منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 العلاقة بين العقل والنقل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلاقة بين العقل والنقل Empty
مُساهمةموضوع: العلاقة بين العقل والنقل   العلاقة بين العقل والنقل Emptyالإثنين 28 أكتوبر 2013, 9:20 am


اقتباس :
البحث حول نقطتين هما:
1) ما المقصود بالعقل؟
2) ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟

الحمد لله والصلاة على رسول الله صل الله عليه وسلم أما بعد ،
فالبحث فى العلاقة بين العقل والنقل من المهام العظيمة لما يجعل نفوس المسلمين تعتقد الاعتقاد السليم الذى يسلم من الأهواء والفتن التى يتعرض لها المسلم وخصوصا فى تلك الحقبة التى تمر بها الأمة ومعنا اليوم يدور حول نقطتين هما: ماالمقصود بالعقل ؟ وما هى الغاية الرئيسية من وجود العقل؟
[b]ولما كانت الاستدلالات على حقيقة الأمور وماهيتها ينبثق من أمرين لاثالث لهما هما مناط أى حكم يكون بالنقل والعقل،
[b]والعقل لابد وأن يكون الصريح الذى لاتشوبه شائبة ، أو يوصف بعى أو هوى أو انحراف ،
[b]والنقل الذى لايعتريه أى ريبة أو شكوك أ, تحريف، 
[b]أو عدم تأكد من طريق وصوله الينا من حيث الصحة والضعف،
[b]والعقل أيضا حسب ماخلق له بحيث تكون حدوده فيما يستطاع استخدامه وفى حدود قدراته وامكاناته التى حبي الله عز وجل ابن آدم بها،
[b]أى أيضا فيما هو من عالم المشاهدة وليس من عالم الغيب أى فيما يشاهد ويحس ويعرف ويدرك وليس فيما عنه غيبى،
[b]لذا لابد علينا أن نسلك طريق يجعلنا نحكم على العقل هل هو صريح ليس فيه هوى أو تحريف أو مايضاد أن يكون صريح،
[b]لذا علينا أولا معرفة ماهو العقل وأين هو من ابن آدم وما حدوده وغاية وجوده وماهى امكاناته وحدود استخدامه بحيث يكون منبثق من تحت عباءة الشرع لا ليكون هو الحكم،
[b]لكن كيفيته لانستطيع معرفة كيفيته مثل الروح ( وما أوتيتم من العلم الا قليلا ) ، 
[b]والعقل هو في أصح الآراء : غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده تابعة للروح موضوعة في الجانب الغيببي من قلب الإنسان لا نعرف كيفيتها، ولكن نتعرف على وجودها ووجود أوصافها من أفعال الإنسان في ظاهر البدن، فيقال هذا عاقل إذا فعل أفعال العقلاء وهذا مجنون إذا لم يتصف بها.
[b]قال تعالى: (أَفَلَمْ يسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلونَ بِهَا)، فالآية تدل على أن العقل موجود في القلب.
[b]قال الثعالبي في الجواهر الحسان: (هذه الآية تقتضى أن العقل في القلب وذلك هو الحق، ولا ينكر أن للدماغ اتصالا بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ).
[b]وقال القرطبى في الجامع لأحكام القرآن: (أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محل الأذن، وقد قيل: إن العقل محله الدماغ وروي ذلك عن أبي حنيفة وما أراها عنه صحيحة)
[b]وقد أبعد ابن عاشور فى تفسيره للآية فقال:
[b]وأطلقت القلوب على تقاسيم العقل على وجه المجاز المرسل لأن القلب هو مُفيض الدم وهو مادة الحياة على الأعضاء الرئيسية وأهمها الدماغ الذي هو عضو العقل ، ولذلك قال : { يعقلون بها } وإنما آلة العقل هي الدماغ ولكن الكلام جرَى أوله على متعارف أهل اللغة ثم أجري عقب ذلك على الحقيقة العلمية فقال : { يعقلون بها } فأشار إلى أن القلوب هي العقل .
[b]ونزّلت عقولهم منزلة المعدوم كما نزّل سَيْرهم في الأرض منزلة المعدوم .
[b]والزمخشرى فى الكشاف :
[b]قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض } الآية . يعني كفار مكة أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية ، فذكر ما يتكامل به الاعتبار ، لأن الرؤية لها حظّ عظيم في الاعتبار ، وكذلك سماع الأخبار ولكن لا يكمل هذان الأمران إلا بتدبير القلب ، لأن من عاين وسمع ولم يتدبر ولم يعتبر لم ينتفع ، فلهذا قال : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } .
[b]قوله : « فَتَكُونَ » منصوب على جواب الاستفهام ، وعبارة الحوفي على جواب التقرير . وقيل : على جواب النفي وقرأ مبشر بن عبيد : « فَيَكُونَ » بالياء من تحت لأن التأنيث مجازي . ومتعلق العقل محذوف أي : ما حل بالأمم السالفة . ثم قال : { قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } أي : يعلمون بها ، وهذا يدل على أن العقل العلم ، وعلى أن محل العلم هو القلب ، لأنه جعل القلب آلة لهذا العقل ، فيكون القلب محلاً للعقل ، ولهذا سمي الجهل بالعمى ، لأن الجاهل لكونه متحيراً يشبه الأعمى

[b]وابن عطية فى المحرر الوجيز 
[b]، { أفلم يسيروا في الأرض } أي في البلاد فينظروا في أحوال الأمم المكذبة المعذبة ، وهذه الآية تقتضي أن العقل في القلب وذلك هو الحق ولا ينكر أن للدماغ اتصالاً بالقلب يوجب فساد العقل متى اختل الدماغ ، { فتكون } ، نصب بالفاء في جواب الاستفهام صرف الفعل من الجزم إلى النصب ، وقوله { فإنها لا تعمى الأبصار } ، لفظ مبالغة كأنه قال : ليس العمى عمى العين وإنما العمى حق العمى عمى القلب ، ومعلوم أن الأبصار تعمى ولكن المقصد ما ذكرناه 

[b]والعقل يقوم بتحصيل المعلومات وجمعها من حواس الإنسان ثم يحللها ويصنف الحدث المرافق لها، ثم يخزنها في ذاكرة الإنسان الذي بدوره يقوم باستدعائها حسبما يشاء

[b]العقل هو أساس الجهاز الإدراكى البشرى فهو في القلب يشبه المعالج في الكمبيوتر ، والحواس تشبه وسائل إدخال المعلومات أو إخراجها والمخ فيه ذاكرة الإنسان أو ما يشبه القرص الصلب ، والله عز وجل قد خلق الإنسان بجهاز إداركى محدود ، تحقيقا لعلة معينة ، تمثلت في الابتلاء كما قال تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيرا ً) (الإنسان:2) ، وقد أجريت التجارب والدراسات الحديثة ، لتقدير القيم التقريبية للحدود المعينة في المؤثرات الخارجية التي يستقبلها الجهاز الحسي والإدراكى في جسم الإنسان ، والتي يطلقون عليها في علم النفس العتبات المطلقة للحواس الخمس فوجدوا أن البصر يدرك به العقل صورة شمعة مضاءة ترى على بعد 30 ميلا في ليل مظلم صاف 290 مليميكرون ، ووجدوا أن السمع يدرك به العقل صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماما على بعد 20 قدما ، والتذوق يدرك به العقل ملعقة صغيرة من السكر مذابة في جالونين من الماء ، والشم يدرك به العقل نقطة عطر منتشرة في غرفة مساحتها 6 أمتار مربعة ، وحاسة اللمس يدرك جناح ذبابة يسقط على الصدغ من مسافة 1 سم تقريبا .
[b]فإذا كان الجهاز الإدراكى في الإنسان بهذه الصورة في الدنيا فمن الصعب أن يرى ما وراء ذلك ، كالذي يحدث في القبر من عذاب أو نعيم أو يرى الملائكة أو الجن أو عالم الغيب ، أو يرى ذات الله وصفاته من باب أولى ، ومعلوم أن عدم رؤيته لهذه الأشياء لا يعنى عدم وجودها فالجن مثلا جهازه الإدراكى يختلف عن الإنسان من حيث القوة قال تعالى في وصفه : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) (لأعراف:27) ، وموسى عليه السلام لما طلب رؤية الله لم يكن الجواب باستحالة الرؤية أو نفيها مطلقا ، ولكن النفي معلق بانتهاء الحياة الدنيا ، فإن الشيء لا يرى لسببين :
[b]1 - خفاء المرئي وهو ممتنع في حق الله .
[b]2- ضعف الجهاز الإدراكى للرائي .
[b]وهذا هو شأن موسى عليه السلام ، ولذلك تجلى الله للجبل الذي يتحمل أقصى درجة ممكنة من ضوء الشمس والذي لا يتحملة الإنسان أكثر من تسع دقائق تقريبا ، قال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ، فَلَمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ ) (الأعراف:143) .
[b]فمن الخطأ طلب البحث عن كيفية الأمور الغيبية أو الذات الإلهية أو صفاتها في الدنيا ، لأن النواميس التي أوجدها الله في الكون لا تسمح بذلك اللهم إلا إذا حدث خرق للعادة كأن يرى بعض الرسل الملائكة أو الجنة أو النار أو بعض أمور الغيب أو ما يعجز الإنسان العادي عن إدراكه .
[b]أما في الآخرة فالأمر مختلف تماما ، إذ أن مدركات الإنسان في الآخرة تختلف عن مدركاته في الدنيا كما صح الخبر عن رسول الله بذلك في الحديث المتفق عليه ، حيث قال : ( خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقـال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ) ، فالإنسان يوم القيامة على صورة آدم طوله ستون زراعا ومن أجل ذلك فإن مداركه وحواسه تتغير بالكيفية التي تناسب أمور الآخرة ، فإذا قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إنكم سترون ربكم عيانا ) أو ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ) ، كما روى ذلك البخاري علمنا أن إدرك العين المبصرة في الدنيا وقدرتها تختلف عن إدراك العين المبصرة في الآخرة وقدرتها على الرؤية .
[b]من أجل ذلك وجب الإيمان بالرؤية في الآخرة والتسليم بذلك لموافقته للعقل الصريح والنقل الصحيح ، وكذلك الحال في بقية الصفات فنؤمن بها ونثبتها لله دون طلب للكيفية ، أما العقل فأقصى حدوده أن يتعرف على الله ووجوده من خلال الأسباب ، فهناك عدة أمور يدرك بها العقل حقائق الأشياء ، أولها البديهيات أو الأوليات ، وذلك كالحكم على أن البعرة تدل يقينا على البعير وأن الأثر يدل يقينا على المسير ، ومن هنا كان المسلم على يقين بوجود الله من خلال إثبات وجود الخالق بدلالة المخلوقات ، وقد ثبت ذلك بحكم الأوليات أو البديهيات ، إن من أكبر المحرمات جريمة الزى ، والحكم فيها لا بد أن يقوم على مفردات يقينية ولا يبنى على أمور ظنية ، وقد بين القرآن وسائل إدراك اليقين عند الحكم على المرتكبين لها ، فمن ذلك البديهيات وارتباط العلل بالمعلولات ، كما قالت مريم للملك عندما قال لها : 
[b]( إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لكِ غُلامًا زَكِيًّا قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ وَلمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ – بزواج - وَلمْ أَكُنْ بَغِيًّا - بزنا – لأن البديهيات تجعل العاقل يحكم حكما يقينيا بأن الولد لا يأتي إلا من طريق مشروع أو طريق ممنوع ولذلك أكد لها الملك أن ذلك واضح صحيح ، وأن حالتها استثناء وأن الله يخلق ما يشاء - قَال كَذَلكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَليَّ هَيِّنٌ وَلنَجْعَلهُ آيَةً للنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا – من أجل ذلك أثبت لها الخالق براءتها ، بخرق العادات وظهور المعجزات ، وأوحى إليها أنها إذا رأت من أنكر عليها ، أن تلزم الصمت وتمتنع عن الكلام ، وكل ما عليها أن تشير إلى الغلام وتقول : 
[b]( إِنِّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلنْ أُكَلمَ اليَوْمَ إِنسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِليْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا قَال إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلنِي نَبِيًّا وَجَعَلنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ [b]
وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالدَتِي وَلمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلي يَوْمَ وُلدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) ، سبحان الله أطفل صغير ينطق بهذه الكلمات ؟ ويعرف كل هذه المعلومات ، ويفهم لوازم العبارات ( إِنَّ مَثَل عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَل آدَمَ خَلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ، ( ذَلكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْل الحَقِّ الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .
فالله عز وجل قادر على أن يعلم الناس ما يشاء ، فيدركون بأبصارهم ما هو تحت الأرض وفوق السماء ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ) البقرة ، ولكنه من حكمته جعل جهاز الإدراك في الإنسان محدودا ، وجعل باب الإطلاع على الغيب بالعقل وحده مسدودا ، لكي تكون الحياة نوعا من أنواع الابتلاءات ، ويكون أهل العلم بين الناس درجات ، فآيات القرآن أثبتت للإنسان جهازا للإدراك شاملا متكاملا أساسه في القلب ، أول مهامه إدراك الأشياء ومعرفة الأسماء ، وتمييز خصائصها والتعرف على أوصافها ، يقول الله تعالى : ( أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) وقال أيضاً: ( وَلقَدْ ذَرَأْنَا لجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الجِنِّ وَالإِنسِ لهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلئِكَ كَالأَنْعَامِ بَل هُمْ أَضَلُّ أُوْلئِكَ هُمْ الغَافِلُونَ ) ، فالبديهيات من أبرز الأمور العقلية في الدلالة على وجود الخالق .
[b]ومن الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء المحسوسات ، وقد جعلها الله وسيلة من وسائل الإثبات ، في الحكم على الزانيات المومسات فقال : ( وَالذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلدَةً وَلا تَقْبَلُوا لهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ إِلا الذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَأَصْلحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – جاء في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود أنه قَال : كنَّا ليْلةَ الجُمُعَةِ فِي المَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَال : لوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ ، أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ ، وَاللهِ لأَسْأَلنَّ عَنْهُ رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ ، فَلمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أَتَى رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ فَسَأَلهُ ، فَقَال يا رسول الله : لوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلمَ جَلدْتُمُوهُ أَوْ قَتَل قَتَلتُمُوهُ أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ ، فنزل قول الله تعالى :
[b]( وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلمْ يَكُنْ لهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنْ الصَّادِقِينَ وَالخَامِسَةُ أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَليْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لمِنْ الكَاذِبِينَ وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَليْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) .
[b]وقد أمر الله عبادة باستخدام المحسوسات التي هى من مكونات الجهاز الإدراكى في النظر إلى الإبداع الكونى ، والتأمل في خلق السماوات والتفكر في سائر المخلوقات ، ( إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) .
[b]وقال تعالى : ( أَفَلمْ يَنْظُرُوا إِلى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُل زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لكُل عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ لهَا طَلعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا للعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلدَةً مَيْتًا كَذَلكَ الخُرُوجُ ) ق/6: 11 ، وقال أيضاً: ( أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلى الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ وَإِلى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلى الجِبَال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) الغاشية/171:21 .
[b]والحق سبحانه وتعالى يدعوا عباده إلى النظر في آياتة الكونية ، والمخلوقات المرئية ، بما في ذلك النفس البشرية ، فهى في حقيقتها صفحات كونية وأدلة عقلية في كتاب الله الكونى ، ودور الإنسان الذي أمر الله به في القرآن هو التفكر والاعتبار والنظر في الآثار ، فالأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير ، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير ، فدور العقل هنا البحث في المخلوقات وما فيها من حكم وآيات ، فإن المفعولات دالة على الأفعال ، والأفعال دالة على الصفات ، فالمفعول يدل على الفاعل ، والمخلوق يدل على الخالق ، وذلك يدل باللزوم على وجود الله وقدرته وعلمه ومشيئته .
[b]ثم ما في المخلوقات من أنواع التغييرات ، وما فيها من تنوع في الأشكال والجمال والحسن والكمال ، يدل على وجود إرادة للحق في إدارة الملك ، كما أن ما فيها من المصالح والغايات والحكم البينات الواضحات ، يدل على حكمته وإتقان صنعته ، وغير ذلك مما دعانا الله تعالى إلى النظر فيه فقال سبحانه تعالى : ( إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الليْل وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ التِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَل اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُل دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164 .
[b]ومن الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء أيضا المتواترات : كعلمنا بوجود مكة والمدينة ، فإن العلم بوجودهما علم يقيني ، وكذلك بعثة النبي العلم بها علم يقينى ، لما ورد فيها من تواتر الأخبار وحملة الآثار ، وقد اتفق علماء الحديث على أن الأحاديث المتواترة تدل على اليقين وهى التي رواها جمع يستحيل اتفاقهم على الكذب عن جمع آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب إلى نهاية الإسناد إلى رسول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ .
[b]ومن الأمور التي يدرك بها العقل حقائق الأشياء التجريبيات وقد يعبر عنها باطراد العادات ، وذلك مثل حكمك بأن النار محرقة وأن الشمس مشرقة ، وأن الماء ينزل من السماء فيحي الأرض بعد موتها ، فهي سنن وعادات وتجربة وممارسات ، ولذلك حذرنا الله من العصيان ، بما حدث لأعدائه في سالف الزمان ، كان مصيرهم الخسف والمسخ والصيحة والنبران فقال تعالى : 
[b]( قَدْ خَلتْ مِنْ قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ آل عمران ) وقال : ( قُل للذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لهُمْ مَا قَدْ سَلفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلينَ ) ( فَهَل يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلينَ فَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا وَلنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلا ) ، وفي الحديث ( لا يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ ) .
[b]وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال : ( إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ وَإِنَّ العَبْدَ ليَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ) ، فغاية ما للعقل النظر في الأسباب والتعرف على دلالتها ، ولا يجوز للإنسان أن يتجاوز ذلك كما قال تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )

[b]ما هي الغاية الرئيسية من وجود العقل؟ معرفة الإنسان بما ينفعه ويضره، وكيف يحصِّل الخير الأعلى ويدفع عن نفسه الشر الأدنى ويحقق لنفسه الأفضل دائما
[b]أى بحيث يستطيع النجاة والبعد عن الوقوع فى الكفر والبدع التى تستوجب العذاب وان يستطيع أن يصل الى الجنة بالاخلاص والاتباع أى بفعل المأمورات والانتهاء عن النواهى.
[b]الا انه هناك الكثيرون من الناس يفعلون ما يضرهم ، ويقال عنهم بأنهم عقلاء.
[b]نقول: هذا عقل نسبي ، لأن أعقل الناس قد يكونون ممن يُضرب بهم المثل في العلم ، ولكن تسمع قول الله تبارك وتعالى فيهم : (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ . وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) (الملك:8-10) ، فهؤلاء كان لهم عقول ، ولكن لم يُميزوا بين الضرر والنفع ، لأن الله تبارك وتعالى لمَّا أوجد العقل فينا أراد منا أن نُميز بين ما ينفعنا وما يضرنا ، والإشكال الذي يحدث هو في قِصر النظر إلى النفع والضرر ، فتجد من يرى أن الخير الذي سيعود عليه هو أن يستمتع بالحياة بمجموعة من المتع .

[/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b][/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلاقة بين العقل والنقل Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلاقة بين العقل والنقل   العلاقة بين العقل والنقل Emptyالإثنين 28 أكتوبر 2013, 9:28 am


إمكانية التعارض بين العقل والنقل ، وكيف أن الهداية في قيادة النقل للعقل.
و من المحاضرات الأساسية التي لا يستغني عنها داعٍ ولا طالب علم ولا أي متخصص دراسة العلاقة بين العقل والنقل وبتفصيل ، لماذا؟
لأنها تضبط الفطرة ، وتجعل الإنسان إنساناً سوياً يُمكن التفاهم معه ، وأما إن كانت مقاييس العقل والنقل منحلَّة لا نستطيع أن نضبطها ، فكيف نستطيع أن يفهم بعضنا بعضاً أو نفهم كلام الله الذي نزل في كتابه وفي سنة رسوله ؟
ولذلك نحن نركِّز على هذه المحاضرات حتى نضبط الفطرة ، بحيث أن المحاضرات التي ستأتي بإذن الله تعالى بعد ذلك ستقع على القلب ، وسنعلم أن ما ورد في كتاب الله يتوافق مع عقل الإنسان وفطرته، فالإسلام دين الفطرة.
فستجد في كل المحاضرات أن هناك تقديماً للنقل على العقل ، وبالرغم من ذلك تجدها تقع على الفطرة وعلى القلب وعلى العقل بحيث لا تجد أي تعارض يُذكر ، وهذا لسلامة النظرة إلى العقل وعلاقته بالنقل.
• هل يمكن أن يتعارض العقل مع النقل ؟
هناك عبارة جمعتها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذا الموضوع وهي:
"العقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح ، بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يُرسل إليه ما يُفسده ".
العقل الصريح هو الواضح الذي يتعامل مع الأسباب بوضوح ، ويتعرف على مدارك اليقين ، ولا يختلف عليه اثنان .
النقل الصحيح يتمثل في القرآن ، وما صحَّ عن نبينا.
معنى "يشهد له ويؤيده" أن العقل يشهد لصحة النقل ويؤيده .
وإذا دققت في هذه العبارة ستجد أنها منطقية جداً وسليمة جداً ، فالعقل خلقه الله سبحانه وتعالى ، وهو العليم بكيفية هذا العقل ، لأنه تابع للروح ، والإنسان لا يعلم كيفية عقله ولا يعلم كيفية روحه التي بين جنبيه ، فالعقل والروح في داخل الإنسان وذاته ويعجز عن التعرف على كيفية روحه وكيفية عقله ، فالذي خلق الإنسان وسوَّاه وصنعه هو الذي وضع هذا العقل في قلبه ، فأنزل إليه نظاماً يسير عليه ، فمن المحال أن الذي يصنع صنعة يُرسل إليها منهجاً يُفسدها ، والإنسان لا يقبل ذلك على نفسه ، فمثلاً المصانع التي تُنتج الأجهزة الكهربائية تضع مع كل جهاز دليل التشغيل، ودليل التشغيل عبارة عن نظام منقول ممن صنع هذا الجهاز يقول لك فيه : عليك أن تلتزم بنظام التشغيل حتى لا تفسد الصنعة ، ونضمن لك سلامة الجهاز لمدة عام مثلاً ، فإذا التزم أحدٌ بهذا النظام هل تفسد الصنعة؟!
ولذلك نقول: لا يمكن على الإطلاق أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح ، فالعقل الصريح غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده ، فأنزل نقلاً منقولاً من الله إلى جبريل ونقله جبريل إلى رسول الله ، ونقله رسول الله إلينا ، وتأكدنا فعلاً أنه نقل صحيح ، إما من خلال القرآن أو ما صحَّ عن نبينا ، فطالما أن القضية كذلك ، فأعقل الناس الذي يطلب السلامة لنفسه والسلامة لهذه الآلة الموجودة داخل البدن والسلامة للبدن والسلامة للأمة كلها هو الذي يلتزم بكتاب الله وبسنة رسوله  .
فالإنسان إذا صنع صنعة لا يُرسل معها دليلاً يُفسد الصنعة ، ولو فعل ذلك لَعُدَّ ذلك عيباً ، فإذا كان ذلك فيما بين البشر، فكيف بخالق البشر الذي صنعهم وعدَّلهم وجعلهم في هذه الهيئة القويمة أن يُنزل منهجاً من السماء يلتزم به الإنسان فتفشل الصنعة؟!
إذاً ، من يقول بأن التزامه بالشرع يؤدي إلى الرجعية أو ما شابه ذلك ، هذا لا يفهم نفسه ولا يفهم عقله ولا يفهم شيئاً في الحياة على الإطلاق ، ولكنه تربَّى على أن ما يراه بعقله هو الصواب ، والحقيقة ليست كذلك ، بل العقل يقول أن الحماية تكون في ما نزل من عند الله ، ولذلك كان من المحال أن يضل الإنسان أو يشقى أو يعيش معيشة ضنكاً إذا اتبع هداية الله تعالى ، قال سبحانه وتعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) (طه:123).
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول ، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا ، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية ، وليس في المعقول ما يخالف المنقول". 
أي: ليس في العقل الصريح ما يخالف النقل الصحيح.
ويقول أيضاً: "من قال بموجب نصوص القرآن والسنة أمكنه أن يناظر الفلاسفة مناظرة عقلية يقطعهم بها ويتبين له أن العقل الصريح مطابق للسمع الصحيح". 
من قال بموجب نصوص القرآن والسنة : يعني التزم بما ورد في القرآن والسنة نصاً.
ولاحظ أن ابن تيمية رحمه الله تعالى ذكر هنا "السمع" بدلاً من "النقل" ، فالسمع أو النقل أو الخبر أو الوحي كل ذلك معناه واحد وهو ما جاءنا عن الله في الكتاب أو في السنة.
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى: "العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ، كما أن المنقول عن الأنبياء عليهم السلام لا يخالف بعضه بعضاً".
فما نزل على النبي لا يخالف حقيقة ما نزل على عيسى وعلى موسى وعلى سائر الأنبياء ، لماذا؟
لأن المصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل.
ثم قال رحمه الله تعالى: "لكن كثيراً من الناس يظن تناقض ذلك ، وهؤلاء من الذين اختلفوا في الكتاب ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد" 
وسبب الاختلاف أنهم قدموا عقولهم على المنقول ، وبدأوا يؤخرون كتاب الله ، ولا يُمكن أن الله سبحانه وتعالى يُنزل إلينا كلاماً ونظاماً ودستوراً لنسير عليه ونلتزم به ثم إذا التزم الإنسان به يفسد، بل الفساد في عكسه ، بل أغلب الذين كفروا بالله سبب كفرهم أهواؤهم وعقولهم ، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران: 101) ، والاعتصام بالله هو الاعتصام بالكتاب والسنة ، وإذا تركت الكتاب والسنة فلا تأمن على نفسك ، والإنسان قد يصل بسبب بُعده عن الله إلى الكفر والضلال ، والتعامل مع الحق سبحانه وتعالى من قِبَل الحق الواجب من عباده إليه ، وهو حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، فلو شاء الله تعالى لألزمنا قهراً ، كما قال تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) (مريم:93) ، فأنت عبد لله شئت أم أبيت ، ولكن لأنك في دنيا ابتلاء واختبار ترك الله لك مجالاً في مسألة اختيار الكفر أو الإيمان ،( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (الإنسان: 2-3)، فترك الله تعالى لك الخيار حتى تتحمل المسئولية ، فأنزل الله تعالى لك هداية لتلزم بها ، فإن أبيت فتحمَّل المسئولية ، ولكن من حق العبودية وما أوجب الله عليك أن تلتزم بالأوامر الشرعية إلزاماً ، ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لألزمك بها إلزاماً ، ولكن القضية أن الله تعالى كما أنه قدير هو أيضاً حكيم ، له الحكمة البالغة وله الحجة البالغة على خلقه ، خلق الدنيا للابتلاء ، والابتلاء يترتب عليه الجزاء في الجنة أو في النار.
قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (البقرة:170) ، فما أنزل الله هو النقل ، وما ألفوا عليه آباءهم مصدره العقل ، كما فعل كفار قريش الذين جحدوا رسول الله ورأوا بعقولهم أن المصلحة في أن تبقى قريش على ما هي عليه فيرتفع السادة ويبقى العبيد أذلاء ، فنظروا إلى مصلحة ضيقة ، في حين أنهم لو كانوا استجابوا لرسول الله واستجابوا للنقل واتبعوا رسول الله لسادوا الأمم .
فإذا نظرت بالعقل ستجد أن الكمال في النقل وفي اتباعه ، وهذا ستجده كثيراً في كتاب الله .
وقال تعالى في شأن من وَصَل إلى قِمَّة الكفر الذين يقولون لغيرهم: اتبعوا سبيلنا وستحيون في رغدٍ : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) ، فهؤلاء يقودون أنفسهم بأهوائهم وعقولهم ، وسبيل الحق سبحانه وتعالى يتمثل في النقل ، الذي فيه الهداية والكمال ، قال تعالى: (وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (العنكبوت:12) .
وللنظر إلى ما حدث من المتكلمين في قضية الأسماء والصفات ، يظل الواحد منهم سنين طويلة ويصنف عشرات الكتب حتى يقول للناس بأن نصوص الشرع ظاهرها باطل ، فاصرفوها عن ظاهرها ، أوِّلوا أو فوِّضوا أو عطِّلوا ...، وفي النهاية يقول:
نهايــة إقدام العقـول عِقـال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانــا أذى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا 
ثم يقول: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5] ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (فاطر: 10) ،وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى: 11] (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي" 
وكذلك قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) (يس:20)
فاتباع المرسلين هو اتباع للنقل لا للعقل ، (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فالذي يتبع النقل على هداية ، وأما الذي يتبع العقل فإنه إن كان على هداية في جزء فهو على ضلال في أكثر الأجزاء ، ولذلك نقول: لا يمكن أبداً أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح.
(ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) (محمد:3) فسمى المنقول حقاً ، وسمَّى اتباع العقول والأهواء باطلاً لأنه غير معصوم ، فعدم الرغبة في أن تكون تابعاً للنقل يعني أنك لا ترغب في الإسلام ولا ترغب في اتباع النبي ، وهذا معناه كفر والعياذ بالله ، ونحن نضرب أمثلة لبيان الفرق بين مذهب الباطل ومذهب الحق ، فأهل الكفر تدفعهم المصلحة والأهواء فيظنون بالخطأ العقلي أن المصلحة تكون في كذا وكذا ، في حين أن المصلحة الحقيقية التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى إلينا تتمثل في اتباع الرسل والأنبياء لأن هذا فيه الكمال .
وربنا سبحانه وتعالى مدح من اتبع طريقة الرسل والأنبياء فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ) (مريم:58) ، كل هؤلاء يتبعون المنقول ، لأن آدم نزل كأول رسول جاء بهداية من الله ، وربنا سبحانه وتعالى وضع له شرائعاً وأحكاماً يسير عليها هو وذريته من بعده ، وجاء من بعده نوح وإبراهيم وإسرائيل (يعقوب) وأولاد يعقوب (بنو إسرائيل) ، وممن هدى الله واجتبى من المؤمنين (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) فهم يدركون فيها الحكمة.
ولذلك نقول بأن أجمل شئ في العقيدة أن تُدرك حكمة الله في الأشياء وتؤمن بطلاقة القدرة ، فتشعر بأن الشئ وضعه الله سبحانه وتعالى في موضعه ولحكمة أرادها ، ويوم أن تصل إلى هذا الشعور ستشعر بنور في قلبك تُميِّز به بين أشياء لا يستطيعها غيرك ، وساعتها على الإنسان أن يحمد ربه على هذه النعمة ، فأكبر نعمة يصل إليها الإنسان هي نعمة الإيمان التي يتلمس فيها الحكمة ويفعل الشئ وهو سعيد بفعله ، سعيد بقربه من ربه ، سعيد بلذة الإيمان وهو يسجد لله ، وهذا الإحساس نسأل الحق سبحانه وتعالى أن يديمه علينا وأن يوفقنا إليه وأن نموت عليه .
ثم قال تعالى: ) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) ، فإذاً لا يُضيع أحد الصلاة بحجة أنها تعوق عن العمل ، بل على الإنسان أن ينظر كيف عبد النبي الله ، ومكَّن الله تعالى له ومكَّن لأمته ، فالأسباب خلقها الله سبحانه وتعالى.
وكذلك فإن حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7) ، فاتباع سبيل الله تعالى هو اتباع النقل ، فيستغفر للمتبعين للنقل حملة العرش والطوَّافون حول العرش . 
فإذا أراد الإنسان أن يستشير أحداً لفعل شئ ، فإنه يبحث عمَّن يدله من البشر ، فماذا إن كان الدليل ورد في التنزيل من عند رب العباد على رسول الله ؟!
• ماذا لو حدث تعارض بين العقل والنقل ؟
نرجع للعبارة المأخوذة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"العقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح ، بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يُرسل إليه ما يُفسده ، وإذا حدث تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين ، لا ثالث لهما ، إما أن النقل لم يثبت وإما أن العقل لم يفهم النقل"
فلا يمكن أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح ، وضربنا مثلاً لذلك بقياس الأولى ، وهو أن هذا لا يفعله إنسانٌ ، أن يصنع صنعة ويضع نظاماً ودليلاً لتشغيلها فتفسد ، فكيف بالحق سبحانه وتعالى؟! ، من باب أولى إذا أنزل نظاماً لتوجيه صنعته يأخذ بالإنسان إلى آخرته وجنته لا يُمكن أن يتعارض عقل الإنسان مع هذا النظام المتمثل في النقل الصحيح الثابت.
ولو حدث تعارض بين العقل والنقل ، فهذا لسببين اثنين:
o عدم ثبوت النقل
والمرجعية في عدم ثبوت النقل إلى علم الحديث ، وليس إلى العقل ، فلا يقول أحد: إذاً ، أسمع الحديث فأحكم عليه بالصحة أو بالضعف عن طريق العقل.
نقول : لا ، ولكن إذا جاء حديث تعارض مع العقل ، فالواجب أن أتأكد أولاً عن طريق علم الحديث أن هذا الحديث صحيح ، فأرجع إلى قواعد المحدثين ، وهل هو منقول برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة؟ فإن كان ، ننتقل إلى السبب الثاني.
o عدم فهم العقل للنقل
• السبب الأول في حدوث التعارض بين العقل والنقل أن النقل لم يثبت:
الإنسان بعقله يستطيع أن يُدرك أشياءً يشعر بها أنه يستحيل أن يكون الرسول قال مثل هذا الكلام ، ولذلك نقول بأنه من الأهمية بمكان أن يستطيع طالب العلم أن يُميِّز بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف ، وتعريف الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة. 
ولكن قد تجد حديثاً يشتمل على مجازفات شديدة جداً ، ومن أمثلة ذلك:
• حديث: "من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائراً ، له سبعون ألف لسان ، ولكل لسان سبون ألف لغة يستغفرون الله له" 
فالإنسان عندما يسمع هذا الحديث يشعر بأن هذه مجازفات ، وأغلب من يصنع هذه الأحاديث غلاة الصوفية ، ويقولون: نحن لا نكذب على الرسول ، وإنما نكذب له حتى نحبب الناس في دينه .
نقول : قد تواتر عن النبي أنه قال : "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" ، فالكلام الذي تقولونه إن كان خبراً فيتطلب التصديق ، فتكون عقيدة مبنية على خبر كاذب ، وقد جعلتم هذا الكلام وحياً ، وهو ليس بوحي .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أمثال هذه المجازفات الباردة لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين :
o إما أن يكون في غاية الجهل والحمق .
o وإما أن يكون زنديقاً .
• حديث : "الباذنجان لما أُكل له" .
قد صحَّ عن النبي أنه قال : "ماء زمزم لما شُرب له" ، وماء زمزم فيه خاصية عجز الأطباء عن تحليلها ، والذي يشرب منها يشعر بِشَبَع ورِيٍّ وهي سبب في الشفاء ، فيقول الأطباء: "فيها خصائص عديدة ومعادن عجيبة لا نعلم أصلها " ، وأما الباذنجان فنعمة من نِعم الله ، ولكن لا يجوز أن نقول بأنه لِمَا أُكِل له.
• حديث : "الباذنجان شفاء من كل داء" .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " قبَّح الله من وضع ذلك ، فإن هذا لو قاله بعض جهلة الأطباء لسخر منه الناس ؟، فكيف يكون كلاماً نبوياً ؟! ، ولو أكل الباذنجان للحمى والبرد وكثير من الأمراض لم يزده الباذنجان إلا شدة في المرض ، ولو أكله فقير ليستغني لم يُفده غِنى ، أو جاهل ليتعلم لم يُفده العلم" .
فهذا تعارض بين العقل والنقل ، والسبب في ذلك عدم ثبوت النقل. 
• حديث: "إذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه" .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولو عطس مئة ألف مرة وهو يروي حديثاً مكذوباً عن رسول الله ما قُبل منه" .
فهذا أيضاً يُعارض العقل ،والسبب أنه ليس من كلام رسول الله.
• حديث:"عليكم بالعَدس،فإنه مبارك يُرقق القلب، ويُكثر الدمع، قُدِّس فيه سبعون نبياً" .
سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث ، وقيل له : إنه يُروى عنك ، قال ابن المبارك: "عني؟؟!! ، ما أرفع شيئاً في العدس ، إنه شهوة اليهود" .
الله سبحانه وتعالى سمَّى العدس أدنى ، قال: (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة: 61) ، وهذا لما قال اليهود لموسى  : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) فالخير هو المَن والسلوى ، فالقرآن فيه أن العدس أدنى ، ويأتي من ينسب إلى النبي هذا الحديث المكذوب ، فالعدس نعمة من نعم الله ، ولكن ليس هذا الحديث من كلام النبي.
• حديث: "اشربوا على الطعام تشبعوا ، فإن الشرب على الطعام يفسده ويمنع من استقراره في المعدة ومن كمال نضجه" .
• حديث: "لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً ، ما أكله جائع إلا أشبعه" .

• حديث : "لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهباً" .
• حديث: "بئست البقلة الجرجير ، من أكل منها ليلاً بات ونفسه تُنازعه ، كلوها نهاراً وكُفُّوا عنها ليلاً" .
• حديث: "فضل الكرات على سائر البقول كفضل البُر على الحبوب " .
• حديث : "من أكل فولةً بقشرها أخذ الله منه من الداء مثلها" .

• حديث: "لا تسبُّوا الديك فإنه صديقي ، ولو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب" . 
فهذه كلها من الأشياء التي تُعارض العقل ، وهي ليست من المنقول.
• حديث: "إذا غضب الله تعالى أنزل الوحي بالفارسية ، وإذا رضي أنزله بالعربية" .
• حديث: "من ولد له مولوداً فسمَّاه محمداً تبركاً كان هو والولد في الجنة" .
• حديث: "ما من مسلم دنا من زوجته وهو ينوي إن حبلت منه يسميه محمداً إلا رزقه الله ولداً ذكرأً" .
• حديث: "إن الناس يوم القيامة يُدعَون بأمهاتهم ، لا بآبائهم" .

والإمام البخاري رحمه الله تعالى بوَّب في صحيحه باب "ما يُدعى الناس يوم القيامة بآبائهم ، وأورد فيه حديث في ذكر يوم القيامة فيه "أين فلان بن فلان" .
فماذا يصنع العاقل إذا سمع خطيباً ، يذكر في مرة حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله: "إن أول ما خلق الله القلم ، قال: وما أكتب؟ ، قال: اكتب كل شئ هو كائن إلى يوم القيامة ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد" ، ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر: "أول ما خلق الله العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أشرف منك" ، ثم ثالثاً فيه : "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" .
لا شك أن العاقل يقف حائراً بين هذه الروايات ، أيُّ الأشياء خلق أولاً ؟ وسيبعث ذلك في نفسه شكاً كما أنه من الخطأ التوفيق بين هذه الروايات قبل البحث عن ثبوتها ، وكان يجب على من نقل هذه الروايات أن يتثبت من صحتها أولاً:
- أما الحديث الأول فثابت صحيح رواه الترمذي وصححه الألباني .
- وأما الحديث الثاني فموضوع باتفاق ، كما ذكر العجلونى في كشف الخفاء ومزيل الإلباس ، وكما ذُكر في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة .
- وأما الحديث الثالث فموضوع رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله  ، قال: قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء ، قال : يا جابر ، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك ، خلقه من نوره ، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ، ولا جنة ولا نار، ولا ملك ، ولا سماء ولا أرض ، ولا شمس ولا قمر ، ولا جني ولا إنسي ، فلما أراد أن يخلق الخلق ، قسم ذلك النور أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول القلم ، ومن الثاني اللوح ، ومن الثالث العرش ، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول حملة العرش ، ومن الثاني الكرسي ، ومن الثالث باقي الملائكة ، ثم قسم الجزء أربعة أجزاء ، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله...............
هذه الأحاديث الموضوعة نقلها بعض الناس متوسعين في نقل هذه الروايات وفي النقل عن الإسرائيليات وما شابه ذلك، وأما بالنسبة لنا كدعاة على منهج أهل السنة والجماعة علينا أن نحافظ على سنة رسول الله ، على الأقل لا ننقل إلا الصحيح ، وإلا سيتعارض العقل مع النقل ، وقد يستخدم أحد هذا في الطعن على السنة ، كما حدث ممن أنكر الشفاعة وقال بأنها وساطة ومحسوبية والتي رواها كُتَّاب التاريخ والسير كالبخاري ومسلم .
فأمثال هؤلاء لأنهم لا يفهمون العلاقة بين العقل والنقل يشككون في الثوابت.

• السبب الثاني في حدوث التعارض بين العقل والنقل أن العقل لم يفهم النقل:
إن قال قائل: قلتم بأن التعارض سببه عدم ثبوت النقل، فماذا لو كانت آيات في القرآن بينها تعارض؟
نقول له: لا ، ليس بينها تعارض ، وإنما العيب في عقلك أنت ، فلا تتعجل ، ولا تُقدِّم عقلك على كتاب الله ، لأن الذي أنزل هذا الكلام قال في شأنه: ) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) (فصلت:42) ، والذي أنزله العليم الحكيم الخبير، ولا يُمكن أن يُنزل كلاماً إلى البشر يتعارض مع عقولهم ، فالمصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل.
فالسبب الثاني في حدوث التعارض بين العقل والنقل هو أن العقل لم يفهم النقل، ومن أمثلة ذلك:
• يقول قائل: هل يصح أن تقول بأن الله سبحانه وتعالى على العرش بمقتضى قوله : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) ، وفي السماء بمقتضى قوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) (الملك:16) ، وفي الآفاق وفي كل مكان بمقتضى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) (الحديد:4) ؟
نقول: هذا ليس بتعارض ، ولذلك جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه الثلاثة في آية واحدة ، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (الحديد:4) ، فمعنى في السماء أنه على العرش ، فبعد السماء السابعة الماء ، وبعد الماء العرش، وفوق العرش رب العالمين ، والله من فوق عرشه يسمع السرَّ وأخفى في سائر خلقه ، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ، فالله فوق عرشه ، وهو في السماء وهو معنا أينما كنَّا ، ولكن الإشكال في أنهم يتخيلون الله على أنه شخص ، وبسبب هذا التشبيه الذي يأتي إلى أذهانهم ينكرون النصوص. 
وانظر إلى كلام أبي الحسن الأشعري -الذي تُنسب إليه طائفة الأشعرية- في كتاب الإبانة: "فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ ، قيل له: إن الله يستوي على عرشه استواءً يليق به" ، فلم يقل رحمه الله : "استولى" ، بل قال بأن من يقولون بأن استوى تعني "استولى" جهمية وحرورية ومعتزلة .
وقال رحمه الله : "فالسماوات فوق العرش ، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) لأنه مستوٍ على العرش الذي فوق السماوات ، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات".
فأعلى سماء فوقنا العرش ، وفوق السماء السابعة ماء ، وفوق الماء العرش ، والله فوق العرش .
فإن قال قائل: ما شكل العرش؟ 
نقول: لا نعلم ، فحتى نعلم بذلك يلزم أمران ، إما أن نراه بأعيننا ، وهذا لم يحدث ، وقد قال النبي : "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" .
فالشئ لا يُعرف إلا برؤيته أو برؤية مثيله ، ولا يوجد مثيل لعرش الله سبحانه وتعالى ، ولا يوجد مثيل لله ، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى:11) ، فهناك كيفية يعلمها الله سبحانه وتعالى ، أما نحن فلا نعلم الكيفية ، ولكن نؤمن بها ، فهناك كيفية لاستواء الله جل جلاله يعلمها هو ولا نعلمها نحن.
ثم قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: " وليس إذا قال : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ) (نوح:16) ، ولم يُرد أن القمر يملأهن جميعا وأنه فيهن جميعاً ، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض"
وكتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعرى من أروع ما كُتب في عقيدة أهل السنة والجماعة ، وليحرص طالب العلم على اقتنائه.
فهذا مثال للتعارض بين العقل والنقل سببه أن العقل لم يفهم النقل ، فإذا حدث هذا ، على الإنسان أن ينسب الخطأ إلى نفسه ويُقدِّس كلام الله ولا يتجرأ عليه ، ويسأل أهل العلم ، فهو بذلك قد اتقى الله بأن ردَّ العيب إلى نفسه ونزَّه كلام ربه، والله تعالى قال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ) (البقرة:282) ، فيفهم في هذه الحالة ما أُشكل عليه ، وأما لو تجرأ وقدَّم عقله على كتاب ربه فلن يفهم وسيزداد في الضلالة ، كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً ) (مريم:75) .
• ومثال ذلك أيضاً تشكيك بعض أتباع المستشرقين من الإسلاميين أساتذة الجامعات وشيوخ الفضائيات في حديث الذباب الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله قال : "إذا وقعَ الذبابُ في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء" .
فأخذوا يطعنون في هذا الحديث ويقولون: "إن العقل لا يقبل هذا" ، حتى أثبت الطب الحديث أن هذا حق فصدقوا بهذا الحديث.
نقول: طالما أنه وحي ثابت بمنهج أهل الحديث فهو حديث صحيح والذي فيه حق ، وكون العلم يعجز عن اكتشاف ذلك ، فالعيب في عقل الإنسان ، وليس في كلام النبي.
فهذا الحديث من معجزات النبي الطبية التي يجب أن يسجلها له تاريخ الطب بأحرف ذهبية ، فالذباب عليه بكتيريا في أحد جناحيه ، ومضادات هذه البكتريا تتكون في الجناح الآخر ، ونحن نعلم أنه إذا أصاب البدن فيروسات فإن أفضل علاج له هو المضادات التي يفرزها الجسم لمقاومة هذه الفيروسات ، وهذا هو أنجح علاج وإلا ينتشر المرض ، فالذباب نفسه يفرز مادة مضادة قاتلة للبكتيريا الموجودة فيه ، فمن الذي علَّم النبي هذا الكلام؟! فهذا وحي نزل من السماء. 
وهذا الذباب نعمة من الله تعالى ، فهو مقياس لعامل النظافة ، فإذا وقع عدد قليل من الذباب على جسم الإنسان فإنها تنقل ميكروبات خفيفة ، وعندما تصل هذه الميكروبات إلى الجسم يقوم بعمل حماية تلقائية ، فتتعرف كرات الدم البيضاء على الميكروبات ، حتى إذا هجم ميكروب بهذه النوعية بعد ذلك ، يكون الجسم مستعداً له ، فهذا تطعيم تلقائي من قِبَل الحق ، فانظر إلى الحكمة ، فالله سبحانه وتعالى يحمي الإنسان بمثل هذه الأشياء ، وأما إن هجم الذباب على الإنسان فتكاثرت الميكروبات عليه حتى غلبت كرات الدم البيضاء ، حينئذ يُصاب الإنسان بالمرض ، وفي هذه الحالة يكون الإنسان هو المتسبب في هذا لأنه لم يحرص على النظافة.
فالله سبحانه وتعالى لا يفعل فعلاً إلا وهو خير يعود عليك ، وقال نبينا : "والشر ليس إليك" .
• ابن رشد الفيلسوف صاحب كتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " كان يقول : هنا أدلة الشرع متعارضة ، ونقدم العقل على النقل فيها.
ومن أمثلة ذلك : قوله سبحانه وتعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) (النساء:78) ، فالحسنة والسيئة من عند الله على عكس كلام المنافقين، وفي الآية التي بعدها يقول تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (النساء:79) ، فلماذا أنكر عليهم أولاً؟، فهل السيئة من عند الله أم من عند العبد إذا خالف؟ ، يقول: هذا تعارض ، فنقدم العقل على النقل.
نقول: لا يوجد أي تعارض على الإطلاق لأن هناك حسنة وسيئة بالمعنى الكوني، وحسنة وسيئة بالمعنى الشرعي، الحسنة والسيئة التي بالمعنى الكوني أن الله يخلق الشر والخير ، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (الأنبياء:35)، فهزيمة الإنسان في المعركة هي سيئة بالنسبة له ، ولكنها يمكن أن تكون خيراً ،قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (البقرة:216) ، فالنعمة أو النقمة ابتلاء من الله ، وهذا على اعتبار المعنى الكوني في ابتلاء العباد.
وأما على المعنى الشرعي ، فإن خالف أحد الشرع فهو المسئول لوقوعه في العصيان ، ولذلك يقول تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) أي ما أصابك من توفيق إلى طاعة فمن الله ، ولذلك فإن موافقة العبد للإرادة الشرعية موافقة أيضاً للإرادة الكونية ، وأما لو خالف العبد الإرادة الشرعية فإن الإرادة الكونية ستقع عليه.
فلا تعارض ، فإذا نظرت إلى وجه من وجوه التوحيد ، وهو معنى الربوبية التي بها يخلق الأشياء ، ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (التغابن:2) ، ولكن الذي يتحمل الوزر هو العاصي الذي عصى الله وخالف شرعه ، فما أصابه من سيئة فبسبب مخالفته ، وأما لو أطاع فسيصبح في خير (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96)
• ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56) فالخطاب هنا للرسول ، فالهداية هنا منفية عن رسول الله ، وفي آية أخرى يقول تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52) فأثبت الهداية للنبي ، فهل هذا تعارض؟
بالطبع لا ، وعلى من يرى في الآيتين تعارضاً أن يعيب عقله ، فالهداية المنفية عن رسول الله هي الهداية الكونية التي كتب الله فيها في اللوح المحفوظ أهل الجنة وأهل النار ، فالرسول  لا يعلمها ولا قدَّرها ، وأما المثبت للرسول فالهداية الشرعية ، (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي ) أي تُبين وتُرشد.
• وكذلك يقول قائل: اقرأ في القرآن قوله تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:74) ، ويقول أيضاً : (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى:11) ، ويقول في آية أخرى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل:60) ، ويقول: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27) ، فهل يُضرب لله المثل أم لا؟
نقول: قبل أن تُقْدِم على أن تُقَدِّم عقلك على كتاب الله وتشك في كلام الله اسأل ، قال تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (النحل:43) ، فلا تعارض بين الآيات ، فالله سبحانه وتعالى لا يجوز في حقه نوعين من القياس ، ويجوز في حقه نوع من القياس ، فلا يجوز في حق الله قياس التمثيل وقياس الشمول ، فقوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) ينطبق على قياس التمثيل والشمول ، وأما قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل:60) هذا قياس الأولى ، فالغيبيات تُقاس بقياس الأولى ، أما عالم الشهادة فيُقاس بقياس التمثيل والشمول.
• وكذلك قال تعالى في آية: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة:63-64) فنفى عنهم الزراعة ، وفي آية أخرى يقول: (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (الفتح:29) فسماهم زراعاً ، وقال يوسف : (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً ) (يوسف:47) ، هل هذا تعارض؟
نقول: باعتبار أن الله هو خالق الأسباب وهو الذي رتبها ، وهو الذي يخلق النتيجة على سببها ، والعلة التي تؤدي إلى معلولها ، فالله هو الذي زرع حقيقةً ، وباعتبار أن العبد يأخذ بالأسباب التي خلقها رب العزة والجلال سمَّاه زارعاً ، فهذه بالنظر إلى توحيد الربوبية ، وهذه بالنظر إلى توحيد الألوهية ، وليس هناك أي تعارض.
• وكذلك قال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ) (الأنفال:17) فالذي قتل المشركين هنا هو الله ، وفي آية أخرى يقول: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) (البقرة:191)
نقول: الآية الأولى باعتبار النظر إلى الربوبية وأن الله هو الذي خلق الأسباب ، وأنه سبحانه وفَّق في الرمي ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) ، وباعتبار أن العبد يأخذ بالتشريع والتكليف ويأخذ بالأسباب سمَّاه الله قاتلاً .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلاقة بين العقل والنقل Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلاقة بين العقل والنقل   العلاقة بين العقل والنقل Emptyالإثنين 28 أكتوبر 2013, 9:29 am


أيهما يقدم على الآخر عند التعارض العقل أم النقل؟
أيهما يقدم على الآخر العقل أم النقل؟ أو هل يمكن أن يكون النقل مطية للعقل؟ 
قال بعضهم العقل أصل في ثبوت النقل فلا بد من تقديم العقل على النقل، فرد علماء السلف وقالوا العقل أصل في العلم بالنقل والنقل ثابت قبل العقل.
موقف الخلف: فخر الدين الرازي(544-606هـ): "إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية، أو السمع والعقل، أو النقل والعقل، أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية، فوجب تقديم العقل. لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحاً في العقل الذي هو أصل النقل، والقدح في أصل الشيء قدح فيه، فكان تقديم النقل قدحاً في النقل والعقل جميعاً، ثم النقل إما أن يُتأول وإما أن يفوض)وذلك عندهم أمر بلا جدال، ومنهج متبع بلا فصال، وليس لتغييره عندهم مجال.
وقال بعضهم: (من أخذ علمه من العبارات والألفاظ ضل ضلالا بعيدا ومن رجع إلى العقل استقام أمره وصلح دينه). وهذا الكلام قد جعله المتكلمون قانونا شاملا، يقيسون عليه كتاب الله وسنة رسوله قياسا كاملا.
·الرد على قولهم: العقل أصل في ثبوت النقل أن نقول: العقل أصل في العلم بالنقل وليس أصلا في ثبوته.
والجواب أنه إذا تعارض العقل والنقل، لجهل العقل بما ورد في النقل، أو غاب عنه الفهم الصحيح للأدلة القرآنية والنبوية، وجب علي المسلم العاقل قبل التعطيل أو التأويل بغير دليل أن يتقى الله، ولا يقدم عقله وهواه، على كتاب الله وسنة رسوله S، فمهمة العقل تجاه النقل لمن صدق في إسلامه، تصديق المنقول إذا كان خبرا، وتنفيذه إذا كان أمرا.
ومن ثم فإن الله إذا عرفنا بنفسه في النقل الصحيح أو عرفنا بشيء مما في عالم الغيب أو عالم الشهادة وجب على كل إنسان مسلم عاقل أن يصدق بالمنقول عن الرسول Sتصديقا جازما يبلغ حد اليقين الذي ينافي الشك، ولا يرد الأدلة ويعطلها زاعما أنه من أصحاب المدرسة العقلية التي تحكِّم العقل في كل شيء حتى في باب الأسماء والصفات فيوجب على الله بعقله أشياء، ويجوز له من الصفات ما يشاء ويجعل ما نزل من السماء، في الخبر عن الصفات، دربا من الخيال أو المستحيلات.
قال ابن قيم الجوزية في شفاء العليل: (العقل الصريح موافق للنقل الصحيح والشرعة مطابقة للفطرة يتصادقان ولا يتعارضان خلافا لمن قال: إذا تعارض العقل والوحي قدمنا العقل على الوحي. فقبحا لعقل ينقض الوحي حكمه: ويشهد حقا أنه هو كاذب).
فالنقل لا يتوقف ثبوته على حكم العقل بصدق النقل، فالنقل أو القرآن والسنة أو الوحي ثابت في اللوح المحفوظ قبل وجود العقلاء، سواء صدق به العقلاء أو كذبوه.
ولذلك يقول تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لقَسَمٌ لوْ تَعْلمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا المُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالمِينَ أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).
وأقسم الله به بالكتاب على أنه في أم الكتاب فقال: (حم وَالكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لعَلكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لدَيْنَا لعَلِيٌّ حَكِيمٌ) الزخرف. 
فالنقل أو ما جاء في القرآن لا يتوقف ثبوته على حكم العقل بصدق الرسل، فإن تكذيبهم يضرهم ولا يضر الرسل، ويؤثر في مصيرهم، ولا يؤثر في صدق الرسل وبلاغهم عن ربهم.
روى البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا أنه قَال: (خَرَجَ عَليْنَا النَّبِيُّ e يَوْمًا فَقَال عُرِضَتْ عَليَّ الأُمَمُ فَجَعَل يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ ليْسَ مَعَهُ أَحَدٌ – العقلاء لم يصدقوه فهل العيب في الرسول أو العيب فيمن كذبوه؟ - وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيل هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ثُمَّ قِيل لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيل لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيل هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلفًا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
موقف السلف: صحيح البخاري ومسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال (جاء رَجُلٌ إلى النبي eفقال إِنَّ أَخِي اسْتَطْلقَ بَطْنُهُ فقال رسول اللهِ e اسْقِهِ عَسَلا فَسَقَاهُ ثُمَّ جَاءَهُ فقال إني سَقَيْتُهُ عَسَلا فلم يَزِدْهُ إلا اسْتِطْلاقًا فقال له ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جاء الرَّابِعَةَ فقال اسْقِهِ عَسَلا فقال لقد سَقَيْتُهُ فلم يَزِدْهُ إلا اسْتِطْلاقًا فقال رسول اللهِ e صَدَقَ الله وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَسَقَاهُ فَبَرَأَ).


العقل لا يقدم على النقل، والعقل ليس أصلا في ثبوت النقل، وإنما العقل أصل في التعرف على النقل والعلم به، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِليْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ) (النحل:43)، فلو آمن صاحب العقل بالنقل، وصدق رسل الله في بلاغهم عن ربهم، فهو المنتفع المستفيد، وإلا فلا يلومن إلا نفسه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على فخر الدين الرازي الذي قال العقل أصل في ثبوت النقل ولذلك وجب تقديم العقل على النقل عند التعارض، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (عدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها، فما أخبر به الصادق المصدوق S، فإنه ثابت سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه، ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا، وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس، وما أمر به عن الله، فالله أمر به وإن لم يطعه الناس، فثبوت الرسالة وثبوت صدق الرسول وثبوت ما أخبر به ليس موقوفا على وجودنا أو عقولنا).
·مثل العامي المستفتى مع الدال على المفتي.
كما أن شأن العقل مع النقل أو الوحي كشأن العامي المستفتى مع الشيخ العالم المفتي، فإذا عرف العامي المستفتى عالما يفتى الناس في أمور دينهم وعقيدتهم، فسأل الناس عن منزله فدله عليه أحد العامة، ثم اختلف المفتي مع العامي الذي دل المستفتى في حكم من ا؟لأحكام، فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي ورد كلام الذي دله على المفتي، فلوا أن من دله على المفتى قال له: الصواب معي خذ برأي ولا تأخذ برأي المفتى، لأنني أنا الأصل في علمك بأنه مفت، فإذا قدمت قوله على قولي طعنت في الأصل الذي عرفك أنه بأنه مفت، فيقول له المستفتي أنت لما شهدت بأنه مفت ودلتني عليه، شهدت بوجوب اتباعه دون اتباعك، وتقليده دون تقليدك، وموافقتي لك في الطريق إلى منزله، لا تستلزم موافقتي لك في كل مسألة، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت، فيجب عليك تقليد المفتى فيما لا مخالفة فيه لشرع الله، فالمفتي يجوز عليه الخطأ في فتواه ولو علمنا خطأه، فالمعصوم في خبره عن الله هو رسول الله e.
فالسلف الصالح لم يجوزوا أبد أن يكون النقل مطية للعقل بحيث يوجه الإنسان آيات القرآن في غير موضعها، ويحول أدلة السنة في غير مسارها الذي جاءت من أجله، كما فعل أصحاب المدرسة العقلية عندما وضعوا أنسقة فكرية في أذهانهم، كفروض يعملون على إثباتها، وغايتهم من البحث في القرآن والسنة، أن يجدوا بين الآيات والأحاديث، ما يؤيد رأيهم، ويقوى عقلهم، فيما ذهب إليه ولو بتعسف، وإن وجدوا في الأدلة ما يخالف مذهبهم قاموا بتأويل الآيات والأحاديث، تأويلا لا تحتمله النصوص، ولا يقوم على دليل واضح، أو قاموا برد الأحاديث الثابتة بالسند الصحيح بزعم أنها ظنية من رواية الآحاد، التي لا تفيد اليقين في أمور الاعتقاد. 

·أيهما يحكم على الأشياء بالحسن والقبح العقل أم النقل؟
وهنا سؤال أخير ربما يطرحه بعض المفتونين بالعقل من أصحاب المذاهب العلمانية، فربما يقول أحدهم هل معنى ذلك إن العقيدة السلفية، تحارب العقل وتجعله أسيرا للنقل؟ 
أين التفتح والانفتاح، أليس للعقل شيء مباح؟ الغرب تقدموا بالعقل ووصلوا إلى القمر، وهيمنوا علينا ونحن في ذيل البشر؟ فأيهما يحكم على الأشياء بالحسن والقبح؟ فنقول لهؤلاء إن العقول تختلف في نظرتها إلى الأشياء حسنا وقبحا، فما يراه العاقل خيرا يراه غيره شرا، ولذلك تتعارض المذاقات وتشتعل الخلافات، فهل الحسن والقبح في الأشياء، مرده إلى النقل فقط دون اعتبار للعقل؟ 
والجواب هنا يتعلق بفهمنا للأحكام الشرعية التكليفية. أحكام العبودية وهي درجات الأمر التكليفي بالفعل أو الترك من حيث إلزام العبد بها أو تخيره فيها، وهي الأحكام الشرعية التكليفية التي دل عليها كتاب الله سنة رسوله S وتتمثل في خمسة أنواع:
1-الواجب: ويسمي أيضاً بالفرض وهو ما أمر به الحق تبارك وتعالي أو أمر به رسوله صلي الله عليه وسلم وألزمنا بفعله إلزاماً يقتضي العقاب لتاركه، كما أن فاعل الوجب يثاب على إمتثاله لأمر الله (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَليْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لعَلكُمْ تَتَّقُونَ) أو يصرح الشارع بلفظ: فرض أو وجب، فإنه مصرح بدرجة الحكم وهي الفرضية أو الوجوب كما في قوله S لمعاذ بن جبل t: (فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَليْهِمْ خَمْسَ صَلوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَليْلتِهِمْ). وكقوله صل الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل)، فالغسل حكمه الوجوب لتصريح الشارع بذلك
2-المستحب: ويسمي أيضاً بالمندوب أو السنة:وهو ما أمر به الحق تبارك وتعالي أو أمر به رسوله صلي الله عليه وسلم دون إلزام بفعله، بل يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. ومن أمثلته ما ورد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إلي أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ولكن جاءت قرينة آخرى في الآية التهية بينت أن الله لا يريد منا الوجوب ولكن يريد الاستحباب والندب، قال تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ). وقد أمر رسول الله S ثلاث مرات بالصلاة قبل المغرب في حديث عَبْد اللهِ الْمُزَنِيّ t فقَال: (صَلُّوا قَبْل صَلاةِ الْمَغْرِبِ، قَال فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً).
3-المباح: وهو ما خيرنا فيه الشارع بين الفعل أو الترك ففعله كتركه وقوله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لعَلكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالأمر في قوله: (فانتشروا) للتخيير والإباحة لأنه ورد بعد حظر ومنع، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلي ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلمُونَ).
4-المكروه: وهو عكس المستحب وتعريفه: هو ما نهي عنه الشارع لا علي وجه الحتم والإلزام أو هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعلهكَتَرْكِ صَلاةِ الضُّحَى مَثلا لا لِنَهْيٍ وَرَدَ عَنْهُ وَلكِنْ لِكَثْرَةِ فَضْلِهِ وَثَوَابِهِ.
5-المحرم: ضد الواجب وهو:ما نهي عنه الشارع علي وجه الحتم والإلزام والمحرم. يثاب تاركه إمتثالاويعرف الحرام أيضا إذا ورد التصريح بلفظ التحريم كقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَليْكُمْ الْمَيْتَةُ)، وقوله: (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلى الْمُؤْمِنِينَ). فهذا التحريم تكليف من الله تعالى لعباده بالمنع، ويعرف الحرام أيضا بأن تكون الصيغة التي تدل على طلب الترك مقترنة بوعيد وعقاب، كالمنع من الجنة أو الدخول في النار أو اللعن أو الغضب أو الذم أو القبح أو ما شابه ذلك.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69658
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

العلاقة بين العقل والنقل Empty
مُساهمةموضوع: رد: العلاقة بين العقل والنقل   العلاقة بين العقل والنقل Emptyالإثنين 28 أكتوبر 2013, 9:31 am

اقتباس :


تابع
أيهما يقدم على الآخر عند التعارض العقل أم النقل؟
فالواجب والمستحب والمحرم والمكروه هذه الأربعة السيادة فيها للنقل للقرآن والسنة، النقل هو الذي يحكم هنا بحسن الأشياء وقبحها، والعقل تابع فيها للنقل يؤيده ويعضده ولن يجد عاقل في فطرته ما يخالف الأحكام التكليفية أو يعارض الشريعة الإسلامية، أما إذا قُدم العقل على النقل في الواجب والمستحب، والمحرم والمكروه من الأحكام، فسوف تظهر البدعة في الإسلام، وسوف تتغير ملامح الشريعة، وتصبح ألعوبة في يد المبتدع.
وأما دور العقل في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح فهذا مقصور على المباح من الأحكام فقط، فالقيادة والسيادة هنا للعقل والنقل يؤيده ويعضده ويعاونه ويساعده.
فقد ثبت عند الإمام مسلم من حديث رافع بن خديج قال: (قَدِمَ نَبِيُّ اللهِ s المَدِينَةَ وَهُمْ يَأْبُرُونَ النَّخْل يَقُولُونَ: يُلقِّحُونَ النَّخْل، فَقَال: مَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَال: لعَلكُمْ لوْ لمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ أَوْ فَنَقَصَتْ قَال: فَذَكَرُوا ذَلكَ لهُ، فَقَال: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ). 
وعند مسلم أيضا من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ s مَرَّ بِقَوْمٍ يُلقِّحُونَ فَقَال: لوْ لمْ تَفْعَلُوا لصَلُحَ، قَال: فَخَرَجَ شِيصًا – أي بلحا لا يؤكل - فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَال: مَا لنَخْلكُمْ؟ قَالُوا: قُلتَ كَذَا وَكَذَا، قَال: أَنْتُمْ أَعْلمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ). 
فالرسول s ترك الحكم بالحسن والقبح إلى عقولهم، واجتهادهم وخبرتهم في الحياة، فآرائهم مقبولة في المباحات من أمور الدنيا، دون بقية الأحكام الشرعية، أو التكليفات الدينية، فنقول لهؤلاء العقلاء، اصعدوا إلى القمر لتكتشفوا أسرار الكون وعظمة الله، وأرسلوا المركبات الفضائيه والتلسكوبات القوية لتراقبوا أعداء الله، وخذوا بأسباب القوة وسائر العلوم التي تنصروا بها دين الله.
لكنهم يجاهرون الله بالعصيان، تشبها بالغرب في الكفر والفسوق والعصيان، فأنت أيها المتحرر الذي ترى في الغرب أسوة، هل تأسيت بهم في العلم المادي، أم تشبهت بفسقهم وسميت ذلك تقدما حضاري؟ تفعل أفعال الكافرين الذين يستحقرون ديننا ويبغضون المؤمنين، فتسير خلفهم شبرا بشر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلته خلفهم، ولبست لباسهم، وتعريت مثلهم وشربت خمرهم، وألفت سكرهم، وطعمت بيسراك طعامهم، ثم قلدتهم وقلد أولادك مجونهم، ونشرت بجهلك فكرهم، وقلدت بغبائك أفعالهم، وخرجت عن وصفك، وواليتهم على بنى ***ك، ثم سميت ذلك حضارة، وعقلا وتحررا واستنارة، ثم تأتى وتقول أنا مسلم متحرر أشهد ألا إله إلا الله، ولن أغير حياتي وسأبقى على هذا إلى يوم وفاتي.
فالله عز وجل أنعم علي الإنسان بنعمة العقل، وجعل العقل محل التمييز وأساس الإدراك، وجعل له حدودا وقيودا لا يتجاوزها، فإن تجاوزها أصبح نقمة لا نعمة، فعلماء السلف الصالح جوزوا إعمال الفكر والعقل فيما يؤدى إلى إظهار الدين ونصرة المسلمين، والعمل بمقتضى القرآن والرد على المخالفين، الذين يقدمون آراءهم على كتاب رب العالمين وسنة سيد الأنبياء والمرسلين.

·قاعدة في تعريف البدعة والمبتدع:
العقل لا يقدم على النقل في الواجبات والمندوبات ولو قدم لظهرت بدع العبادات.قال ابن تيمية: (من تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب).
قراءة الفاتحة بدلا من الدعاء النبوي في صحيح مسلم من حديث عائشة: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ).
قال الإمام مالك رحمه الله: (مَن ابْتَدَعَ في الإِسلام بدعة يَراها حَسَنة؛ فَقَدْ زَعَمَ أَن مُحمّدا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خانَ الرّسالةَ ؛ لأَن اللهَ يقولُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُمْ، فما لم يَكُنْ يَوْمَئذ دينا فَلا يكُونُ اليَوْمَ دينا).
· العقل لا يقدم على النقل في الغيبيات ولو قدم لظهرت بدع الاعتقادات.
كبدعة المعتزلة في القول بخلق القرآن التي فرضها الخليفة المأمون بن هارون و*** فيها مئات من المسلمين .
أدخل الشيخ أبو عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق الأُزدي على الخليفة الواثق أمير المؤمنين وهو مقيد بالسلاسل، وكان شيخا شاميا أمر قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد باعتقاله لأنه كان يقول بقول الإمام أحمد بن حنبل في إثبات صفة الكلام لله تعالى، فسلم غير هائب ودعا فأوجز. قال له الواثق: يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه. فقال الشيخ الأزدي: يا أمير المؤمنين هذا لا يقوى على المناظرة. فغضب الواثق لإهانته قاضي القضاة، وقال: أبو عبد الله بن أبي دؤاد يضيق أو يقل ويضعف عن مناظرتك أنت ؟! فقال: هوّن عليك يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في كلامه ؟ فقال الواثق: قد أذنت لك.
ثم التفت الشيخ إلى أحمد بن أبي دؤاد وقال له: خبرني يا بن أبي دؤاد، أمقالتك تلك ـ يقصد الشيخ بدعته في القول بخلق القرآن ـ واجبة في أصول الدين فلا يكون كاملا إلا بما قلت ؟ قال ابن أبي دؤاد: نعم. قال الشيخ أبو عبد الرحمن: هل ستر الرسول s شيئا مما أمر الله به المسلمين في أمر دينهم؟ قال ابن أبي دؤاد: لا. قال الشيخ: أفدعا إلى مقالتك هذه ؟ فسكت بنُ أبي دؤاد. قال الشيخ أبو عبد الرحمن للخليفة الواثق: يا أمير المؤمنين هذه واحدة.
ثم قال: يا ابن أبي دؤاد أخبرني عن الله تعالى حين أنزل: } اليَوْمَ أَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكُمْ الإِسْلامَ دِينَا {[المائدة:3]، فقلت أنت الدين لا يكون تاماًّ إلا بمقالتك في خلق القرآن، فهل كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه أو أنت الصادق في نقصانه ؟ فسكت بن أبي دؤاد. قال الشيخ أبو عبد الرحمن لأمير المؤمنين الواثق: يا أمير المؤمنين ثنتان. ثم قال: يا أحمد مقالتك هذه علمها رسول الله أم جهلها ؟ قال: علمها. قال الشيخ أبو عبد الرحمن: أفدعا الناس إليها؟ فسكت بن أبي دؤاد. قال: يا أمير المؤمنين ثلاث.
ثم قال: خبرني يا أحمد، لمّا علم رسول الله s مقالتك التي دعوت الناس إليها هل وسعه أن أمسك عنها أم لا ؟ قال أحمد: علمها وسكت عنها. قال الشيخ أبو عبد الرحمن: وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رحمة الله عليهم ؟ قال: نعم، قال أبو عبد الرحمن: أفوسع رسول الله s أن علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب بها أمته ؟ قال: نعم. فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الخليفة يقول: يا أمير المؤمنين إن لم يسعه ما وسع رسول الله السكوت عنه، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله أن يسكت عنه. قال الواثق: نعم لا وسع الله على من لم يسعه ما وسع رسول الله s أن يسكت عنه، فبكى وأمر بحل قيوده، فجاذب الشيخ أبو عبد الرحمن الحداد على القيود يود لو يحتفظ بها.
قال الواثق: ولم ؟ قال: نويت أن تجعل بيني وبين كفني لأخاصم بها هذا الظالم يوم القيامة وبكى الشيخ أبو عبد الرحمن، وبكى الواثق، وبكى الحاضرون. قال الواثق: اجعلني في حل. قال: والله لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله s إذ كنت رجلا من أهله. قال الواثق: تقيم معنا. قال الشيخ أبو عبد الرحمن: ردك إياي إلى الموضع الذي أخذني منه هذا الظالم أجدى عليك وأنفع لي ثم قام وخرج .
وبعد هذه المناظرة بيت الولاة النية على رفع المحنة عن العباد، فلما تولى المتوكل الخلافة سنة232هـ انتصر لأهل السنة، وكان من أفضل خلفاء بني العباس لأنه أحسن الصنيع لأهل السنة بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون فإنهم أساءوا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدعة.
·من قدم العقل على النقل ضل تأكد من حيرة العقل وضلاله 
كما أن كثيرا ممن قدم العقل تأكد من حيرة العقل وضلاله وتمسك بالنقل واعترف بفضله وحسنه وجماله.
قال في درء التعارض /89العلاقة بين العقل والنقل Sadالقول بتقديم الإنسان لمعقوله علي النصوص النبوية قول لا ينضبط وذلك لأن أهل الكلام والفلسفة الخائضين المتنازعين فيما يسمونه عقليات كل منهم يقول:إنه يعلم بضرورة العقل أو بنظره ما يدعي الآخر أن المعلوم بضروة العقل أو بنظره نقيضه، وهذا من حيث الجملة معلوم فالمعتزلة ومن اتبعهم من الشيعة يقولون:إن أصلهم المتضمن نفي الصفات والتكذيب بالقدر الذي يسمونه التوحيد والعدل معلوم بالأدلة العقلية القطعية ومخالفوهم من أهل الإثبات يقولون:إن نقيض ذلك معلوم بالأدلة القطعية العقلية).
وأكثر الفضلاء العارفين بالكلام والفلسفة بل وبالتصوف الذين لم يحققوا ما جاء به الرسول تجدهم فيه حيارى كما وأعترف أبو عبد الله فخر الدين الرازي بضلال العقل وهداية النقل في باب الصفات فقالالعلاقة بين العقل والنقل Sadومن الذي وصل إلي هذا الباب أو ذاق من هذا الشراب؟ ثم أنشد:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ... وَغَايَةُ سَعْيِ الْعَالمِينَ ضَلالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذَى وَوَبَالُ
وَلمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُول عُمْرِنَا... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ: قِيل وَقَالُوا
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلةٍ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وَزَالُوا
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلتْ شُرُفَاتِهَا... رِجَالٌ، فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات (الرحمن على العرش استوى) (طه:5)(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر:10). واقرأ في النفي (ليس كمثله شيء) (الشورى:11)(ولا يحيطون به علما) (طه:110) (هل تعلم له سميا) (مريم:65) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
وكان ابن أبي الحديد البغدادي من فضلاء الشيعة المعتزلة المتفلسفة وله أشعار في هذا الباب كقوله:

فيك يا أغلوطة الفكر... حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقول فما... ربحت إلا أذى السفر
وهذا إمام الحرمين ترك ما كان ينتحله ويقرره واختار مذهب السلف وكان يقول يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام فلو أني عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به وقال عند موته لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت فيما نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وهاأنذا أموت على عقيدة أمي أو قال عقيدة عجائز نيسابور
قال ابن تيمية: (وقد حكي لي أن بعض الأذكياء ـ وكان قد قرأ علي شخص هو إمام بلده ومن أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة وهو ابن واصل الحموي ـ أنه قال:أضطجع علي فراشي وأضع الملحفة علي وجهي وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدله هؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجح عندي شيء ولهذا انتهي أمره إلي كثرة النظر في الهيئة لكونه تبين له فيه من العلم ما لم يتبين له في العلوم الإلهية).
وفي الحديث المأثور عن أبي بَرْزَةَ عَنِ النبي e قال (ان مِمَّا أغشى عَليْكُمْ شَهَوَاتِ الغي في بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلاَّتِ الهَوَى) 

مسند أحمد بن حنبل ج4/ص423(19803) وصححه الألباني
وهؤلاء المعرضون عن الطريقة النبوية السلفية يجتمع فيهم هذا وهذا:اتباع شهوات الغي ومضلات الفتن فيكون فيهم من الضلال والغي بقدر ما خرجوا عن الطريق الذي بعث الله به رسوله
ولهذا أمرنا الله أن نقول في كل صلاة (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
وكان السلف يقولون:احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون فكيف إذا اجتمع في الرجل الضلال والفجور؟
قال ابن تيمية: (إذا كان فحول النظر واساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلي الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات ثم لم يصلوا فيها إلي معقول صريح يناقض الكتاب، بل إما إلى حيرة وارتياب وإما إلي اختلاف بين الأحزاب فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه من العقليات؟ فهذا وأمثاله مما يبين أن من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو جهل مركب).
فالأول: (وَالذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ) (النور:39) .
والثاني: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لمْ يَجْعَلِ اللهُ لهُ نُورًا فَمَا لهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40).
وأصحاب القرآن والإيمان في نور علي نور قال تعالي (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِليْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلكِنْ جَعَلنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتَهْدِي إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللهِ الذِي لهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) (الشورى:53).
وقال تعالى (الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَليْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلال التِي كَانَتْ عَليْهِمْ فَالذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الذِي أُنْزِل مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).
فأهل الجهل البسيط منهم أهل الشك والحيرة من هؤلاء المعارضين للكتاب المعرضين عنه وأهل الجهل المركب أرباب الاعتقادات الباطلة التي يزعمون أنها عقليات وآخرون ممن يعارضهم يقول:المناقض لتلك الأقوال هو العقليات.


فضيلة الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
العلاقة بين العقل والنقل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» لماذا اطلق علي ضرس العقل هذا الاسم ؟ وكم عدد ضروس العقل ؟
» العلاقة بين التياسة والعنجهية
» العلاقة بين الدواء و الغذاء
» الأردن و«التجربة الإماراتية» في العلاقة مع إيران
» سرّ العلاقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: