إسرائيل مستعدة لفقد المزيد من جنودها للسيطرة على كنوز الغاز الفلسطينية قبالة غزة والضفة
أوشك الأسبوع الأول أن يمر على انعقاد قمة الرياض، التي أجمع فيها العرب والمسلمون على وجوب فك الحصار عن مليوني فلسطيني في قطاع غزة، لكن لم يتحقق من تلك الوعود شيء، فيما صرخات الأطفال في المشافي ومعسكرات الإيواء تسد آذان العالم الجائر.. ومن مفارقات الأقدار أن مليوني مواطن في قطاع غزة الذين يبحثون عن كسرة خبز ورشفة ماء هم الذين يتصدون لإفساد مؤامرة كونية ضد أمة خصها الله بالمال والثروات الطبيعية، لكنها ضنت بها على أولئك الذين يقفون في وجه الطغيان الأمريكي، الذي يحرك تل أبيب لتنفيذ مخططاته.
وقد استعرض الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، الجهود التي تبذلها الدولة المصرية لنقل 35 طفلا من الأطفال المبتسرين من مستشفيات غزة إلى المستشفيات المصرية. وأشار وزير الصحة إلى تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي، بشأن سرعة استقبال الطفل الفلسطيني عبد الله كحيل، المصاب في ساقه، وعلاجه في مصر، متمنيا أن يستطيع الوقوف على قدميه مرة أخرى في أقرب فرصة، حيث تم تكثيف الجهود اللازمة، وبالفعل وصل الطفل الفلسطيني إلى الأراضي المصرية. وجار حاليا إجراء التدخلات الطبية العاجلة تمهيدا لإجراء عملية جراحية له. وكان الطفل الفلسطينيي قد ناشد الأطباء في مصر لعلاج قدمه من البتر، قائلا: «بطلب من المصريين معالجة رجلي، ليه بتقطعوها؟ خلوني أمشي زي قبل».
«وين الملايين»
الأغنية أو الصرخة الوحيدة التي انطلقت في سماء غزة هي وين ملايين الشعب العربي، فين الغضب العربي، فين الشرف العربي، فين أصوات كثيرة.. تابع فاروق جويدة في “الأهرام”: انطلقت الأغنية الحزينة تتساءل عن الشعوب العربية، وأمجادها القديمة في مناصرة قضية العرب الأولى؟ وكيف تبدلت المواقف وتركت الشعوب العربية، غزة وحيدة أمام الطاغوت الصهيوني.. أغنية وحيدة جادت بها الذاكرة العربية لشهداء غزة، ولم تكن أكثر من كلمة عتاب «وين الملايين» على امتداد الساحة العربية، رغم أن عشرات الأغاني التي قدمها الفنانون المصريون والعرب ابتداء بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وهو يشدو «أخى جاوز الظالمون المدى»، انتهاء بفيروز والقدس يا زهرة المدائن.. في أوروبا وأمريكا خرج الملايين في مظاهرات حاشدة تدين وحشية إسرائيل وجرائمها في قتل الأطفال والنساء وهدم البيوت ومنع الماء والكهرباء، وكلها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي، ولكن أمام حكومات متواطئة ومشاركة وقفت غزة وحيدة تواجه الطاغوت، ولم تجد غير هذه الأغنية ترددها الحشود في كل مكان، ومن بعيد كانت تطل أصوات عبد الوهاب وأم كلثوم من كلمات علي محمود طه «أخى أيها العربي الأبي أرى اليوم موعدنا لا الغدا» بينما تشدو أم كلثوم «أصبح عندي الآن بندقية» أغنية وحيدة وآلاف الشهداء وملايين العرب في المقاهي يتساءلون: أين الملايين، الشعب العربي فين؟ الغضب العربي فين؟ الشرف العربي فين؟ وما زالت غزة تنادي.. وما زلت أتساءل: أين الفن العربي؟ وأين الأغانى التي كانت يوما تشد أزر المقاتلين؟ وأين الفنانون وأين قضية العرب الأولى؟ وأين الملايين؟
أين حقوق الإنسان؟
كنا نشكو من الصمت الدولي على جرائم إسرائيل، الآن والكلام لجلال عارف في “الأخبار”، يبدو الصمت أفضل من هذا التواطؤ الذي يصل إلى حد المشاركة في جرائم إسرائيل من دول لم تتوقف منذ الحرب العالمية الثانية عن الإدعاء الكاذب بأنها النصير الأول لحقوق الإنسان وحرية الشعوب، ستدخل إسرائيل مع الدول الداعمة لها إلى تاريخ الجرائم الإنسانية وهم يرتكبون جريمة العصر ضد شعب فلسطين وضد الإنسانية كلها. لن ينسى العالم مشهد قصف المستشفيات، بأحدث القنابل الأمريكية، ولا حصار الدبابات الإسرائيلية للمستشفيات، ومنع الدواء والماء والغذاء عن آلاف المرضى وعشرات الألوف من النازحين. ولن يغفر أحد لإسرائيل وداعميها ما يرونه من مشاهد الأطفال الرضع، وقد أصبحوا هدفا لجيش إسرائيل في مستشفى الشفاء، ولا حجم الجريمة التي ترتكبها الصهيونية النازية بتواطؤ غربى ومشاركة أمريكية، لم يعد ممكنا إخفاؤها حتى عن الشعب الأمريكي نفسه، كانت أمريكا تردد أنها ضد اقتحام المستشفيات الفلسطينية. مساء الثلاثاء تحدث الرئيس بايدن مع مجرم الحرب نتنياهو، بعد ساعات قليلة كانت كل أجهزة الإدارة الأمريكية تعيد ترديد الأكاذيب الإسرائيلية، وكانت أمريكا تقسم بكل عزيز وغالٍ عندها أن مستشفى الشفاء «المحاصر بالدبابات الإسرائيلية»، هو مقر القيادة العسكرية لحماس التي تستخدم المرضى والنازحين دروعا بشرية لها، وأن ما تفعله هو جريمة الحرب الكبرى، وليس قتل الأطفال وتدمير غزة والمذبحة المستمرة لأكثر من شهر التي تقوم بها النازية الصهيونية ومن يدعمونها، وكان هذا السلوك الأمريكي هو الإعلان الرسمي بالتصديق على مخطط إسرائيل لاقتحام المستشفى الأكبر في غزة، وهو ما حدث على الفور، وإن كان البيت الأبيض قد سارع بالتأكيد على أنه أبلغ إسرائيل أنه ضد القصف الجوي للمستشفى.. ما يعني أن القصف الأرضي لا بأس به على مستشفى فيه الآلاف من المرضى والنازحين الباحثين عن مكان آمن لم يعد موجودا في كل غزة، حتى عصر الأربعاء الماضي كانت قوات الاحتلال تسيطر على المستشفى وتفتش كل شبر فيه. وكانت المصادر الإسرائيلية تعلن أنها لم تجد رهائن إسرائيلية أو مقاومين من قيادة حماس كما كانت تدعي، ولكنها نجحت في تفجير مخازن الأدوية القليلة المتبقية في المستشفى، وما زالت ترتب الأكاذيب المفضوحة التي ستقولها لتبرير جريمتها، أو تخطط لمذبحة داخل المستشفى.
الكذبة نفسها
على غرار أكاذيب القنابل النووية في العراق، وترويج العدو الأمريكي لها؛ لتكون تلك الأكاذيب شماعة لغزو العراق، وقتل الملايين، وتدمير دولة، وتشريد شعب – يكرر العدو الصهيوني، كما أكد عبد المحسن سلامة في “الأهرام” الأكاذيب نفسها بخصوص مستشفى «الشفاء» في غزة، ولكن هذه المرة يروج كذبا لوجود المسلحين داخل المستشفى، وإدارة «المقاومة» للعمليات ضد جيش العدو منه، والأخطر أن توفر الإدارة الأمريكية الغطاء لتلك الأكاذيب. المقاومة الفلسطينية اقترحت تشكيل لجنة من الصليب والهلال الأحمر، والوكالة الدولية لتشغيل وغوث اللاجئين (الأونروا)، ومنظمة الصحة العالمية لمراقبة أعمال المستشفيات في غزة، وزيارتها، وتفقد الأقسام الصحية فيها، للتأكد من زيف الادعاءات الإسرائيلية، لكن للأسف الشديد قامت الإدارة الأمريكية بالدفاع عن تلك الادعاءات، والأكاذيب، وأشارت إلى وجود معلومات استخباراتية بهذا الخصوص. ربما تكون قوات العدو الإسرائيلي قد تمكنت من السيطرة على مجمع الشفاء الطبي وقت قراءة هذا المقال، فالسيطرة على المستشفيات مهام قذرة، وسهلة، لكن تكلفتها باهظة من أرواح المرضى والمصابين، والأطفال والنساء والعجائز، وإن كان قد حدث ذلك فنحن ننتظر الأدلة على كشف مخازن الأسلحة، والذخائر، والصواريخ داخل عنابر المستشفى، وتحت أسرَّة الرعاية المركزة، وفي غرف حضانات الأطفال المبتسرين. ربما تكون المقاومة الفلسطينية قد استخدمت وسائل الذكاء الاصطناعي الحديث، وقامت بتصوير المدافع، والصواريخ على أنها مرضى، وأطفال، وربما تكشف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة كل ذلك، وتفضح المقاومة الفلسطينية أمام العالم، الميزة الكبرى في أزمة غزة هي أنها كشفت الوجه الأمريكي القبيح، الذي كان يدعي زورا وبهتانا الدفاع عن الحريات، وحقوق الإنسان، والقيم الإنسانية، لكنه في الحقيقة أكثر نازية من هتلر، وأكثر دموية من موسوليني، لأنه يدعم جيشا عدوانيا وإرهابيا، عقيدته العنصرية والسادية، وينتهج مفاهيم النازية بالتخلص من كل ما هو فلسطيني، وأمريكا تحميه بالمال، والسلاح، والغطاء السياسي، والإعلامي.. وتلك هي الكارثة.
أشد خطرا
في مواجهة المذابح غير المسبوقة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة الفلسطيني، التي أجبرت الكثير من الساسة والقادة في الشرق والغرب، كما يرى أشرف البربري في “الشروق” على تغيير نبرتهم ليتحدثوا عن ضرورة وقف إطلاق النار، وحماية أرواح المدنيين، لا يجد الصهاينة ومن والاهم من إعلاميين وسياسيين عرب، إلا القول إن الهجوم العسكري غير المسبوق الذي شنته المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنات والقواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هو السبب الوحيد والمباشر وغير المباشر لكل ما ترتكبه إسرائيل من جرائم ضد الفلسطينيين، سواء في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة. وجاء الرد على الصهاينة والمتصهينين في مقال نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية لمالدين مردالج أستاذ العلوم السياسية في جامعة وينشو كيان الصينية، قال فيه، إن قرار حركة حماس شن هجومها يوم 7 أكتوبر الماضي يعتبر أخلاقيا، من وجهة نظر مؤيديها، وله ما يبرره رغم اليقين بأن استفزاز إسرائيل بهجوم كبير يفتح لها الباب أمام إفناء المجتمع الفلسطيني وتصفية قضيته، لكن التطورات الجيوساسية الإقليمية والدولية، جعلت فناء المجتمع الفلسطيني وتصفية قضيته مسألة وقت، لذلك اتخذت المقاومة قرارها بالهجوم وهدم المعبد على الجميع. ويضيف مردالج: التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، واندفاع بلدان عربية عديدة نحو التطبيع الدافئ مع إسرائيل بعيدا عن القضية الفلسطينية، أكد حقيقة بات التصريح بها إساءة أدب بالنسبة للكثيرين، وهي أنه تم ترك الفلسطينيين فريسة للأوضاع المعيشية البائسة في قطاع غزة ولعدوان المستوطنين اليهود في الضفة الغربية.
لهذا يجاهدون
“مردالج” الذي استشهد به أشرف البربري، يلفت النظر أيضا إلى أن القادة العرب والغربيين اكتفوا طوال السنوات الماضية بالحديث عن «حل الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية، مع ترك إسرائيل تفعل ما تشاء حتى تفرّغ حديث «حل الدولتين» من مضمونه، كما فعلت من قبل في الحديث عن «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين، الذي ظل العالم يردده لسنوات وسنوات منذ النكبة عام 1948، حتى لم يعد له وجود في أي كلام عن تسوية القضية الفلسطينية. ولكن جاءت عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول العسكرية غير المسبوقة، وما تلاها من صمود مذهل للمقاومة الفلسطينية لكي تعيد الروح للقضية الفلسطينية، ويدرك الكثيرون أنه لا يمكن تصفيتها ما دام هناك شعب وله مقاومة. وفي حين يقدم المتصهينون العرب المبررات لجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويحملون المقاومة مسؤولية هذه الجرائم، بدعوى أن الحياة كانت وردية في غزة لولا استفزاز «الجيش الإسرائيلي الوديع» ودفعه إلى التحرك ضد المسلحين الفلسطينيين الذين هاجموا المستوطنات والقواعد الإسرائيلية. يقول إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق في مقابلة مع وكالة بلومبرغ للأنباء بعد مرور 19 يوما من بدء العدوان على غزة، إن نتنياهو على مدى 15 عاما سمح لليمين الديني والقومي المتطرف في إسرائيل بالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، مع استمرار إذلال الفلسطينيين، فلم يدع أي أمل ولا أفق للسلام أمام معسكر السلام الفلسطيني. ويحكى أولمرت قصة خطاب بخط اليد تلقاه أثناء وجوده في منصب رئيس الوزراء من وزير في السلطة الفلسطينية قال فيه، إنه كان متجها إلى القدس لمقابلة نظيره الإسرائيلي واصطحب ابنه معه ليرى المسجد الأقصى، ولكن على نقطة تفتيش أجبر الجنود الإسرائيليون الوزير الفلسطيني على خلع ملابسه تماما والوقوف عاريا أمام ابنه بدعوى تفتيشه، مضيفا: «من المؤكد أن هذا الطفل الذي شاهد والده يهان بهذه الصورة، قد تحول إلى عضو في حركة حماس. وهناك بالتأكيد مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يتعرضون لهذه الممارسات المذلة والمهينة، والذين ينضمون إلى الجماعات المتطرفة على الجانب الفلسطيني». هكذا يرد كاتب أمريكي ورئيس وزراء إسرائيلي على الصهاينة ومن والاهم.
لأسباب أخرى
لا تزال إسرائيل كما يرى سامي صبري في “الوفد”، تضرب بكل نداءات المجتمع الدولي عرض الحائط، وتستمر في حربها على قطاع غزة، لا ترهبها أزمة رهائن، ولا مقتل الجنود، ولا المهجرون من المستوطنات، ولا حتى دعوات واشنطن بهدنة إنسانية مؤقتة. ويواصل نتنياهو ورفاقه من السفاحين والقتلة، قصف المستشفيات وهدم المساجد وقتل الأطفال والنساء في البيوت والشوارع والمخيمات، لا يرحمون من يبحث عن كسرة خبز وزجاجة مياه بين الأنقاض، فلا صوت يعلو فوق مشهد حرق أرض غزة كلها، أو كما قال وزير المالية الإسرائيلي وقبله وزير الثقافة «إجلاء سكان غزة إلى دول أخرى هو الحل الإنساني الصحيح لهم وللمنطقة»، هكذا يحلمون. لقد اطمأنت دولة الاحتلال على وجود الظهر والسند حولها برا وجوا وبحرا، وبعد أن تيقنت من أن جميع القواعد الأمريكية في الشرق الاوسط جاهزة لنجدتها في أي وقت، انطلقت في خطتها الشيطانية لتغيير خريطة المنطقة، وطرد الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل، تحت نيران القصف، وفوق دماء أكثر من 11 ألفا و250 شهيدا حتى الآن.
لأسباب أخرى
لكن لماذا تتحمل إسرائيل هذه المرة إطالة أمد الحرب التي تجاوزت أسبوعها الخامس؟ وهي التي لم تتحمل في الحروب السابقة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع؟ هل الهدف كما يشير سامي صبري هو القضاء على حماس وتخليص المنطقة من إرهابها، كما تزعم وتدعي؟ ومحاولة تحسين صورتها في عيون الإسرائيليين الذين استيقظوا على صواريخ القسام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023؟ أم هناك سبب آخر حقيقي؟ كل ما يحدث على أرض غزة من دمار، يعقبه تهجير قسري للفلسطينيين، ومحاولات لإجبارهم على النزوح إلى سيناء، هدفه المعلن القضاء على حماس؛ ومن ثم تحقيق نصر سياسي وأمني يحفظ ماء وجه نتنياهو في الانتخابات المقبلة، أما الهدف السري والخفي للحرب؛ فهو اقتصادي يرتبط بالغاز الذي تفجر في غزة منذ سنوات، وأصبح موردا اقتصاديا مهما يعزز من فرص الدولة المحتلة في السيطرة على مصدر الغاز شمال وشرق البحر المتوسط، وجني مليارات الدولارات التي تصب في خزائن سلاح أمريكا الموجه دائما صوب فلسطين. فما تتكبده إسرائيل من خسائر فادحة الآن في الجنود والمعدات والدبابات والطائرات سيتم تعويضه من بئر واحدة للغاز المتوافر بأحجام خيالية قبالة ساحل غزة على البحر المتوسط ويقدر بنحو 104 تريليونات قدم مكعب، بالإضافة إلى المنطقة (ج) وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة. إن الحرب على غزة، ما هي إلا استكمال لخطة استراتيجية صهيونية موضوعة منذ سنوات، وامتداد لحروب وهجمات سابقة تتخذها إسرائيل ذريعة لنهب ثروات المنطقة، ولكي تكون لاعبا أساسيا في سوق الطاقة الدولي، بجعل الموانئ المحتلة نافذة الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا على حساب موانئ مصر ولبنان وسوريا. والخطة بدأت بالكشف عام 1999 عن حقل الغاز البحري شمال غزة، وفي عام 2007 ومع وصول حماس للسلطة، شنت تل أبيب هجوما عنيفا بالصواريخ والطائرات، لتعلن بعدها عن حقل غاز «ليفياتان» الذي يقدر مخزونه بنحو 453 مليار دولار، أعقبه الاتجاه نحو إريتريا على البحر الأحمر، لتكمل قبضتها على أهم مصدر للطاقة في افريقيا. وفي عام 2022 توجت حكومة إسرائيل سيطرتها بمذكرات تفاهم مع الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأمريكي، ونجح الثلاثي في فرض عقوبات على الغاز الروسي والإيراني، ضمن مخطط شامل، يستهدف كسر شوكة مصر والعرب اقتصاديا وسياسيا، وما قناة بن غوريون، البديلة لقناة السويس إلا خطوة أخرى لاحقة تعقبها خطوات… وربنا يستر.
من يحركه؟
هل يعقل أن يكون وزير التراث الإسرائيلي أميحاي إلياهو قد تصرف من تلقاء نفسه، حينما طالب باستخدام القنبلة النووية ضد قطاع غزة ومحوه من الوجود تماما، مؤكدا أنه لا يوجد هناك فارق بين مدني ومقاوم، فكلهم يستحقون القتل؟ يرى عماد الدين حسين في “الشروق” أن إلياهو أطلق هذا التصريح شديد الخطورة بتنسيق كامل مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبقية أعضاء الحكومة المتطرفة، أو على الأقل بتنسيق مع «الكابنيت» أو المجلس الحربي المصغر الذي يضم مجموعة من الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأجهزة الأمنية، أو على الأقل مع قادة حزبه المتطرف «القوة اليهودية». في مثل هذه الأوضاع شديدة الخطورة لا يمكن تخيل أن يخرج وزير بهذا التصريح إلا في إطار تنسيق مسبق بهدف إرسال مجموعة من الرسائل لكل من يهمه الأمر. وسوف نفترض أن الوزير المتطرف لم ينسق مع نتنياهو، بل تصرف من تلقاء نفسه أو اكتفى بالتنسيق مع حزبه الذي يترأسه إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وحتى في هذه الحالة فإن المغزى يظل شديد الخطورة لأنه يكشف عن مجموعة من الحقائق. أولها أن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول رسمي إسرائيلي عن امتلاك بلاده للقنبلة النووية. نعرف أن عالم الذرة الإسرائيلي المعروف موردخاى فانونو هرب إلى لندن عام 1986، وهناك كشف لصحيفة “الصنداي تايمز” عن امتلاك تل أبيب لـ200 رأس نووي من مفاعل ديمونة الموجود في صحراء النقب منذ عقود طويلة. صحيح أن نتنياهو استنكر تصريح إلياهو ووصفه بأنه «بعيد عن الواقع» وأوقفه عن حضور اجتماعات الحكومة لكن بعد أن ضمن أن الهدف الأساسي من التصريح حدث وهو مربط الفرس.
لهذا قد تفعلها
إسرائيل التي شعرت بتهديد حقيقي وفعلي لوجودها صبيحة 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد عملية «طوفان الأقصى» وتحطم لديها مفهوم الردع والجيش القوي الذي لا يقهر، وانكشفت حقيقة مستوى أجهزة مخابراتها التي فوجئت بـ«طوفان الأقصى»، تريد وفق ما يعتقد عماد الدين حسين أن تستعيد هيبتها وترمم مفهوم الردع، وتبعث برسالة إلى كل المنطقة والعالم بأنها ما تزال قوية. في إطار هذا الهدف يمكننا فهم مجموعة من الأحداث أولها تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي هاليفي هرتسلي بأن سلاح الطيران الإسرائيلي قادر على الوصول لأي مكان في المنطقة وضرب أهدافه بدقة. وأظن أنه ليس موجها فقط إلى إيران كما يعتقد البعض، بل هو موجه للجميع القريب والبعيد، من تجمعهم علاقة بإسرائيل، ومن يعادونها. المؤشر الثاني هو التحشيد الأمريكي غير المسبوق عسكريا، حيث أرسلت حاملتي الطائرات فورد وأيزنهاور بعد «طوفان الأقصى» مباشرة ثم أرسلت سفينة نووية قبل أيام، وأعلنت عن تزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة، وفتحت خزائنها لتمويل إسرائيل، وكلها مؤشرات وتحركات تؤكد أن الغرب شعر بتهديد وجودي حقيقي لهذا الكيان المصطنع، ناهيك عن الزيارات المتتالية لقادة العالم الغربي لإسرائيل، لكي يقولوا لها نحن معكم، وفي مقدمتهم الرؤساء، الأمريكي بايدن والفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك والمستشار الألماني أولاف شولتس وآخرون. النقطة الثانية أن تطرف المجموعة الحاكمة في إسرائيل حاليا يجعلنا نعتقد أن هذه العصابة لا يمكن التنبؤ بأفعالها، وأنها في اللحظة التي سوف تشعر بتهديد حقيقي لوجودها فلا يمكن استبعاد أن تلجأ إلى استخدام السلاح النووي. تصريح إلياهو رغم خطورته الواضحة فإنه مفيد جدا كرسالة تنبيه لكل من لا يزال ينظر لإسرائيل باعتبارها دولة طبيعية يمكن التعايش معها.
ليس حلا
هل بَسْط السلطة سيطرتها على غزة سيقرّب الفلسطينيين أكثر من الدولة، أم أنها ستنقل الأمراض والكوارث التي تعاني منها الضفة إلى القطاع؟ قبل 3 شهور فقط من هجمات حماس على إسرائيل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما قال عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم” نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا عن حالة الضفة بعد 30 عاما من توقيع اتفاقيات أوسلو (1993). في الأشهر الستة التي تلت تولى حكومة نتنياهو – الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل – الحكم (29 ديسمبر/كانون الأول 2022)، وافقت على تصاريح لبناء 13 ألف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة. خفضت الروتين لتسريع عملية التخطيط والبناء. بعد هجوم فلسطيني أسفر عن مصرع 4 إسرائيليين (20 يونيو/حزيران)، أعلن نتنياهو خططا لبناء ألف منزل إضافي. ألغى الكنيست تشريعا يمنع المستوطنين من العودة لأربعة مجتمعات استيطانية غير شرعية. هناك الآن 130 مستوطنة يهودية بتصريح رسمي، إضافة إلى 100 بؤرة استيطانية دون تصريح تعتزم الحكومة الترخيص لها. يعيش في الضفة حاليا 600 ألف مستوطن، لهم اليد العليا على 2.6 مليون فلسطيني. في عام 1998، وردا على اعتزام تفكيك بعض المستوطنات، طبقا لأوسلو، دعا آرييل شارون المستوطنين للركض والاستيلاء على أكبر عدد ممكن من التلال؛ لأن كل ما سيأخذونه سوف يبقى معهم. وزير المالية الحالي المتطرف سموتريتش ردد رسالة شارون بحذافيرها، قبل هجمات حماس. ماذا فعلت السلطة غير الانتقادات والتحذيرات؟ لا شيء تقريبا. الجنائية الدولية أجرت تحقيقا أوليّا، لكن لا تقدم مطلقا. السلطة حاليا تسيطر على 18% فقط من الضفة. بموجب أوسلو، تم تقسيم الضفة إلى 3 مناطق: (أ) و(ب) و(ج). المنطقة «ج»، تشكل 60%، تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. «ب» تخضع للسيطرة المشتركة (20%). تبقى «ج» للسلطة، وهي سيطرة ليست كاملة. «ج» متصلة ببعضها بعضا، بينما المدن والقرى في «أ» و«ب» متقطعة الأوصال. إسرائيل تسيطر على نقاط الدخول والخروج من الضفة، من خلال الحواجز ونقاط التفتيش والشرطة العسكرية. أمن إسرائيل أولا وأخيرا، ولا يهم حياة ومعيشة وصحة وتعليم الفلسطينيين. اعتداءات المستوطنين في الضفة، التي من المفترض أنها نموذج يريد الغرب وأمريكا احتذاءه في غزة، لا تتوقف. (130 فلسطينيا) قتلوا منذ هجمات حماس وأصيب 1700. بعد هجوم دموي لمستوطنين على فلسطينيين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال مكتب نتنياهو: «إنهم حفنة صغيرة لا يمثلون الإسرائيليين. لسنا على استعداد لتحمل ذلك». ماذا فعل نتنياهو إذن؟ لا شيء. بالعكس، تصاعدت اعتداءات المستوطنين وتحولت إلى تطهير عرقي ومطالبة للفلسطينيين بالرحيل.. قبل هجمات حماس، كانت السلطة وما زالت تواجه أزمة شرعية، وتترنح على حافة البقاء.. الآن، تواجه اختبارا شديد الوطأة. إذا توافقَ المجتمع الدولي على توحيد غزة والضفة نهاية العدوان في إطار حل شامل ليس مضمونا، فهذا لا يعني أنها نجحت في الاختبار أو استعادت مصداقيتها. السلطة تتحمل جزءا مما آل إليه حال القضية الفلسطينية. التغيير الجذرى في الأشخاص والنهج مطلوب قبل توحيد غزة مع الضفة. بعد 30 عاما من الاضطرابات، لا بد من إدراك أن الطريق إلى الدولة لا يعني الانغماس في المسائل اليومية ونسيان النضال بكل أشكاله، وترك إسرائيل تقضم الأرض وتقتل الحجر والبشر.
عقل جديد
من أقدم الكتب التي حذرت من الاستخدام السلبي للتطورات التكنولوجية المذهلة التي شهدتها البشرية مع نهايات القرن العشرين كتاب «عقل جديد لعالم جديد»، الذي احتفى به الدكتور محمود خليل في «الوطن»: يفترض مؤلفا الكتاب روبرت أرنشتاين وبول إيرليش، أن عقل الإنسان لم يتطور بالدرجة نفسها التي تطورت بها معطيات تكنولوجيا الحياة المحيطة به. أظن أنك لو طبقت هذه الفرضية على مجتمعنا، وكثير من المجتمعات الأخرى المحيطة بنا، أو المشابهة لنا في الظروف، فستجد فيها تفسيرا لحالنا إلى حد كبير. يشير المؤلفان إلى أن الإنسان المعاصر أصبح ميالا إلى “كركتة” العالم والأحداث التي تقع فيه أكثر من أي لحظة مضت، فما أكثر ما يتحول «التافه» إلى «مهم»، و«الحبة» إلى «قبة»، وهو يهمل في مقابل ذلك ما يتوجب عليه الاهتمام به، فمثلا يمكن أن يقيم مجتمع الدنيا ويقعدها حول طبيب استذل ممرضا، لأن الأخير أهان كلبه، فتنطلق وسائل الإعلام لتتحدث عنه، ويصبح التريند السائد على مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أيام، في وقت لا يبدي فيه الاهتمام المطلوب بأحوال الممرضين وأوضاعهم وتأثير ذلك على أدائهم. أيضا حين تجد المجتمع ينقلب على طفل صغير يريد النوم «ربع ساعة» في أول يوم دراسي له، ويهمل أوضاع المدارس والتعليم، وسوء تغذية الأطفال وغير ذلك.