمكن إلا أن تكون صحيحة على الرغم من هولها ورعبها رغما عنا ، هنالك عبارات من الصعب على الجوف أن يبتلعها لأنها مثل الشوك يجب أن تقال :
إن صناعة الأسلحة الذرية ليست صعبة ولا هي بالمعجزة ، المسألة هي كلف وتجهيزات ومعامل محضرة وخبراء ، يكفي الحصول على العناصر المشعة وتحضيرها للوصول إلى غايات عسكرية عالية جدا ، يمكن للدول الأقل حظا أن تصنع القنبلة النيوترونية والكوبالت والقنبلة الملوثة dirty bomb   المخصصة لإثارة الرعب .
كانت الولايات المتحدة تعتقد ان الضربة التأديبية لليابان ستجعل هذا العالم  يخر صاغرا بين يديها وعابدا مسبحا من خوفها وبحمدها  ولكنها خلقت من حيث هي اقترفت جريمة فريدة من نوعها كابوسا مخصصا لها وذلك بانها أدخلت العالم بأكمله في سباق تسلح نووي لا يرحم  وصنعت لنفسها عدوا جديدا لا يفهم سوى لغة واحدة وهي بأن هذا البلد لا يفله إلا قنبلة ذرية بعيار أقوى مما هو يمتلك وبعدد أكبر مما يخزن  فكانت روسيا اليوم تتربع على اكبر تسليح نووي بمقدوره أن يهدم ظاهرة الحياة على كوكب الأرض .
إن جميع أصناف وأنواع الأسلحة الذرية هي جريمة بحق الانسانية مهما كانت ذريعتها وحجتها وإن كان هنالك من عدالة مؤجلة ستكون يوما ما في هذا العالم فيتوجب ان تقضي بإزالة وحظر هذا النوع من التسليح حظرا تاما .
بما أن اتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية هي أضحوكة وأكذوبة أخرى لا تختلف عن اكاذيب الحريات والديموقراطية الأمريكية فمن حق الدول ان تمتلك السلاح النووي كسلاح رادع في ظل غياب عدالة هذا العالم وسياسات القوى الكبرى وهذا لا يتعارض أبدا مع النظرة في النقطة السابقة ما دامت فكرة الحظر الكلي غير واردة ، من غير المعقول تطبيق فكرة الزعرنة العالمية على العراق و ايران لمحاولتها الحصول على الطاقة النووية السلمية واحتكار ذلك على عصابة الفلك الصهيو-أمريكي  ، من غير العدالة ترك  الشعوب العربية والعالمية تحت رحمة وجبروت الزعرنة الأمريكية.
إن كان هنالك من أكذوبة لأسلحة الدمار الشامل التي تم تدمير العراق بسببها فهي تنطبق و تتعلق أولا وأخيرا بالولايات المتحدة التي تسببت بدمار شامل لكل موضع تدخلت فيه ولأجل أسبقيتها في استخدام السلاح النووي  في اليابان فهي إذا المهدد للسلم العالمي .
إن الشعب الياباني لا يمكن أن يسامح أو يغفر للولايات المتحدة جريمتها مهما طال الزمان ودارت السنوات ولن نستغرب أبدا ان تاريخا ما في يوم ما سيسجل مسح ولايتين او أكثر من الولايات الأمريكية على يد اليابانيين بنفس الطريقة ونفس السيناريو كرد فعل تاريخي على تلك الجرائم التي لا تغتفر .
إن النظرة التي تنبأ بها اينشتاين عندما قال بأن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة هي نظرة صحيحة بالمطلق لأن هذا المجتمع العالمي المصاب بالسعار وجنون العظمة والقتل وإراقة الدماء لن يقتنع ولن يهدأ باله حتى يذوق وبال أمره على يد هذه الأسلحة الفتاكة .
إن الحرب التي تدور رحاها الان بوتيرة تصاعدية وجر روسيا فيها نحو التصعيد رغما عنها تتحمل وزرها الولايات المتحدة امام التاريخ والعالم بشكل لا ريب فيه ، وإن كانت تهديدات الرئيس بوتين مقلقة وفي غير محلها لكن من اختبر وجرب السياسات الأمريكية يفهم أن هؤلاء لا يليق بهم سوى لغة القوة المضاعفة .
إن أية ضربة نووية من العيار الثقيل لا تعني ان الموضع المصاب هو الذي سوف يعاني وحده ، بما أننا مشتركون في غلاف جوي واحد  ومساحة مائية مشتركة وسطح أرضي واحد فمسألة النقل هي مسألة وقت ، ومسألة التلوث الإشعاعي وتخريب نظم الطقس وتدمير موارد الكوكب هي مسألة وقت ، ومسألة قتل وإزهاق الروح البشرية في مكان لن ترحم مكانا آخر مهما طال الزمان .
إن عدد وحجوم الأسلحة النووية التي تتوزع بين مراكز القوى ليست ذات أهمية في الحقيقة ، لن يكون هنالك من فرق بين أن تمتلك ألف رأس نووي أو مائة لأن العبرة في المكان والزمان للضربة الأولى دائما وأبدا ، وفي حال اندلعت مثل هذه الحرب النووية فلا معنى لأي تهدأة او سلام أو حياة على كوكب سيتعرض لخراب ويعيش سكانه في الجحور مثل الفئران ويقتاتون شبه طعام بعد أن كانوا يعيشون في الجنة .
إن هذا الموضوع وتفرعاته يتطلب حزمة من مقالات لمنحه الحق المعقول من الشرح والتوضيح وقد اختصرت كثيرا مما كان في بالي لشرحه لأنني أعلم أنني أثقلت على القارىء الكريم .
إن عظمة الإسلام ورحمته وقيمه ونظرته للحياة هي المستدعاة في هكذا موقف حيث حرم الإسلام قتل النفس أو قطع الشجرة او الإعتداء على كرامة الإنسان وهذه هي الثقافة الحياتية التي سيعود لها العالم مرغما ذات يوم إنقاذا وشفاءا من بؤسه وعذابه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
القنبلة الذرية – البدايات الأولى..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القنبلة الذرية
» “الحركة الصهيونيّة ومنذ البدايات الأولى لمشروع الاستيطان اليهوديّ
» الليزر و الطاقة الذرية و الكهرومغناطيسيات
»  القنبلة القذرة التي تحذّر موسكو منها؟
» مجموعة من كتب الفيزياء الذرية والنووية والجزيئية pdf

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث عسكريه :: الاسلحة الحربية بانواعها-
انتقل الى: