منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:30 am

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى

مقدمة الملف


على إثر معركة "طوفان الأقصى"، تقف القضية الفلسطينية اليوم على مفترق طرق صعب، لا إشارات ولوحات تنظّم السير فيه. وعلى هذا المفترق، ألقى النظام الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بضاعته القديمة من "الحلول السياسية"، والتي كان قد وضعها منذ زمن في جارور الملفات الميّتة، حيث يتراكم الغبار أطناطاً.
"نحن بحاجة إلى سلطة فلسطينية متجددة"، قالوا. فأظهرت السلطة شيئاً، وأخفت شيئاً آخر. قال رئيس الوزراء السابق محمد اشتية مستنكراً: "السلطة المتجددة التي تريدها إسرائيل وحلفاؤها ليست سلطتنا"، لكنه في الوقت نفسه وضع طلب استقالته على طاولة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس "لما تحتاجه المرحلة القادمة وتحدياتها من ترتيبات حكومية وسياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المستجد في قطاع غزة"، كما قال.
هكذا، بدأت السلطة الفلسطينية بإرسال رسائل التجديد للولايات المتحدة والدول الأوروبية، لتضمن لنفسها مقعداً في ترتيبات ما يسمونه "اليوم التالي للحرب". في المقابل، بدأت هذه الدول بإعادة طرح مسار الدولة الفلسطينية و"حل الدولتين"، إذ تسعى لإنعاش السلطة الفلسطينية وإعادة تقديمها كجسم سياسيّ يمكن التفاهم معه في ظلّ حرب الطوفان، وكردّة فعل عليه.
ولكن هذا المسار هو ذاته الذي أوصل للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فإلى أيّ مدى بالإمكان فتح أفق سياسيّ قد بدا من قبل وأنه أغلق إلى الأبد؟ وهل بالإمكان إعادة بث الروح في الجسم السياسي للسلطة أم أن هذه المحاولات هي نفخ في قربة مثقوبة؟ وما هي المسارات الممكنة للسلطة الفلسطينية في ظل معركة "طوفان الأقصى"؟
لفحص هذه الأسئلة، قامت الجزيرة نت بطرح ملف من 7 مواد، بعنوان: السلطة الفلسطينية والطوفان: ماذا تبقى من السلطة الفلسطينية؟
جاءت المقالة الأولى: لماذا لم تلتحق الضفة بأحداث السابع من أكتوبر؟ لـ مثنّى خميس، لقراءة الدور الذي لعبته السلطة الفلسطينية خلال الطوفان، كجواب من ضمن إجابات عديدة، لسؤال: أين فعل الضفة من حرب الإبادة في القطاع؟ تُترجم المادة دور السلطة إلى 3 سياسات مركزية: 1- سياسات الاحتواء والتنفيس؛ والموجهة استباقاً لأي حالة غضب شعبية محتملة، و2- سياسة القمع والغاز المسيل للدموع؛ والموجهة للشرائح المنوط بها الفعل الاحتجاجي في الشارع، و3- سياسة التفكيك والضرب؛ الموجهة للمجموعات المسلحة المقاومة للاحتلال. كما قدّم الكاتب أرضية لفهم سياق السلطة الحالي، من خلال النظر في دورها التاريخي في "إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني"، وذلك من خلال مستويات عدّة: سياسية، وأمنية واجتماعيّة واقتصاديّة.l
أما المقالة الثانية: حوار مع جمال حويل، فهي مقابلة أعدّها محمد غفري مع القيادي الفتحاوي حويل، وهو عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية وكان عضواً في المجلس التشريعي الذي جرى حلّه، وقد كان أحد المقاتلين في معركة "مخيم جنين" عام 2002، واعتقل في السجون الإسرائيلية على إثرها لمدّة سبعة سنوات ونصف. تكمن أهمية هذا الحوار، في أنّ حويل شخصيّة جامعة عند مقاومي مخيم جنين، وهو يدعو في أيّام الطوفان هذه للاتفاق على برنامج وطني فلسطيني، ولحماية المقاومة وعدم ملاحقة المقاومين، حيث يقف موقفاً مناوئاً لموقف السلطة الفلسطينية والموقف الرسمي لحركة فتح.
فيما المقالة الثالثة: السلطة الفلسطينية: موجز تاريخ الانحدار إلى الهاوية، فيجري فيها طارق خميس تاريخاً موجزاً للتحوّل من مشروع التحرير والكفاح المسلّح، الذي كان على سلّم أولويات حركة فتح "أم الجماهير" ومنظمة التحرير، إلى مشروع السلطة والدولة الفلسطينية، التي ابتلعت الحركة والمنظمة معاً. وهو مسار طويل من التنازل والتراجع، والذي عنى في نهاية المطاف خسارة هدف التحرير وعدم تحقيق هدف الدولة. يقدّم الكاتب سردية تاريخية لهذا التحول السياسي، ابتداءاً بنهاية الخمسينيّات ومخاض ولادة الحركة الوطنية، مروراً بفترة التسعينيّات وملاحقة معارضو مشروع الدولة، وصولاً إلى مرحلة الانتفاضة الثانية وما بعدها، وذلك للوقوف على وقائع الضفّة الغربيّة اليوم ومآلات السلطة الفلسطينية في ظلّ أفق جديد يطرحه الطوفان.
المقالة الرابعة: مقاومة التحييد: الحركة الطلابية في الضفة الغربية لـ حسن عبيد، والتي يناقش فيها غياب أو تغييب الحركة الطلابيّة عن المشهد السياسي في الطوفان، بوصفها أحد الفواعل الهامة في القضية الفلسطينية. ولفهم الدور الهام المنوط بالطلبة الجامعيين، ومن ثمّ العمل على إضعاف هذا الدور، يضع الكاتب تطوّر الحركة الطلابية الفلسطينية في سياقها التاريخي والمكاني السياسي، ويرصد لذلك أربع مراحل: أولها: خلق الحركة الطلابية للفصائل الفلسطينية، وثانيها: التكامل مع الفصائل الفلسطينية، وثالثها: التبعية للفصائل والمؤسسات الفلسطينية وأجندتها، وآخرها: فصل الحركة الطلابية عن حركاتها الأم، وتفكيكها، ومصادرة أدوارها.
وفي المقالة الخامسة: خارطة النفوذ في السلطة: أصابع كثيرة في انتظار النعي، يقوم سعد الوحيدي برسم الخارطة السياسية لمعركة الخلافة على السلطة، والترتيبات السابقة على غياب رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. وهي خارطة ما زالت قيد التشكل منذ زمن، ولكنها أخذت بعداً إضافيّاً مع التطورات الجارية على المشهد السياسي الفلسطيني بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. من هي أبرز الوجوه التي تستعد ليوم النعي؟ وما فرصها في تولّي السلطة؟ وكيف رتّب أبو مازن المشهد من خلفه؟ والأهم من كل ذلك: ما الجديد في هذه الخارطة في سياق "طوفان الأقصى"؟
والمقالة السادسة: بنادق تحمي المحتل: الأجهزة الأمنية للسلطة، والتي يقوم أحمد مولانا فيها بدراسة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية: البنية، آليات العمل، ومراحل التطوّر، والتحوّلات التي جرت عليها. تعمل المادة على تقديم قراءة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، من بداية تشكيلها كمجموعة كبيرة من الأجهزة التي ضمت المقاتلين العائدين مع ياسر عرفات من الخارج، مروراً بالعقيدة الجديدة التي رافقت مشروع "إصلاح الأجهزة الأمنية" مع الجنرال الأمريكي كيث دايتون كواحدة من نتائج الانتفاضة الثانية، وصولاً إلى اليوم، في محاولة لرصد التحوّلات التي جرت على بنية هذه الأجهزة. بذلك، فإنّ المقالة تفحص التحولات التي جرت على الدور الأمني، من تشكّل السلطة الفلسطينية وحتى طوفان الأقصى: ما هو دور هذه الأجهزة في ضبط مشهد الضفة المقاوم؟ وهل من الممكن أن تلعب الأجهزة الأمنية دوراً مختلفاً كالذي لعبته في الانتفاضة الثانية؟
و في المقالة الأخيرة: اقتصاد السلطة الذي لا تحتمل هشاشته، يقدم عبد الله حرب سردية للاقتصاد الفلسطيني، وكيف بات اقتصاداً هشّاً أمام رياح السياسة، وأنه أقرب للسوق منه للاقتصاد المتكامل، وقد أسس لذلك بكونه اقتصادًا تابعًا بالكليّة للاحتلال الإسرائيلي. ينطلق حرب في مقاله، من رغبة في فهم الوضع الاقتصادي الصعب للفلسطينيين اليوم إثر حرب الطوفان، ولأجل ذلك يعود بنا إلى السوق الفلسطيني قبل مجيء السلطة الفلسطينية، فيرسم لنا الشكل الذي كان عليه، والقطاعات الأهم التي كان يعتمد عليها الفلسطينيون، وكيف ساهمت في صمودهم أمام سياسات الاحتلال. ثمّ ينتقل بنا إلى فترة مجيء السلطة وما بعدها، ويشرح نوع السياسات الاقتصادية التي تبنّتها السلطة الفلسطينية ودعمتها وعملت وفقها، ابتداءاً باتفاقية "باريس" الاقتصادية عام 1994 وصولاً إلى سياسات "الإصلاح الاقتصادي" التي شرعت فيها السلطة بعد الانتفاضة الثانية، والتي عنت في المحصّلة؛ سوق حرّة إلا من "إسرائيل".
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 1-1711346117



لماذا لم تلتحق الضفة بأحداث السابع من أكتوبر؟

مثنى خميس
[rtl]في 18 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي 2023، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تصريحاً مثيراً للاهتمام. قالت فيه "رأينا السلطة الفلسطينية تلعب دوراً بنّاءً في الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول".[/rtl]
[rtl]وفي 6 من الشهر الذي سبقه، شكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على الدور "البالغ الأهمية" الذي تلعبه السلطة في ضبط الضفة ومنعها من أن تكون جبهة اشتعال أخرى في ظل معركة طوفان الأقصى.[/rtl]
[rtl]تُجيب هذه التصريحات بشكل مقتضب جداً عن قسطٍ لا بأس به من سؤال أين الضفة الغربية من الذي يجري؟[/rtl]
[rtl]مع أن من يتابع تطوّرات المشهد في الضفة (أكثر من 412 شهيداً في الضفة منذ بداية الطوفان) وتحديداً في مدن الشمال منها، يعرف أنها تغلي في قدر مُغطّى، ويعرف كذلك أن هذا الغطاء سرعان ما قد يطير نتيجة الضغط. وهو أمر يدركه الاحتلال جيّداً، إذ أرسل خلال يناير/كانون الثاني الماضي وحدة دوفدوفان من المعارك في قطاع غزة إلى الضفة الغربية، ربما استجابة لتقديرات جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" بأن الضفة على وشك الانفجار.[/rtl]
[rtl]عوامل كثيرة، ذاتية وموضوعية، تساعد في فهم مشهد الضفة، لكنّ أيّاً منها بإمكانه الشرح أكثر ممّا بإمكان دور السلطة الفلسطينية أن يفعل.[/rtl]
[rtl]لذا فإن السؤال الذي تحاول هذه المقالة الإجابة عليه هو:[/rtl]
[rtl]ما الدور الذي لعبته السلطة في ضبط حالة المقاومة ومحاولة منع تطوّرها؟ وكيف عملت وتعمل خلال الطوفان على السيطرة على المشهد ومنعه من الانفجار؟[/rtl]
[rtl]لقد تدرّجت وتنوّعت السياسة التي تعاملت بها السلطة مع مجتمع الضفّة الغربية خلال الطوفان، انطلاقاً من مداراتها واحتوائها غضب الشارع قبل تنفيسه، ثمّ القمع المفرط لمن جرّب التعبير عن غضبه سلميّاً ولم يستجب للسياسة الأولى، وصولاً إلى السعي لتفكيك وضرب بنى المجموعات المسلحة التي تنشط في عدة مناطق في الضفّة.[/rtl]
أولاً: سياسات الاحتواء والتنفيس
[rtl]بعد أكثر من أربعة أشهر على تعطّل نحو 200 ألف عامل من الضفة الغربية عن العمل في مستوطنات الاحتلال ومدنه، وعلى تراكم رواتب نحو 4 أشهر ونصف لأكثر من 140 ألف موظف عمومي في السلطة الفلسطينية، التقى سرّاً في 7 فبراير/ شباط الماضي أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، برئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس الشاباك ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلي في الضفة الغربية.[/rtl]
[rtl]كالعادة، وكما هو واضح من الرُتب الإسرائيلية الحاضرة، فلم يجرِ مع ظلّ رئيس السلطة الفلسطينية نقاش سياسيّ، بل طلب الإسرائيليون وبكل وضوح مَهمة أمنية من السلطة تقتضي منع التصعيد في الضفة الغربية قبل شهر رمضان؛ الشهر الذي ترتبك السياسات الإسرائيلية أمامه.[/rtl]
[rtl]أما حسين الشيخ، فقد طلب بالمقابل "توسعةً" اقتصادية، محورها الأساسي السماح بعودة عمّال الضفة إلى الداخل المحتل، كجواب على سؤال انفجار الأوضاع في الضفة، وهو ما وعد الإسرائيليون بالتعامل معه.[/rtl]
[rtl]هكذا، فإنّ القِربة المضغوطة التي تُدعى الضفة الغربية، ستعمل السلطة ومن ورائها "إسرائيل" على تنفيسها قليلاً، بحلول على شكل "تسهيلات" اقتصادية. هذا بعد أن لم تجد نفعاً دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمد اشتية عمّال الداخل المحتل بالتوجّه نحو الأرض، بعد أن سأله مذيع "تلفزيون فلسطين" في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2023 عمّا إذا ما كان لدى السلطة خطط لاستيعاب هؤلاء العمّال في السوق الفلسطيني، فأجابه: "العمال الذين كانوا يعملون في إسرائيل، يعودوا للزراعة في الأرض… نذهب جميعنا إلى الأرض للزراعة، لأن هذه فرصة تاريخية أن نأكل ممّا نُنتج".[/rtl]
[rtl]لكن هذه "الفرصة التاريخية" بحسب اشتية لم يرها العمّال كذلك، فهم يعلمون أنّ النسبة الأكبر من الأراضي في الضفّة الغربيّة (61% = مناطق "ج") يجري بشكل يومي سرقتها والعربدة عليها وتهديد من يعمل فيها من قبل المستوطنين، كما يمنع الاحتلال أي تطوير يقوم به أهلها فيها، ومن ضمن ذلك الزراعة، دون أن تفعل السلطة شيئاً تجاه ذلك.[/rtl]
[rtl]وبحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، وافق الاحتلال من عام 2009 وحتى عام 2018 على 98 رخصة فقط لأغراض السكن والصناعة والزراعة وخدمات البنى التحتية. ووفق منظمة "بمكوم - مخططون من أجل حقوق التخطيط" الإسرائيلية، فإنه بين عامي 2016 و2020 صودق على 24 رخصة فقط.[/rtl]
[rtl]وبحسب منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، فإن الذرائع الإسرائيلية لمنع الفلسطيني من استخدام أرضه تتنوع بين الحجج التالية: "أراضي دولة" – نحو %35 من المنطقة (ج)، مناطق تدريبات عسكريّة (مناطق إطلاق نار) – نحو %30 من المنطقة (ج)، محميات طبيعية وحدائق وطنية – نحو %14 من المنطقة (ج)، أو مناطق نفوذ تابعة للمستوطنات – نحو %16 من المنطقة (ج)".[/rtl]
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D9%8A%D8%A8%D8%B3%D9%8A-1709540605
[rtl]هذا الواقع الذي تمشي "إسرائيل" في خطه على قدم وساق، تحاول السلطة احتواءه بخطابات شعبويّة لا يمكن تنفيذها، أو بطلبات "تسهيل اقتصاديّ" تزيد من التبعية للاحتلال، وذلك في سياق ألا تلتحق الضفّة بحرب الطوفان.[/rtl]
[rtl]مع ذلك، وتجنّباً للصدام ما أمكن، لم تأت رياح السلطة بالاتجاه المعاكس لسفينة الناس المؤيدة للطوفان، بل جرت في اتجاههم قبل أن تعمل على قيادة الوجهة. فمثلاً؛ لم تمنع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة للسلطة الخطابة عن غزّة والحرب الواقعة عليها، ولكنها حاولت ضبط ذلك وتوجيهه. إذ عمّمت مواضيع خُطب الجمعة بما يضمن التطرّق للحرب وأهوالها دون التطرّق لواجب التحرّك، حتّى أنها منعت عدداً من الأئمة عن خطبة الجمعة بسبب لغة الاستنهاض في خطبهم للمصلين، واكتفت وركزت في بدايات الطوفان على جمع التبرعات والدعاء لغزّة والصلاة على أرواح الشهداء.[/rtl]
[rtl]لم تلغ السلطة فاعلية المسجد ودوره في تثوير الناس فحسب، بل ألغت أيضاً فاعلية أداة الإضراب. فبعد كل ارتقاء لشهيد في محافظة من محافظات الضفة، كانت تسارع السلطة عبر أذرعها إلى إعلان الإضراب، والذي كان يعني إغلاق المحال التجارية وجلوس الناس في بيوتها، فلم يكن يُرافق هذه الإضرابات أدنى نوع من الأنشطة والبرامج الوطنية العامة، فيما بدا كتشتيت وتنفيس لطاقة الناس وغضبها. كما استطاعت أن تحتوي حالة شلل الحياة الجامعية؛ وهي مصانع المواجهة مع الاحتلال، بتحويلها إلى نظام التعليم الإلكتروني.[/rtl]
[rtl]أما ما تبقى للناس من مساحة التظاهر، فعملت السلطة تحت مسمى "القوى الوطنية" على احتواء الغضب الشعبي عبر تنظيم مظاهرات دورية ضمت خلالها مختلف الفصائل في مختلف محافظات الضفة، فضمنت بذلك توحيد الخطاب والشعارات وبقاء المظاهرة ضمن الحدود المقبولة للسلطة. وهي لما فعلت ذلك، حوّلت التظاهر إلى فعل روتينيّ مفرّغ من مضمونه، أقرب للمهرجان الفلكلوري من أي شيء آخر.[/rtl]
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%A1-copy-1709540453
اقتباس :
[rtl]في المحصلة، لم تدخل السلطة بالعموم في صدام مع سكّان الضفة الغربية، بل استخدمت سياسات ناعمة للاحتواء والتنفيس، تُقدّم نفسها من خلالها كراعية لآمال الناس وطموحاتها، وفي الوقت نفسه تضمن عدم هبّتهم وخروجهم عن النظام نحو إشعال جبهة جديدة تُشغل "إسرائيل".[/rtl]
ثانياً: يوم الدموع الأكبر
[rtl]في مساء 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الموافق لليوم الحادي عشر على حرب الإبادة، امتلأت سماء مدن الضفّة الغربية بالغاز المسيل للدموع. خرجت الناس، عائلاتٌ وشباب، في تظاهرات بأعداد كبيرة عمّت مدن الضفة، تنديداً بمجزرة الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى المعمداني، والتي راح ضحيّتها نحو 500 شهيد. كانت مشاعر الغضب والحزن ظاهرة في وجوه الناس الذين توافدوا إلى مراكز المدن، وحدهم عناصر أجهزة الأمن الفلسطينية كانوا متسمّرين في صفوف استعداداً للقمع.[/rtl]
[rtl]وفي هذا الوقت الذي ضاق فيه الأوكسجين على المتظاهرين في شوارع الضفّة، نتيجة عمليّات الكرّ والفرّ من الرصاص الحي والقنابل الصوتية وقنابل الغاز التي تطلقها الأجهزة الأمنية، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورجاله في العاصمة الأردنية في لقاء مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يُرتبون لقمّة رباعية، غير أنه أوقف زيارته هذه وعاد من فوره إلى مقر المقاطعة في رام الله بسبب المجزرة، وخطب في زمرته لمدّة سبع دقائق وعشرين ثانية فقط![/rtl]
[rtl]استمرّت مظاهرات المعمداني في الضفة لعدّة أيام، لم توفّر الأجهزة الأمنية فيها شيئاً من أساليب القمع المفرط. وبحسب "الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان"، وخلال أقل من أسبوعين، كانت السلطة قد قتلت 4 فلسطينيين في سابقة لم تلق احتجاجاً جاداً. كانت الأولى طفلة بعمر 12 عاماً، أصابها رصاص الأجهزة خلال تظاهرة سلمية في جنين، وكان الثاني في جنين أيضاً؛ شاب بعمر 20 عاماً. أما الثالث فشابٌ بعمر 18 عاماً، دهسته مركبة الأجهزة الأمنية المصفحة خلال تظاهرة سلمية في رام الله. والرابع شابٌ بعمر 19 عاماً، أصابه رصاص الأجهزة الأمنية خلال تظاهرة سلمية في طوباس.[/rtl]
[rtl]وخلال أسبوع تقريباً، كانت أجهزة أمن السلطة قد اعتقلت في رام الله وحدها أكثر من 100 متظاهر. يقول المحامي مهند كراجة، مدير "محامون من أجل العدالة"في حديث للجزيرة نت إن نحو 50 منهم فقط حوّلوا للمحاكمة، فيما أفرج عن الجميع لاحقاً بكفالات مالية، ومنهم من تستمر محاكمته حتى الآن. وقد رُصد تعرّض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة، أما تهم الاعتقال فقد تنوعت بين "الاعتداء على الممتلكات العامة" و"إثارة النعرات الطائفية" و"الذم الواقع على السلطة".[/rtl]
[rtl]ويشير كراجة إلى أن الاعتقالات على خلفية التظاهرات عمت مختلف محافظات الضفة الغربية، ولكنها تركّزت في رام الله، التي أطلقت فيها الأجهزة الأمنية مثلاً النار بشكل مباشر على الطالب ضياء زلوم خلال محاولة اعتقاله في واحدة من المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة.[/rtl]
[rtl]ينبّه كراجة أيضاً إلى تركيز الاعتقالات في نابلس على خلفية النشاط السياسي والتعبير عن الرأي، تحديداً بين صفوف الطلبة الجامعيين، وهو ما يتفق مع تقرير "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية" التي ذكرت استمرار اعتقال ثلاثة من "عصيرة الشمالية"  في قضاء نابلس (حمزة وأدهم وعماد الشولي) في سجون السلطة، ومواصلة اعتقال اثنين من نفس المدينة (محمد العزيزي ومنتصر سقف الحيط) منذ أكثر من أربعة أشهر، بالرغم من صدور ثلاث قرارات قضائية بالإفراج عنهما، ومواصلة اعتقال الشاب (نزار منى) في سجن الجنيد منذ نحو أربعة أشهر رغم حصوله أيضاً على قرار قضائي بالإفراج عنه.[/rtl]
[rtl]بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، بحسب شهادة للجزيرة نت، أسلوب الضغط على الأهالي وتهديدهم بالغرامة المالية وتخريب المنازل، وذلك لإجبار أبنائهم على حذف المنشورات المكتوبة الداعمة للمقاومة بعد 7  أكتوبر/تشرين الأول الماضي.[/rtl]
[rtl]ولم يكن هذا القمع وليد الطوفان، فسنة 2023 كانت مليئة باعتداءات أجهزة السلطة الأمنية بحقّ سكّان الضفة. وبحسب التقرير السنوي لـ"لجنة أهالي المعتقلين السياسيين - الضفة الغربية"، فإن السلطة قامت خلال هذا العام بـ 3062 انتهاكاً، وهو ما عنى في جزء منها: 5 حالات قتل، و900 حالة اعتقال، وأكثر من 500 حالة قمع للحريات، و277 حالة ملاحقة وقمع مظاهرات وانتهاكات أخرى. وقد طال ذلك جميع الشرائح الاجتماعية الفاعلة في الضفة، حتى طلبة المدارس الذين اعتدت أجهزة السلطة على 17 منهم.[/rtl]
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-copy-1709540460
[rtl]هكذا، وفي ظلّ غياب أي تنظيم اجتماعيّ وسياسيّ للناس في الضفة، قضت السلطة مُبكراً على إمكانية تطور الاحتجاج الشعبي، والذي كان سيشكل نوعاً من أنواع الضغط على الاحتلال، الذي يخشى اشتعال الضفة وخروجها عن السيطرة. وهي بذلك لم تحتج إلى مجهود كبير، حيث قام الجيش الإسرائيلي بأخذ مهمة اعتقال الناشطين والمحسوبين على فصائل المقاومة على عاتقه، فمنذ أول يوم في الطوفان وحتّى 6  فبراير/شباط الماضي اعتقل الاحتلال 6870 فلسطينيّاً من الضفة، بحسب "نادي الأسير الفلسطيني.[/rtl]


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:25 am عدل 4 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:32 am

ثالثاً: العبوة تحتاج إلى سلطة تفكّكها




في عام 2016، صرّح رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج في مقابلة صحفية مع موقع "ديفينس نيوز"، أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أحبطت خلال أقل من أربعة أشهر 200 هجوم محتمل ضد "إسرائيل" واعتقلت أكثر من 100 فلسطيني. هذه الأجهزة التي يتفاخر بها فرج، يصل عدد عناصرها إلى حوالي 65 ألفاً، أي بواقع عنصر أمن لكل 49 فلسطينيّ تقريباً.






هذا التصريح النادر على لسان أحد رجالات السلطة، يُشكّل مفتاحاً لفهم الاهتمام الأميركي والأوروبي بالسلطة الفلسطينية ودورها في ما يسمونه "اليوم التالي للحرب". فقبل أقل من شهر على الطوفان، وفي سياق توسع نشاط المجموعات المسلحة في الضفة الغربية، أرسل الأميركيون للسلطة الفلسطينية مجموعة من المدرّعات والأسلحة، بلغت بحسب وسائل إعلام إسرائيلية ما لا يقل عن 1500 قطعة سلاح، منها أسلحة إم 16 موجهة بالليزر وكلاشينكوف، و10 مركبات مصفحة لفض التظاهرات.






ليس المستوى الدولي فحسب، فتصريحات الساسة الإسرائيليين تعبّر كذلك عن الحاجة الأمنية للسلطة الفلسطينية. فهذا وزير الدفاع في حكومة طوارئ الحرب يوآف غالانت، يقول في سياق تقييم الوضع الأمني للضفة الغربية خلال "طوفان الأقصى"، إن وجود "سلطة فلسطينية قوية هو مصلحة أمنية إسرائيلية". وفي وقت سابق على الطوفان، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية.. لا يمكننا تركها تنهار"، وصرّح بيني غانتس: "نحن بحاجة للمحافظة على العلاقة مع السلطة من أجل أمننا".






وفي هذا السياق، شنت السلطة حملتها على أكثر ما يهدد أمن جيش الاحتلال عند اقتحامه المدن والمخيمات الفلسطينية؛ العبوات المتفجرة. إذ رُصد خلال معركة "طوفان الأقصى" تفكيكها أكثر من مرة لعبوات في مدينة جنين وبلدة عزون شرق مدينة قلقيلية، فمثلاً؛ فككت الأجهزة الأمنية في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي 3 عبوات متفجرة كبيرة الحجم في بلدة عزون، مع مصادرتها لمجموعة من القنابل محلية الصنع، وهي عبوات وقنابل يجهزها المقاومون للتصدي لاقتحامات جيش الاحتلال.






ليس تفكيك العبوات أمراً جديداً على السلطة، ففي 30 آب/ أغسطس 2023، أزالت الأجهزة الأمنية عبوات ومتاريس كانت تضعها "كتيبة طولكرم" في المخيم للتصدي لقوات الاحتلال، مما أدى لنشوب مواجهات بين شبان المخيم والأجهزة الأمنية أسفرت عن مقتل شاب برصاص السلطة. وفي عام 2018، اكتشفت السلطة حقلاً من العبوات الناسفة التي كانت مزروعة على طريق "علار" في مدينة طولكرم، فيما يبدو أنها كانت مجهزة للانفجار ضد دوريات جيش الاحتلال.






كما اتهمت كتيبة جنين بداية عام 2024 أجهزة السلطة الأمنية باغتيال أحمد هاشم عبيدي، أحد مقاتلي "كتيبة برقين". وإضافة إلى ذلك، فإن السلطة تواصل اعتقال عدد من مقاتلي المجموعات المسلحة، كما جاء في بيانات سابقة لمجموعات مسلحة مثل "كتيبة طولكرم (الرد السريع)" و"كتيبة طولكرم - سرايا القدس". وبحسب "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين"، فإن السلطة كانت قد اعتدت خلال عام 2023 على 30 مطارداً للاحتلال. ولعل أبرز المعتقلين اليوم في سجون السلطة، هو مصعب اشتية من مجموعة "عرين الأسود" التي عملت السلطة على تفكيكها، والمعتقل منذ أكثر من عام، وقد جرى نقله بحسب "شبكة قدس الإخبارية" نهاية الشهر الماضي إلى العناية المركزة بسبب تدهور حالته الصحية.






واستمراراً لهذه الجهود في ملاحقة النشاط العسكري، اعتقلت الأجهزة الأمنية في 8 فبراير/شباط الماضي ثلاثة مطاردين للاحتلال من مخيم جنين، وهم: عبود الناطور ومحمد أبو عابد وقيس البيطاوي، وذلك أثناء تواجدهم خارج المخيم، وحوّلتهم إلى سجن الجنيد في مدينة نابلس بعد أن صادرت أسلحتهم. وبعدها بأيام قليلة، اعتقلت من جنين أيضاً المطاردين عدي الطروش وشريف أبو محمد بعد مصادرة أسلحتهم. كذلك، اعتقلت من مخيم الفارعة المطارد يوسف التايه. ثمّ بعدها، وتحديداً في 14 شباط من ذات الشهر، لاحقت أجهزة السلطة شباب كتيبة طوباس ومخيم الفارعة وأطلقت النار صوبهم، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات.





السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Sacfs-copy-1709540466

خاتمة: صناعة العجز




خلال السنوات العشرين الماضية، عملت السلطة الفلسطينية، بقيادة عرّابي المرحلة رئيس السلطة محمود عبّاس ورئيس وزرائه سلام فياض، على إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، نتيجة لخلاصات أمريكية وإسرائيلية لضمان عدم تكرار الانتفاضة الثانية. وقد جرى التعبير عن ذلك، بتخصيص الولايات المتحدة بعد الانتفاضة الثانية (أي من 2007-2011) لأكثر من نصف مليار دولار من أجل تسليح وتذخير وتدريب 29 ألف عنصر من الأجهزة الأمنية، وقد عين لتنفيذ مهمة "إصلاح الأجهزة الأمنية" هذه الجنرال الأميركي كيث دايتون.






كان الهدف المعلن من ذلك "مواجهة وتفكيك البنية التحتية للإرهاب (المقاومة)"، بما يشمل الجوانب العسكرية والاجتماعية والاقتصادية.






ومبكراً في 12 أغسطس/آب 2007، أصدر عباس مرسوماً جاء فيه: "تُحظر القوة التنفيذية والمليشيات المسلحة التابعة لحركة حماس (كتائب الشهيد عز الدين القسام) وتُعدّ خارجة عن القانون"، كما تُصادر أموالهم ويُعاقب كل من يساعد أو يُسلّح أو يُخفي أحداً منهم.






عنى ذلك على المستوى السياسي والأمني؛ ملاحقة فصائل المقاومة ومصادرة سلاحها، وكشف خلاياها العسكرية وضربها، إما بتصفية المطاردين، مثل القسّاميين محمد السمان ومحمد ياسين في قلقيلية عام 2009، وحتى تصفية الذي كان يأويهما، وإما باعتقالهم، مثل: أمين القوقا من نابلس (معتقل منذ 2007 وينتمي حماس)، وجاد حميدان من نابلس (معتقل منذ 2008 من الجبهة شعبية)، وعلاء زيود من جنين (معتقل منذ 2010 من  الجهاد إسلامي)، وهادي دعدرة من بيت لحم (معتقل منذ 2011 من حركة فتح).






وعلى المستوى الاجتماعي، فقد جرى مثلاً حلّ أكثر من 90 لجنة زكاة في الضفة الغربية، وجرى معها تفكيك أكثر من 130 جمعية خيرية، بين لجان وأندية رياضية واجتماعية، والتي كانت جميعها تشكّل رافداً خيريّاً مهماً؛ اجتماعيّا واقتصاديا، لإسناد الناس وتعزيز صمودها، وذلك بتهم "الإرهاب" و"غسيل الأموال". كما جرى في ذات الفترة، وفي عهد وزيري الأوقاف جمال بواطنة (2007-2009) ومحمود الهباش (2009-2014)، السيطرة على الجامع في الضفة كفضاء اجتماعيّ وسياسيّ، يمارس فيه الناس أنشطتهم ويطلقون منه مظاهراتهم.






أما على المستوى الاقتصادي، فقد تركت سياسات سلام فياض في ما سمّي بـ "الإصلاح الاقتصادي" المجال أمام البنوك لإغراق الناس بالقروض، خالقة نوعاً من الرفاه الاقتصادي المتوهّم. فبناء على "سلطة النقد الفلسطينية"، ارتفعت نسبة الإقراض بين عامي 2007 و2017 إلى أكثر من 460%؛ الجزء الأكبر منها كانت قروضاً لأغراض استهلاكيّة.






ويشير كتاب "قبل الأزمة بقليل: سياسات إغراق الضفة الغربية بالديون" إلى ملامح ذلك، فالسيّارات على سبيل المثال بلغت قيمة قروض تمويلها عام 2008 نحو 40 مليون دولار، لكن هذا الرقم مع نهاية عام 2013 وصل إلى أكثر من 130 مليون دولار، وكانت نسبة السيارات المسجلة لأول مرّة عام 2018 والمرهونة لصالح البنوك 22%. أما فيما يخص الرفاه المصطنع، فبحسب "وزارة النقل والمواصلات"، دخل عام 2023 إلى سوق الضفّة الغربية نحو 3 آلاف سيّارة فارهة (من أنواع: مرسيدس، بي إم دبليو، لاند روفر، جاكوار، ألفا روميو، وبورش) لم يسبق لها أن رُخصّت في الضفة من قبل، أي ما نسبته 10% من مجمل السيارات المرخصة لأول مرة في هذا العام.






وبحسب "جمعية البنوك في فلسطين"، بلغت قيمة التسهيلات الائتمانية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أكثر من 11 مليار دولار، أي بنسبة نمو 5% عن العام الذي قبله. ولتلبية هذه الحاجات الكبيرة التي خُلقت للناس في التسهيلات الائتمانية والإقراض، تزايدت أعداد الفروع والصرّافات المقدمة للخدمات البنكية في فلسطين، فوصلت إلى 378 فرعاً و724 صرّافاً آلياً تتبع 13 بنكاً.






في المحصلة، أدى العمل على هذه المستويات الثلاث خلال هذه السنوات إلى صناعة العجز في الضفة، والذي ضربت جذوره بعيداً في أعماق الأرض. فمن جهة صودر حقّ الناس بالانتظام ضمن أطر اجتماعية فاعلة تقوّي من نسيجهم الاجتماعي فتركوا عُزّلاً أمام سياسات الاحتلال والاستيطان، ومن جهة أخرى صودر حقهم في التعبير السياسي عبر ابتزازهم بالأمور المعيشية فتركوا عُزّلاً أمام توحش البنوك إذ جرى ربطهم بمقصلة الديون، ومن جهة ثالثة، جرى العمل على تفكيك المقاومة المسلحة بضربها وضرب حاضنتها الاجتماعية.






وبينما يحدث ذلك على شريحة جيلية بأكملها، جُرّبت عليها سياسات ما بعد الانتفاضة الثانية، كان ثمّة جيل يكبُر لم يخضع لهذه السياسات، فلا  يقيّده قرضٌ ولا لجَمَه قمعٌ، ولم يضرب لنفسه أوتاداً من العجز في الأرض؛ هذه بعض سمات شباب الكتائب المسلّحة في الضفة اليوم، الذين لم يثّاقلوا إلى الأرض في سبيل أن تلتحق الضفة...








حوار مع جمال حويل




محمد غفري


السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى CM8A9217-1709448818جمال حويل قيادي بارز في حركة فتح وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة العربية الأميركية (الجزيرة)


من مخيم جنين، يتكلم مع الجزيرة نت جمال حويل؛ الرجل الذي كان يومًا مقاتلًا مع ثلّة هم الآن بين شهيد وأسير، في معركة ملحميّة وقعت عام 2002 خلدت في وجدان الفلسطينيين إلى الأبد، بين مجموعة مقاومة بعدّة وعتاد بسيطين وجيش الاحتلال الإسرائيلي المدجج بالآليات والأسلحة المتطوّرة.


وبعد سبع سنوات ونصف من الاعتقال على إثر تلك المعركة، تحرّر حويل من خلف القضبان بعد فوزه -وهو سجين- بعضويّة المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006، وهو المجلس الذي حلّه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2018.


ومنذ بدء معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق عضو المجلس الثوري لحركة فتح لسانه في الإعلام ورجليه في الميدان، مشيدًا بالمقاومة وداعيًا إلى كفّ الأذى عنها في شمال الضفة الغربية، متخذًا موقفًا مناوئًا لموقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح الرسميّ.


وطالب حويل في حوار مع الجزيرة نت، الرئيس الفلسطيني محمود عباس بلقاء إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وباقي قادة الفصائل الفلسطينية، للاتفاق على برنامج وطني فلسطيني.


أما عن الأسير مروان البرغوثي، فقد صرّح حويل بأنه "الفرصة المهمة لحركة فتح في أي انتخابات قادمة"، وذلك باعتباره شخصية وطنية جامعة، تؤمن بالشراكة وتدعو إلى الوحدة الوطنية، على حد تعبيره.


لقد مرّ على حرب الإبادة في قطاع غزة أكثر من مئة وخمسين يومًا، واصل الاحتلال فيها قتل الأهالي وتجويعهم وحرمانهم من كلّ مقومات الحياة، في حين يصعّد الاحتلال ومستوطنوه اعتداءاتهم على المسجد الأقصى ومدينة القدس، ولا يخلو يوم في الضفة الغربية من اقتحام أو اعتقال أو اغتيال أو مواجهات مع جيش الاحتلال. فمثلاً؛ جنين التي منها حويل، اقتحمها الاحتلال منذ بداية الطوفان أكثر من ثلاثين مرّة.


مع هذا الحال، يصير السؤال عن دور السلطة الفلسطينية المسؤولة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتنظيمها فتح، مُلحًّا: أين هم من الذي يحدث؟ وما الدور الذي يقومون به خلال معركة طوفان الأقصى؟ وما الواجب فعله؟ هل من سبيل لإصلاح المشهد السياسي؟


في ظلال هذه الأسئلة، جاء هذا الحوار مع القيادي البارز في حركة فتح أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية جمال حويل:


  • نحو 5 أشهر مضت على السابع من أكتوبر، دمار كبير وعشرات آلاف الشهداء والجرحى. البعض يقول: لماذا هاجمت المقاومة إسرائيل وفتحت كل هذه الحرب؟ حتى إن بعض أعضاء حركة فتح ذهب إلى تحميل المقاومة مسؤولية كل ما يجري وطالب بحسابها بعد الحرب.. ما هي رؤيتك لطوفان الأقصى؟





عملية "طوفان الأقصى" كانت نتيجة وليست سببًا، والاحتلال ما زال على أرضنا منذ 75 عامًا؛ يبني المستوطنات، ويعتقل الفلسطينيين، ويهوّد مدينة القدس، ويسرق خيراتنا وثرواتنا، وينكل بالفلسطينيين على الحواجز، ويسيطر على المعابر، وفوق ذلك يواصل حصار قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا، فيقتل أهلها بشكل بطيء.


اقتباس :
عملية طوفان الأقصى هي رد طبيعي ومتوقع بسبب وجود هذا الاحتلال.



قادة الاحتلال الإسرائيلي أنفسهم حذّروا قبل هذه العملية، من أن الضغط والقهر والظلم على الشعب الفلسطيني سوف يولد انفجارًا. إذن، ما يحصل نتيجة وليس سببًا، والمشكلة الرئيسية هي في الاحتلال أساسًا. على سبيل المثال؛ إن كان هناك من يحاصر بيتك، وأنت خرجت من البيت وضربتهم، هل يكون الحق عليك؟ لا، بل من الطبيعي أن تدافع عن نفسك.


صنعت عملية طوفان الأقصى تحولات إستراتيجية في المنطقة، وأعادت فلسطين إلى رأس الأجندة الدولية، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، في الوقت الذي كان البعض يفاوض على عمليات التطبيع في المنطقة مقابل مكاسب مالية وليس مكاسب سياسية حتى، وبالتالي عادت فلسطين إلى صدارة الرأي العام الدولي، وانتصرت الرواية الفلسطينية على الرواية الإسرائيلية.


ثم إن إسرائيل التي كانت تصور للعالم وللمنطقة العربية بالتحديد أنها الدولة النووية والتكنولوجية القادرة على حماية هذه الدول العربية من أعداء مفترضين مصطنعين، أثبتت مجموعة من المقاتلين من قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته على 365 كيلومترًا مربعًا، فساد هذا التصوّر، وأسقطوا صورة الجيش الذي لا يقهر، بعد أن حقّقوا انتصارًا عسكريًّا ونفسيًّا واستخباراتيًّا على هذا الاحتلال.


ومن اللحظة الأولى للطوفان، قاد الرئيس الأمريكي اجتماع مجلس الحرب، وقدم وزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع الأمريكي إلى المنطقة، ودعموا إسرائيل بالقنابل الذكية والعتاد والأسلحة، وأرسلوا حاملة الطائرات والغواصة النووية وطائرات الاستطلاع، وقدّموا لإسرائيل كل الدعم المالي والحماية السياسية على المستوى الدولي؛ يؤكد ذلك أن إسرائيل دون أمريكا لا تساوي شيئًا، وأن من يحمي إسرائيل هي أمريكا.


اقتباس :
لا تعيش إسرائيل في المنطقة إلا لسببين: الأول؛ الدعم الأمريكي لها على اعتبار أنها مستعمرة متقدمة في المنطقة، والثاني؛ التفكك العربي، وكل الحروب السابقة التي خاضها العرب مع إسرائيل كانت حروبًا تمثيلية.



استطاعت المقاومة في قطاع غزة خلال ساعات قليلة أن تسيطر على معسكرات "غلاف غزة" من ناحل عوز ومقر الشاباك وفرقة غزة والكتيبة 8200، وهذا يؤكد أنه إذا توفرت الإرادة والاستعداد والإيمان عند الدول العربية، فإنهم يستطيعون إنهاء إسرائيل خلال ساعات.


عدا عن ذلك، اليوم ولأول مرة منذ عام 1948، تحاكم إسرائيل على جريمة الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى الصورة العسكرية التي تهشمت لها في المنطقة، كذلك سقطت صورتها كدولة متحضرة في المنطقة العربية التي تصور على أنها متخلفة، وقد باتت إسرائيل اليوم أمام العالم دولة إرهابية مجرمة.



السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى CM8A9237-1709448850

جمع حويل بين النضال السياسي والتأليف؛ حيث ألّف كتاب "معركة مخيم جنين الكبرى 2022: التاريخ الحي"


  • ذكرت أن طوفان الأقصى أعاد إلى القضية الفلسطينية صدارتها على المستوى الدولي، ولكن على المستوى الداخلي وطوال كل هذه المدة لم تجر أي لقاءات أو حوارات ولا اتصالات بين حماس وفتح.. في هذا السياق، ما هي رسالتك -وأنت قيادي في حركة فتح- إلى مركزية فتح وإلى الرئيس محمود عباس؟





على المستوى الشخصي، لا تتم دعوتي إلى اجتماعات القيادة، بسبب ترشيحي لمروان البرغوثي لرئاسة النظام السياسي، لأنه رجل يؤمن بالوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة.


وحتى لا تذهب التضحيات هباءً، يجب أن يكون هناك توافق فلسطيني على إستراتيجية وطنية تؤدي إلى دولة فلسطينية، بحدود السابع من حزيران على أقل تقدير، تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بوجود حماس والجهاد الإسلامي داخل المنظمة.


اقتباس :
علينا أن نكون موحدين، لذا أطالب الرئيس أن يجتمع مع هنية ومع قادة الجهاد ومختلف الفصائل لوضع إستراتيجية وطنية فلسطينية لمواجهة الاحتلال، ووضع مشروع سياسي ينسجم مع حجم الحدث وهذه الإبادة الجماعية. فمن غير المعقول، أن المجتمع الإسرائيلي كله موحد على قتل الشعب الفلسطيني وهم على باطل، ونحن المظلومين تحت الاحتلال لا نكون موحدين!



بالتالي، وكما يقول الأخ مروان البرغوثي، الوحدة الوطنية قانون الانتصار، وعلينا أيضًا أن ننطلق من مبدأ يؤمن به مروان البرغوثي، وهو: شركاء في الدم، شركاء في القرار، شركاء في الميدان، شركاء في البرلمان؛ وهذه الصيغة الوحيدة القادرة على لملمة الصف الفلسطيني، ويوجد هناك وثيقة الوفاق الوطني تصلح لأن تكون قاعدة للانطلاق نحو هذه الوحدة.


  • تجري هذه الأيام لقاءات مع مسؤولين أجانب وعرب، وخلال هذه اللقاءات تجري مطالبة السلطة الفلسطينية بضرورة إجراء إصلاحات في السلطة.. هل تعتقد فعلًا أن السلطة بحاجة إلى الإصلاح؟ وما هي هذه الإصلاحات؟





الإصلاح وترميم الصف الفلسطيني هو حاجة فلسطينية قبل أن تكون دولية، وكل دول العالم التي تطالب "أبو مازن" بالإصلاحات، نفسها طالبت ياسر عرفات بهذه الإصلاحات، وحاصرته بعدها في المقاطعة وقُتل في المقاطعة. وبالتالي نفس السيناريو يعاد، وهذه الإصلاحات هي حاجة فلسطينية ضرورية وليست حاجة عربية أو أمريكية أو غيرها.


هذا الاحتلال والمنظومة التي تقترح مثل هذه الأمور لا تريد أن تقدم شيئًا للشعب الفلسطيني، وتخترع الحجج من أجل إلهاء الوضع الفلسطيني الداخلي بقضايا داخلية.


باعتقادي الأولوية الآن هي لوقف إطلاق النار وفتح المعابر وإغاثة أهلنا في قطاع غزة وإنجاز الوحدة الوطنية، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات فلسطينية عامة يقرر فيها الشعب الفلسطيني بنفسه، والإصلاحات لا تتم إلا من خلال الشعب بانتخابات عامة وليس من خلال الترقيع الذي تقترحه أمريكا، التي هي عدو وخصم لنا وجُرّبت أكثر من مرة، وبالتحديد بعد القرارات الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ودعوة إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إذ أوقفت هي وشركاؤها الدعم فورًا عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ولذا عن أي إصلاحات تتحدث أمريكا؟


في وجهة نظري، الإصلاحات لا يمكن أن تتم إلا بانتخابات عامة فلسطينية للرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني، ويجدد الشعب الفلسطيني ويختار قيادة المؤسسات التي تتولى مسؤولية الإصلاح، أما إعادة تدوير القيادات من هنا وهناك فهي عملية ترقيع لا تؤدي بنا إلا إلى كارثة جديدة.


  • قبل مدة صدر بيان صحفي عن الرئيس محمود عباس يطالب فيه حماس بإنجاز صفقة تبادل الأسرى تحسبًا لوقوع مجازر في رفح.. بكل تأكيد أنت اطلعت على البيان وفهمت المقصود منه وبأي سياق جاء، هل تعتقد أن حماس فعلًا هي التي تعطل وقف إطلاق النار؟





المطلوب هو من إسرائيل وليس من حماس، حماس قامت بما قامت به في طوفان الأقصى، وقالت إنه جاء لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ووقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى.


نتنياهو هو من يماطل في عملية تبادل الأسرى، بحسب اعترافات بيني غانتس وآيزنكوت. ونتنياهو لا يريد الإفراج عن الأسرى ولا وقف المعارك، وذلك من أجل الاستمرار في الحلبة السياسية في إسرائيل، وكل العالم وحتى أهالي الأسرى في إسرائيل يحمّلون نتنياهو المسؤولية.


وبالتالي من باب أولى مطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل، من أجل الموافقة على مطالب المقاومة المحقة والعادلة للشعب الفلسطيني، وليس المطلوب من حماس، فهي تعمل كل ما تستطيع من أجل الإفراج عن الأسرى.


اقتباس :
سواء تمت الصفقة أو لم تتم، فإن إسرائيل لن تتوقف يومًا عن ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، فالضفة الغربية فيها الرئيس محمود عباس منذ 20 عامًا، ومع ذلك هناك استمرار لبناء المستوطنات وتهويد القدس وبناء الجدار والسيطرة على المياه وخيرات شعبنا، وكل هذه مجازر.


  • تحدثت أكثر من مرة عن علاقتك بمروان البرغوثي، وسبق أن ترشحت على قائمته للتشريعي، ولكن منذ ذلك الوقت وأنت ممنوع من حضور لقاءات فتح في المقاطعة ولا تُدعَى إليها.. كيف تعقّب على ذلك؟





صحيح، لا تتم دعوتي لأي اجتماعات للمجلس الثوري دون سند تنظيمي، ودون أي رجوع للنظام الداخلي للحركة، وإلى الآن لم أستلم أي قرار لا شفوي ولا مكتوب حول عضويتي في المجلس الثوري.


كذلك لا تتم دعوتي لأي حوار في الإعلام الرسمي، وتم وضعي على القائمة السوداء في هذا الإعلام، علمًا بأن تلفزيون فلسطين هو ملك الشعب الفلسطيني كله، وهو نتاج تضحيات عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى.


على الصعيد الشخصي، انتُخبت للمجلس التشريعي وأنا في سجون الاحتلال، حيث أمضيت فيها 11 عامًا، واتهمت بالمشاركة في تأسيس كتائب شهداء الأقصى، وبأنني أحد قادة معركة مخيم جنين، وانتخبت في المجلس الثوري، وكان ترتيبي 9 من بين 80 عضوًا في الداخل والشتات، وبالتالي أنا منتخب من قواعد هذه الحركة.


الاحتلال لا يحترم القيادة الفلسطينية، والرئيس سبق أن صرح بأننا كلنا تحت بساطير الاحتلال، وصائب عريقات سبق أن قال بأن رئيس الوزراء هو رئيس الإدارة المدنية، ولذا فإن مسمّيات الوزير أو السفير أو اللواء وغيرها لا تساوي شيئًا مقابل هذا الظلم الذي يواجهه شعبنا أمام الاحتلال، وبالتالي يجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا.


السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 000-14رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يمين) والرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)


  • هل لك أن تحدثنا أكثر عن علاقتك بمروان البرغوثي الذي تقول إنك كنت الشخص الرئيسي في تأسيس قائمته للمجلس التشريعي؟





مروان البرغوثي هو الفرصة المهمة لحركة فتح في أي انتخابات قادمة، بما أنه يحظى بإجماع كبير في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وعلى مستوى قواعد حركة فتح.


لقد عشت معه فترة طويلة جدًّا أثناء وجودي في الأردن، حيث كان مبعدًا، وكنت طالبًا ورئيس مجلس الطلبة، وبعدما عدنا، كان هو أمين سر حركة فتح وأنا مسؤول في شبيبة فتح، وفي بداية الانتفاضة اتهمنا الاحتلال بتأسيس الكتائب وقيادة الانتفاضة، ودخلنا السجون ونجحنا في انتخابات المجلس التشريعي من داخل السجون.


أمضى مروان البرغوثي في السجون ما مجموعه 30 عامًا، و7 سنوات إبعاد، و4 سنوات إقامة جبرية، وطورد، و4 محاولات اغتيال، وهو دكتور في العلوم السياسية وأستاذ أكاديمي في جامعة القدس أبو ديس، وفاز في المجلس التشريعي واللجنة المركزية بأعلى الأصوات، وهو خالٍ من الفساد، ويؤمن بالشراكة الحقيقية، ودومًا كان يطالب بأن نحمل جميعًا الهم الفلسطيني وليس فتح لوحدها.


وخلال آخر أسبوعين، جرى عزل مروان البرغوثي ثلاث مرات، ودخل عامه الـ 24 في سجون الاحتلال، ولم يخرج من العزل الانفرادي، ومع ذلك حوّل السجن إلى جامعة وخرّج 240 طالب ماجستير، وأكثر من 1200 طالب بكالوريوس، وهو يتعرض لهجمة شرسة جسدية ونفسية.


  • هل للحالة التي يمثلها مروان البرغوثي امتدادات في الشارع؟





مروان البرغوثي ليس تيارًا فلسطينيًّا، وهو قائد فتحاوي لكل فتح، وتجاوز قضية فتح فهو من قيادات الشعب الفلسطيني، وبالتالي مروان ليس تيارًا كبعض الحالات، وإنما هو حالة فلسطينية علينا أن نستغلها، إذ يسمى مانديلا فلسطين، وحالته النضالية لا تقل عن حالة مانديلا، وهو رمز لحرية الشعب الفلسطيني وفي العالم كله، ومروان مهم وجوده خارج السجن كضرورة فتحاوية ووطنية وشعبية.


اقتباس :
تتحدث حركة حماس على الدوام عن الإفراج عن الأسرى، وعلى رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات، لأنهم يؤمنون بالشراكة مع فتح في الفترة اللاحقة.



السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 93f9203e-c4e7-46b1-b792-80b74721e0fa


صورة مروان البرغوثي على أحد المباني السكنية في مدينة نابلس بالضفة الغربية (الأوروبية)


إذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة حماس فهو واهم، وإذا اعتقد البعض أنه يستطيع القضاء على حركة فتح فهو واهم، ولا يوجد لنا خلاص إلا بوحدتنا ووضع مشروع وطني فلسطيني كبير له علاقة بالاستقلال، يوازي حجم الكارثة والإبادة الجماعية والتضحيات والثمن الكبير الذي دفعه الشعب الفلسطيني.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:08 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:34 am

  • بين فترة وأخرى يجري الحديث عن مرحلة ما بعد أبي مازن، وقيادات في فتح تطرح نفسها باستمرار، ويجري تداول أسماء مروان البرغوثي ومحمد دحلان وحسين الشيخ وجبريل الرجوب وغيرهم.. ما هي رؤيتك لمرحلة ما بعد أبي مازن؟



ما بعد "أبو مازن"، لن يكون رئيس للشعب الفلسطيني إلا باختيار الشعب الفلسطيني، يمكن أن ينجحوا باختيار بعض الشخصيات في مناصب هنا وهناك، ولكن الشعب الفلسطيني لن يقبل، ولن تكون الشرعية إلا للشعب الفلسطيني، ومن يختاره الشعب سوف نضرب له تعظيم سلام.
دائمًا ما أدعو الرئيس لتوحيد حركة فتح وتوحيد الشعب الفلسطيني ومن ثم الذهاب إلى البيت، لأنه في الحكم منذ نحو 20 سنة وقبلها في المشهد السياسي.
علينا أن نوحد الشعب الفلسطيني ونشكل قيادة وطنية فلسطينية موحدة في منظمة التحرير، وتشكيل حكومة تعمل على وقف العدوان وإعادة الإعمار في غزة وتحضر لانتخابات فلسطينية عامة، يتم اختيار الرجل الذي يلي "أبو مازن" من الشعب الفلسطيني مباشرة وليس من أمريكا أو دولة عربية هنا وهناك، لأنه بحسب التجارب السابقة، كل من اختارتهم أمريكا ووضعتهم في موقع القيادة في الشرق الأوسط لم يصمدوا كثيرًا أمام الحالة الشعبية، ولا أعتقد أن أي قائد فلسطيني لديه شرف وكرامة يقبل أن يأتي على ظهر دبابة إسرائيلية.

  • في سياق حديثك عن توحيد حركة فتح.. هل تعتقد أنه يجري اليوم إضعاف حركة فتح من قبل بعض القيادات التي تتصدر المشهد؟




التنظيمات الفلسطينية كلها تمر بحالة ضعف وليس حركة فتح وحدها. وجهة نظري أن الحالة الفلسطينية كلها بحاجة إلى إعادة تقييم في المرحلة القادمة على المستوى التنظيمي والمستوى الوطني.
نعم حركة فتح فيها ترهل، والمجلس الثوري واللجنة المركزية يجب أن يكون لهما دور أكبر من هذا، ولكن غابت المؤسسات بعد حل المجلس التشريعي ومجلس القضاء، حيث لا يوجد في البلد من يحاسب من، من يحاسب الوزير عندما يخطئ ومن يحاسب مدير الجهاز الأمني، ومن يحاسب الرئاسة ورئيس الوزراء.
كان لدينا مؤسسات تقيم وتحاسب، ولكن غياب بعض المؤسسات وعدم وجود المؤسسات المهمة، أدى إلى خلل كبير وفساد في هذه المؤسسات، وبالتالي مطلبنا أن نعود للشعب الفلسطيني.
نعم هناك احتكار في القرار، ولا يوجد مؤسسات تشارك في اتخاذ القرارات، وبعض القيادات في اللجنة المركزية والثوري تسمع بالقرارات من الإعلام أو من رسالة عبر الهاتف، وبالتالي قضية مثل قضية فلسطين يجب أن لا تقاد بهذه الطريقة، وإنما بعمل جماعي يرتقي إلى مستوى القضية الفلسطينية وتكون مرجعيته الشعب الفلسطيني، وبغير ذلك سوف نكون على خطأ وسوف نرتكب جريمة بحق هذا الجيل والأجيال القادمة.
فتح قادرة على أن تقيم مشروعًا وطنيًّا، ولكن فتح التي تؤمن بالشراكة والوحدة الوطنية، بحاجة إلى روح مثل روح مروان البرغوثي وزكريا الزبيدي وأسرانا الأبطال من أبناء فتح والفصائل الأخرى.


  • هذا يدفعني إلى السؤال عمّا إذا كانت حركة فتح لا تزال تقود زمام الأمور في الضفة الغربية؟




إذا قلت بأن فتح تقود الحالة 100% سوف أكون مخطئًا، ومجافيًا للحقيقة، وهناك خلل في العلاقة ما بين فتح والسلطة، والمشكلة الأساسية عندما تتغطى مؤسسات السلطة وخاصة الأمنية وتتجاوز التنظيم ولا تتعاطى مع التنظيم بشكل جدي وعلى الأرض، وبالتالي تفقد هذا التوازن، وكذلك إذا أصبح التنظيم في الميدان قويًّا بدون أن يرى مؤسسات السلطة الفلسطينية فهذا أيضًا يحدث خللًا في التوازن.
وبالتالي يجب أن تكون السلطة للشعب الفلسطيني ومؤسسات السلطة للشعب الفلسطيني وليس لتنظيم هنا وهناك، والتنظيمات هي تنظيمات تعبر عن الحالة في داخل المجتمعات.
إسرائيل هي أصلًا لا تريد لك أن تكون مسيطرًا في الضفة الغربية، وكل يوم تقتحم المدن والمخيمات، وتقتل وتغتال وتدمر، وبالتالي حسب رؤيتي، أي مؤسسة أمنية في العالم مسؤوليتها حماية المواطنين من الاحتلال وهذا الأصل، وليس كما يريد الاحتلال تحويل السلطة الفلسطينية لشركة أمنية تحمي الاحتلال، وهذا لا يقبله أي إنسان عاقل.
عقيدة المؤسسة الأمنية هي حماية الوطن والمواطن من الاحتلال المجرم، وبالتالي السلطة غير مسيطرة على الأرض، والاحتلال يقتحم "مناطق أ" وبيوتًا قرب المقاطعة ومنزل الرئيس، وبالتالي كيف تريد أن تكون مسيطرًا والاحتلال لا يسمح لك بأن تكون كذلك، ولن يكون أي سيطرة للسلطة بدون أي مشروع سياسي وتقديم ثمن لهذه السيطرة على الأرض.


  • هل تعتقد أن هذه هي الأسباب التي أدت إلى ضعف مشاركة الضفة الغربية في مساندة قطاع غزة في ظل الوضع الحالي؟




كان مطلوبًا من الضفة الغربية دور أكبر على المستوى الجماهيري، ولكنها أيضًا قدمت أكثر من 400 شهيد، و8000 أسير حتى الآن، وينتشر فيها 800 حاجز بين المناطق، ويجري فيها تنكيل وقمع، تدفعه منذ عام 2021 وقبل ذلك.
صحيح أنه كان مطلوبًا منها دور أكبر من ذلك، وهذه مسؤولية كل من يطالب بالمقاومة الشعبية، بالتالي أين هي المقاومة الشعبية من إغلاق الشوارع أمام المستوطنين، الذين يحرقون حوارة وترمسعيا، وأين الوجود الشعبي، وهذا يدفعنا إلى نتيجة بأن من يقود الوضع ويطالب بالمقاومة الشعبية لا يجد له تأييدًا، لأن هناك خللًا في الثقة بين الجماهير والقيادة.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 78001200-6-1694283454شاب يشعل الاطارات عند مدخل نابلس الغربي في مظاهرة لفك الحصار على المدينة (الجزيرة)


  • هذا على المستوى الشعبي في الضفة الغربية، ولكن هناك حالة من المقاومة تتصاعد في شمال الضفة الغربية، بدأت في مخيم جنين وامتدت إلى نابلس وطوباس وطولكرم واليوم قلقيلية.. كيف تنظر إلى هذه الحالة؟




ما يجري من مقاومة في الضفة الغربية المحتلة، السبب فيه هو الاحتلال، منذ إنشاء مخيم جنين وحتى اليوم لم يتغير شيء على حالة اللاجئ الفلسطيني، ولا يوجد أفق سياسي، ولا أمل سياسي، والوضع الاقتصادي سيّئ، والانقسام سيّئ، وبالتالي الشعب الفلسطيني في شمال الضفة الغربية انفجر في وجه الاحتلال الذي لا يريد أن يقدم شيئًا له.
الاحتلال دمر الحياة في جنين ومخيم جنين، من الكهرباء والمياه والبنية التحتية، وذلك من أجل جعل حياة الشعب الفلسطيني مستحيلة، فهو يريد تهجير الفلسطينيين ليس فقط في غزة، وإنما أيضًا في الضفة الغربية، ويعشش في ذهنه الفكر التوراتي لدولة يهودا والسامرة.
ما يقع في شمال الضفة، يقع أيضًا في غيرها من عمليات الذئاب المنفردة. ونحن مقبلون على شهر رمضان، وفي ظل القيود التي يفرضها الاحتلال على الذهاب للمسجد الأقصى، فالموضوع مرشح لهذه المواجهات بشكل كبير جدًّا، وأعتقد أن الضفة الغربية سوف تتحول إلى لهيب من النار في وجه هذا الاحتلال المجرم الذي يمعن في القتل والتدمير، والواقع في الضفة الغربية يتجه نحو مزيد من الإحباط ومزيد من الانسداد في الأفق السياسي، علاوة على رؤية ما يجري من جرائم في قطاع غزة، فالأمور مقبلة على انفجار أكبر بكثير.


  • في المقابل هناك من يصف هؤلاء المقاومون بالانفلات الأمني أو بأنهم خارجون عن القانون، ويجري أيضًا اعتقال أفراد منهم وتعذيبهم في سجون السلطة، وفي الوقت ذاته تطالب قيادات في فتح والسلطة بالهدوء في الضفة الغربية.. ما هو موقفك من ذلك؟




نفس هؤلاء من القيادات الفلسطينية اتهموا ياسر عرفات بالاتهامات ذاتها، ولكن أنا أقول بأن ما يجري في جنين ليس فلتانًا ولا خروجًا عن القانون، وإنما هؤلاء أبطال مقاومون يواجهون الاحتلال.
لا أطلب من المؤسسة الأمنية مواجهة الاحتلال، فأنا أعرف تعقيدات اتفاق أوسلو والعمل في الميدان في مواجهة الاحتلال، ولكن في المقابل وعلى الأقل، لا نقلّم أظافرنا التي تواجه الاحتلال.
"تعالوا، نريد عمل تهدئة في شمال الضفة الغربية"، ولكن مقابل ماذا؟ هل سيتم الإفراج عن أموال المقاصة ووضع حد لمحاولات اغتيال المطاردين والإفراج عن جثامين الشهداء وتسليم مناطق في مناطق ج وجعلها تتبع للسلطة الوطنية؟ ما هو المقابل؟ أنا لا أرى أي مقابل حقيقي، فلا الاحتلال انتهى، ولا هو يقدم أي ثمن حقيقي للسلطة مقابل الهدوء في شمال الضفة الغربية.


اقتباس :
الخارجون عن القانون هم العملاء والجواسيس، وجماعة وتجار الإدارة المدنية الذين يجري إعدادهم للمرحلة القادمة، والفاسدون ولصوص الوطن والأموال ولا يتم متابعتهم ومحاسبتهم، وأبناء بعض المسؤولين الذين يرتكبون مخالفات أمام الجميع وتحل قضاياهم بفنجان قهوة؛ هؤلاء كلهم هم الخارجون عن القانون، أما شباب المقاومة في شمال الضفة فلا يأخذون الخاوات ولا يعربدون على الناس، بل هؤلاء أبطال معظمهم مصاب وإخوتهم شهداء ومنازلهم تضررت، ولذا علينا التحدث مع هؤلاء الشباب، فهم شباب صغار بشر يمكن أن يكون لهم أخطاء ولكن بالحوار والتفاهم يحل كل شيء.


  • هذا يدفعنا إلى سؤال أخير، أنت طرحت مبادرة للرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية لوقف ملاحقة هؤلاء المقاومين، هل لك أن تطلعنا على تفاصيل هذه المبادرة؟




قمنا بالدعوة لاجتماع حضره نحو 700 شخص في مخيم جنين، وقلت علينا أن نضع مبادئ عامة، بأن الحوار يجب أن يكون الأساس في التعاطي فيما بيننا، وأن نجرّم إطلاق النار على مقرات المؤسسة الأمنية، وأن نجرّم إطلاق النار على الناس وخاصة أنه قد قتل حتى الآن 5 مواطنين بشكل خاطئ برصاص الأمن وتم حل قضاياهم، وأن نحرّم ملاحقة المطلوبين لإسرائيل.
هذه قواعد عامة للاحترام المتبادل، تجرّم استخدام الرصاص فيما بيننا، لتسود لغة الحوار فيما بيننا. وأي بندقية خارجة عن القانون نحن مع محاسبتها ومحاسبة لصوص السيارات الصغار وبعض الجهات المتنفذة التي تمتلك سيارات مسروقة.
نحن مع حماية المقاومة وعدم ملاحقة المقاومة وعدم اعتقال المقاومين، إلا إذا كان هناك مشروع مطلوب من السلطة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وبالتالي تعالوا نجلس معًا ونتحدث بأخوة ومحبة وبأريحية.
الحل سهل إذا كان هناك نوايا وإرادة من الجميع، والبعض يعتقد أن هذه كسر عظم وكسر لهيبة السلطة، ولكن القوات الخاصة الإسرائيلية التي تقتحم رام الله لا تقلل من هيبة السلطة، واعتقال ضباط أجهزة أمنية على الحواجز وخلع ملابسهم وأخذ سلاحهم.. أليس هذا ضربًا لهيبة السلطة الوطنية؟ وبالتالي ضرب الهيبة وكسر العظم لا يكونان بين أبناء الشعب الواحد، وإنما مع الاحتلال الإسرائيلي.
ا


السلطة: موجز تاريخ الانحدار


طارق خميس
لو أتيح لك وتجولت في شوارع الضفة الغربية في عام 2003، أي بعد ثلاث سنوات من انطلاق الانتفاضة الثانية، فحتماً لن تخطئ عينك الجدران التي كُتبَ عليها؛ "لا لكرزاي فلسطين"، شعارٌ خطّته أيدي كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح.
كان حامد كرزاي قادماً على ظهر دبابة أميركية ليتولى رئاسة أفغانستان عام 2001، فيما لم يكن "كرزاي فلسطين" -على حد تعبير كوادر شهداء الأقصى- سوى ذلك الذي جاء على إثر تصفية ياسر عرفات عام 2004. إنه محمود عبّاس أبو مازن، الشيخ الذي يمسك اليوم بمقاليد ثلاث سلطات دفعة واحدة: رئاسة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير وقيادة حركة فتح.
وعلى مدار العقدين الماضيين، عمل أبو مازن على إفراغ الثلاث سلطات من أي فاعلية سياسية، وهو الآن ينتظر بفارغ الصبر هزيمة المقاومة في غزة ليقدم نفسه مجدداً كبديل للمقاومة المسلحة، مثلما فعل بعد انتهاء الانتفاضة الثانية.
لا شيء جديد في ذلك، فالنظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة لم يكلّف نفسه عناء تقديم خمرٍ جديدة أو حتى أواني جديدة لتلك الخمر، فالذي يُطرح اليوم هو نفسه الذي طرح بالأمس: القبول بفكرة "مسار الدولتين"، وليس "الدولتين" كما يُشاع، والفارق بينهما كبير، فالمسار عملية ليست غايتها إنجاز أهدافها بل تأجيلها، وأهميتها تكمن في منحها إحساساً وهمياً بـ"الحل"، كما تعطي الفاعلين السياسيين لغة سياسية يمكن للأذن الدولية سماعها.
مرّ على ولادة السلطة الفلسطينية قرابة الثلاثين سنة، لكن فكرة الدولة سكنت قادة الفصائل قديماً، حتى أصبحت هاجساً يؤثّر على الأهداف ويغيّرها خلال الطريق. لطالما قطعت فكرة الدولة الطريق على فكرة التحرير، وبدلاً من أن تكون الدولة نتيجة طبيعية للتحرير، تحولت لعائق أساسي أمامه، كما لو كان شدة الخوف من ضياع الشيء السبب الرئيسي في تضييعه.
وبدلاً من مراجعة المسار بمجمله، جرى طرحه باستمرار بوصفه الطريقة الوحيدة لعمل الحقل السياسي الفلسطيني، فيما بدا كل ما هو خارجها لا يعدو كونه رومانسية ثورية لم تدرك بعد ما الذي تعنيه "الواقعية السياسية". أما السلطة الفلسطينية، فتولت تعريف "الواقعية" بعد أن جعلتها رديفة للقبول بمسار التنازلات.
طُرح مشروع الدولة كعائق أمام توسع الانتفاضة الأولى، وطرح مجدداً كعائق أمام توسع الانتفاضة الثانية، وها هو يطرح اليوم مجدداً على وقع [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/10/7/%d8%b7%d9%88%d9%81%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d8%b5%d9%89-%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d9%87%d8%ac%d9%88%d9%85-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9#:~:text="%D8%B7%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%B5%D9%89" %D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9 %D8%B4%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7 %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9 %D9%81%D9%8A %D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9,%D9%88%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%84%D8%A7 %D9%84%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D9%8A%D9%86 %D8%A5%D9%84%D9%89 %D8%B9%D8%AF%D8%A9 %D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%AA %D9%81%D9%8A %D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%81 %D8%BA%D8%B2%D8%A9.]طوفان الأقصى[/url]، فما بال المؤمن يلدغ مرات عدة من نفس الجحر!
تاريخ الرغبة في "مسار الدولة"
لقد كان تأسيس حركة فتح عام 1957 حدثاً سياسيّاً فارقاً، فبعد نكبة عام 1948 أدرك الفلسطينيون بأن مصيرهم يُترك لهم شيئاً فشيئاً. وكانت نكسة عام 1967، الانفجار الأخير لهذه الحقيقة التي استحالت لوعي بالذات الوطنية، وهي اللحظة التي التقطتها فتح، لتنفصل بذلك عن مسار الأحزاب العربية، ومستفيدة من طريقة عمل "الإخوان المسلمين" في تأسيس التيارات العريضة. وفي الوقت الذي جاءت فيه هذه المحاولة كتعبير عن فشل الأنظمة العربية في اختبار القضية الفلسطينية، جرى تقليد هذه الأنظمة شبراً بشبر وذراعاً بذراع.
كانت "معركة الكرامة" عام 1968 حدثاً عسكريّاً حوّل فتح من كونها وجهة نظر إلى "أمٍ للجماهير". ومع أن الحدث بذاته لم يكن انتصاراً فارقاً، إلا أنه كان تكثيفاً رمزياً لإمكانية محاربة "إسرائيل" وكسر هيبتها. ومن الجيد أن ننتبه لذلك ونحن نراقب حدث الطوفان، الذي لم تولد بعد اللغة السياسية الخاصة به، فنتائج الطوفان تنظر بترقب للعقل السياسي الذي سيطلق العنان لمخياله استجابة لجموح الإرادة وتعبيراً عنها.
صيغت الهوية الفلسطينية على يد حركة فتح بشكل أساسي حاملة نوع من التساكن الفصامي بين مقولتين: "التحرير بالكفاح المسلح"، والآخر ينشد "مسار الدولة" كأرضية للعمل السياسي وغاية له.

اقتباس :
كانت فكرة التحرير تسكن بجانب فكرة الدولة، دون أن تتنافرا. وبالأساس، كان هذا تحديداً اختراع فتح الذي سيظلّ ملازماً للحركة الوطنية إلى يومنا هذا. لكن الهوس بالدولة تسلّل تدريجياً مكان هدف التحرير، بعد أن أحكمت عليه الخناق، وهذا التاريخ من الهوس رصده يزيد صايغ في كتابه "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993".


لقد جعل التجاور بين فكرتي الدولة والتحرير، الانحدار نحو الهاوية سلساً، فمن الميثاق القومي الفلسطيني الأول عام 1964 (والذي صار فيما بعد الميثاق الوطني)، وحتّى حضور الرئيس الأمريكيّ بيل كلينتون في التعديل على الميثاق عام 1998، هناك 34 سنة، كانت كفيلة بحرف المسار، من "استعادة فلسطين كاملة" إلى "الدولة الفلسطينيّة الديمقراطيّة التي يتعايش فيها العرب واليهود" إلى مجرّد سلطة تبنت شعار "الدولة الفلسطينيّة المستقلّة" التي بإمكانها التواصل مع من أسمتهم "القوى اليهوديّة التقدّمية" إلى القبول بـ "دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران" و"الاعتراف بدولة إسرائيل" و"حل النزاع بالطرق السلمية".
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%B3%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%B3-1709540696
وقفزاً إلى ما قبل طوفان الأقصى بأيام، فقد كتب الأسير إبراهيم حامد مقالاً مهماً نشر على "مجلة الدراسات الفلسطينية"، حمل عنوان: "في إعادة الاعتبار لتحرير فلسطين"، جاء فيه: "في عملية العبث هذه التي جرى فيها تغيير الأهداف العليا واستبدالها، طُرحت ثلاثة أهداف وطنية بديلة، ليُستعاض بها عن هدف تحرير فلسطين الجامع، وهي مثلما أُعلنت في سنة 1974 (سنة تغيير وجهة الرأس السياسي الفلسطيني): حقّ العودة؛ وحقّ إقامة دولة؛ وحقّ تقرير المصير. وغدا "خطاب الحقوق" هذا خاضعاً لمنطق الحقوق التي تسمح بها قوانين الأمم المتحدة الجائرة بحقّ فلسطين وقضيتها".
يضيف حامد: "والمفارقة هنا، أن "تحرير فلسطين" عندما يتم إنجازه الفعليّ كهدف، فإن هذه "الحقوق الثلاثة" وغيرها ستصبح تحصيل حاصل! غير أن طرحها منذ سنة 1974 جاء ليُستعاض به عن هدف التحرير الذي تم إقصاؤه. ثم إن أي حق من هذه الحقوق، هو من النوع القابل للتفاوض عليه، وهو ما برهنته التجربة لاحقاً، بل إن هذا المنطق التنازلي، جعل حتى هذه الأهداف الثلاثة نسياً منسياً".
الدولة الرمز والقائد الرمز: وقائع ما بعد أوسلو
كان أبو عمار شديد الولع بالرمزيات، وكلّما خسر حقيقة واقعية استبدلها برمز. في 30 آب/ أغسطس 1982، غادر أبو عمّار بيروت، آخر حدود جغرافية للنضال ضد "إسرائيل". بعد أن مر على اجتياح بيروت ثلاثة أشهر، وانتهى باتفاق يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين؛ الخطوة التي ستجعل مشروع التحرير يخسر آخر أدواته الفعلية، وتبعاً لذلك التفكير بقبول ما يعرض عليه.
وعلى متن السفينة اليونانية "أتلانتي"، التي كانت تتوجه صوب ميناء بيريه، لم يفكر أبو عمار طويلاً في جواب من سأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فأجاب: إلى القدس. ولكن، وحتى بعد أكثر من عشرين سنة، لم يدفن أبو عمار في القدس كما أراد، بل دفن في المقاطعة في رام الله، ووضع "ليزر" فوق قبره يضيء ناحية القدس، لتكون آخر رمزيّة يتخذها.
لقد خسرت فصائل منظمة التحرير بخروجها من بيروت آخر حدود مع العدو، وأصبحت بعيدة معزولة في تونس، ومن هناك أعلنت قيام الدولة الفلسطينية "رمزياً". وشكّل حدث الانتفاضة الأولى طوق النجاة الأخير، الذي بدلاً من تركه يتدحرج ويتحول لأفق جديد للنضال الفلسطيني، جرى تجييره لمشروع "الدولة". وهكذا فقد زخمه ووضع في مسار التفاوض على أوسلو، تمهيداً لعودة الفصائل إلى البلاد، وتحولت التجربة برمتها من تجربة تحرير إلى تجربة "مسار إقامة الدولة".
"لست الحاج أمين الحسيني… لا بدّ أن أنجز شيئاً"، قالها أبو عمّار. ولم يكن واضحاً بعد ماهية ذلك الـ"شيء" الذي كان يهجس به أبو عمار، بيد أن شاعر المنظمة محمود درويش قبض على بعض معانيه  بقوله: "ما أكبر الفكرة ما أصغر الدولة"، تجلى الـ"شيء" لاحقاً عام 1993 باتفاقية أوسلو.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:10 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:42 am

اقتباس :
كانت أوسلو قطعاً للطريق على أفق الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، واستعجالاً لوضعها في قالب "أقل الممكن" بوصفه "أفضل الممكن".

لم تنص أوسلو على أن السلطة الفلسطينية ستتحول إلى دولة، بل تمسكت الاتفاقية بمصطلح "الحكم الذاتي"، مع تفاوض مفتوح حول "الوضع النهائي"، إلا أن قيادة السلطة كانت تعتبر نفسها مؤقتة، وأنها ستتحول إلى دولة في نهاية الفترة الانتقالية. ومن المفارقة، أن القضايا التي أُجّلت، كانت هي جوهر القضية الفلسطينية، كقضية اللاجئين والقدس، ولحقت بها قضايا أخرى كالأسرى والحدود والمياه.
لاحقاً عام 1994، ألحقت أوسلو باتفاقية باريس؛ الشق الاقتصادي الذي سيربط المناطق الفلسطينية كلياً بـ "إسرائيل"، لاسيما في التصدير والاستيراد وتحصيل الضرائب والجمارك، التي باتت تعرف بـ "أموال المقاصة"، وهي تشكّل ما نسبته 60-65% من موازنة السلطة الفلسطينية، تدفع بها السلطة رواتب العاملين معها في القطاع العام الحكومي. وهي الأموال التي ستستخدم باستمرار كأداة ضغط على السلطة الفلسطينية، إذ تقوم "إسرائيل" باحتجازها بشكل دوري ولفترات طويلة مقابل الحصول على تنازلات سياسية.
حددت اتفاقيات أوسلو التي وُقِّعت بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أمريكية وبدعم عربي، بنية السلطة الفلسطينية الوليدة. ومع اتفاقية طابا عام 1995، قسمت المناطق الفلسطينية أمنيًّا ومدنيًّا إلى (أ، ب،ج)؛ وهو التقسيم الذي منع التواصل نهائياً بين مدن هذه "الدولة المرتقبة"، وثبّت وضعية "إسرائيل" في إحكامها الخناق على أي مكان تريده.
وإضافة إلى ذلك، حددت الاتفاقية ملامح التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، فجاء بنص الاتفاقية: "السلطة الفلسطينية مسؤولة عن منع الإرهاب والإرهابيين واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم". كذلك، نصّت الاتفاقية على ضرورة عدم ملاحقة أجهزة السلطة الأمنية لمن تخابر مع الاحتلال، وعلى عدم الإضرار بمصالحهم الشخصية كالطرد من الوظيفة وخلافه، وهو الدور الذي مهّد لتوسع السلطة بعد اتفاق "غزة - أريحا أولاً" عام 1994.
في هذه الظروف ولد ما يعرف بـ "التنسيق الأمني". والاسم مضلل بعض الشيء، إذ يوحي بأن ثمة تبادل للمعلومات بين طرفين، بينما الواقع أن طرفاً واحداً هو "الأجهزة الأمنية الفلسطينية" يقوم بتزويد الطرف الآخر وهو "الجيش الإسرائيلي"، بكل ما يحتاجه من معلومات أمنية، ولكن لا عكس؛ فالجيش لا يزود السلطة مثلاً بمعلومات حول اعتداءات المستوطنين!
وهكذا تحولت شريحة كبيرة من المقاتلين العائدين لعناصر أمنية موزعة على 13 جهازاً أمنياً، وهي طريقة أبي عمار في تفتيت السلطة وضمان عودة جميع الأطراف له كشخصية نهائية في حسم الصراعات.
خلقت السلطة الفلسطينية حولها مجتمعاً يعتمد عليها، من خلال بنائها جيشاً من الموظفين، بأكثر من 140 ألف موظفاً يعملون في القطاع العام، رواتبهم  تزيد على 200 مليون دولار شهريًّا.  وتولت تقديم خدمات التعليم والصحة وتأسيس البنية التحتية وإدارة البلديات، بالإضافة لنشاط الشؤون الاجتماعية التي تمول أكثر من 200 ألف من الفئات المهمشة والفقيرة، وعشرات الآلاف من عائلات الشهداء والأسرى، والجرحى، والأسرى المحررين الذين أمضوا أكثر من خمس سنوات في سجون الاحتلال، من خلال رواتب شهرية مخصصة تصرف لهم بانتظام. بهذا، أصبح للسلطة قاعدة اجتماعية، جزء كبير منها غير راضٍ عنها، لكنه في الوقت نفسه مرتبط بها مصيرياً.

اقتباس :
في ظل غياب الدولة نفسها، تحولت السلطة ذاتها لجهاز إداري يخفف من أعباء الاحتلال على المحتل، ويربط الفلسطينيين بمحتلهم من خلال مفاصل الحياة الأساسية، كالسفر والعمل والتنقل، وتخفف عنه أعباءه الأمنية من خلال التنسيق الأمني.


لقد طاوعت السلطةُ إسرائيل في كل ما رأته عائقاً أمام "مسار الدولة"، حتى وصلت سلسلة التنازلات إلى القضايا التي هي من صلب اختصاص الدولة المزمع إقامتها؛ فأخرجت ملف الداخل الفلسطيني الذي أصبح من وقتها يمتلك حقلاً سياسياً معزولاً وعاجزاً عن العمل خارج حدود الكنيست، وأخرجت ملف اللاجئين الذين أسلموا أنفسهم لمصيرهم مع الدول المستضيفة في انتظار تصفية "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)" بشكل نهائي، وملفات أخرى كان يجري تأجيلها، ولاحقاً موتها ونسيانها، لصالح صيانة مسار الدولة.
التسعينيات: معارضو المسار
عند تأسيسها، وعدت السلطة الفلسطينية أهل البلاد بمشروع إقامة دولة فلسطينية، ومن أجل هذا الهدف برّرت السلطة قمعها المقاومة أول قدومها. شهدت فترة التسعينات تنكيلاً واسعاً بفصائل المقاومة، لاسيما حركتي حماس والجهاد الإسلامي. فعلى سبيل المثال، ارتكبت السلطة أول مجيئها "مجزرة الجمعة الأسود" بحق مسيرة سلمية داعمة للمقاومة خرجت من "جامع فلسطين" في غزة، فاستشهد على إثرها 13 مصليّاً وجرح 200 آخرين.
وانطلاقاً من منتصف التسعينيات وحتى نهايتها (مع انطلاق عمليات "الثأر المقدس" التي قادها الأسير حسن سلامة، وصولاً إلى استشهاد عماد وعادل عوض الله عام 1998)، وجهت السلطة الضربة تلو الأخرى لفصائل المقاومة، وقدمت المقاومين قرباناً لـ "إسرائيل" على عتبة الدولة المقدسة المنتظرة، غير مدركة أن تقليم أظافر المقاومة يبعدها عن أهدافها ولا يقربها. في هذه الفترة الزمنية، وقف اللواء غازي الجبالي، قائد الشرطة الفلسطينيّة سابقاً، متبجحاً: "سنسيطر على المساجد ولجان الزكاة والجامعة الإسلاميّة، وسنجتثُ حماس والجهاد الإسلامي من جذورهم". وهي الفترة نفسها التي برز فيها القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف ورفاقه، كأقلية تحاول التصدي لمسار التنازل اللانهائي، فقد أدركوا بحسهم السليم أن الواقعية، كل الواقعية، في هزيمة الاحتلال، وأن الدولة سراب.
عارضت المقاومة الاسلامية ممثلة بحماس والجهاد مسار أوسلو قولاً وفعلاً، فلم يشاركا في انتخابات العام 1996. وكانت عمليات المقاومة تتحرك بمعزل عن المسار الذي خطّته أوسلو لنفسها، إذ نشأ لدينا مسارين منفصلين: "عمليات سياسية" و"عمليات مقاومة"، دون أي اتصال يربط بينهما. لقد اتسعت الفجوة بين حماس وفتح، وكذلك بين الحقلين العسكري والسياسي.
انقضت فترة التسعينيات، حيث ثبّت المحتل فيها مزيداً من حقائقه على الأرض: توسّع الاستيطان، وأجلت الملفات الكبرى، وتحول اتفاق المبادئ الذي كان من المفترض أن ينتهي بعد خمسة سنوات إلى حقائق راسخة. هكذا، كلّما كانت السنين تنقضي كان حلم الدولة يزداد ابتعاداً، وكانت برامج التيارين: من يؤمن بمسار الدولة ومن يؤمن بمسار التحرير، تزداد كذلك ابتعاداً.
الانتفاضة الثانية: لحظة اكتشاف الانغلاق
في مطلع الألفية الجديدة، كان ياسر عرفات (أبوعمار) وإيهود باراك يبتسمان أمام مسار مغلق في كامب ديفيد. مرّ في ذهن الأول تاريخ الرحلة كله، حاملاً داخله خيبة أمل كبيرة، مدركاً أن مسار الحكم الذاتي لم يكن سوى فخ، وأن مسار الدولة لم يكن سوى مسار التوقيع على الهزيمة، ولكنها هزيمة على مراحل ودفعات، حتى يمكن لكبريائه النضالي أن يبتلعها.
وقف أبو عمار حينها على آخر مفترق طرق عُرض عليه، وأغرته بزته العسكرية التي لم يخلعها بعد، إذ ظنّ أنه يستطيع التلويح بالقوة لتحسين شروط التفاوض، لكن القوة التي يدرك حدودها لم تعد مخيفة، والأشياء لم تعد كما كانت، فحدود المقاطعة في رام الله كانت أضيق من حواري بيروت، وأيام معركة الكرامة صار يفصله عنها تحول المقاتلين إلى موظفين، ورحيل رفاق السلاح، وتربص المستعدين لملء الفراغ وتقديم التنازلات التي عجز عن تقديمها.
ومع كل ذلك، حاول أبو عمار محاولته الأخيرة، لمّا وفر الدعم سرًا لكتائب شهداء الأقصى، وأدان عمليّاتها في العلن، وصولاً إلى واقعة سفينة "كارين إيه"، التي كانت تجاوزاً لقواعد اللعبة ونقلاً للتسليح إلى مستوى مختلف، ففرض عليه الحصار وحيداً ليرى بعينيه تقلص الفكرة من الدولة إلى مبنى المقاطعة.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى D6005c71-ed4f-4c54-af3c-650d3c3c7622الرئيس الراحل ياسر عرفات (يسار الصورة) والرئيس محمود عباس  (وكالة الأنباء الأوروبية)
أراد الأمريكان والإسرائيليون تحجيم ياسر عرفات، وتفتيت صلاحياته بين رجلين: الأول؛ محمود عباس، الذي استُحدث له منصب رئيس الوزراء، والثاني؛ محمد دحلان، الذي استلم وزارة الداخلية. لم ينجح الرجلان في أداء مهمتهما، فليس من السهل تحجيم "الختيار"، الذي استحدث قانون المحافظين، بصلاحيات أمنية ومدنية في المحافظات مع سلطة عليا ترجع إليه مباشرة، مما جعل المؤسسة الأمنية قادرة على ممارسة أدوار خارج إطار الحكومة. حتى إنّ عبّاس قد استقال من منصبه بعد 100 يوم عمل في حكومته، لعدم قدرته على تطبيق ما جاء من أجله.
بعد ذلك، جلس شارون قرب وزير دفاعه شاؤول موفاز، أتعمدا ترك الميكروفون مفتوحاً أم نسياه أمام الشاشات؟ لا يهم، المهم أنهما اتفقا بصوت واضح: "سنُطيّر أبا عمار". فانتظره سمُّ البولونيوم في مكان ما، وتسلل إلى جسده، لنشاهده لأول مرة يخلع بزته العسكرية ويرتدي ثياب المرض إلى ساعة رحيله.
ما بعد الانتفاضة الثانية
دعت الإدارة الأميركية الشعب الفلسطيني لانتخاب "زعماء جدد لا يشينهم الإرهاب"، وشكلت خارطة الطريق (2003) أساساً للمستقبل، واضعة وعداً بالتسوية بحلول عام 2005. شكّلت انتخابات عام 2006 تصويتاً على عودة "مسار الدولة" مجدداً كخيار "عقلاني" وحيد لممارسة السياسة، والسؤال القديم الجديد عاد وقتها: "هل يمكن الجمع بين الحكومة والمقاومة؟ في إرث قديم من العيش بين المتناقضات.
منحت فصائل المقاومة أبا مازن الهدوء الذي يريده، فانطلق في مشروعه لتصفيتها. تصدّت له المقاومة في غزة عام 2007 بحكم انسحاب الإسرائيليين من القطاع، مما أتاح لها لاحقاً تطوير مشروعها المقاوم، فيما لم تنجح في تكرار الحسم في الضفة بسبب تواجد الإسرائيليين فيها، وهذه باختصار حكاية تشكل المسارين المختلفين لغزة والضفة.
مع قدوم أبو مازن للحكم عام 2005، كانت الانتفاضة الثانيّة تلفظ أنفاسّها الأخيرة. رفَعَ شعارَ "القضاء على عسكرة الانتفاضة"، وتعهد بذلك في أوراق اعتماده الجديدة أمام المجلس التشريعي. كانت أجيالُ الانتفاضة المؤسِسَة قد رحلت بين شهيد وأسير إثر اجتياح "السّور الواقي"، ومن تبقى من المطاردين، فتح لهم أبو مازن بابًا وصيّرهم جنودًا في أجهزته الأمنيّة، أما من رفض استبدال الوظيفة الأمنية بالنضال فقد جرى اغتياله أو اعتقاله، تماماً كما جرى ويجري اليوم مع المجموعات المسلحة في الضفة، أمثال "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" و"كتيبة طولكرم".
استُقدم الجنرال الأمريكي كيث دايتون لإعادة بناء الأجهزة الأمنية من جديد، فالطريقة التي انفلتت فيها في الانتفاضة الثانية لم تعجب رعاة مسار "الدولة". "ما فعلناه هو بناء رجال جدد"؛ صرح دايتون مزهواً أثناء خطابه في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" عام 2009، ومعه ولد مصطلح "الفلسطيني الجديد". نقل دايتون كلمات ضابط فلسطيني كبير، في حفل تخريج الدفعة الأمنية التي تدربت تحت إشرافه: "لستم هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل"! قال الضابط الفلسطيني الجديد، فعقب دايتون فخوراً: "سألني ضبّاطٌ في الجيش الإسرائيلي: كم من هؤلاء الرجال الجدد تستطيع أن تصنع؟".
وفي ميزانية السلطة الفلسطينية السنوية لعام 2016، والتي بلغت 4.25 مليارات دولار، حظي قطاع الأمن لوحدة بما نسبته 28% من الموازنة، حيث يستلم 64 ألف موظف عسكري 3.9 مليار شيكل من إجمالي فاتورة الرواتب، وهو ما يعادل ميزانيات الصحة والزراعة والتعليم مجتمعة. بعد الانتفاضة الثانية  شكّل الأمن جوهر مهمة السلطة، فيما تخففت لاحقاً من باقي المهام.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%B1%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%B2%D8%A9-copy-1709540473
استعان عبّاس بسلام فيّاض لإتمام "الإصلاح الاقتصاديّ" المُشابه "للإصلاح الأمنيّ". والذي كان يعني "تنظيف" النظام الماليّ من أي وسيلة يمكن فيها للمال أن يفيد المقاومة. سيطروا على طرق تحويل الأموال وجمع التبرعات والمؤسسات الخيريّة ولجان الزكاة، وسلّطوا البنوك على الناس تنهشهم فارتفعت نسبة القروض الممنوحة خلال الفترة بين عامي 2007 و2017 بنسبة أكثر من 460%. وكان الإحساس الوهمي بالرفاه مترافقاً بالإحساس الوهمي في الاقتراب من الدولة.
لقد جرى تصوير مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية على أنها مرحلة بناء الدولة، بل وعد سلام فياض أنها ستحدث خلال سنتين. وسلام فياض هو واحد من الأسماء التي ورد اسمها مجدداً لتولي إدارة قطاع غزة في مرحلة "ما بعد حماس" المتخيلة بعد طوفان الأقصى، على الرغم من أنه لم ينجح وقتها رغم كل الدعاية المهولة التي رافقته، فقد أطلقت عليه ألقاب كثيرة، منها: "مارشال الفلسطيني"، كما وصفته إحدى الصحف الغربية وقتها، وقال عنه الصحفي البريطاني روجر كوهين: أهم ظاهرة في الشرق الأوسط، أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس المعروف بمبالغته فوصفه بـ "بن غوريون الفلسطيني". لم يحرز فيّاض أكثر من 1.20% من مجموع الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي لعام 2006، ولكن هذه النسبة لا تعني شيئًا مادام الرجل هو "الأكثر قدرة على التحدث بلغتتنا" كما وصفه داني أيالون، السفير السابق لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة.
في نهاية مرحلة "الإصلاح الأمني والاقتصادي" التي أشرف عليها محمود عباس، [url=https://www.aljazeera.net/politics/longform/2024/3/26/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1 %D9%83%D8%A7%D8%B1%D8%AB%D9%8A%D9%91%D8%A9 %D8%B9%D9%84%D9%89 %D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF %D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%91]أجري استطلاع[/url] رأي في مستوطنات الضفة حول سبب تفضيل المستوطنين السكن في المستوطنات، فجاءت النتيجة بـ 70٪ من سكان المستوطنات يختارونها لأغراض الرفاه، وهذا بالضبط ما يعنيه جوهر وجود السّلطة اليوم؛ أن تؤمّن الرفاه لدولة المستوطنين المحيطة بها، وهو عكس ما كانوا يزعمون.


ما تبقى لنا: واقع الضفة بعيداً عن الرموز



اقتباس :
واقع الضفة اليوم يحكي بشكل واضح عن استحالة إقامة دولة مستقلة، فلقد جرى ربط كل شيء جغرافيا وحياتيا بــ "إسرائيل".


الجغرافيا
تسيطر "إسرائيل" على 60% من الضفّة عسكريّاً، وهي المنطقة التي تُعرف بمنطقة "ج". فيما تُشكِّلُ المنطقتان "أ" و"ب" نحو 40% من مساحة الضّفة الغربيّة، ويُفترض رسميّاً أنّها تحت حكم السّلطة الفلسطينيّة بشكلٍ جزئيّ ومتفاوت. نحن نتحدث عن 165 قطعةٍ جغرافيّة مكتظّة ومخنوقة وممنوعة عن التوسّع والتواصل. أما شوارع المستوطنين فيبلغ طولها 49 كيلومتراً، تشمل 43 نفقاً وممرّاً تحت أرضيّ، وهي تأكل باستمرار من مساحة الضفة، ومحظورة غلى الفلسطينيين الذين يسلكون حولاها الطرق الالتفافية باستمرار، وهي طرق يتراوح طولها بين ضعفيّن وخمسة أضعاف من طول الطرق المباشرة.
المستوطنون
بحسب تقرير "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، فقد تجاوز عدد المستوطنين في الضفّة الغربيّة الـ 720 ألفاً (بما يشمل شرق القدس)، موزّعين على أكثر من 170 مستوطنةً وأكثر من 180 بؤرةً استيطانيّة، عدا عن آلاف الوحدات الاستيطانيّة التي تُصادِقُ عليها حكومة الاحتلال باستمرار، فيما بلغ عدد المواقع الاستيطانيّة والقواعد العسكريّة الإسرائيليّة في الضّفة الغربيّة 435 موقعاً مع نهاية عام 2017. بُنيت كذلك عشرات المستوطنات لتشكّل طوقاً لحماية القدس ولمنع أيّ تواصلٍ جغرافيٍّ وبشريٍّ بين مدن جنوب القدس (بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والخليل وحلحول) وشمالها (رام الله والبيرة وقراها)، وهي المستوطنات المعروفة بما يُسمّى "القدس الكبرى". أضف إلى هذا كله عمليات المصادرة والتهجير المستمر في مناطق الأرياف والأغوار والتجمعات البدوية وغيرها.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-copy-1709540482
يستعد المستوطنون باستمرار ليوم الحسم في الضفة الغربية، مدعومين بتيار سياسي يرى في الضفة الغربية استمراراً للمشروع الصهيوني أرض "يهودا والسامرا". فخلال عام 2023، أصدر بن غفير نحو 38 ألف رخصة سلاح جديدة. وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تضاعفت طلبات المستوطنين لرخص امتلاك السلاح، حيث يقدّم يوميًا من 8 إلى 10 آلاف طلب. فيما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرس تسليح عناصر أمن المستوطنات في الضفة الغربية، بصواريخ مضادة للدروع.
العمال
لقد قامت دولةُ المستوطنين في الضفّة، وهم على مقربة من إعلانها بشكل رسمي، وإتمام تهجير أكبر قدر من الناس في مناطق (ج، ب)، ويتكدّس الفلسطينيون على هامشها في أحزمةِ فقرٍ مكتظّة، يجري تحويلهم -بعد ضرب مقومات صمودهم- إلى أيدي عاملة رخيصة عند دولة المستوطنين.
وقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة الارتفاع الأكبر والأسرع في أعداد العمّال الذين يعملون لدى الاحتلال الإسرائيلي؛ كان في الربع الأول من العام 2022 أكثر من 173 ألف عامل يعملون في أراضي الـ48، إضافةً إلى 31 ألفاً يعملون في مستوطنات الضفّة، وهم يُشكّلون أكثر من 18% من إجمالي العمالة الفلسطينيّة في الضفّة وغزّة (إذا ما أخذنا أرقام الضفّة وحدها فإنّ نسبتهم من مجمل العمالة حوالي 25%). وهو الملف نفسه الذي تستخدمه "إسرائيل" اليوم لمعاقبة السكان ثم ضبطهم أمنياً في الضفة الغربية.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:11 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:47 am

الانتفاضة الثانية: لحظة اكتشاف الانغلاق

في مطلع الألفية الجديدة، كان ياسر عرفات (أبوعمار) وإيهود باراك يبتسمان أمام مسار مغلق في كامب ديفيد. مرّ في ذهن الأول تاريخ الرحلة كله، حاملاً داخله خيبة أمل كبيرة، مدركاً أن مسار الحكم الذاتي لم يكن سوى فخ، وأن مسار الدولة لم يكن سوى مسار التوقيع على الهزيمة، ولكنها هزيمة على مراحل ودفعات، حتى يمكن لكبريائه النضالي أن يبتلعها.

وقف أبو عمار حينها على آخر مفترق طرق عُرض عليه، وأغرته بزته العسكرية التي لم يخلعها بعد، إذ ظنّ أنه يستطيع التلويح بالقوة لتحسين شروط التفاوض، لكن القوة التي يدرك حدودها لم تعد مخيفة، والأشياء لم تعد كما كانت، فحدود المقاطعة في رام الله كانت أضيق من حواري بيروت، وأيام معركة الكرامة صار يفصله عنها تحول المقاتلين إلى موظفين، ورحيل رفاق السلاح، وتربص المستعدين لملء الفراغ وتقديم التنازلات التي عجز عن تقديمها.

ومع كل ذلك، حاول أبو عمار محاولته الأخيرة، لمّا وفر الدعم سرًا لكتائب شهداء الأقصى، وأدان عمليّاتها في العلن، وصولاً إلى واقعة سفينة "كارين إيه"، التي كانت تجاوزاً لقواعد اللعبة ونقلاً للتسليح إلى مستوى مختلف، ففرض عليه الحصار وحيداً ليرى بعينيه تقلص الفكرة من الدولة إلى مبنى المقاطعة.
أراد الأمريكان والإسرائيليون تحجيم ياسر عرفات، وتفتيت صلاحياته بين رجلين: الأول؛ محمود عباس، الذي استُحدث له منصب رئيس الوزراء، والثاني؛ محمد دحلان، الذي استلم وزارة الداخلية. لم ينجح الرجلان في أداء مهمتهما، فليس من السهل تحجيم "الختيار"، الذي استحدث قانون المحافظين، بصلاحيات أمنية ومدنية في المحافظات مع سلطة عليا ترجع إليه مباشرة، مما جعل المؤسسة الأمنية قادرة على ممارسة أدوار خارج إطار الحكومة. حتى إنّ عبّاس قد استقال من منصبه بعد 100 يوم عمل في حكومته، لعدم قدرته على تطبيق ما جاء من أجله.

بعد ذلك، جلس شارون قرب وزير دفاعه شاؤول موفاز، أتعمدا ترك الميكروفون مفتوحاً أم نسياه أمام الشاشات؟ لا يهم، المهم أنهما اتفقا بصوت واضح: "سنُطيّر أبا عمار". فانتظره سمُّ البولونيوم في مكان ما، وتسلل إلى جسده، لنشاهده لأول مرة يخلع بزته العسكرية ويرتدي ثياب المرض إلى ساعة رحيله.

ما بعد الانتفاضة الثانية

دعت الإدارة الأميركية الشعب الفلسطيني لانتخاب "زعماء جدد لا يشينهم الإرهاب"، وشكلت خارطة الطريق (2003) أساساً للمستقبل، واضعة وعداً بالتسوية بحلول عام 2005. شكّلت انتخابات عام 2006 تصويتاً على عودة "مسار الدولة" مجدداً كخيار "عقلاني" وحيد لممارسة السياسة، والسؤال القديم الجديد عاد وقتها: "هل يمكن الجمع بين الحكومة والمقاومة؟ في إرث قديم من العيش بين المتناقضات.

منحت فصائل المقاومة أبا مازن الهدوء الذي يريده، فانطلق في مشروعه لتصفيتها. تصدّت له المقاومة في غزة عام 2007 بحكم انسحاب الإسرائيليين من القطاع، مما أتاح لها لاحقاً تطوير مشروعها المقاوم، فيما لم تنجح في تكرار الحسم في الضفة بسبب تواجد الإسرائيليين فيها، وهذه باختصار حكاية تشكل المسارين المختلفين لغزة والضفة.

مع قدوم أبو مازن للحكم عام 2005، كانت الانتفاضة الثانيّة تلفظ أنفاسّها الأخيرة. رفَعَ شعارَ "القضاء على عسكرة الانتفاضة"، وتعهد بذلك في أوراق اعتماده الجديدة أمام المجلس التشريعي. كانت أجيالُ الانتفاضة المؤسِسَة قد رحلت بين شهيد وأسير إثر اجتياح "السّور الواقي"، ومن تبقى من المطاردين، فتح لهم أبو مازن بابًا وصيّرهم جنودًا في أجهزته الأمنيّة، أما من رفض استبدال الوظيفة الأمنية بالنضال فقد جرى اغتياله أو اعتقاله، تماماً كما جرى ويجري اليوم مع المجموعات المسلحة في الضفة، أمثال "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" و"كتيبة طولكرم".

استُقدم الجنرال الأمريكي كيث دايتون لإعادة بناء الأجهزة الأمنية من جديد، فالطريقة التي انفلتت فيها في الانتفاضة الثانية لم تعجب رعاة مسار "الدولة". "ما فعلناه هو بناء رجال جدد"؛ صرح دايتون مزهواً أثناء خطابه في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط" عام 2009، ومعه ولد مصطلح "الفلسطيني الجديد". نقل دايتون كلمات ضابط فلسطيني كبير، في حفل تخريج الدفعة الأمنية التي تدربت تحت إشرافه: "لستم هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل"! قال الضابط الفلسطيني الجديد، فعقب دايتون فخوراً: "سألني ضبّاطٌ في الجيش الإسرائيلي: كم من هؤلاء الرجال الجدد تستطيع أن تصنع؟".

وفي ميزانية السلطة الفلسطينية السنوية لعام 2016، والتي بلغت 4.25 مليارات دولار، حظي قطاع الأمن لوحدة بما نسبته 28% من الموازنة، حيث يستلم 64 ألف موظف عسكري 3.9 مليار شيكل من إجمالي فاتورة الرواتب، وهو ما يعادل ميزانيات الصحة والزراعة والتعليم مجتمعة. بعد الانتفاضة الثانية  شكّل الأمن جوهر مهمة السلطة، فيما تخففت لاحقاً من باقي المهام.

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%B1%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%B2%D8%A9-copy-1709540473

استعان عبّاس بسلام فيّاض لإتمام "الإصلاح الاقتصاديّ" المُشابه "للإصلاح الأمنيّ". والذي كان يعني "تنظيف" النظام الماليّ من أي وسيلة يمكن فيها للمال أن يفيد المقاومة. سيطروا على طرق تحويل الأموال وجمع التبرعات والمؤسسات الخيريّة ولجان الزكاة، وسلّطوا البنوك على الناس تنهشهم فارتفعت نسبة القروض الممنوحة خلال الفترة بين عامي 2007 و2017 بنسبة أكثر من 460%. وكان الإحساس الوهمي بالرفاه مترافقاً بالإحساس الوهمي في الاقتراب من الدولة.

لقد جرى تصوير مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية على أنها مرحلة بناء الدولة، بل وعد سلام فياض أنها ستحدث خلال سنتين. وسلام فياض هو واحد من الأسماء التي ورد اسمها مجدداً لتولي إدارة قطاع غزة في مرحلة "ما بعد حماس" المتخيلة بعد طوفان الأقصى، على الرغم من أنه لم ينجح وقتها رغم كل الدعاية المهولة التي رافقته، فقد أطلقت عليه ألقاب كثيرة، منها: "مارشال الفلسطيني"، كما وصفته إحدى الصحف الغربية وقتها، وقال عنه الصحفي البريطاني روجر كوهين: أهم ظاهرة في الشرق الأوسط، أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس المعروف بمبالغته فوصفه بـ "بن غوريون الفلسطيني". لم يحرز فيّاض أكثر من 1.20% من مجموع الأصوات في انتخابات المجلس التشريعي لعام 2006، ولكن هذه النسبة لا تعني شيئًا مادام الرجل هو "الأكثر قدرة على التحدث بلغتتنا" كما وصفه داني أيالون، السفير السابق لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة.



في نهاية مرحلة "الإصلاح الأمني والاقتصادي" 
التي أشرف عليها محمود عباس، أجري استطلاع رأي في مستوطنات الضفة حول سبب تفضيل المستوطنين السكن في المستوطنات، فجاءت النتيجة بـ 70٪ من سكان المستوطنات يختارونها لأغراض الرفاه، وهذا بالضبط ما يعنيه جوهر وجود السّلطة اليوم؛ أن تؤمّن الرفاه لدولة المستوطنين المحيطة بها، وهو عكس ما كانوا يزعمون.

ما تبقى لنا: واقع الضفة بعيداً عن الرموز


اقتباس :
واقع الضفة اليوم يحكي بشكل واضح عن استحالة إقامة دولة مستقلة، فلقد جرى ربط كل شيء جغرافيا وحياتيا بــ "إسرائيل".

الجغرافيا

تسيطر "إسرائيل" على 60% من الضفّة عسكريّاً، وهي المنطقة التي تُعرف بمنطقة "ج". فيما تُشكِّلُ المنطقتان "أ" و"ب" نحو 40% من مساحة الضّفة الغربيّة، ويُفترض رسميّاً أنّها تحت حكم السّلطة الفلسطينيّة بشكلٍ جزئيّ ومتفاوت. نحن نتحدث عن 165 قطعةٍ جغرافيّة مكتظّة ومخنوقة وممنوعة عن التوسّع والتواصل. أما شوارع المستوطنين فيبلغ طولها 49 كيلومتراً، تشمل 43 نفقاً وممرّاً تحت أرضيّ، وهي تأكل باستمرار من مساحة الضفة، ومحظورة غلى الفلسطينيين الذين يسلكون حولاها الطرق الالتفافية باستمرار، وهي طرق يتراوح طولها بين ضعفيّن وخمسة أضعاف من طول الطرق المباشرة.

المستوطنون

بحسب تقرير "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، فقد تجاوز عدد المستوطنين في الضفّة الغربيّة الـ 720 ألفاً (بما يشمل شرق القدس)، موزّعين على أكثر من 170 مستوطنةً وأكثر من 180 بؤرةً استيطانيّة، عدا عن آلاف الوحدات الاستيطانيّة التي تُصادِقُ عليها حكومة الاحتلال باستمرار، فيما بلغ عدد المواقع الاستيطانيّة والقواعد العسكريّة الإسرائيليّة في الضّفة الغربيّة 435 موقعاً مع نهاية عام 2017. بُنيت كذلك عشرات المستوطنات لتشكّل طوقاً لحماية القدس ولمنع أيّ تواصلٍ جغرافيٍّ وبشريٍّ بين مدن جنوب القدس (بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والخليل وحلحول) وشمالها (رام الله والبيرة وقراها)، وهي المستوطنات المعروفة بما يُسمّى "القدس الكبرى". أضف إلى هذا كله عمليات المصادرة والتهجير المستمر في مناطق الأرياف والأغوار والتجمعات البدوية وغيرها.

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-copy-1709540482

يستعد المستوطنون باستمرار ليوم الحسم في الضفة الغربية، مدعومين بتيار سياسي يرى في الضفة الغربية استمراراً للمشروع الصهيوني أرض "يهودا والسامرا". فخلال عام 2023، أصدر بن غفير نحو 38 ألف رخصة سلاح جديدة. وبعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تضاعفت طلبات المستوطنين لرخص امتلاك السلاح، حيث يقدّم يوميًا من 8 إلى 10 آلاف طلب. فيما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يدرس تسليح عناصر أمن المستوطنات في الضفة الغربية، بصواريخ مضادة للدروع.

العمال

لقد قامت دولةُ المستوطنين في الضفّة، وهم على مقربة من إعلانها بشكل رسمي، وإتمام تهجير أكبر قدر من الناس في مناطق (ج، ب)، ويتكدّس الفلسطينيون على هامشها في أحزمةِ فقرٍ مكتظّة، يجري تحويلهم -بعد ضرب مقومات صمودهم- إلى أيدي عاملة رخيصة عند دولة المستوطنين.

وقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة الارتفاع الأكبر والأسرع في أعداد العمّال الذين يعملون لدى الاحتلال الإسرائيلي؛ كان في الربع الأول من العام 2022 أكثر من 173 ألف عامل يعملون في أراضي الـ48، إضافةً إلى 31 ألفاً يعملون في مستوطنات الضفّة، وهم يُشكّلون أكثر من 18% من إجمالي العمالة الفلسطينيّة في الضفّة وغزّة (إذا ما أخذنا أرقام الضفّة وحدها فإنّ نسبتهم من مجمل العمالة حوالي 25%). وهو الملف نفسه الذي تستخدمه "إسرائيل" اليوم لمعاقبة السكان ثم ضبطهم أمنياً في الضفة الغربية.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:15 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:51 am

مآلات السلطة
تخلّت السلطة عن مكونها السياسي، وانخرطت نخبتُها في شبكةٍ واسعةٍ من الفساد والمصالح، ولم يتبق من دورها إلا الشق الأمني، فقد أصبح الحاكم الفعلي للضفة ضابطُ الجيش الإسرائيلي المسمّى بـ "المنسّق"، في حالة تشبه مرحلة روابط القرى. والشأن المدنيّ أيضاً مندرجٌ تحت إطاره الأمني ومحكوم به، يعمل كأداةً أمنيّةً لإدارةِ السكان، بما فيها مسائلِ العلاج والتراخيص والتصاريح والإعفاءات وأذونات السفر وما إليها. ولذلك فإن الشخصين اللذين يتهيآن لوراثة أبو مازن يُعبّران تماماً عن هذه الخلاصة: حسين الشيخ؛ منسِّق الإدارة المدنيّة والمُنَفِّذ لخُطَط المنسق، وماجد فرج؛ منسِّق الإدارة الأمنيّة.
الطوفان: أفق جديد
إن تاريخ المواجهات بيننا وبين "إسرائيل" تحكمه قواعد اشتباك بحكم موازين القوى غير المتكافئ، وتبعاً لذلك كان المخيال السياسي يضيق ليحاول تحصيل شيء من الواقعي الذي أمامه، مما جعل الواقعي يستمر في التقلص، وتستمر "إسرائيل" في التمدد على حسابنا، وقد أخذنا اللهاث خلف "مسار الدولة" إلى خسارة قضايانا الأساسية كلها.
قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت القضية الفلسطينية على وشك الاندثار، لكن الطوفان قفز بها إلى الأمام، ومازالت اللغة السياسة المنوط بها التعبير عن هذا الحدث لم تولد بعد. إن وضع هذا الإنجاز مجدداً في إطار "مسار الدولة" سيطيح بكثافته، وسنجد أنفسنا مجدداً أمام صيرورة طويلة من التفاوض على التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، فيما "إسرائيل" لا تعبأ بالمعاهدات والوثائق، وتستمر في خلق حقائقها على الأرض.
الطوفان هو تذكير بأن المهمة  الأساسية هي "تحرير فلسطين"، بعد أن تراكم فوقها غبار اللغة "الواقعية" للسياسة، والتي أثبتت الوقائع عدم واقعيتها.



في انتظار النعي: كيف تبدو خريطة النفوذ في السلطة؟


سعد الوحيدي
بعد أن انطلق طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عاد السؤال عن دور السلطة الوطنية الفلسطينية وحضورها في المشهد الفلسطيني بقوة، وهي التي كانت قبله تضع آخر وردة على قبر هذا الجسم السياسي، وتستحيل إلى مجرّد سلطة بلا سلطة حقيقية، تدير بلديّة كبرى تدعى الضفّة الغربية، في مناطق "أ" و"ب" منها فقط، وتكتفي بدور أمني في حماية أمن إسرائيل ومستوطناتها، بلا أي هدى سياسي.
ولكن، ما إن مرّ نحو شهرين على الطوفان، حتى بدا أن للسلطة متحدّثين باسم "مشروعها السياسي"، فأصبح الفلسطينيون يرون وجوهًا تصرّح، أبرزهم: حسين الشيخ، ومحمد اشتية، وجبريل الرجوب. وقد أعاد هذا الحضور لمثل هذه الشخصيات، والغياب الواضح للرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبي مازن) الذي لم يخاطب شعبه مرّة واحدة، السؤال حول: من يخلُف أبي مازن؟
آخر الملوك
منذ توليه منصب الرئاسة عام 2005، أحكم محمود عباس قبضته على مراكز القوى الفلسطينية، بتوليه إلى جانب منصب رئيس السلطة ، رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتشكل هذه الثلاثية، عقدة في إرث الرجل الذي بلغ عمره 88 عامًا، ومحورًا لصراعات مرتقبة داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية خصوصًا، ثم في المشهد السياسي الفلسطيني عمومًا.
ورغم تعدد التكهنات والتوقعات حول الشخصية التي سترث محمود عباس عقب رحيله، فإن ما يُطرح من نقاشات حول مرحلة "ما بعد عباس" قد يميل إلى أنه لن يستطيع أيٌّ من المرشحين منفردًا ملء هذا الفراغ وإحكام قبضته بشكل مطلق على السلطات الثلاث، وإلى أن تركة الرجل ستتوزع بين الورثة في السلطة وفتح بالدرجة الأولى، وستخضع لموازين القوى والتحالفات وقدرة كل تيار داخل فتح على انتزاع المكاسب الكبرى.
بالطبع، فإن هذه النقاشات تجري بعيدًا عن حدوث أيّ انتخابات، وهي الحق الذي حرم عباس منه الفلسطينيين قرابة 20 عامًا، بعد دخول المشهد الفلسطيني -بعد عامين على توليه الرئاسة- نفق ما اصطلح على تسميته "سنوات الانقسام"، التي رافقها تفرد مطلق بالسلطة، وإقصاء لكل الخصوم والمنافسين المتوقعين، والاستئثار إلى جانب السلطة والمال بقرار إجراء الانتخابات، التي كانت قاب قوسين أو أدنى عام 2021، قبل أن يصدر محمود عباس قرارًا بإلغائها تحت ذريعة "التأجيل لرفض الاحتلال إجراءها في القدس".
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%8A-copy-1709723901
بعد 19 عامًا متواصلة في الحكم، واقتراب عمره من تسعين عامًا، والأحاديث التي تتردد سنويًّا عن حالته الصحية، والإشاعات الموسمية عن تدهورها، والرواية الرسمية المضادة بوصف ذلك كل مرة بأنه "فحوص روتينية"، وظهوره الرسمي بعدها في لقاءات أو مؤتمرات أو أحاديث إعلامية، أصبحت سيناريوهات ما بعد عباس، واستقراء المشهد الفلسطيني خلالها، الشغل الشاغل لتقارير دولية ومراكز أبحاث حول العالم، بالنظر إلى الصراع المحموم بين أركان السلطة وحركة فتح على التسابق لانتزاع مكاسب سياسية وتنظيمية، تزيد فرص تقدمهم نحو هذه المرحلة التي لا يجري نقاشها بشكل علني في صفوف حركة فتح أو السلطة الفلسطينية.
ماذا سيحدث في اليوم التالي؟
في فبراير/شباط 2023، أصدرت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل تقريرًا حول "معركة خلافة عباس"، وضعت فيها ثلاثة سيناريوهات حول مآلات المشهد الفلسطيني في اليوم التالي لرحيل عباس عن الحكم، مشيرة إلى أن هذه المعركة قد تفضي في أسوأ حالاتها إلى "انهيار السلطة الفلسطينية بالكامل".
السيناريو الأول هو إجراء انتخابات رئاسية فلسطينية على أسس قانونية، وهو وإن كان السيناريو الأفضل، فإنه الاحتمال الأضعف بالنظر إلى عدم وجود أي آفاق لإجراء هذه الانتخابات، سواء على صعيد الترتيبات الداخلية في حركة فتح أو على صعيد التوافق مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية. هذا فضلًا، عن احتمال أن يلغي أبو مازن الانتخابات بشكل فجائي، إذ يتخوّف من خسارة جديدة لحركة فتح في ظل تراجع شعبيتها وصعود أسهم غريمها السياسي حركة حماس.
أما السيناريو الثاني وفقًا لتقرير المركز، فهو أن يلجأ عباس لاختيار خليفة له وهو على رأس السلطة، أو إسناد المهمة لحركة فتح، وهو ما وُصف بـ"الاختيار الذي قد يحقق استقرارًا نسبيًّا في مرحلة انتقالية". وهنا تتفاوت الترجيحات والتكهنات بين لجوء عباس لاستحداث منصب نائب الرئيس، أو اختيار شخصية من المحكمة الدستورية أو حركة فتح لتولي المنصب، في ظل استبعاد خيار تولي رئيس المجلس التشريعي لمنصب الرئيس الانتقالي، بعد قرار محمود عباس عام 2018 حلّ المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهي الخطوة التي وصفتها حركة حماس آنذاك بأنها "تفتقد لأي قيمة دستورية أو قانونية".
وأما السيناريو الثالث الذي قدمه التقرير، فهو فوضى شاملة تضرب الضفة الغربية، واشتعال مواجهة دامية بين أقطاب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، تقودها المجموعات المسلحة الموالية لعدد من قادة الصف الأول في السلطة أو التنظيم، بعد سيطرتها على مناطق مختلفة في الضفة، وهو ما سيقود إلى أزمة سياسية وأمنية كبيرة، قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية.
يغذي هذا السيناريو، سلسلة ممتدة من المداهمات التي شنتها أجهز السلطة الأمنية ضد مجموعات مسلحة في الضفة الغربية، واتهامها بالولاء للقيادي المفصول محمد دحلان في شمال الضفة ومخيماتها، وأخرى محسوبة على رئيس جهاز المخابرات السابق توفيق الطيراوي.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، كشفت مصادر فلسطينية وإسرائيلية عن اعتقال مجموعة مسلحة من حركة فتح، كانت تخطط لاغتيال ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، وقالت إن المجموعة التي عُثر بحوزتها على أسلحة ومتفجرات يقودها أسرى محررون من حركة فتح على ارتباط بتوفيق الطيراوي، وهي الخطوة التي ربطتها جهات مختلفة بالصراع على خلافة محمود عباس، وقد ذكرت مصادر أن الرئيس تلقى معلومات كاملة عن الحادثة دون أن يتخذ وقتها أي إجراء مباشر تجاه الطيراوي.
سحق المرشحين للخلافة
بإحكامه قبضته على ثلاثية السلطة والمنظمة وحركة فتح، نسف محمود عباس على مدار سنوات أي فرص وحظوظ لصعود خلفاء له في هذه المحاور الثلاثة، ورغم عقد حركة فتح مؤتمرين لها عام 2009 وعام 2016، وتصعيد عدد من قيادات الحركة إلى الصفوف الأولى، ظلت فرص الجميع غائبة عن إحداث منافسة فارقة حتى الآن.
يقول غيث العمري، المستشار السابق لمحمود عباس، في لقاء له مع فرانس 24: "عمل الرئيس عباس والمقربون منه على تشويه صورة وسلطة أي قيادي يبرز في الساحة"، مشيرًا إلى أن محمود عباس ذاته كان أحد ثلاثة مرشحين بارزين لخلافة عرفات، أما اليوم فتنعدم إمكانية ترجيح مرشح على آخر في خلافة عباس.
خلال السنوات الماضية، عمل محمود عباس على إقصاء القيادي السابق في حركة فتح ومستشار الأمن القومي محمد دحلان، الذي فُصل من حركة فتح وعضوية لجنتها المركزية وانتقل للاستقرار في الإمارات، وواصلت الأجهزة الأمنية في الضفة ملاحقة المرتبطين به من قيادات وعناصر في الحركة.
كما طال الاستهداف ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وممثل فلسطين السابق في الأمم المتحدة، الذي فُصل من حركة فتح في مارس/آذار 2021، بعد سعيه لطرح قائمة مرشحين للمجلس التشريعي مستقلة عن حركة فتح، لخوض الانتخابات التي كان مزمعًا عقدها في مايو/أيار من العام نفسه ثم أُلغيت بقرار من الرئيس عباس.
قادة آخرون من حركة فتح، شملهم الاستهداف بتحجيم نفوذهم، منهم توفيق الطيراوي، الذي أقيل بمرسوم رئاسي في أغسطس/آب 2022 من رئاسة مجلس أمناء كلية الاستقلال الأمنية والعسكرية، كما تم سحب الحراسات الشخصية عنه بعد أيام فقط من تسريب تسجيل صوتي له يهاجم فيه حسين الشيخ.
وفي أغسطس/آب 2023، أصدر الرئيس الفلسطيني مرسومًا بإقالة 12 محافظًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، في خطوة وصفت بأن المستهدف منها جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وتوفيق الطيراوي، اللذان يمتلكان نفوذًا واسعًا في صفوف المحافظين.
وفُسر الاستهداف بكون عدد من المحافظين، هم من الضباط السابقين في جهاز الأمن الوقائي الذي كان يرأسه الرجوب، ومنهم أكرم الرجوب وإبراهيم رمضان وجبرين البكري وغيرهم. وقد جاءت الخطوة بعد تقارير تسلمها عباس عن تقاعس هؤلاء المحافظين في التصدي لانتشار المجموعات المسلحة في الضفة الغربية.
ورغم تشكيل أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، الحلقة الضيقة اللصيقة برئيس السلطة محمود عباس، وهيمنتهما على صنع القرار في المقاطعة، ومرافقتهما الدائمة للرئيس في جولاته الخارجية واجتماعاته الداخلية، وتحكمهما في القرارات الصادرة عنه، وتسخيرها لتعزيز حضورهما ونفوذهما، يرى مراقبون أن بقاءهما في موقع القيادة رهين بمزاج عباس المتقلب.
يقول ناصر القدوة في مقابلة صحفية عن حسين الشيخ، إن الرئيس الفلسطيني "يمكن أن يتخلص منه بسهولة إذا لم يكن محبوبًا"، مضيفًا "إذا غيّر أبو مازن موقفه غدًا، فسينتهي الشيخ".
من سيرث المقاطعة؟
يوجد على المشهد السياسي الفلسطيني عدّة أسماء بارزة لخلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، وفي انتزاع تمثيل حركة فتح عند إجرائها انتخابات. وتتفاوت حظوظ هذه الأسماء، مع عدم امتلاك أيّ شخصية منها كافة مفاتيح القوة شعبيًّا وسياسيًّا لانتزاع المنصب أو الهيمنة عليه داخل حركة فتح.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D8%AF%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%A1-copy-1709723896

تبدو السلطة الفلسطينية اليوم، على الهامش تمامًا، لا يلقي أحد لها بالًا، ولا تملك من أمرها شيئًا (ميدجيرني- الجزيرة)


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:17 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:52 am

حسين الشيخ
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 7361-1710840951
تعود أصوله إلى عائلة مهجرة خلال النكبة من قرية دير طريف، وهو سجين سابق في سجون الاحتلال، وأمين سر تنظيم فتح في رام الله خلال سنوات الانتفاضة الثانية. يشغل حاليًّا مناصب وزير الشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الشخصية السياسية الأقرب للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعنوان التواصل والتنسيق المباشر بين السلطة الفلسطينية والاحتلال عبر قيادته "هيئة الشؤون المدنية" المسؤولة عن إصدار بطاقات الـVIP"" وتصاريح الحركة والتنقل والعلاج بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومدن الداخل المحتل، وهو مرتبط بعلاقات واسعة مع قيادات سياسية وعسكرية وأمنية في الاحتلال، ويشكل مع ماجد فرج ثنائيًّا يهيمن على مراكز القرار في رام الله.
برز نجم الشيخ خلال السنوات الأخيرة، وصدّر نفسه سياسيًّا عبر مواظبته على اللقاءات الإعلامية، وحضور جولات الرئيس الداخلية والخارجية، ولقاء الوفود العربية والدولية، والحضور الدائم على منصات التواصل الاجتماعي، ويتبنى بشكل كامل رؤية محمود عباس السياسية على الصعيد الداخلي والعلاقة مع الاحتلال، ولديه إيمان مطلق بفكر التنسيق الأمني وإخماد نواة أي حراك عسكري أو بوادر انتفاضة شعبية ضد الاحتلال.
ومن المهم الإشارة إلى أنه لا يحظى بشعبية واسعة في صفوف القاعدة الجماهيرية لحركة فتح، وهو على خلاف واضح مع باقي التيارات القيادية في الحركة.
جبريل الرجوب
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 7%D9%8661-1710841375
أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية. قضى 17 عامًا في سجون الاحتلال، ويحظى بشعبية واسعة في مدينة الخليل مسقط رأسه، وفي صفوف القاعدة الشعبية لحركة فتح، نظرًا لحضوره الإعلامي وخطابه التنظيمي الشعبوي المتحلل بعض الشيء من تبني رواية السلطة كاملة، لصالح تصدير خطاب حركة فتح ومواقفها.


مروان البرغوثي
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 061-1710842069
أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية خلال سنوات الانتفاضة، وأسير في سجون الاحتلال منذ عام 2004، محكوم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح. يحظى بشعبية واسعة في الشارع الفلسطيني، ولدى القاعدة الشعبية لحركة فتح، ويُنظر إليه على أنه تهديد مرتقب من قبل قيادات السلطة الفلسطينية الحالية، لكونه قد هدد سابقًا بالترشح للانتخابات الرئاسية ودعم قائمة ناصر القدوة في التشريعي.
ترى العديد من الجهات أن مروان البرغوثي قد يكون خيارًا توافقيًّا فلسطينيًّا بين مكونات المشهد الوطني، وأنه يمثل "الحصان الرابح" لحركة فتح، في ظل تراجع شعبية محمود عباس؛ مرشحها الوحيد للانتخابات الرئاسية. فبحسب استطلاع رأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" مؤخرًا، فإن نحو 90% من سكّان الضفّة الغربية وقطاع غزة يطالبون باستقالة عباس من رئاسة السلطة الفلسطينية، ويحلّ مروان البرغوثي في المرتبة الأولى من حيث الشعبية، إذ اختاره 36% خليفة للرئيس عباس.
ولذا، وفي وقت سابق لمعركة "طوفان الأقصى"، قادت زوجة البرغوثي سلسلة زيارات لدول الإقليم للضغط لتسريع الإفراج عنه عام 2021، لكن وقوع الطوفان رفع بشكل ملحوظ حظوظ الإفراج عن البرغوثي ضمن صفقات تبادل الأسرى، التي من المفترض أن تجري ضمن نتائج المعركة.
محمد دحلان
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Im%D9%8461-1710842272
الغريم الأول لمحمود عباس، قائد جهاز الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة، ووزير الشؤون المدنية، ثم عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح في انتخابات عام 2006، ومستشار الأمن القومي السابق. أصدر الرئيس الفلسطيني قرارًا بفصله من مناصبه في السلطة الفلسطينية وحركة فتح وإسقاط حصانته النيابية في المجلس التشريعي، وخضع لمحاكمات غيابية خلال إقامته في الإمارات. أسس تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، ودشن مصالحة مجتمعية مع حركة حماس مكنته من العمل بأريحية في قطاع غزة. وله حضور في مخيمات لبنان والضفة الغربية، كما يكرر في كل ظهور إعلامي له رفضه تولي أي منصب رسمي فلسطيني.
أثار اسم محمد دحلان أزمة فلسطينية أمريكية عام 2020، حينما قال السفير الأمريكي في "إسرائيل"، ديفيد فريدمان، إنه الاسم المطروح أمريكيًّا بديلًا لمحمود عباس، وهو التصريح الذي قيل في حينه إنه جاء "خطأ اقتباس من ناشره".
محمد اشتية
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 7361-1710842824
رئيس الوزراء السابق في السلطة الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح. يحمل درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وسبق أن تولّى مناصب وزارية وأكاديمية، كما تولّى سابقًا رئاسة المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، وعضوية الوفد الفلسطيني لمفاوضات مدريد.
لا يحظى محمد اشتية بشعبية واسعة في صفوف قواعد حركة فتح، كما ساهمت سياسات حكومته الاقتصادية والمطبات التي واجهتها سواء في أزمات المقاصة أو تفشي وباء كورونا ومنع دخول العمال إلى الداخل، في تآكل فرص منافسته على منصب الرئاسة. ورغم حظوته لدى الأوروبيين والأمريكيين، فإن نموذج "التكنوقراط" الذي مثّله سلام فياض في رئاسته الحكومة الفلسطينية (2007-2013)، عندما شرع في "الإصلاحات المالية" التي عنت محاصرة مال المقاومة وما يدعمها مُجتمعيًّا، وإغراق الناس بالقروض البنكية، يبقى تدويره من قبل الجهات الدولية الفاعلة في الشأن الفلسطيني احتمالًا أقرب، إذ تُكرّر تلك الجهات من حين إلى آخر مطالبات بـ"إصلاح السلطة الفلسطينية" والحديث خلال حرب طوفان الأقصى عن "السلطة الفلسطينية المتجدّدة".
محمود العالول
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى I%D8%B9%D9%87%D8%B9%D9%87%D8%B961-1710843075
نائب رئيس حركة فتح، وعضو اللجنة المركزية للحركة. تولى سابقًا منصب محافظ مدينة نابلس مسقط رأسه، ويعتبر محمود العالول من القادة العسكريين البارزين في حركة فتح خلال حرب لبنان 1982، والمسؤول عن عملية اختطاف 6 جنود من جيش الاحتلال. لا يفضل الظهور الإعلامي، ويحظى بشعبية وقبول واسعين لدى قواعد حركة فتح، ويوصف بأنه محط إجماع الفرقاء داخل الحركة، كما يمثل الخط الوطني في الحركة والسلطة الفلسطينية، ولا يعرب عن أي طموحات معلنة لتولي منصب رئاسة السلطة الفلسطينية.


توفيق الطيراوي
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Ima361-1710843642توفيق الطيراوي (الجزيرة)
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وأحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة في الضفة الغربية، تولى قيادته لعام واحد بتكليف من أبي مازن قبل أن يُقال منه نتيجة ضغوط أمريكية، لكونه من الرموز المقربة من الرئيس الراحل ياسر عرفات. نُسب إلى الطيراوي تشكيل عدة مجموعات مسلحة تتبع له في الضفة الغربية، استهدفتها بعد ذلك أجهزة السلطة الأمنية، وقد تصدر اسمه قائمة المرشحين لخلافة عباس قبل سنوات، ثم تراجع حضوره نتيجة إقصائه من عدد من المناصب التي تولاها. ويُحسب على التيار المضاد لحسين الشيخ وماجد فرج في قيادة السلطة الفلسطينية، وسبق أن سُرّبت له تسجيلات صوتية يهاجم فيها حسين الشيخ.




المؤتمر الثامن.. حلم الشيخ الذي بدده الطوفان
وسط مساعٍ وترتيبات حثيثة بذلها حسين الشيخ، أقر المجلس الثوري لحركة فتح في أغسطس/آب 2023، عقد المؤتمر الثامن للحركة بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، وذلك بعد مرور 7 أعوام على انعقاد المؤتمر السابع عام 2016، الذي انبثق عنه تعيين محمود العالول نائبًا لقائد حركة فتح.
كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية عن قيام حسين الشيخ آنذاك بتحركات داخلية على صعيد حركة فتح لاستقطاب الولاءات، وسعى للحصول على موافقة إقليمية لينتزع منصب نائب قائد حركة فتح من العالول، وضم ماجد فرج إلى اللجنة المركزية لحركة فتح.
عقد الشيخ خلال عام 2023 مباحثات مع مسؤولين في كيان الاحتلال والأردن، لتقديم نفسه على أنّه الأقدر على ضبط المشهد الأمني والسياسي في الضفة الغربية. وكان خلال شهرين، قد أجرى ثلاث لقاءات بحضور ماجد فرج ومستشار الرئيس عباس مجدي الخالدي، مع السفير السعودي غير المقيم لدى السلطة الفلسطينية بندر السديري، لعرض جهود السلطة في "تهدئة أوضاع الضفة، ودعمها لمشاريع التطبيع السعودي المرتقب مع إسرائيل".
إلى جانب التحرك الإقليمي، سعى حسين الشيخ للتحكم الكامل في مسار المؤتمر الثامن لحركة فتح، عبر مسارين اثنين: الأول؛ استهداف منافسيه داخل الحركة وإضعاف نفوذهم، عبر تمرير قرار رئاسي بإقالة عشرات المحافظين والسفراء والوزراء في حكومة اشتية، وهي الخطوة التي وصفت بأنها استهداف للمقربين من جبريل الرجوب ومحمود العالول واستبدالهم بشخصيات موالية للشيخ.
والمسار الثاني؛ تولي حسين الشيخ ملف الترتيبات اللوجستية لعقد المؤتمر الثامن، وتأمين حضور المدعوين، عبر علاقاته بالجانب الإسرائيلي، وقدرته على استصدار التصاريح اللازمة لهم للقدوم إلى رام الله من قطاع غزة أو ساحات الخارج، والتحكم في طبيعة الشخصيات المدعوة، والسعي لإقصاء الأسرى عبر التذرع بصعوبة مشاركتهم في المؤتمر نتيجة الأوضاع المتوترة في السجون، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لإقصاء مروان البرغوثي من اللجنة المركزية.
كل ما سبق من تخطيطات وترتيبات سعى لها الشيخ حثيثًا في انتظار عقد المؤتمر الثامن الذي راهن عليه مليًّا لانتزاع موقع متقدم في قيادة الحركة، جاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبدده قبل شهرين من الموعد المقرر لانعقاد المؤتمر الذي ذهب أدراج الرياح، في انتظار ما ستؤول إليه معركة طوفان الأقصى.
في انتظار "اليوم التالي"
ثبت القول السياسي بأن ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول ليس كما بعده، فحينما ظن الاحتلال والأمريكان أن جبهة غزة تم تحييدها بتصاريح العمل ووعود إعادة هيكلة الحصار، وتحقيق انتعاشات مدروسة للوضع الاقتصادي والمعيشي في القطاع، وانشغال القوى العالمية والإقليمية بمشهد الاشتباك المتصاعد في الضفة الغربية، ودراسة الخيارات المتاحة للبحث عن خليفة مناسب لمحمود عباس، جاءت لحظة الطوفان لتقلب المشهد رأسًا على عقب، وتبعثر كل الحسابات والترتيبات السياسية القائمة، فانتقل السؤال المفصلي مِن ما هو شكل "اليوم التالي لرحيل عباس" إلى ما هو شكل "اليوم التالي لانتهاء الحرب على غزة"، وهو ما سعت أمريكا و"إسرائيل" لتصديره تحت عنوان "ما بعد حماس".
حتى كتابة هذه السطور، كانت معركة غزة قد كسرت حاجز 150 يومًا، ويبدو أنه قد تأجلت إلى موعد غير معلوم كل النقاشات والخيارات التي طُرحت إسرائيليًّا وأمريكيًّا وإقليميًّا قبل الطوفان وتمحورت حول مرحلة "ما بعد عباس"، والعصف المتواصل الذي مارسته هذه الجهات لدراسة البديل المقبول لديها بالدرجة الأولى، والقادر على تلبية الشروط والمواصفات الأمريكية الإسرائيلية والالتزام الكامل بتحويل السلطة الفلسطينية إلى إدارة مدنية تعمل تحت الاحتلال. كلّ ذلك كان دون أي اكتراث من هذه الجهات بثقل ووجود حماس والجهاد الإسلامي، ولا مبالاة واضحة بدور غزة في صناعة المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي والتأثير فيه، وقد ظن الجميع كما أسلفنا أن هذه الجبهة قد تم تحييدها بالمنح المالية وتصاريح العمل والتسهيلات الاقتصادية المقننة.
مع بدء معركة طوفان الأقصى، صعد إلى السطح مصطلح "اليوم التالي بعد حماس" وانشغلت "إسرائيل" وأمريكا والإقليم في البحث عن خيارات تبدو حتى اللحظة غير واقعية وغير واضحة أو مفهومة المعالم حول ماهية اليوم التالي الذي يبحثون عنه، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيه حماس موجودة على الأرض، تقاتل وتفاوض وتتلقى العروض وتقبل وترفض وتجري الصفقات الجزئية وتضغط بثقلها الميداني على الأرض، ضمن أشرس موجات العدوان وأعنف المواجهات العسكرية التي تشهدها المنطقة في تاريخها المعاصر.
تبدو السلطة الفلسطينية اليوم، برئيسها وأقطابها وتياراتها المتصارعة، على الهامش تمامًا، لا يلقي أحد لها بالًا، ولا تملك من أمرها شيئًا، لكن الثابت الوحيد في ظل معركة طحن العظام المتواصلة في قطاع غزة، أن حماس حال خروجها من هذه المعركة تكون قد فرضت وجودها السياسي والعسكري، وقلبت وجه المنطقة وتفاهماتها ومخططات قوى الإقليم، وأصبحت القوة الأولى في الساحة الفلسطينية التي لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال.
كان الحديث عن مرحلة ما بعد عباس قبل الطوفان، هو حديث عن البديل المقبول في واشنطن وتل أبيب، لكن هؤلاء الذين كانوا يبحثون عن بديل يناسبهم، أصبحوا الآن أمام خيارات صعبة حول طبيعة الشخص الذي سيخلف عباس: هل سيكون شخصية تكنوقراطية مدنية قادرة على أن تكون عنوانًا يحظى بقبول دولي وإجماع فلسطيني لبدء استحقاقات ما بعد المعركة؟ أم شخصية أمنية موالية قادرة على ضبط المشهد في الضفة وقمع حالة الاشتباك المتصاعدة وضمان عدم تطورها إلى انتفاضة واسعة؟ أم شخصية فتحاوية شعبية قادرة على اكتساب توافق داخلي فلسطيني؟
أسئلة كثيرة سبقت شروق شمس صباح يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومئات الأسئلة تتوالد منذ اللحظة التي انهارت فيها جدران "إسرائيل" وأسوارها وفرق جيشها وألويته في "غلاف غزة"، وستبقى تتوالد هذه الأسئلة تبعًا لمعطيات المعركة ومجرياتها التي ستخلق قطعًا واقعًا سياسيًّا جديدًا ليس في مقاطعة رام الله أو قطاع غزة فحسب، بل في الإقليم والعالم أيضًا.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:18 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:53 am

ا

مقاومة التحييد الحركة الطلابية في الضفة


حسن عبيد

مثّل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، محورًا مركزيًّا في تاريخ القضيّة الفلسطينية؛ مما جعله محطّ نقاش متجدّد، على المستويين الفلسطيني والدولي. ولعلّ أهمّ ما يُثار من آراء وتحليلات في هذا السياق، هو دور الفلسطينيين باختلاف أماكن وجودهم تُجاه هذه الحرب.
هذا الدور الذي لم يكن بالمستوى المأمول، ليس قياسًا بما كان يضطلع به الفلسطينيّ تاريخيًّا من أدوار فحسب، بل أيضًا بما مثّل من مخالفة للأداء الذي ظهر في معركة "سيف القدس" عام 2021، حين تكاتف الفلسطينيّون كافّة واصطفّوا خلف المقاومة تجاه تغوّل الاحتلال.
نشهد في هذه الحرب اختلافًا على مستوى الدور والفعالية للمجتمع الفلسطيني، وقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية حثيثًا لتحقيقه، من خلال العمل على تحييد الضفة الغربية عن هذه الحرب، وتفادي اشتعالها، وهو ما أكّد عليه وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في زياراته المتكرّرة للمنطقة. إذ إن دخول الضفة الغربية بشكل كامل في المواجهة، كما ترى إسرائيل وحلفاؤها، قد يغيّر المعادلة السياسية لهذه الحرب.
إنّ فهم التحولات التي طرأت على بعض الفواعل الاجتماعية في الضفة الغربية على مدار سنوات، يساعد على فهم تحول دورها المخالف لطبيعتها التاريخية وتكوينها الذاتي، الذي تسبب فيه مجموعة من السياسات الممنهجة على مر السنين، ومن أبرز هذه الفواعل التي جرى العمل على إضعافها: الحركات الطلابية الفلسطينية.
كان لعلاقة الحركة الطلابية مع الفصائل الفلسطينية دورٌ مهمٌّ في تحوّلات الحركة الطلابيّة في الضفة الغربية. ويمكن رصد أربع مراحل لهذه العلاقة بعد نكبة 1948، أولاها: إيجاد الحركة الطلابية للفصائل الفلسطينية، والحالة النضالية والتمثيلية. ثانيتها: التكامل مع الفصائل الفلسطينية. ثالثتها: التبعية للفصائل والمؤسسات الفلسطينية وأجندتها. رابعتها: فصل الحركة الطلابية عن حركاتها الأم، وتفكيكها، ومصادرة أدوارها.
لم تكن المفاصل التاريخية والأزمنة هي فقط محدد التحولات في المراحل أعلاه، وإنما أيضًا الأمكنة التي تطورت فيها الحركة الطلابية، وكذلك استقلالية الجامعات، وحيوية مجتمع الطلبة داخل الحرم الجامعي، لتتبدل أدوار هذه العوامل؛ فيصبح أحدها أو مجموعة منها الحاسم في تحولات أدوار الحركة الطلابية الفلسطينية، وهذا ما سيوضّحه المقال.
المرحلة الأولى: تأسيس الحركة الطلابية للفصائل الفلسطينية
ناضل الطلاب الفلسطينيّون قبل نكبة عام 1948 من خلال أجسام متعددة، للتحرّر من الاستعمار البريطاني والتصدّي للعصابات الصهيونية. حيث شارك الطلبة في الكثير من الفعاليات، منها أحداث ثورة عام 1929 وثورة 1936. وذلك مثلًا من خلال اللجنة العليا للطلاب، التي قادت العمل الطلابي، وعُقد المؤتمر التأسيسي الأول لها في مدينة عكا عام 1929. وكانت جمعيات "الخطابة"، إحدى الأجسام الطلابية الهامّة التي أدّت دورًا نضاليًّا وتوعويّا وتثقيفيّا خلال فترة الاستعمار البريطاني، إلا أنّ أحداث النكبة عملت على جرف المجتمع الفلسطيني بمكوناته وتشكيلاته كافّة، بما فيها الطلابيّة.
بعد النكبة، أعادت الحركة الطلابية تشكيل نفسها في الشتات الفلسطيني، وأدّت أدوارًا في الدفاع والتعبير عن الهوية الفلسطينية، وفي ترتيب صفوف الطلبة في جميع أماكن وجودهم، وفي تفعيل دور الشتات الفلسطيني، وتمثيل الفلسطينيّين أمام المحافل الدولية. وكان من أبرز هذه الأجسام رابطة الطلبة الفلسطينيين في القاهرة، التي حصلت على اعتراف جامعة الدول العربية. وكذلك الاتحاد العام لطلبة فلسطين، الذي تعود جذور تأسيسه إلى فترة الاستعمار البريطاني. جمع الاتحاد غالبية الطلاب الفلسطينيين، وتعزّز موقعه أكثر بعد مؤتمر عام 1962، أي قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بعامين، ليصبح أحد مؤسساتها فيما بعد.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D9%8A%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D8%B33-1710323661
واعتمد الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين الكفاح المسلح آليةً لتحرير فلسطين، وأنشأ معسكرات للتدريب العسكري، واعتبروا أنفسهم كتيبة احتياط في الثورة الفلسطينية.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ معظم الفصائل الفلسطينية قد تأسست على يد القيادات الطلابيّة بعد تخرجها من الجامعات، ومنها: حركة فتح؛ التي أسّستها قيادات طلابية سابقة في رابطة الطلبة الفلسطينيّين والاتّحاد العام للطلبة، أمثال ياسر عرفات، وصلاح خلف، وتيسير قبعة، وفاروق القدومي، وهايل عبد الحميد. والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ التي أسستها قيادة طلابية سابقة، مثل جورج حبش، الذي كان طالبًا في الجامعة الأميركية في بيروت، وانتخب عام 1949 أمينًا عامًا لجمعية العروة الوثقى، التي جمعت طلابًا من الأقطار العربية، وأصحاب التوجهات القومية.
لم ينحصر الدور التأسيسي للحركة الطلابية في الفترة التي تلت النكبة، أو في المنظمة وفصائلها، بل امتد ليشمل تأسيس حركة حماس عام 1987. فرغم استنادها في تأسيسها على البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين، فإن "الكتلة الإسلامية" في الجامعات الفلسطينية، التي نشأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ساهمت أيضًا في تأسيس الحركة، وقد ضمت الكتلة الإسلامية تحت مظلتها الطلبة ذوي التوجهات الإسلامية.
فهذه الكتلة التي تمثل حاليًّا الذراعَ الطلابيَ لحركة حماس، كانت ضمن السياق التاريخي، هي الإطار المؤسّس للحركة. وقد أشرف عدد كبير من قادتها، على تحويل بنية الإخوان المسلمين إلى بنية حركة شبيهة في تركيبتها ببنية فصائل منظمة التحرير، وأسّسوا أقسام الحركة المختلفة: الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة والإغاثيّة والإعلاميّة، وقادوها فيما بعد، منهم: جمال منصور، وجمال سليم، وصالح العاروري، وسعيد صيام، ويحيى السنوار، وخالد مشعل، وإبراهيم حامد.
المرحلة الثانية: تكامل الحركة الطلابية مع الفصائل الفلسطينية
أدى تطور معاهد وجامعات التعليم العالي وتوسّعها في الضفة الغربية وقطاع غزة في سبعينيات القرن الماضي، إلى إحياء دور الحركة الطلابية، فلم يعد التعليم مقتصرًا على النخب، بل انضم إلى الجامعات طلبة من مختلف الطبقات الاقتصادية والشرائح الاجتماعيّة، ومختلف المناطق، من مدن ومخيّمات وقرى.
وفي الوقت ذاته، خاصّة بعد نكسة 1967، وتصاعد الكفاح الفلسطيني، الذي لم يكن أداة تحرير فحسب، بل أداة لتعبير الفلسطينيين عن ذواتهم وهويتهم والاعتماد على أنفسهم، نضجت العلاقة أكثر بين الحركة الطلابية في الشتات والفصائل الفلسطينية، واشتهرت "الكتيبة الطلابية" في بداية السبعينيّات، فكانت تنظيما طلابيا يضطلع بأدوار عسكرية مساندة لمنظمة التحرير، أبرزها معركة "قلعة شقيف" في لبنان عام 1982.
هذا التكامل كان حاضرًا أيضًا بين حركة حماس وكتلتها الطلابية، إذ شكلت رافعة للحركة، خاصّة في الأنشطة النضالية مع بداية الانتفاضة الأولى (1987-1993)، وكانت إحدى أدواتها المركزية في الحشد والتعبئة. وبعد اتفاق أوسلو عام 1993، كانت الكتلة الإسلامية إحدى أدوات تحصيل الشرعية للحركة، لا سيّما في ظل منافستها مع منظمة التحرير، وذلك من خلال انتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة الغربية وقطاع غزة، التي حققت فيها الكتلة الإسلامية نسبًا تتراوح بين 30 و50% من أصوات الطلبة، وهذا ما اعتبره الباحثون والمختصون وقتها عينة تمثيلية لانتخابات المجتمع عمومًا. وهو ما حصل في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، حيث حصلت حركة حماس على ما يقارب 57% من المقاعد.
كما مثّلت الجامعات منصات للتعبير عن الموقف السياسي للحركة، في ظل عدم حضورها في المؤسسات الرسميّة، مثل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية فيما بعد. ولذلك، فإنّ كثيرًا من الدراسات والأبحاث درست رؤية الحركة السياسية والأيديولوجية من خلال خطابات وبيانات الكتلة الإسلامية.
ومن هنا فقد اضطلعت الحركة الطلابية الفلسطينية بدور تاريخي محوري في القضية الفلسطينية، وتكاملت مع فصائلها ضمن المحاور التالية:

  •  لم تعرف الحالة الفلسطينيّة قدرة على الحشد والتعبئة مثل قدرة الحركة الطلابيّة، فهي شريان حيوي للفصائل يرفدها بالكوادر والكفاءات، وهي في نفس الوقت تنقل رسائل وأفكار تنظيماتها إلى القاعدة الشبابيّة. وتتكامل الحركة الطلابية مع فصيلها الأم في صياغة الأهداف المشتركة، والتخطيط الاستراتيجي.
  • ساهمت الحركة الطلابية في تأطير الهوية الوطنية الفلسطينية. وشكّلت الجامعات المعمل المناسب لذلك، فلم ينفصل التعليم والمعرفة عن الثقافة والهوية، وتكاملت أدوار الفاعلين داخل الجامعات الفلسطينية في تشكيل جبهة نضالية، ومنصة معرفية، تمكن فيها الطلبة من الأدوات اللازمة للدفاع عن القضية والتعريف بها محليًّا ودوليًّا. وأعدت الجامعات الكفاءات السياسية والاجتماعية والمهنية، ممّن تصدروا المشهد العام، سواء من خلال الفصائل أو من خلال منصات أخرى. وتنبّه الاحتلال لهذا الدور للجامعات، فعمل على نفي العديد من الأكاديميين من الضفة الغربية، كرئيس جامعة بيرزيت حينها، حنا ناصر، عام 1974.
  • تعتبر الحركة الطلابيّة شبكة اتصال حيوية لفصائلها مع تقسيمات المجتمع الفلسطيني، كالطبقات الاقتصاديّة، والعائلات والعشائر، والمناطق الجغرافيّة كالقرى والمدن والمخيّمات، والتوجّهات السياسية المتنوعة، وذلك بحكم انتماء الطلبة لهذه الفئات.
  • لم يقتصر دور الحركة الطلابية على الدورين السياسي والنقابي، بل يتجاوزهما إلى العمل التنظيمي والتثقيفي، والخدمة الاجتماعية والتطوعية، وإعانة الأسر، والمساهمة في كثير من الأنشطة الاقتصادية التي تعزّز صمود الفلسطينيين.


السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D9%8A%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D8%B31-1710323636
أدرك الاحتلال الدور الفعّال للحركة الطلابية، التي شكلت تنظيم الظل لفصائلها الأم، وأدرك أيضًا أن فاعلية الحركة الطلابية مع غياب الفصائل (لأسباب مختلفة) تتحقق لثلاثة أسباب، أولها: البيئة الجامعية ومجتمع الطلبة، الذي يمثل مصدر إمداد للحركة الطلابية. ثانيها: استقلال الجامعات عن التدخلات الخارجية، تحديدًا في فترة ما قبل أوسلو، ومساندتها للحركة الطلابية، وتوفيرها البيئات المناسبة للنضال. ثالثها: تكامل الحركة الطلابية مع البيئة التعليمية والإطار المعرفي والثقافي، الذي مثّل لها ما يشبه "كراسات تثقيفية" تحاكي تلك التي عند الأحزاب، ولكن بأبعادٍ وطنيّة.
تجربة مجتمع الجامعة من التجارب الفريدة التي تصقل القيادات، فلم يكن للفلسطينيين بعد النكبة تدريب قيادة، أو مؤسسات ووزارات تصقل وتنتج قياداتها، فمجتمع الجامعة مجتمع مصغّر من المجتمعات الكبرى. ومجتمع الطلبة نموذج مصغّر من المجتمع الأوسع. والعلاقة مع إدارة الجامعة نموذج من العلاقة مع الدولة ومؤسساتها. والعلاقة مع الحركات الطلابية الأخرى نموذج من العلاقة مع الأحزاب السياسية. كما تمثّل التيارات الفكرية امتدادًا للتيارات الفكرية وسجالاتها خارج أسوار الجامعة
على إثر ذلك وفي عام 1980، أصدر الاحتلال أمرًا عسكريًّا يضع فيه مؤسسات التعليم العالي تحت إمرة الحاكم العسكري، للتحكم في تسجيل الطلبة وتعيين طواقم الهيئة التدريسيّة، واشترط على المحاضرين الفلسطينيين غير المقيمين والأجانب التوقيع على إقرار التزامهم بأمر الحاكم العسكري، وعلى عدم الاعتراف بمنظمة التحرير باعتبارها "منظمة إرهابية".
فرض الحكم العسكري مجموعة من إجراءات التحكم والقمع والرقابة على النظام الأكاديمي الفلسطيني، فقد اشترطت "الإدارة الإسرائيلية المدنية" على المحاضرين الأجانب، وخاصة في جامعة بيرزيت، الامتناع عن دعم منظمة التحرير، أو التعاطف معها. ورفضت الجامعة والطلبة، هذه الإجراءات، وخاض الطلبة نضالهم من أجل استمرار العملية التعليمية وكسر الأوامر العسكرية، وخاصة في تلك الفترة التي عانت فيها التنظيمات الفلسطينية؛ بسبب الحملات المنظّمة ضدها. وهو ما دفع الحركات الطلابية إلى تطوير تجربتها، والانتقال إلى الفضاء العام، وأداء أدوار التنظيمات الفلسطينية في كثير من المجالات.
سنلاحظ، لاحقًا، أن البيئة الجامعية واستقلال الجامعات، ظلا العاملين المؤثرين في استمرار الحركة الطلابية بفعاليتها في كثير من المحطات بعد أوسلو، ليظهر التحول في هذين العاملين بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، خاصة في ظل غياب الحركة الأم نتيجة الملاحقات الأمنية (كحال حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية)، أو بسبب تحويل الحركة الطلابية في أجندتها لصالح الحركة ومؤسساتها (كحركة فتح).
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D9%8A%D8%B3%D8%A8%D9%8A%D8%B32-1710323643


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:19 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:54 am

المرحلة الثالثة: التبعية للفصائل والمؤسسات الفلسطينية وأجندتها
أوجد توقيع اتفاق أوسلو أشكالًا جديدة في التحالفات بين الحركة الطلابية، فرغم التباين الأيديولوجي، تحالفت "الكتلة الإسلامية" مع أطر طلابية يسارية لأول مرة بين عامي 1993 و1995 في جامعتي بيرزيت والنجاح، في إطار مناهضة الاتفاقية، واستفراد حركة فتح بالقرار الفلسطيني.
وظلت المقاومة والكفاح المسلح محورًا مركزيًّا في الخطاب السياسي للأذرع الطلابية التابعة لحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. وقد انعكس ذلك في تحوّل جزء كبير منهم إلى العمليات العسكرية بعد أوسلو، وكان أبرزهم يحيى عيّاش. في حين روّجت حركة الشبيبة الطلابية الفتحاوية لبرنامج حركتها الأم في التسوية. وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، ارتكزت "الشبيبة الطلابية" على خطاب الكفاح المسلح، وبعد الانقسام وصعود سطوة التنسيق الأمني، عَلِقَت الشبيبة الطلابية في خطابها، فلم تستطع الترويج لمشروع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وظلت تستدعي خطابات الكفاح المسلح؛ لإدراكها أن هذا الخطاب هو الرائج والمقبول لدى الطلبة.
أثرت مجموعة كبيرة من المتغيرات التي طرأت بعد أوسلو في الحركة الطلابية، وأدت إلى تحولات في أدوارها. تمثّل أبرز هذه التحوّلات وأوّلها في عودة فصائل منظمة التحرير إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأسيس السلطة الفلسطينية، وهيمنة هذه الفواعل والمؤسسات على المجال الفلسطيني العام. وأصبحت الفصائل تتحكم في الحركات الطلابية، بعد أن كانت الحركة الطلابية هي المؤسسة للفصائل والمسارات النضالية، ففرق الأعمار والأجيال باعد بين الأفكار والأولويات، فالشاب الذي كان في الخمسينيات ناشطًا طلابيًّا، أصبح بعد أوسلو يكبر أجيال الجامعة بحوالي أربعين عامًا.
لقد أدارت السلطة الفلسطينية الجامعات الفلسطينية ضمن رؤيتها في اتفاقية أوسلو، وفقدت الكثير من الجامعات استقلاليتها، حتى أصبحت تنفذ سياسات السلطة. وتفاقمت الأمور في بعض الجامعات بتقييد أنشطة الطلبة، وتمكين أجهزة الأمن للسيطرة على فضاءات الجامعات.
وبعد أوسلو، شنّت الأجهزة الأمنية للسلطة اعتقالات لأعضاء الحركات الطلابية المناهضة لاتفاق أوسلو، وأبرزها الأذرع الطلابية لحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، وزادت شدّة هذه الحملة بعد الانقسام بين حركتي فتح وحماس. وتعاملت مع الإطار الطلابي لحركة فتح باعتباره ذراعًا تنفيذيًّا لها، واستوعبت معظم كوادره في الأجهزة البيروقراطية والأمنية للسلطة.
وقد ازداد عدد الطلبة في الجامعات الفلسطينية والكليات بشكل متسارع، فقد بيّنت أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد الطلبة بين عامي 1994 و1995 كان قرابة 33490 طالبًا وطالبة في الضفة والقطاع، ثم أصبح عددهم بين عامي 2021 و2022 قرابة 226 ألف طالب وطالبة. هذا العدد الكبير للطلبة، يمثّل فئة الشباب الأكثر قدرة على تنظيم أنفسهم. ففي تاريخ القضية الفلسطينية كانت الأطر الطلابية، ذات الامتدادات السياسية، هي الأقدر على تنظيم المجتمع الطلابي، وتمثيله، وصياغة مطالبه. وهو المجتمع الذي بقي يختار ممثليه من خلال انتخابات ديمقراطية، ظلت منتظمة إجمالًا، ولكنه انتظام اختلّ بعد الانقسام الفلسطيني، باستثناء جامعة بيرزيت.
المرحلة الرابعة: فصل الحركة الطلابية عن حركاتها الأم وتفكيكها ومصادرة أدوارها
بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، تعرضت حركة حماس لحملة ملاحقة وتفكيك من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وانعكس ذلك على كل ما ارتبط بحركة حماس، من مؤسسات أو أفرع، وأبرزها "الكتلة الإسلامية". إضافة إلى حملات الاحتلال الممنهجة ضدها. هذه الضربات المتلاحقة أخلت بالعلاقة التقليدية بالكتلة الإسلامية وحركتها الأم، لتصبح "الكتلة" أكثر اعتمادًا على نفسها، وفي كثير من الأحيان أعادت دورها كتنظيم ظل، إذ تقوم بأدوار التنظيم في كثير من الأحيان. وهذا الحال انطبق بنسب متفاوتة على الأذرع الطلابية لحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.
في المقابل، أخذ انفصال الشبيبة الطلابية عن حركتها الأم شكلا آخر، فقد تقاسمت كل من السلطة الفلسطينية وحركة فتح العلاقة مع حركة الشبيبة الطلابية "الفتحاوية"، ففي حين من المفترض أن تظل الأخيرة شأنا تنظيميا مرتبطا بحركتها الأم، تنافست أذرع السلطة في السيطرة والتحكم في تشكيلها واختيار قياداتها، وتجندت بعض مؤسسات السلطة وخاصة الأمنية في مساندتها.
هذه العلاقة المشوشة لحركة الشبيبة الطلابية دفعت بانتقادات من داخل حركة فتح نفسها، فبعد خسارة الشبيبة الطلابية في مايو/أيار 2022 انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت بحصولها على 18 مقعدًا، مقابل 28 مقعدًا حصلت عليها الكتلة الإسلامية، قال أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب إنه "لا يجوز أن تدفع فتح ثمن أخطاء السلطة، ولا بد من نقاش طبيعة العلاقة بين السلطة وفتح". وفي انتقاده لتدخل السلطة، قال مناظرٌ سابق في الشبيبة، هو صامد صنوبر، إن الذي خسر هم "الذين اختطفوا فتح وحرفوا بوصلتها، ونهج التنسيق الأمني المقدس". انتقادات مشابهة خرجت بعد خسارة حركة الشبيبة في انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في جامعة النجاح في مايو/أيار 2023، إذ حصلت على 38 مقعدًا، مقابل 40 مقعدًا للكتلة الإسلامية، وثلاثة مقاعد لليسار. وكانت هذه أول انتخابات تعقد بعد انقطاع دامَ قرابة 6 سنوات.
التحول في أدوار الحركة الطلابية في الضفة الغربية لم يكن سببه فصل الحركة الطلابية عن حركتها الأم فحسب، إذ فقدت الحركة أحد عوامل استمراريتها، وهو استقلالية الجامعات. فقد انحازت إدارات العديد من الجامعات إلى سياسات السلطة تجاه الحركة الطلابية، ففرضت القيود على أنشطتها، وانخرط حرس الجامعة في قمع ومطاردة الطلبة. وقد تكثّف ذلك في حادثة جامعة النجاح منتصف يونيو/حزيران 2022، حيث قمع أمن الجامعة وقفة طلابية داخل الحرم الجامعي، نظّمها "الحراك الطلابي المستقل" للمطالبة بتوفير حياة جامعية آمنة، فأصيب مجموعة من الطلبة والأكاديميين بجروح. واشتعل الغضب في الرأي العام الفلسطيني، وعلى إثر ذلك شُكّلت لجنة تحقيق وأوصت بإعفاء مدير الأمن، وبعض الحرس الجامعي من مهامّهم. ولم يكن هذا الحادث الوحيد، سواء في الجامعة نفسها، أو في جامعات غيرها.
لم تتوقف الحملات الأمنية تجاه نشطاء الحركة الطلابية من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية، وظلت الحركة الطلابية تحت هذا الضغط المستمر، مع غياب الإسناد التنظيمي الذي كانت تحصل عليه الحركات الطلابية قبل الانقسام. ورغم ذلك بقي للحركة الطلابية عامل واحد هامّ تتكئ عليه، وتستقوي به في حماية دورها التاريخي، وهو مجتمع الجامعة أو مجتمع الطلبة.
سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل الإجتماعي)طوفان الأقصى
ظل "مجتمع الطلبة" العامل الوحيد الذي بقي للحركة الطلابية، والذي من الممكن أن تستند عليه في ممارسة دورها التاريخي بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن السلطة الفلسطينية حرمتها من هذا العامل. فمع الأيام الأولى لمعركة طوفان الأقصى، حوّلت السلطة الفلسطينية التعليم من النظام الوجاهي إلى النظام الإلكتروني، بحجّة الخشية على الطلبة من ممارسات الاحتلال، وفُسّرت هذه الخطوة على أنها إحدى آليات السيطرة على المجتمع، وخاصة الطلبة، وأدى ذلك إلى تحييد مجتمع الجامعة بجميع فعالياته وتركيباته كافة، من حركات طلابية وجمهور الطلبة، والاتصال بينهما، والخطابات السياسية، وانتفت معه كل الأسباب التي تؤدي إلى المشاركة الفاعلة، مثل الحشد والتعبئة والاحتجاجات والتضامن، كما جُمّد الدور التاريخي الذي قامت به الحركة الطلابية على مدار مئة عام.
أضف إلى ذلك، أن طوفان الأقصى جاء والحركات الطلابيّة مستنزفة ومنهكة. ففضلًا عن استنزاف أعضائها في الأنشطة النقابية والخدماتية المتعلّقة بالطلبة، لم يسلم أعضاؤها من ملاحقة الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية، فأصبح نشطاؤها بين معتقل ومطارد. فمثلًا اقتحم الاحتلال قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول حرم جامعة بيرزيت، واعتقل رئيس مجلس الطلبة في الجامعة عبد المجيد حسن، وأعضاء آخرين من المجلس. وقبل ذلك بأشهر تعرض بعض هؤلاء الطلبة، وآخرون في جامعات الخليل والنجاح والبولتيكنيك، لاعتقال ومطاردة وتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية. وعلى إثر ذلك خاضت العديد من الحركات الطلابية اعتصامًا داخل ساحات الجامعات احتجاجًا على الاعتقال لدى السلطة، مطالبين بالإفراج عن المعتقلين. وهذا ما دفع العديد من المؤسسات الحقوقية إلى دقّ ناقوس الخطر لما اعتبرته انتهاكًا صارخًا للحريات.
بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول قمعت السلطة الفلسطينية العديد من المظاهرات التضامنية مع قطاع غزة، مستخدمة في بعضها العنف المفرط، خشية أن تتحول هذه الفعاليات إلى انتفاضة شعبية عارمة، تُخرج الضفة عن سيطرة السلطة. ورصدت "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين" قتل أجهزة أمن السلطة لخمسة مواطنين خلال المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة، كما جرى اعتقال العشرات واستدعاؤهم، وكان للطلبة نصيب من هذه الحملة الأمنية. واستمرت أجهزة أمن السلطة في الاعتقالات والملاحقات لنشطاء الحركة الطلابية، ورغم ذلك لم يثنِ ذلك بعض الأطر الطلابية عن محاولة خرق هذا الطوق الأمني، والدعوة إلى مسيرات مساندة لغزة.
اعتقل الاحتلال عشرات النشطاء من الطلبة في جامعات الضفة الغربية كافة، واقتحم العديد من الجامعات، ففي 15 يناير/كانون الثاني الجاري، اقتحم الاحتلال جامعة النجاح واعتقل 25 طالبًا، كانوا معتصمين من أجل تحقيق مطالب نقابية للطلبة. وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اقتحم الاحتلال حرم جامعة بيرزيت، ودمّر وصادر مقتنيات الحركة الطلابية. كما اقتحم جامعة خضوري في طولكرم، وأصاب 11 طالبًا.
ومع انتفاء بيئة الجامعات بسبب تحويل دوام الجامعات إلى النظام الإلكتروني وفقدان الإسناد التنظيمي، صار من الصعب على الحركة الطلابية التابعة لحماس والجهاد والشعبية، أن تعيد بناء هيكلتها، وأن تستعيد عافيتها ونشاطها كما كانت سابقًا، في حين أن حركة الشبيبة الفتحاوية التزمت بقرار السلطة الفلسطينية، بتحييد الضفة الغربية وعدم الانخراط أو تنظيم فعاليات تضامنية مع قطاع غزة.
هكذا، تم تحييد ما يقرب من ربع مليون طالب في الجامعات والكليات الفلسطينية، عن الانخراط في فعاليات مساندة لقطاع غزة.
جزّ العشب
استخدم الاحتلال سياسة "جز العشب" ضد الحركة الطلابية، وهي استراتيجية أمنية قديمة اتبعها الاحتلال مع الحركة الوطنية الفلسطينية عمومًا، مضمونها إبقاء الحركة الطلابية تحت الضغط ودون مستوى التأثير، وذلك عبر استهدافها بالحملات الأمنية الممنهجة، التي تهدف لإبقاء الحركة الطلابية دون القدرة على الفعل وأخذ المبادرة، ولزرع الخوف لدى الطلبة وإقناعهم بعدم جدوى أفعالهم.
ومن خلال هذه العملية، ومنذ نكبة 1948، اعتقل الاحتلال الآلاف من نشطاء الحركة الطلابية، إلا أن تجربة الاعتقال -كما تخبرنا شواهد التاريخ- زادت من كفاءة العمل الطلابي وكوادره، فصقل مجتمع السجون الكثير من الخبرات والتجارب التنظيمية والمعرفية التي ساعدت الطلبة على الاستفادة منها خارج المعتقلات.
قاومت الحركة الطلابية بوسائل شتّى كلا الاستعمارين: البريطاني والإسرائيلي، باعتبارها الإطار الجامع الشامل للشباب الفلسطيني، ولكونها الأكثر قدرةً على تنظيمه، إذ لم يثبت أي إطار آخر قدرته على تنظيم هذه الفئة وقيادتها. إلا أن الحركة الطلابية الفلسطينيّة بعد أوسلو، أصبحت تقاوم من أجل الحفاظ على دورها، وتنازع السلطة على مكانها في الحيز الفلسطيني العام، الذي سعت السلطة لاحتكاره بعد قدومها، ليكتمل هذا القضم للحيز العام بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بقيام السلطة الفلسطينيّة بسلسلة إجراءات لتحييد المجتمع الفلسطيني في الضفة، وكانت الحركة الطلابية أول ضحايا ذلك.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:20 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:55 am

بنادق تحمي المحتل.. الأجهزة الأمنية للسلطة

أحد مولانا

مع اندلاع معركة طوفان الأقصى، تبلورت رؤية أمريكية تدعو إلى تسليم حكم قطاع غزة لسلطة فلسطينية مجددة، وهو ما ناقشه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ، و وزير الخارجية أنتوني بلينكن، و مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي فيليب غوردون، في اجتماعات منفصلة، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
في مطلع العام الجاري أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني السابق محمد أشتية  إطلاق مشروع لإعادة هيكلة قوى الأمن التي يبلغ عددها ثمانية أجهزة، وتشمل: الأمن الوطني، والشرطة المدنية، والمخابرات العامة، والأمن الوقائي، والاستخبارات العسـكرية، والحرس الرئاسي، والدفاع المدني، والضابطة الجمركية. وفي فبراير/شباط 2024 أعلن أشتية استقالة حكومته، وعُيّن اللواء عبد القادر التعمري في منصب مدير الأمن الوقائي ضمن مؤشرات على انطلاق مرحلة جديدة في مسيرة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي يناهز عدد المنتسبين إليها حاليا 50 ألف فرد في الضفة الغربية وحدها فضلا عن 30 ألفا يتقاضون رواتبهم في غزة دون عمل منذ سيطرة حماس على القطاع، وهو ما يتطلب قراءة مسيرة تلك الأجهزة منذ تأسيسها عام 1994، ومدى قدرتها على ضمان الأمن الفلسطيني، والعقبات التي تعترض طريقها.
معضلة التأسيس بعد أوسلو
تأسس جيش التحرير الفلسطيني عام 1964 ليكُون جناحًا عسكريًّا لمنظمة التحرير، وتوزع كوادره إثر أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970 ثم خروج ياسر عرفات ومقاتليه من لبنان عقب حرب 1982، بين عدة دول، من أبرزها الأردن ولبنان وتونس واليمن والسودان والجزائر والعراق.
تضمنت اتفاقية "أوسلو 1" عام 1993 بين منظمة التحرير وإسرائيل، الاتفاق على بناء قوة شرطة فلسطينية لحفظ النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن يتولى الجيش الإسرائيلي مسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية. ثم وُقّع اتفاق القاهرة عام 1994، ونص على انسحاب الاحتلال من عدة مناطق في قطاع غزة ومن مدينة أريحا لتبدأ المرحلة الأولى من الحكم الذاتي، كما حدد الاتفاق حجم قوات الأمن الفلسطينية بتسعة آلاف فرد من بينهم سبعة آلاف فرد مسموح بعودتهم من الخارج رفقة عائلاتهم. وتشكلت تلك القوات من أربعة فروع تشمل الشرطة المدنية، والأمن العام، والاستخبارات، والدفاع المدني. ثم قسّم اتفاق "أوسلو 2" عام 1995 الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق:
المنطقة "أ"، وتتمتع فيها السلطة الفلسطينية بمسؤوليات إدارية وأمنية، وتشمل مدن الضفة الثماني الكبرى، وقطاع غزة بأكمله باستثناء المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية. المنطقة "ب"، وتتمتع فيها السلطة الفلسطينية بمسؤوليات إدارية فقط، وتشمل 450 بلدة وقرية. المنطقة "ج"، وتمثل 61 في المائة من مساحة الضفة، وتسيطر عليها إسرائيل أمنيا وإداريا.
وسمح الاتفاق بتشكيل جهازي الأمن الوقائي والأمن الرئاسي، وزيادة عدد أفراد قوات الأمن إلى 30 ألف فرد، يُوزع منهم 12 ألفا في الضفة الغربية، و18 ألفا في قطاع غزة.
وضعت تلك التطورات كوادر حركة فتح التي تمثل ركيزة منظمة التحرير، والتي شكل عناصرها أغلب أجهزة الأمن، أمام أزمة هوية كبرى. ففتح التي تأسست منظمةً سياسية ثورية عسكرية وقاتلت الاحتلال مدة ثلاثة عقود، أصبحت مطالبة بالعمل تحت لافتة "نبذ العنف ومكافحة الإرهاب"، وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال في مواجهة الجماعات الفلسطينية الرافضة لاتفاق أوسلو، وذلك بحجة العمل على بناء مؤسسات تمهد لإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا.
وأيضا برزت معضلة الداخل والخارج، فآلاف المقاتلين العائدين من الخارج رفقة عائلاتهم، سيحتاجون إلى رواتب وتأهيل وتوظيف ضمن هيكل يراعي أقدمية مشاركتهم في النضال المسلح، وذلك في مواجهة جيل جديد من أبناء الداخل انخرط في الانتفاضة الأولى، ويحتاج إلى مسارات عمل تكفل له الاستقرار والترقي الوظيفي ضمن السلطة الفلسطينية الوليدة.
أدى عرفات بشخصيته الكاريزمية دور المفصل الرابط بين كوادر السلطة، وأسس أجهزة الأمن وفق النهج الذي اعتاده في حقبة العمل الفدائي، فجعل مسؤولياتها متداخلة دون تسلل هرمي واضح، بحيث يتنافس بعضها مع بعض في تنفيذ المهام التي يكلفها بها، ولينشغل قادتها بالتنافس البيني. وتولى مساعدوه العائدون من الخارج قيادة الشرطة المدنية وقوات الأمن الوطني والأمن الرئاسي والاستخبارات العسكرية، في حين تركز كوادر الداخل في جهاز الأمن الوقائي، الذي قاده فرعه في غزة العقيد محمد دحلان، وقاد فرعه في الضفة الغربية العقيد جبريل الرجوب.
بحلول أواخر عام 2000، تضخم عدد الأجهزة الأمنية حتى وصل إلى 17 جهازا مختلفا بحجم 50 ألف فرد؛ مما جعل قائد حركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح  يقول "إذا فتحت نافذتك فإن الأمن الوقائي سيطل عليك؛ وإذا فتحت بابك فستجد جهاز الأمن الرئاسي؛ وإذا خرجت إلى حديقتك فستصطدم بالمخابرات العسكرية، وإذا خرجت إلى الشارع فستصادف المخابرات العامة".
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى ASASR2-1710501489
التنسيق الأمني وبداية الصدام مع حماس
عقب اتفاق أوسلو، تأسست لجنة مشتركة للتنسيق من ممثلين من الأجهزة الأمنية المعنية، بقيادة ضابط إسرائيلي برتبة عميد وآخر فلسطيني برتبة لواء، كما نُظمت دوريات مشتركة في مناطق التماس بين الجانبين. وهو ما ساهم في الحد من أنشطة المقاومة، فبحسب تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك شهد عام 1992 نحو 2400 هجوم في الضفة الغربية، ثم انخفض العدد إلى 140 هجوما عام 1999.
انعكس التعاون الأمني سلبا على علاقة السلطة الفلسطينية بفصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، وهو ما وصل إلى ذروته بإطلاق الشرطة النار على مظاهرة نظمتها حماس انطلاقا من أحد مساجد غزة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1994؛ مما أسفر عن مقتل 13 متظاهرا، كذلك نفذ الأمن الوقائي حملة اعتقالات لعناصر حماس عام 1996 إثر شنّ كتائب القسام لهجمات انتقامية ردا على اغتيال قائدها يحيى عياش. لكن عرفات تجنب وصول الأزمة مع حماس إلى عتبة الاقتتال الأهلي، فمزج بين الضغط وغض الطرف، وسمح لمؤسسات حماس السياسية والاجتماعية والدعوية بالعمل في عهده.
من جهتها، حثت واشنطن السلطة الفلسطينية على إعطاء الأولوية لملف مكافحة الإرهاب، وهو ما أثّر في الطابع المؤسسي لعملها. وقدمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ عام 1996 عشرات ملايين الدولارات سنويًّا بشكل مباشر إلى الأجهزة الأمنية المختصة بمواجهة المقاومة الفلسطينية بحسب دراسة نشرها مركز أبحاث الكونغرس.
رغم التنسيق الأمني، لم تخل علاقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع جيش الاحتلال من احتكاكات بسبب التجاوزات الإسرائيلية، وقد وصلت تلك الاحتكاكات إلى ذروتها عام 1996 إثر افتتاح نفق سياحي أسفل المسجد الأقصى، وهو ما أدى إلى احتجاجات عارمة تخللتها اشتباكات بين ضباط فلسطينيين وجيش الاحتلال أسفرت عن مقتل تسعة وستين فلسطينيًّا وأربعة عشر ضابطًا وجنديًّا إسرائيليًّا.
الانتفاضة الثانية وتدمير الأجهزة الأمنية الفلسطينية
عقب فشل قمة كامب ديفيد بمشاركة بيل كلينتون وإيهود باراك وياسر عرفات في التوصل إلى اتفاق سلام دائم، اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك آرييل شارون المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000، فاندلعت احتجاجات عارمة تطورت إلى انتفاضة ثانية استمرت نحو خمس سنوات.
شهد اليوم التالي لزيارة شارون، مقتل الشرطي الإسرائيلي يوسف طباجة على يد شرطي فلسطيني أثناء دورية مشتركة بالقرب من قلقيلية، وتعثر التنسيق الأمني إثر انخراط العديد من أفراد قوات الأمن الفلسطينية في هجمات ضد الاحتلال، كما ساهموا في تأسيس كتائب شهداء الأقصى.
وفي المقابل برهنت إسرائيل على أن ما سمحت بتقديمه لأجهزة الأمن الفلسطينية من أسلحة وثكنات ومعدات يمكن تدميره بسهولة، فقصفت مقراتها بالطائرات، وتوغل جيش الاحتلال في المنطقة "أ"، ودمر كافة مركباتها وعتادها، واحتجز الآلاف من كوادرها للتحقيق معهم، وحاصر عرفات في جزء صغير من مقره الرئاسي في رام الله.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى ASASR1-1710501481ملف السلطة - مراحل دعم الدول الغربية (الجزيرة)
تعرض عرفات لضغوط أمريكية وأوروبية لتخويل جزء من صلاحياته لمساعديه، فأصدر عام 2002 مرسوما يقضي بإلحاق الشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني بوزارة الداخلية، كما عدّل القانون الأساسي الذي يعد بمثابة دستور للسلطة الفلسطينية عام 2003 لاستحداث منصب رئيس الوزراء، الذي شغله محمود عباس، لكن عرفات استمر في التواصل مع قادة الأجهزة الأمنية بشكل مباشر دون الرجوع إلى وزير الداخلية أو رئيس الوزراء، كما احتفظ لنفسه بتبعية المخابرات العامة وأمن الرئاسة والعديد من الأجهزة الأخرى.
مع وفاة عرفات عام 2004، خلفه محمود عباس (أبو مازن) الذي تبنى خريطة الطريق التي طرحتها الرباعية الدولية، الداعية إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتفكيك البنية التحتية لفصائل المقاومة، فأصدر عام 2005 قانونا ينظم عمل المخابرات العامة، وأعاد تشكيل مجلس الأمن القومي، وأصدر قانونا بتنظيم أجهزة الأمن لتعمل ضمن ثلاث مكونات أساسية تشمل قوات الأمن الوطني الخاضعة لوزير الأمن الوطني، وقوى الأمن الداخلي الخاضعة لوزير الداخلية، والمخابرات العامة الخاضعة للرئيس، كما ألحق جهاز الأمن الوقائي بقوى الأمن الداخلي. كذلك أحال عددا كبيرا من قادة الأجهزة الأمنية المرتبطين بعرفات إلى التقاعد، وعمل على تفكيك كتائب شهداء الأقصى عبر تعيين أفرادها في الأجهزة الأمنية، وحصل على عفو لهم من إسرائيل مقابل تسليم أسلحتهم، وقبولهم الاحتجاز فترة مؤقتة في مقرات فلسطينية.
دعمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محمود عباس، فاستحدثت واشنطن منصب "المنسق الأمني الأمريكي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية"، وعينت الفريق ويليام وارد في مارس/آذار 2005 منسقًا لمجموعة ضمت 45 ضابطا من تسعة دول أعضاء في حلف الناتو، على أن يقدم المنسق تقاريره إلى وزير الخارجية الأمريكي بالتنسيق مع وزارة الدفاع، وتركزت مهمته على تنسيق الانسحاب الإسرائيلي الوشيك من غزة. وتولى الفريق كيث دايتون مهمة المنسق بدلا من وارد في ديسمبر/كانون الأول 2005، ومُد تفويضه بعد الانسحاب الإسرائيلي ليعمل على مساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية عبر تصميم وتنفيذ خطط تحدد حجمها المطلوب وتسليحها وتدريبها بما يتوافق مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية.
استمر دايتون في منصبه مدة خمس سنوات، وحصل على تمويل سنوي أمريكي متوسطه 100 مليون دولار.  كما أرسل الاتحاد الأوروبي عام 2005 بعثة تدريب دائمة للشرطة، لكن بميزانية سنوية محدودة تراوحت بين ستة وعشرة ملايين يورو، وعملت على تدريب ستمئة شرطي فلسطيني سنويًّا، كما استقدمت بعض المتدربين لحضور دورات وورش عمل في أوروبا.
التركيز على الضفة بعد فقدان غزة
جرت الانتخابات التشريعية عام 2006، وحصلت حماس على أغلبية برلمانية أتاحت لها تشكيل الحكومة بما فيها وزارة الداخلية التي تشرف رسميا على أغلب أجهزة الأمن، فعلق المانحون الدوليون مساعداتهم للسلطة الفلسطينية، وقطع المنسق الأمني الأمريكي كافة الاتصالات مع الحكومة، واقتصر تعامله مع مكتب الرئيس، وركز أنشطته على تعزيز الحرس الرئاسي ليجعله قوة موازنة لحماس، في حين أصدر عباس مجموعة قرارات نقلت تبعية الأجهزة الأمنية إليه، فعلى سبيل المثال ألحق أفراد القوة البحرية بصفوف جهاز المخابرات العامة الخاضع لإشرافه المباشر، وعين محمد دحلان مستشارا للأمن القومي عام 2007 ليشرف على كافة الأجهزة الأمنية، وهو ما ردت عليه الحكومة بتشكيل "القوة التنفيذية" في غزة لتكُون هيئة تابعة لوزير الداخلية نظرا لرفض قوات الأمن تقديم تقاريرها إلى الوزير أو الالتزام بتعليماته.
أدت تلك الأجواء إلى تصاعد التوتر بين حماس وفتح، واشتداد التنافس بين الأجهزة الأمنية التي تحولت إلى إقطاعيات متنافسة، وهو ما قاد إلى مشهد الحسم العسكري الحمساوي في غزة بتاريخ 10 يونيو/حزيران 2007، الذي استهدف بالدرجة الأولى جهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة المحسوبين على محمد دحلان؛ مما دفع بقية قادة الأجهزة الأمنية إلى تجنب المشاركة في القتال. وإثر ذلك، أعلن أبو مازن تشكيل حكومة جديدة بقيادة سلام فياض، وخوله إعادة بناء قوات الأمن وفرض القانون والنظام في الضفة الغربية، فرفع فياض شعار "بندقية واحدة، قانون واحد، سلطة واحدة"، وأطلق عام 2008 برنامجًا تحفيزيًّا للتقاعد المبكر من أجهزة الأمن لتشجيع العناصر غير المرغوب فيها على التقاعد، وبالفعل تقاعد 6000 شرطي في ذات العام؛ مما سمح بتجنيد أفراد جدد ليس لديهم ماض سياسي أو نضالي.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Dfdsf-1710504678
صعود دايتون
تغيرت مهمة دايتون مجددا عام 2007 إثر سيطرة حماس على غزة لتركز على تحويل قوات الأمن الوطني إلى قوة درك متخصصة في مكافحة الشغب، في حين بقي جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة خارج نطاق صلاحياته لاتصالهما مباشرة بالسي أي إيه، وخصصت واشنطن فيما بين 2007 و2010 مبلغ 392 مليون دولار لتمويل برنامج المساعدة الأمنية لقوات الأمن الفلسطينية، وساد تصور بأن بقاء السلطة الفلسطينية يتطلب القضاء على حماس في الضفة الغربية، فاعتقلت أجهزة الأمن المئات من كوادر حماس وأغلقت أو سيطرت على كافة المؤسسات والجمعيات التابعة لها.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:21 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:56 am

أعد دايتون خطة تمتد من عام 2008 إلى 2012 لتدريب تسع كتائب من قوات الأمن الوطني الفلسطيني في الأردن تحت إشراف متعاقدين من شركة دينكورب الأمريكية، وواصل خلفاؤه تنفيذها، وذلك لنشر كتيبة في كل محافظة من محافظات الضفة الغربية باستثناء القدس، وتأهيل كتيبة من الحرس الرئاسي لتعمل احتياطيًّا عند الطوارئ. وكانت المحصلة تدريب 19 ألف شرطي خلال عشر سنوات، فضلا عن تدريب 10 آلاف آخرين على يد "مكتب التنسيق التابع للاتحاد الأوروبي لدعم الشرطة الفلسطينية" في مركز تدريب بأريحا موّلت بناءَه الأممُ المتحدة، وذلك قبل تدشين جامعة الاستقلال عام 2013 لتخريج ضباط الشرطة.
أنتجت تلك التدريبات حسب تعبير دايتون في خطاب ألقاه عام 2009 في معهد واشنطن التابع لإيباك "قوات تتعلم حفظ القانون والنظام لا محاربة إسرائيل، وأعدت شبابا جديدا تتراوح أعماره بين عشرين واثنين وعشرين سنة بدلا من جيل المناضلين القديم الذي أسس الأجهزة الأمنية".
أثبتت تلك القوات الجديدة فاعليتها من المنظور الأمريكي بداية من حرب 2009 ضد غزة، حيث نجحت في السيطرة على التظاهرات في الضفة الغربية؛ مما سمح للجيش الإسرائيلي بنقل كتائب من قواته المنتشرة في الضفة إلى غلاف غزة بعد أن زالت مخاوفه من اندلاع انتفاضة ثالثة، واستمر الوضع على هذا المنوال في جولات الصراع اللاحقة. وخلال انتفاضة السكاكين 2015-2017 أرسلت أجهزة الأمن عناصرها إلى المدارس للبحث عن السكاكين في حقائب ظهور الطلاب، وطلبت من المعلمين إرسال تنبيهات بشأن الطلاب المتغيبين.

العقبات وآفاق المستقبل


ظل أبو مازن يمثل مركز ثقل السلطة الفلسطينية مع بقائه في منصبه لعقدين رغم انتهاء ولايته عام 2009، فاحتكر إصدار قرارات تنظم عمل أجهزة الأمن في ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي منذ عام 2007. ولكن ساهم توقف مفاوضات السلام منذ عام 2014، ورفض حكومات الاحتلال المتعاقبة لمبدأ حل الدولتين، وإصرارها على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على غرب نهر الأردن كله، في تلاشي الآمال التي واكبت تأسيس أجهزة أمن السلطة الفلسطينية باعتبارها خطوة على طريق بناء الدولة المستقلة، ثم جاءت إجراءات إدارة ترامب المتمثلة في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف تمويل الأونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن لتمثل ضربة جديدة لطموحات السلطة الفلسطينية.
ينظر الاحتلال إلى العلاقة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية من منظور أمنه فقط؛ ولذا لا يسمح بتسليحها بعتاد متطور، ويهين أفرادها على حواجزه وخلال عمليات التوغل في المدن والمخيمات بالضفة، ويتعامل معها ضمن التنسيق الأمني الذي يحدث عمليا من جانب واحد، ويرتبط بتبادل المعلومات حول أنشطة المقاومة والاحتجاجات، وتجنب الاشتباك خلال توغلات جيش الاحتلال في المنطقة (أ)؛ وإعادة الإسرائيليين الذين يدخلون خطأً مناطق السلطة الفلسطينية، وهو ما يصنع مشهدا يقوض مشروعية أجهزة الأمن الفلسطينية في نظر المواطنين.
كذلك تساهم حوادث القمع المحلية من قبيل اعتقال ومقتل الناشط نزار بنات ضربًا على يد أفراد الأمن عام 2021، وفض اعتصامات المعلمين المتكررة، والاعتداء على طلبة الجامعات خلال انتخابات اتحاد الطلبة، في زيادة حجم الغضب الشعبي تجاه أجهزة الأمن. وهو ما يتواكب مع عجز السلطة عن حماية المواطنين من اعتداءات الاحتلال في أنحاء الضفة، ومن هدم المنازل ومصادرة الأراضي والتوسع في الاستيطان.
إن تلك الأوضاع دفعت بعض عناصر الأجهزة الأمنية مؤخرا إلى تنفيذ هجمات ضد جيش الاحتلال، كما في هجوم ضابط شرطة فلسطيني في 29 فبراير/شباط 2024 على محطة وقود بمستوطنة عيلي جنوب نابلس؛ مما أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين.
إن المعطيات السابقة تضع مستقبل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية على المحك، وخاصة في ظل غموض مرحلة ما بعد أبي مازن، والصراع المحتمل على خلافته بين قادة حركة فتح، وانحدار شعبية السلطة الفلسطينية، والتعنت الإسرائيلي في التعامل معها.


اقتصادُ السلطة الذي لا تُحتَمَل هشاشَتُه



عبدالله حرب
منذ أن انطلقت معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول  2023، و"الاقتصاد" الذي بنته أو تبنّته السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تحديداً، في تداعي. فليس أبْلغ دليلاً من الذي يجري في هذه الأيام على عمق الخلل البنيوي للسياسات المالية التي انتهجتها السلطة، ابتداءً من توقيعها "بروتوكول باريس الاقتصادي" مع الاحتلال عام 1994، والملحق بـ "اتفاقية أوسلو"، وصولاً إلى ما سمّي بـ "الإصلاحات المالية" التي شرع في تنفيذها سلام فيّاض عام 2007 تحت مظلّة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس أبو مازن.
لماذا تخصم "إسرائيل" منذ سنوات من أموال المقاصّة التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية؟ ولماذا أصلاً تقوم "إسرائيل" بجمع هذه الأموال نيابة عن السلطة؟ لماذا يوجد حوالي 200 ألف عامل في الضفة الغربية كانوا يعملون في المستوطنات الإسرائيلية والداخل المحتل وهم الآن عاطلون عن العمل؟ لماذا ينقلب الحال بشريحة اجتماعيّة بأكملها، فتنتقل من نمط حياة مريح ومرفّه إلى حالة العوز؟
يسعى هذا المقال إلى شرح كيف وصل سكّان الضفّة الغربية إلى هذا الوضع الاقتصادي الصعب، والذي بدأت معالمه تتكشّف بشكل أساسيّ مع أزمة جائحة "كورونا" عام 2019، ثمّ الآن مع التداعيات الاقتصادية لحرب الطوفان.
قبل العودة بالتاريخ، ماذا حلّ بالناس وسوقهم؟
وفقاً لأرقام "سلطة النقد" و"جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني"، فإن الديون على السلطة الفلسطينية بلغت مع نهاية عام 2022 حوالي 3.4 مليار دولار، منها حوالي 2 مليار دولار ديون داخلية لصالح البنوك المحلية، إضافة لتراكم حوالي 900 مليون دولار كديون متأخرة على السلطة الفلسطينية لصالح القطاع الخاص الفلسطيني، فيما تستمر الموازنة العامة للسلطة بتسجيل عجز سنوي لا يقل عن 7%.
يأتي كلّ ذلك في ظل التراجع المستمر للمنح والمساعدات الخارجية والدولية، والتي كانت تشكل عام 2008 مثلاً حوالي 28% من إجمالي الناتج المحلي للسلطة الفلسطينية، ثم تراجعت ووصلت إلى أقل من 2% عام 2021 وما بعده، وفقا لتقارير "البنك الدولي".
وإلى جانب الانهيار الكامل لجميع معالم الحياة في قطاع غزة، فقد شهدت كل القطاعات الاقتصادية تراجعا متفاوتًا خلال نصف العام الأخير، فوفقاً لأرقام "سلطة النقد الفلسطينية"، تراجعت القيمة المضافة لمختلف الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية خلال الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالفترة المناظرة لها من العام السابق، حيث تراجع قطاع الإنشاءات بمقدار 27%، وقطاع الخدمات -أكبر القطاعات حجماً- بمقدار 21%، وقطاع الزراعة بمقدار 12%، وقطاع الصناعة بمقدار 24%.
أما العاطلون عن العمل، فقد ازدادت أعدادهم في الضفة مع توقّف عمل العمال الفلسطينيين في أراضي الـ 48 منذ السابع من أكتوبر، وكذلك تراجعت أنشطة القطاع الخاص في الضفة، إذ تقدّر "سلطة النقد الفلسطينية" نسبة البطالة في الضفة لعام 2023 حوالي 30%، حيث فقد "الاقتصاد الفلسطيني" مع الحرب حوالي 270 ألف وظيفة، موزعة على العمال في أراضي الـ 48 والمستوطنات والقطاع الخاص الفلسطيني في الضفة.
[size=13]السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 23-1710778867تعاني الضفة اقتصاديًا من بطالة العمال وتأخر رواتب الموطفين - الضفة الغربية- الخليل- سوق البلدة القديمة (الجزيرة)

وحتى بالنسبة لموظفي القطاع العام الفلسطيني (موظفي السلطة)، فلم يتلقوا سوى ما قيمته راتب شهر ونصف في كل فترة الحرب. وإذا أضفنا لذلك كله، القيود المفروضة على الحركة نتيجة لحواجز الاحتلال وتضييقاته، فمن المتوقع وفقاً لـ "سلطة النقد الفلسطينية" أن ترتفع نسب الفقر في الضفة بشكل كبير خلال العام الحالي 2024.
هذا الحال هو بعض من نتائج السياسة المالية التي انتهجتها السلطة، ولكن قبل أن نوضح: ما هي هذه السياسة؟ وكيف أدت إلى ما أدت له؟ لنوضّح: كيف كان اقتصاد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل أوسلو ومجيء السلطة؟
كيف كان الاقتصاد الفلسطيني قبل أوسلو؟
طوال فترة الحكم العسكري للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة (1967 - 1994)، كانت كل الموارد والمؤسسات تحت سيطرة سلطات الاحتلال، حيث أشرفت هذه السلطات على إدارة النشاط الاقتصادي، وقامت بجباية الضرائب والرسوم، وإصدار تراخيص مزاولة الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
تشكّلت التركيبة القطاعيّة لاقتصاد الفلسطينيين فترة الحكم العسكري بشكل أساسي من قطاعات ثلاثة: أولاها؛ المشاريع المموّلة محليّاً، وهي مشاريع في معظمها عائلية موزعة على مجالات الصناعات التحويلية البسيطة والزراعة والسياحة وصناعة الحجر وغيرها، وثانيها؛ الجمعيات التعاونية، وتركز أغلبها في المجال الزراعي، وآخرها؛ التحويلات الماليّة الواردة من الخارج، ويتشكل معظمها من رواتب عمّال الضفة والقطاع داخل "الخط الأخضر"، وأموال المغتربين المحوّلة لعائلاتهم، إضافة لأموال المنح والمساعدات المختلفة.
لقد شكّلت المشاريع الصناعية المحليّة وقتها أحد أهمّ مصادر الدخل للفلسطينيين، ومثّلت واحداً من أبرز أشكال النشاط الاقتصادي المحلي الذي كان سائداً قبيل تأسيس السلطة الفلسطينية. وبعيداً عن الجدل الذي أحاط بجزء لا بأس به من هذه المشاريع في تلك الفترة، على اعتبار أنها مجرّد تعاقدات بالباطن لتشغيل "رأس المال الإسرائيلي" في الأراضي المحتلة عام 1967، فقد كانت من القطاعات التي استوعبت حوالي 26 ألف عامل، وذلك حسب دراسة لعادل سمارة نشرت عام 1990 في العدد الأول من "مجلة الدراسات الفلسطينية". وبحسب الدراسة شكّلت المشاريع الصناعية حتى أواخر ثمانينيّات القرن الماضي، حوالي 10% من الناتج المحلّي الإجمالي في قطاع غزة، ومثلها تقريباً في الضفة الغربية.
أما ما يخص القطاع الزراعي بشكل عام، فقد شكل حتى نهاية الثمانينيات حوالي 27% من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية، وحوالي 13% في قطاع غزة، مع العلم أن قطاع الزراعة كان يشكّل نسبة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة والقطاع قبل الحكم العسكري.
فقد كان لزراعة الزيتون مثلًا، وما يتعلق بها من أنشطة وأعمال، خلال فترة الحكم العسكري، حصةٌ لا بأس بها من "الاقتصاد الفلسطيني" في الضفة الغربية تحديداً، إذ بلغت حوالي 14% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي في الضفة، وتعتبر زراعة الزيتون فيها، أكبر قطاع من حيث تشغيل العاملين المستقلين.
وقد كانت التجربة الأبرز على صعيد "الاقتصاد الوطني" الفلسطيني في تلك الفترة، هي الجمعيات التعاونية. وبالرغم من أن هذه الجمعيات بدأت فعليا فترة الحكم الأردني للضفة الغربية وتأسست وفق القوانين الأردنية، إلا أن أدوارها الأبرز تجلت بوضوح خلال فترة الانتفاضة الأولى (1987-1993)، بوصفها مؤسسات تعتمد بشكل كلّي على رأس المال المحلي الوطني والجهود المحلية التشاركية، وكذلك توجه خدماتها وإنتاجها للسوق المحلي. ومع ذلك، فقد تجاوز دورها المجال الاقتصادي وتعدّاه ليشمل الأدوار الاجتماعية والتربوية والصحية؛ الأمر الذي ساهم في تعزيز صمود وتثبيت الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى.
لاحقاً، ومع تأسيس السلطة الفلسطينية وسيطرتها على الحيّز العام الاقتصادي والاجتماعي، تراجع تدريجيّاً دور التعاونيات وانتشارها في المجتمع الفلسطيني، وكان ذلك يعني خسارة الفلسطينيين أداة من أدوات المواجهة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى AFPOsloAccords-1710780680بعد أوسلو، كبّلت إسرائيل السلطة الفلسطينية باتفاقية باريس عام1994، ومن حينها والاقتصاد الفلسطيني تابع لاقتصاد المحتل (الفرنسية)
البروتوكول الذي تأبّد
قد يكون الشق الاقتصادي من اتفاق أوسلو، المعروف بـ "بروتوكول باريس الاقتصادي" أو "اتفاقية باريس" عام 1994، هو أكثر أجزاء الاتفاقية إثارة للجدل. وعلى الرغم من أن البروتوكول كالاتفاقية كلها، مُفترض أن تنتهي بعد 5 سنوات من توقيعها، مفسحةً المجال لقيام "الدولة الفلسطينية" الموعودة، إلا أن هذه السنين الخمس قد تأبدت إلى يومنا هذا. ومع المياه الكثيرة التي جرت في قنوات بقية أجزاء الاتفاق المتعلقة بالمسائل الأمنية والسياسية، ظلَّ اتفاق باريس ببنوده المختلفة صامداً ومطبّقاً بشكل مثاليٍّ تقريباً.
هكذا، جاء الاتفاق كمرحلة انتقالية، ليؤسس للاستقلال الفلسطيني وبناء المؤسسات الاقتصادية للدولة الفلسطينية المرتقبة، لكن بنوده وتفاصيله خلت من كل ما يمكن أن يؤدي لهذا الاستقلال أو الانفصال عن "الاقتصاد الإسرائيلي"، بل ورسّخت الاعتماد الكلي ومأسسة الارتباط العضوي بين الاقتصادين. فعلامَ نصّت الاتفاقية؟
من الناحية المؤسساتية، نصّت الاتفاقية على تشكيل اللجنة الاقتصادية المشتركة لمتابعة تطبيق الاتفاقية ونقاش التفاصيل والآليات وحل الخلافات التي قد تظهر لاحقاً، بالإضافة إلى تشكيل ما يلزم من لجان فرعيّةٍ فنيّةٍ.
وعلى صعيد جباية الجمارك على الواردات وضرائب المبيعات والقيمة المضافة -التي تشكل حالياً الحصة الأكبر من مداخيل  السلطة الفلسطينية-، فقد حصر الاتفاق أمر جبايتها وتحصيلها وتحويلها للسلطة بيد "إسرائيل"، بل أكّد الاتفاق على تقييد صلاحيات السلطة في تحديد قيم الضريبة والجمارك بفوارق محددة عن مثيلاتها في "إسرائيل" فيما يعرف بسياسة "الغلاف الجمركي الواحد"، مع الفارق الكبير بين مستويات الدخل على جانبي "الخط الأخضر"، أي بين الضفّة والقطاع من جهة، والقدس وأراضي عام 1948 من جهة أخرى.
وعلى صعيد العلاقة التجارية مع الدول العربية الحدودية، مصر والأردن تحديداً، فقد نصّت الاتفاقية على قائمة محدّدةٍ من السلع التي يمكن للسلطة الفلسطينية استيرادها منهما، وفق نسب جمركية وضريبية خاصة تحدّدها السلطة، وحتى هذا البند لم يخل من قيود متعلقة بالبيئة والمواصفات وغيرها.
أما على صعيد أسعار الوقود (البنزين تحديداً)، فقد قيّدت الاتفاقية قدرة السلطة على التسعير الخاص بها، بما لا يتجاوز فارق 15% عن سعر البنزين في "إسرائيل"، كما اشترطت لاستيراد الوقود من مصر والأردن قيودا متعلقة بالبيئة والمواصفات الأوروبية والأمريكية المعتمدة في "إسرائيل".
وتنص الاتفاقية على أن العملة الإسرائيلية عملة معتمدة في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا تعطي السلطة الحق في إصدار عملة خاصة إلا في إطار اتفاق يتم إقراره ضمن اللجنة الاقتصادية المشتركة، الأمر الذي حرم السلطة الفلسطينية من  اتخاذ سياسات مالية ونقدية مستقلة ومجدية.
[/size]


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 27 مارس 2024, 11:22 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Empty
مُساهمةموضوع: رد: السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى   السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى Emptyالأربعاء 27 مارس 2024, 10:56 am

ورطة الارتباط الاقتصادي
وفق "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، فإنّ لـ"إسرائيل" حصّة الأسد من التبادل التجاري مع السلطة الفلسطينية بما يصل إلى ثلثي قيمته، ففي عام 2022 بلغت الصادرات الفلسطينية لـ"إسرائيل" 88% من مجمل الصادرات الفلسطينية، فيما بلغت واردات السلطة الفلسطينية من "إسرائيل" للعام ذاته نسبة 57% من مجمل وارداتها، مع العلم أن ثمة عجز في الميزان التجاري لصالح "إسرائيل" بحوالي 3.2 مليار دولار تقريباً.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى %D9%8A%D8%A8%D8%B2%D9%84%D8%AF%D9%84%D8%B12903-1710780944تحصد إسرائيل سياسات الحصار والإفقار على شكل عمالة فلسطينية رخيصة تعمل داخل الأراضي المحتلة
(الجزيرة)

ليس هذا فحسب، فحتى السادس من  أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت "إسرائيل" تنافس السلطة على مركز المشغّل الأكبر للعمالة الفلسطينية، حيث كان يعمل في دولة الاحتلال ومستوطناتها في الضفة قرابة 200 ألف عامل فلسطيني، وقد تحوّل غالبية هؤلاء بين يوم وليلة لعاطلين عن العمل بقرار من الحكومة الإسرائيلية، في نموذج واضح على هشاشة الاقتصاد الفلسطيني، التي أسست لها اتفاقية باريس.
وفيما يبدو، أن إشكالية الاتفاقية لا تقتصر على ما فيها من إجحاف، إذ تتعدّى ذلك إلى الطريقة التي تعاملت بها السلطة الفلسطينية مع الاتفاقية. فوفقاً لدراسة صادرة عن "معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)" عام 2013، تناولت الواقع التطبيقي لاتفاقية باريس الاقتصادية، وخلصت إلى أن هناك بنوداً في الاتفاقية تخدم الاقتصاد الفلسطيني لم تبذل السلطة الفلسطينية جهداً لتفعيلها وتطبيقها واستخدامها بالشكل الأمثل، ومنها على سبيل المثال إمكانية استيراد الوقود بسعر أفضل من الأردن ومصر، أو البنود المتعلقة بمعلومات الضريبة المتبادلة لتقليص الفاقد في الجباية الضريبية (= الضرائب المستحقة غير المحصَّلة)، وكذلك بعض البنود المتعلقة بالزراعة والعمال وغيرها، كما تشير الدراسة لعدد من البنود التي لم تطبق أو طبقت بشكل منقوص.
على كل حال، ومع أهميّة نقاش الجوانب التقنية في الاتفاقية، إلا أنها ليست مجرد بنود اقتصادية تقنية يمكن علاجها بمعزلٍ عن السياسة، فهذا الاتفاق هو اتفاق سياسي بالأساس. فأي تحسين تقنيّ كان ممكناً في التطبيق، لم يكن ليعالج فقدان الفلسطينيين السيطرة على حدودهم ومنافذهم البرية والبحرية، ولا افتقارهم للبنك المركزي والسياسات المالية والنقدية المستقلة، ولن يعالج حرمانهم من الاستفادة من الثروات الطبيعيّة في أراضيهم، خصوصاً تلك الواقعة في المناطق المصنّفة كأراضي (ج) حسب اتفاق أوسلو عام 1993.
هكذا إذاً، لم يساهم بروتوكول باريس سوى في مأسسة وتعميق ارتهان السوق الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي. وعلى ضوء ذلك، توصّل جل الاقتصاديين الفلسطينيين قديماً، إلى استحالة أو صعوبة خلق اقتصاد فلسطيني قوي، أو تنمية اقتصادية مستدامة، في ظل تغوّل الاحتلال المتصاعد منذ توقيع اتفاقية أوسلو وضمن شروط ملحقها الاقتصادي. حتى أولئك الذين كانوا أكثر تفاؤلاً بإمكانية نجاح تنمية اقتصادية في هذه الظروف، بحسب مدير "معهد ماس" رجا الخالدي، انتهوا إلى ذات الاستنتاج.
لقد أكّدت الشهور الخمسة الأخيرة مجدّداً، مدى ضعف الاقتصاد الفلسطيني وانكشافه في وجه الأزمات. ولكن، ليست الاتّفاقات وحدها ما جلب هذه الأزمة على الاقتصاد الفلسطيني، بل أيضاً تصوّرات وقناعات ونماذج تبنّتها السلطة ونخبها، نتج عنها سياسات مالية واقتصادية طبّقت على مدار العقود الثلاثة الماضية، عمّقت من الشرخ الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني. فما هي هذه السياسات؟
سوق حرّة إلا من "إسرائيل"
يشير الخبير والمستشار الاقتصادي نصر عبد الكريم، إلى أن جزءاً لا بأس به من النخبة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، تعتقد بضرورة تحقيق مزيدٍ من الاندماج مع "الاقتصاد الإسرائيلي"، على اعتبار أنه الخيار الأصوب اقتصادياً، كون "الاقتصاد الإسرائيلي" اقتصاد متقدم ومندمج في الأسواق العالمية، ويتبنى سياسات السوق الحرة؛ الأمر الذي سيعود بالنفع على "الاقتصاد الفلسطيني"، وفق اعتقادهم.
هذا في الوقت الذي يتفق فيه العديد من الخبراء على أن الخيار الاقتصادي الأسلم، هو تقليل الاعتماد على "الاقتصاد الإسرائيلي"، وذلك لأسباب اقتصادية بحتة، بعيداً حتى عن الأسباب السياسية. إذ أن "الاقتصاد الفلسطيني" مقارنة بنظيره الإسرائيلي، يعتبر اقتصاداً صغيراً مغلقاً يفتقر للعديد من المقوّمات الضرورية للتنافس وحماية رأس المال والمنتج المحلّيين.
ولكن كفّة السعي المحموم نحو الاندماج بـ "الاقتصاد الإسرائيلي"، هي التي غلبت.
كانت المرحلة الأولى من تأسيس السلطة الفلسطينية، مرحلة بناءٍ للمؤسسات المختلفة، وسن القوانين والتشريعات أو استيرادها وتطبيقها محلّياً. لكنّ السمّة الأبرز، كانت وما تزال استيعابها لعدد كبيرٍ من الموظفين في القطاع العام بشقّيه المدني والأمني؛ الأمر الذي انعكس على حصة فاتورة الرواتب من مجمل النفقات العامّة، إذ تراوحت فاتورة الرواتب بين عامي 1997-2018 -وفق بيانات سلطة النقد ووزارة المالية والجهاز المركزي للإحصاء- بين 45% و60%، أي 50% كمتوسط، وهي نسبة كبيرة نسبياً تشكّل ضعف المعدّل العالمي لنسبة رواتب القطاع العام من النفقات العامّة.
كثرت الانتقادات حول غياب الحوكمة والشفافية وانتشار الفساد في أوساط السلطة، وصارت ذريعة استخدمت بقوّة للتضييق على ياسر عرفات لسحب الصلاحيات الماليّة منه ومأسسة الإنفاق والتمويل، وذلك على خلفيّة اتّهامه بدعم الانتفاضة المسلحة التي انطلقت عام 2000. لاحقاً، ومع انتهاء انتفاضة الأقصى، تولّى محمود عبّاس رئاسة السلطة، وقام بتشكيل حكومة سلام فيّاض، التي ذهبت بعيداً في تبنّي سياسات "السوق الحرة" إلا من "إسرائيل".
عمل فياض على حث البنوك على استثمار نسب أكبر من أموالها في الضفة الغربية، حيث بات قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، فأوعز للبنوك بالتعامل وفق سياستين مختلفتين لكل من الضفة وغزة. أما الضفة، فقد أغرقت بالتسهيلات البنكية، التي عنت في الغالب توفير قروض سهلة وسريعة لأغراض استهلاكية، فتضاعفت القروض الممنوحة بين عامي 2007 - 2017 إلى 4 مرات.
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى 1-1710781189عملت حكومة سلام فياض على خلق حالة رفاه وهمية تقوم على القروض وارتهان المواطنين للبنوك(الجزيرة)
لقد تركزت غالبية القروض الممنوحة على الأغراض الاستهلاكية أو غير الإنتاجية، فمثلاً، وحسب الأرقام الصادرة عن سلطة النقد لعام 2023، بلغت حصة قطاع الزراعة حوالي 2% فقط من قيمة التسهيلات الائتمانية الممنوحة، وقطاع الصناعة والتعدين حوالي 7%، بينما بلغت حصة شراء السيارات والمركبات حوالي 5%، وبلغت القروض الاستهلاكية حوالي 14%؛ الأمر الذي يمكن أن يعدّ مؤشراً واضحاً على طبيعة السياسة المتّبعة في توجيه ومنح التسهيلات الائتمانية.
وحتّى بعيداً عن الإقراض، أهملت القطاعات المهمة اقتصاديّاً وسياسيّاً كالزراعة والصناعات التحويلية، على حساب قطاعات التجارة الداخلية والخدمات. وبحسب دراسة صادرة عن "شبكة السياسات الفلسطينية"، فإن حصّة التجارة الداخليّة عام 2018 بلغت 22% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 7.5% للزراعة و 11.5% للصناعات التحويلية.
إضافة إلى ذلك، عملت السلطة على استقطاب رؤوس الأموال العربية والفلسطينية المغتربة، للاستثمار في الضفة الغربية، ويعدّ مؤتمر بيت لحم للاستثمار عام 2008 مثالاً جيّداً على جهود حكومة سلام فياض بهذا الصدد. ومع تدفق المساعدات الدوليّة والعربية للسلطة الفلسطينية، تحقّقت نسب نموٍ في الاقتصاد خلال سنوات حكومة سلام فيّاض، لكنّ نقداً كبيراً نشأ حول حقيقة هذا النمو وأثره الاقتصادي الحقيقي على الفلسطينيين.
كما تعدّ السلطة الفلسطينية من النماذج القليلة التي تشكّل الرسوم الجمركيّة نسبة كبيرة جداً من وارداتها المالية، فغالبية الدول والاقتصادات الطبيعيّة تكون حصة ضريبة الدخل أعلى بكثير من حصة الرسوم الجمركية في الواردات، لكن العكس يحصل في حالة السلطة. ويضاف إلى ذلك، أن هذا الاعتماد الكبير رهن السياسة الإسرائيلية، فهي التي تتحكم بجباية هذه الموارد (الرسوم الجمركية) وبالتالي تملك منعها أو تحويلها للسلطة أو استخدامها كعقوبة ووسيلة ضغط وابتزاز، كما هو جاري منذ سنوات.
نزع الاقتصاد عن السياسة
يشير الباحث إبراهيم شقاقي إلى أن هيمنة اقتصاد الاحتلال على "الاقتصاد الفلسطيني" وتبعّية الأخير، كانت هي السمة المميزة لفترة ما قبل السلطة الفلسطينية، فيما لم تستطع السلطة تغيير هذا الحال، بل على العكس ازداد معها رسوخاً.
أما فترة الانتفاضة الأولى بحسب شقاقي، فقد كانت استثناء، حين استطاع الفلسطينيون توظيف العامل المقاوم كأداة استقلال من خلال تبنّي المقاطعة ونشاط الجمعيات التعاونية، وهذا النجاح النسبي راجع لأن هذا العامل الاقتصادي استخدم في سياق مشروع سياسي في حينه. ويستنتج شقاقي أنه لا حلول اقتصادية لقضية سياسية، مفسراً بذلك فشل كل مسارات السلام الاقتصادي المتعاقبة.
هكذا، سعت السلطة الفلسطينية في سياساتها المالية إلى محاولة نزع السياسة عن الاقتصاد، إذ قدّمت نموذجاً اقتصاديّاً هشّاً، ظاهره رفاه وتنمية اقتصادية، وباطنه احتلال ينهب ويصادر ويسيطر على الموارد ويزيدنا تبعيّة له، وما كشّفه الطوفان من عورة، ليس سوى سوءة هذا النموذج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
السلطة الفلسطينية وطوفان الأقصى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة-
انتقل الى: