منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 معركة ميسلون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالأحد 17 نوفمبر 2013, 11:50 pm

أحمد الجنابي



 معركة ميسلون بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الفرنسي عام 1338 للهجرة (1920 للميلاد).
كانت سوريا قد أصبحت من نصيب فرنسا ضمن اتفاقية سايكس بيكو التي انتزعت البلاد العربية من الدولة العثمانية، وقسمتها بين الفائزين في الحرب العالمية الأولى بريطانيا وفرنسا. وحاول فيصل بن الحسين تنصيب نفسه ملكا على كامل بلاد الشام التاريخية التي تضم سوريا ولبنان وفلسطين ومنطقة شرقي نهر الأردن التي أصبحت إمارة شرق الأردن وبعد ذلك المملكة الأردنية الهاشمية.
ورغم أن فيصل كان مدعوما من بريطانيا، إلا أن طموحه تقاطع مع ما اتفقت عليه بريطانيا وفرنسا، بالإضافة الى أن القوى الاستعمارية في تلك الفترة كانت تتبع سياسة تفتيت المناطق العربية إلى بلدان صغيرة قدر الإمكان.
أعلن الملك فيصل نفسه ملكا على بلاد الشام التي تدعى في القاموس السياسي الغربي Greater Syria أي سوريا الكبرى، وكان ذلك قبيل وصول القوات الفرنسية الغازية، وجاء إعلانه ليجعل سوريا أول دولة عربية مستقلة تؤسس على الطراز الحديث للدول. إلا أن ملكه ودولته لم تدم سوى أربعة أشهر ووقعت البلاد تحت الاحتلال الفرنسي، إثر خسارة الجيش العربي السوري معركة ميسلون للدفاع عن دمشق.
تاريخيا، اقترن اسم هذه المعركة باسم يوسف العظمة وزير الحربية (الدفاع) في حكومة الملك فيصل، وهذا الربط أساسه هو خروج العظمة ومن معه لقتال الفرنسيين رغم معرفتهم بأنهم أقل عدة وعددا من الجيش الغازي.
ورغم أن المنطق يقول لنا إنه من غير المجدي أن يخرج جيش ضعيف التجهيز لقتال جيش غازي أحسن منه تجهيزا ويبلغ تعداده الضعف، إلا أن العظمة العسكري المتمرس الذي تخرج في الكلية الحربية بإسطنبول كان له رأي آخر يستند إلى القيم العسكرية والاجتماعية وذا نظرة مستقبلية.

معركة  ميسلون 1f47049d-f891-4264-a76f-02d9fa57f620
الجنرال غورو وقف أمام قبر صلاح الدين الأيوبي وقال "ها نحن عدنا يا صلاح الدين" (الجزيرة)


شاهد فيديو الحلقة على يوتيوب
حاول بكل الوسائل ثني الملك فيصل عن الاستجابة لتهديد الفرنسيين بحل الجيش العربي السوري، وبعد أن يئس من تغيير الملك لرأيه أنشد عليه بيت الشعر الشهير للمتنبي: "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ"، وأخذ من معه من المتطوعين وخرج لمواجهة الجيش الفرنسي القادم لاحتلال دمشق عاصمة الدولة.
أراد العظمة بخروجه أن يحفظ لتاريخ سوريا العسكري هيبته ووقاره، فقد كان يخشى أن يسجل في كتب التاريخ أن الجيش السوري قعد عن القتال ودخل المحتل عاصمته دون مقاومة. كما أراد أن يسجل موقفا أمام الشعب السوري نفسه بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى, وإن ذلك سيكون نبراسا للشعب السوري في مقاومته للمحتل، فقد كان يدرك أن من يهن يسهل الهوان عليه، وهوان الجيش قد تكون له عواقب وخيمة على البلاد ومستقبل المقاومة. 
دخل الفرنسيون دمشق في اليوم التالي لخسارة الجيش العربي السوري معركة ميسلون، وحرص قائد الجيوش الفرنسية الجنرال هنري غورو على زيارة قبر القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي أذاق الفرنسيين والصليبيين ألوان الهزيمة في الحروب الصليبية، ووقف أمام ضريحه وقال "ها نحن عدنا يا صلاح الدين".
ورغم دخول الفرنسيين دمشق، فإن إقامتهم فيها لم تكن هانئة، فقد شن الدمشقيون والسوريون من خلفهم حملة مقاومة سطرت فيها أروع ملاحم العز والكرامة، واستمرت لسنين دون هوادة بلغت ذروتها بعد خمس سنين من دخول الفرنسيين، حيث قاموا بقصف دمشق بالمدفعية والطائرات الحربية وسقط عدد كبير من الشهداء المدنيين في واحدة من جرائم الحرب في العصر الحديث.
وتحت وطأة المقاومة المستمرة عمد الفرنسيون إلى خطة ماكرة لتطوير دمشق أرادوا من خلالها شراء ذمة الدمشقيين وإقناعهم بأنهم أتوا للنهضة بالبلاد، ومن جهة أخرى ضرب المقاومين. أقام الفرنسيون خطة تطوير عمراني حول دمشق، استخدموا فيها المعمار الحديث الذي حلّ محل القيم المعمارية الشامية التراثية، ونفذت هذه الخطة العمرانية على شكل حزام دائري يفصل العاصمة عن غوطة دمشق التي كانت منطلقا لأعمال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.
وفي هذه الأثناء اشتد الحراك السياسي في سوريا، وكانت منطلقا وقاعدة مهمة من قواعد التحرر من الاحتلال في العالم العربي، وبرزت على الساحة السورية كل ألوان الطيف السياسي من اليسار إلى اليمين، وأصبح العمل ضد الاحتلال الفرنسي عسكريا وسياسيا.
استمر النضال السوري نحو الاستقلال حوالي 26 عاما حتى عادت دمشق عاصمة لدولة مستقلة ذات سيادة عام 1365 للهجرة (1946 للميلاد).






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالأحد 17 نوفمبر 2013, 11:52 pm

[rtl]عن تمثال يوسف العظمة: أعيدوا إلينا ذاكرتنا الوطنية[/rtl]
[rtl]معركة  ميسلون 2507-3
كان رافعاً يده بالسيف ثم أسدل يده والسيف، ووقف كتلميذ نجيب، كان من عطاء الجالية السورية في المغترب، وكان جزءاً من ذاكرتنا ومن ذاكرة جيل طويل عريض، فأضحى شيئاً جديداً علينا، كتب عنه الكثير وقيل فيه الأكثر.
 
إنه تمثال يوسف العظمة القائم الآن وسط ساحة محافظة دمشق (ساحة يوسف العظمة) والتي نصب فيها عام 2007م.
ونتساءل أين تمثال يوسف العظمة (القديم) وهو رافع يده متحد العالم أجمع في حماية الوطن؟ ومن الذي صمم التمثال؟ ومن الذي أبدى فكرة إقامته؟ من الذي دفع تكاليف هذا التمثال؟
 
منذ أن اختفى هذا التمثال من أمام مدخل نادي الضباط القديم ومروراً باستبداله بالتمثال الجديد (القائم الآن في ساحة المحافظة) وأنا أتساءل عن حكايته، كنت أسمع فقط أن تكاليف إنشائه كانت من المهاجرين السوريين في المهجر. وبدأت رحلة البحث عنه، وعدت إلى مكتبتي في قديمها وحديثها علني أجد جواباً لتساؤلاتي، إلى أن وقع بين يدي عدة أعداد من جريدة الشباب المصرية الصادرة عام 1937م، وجريدة الرابطة التي كانت تصدر عن جمعية الرابطة السورية في سان بالو بالبرازيل في الثلاثينات من القرن الماضي.
يوسف العظمة: هو يوسف بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل باشا التركماني الشهير بالعظمة. هو شهيد معركة ميسلون الشهيرة. وهو أول وآخر وزير حربية عربي يخوض معركة ويستشهد فيها.
ولد في حي الشاغور بدمشق عام 1884م م، وتعلم فيها، وأكمل دراسته في المدرسة الحربية في الآستانة. تنقل في الأعمال العسكرية بين دمشق ولبنان والآستانة. اتبع دوره عسكرية في ألمانيا لمدة سنتين، وعين بعدها كاتباً للمفوضية العثمانية في مصر. وأثناء الحرب العالمية الأولى عين رئيساً لأركان حرب الفرقة العشرين في بلغاريا. ثم عين رئيساً لأركان حرب الجيش العثماني المرابط في القفقاس، فرئيساً لأركان الجيش الأول بالآستانة. وبعد الحرب عاد إلى دمشق، فاختاره الأمير فيصل مرافقاً له، فرئيساً لأركان الحرب العامة. ثم ولي وزارة الحربية عام 1920م، في 24 تموز عام 1920م عندما قام الفرنسيون بدخول دمشق، قاد يوسف العظمة جمهوراً من المتطوعين على غير نظام من شباب وشيوخ دمشق وإلى جانبهم عدد يسير من الضباط والجنود. لملاقاة المحتل الفرنسي، في معركة كبيرة غير متكافئة قاوم ومن معه ببسالة فائقة واستشهد ودفن في مكان استشهاده وقبره إلى اليوم رمز التضحية تحمل إليه الأكاليل كل عام من مختلف المحافظات السورية.
 
نصب الشهيد
في يوم من أيام الثلاثينيات تداعى السوريون (وفي تلك الأيام، السوريون هم أهل لبنان وسورية) في مدينة سان باولو بالبرازيل لجمع التبرعات لإنشاء تمثال للشهيد البطل يوسف العظمة، تزعم هذه الحملة الدكتور خليل سعادة والد أنطون سعادة، مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، والدكتور سعادة هو طبيب ومفكر وأديب وكاتب وصحفي وسياسي وطني، أقام في سان باولو منذ عام 1919.
في الثلاثينيات من القرن الماضي كتب الدكتور خليل سعادة عده مقالات في الصحف الصادرة في البرازيل، وجه من خلالها نداء للجالية السورية يدعو فيها إلى التبرع بهدف إقامة تمثال للشهيد يوسف العظمة، وكتب في هذه الجريدة مقالين عن يوسف العظمة في العددين رقم 23 و26 وذلك في عامي 1930م و1931م.
أقبلت الجالية السورية إقبالاً منقطع النظير على التبرع لهذا العمل الوطني الجليل، وجمعت الأموال الطائلة لذلك وكلف فنان إيطالي (لم أستطع معرفه اسمه) بتصميم وصنع التمثال بعد أن وضعت بين يديه السيرة الذاتية للشهيد العظمة ومجموعة صور له، وتم إعلام دمشق من الرابطة بما تنوي عمله، وفي نهاية عام 1937م انتهى تصنيع التمثال، ودعت الجالية السورية في البرازيل إلى حفل وطني كبير تم به رفع الستار عن تمثال البطل العظمة، شارك في هذا الحفل الوطني الجالية السورية في جميع أنحاء البرازيل وألقيت به الخطب والقصائد الشعرية تمجيداً للشهيد العظمة، وكانت هنالك مراسلات في الثلاثينيات من القرن الماضي بين دمشق وجمعية الرابطة السورية في سان باولو حول تمثال الشهيد، حيث أعلمت الرابطة دمشق بما تقوم به، وفي منتصف عام 1937م أي قبل الانتهاء من تصنيع التمثال، ورد كتاب إلى الرابطة السورية من النائب في البرلمان السوري المرحوم فائز الخوري رداً على مراسلات الرابطة السابقة مع دمشق، يتضمن أن دمشق قامت بتشكيل لجنة لاستقبال تمثال يوسف العظمة الذي سترسله الرابطة إلى دمشق لينصب في إحدى ساحاتها الكبرى، وهي مؤلفة من السادة شكري القوتلي وزير الدفاع (آنذاك) رئيساً وفائز الخوري نائب دمشق أميناً للسر، وفخري البارودي نائب دمشق وعادل العظمة مدير وزارة الداخلية عضوين، وأن اللجنة الآن (يعني في نهاية عام 1937م) منصرفة لإعداد قاعدة التمثال وتعيين مكانة، وقامت الرابطة بإجراء المعاملات القانونية في البرازيل وأرسلت تمثال يوسف العظمة إلى دمشق. (في تلك الأيام كانت سورية تحت سلطة الانتداب الفرنسي وكان رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي ورئيس الوزراء جميل مردم بك وشكري القوتلي كان وزيراً للمالية والدفاع الوطني).
وصل التمثال إلى دمشق في النصف الأول من عام 1938م، وأقيم له احتفال رسمي وشعبي ألقيت به الخطب الوطنية والقصائد الشعرية التي تمجد الشهيد العظمة وتشيد بمعركة (ميسلون)، وتم نصب تمثال يوسف العظمة لأول مره أمام مبنى نادي الضباط القديم في طريق الصالحية بجانب البرلمان على زاوية النادي، ولم ينصب لأول مرة كما تشير أغلب المصادر سنة 1951 في ساحة البرلمان.
نقل تمثال يوسف العظمة بعد ذلك إلى ساحة محافظة دمشق، وبعد ذلك نقل إلى مبنى الهيئة العامة لأركان الجيش ووضع مكانه ما سمي تمثال (الثوري العربي) وهو تمثال لفلاح يحمل الشعلة وذلك في عام 1966، وفي عام 2007 احتفل بتدشين ساحة محافظة دمشق (ساحة يوسف العظمة) بعد إعادة تأهيلها التي نفذتها محافظة دمشق بالتعاون مع بنك عودة ووضع تمثال جديد ليوسف العظمة أقل ما يقال فيه إنه يظهر الشهيد العظمة كتلميذ مهذب مطيع (آدمي) ولا يظهره كرجل شهم طالت قامته أعالي السماء.
 
الإرهاب
طالت يد الإرهاب والإجرام تمثال يوسف العظمة في شهر أيلول عام 2012م عندما تم تفجير سيارة مفخخة وعبوة ناسفة في محيط مبنى الأركان العامة بدمشق ما أدى إلى أضرار مادية في المبنى طالت تمثال الشهيد يوسف العظمة القائم في ساحة مبنى الأركان. فلم يرحم إرهابهم حتى الحجر بل أكثر من ذلك فقد طال إرهابهم ذاكرتنا الوطنية ورمزاً من رموز بلادنا المتجذر في وجدان كل السوريين عندما طال تمثال يوسف العظمة.
وبعد:
عشنا وعاش معنا ذاك التمثال (القديم) للبطل العظمة منذ أن وعينا الدنيا، وكان جزءاً لا يتجزأ من ذاكرتنا، ثم شطبوا ذاكرتنا ونقلوا ذاك التمثال إلى مكان آخر، ثم يأتي الإرهاب والإجرام العاصف في بلادنا ليغتال مرة أخرى يوسف العظمة.
نطالب بإعادة الحق لمكانه، نطالب بإعادة ذاكرتنا الشعبية والوطنية عن شهيدنا العظمة، نطالب بترميم تمثال يوسف العظمة (مما أصابه من اعتداء إرهابي) الذي تبرع به أبناء الجالية السورية في سان باولو بالبرازيل عام 1937م والذي عشش في ذاكرتنا منذ نعومة أظفارنا لأنه يمثل الشهيد البطل يوسف العظمة عن حق وحقيقة، وإعادته إلى (ساحته).

[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالإثنين 27 يوليو 2020, 10:20 pm

في مئوية معركة ميسلون: يوم باع الجنود الفيصليون ثيابهم في أسواق دمشق
 محمد تركي الربيعو

 معركة  ميسلون P_16683r22e1


■ على مدار السنوات الأربع الفائتة، عايشنا عدة مئويات لأحداث تاريخية فاصلة ومهمة شهدتها المنطقة، وأخصّ بالذكر مئوية الثورة العربية ضدّ العثمانيين 1916، ومئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، وتشكيل أول حكومة عربية في سوريا 1918، كما يمكن أن نشير أيضاً لمئوية معركة ميسلون بين الفرنسيين وبضعة آلاف من الجنود السوريين والبدو، التي انتهت بمقتل وزير الدفاع السوري يوسف العظمة، بينما أجبر الملك فيصل على اللجوء جنوباً إلى فلسطين، الخاضعة آنذاك للسيطرة البريطانية.
يومها، وبعد انتهاء المعركة، توجّه القائد الفرنسي هنري غورو مباشرةً إلى وسط المدينة القديمة، حيث يرقد قبر أشهر قائد عسكري في العالم المسلم، كان الضريح الصغير شبه المخفي مهملاً في السابق، لدرجة أنّ القيصر وليم الثاني عندما زار دمشق قبلها بعقدين تقريباً، أثّر فيه مشهد الإهمال هذا، فأمر بتجديد الضريح على نفقته الخاصة، وعندما وصل غورو، الذي كان بذراع واحدة بعد أن فقد ذراعه الأخرى، كما تروي بعض الأساطير في معركة غاليبولي، لم يتمالك نفسه فهتف «ها قد عدنا يا صلاح الدين».
ولعل المفيد في الاحتفاء بهذه اليوميات، أنها أتاحت لنا على الصعيد العربي الاطلاع على عدد من المنشورات والترجمات الجديدة، مثل أعمال المؤرخ البريطاني جيمس بار الصادرة عن دار الساقي، الذي قدّم فيها قراءةً أخرى لدور الضابط البريطاني لورانس، وعلاقته بالعرب، كما نجح في تفكيك أسطورة سايكس بيكو، ورافق دراويش فيصل (مثلما كان يصفهم لورنس) لدمشق ولاحقاً هرّبوه، كما عرفت هذه الفترة نشر مذكرات عدد من الضباط، مثل مذكرات الضابط البيروتي عبد الله دبوس، خلال الحرب العالمية الأولى، إضافةً إلى ذلك، شهدت هذه الفترة عقد عدد من الندوات والمؤتمرات، وربما أهمها عقد المركز العربي للأبحاث في بيروت، مؤتمراً حول الحكومة العربية في دمشق، التي، للأسف، لم تصدر أوراقها في كتاب إلى يومنا هذا، رغم مرور قرابة سنتين على عقدها.
لكن على الرغم من هذا الاهتمام، يمكن القول إنه بقي متواضعاً مقارنةً بالمراجعات والكتب العديدة التي تصدر بالإنكليزية مثلاً، حول تلك السنوات الأربع، خاصةً أنّ هذه الكتب أخذت تكشف عن أحداث وتفاصيل يومية غنية، وصلت لحدّ تعريفنا بأطباق الطعام مثلاً، التي كان يتناولها السياسيون وهم يتباحثون في مستقبل المنطقة، أو الحفلات التي يحضرونها ليلاً بعيد انتهائهم من النقاشات المطولّة.
وبالعودة لحدث ميسلون، الحدث الذي تمر مئويته هذه الأيام، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا ظروفاً لم يتوقعها أشدّ المتشائمين، فربما من شيم التاريخ أحياناً، أنه يكرّر بعض صوره؛ ففي هذه الأيام وقبل مئة سنة كانت القوات الفرنسية تدخل دمشق، بينما نعيش اليوم على وقع غزو واحتلال عدد من الدول الإقليمية والدولية لمناطق هنا وهناك من سوريا، مع ذلك، لا يبدو أنّ هذه الصورة تثير حساسيةً لدى النخب والمراكز البحثية السورية، ربما يكون ذلك لفداحة ما نعيشه، وأيضاً لعدم إدراك بعض نخبنا لضرورة فهم ما حدث، ليس فقط في هذه المعركة، بل كذلك على صعيد تجربة فيصل السياسية، بعد دخوله دمشق، وضياع كل الأحلام والوعود، جراء الحسابات والصدف الدولية من ناحية، وعدم إلمام النخب السياسية والاجتماعية السورية آنذاك بلعبة السياسة والتفاوض، وإصرارها بدلاً من ذلك على كيل الاتهامات بالعمالة لفيصل بعد عودته من مؤتمر السلام، وهذا ما قد يذكرنا بتفاصيل مشابهة لها حدثت بعد مئة عام في حياة السوريين، كالتي يرويها لنا برهان غليون في مذكراته «عطب الذات» الذي يبوح لنا أنه في الوقت الذي كانت فيه قوات النظام السوري تقصف بلدات في الغوطة، كانت قوى المعارضة السورية تتعارك بالأيدي في مؤتمر تونس لنصرة الشعب السوري.

ومن المشاهد التي نعثر عليها أيضاً قبل ميسلون، ما يتعلّق بحياة فيصل ورؤيته وتصرفاته حول السياسة. إذ يخصّص الأرناؤوط فصلاً لدراسة مذكراته التي نشرت بعنوان «أوراق الملك فيصل الأول ملك العراق» وهي مذكرات كان قد دوّنها بعد خروجه من سوريا، في إيطاليا من بداية يناير إلى بداية مارس/آذار 1921.

وبالعودة لحدث الحكومة العربية، ولاحقاً انهيارها مع معركة ميسلون، فإنّ من الاستثناءات الأكاديمية العربية القليلة التي بقيت تولي اهتماماً بقراءة أحداث هذه الفترة، سواء على صعيد التأليف، أو حتى متابعة ما ينشر في الجامعات الغربية حول هذه الأيام، يمكن الإشارة إلى جهود المؤرخ الكوسوفي السوري محمد م. الأرناؤوط، الذي بقي على مدار أكثر من عقدين يعيد النظر في هذه الفترة، عبر عدد من الأبحاث والمقالات، كما ذكرنا، أو عبر الكشف عن وثائق جديدة «الكتاب الأسود/خطة وودرو ويلسون السرية للسلام» التي عثر مؤخراً على نسختها الوحيدة الباقية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية، كما أنه استعان في السنوات الأخيرة بعدد من المذكرات الجديدة حول تلك الفترة (مذكرات الأمير زيد، وأوراق الملك فيصل في العراق، أو مذكرات مرافقه الخاص تحسين قدري وغيرها). وقد استطاع الأرناؤوط جمع هذه الأبحاث ونشرها في كتاب، صدر قبل يومين بالتزامن مع معركة ميسلون بعنوان «من الحكومة إلى الدولة/تجربة الحكومة العربية في دمشق 1918ـ 1920» عن دار الآن ناشرون في الأردن.
أول ما يلفت النظر، ويثنى عليه، إهداء الأرناؤوط مؤلفه لروح المؤرخة الراحلة خيرية قاسمية، التي كانت قد أعدّت في عام 1971 أطروحتها للماجستير في جامعة القاهرة بعنوان «الحكومة العربية في دمشق» قبل أن تتحول لمرجع أساسي لفترة طويلة. وبالانتقال إلى الأيام والمشهد الذي سبق معركة ميسلون، يذكر الأرناووط أنّ السيطرة في بداية عهد فيصل كانت للنخبة القومية العربية، المدنية والعسكرية، التي جاءت مع الأمير فيصل إلى دمشق بطموح كبير لتأسيس دولة عربية مستقلة. وقد نشطت هذه النخبة مع واجهاتها الحزبية والثقافية (حزب الاستقلال والنادي العربي) في تأسيس البنية التحتية للدولة المنشودة، مدارس وجامعة، ومجمعا علميا، وجيشا، وقوانين، وفي تحشيد الشارع بتسيير مظاهرات، واحتفالات في الأعياد القومية الجديدة، وهي طقوسٌ كان قد درسها جيمس ل. غلفنت في كتابه «الولاءات المنقسمة: القومية والسياسة الجماهيرية في سوريا مع انهيار الإمبراطورية» إذ تميزت برفع شعار «الدين لله والوطن للجميع» للإيحاء لدول الحلفاء والعالم بأنّ الشعب السوري منسجمٌ ومتحدٌ وراء قيادته، لكن مع خريف 1919، كان المشهد يتغيّر، كما يذكر غلفنت، ويؤيده الأرناؤوط، فقد ترافقت هذه الفترة مع عدد من التطورات، أهمها إجراء اتفاق بريطاني فرنسي في 15 سبتمبر/أيلول 1919 لتعديل سايكس بيكو، وضمّ ولاية الموصل إلى العراق، وسحب القوات البريطانية من سوريا، لكي تحلّ محلها القوات الفرنسية، كما تعمّدت بريطانيا تأخير دفعة المعونة الشهرية للحكومة العربية، والتي كانت تقدّر آنذاك بـ75 ألف جنيه شهري كأداة للضغط عليها. وقد ولّدت هذه الأحداث تحولات عديدة، تمثّل أهمها في تخلخل اقتصادي في الشمال، مع انفصال حلب عن مجالها الاقتصادي الحيوي في الموصل والأناضول، كما أنّ مدينة دمشق عاشت أزمةً أخرى، في ظلّ استمرار موجة اللاجئين من الأناضول، ضباط مسرّحين وأرمن وغيرهم، بالإضافة إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين والجنود، مع وقف المعونة البريطانية. وهنا يذكر الأرناؤوط أنّ هذه الظروف القاسية، دفعت بعدد من الجنود قبيل معركة ميسلون بأشهر إلى بيع ملابسهم العسكرية في سوق الخجا والحميدية لشراء القوت لأسرهم.
وقد أدّت هذه الظروف كذلك إلى السماح بظهور قوى جديدة في الشارع، بعد أن كانت نخب فيصل هي المسيطرة، إذ برزت في هذه الأثناء قوى قومية أخرى (اللجنة الوطنية) بحيث أخذت تعبّر أكثر عن الأحياء الدمشقية العريقة (حي الشاغور والميدان والقنوات وغيرها) التي أصبحت حاضنتها، وكان لها أيديولوجيتها أو نظرتها المختلفة تماماً عن العالم، وهنا لم يعد الشارع وحده المجال الذي تتنافس فيه القوميتان (القومية الفيصلية والقومية الشعبية) بل غدت المقاهي والمسرحيات مجالاً مهماً لحشد الناس أيضاً، نظراً لأنّ غالبية السوريين لم يكونوا يقرأون الصحف، ومع عودة فيصل الثانية من باريس في يناير/كانون الثاني 1920، بدا أنّ الحماسة الشعبية لاستقباله قد فترت مقارنةً بعودته الأولى من فرنسا 1919، بل خرجت مظاهرات تمسّه نفسه «الموت لمن خان فلسطين» في إشارة لتوقيعه اتفاق مع رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو حول قبول الانتداب الفرنسي بشروط بدت لاحقاً أفضل من التي فرضتها فرنسا بعد دخولها دمشق، ومع هذا الانعطاف، تزايد تأثير القومية الشعبية التي كانت تشدّد على استقلال سوريا الطبيعية في المؤتمر السوري العام، ولذلك حاول فيصل في البداية عرقلة الدعوة للمؤتمر السوري العام للانعقاد بعد عودته، لكنه اضطر في ظلّ تصاعد الضغوط إلى عقده، وأثناء الجلسة طلب من النواب اختيار نظام حكم مناسب لسوريا في المستقبل، بدون الإشارة إلى إعلان الاستقلال، تاركاً بذلك الباب مفتوحاً لحلّ وسط مع فرنسا وبريطانيا، لكنّ المفاجأة جاءت مع الشيخ كامل القصاب الذي رفع في خطابه سقف المطالب إلى الاستقلال الكامل لأرجاء سوريا الطبيعية، بما في ذلك فلسطين، وهو الخطاب الذي بادرت اللجنة الوطنية إلى توزيعه في الأحياء، عشية قرار المؤتمر بإعلان استقلال سوريا الطبيعية باعتباره يعبّر عن الأمة. ومع رفع سقف التوقعات، بدون الإلمام بموازين القوى على الأرض، كانت النخبة، كما يرى الأرناؤوط، قد خسرت المعركة في الميدان في دمشق (في إشارة لموقف القومية الشعبية) قبل أن تخسرها في ميسلون خلال ست ساعات، إذ لم تدرك يومها هذه النخب الشعبية، أنّ ليس بإمكانها تحصيل أكثر ما استطاع فيصل تحصيله، كما أنها بمطالبها الشعبية دفعت فيصل للقبول بموافقها الصلبة، وبذلك كان يفقد رهانه على التفاوض، وبذلك كانت ميسلون بمثابة تحصيل حاصل لما جرى قبلها بأشهر.

في مقابل موقف وفهم فيصل الناضج من المفاوضات والسياسة بوصفها فنّ الأخذ وتقديم المقابل، بدت النخب السياسية والقومية الشعبية آنذاك في أغلبها غير مكترثة أو مدركة لهذا المعنى، ولذلك فضّلت الوفاء لشعاراتها، بدل الانتباه لمعنى السياسة.

ما أشبه اليوم بالأمس

ومن المشاهد التي نعثر عليها أيضاً قبل ميسلون، ما يتعلّق بحياة فيصل ورؤيته وتصرفاته حول السياسة. إذ يخصّص الأرناؤوط فصلاً لدراسة مذكراته التي نشرت بعنوان «أوراق الملك فيصل الأول ملك العراق» وهي مذكرات كان قد دوّنها بعد خروجه من سوريا، في إيطاليا من بداية يناير إلى بداية مارس/آذار 1921. وفي مقدمة هذه المذكرات، يخلّص المؤرخ الأردني سليمان الموسى، وهو الذي اشتغلّ عدة عقود على تاريخ الثورة العربية والحكومة العربية في دمشق ونشر مصادر مجهولة (يوميات فيصل وخواطره، ومذكرات الأمير زيد) إلى اعتبار فيصل واحداً من أهم عشرة شخصيات مشرقية في القرن العشرين إلى جانب والده الحسين، وعبد العزيز آل سعود وابنه فيصل ونوري السعيد وجمال عبد الناصر وأنور السادات وغيرهم.


أما السبب في ذلك فهو سبق الأمير فيصل في التمرس في السياسة، بعد أن أصبح ممثلاً لجده في البرلمان العثماني 1909/1912 وممثلاً للعرب في مؤتمر الصلح في باريس 1919، وهناك خاض غمار الدبلوماسية، معتمداً على القاعدتين المهمتين «السياسة فن الممكن» و«خذ وطالب». في هذا السياق، يقارن الموسى بين فيصل بن الحسين وجمال عبد الناصر، إذ يرى أنّ الأول «لم يدفع العرب للسير في دروب المغامرات والمزايدات، كما فعل عبد الناصر، بل كان يعرف حدّه فيقف عنده، ليس عن تخاذل، بل واقعية وبعد نظر وعقلانية». ويوافق الأرناؤوط على هذا الاستنتاج، إذ يذكر أنّ فيصل أدرك بواقعيته أنّ المواجهة العسكرية مع فرنسا لا تجدي مع وجود جيش سوري ناشئ، وفي وضع مالي عصيب عجزت فيه الحكومة عن دفع رواتبه، ولذلك حاول بالدبلوماسية أنّ يجنّب سوريا المستقلة ما تريده فرنسا من إذعان لها، ومما يبدو من مذكرات مرافقه الخاص تحسين قدري، أنّ فيصل لم ير حلاً لإنقاذ سوريا سوى الدبلوماسية في ظلّ توازنات تلك الفترة، ولذلك يذكر قدري أنّ فيصل كثيراً ما كان يردّد عبارة «علينا أنّ نستفيد من كلّ فرصة مناسبة، وانتظار حرب مقبلة تفيد العرب أكثر، بعد أن تنبّهوا إلى أهمية العلاقات الدولية مع مؤتمر الصلح في باريس».
لكن في مقابل موقف وفهم فيصل الناضج من المفاوضات والسياسة بوصفها فنّ الأخذ وتقديم المقابل، بدت النخب السياسية والقومية الشعبية آنذاك في أغلبها غير مكترثة أو مدركة لهذا المعنى، ولذلك فضّلت الوفاء لشعاراتها، بدل الانتباه لمعنى السياسة، ومن المفارقات هنا، أنّ هذا السلوك بقي يحكم الكثير من النخب السورية ليومنا هذا، ففي الوقت مثلاً الذي كان فيه فيصل في فرنسا «يأخذ ويطالب» مع القوى الدولية والأمريكيين (إذ قبل مثلاً بفكرة انتدابهم بدلاً من فرنسا) بقيت النخب السورية، كما يذكر لنا غليون في مذكراته سالفة الذكر، بعد مئة عام لا تبالي بوصايا فيصل لها، وبدلاً من ذلك كانت تطالب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالضغط على النظام لوقف قصف المدن، والقبول بالتنحي السلمي، ومغادرة البلاد، وتسليم الضباط للمحاكمة، والقصور الجمهورية، وحساباته البنكية، فما كان منه أمام هذه المطالب الكثيرة، إلا أن بادرهم بالقول «وماذا سنقدّم للأسد في المقابل» يومها فهمت المعارضة السورية هذه الإجابة على أنها محاولة للتهرب من الإدارة الأمريكية، في حين ما أراد كيري قوله لهم إنّ السياسة لا تقوم على قضايا عادلة وحسب، بل تتطلّب تفاوضاً وتقديم حلول قد لا تكون مثالية، لكنها تبقى أكثر واقعية، أما أن تنتظروا أمريكا لإسقاط النظام، فهو حلمٌ 
المنال، مع ذلك لم تنتبه هذه النخبة لهذه القاعدة، أو لعبر فيصل، وما حدث قبل أشهر من ميسلون، ليبقى إدراكهم للسياسة قائماً على فكرة المؤامرة، أو تحقيق مكاسب شخصية، أو انتظار دولة ما لتسلمهم القصور الرئاسية والسيارات الفارهة، بينما لم يعد السوريون في الداخل يجدون شيئاً ليبيعوه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالإثنين 27 يوليو 2020, 10:21 pm

مائة عام على معركة ميسلون

د. عبد الستار قاسم
شن الفرنساويون عام 1920 هجوما عسكريا على دمشق بهدف تحطيم الجيش السوري التابع للمملكة السورية الناشئة، والذي كان يقوده ضابط عربي بارز ملتزم بقضايا وطنه وأمته وهو الشهيد يوسف العظمة. كان الجيش السوري في حينه ناشئا وضعيفا ولا يملك المعدات القتالية اللازمة، وسلاحه الأعظم تمثل بالتزام المقاتلين وشجاعتهم والذين كانوا حريصين على وحدة الأراضي السورية من القامشلي شمالا إلى رفح والعقبة جنوبا. ومن يافا غربا إلى الرمادي شرقا.
وهنا يتم الحديث عن كل الأراضي السورية وهي بلاد الشام والتي تشمل فلسطين والأردن ولبنان وسوريا الصغرى القائمة حاليا.قرر أهل الشام الذين اجتمعوا في باريس عام 1919 إعلان المملكة السورية، وبايعوا فبصل بن  حسين بن علي ملكا على الأراضي السورية. وغادر الملك الجديد باريس لتكون حيفا محطته الأولى على أرض الشام. وصل الموكب  الملكي ميناء حيفا وخرج الناس محتفلين ليس بالضرورة بالملك وإنما بدولتهم الموحدة الجديدة. وقد سمي الشارع الذي مر منه الملك بشارع الملوك وهو ما زال ماثلا حتى الآن في مدينة حيفا المحتلة منذ عام 1948.
لم تكن ثقة القوميين السوريين عالية بالملك فيصل بسبب ارتباطه بالاستعمار البريطاني، لكن الأولوية بالنسبة للناس كانت المحافظة على وحدة سوريا الطبيعية سياسيا.
كما كان متوقعا، انتصر جيش فرنسا على الجيش العربي، واستشهد يوسف العظمة، وتم ترحيل الملك فيصل إلى العراق حيث أقامت له بريطانيا مملكة هاشمية . وبقيت الأسرة الهاشمية حاكمة في العراق حتى عام 1958 حين أطاح بها عبد الكريم قاسم بانقلاب عسكري.
ماذا تغير منذ عام 1920 حتى الآن؟ على مستوى الاستعمار الغربي، حلت أمريكا محل الاستعمارين الفرنساوي والبريطاني، وهي ما زالت تمارس ذات الممارسات القديمة من حيث تمزيق بلاد الشام وبث النزاعات والفتن  الداخلية من أجل أن تبقى الشام مشلولة بمشاكلها الداخلية.
كان الاستعمار مهتما قبل نشوب الحرب العالمية الأولي بتمزيق بلاد الشام. وهذا كان واضحا في التدخل الفرنساوي قي لبنان تحت شعار حماية المسيحيين، وبدور وعد بلفور لانتزاع فلسطين من أهلها وتمريرها للصهاينة اليهود. نظر الاستعمار إلى بلاد الشام والعراق على أنها المخزن الفكري والأخلاقي  والثقافي للمسلمين والعرب عموما،ولذا يجب القضاء على هذا المخزن وتمزيقه لحرمان العرب والمسلمين من مساهمات حضارية متنوعة لما في ذلك من تدمير فكرة الوحدة بين مختلف الأصقاع.
نجح الاستعمار في شل بلاد الشام، وعمل على تمزيقها إلى أربع إقطاعيات متنازعة في أحيان كثيرة.، وتطوير ثقافات جديدة تقوم على فكرة التحوصل الذاتي وتغييب الوعي بوحدة الشعب والوطن. ذهبت فلسطين إلى الصهاينة، ووصل الفلسطينيون الآن إلى حد الاعتراف بالكيان الصهيوني والتنسيق معه أمنيا. أما الأردن فذهبت في طريق آخر لتكون الأردن أولا، ولتصبح مرتعا للصهاينة وتعريض مستقبل الأردنيين لخطر داهم. أما لبنان فبقيت أسيرة للترتيبات المذهبية والطائفية والعائلية المقيتة المدمرة. أما سوريا الصغرى فوصلت إلى ما نراه الآن من دمار وخراب وحرب داخلية طاحنة وتجرؤ الدول على أراضيها. وبدل أن تتكثف جهود وحدة أرض الشام، لم نتمكن حتى الآن من تحقيق الوحدة الوطنية للإقطاعيات الاستعمارية التي طورت بالفعل ثقافات انفصالية بدون اكتراث بمنعة الأرض وتحصين الأبناء أمنيا وغذائيا.
هناك من يزال يحمل الاستعمار مسؤولية الوضع القائم على الأراضي السورية قاطبة. الاستعمار يتحمل مسؤولية، وهو بواصل مؤامراته واعتداءاته على شعوب الأرض، لكن أيضا أهل الأرض لم يتبعوا سياسات وحدوية ذات تطلعات مستقبلية. الشعوب في مختلف الإقطاعيات تبدو سعيدة بالضعف والتمزق وعدم القدرة على مواجهة الصهاينة واعتداءاتهم المتواصلة على فلسطين ولبنان وسوريا والأردن.
والخلل الأكبر يأتي كالعادة من القيادات السياسية التي تجد مصالحها لدى الاستعمار والكيان الصهيوني وذلك حفاظا على كراسي الحكم. دمار العرب يتجسد إلى حد كبير في عشق السلطة وكراسي الحكم والنفوذ. ما زال الحاكم العربي مصرا على التضحية بالوطن والشعب والأمة جمعاء من أجل أن يبقى شاكوشا ينخر جسد الأمة.
كاتب واكاديمي فلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالإثنين 27 يوليو 2020, 11:12 pm

معركة ميسلون



عشية معركة ميسلون: حكومة عربية لم تسقط بالمؤامرة وحدها



معركة  ميسلون P_1669s7q931

دمشق بين 1915 و1920



مع الذكرى المئوية للحكومة العربية في دمشق 1918-1920، التي تتمثّل هذا العام بيومين فارقين في التاريخ السوري (إعلان الاستقلال في 8 آذار/مارس 1920 وتبنّي نظام نيابي ملكي يقوم على اللامركزية لحفظ حقوق الأقليات، ومعركة ميسلون في 24 تموز/يوليو 1920 التي أنهت الحلم بدولة عربية مستقلة خلال ساعات)، لم تسمح الظروف للأسف باستعادة ما جرى ويجري وما صدر ويصدر من كتب بمناسبة الذكرى المئوية. ولا شك في أن هذه فرصة للمقارنة بين ما كُتب في العربية، وفيه تقصير من ناحية واجترار من ناحية أخرى، وبين ما صدر من دراسات في أوروبا والولايات المتحدة التي كانت معنية بما حدث في دمشق خلال 1918-1920.



وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى الكتاب المهم للمؤرخ الأميركي جيمس ل.غلفن James L.Gelvin الذي صدر بعنوان "الولاءات المنقسمة: القومية والسياسة الجماهيرية في سورية مع انهيار الإمبراطورية" (Divided Loyalities: Nationalism and Mass Politics in Syria at the Close of Empire) الذي صدر في الذكرى الثمانين لإعلان الحكومة العربية، عن منشورات جامعة كاليفورنيا. وعلى حد علمنا، فقد مرّ هذا الكتاب المهم وكأنه لم يكن، حيث لم يحظ بعرض ولم يطّلع أو يستفد منه مَنْ كتب عن تجربة الحكومة العربية 1918-1920 في لغتنا، بينما كان من الضروري ترجمته الفورية نظرا للمقاربة الجديدة له في محاولة تفحص أسباب فشل الحكومة العربية في تنفيذ أجندتها القومية العربية التي كانت تهدف لبناء نظام سياسي جديد بالاستناد إلى جهود واضحة في حشد الشارع السوري بوسائل مختلفة لكي يدعمها في مواجهة دول الحلفاء للمطالبة بإنشاء دولة عربية مستقلة على نمط الدول المتمدّنة.



ومن هنا كان يؤمل من صدور هذا الكتاب أن يكون مناسبة لمراجعة شاملة ونقدية لتجربة الحكومة العربية في ذكراها المئوية، وليس مجرّد احتفالية تجترّ المعلومات وتمجّد ما حدث وتُلقي بمسؤولية فشل هذه التجربة على العنصر الخارجي فقط (التآمر الإنكليزي- الفرنسي).



خسرت الحكومة العربية معركتها قبل ثلاثة أيام من ميسلون



وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب في الأصل رسالة دكتوراه في التاريخ الحديث شارك في مناقشتها مؤرخان خبيران في هذا المجال (فيليب خوري وزخاري لقمان)، وقد مهّد له المؤلف (أستاذ التاريخ المساعد آنذاك في جامعة كاليفورنيا) في نشر عدة دراسات في مجلات علمية معروفة مثل "استعراض الطوائف الدينية في سورية بعد نهاية الحكم العثماني" (1994) و "الأصول الاجتماعية للقومية الشعبية في سورية" (1994) و "قومية عربية أخرى: الشعبوية العربية السورية في إطارها التاريخي الدولي" (1997).



ويبدو من عناوين هذه الدراسات أن المؤلف يتابع ما بدأه فيليب خوري في كتابه "أعيان المدن والقومية العربية"(1983) بالحفر في الخلفيات الاجتماعية للشخصيات والحركات الفكرية- السياسية التي ظهرت في نهاية الحكم العثماني وتبلورت بشكل أوضح خلال عهد الحكومة العربية 1918-1920، قبل أن تدخل البلاد تحت حكم الانتداب الفرنسي- البريطاني، لكي يفهم ويفسّر انقسام السوريين في ولائهم بين طرفين اتّسعت الهوة بينهما خلال 1919-1920 لتصل إلى الاشتباك المسلّح في دمشق (20-21 تموز 1920) عشية معركة ميسلون التي تحولت إلى معركة رمزية بأسلحة بسيطة ضد الجيش الفرنسي المسلّح بالدبابات والطيران والمدفعية.



وفي الحقيقة يقرّ غلفن في البداية بأنه لم يُرد أن يسلسل الأحداث التي جرت خلال عهد الحكومة العربية 1918-1920، على اعتبار أن هذه الأحداث غدت معروفة مع ما نشر في الإنكليزية أو العربية سواء مع كتاب ملكولم رسَل "الدولة العربية الحديثة الأولى: سوياً تحت حكم الأمير فيصل 1918-1920" (1985) أو مع كتاب خيرية قاسمية "الحكومة العربية في دمشق بين 1918-1920" (1982) وكتاب علي سلطان "تاريخ سورية 1918-1920: حكم فيصل بن الحسين" (1987)، بل يريد أن يفهم ويفسّر ما حدث من سقوط لمشروع الحكومة العربية في الداخل (المواجهات المسلّحة في أحياء دمشق مع ما بقي من "الجيش العربي" خلال 20-21 تموز 1921) قبل سقوط هذا المشروع أمام جيش الاحتلال الفرنسي في ميسلون في 24 تموز/يوليو 1920 وإرغام الملك المتوّج فيصل بن الحسين على مغادرة دمشق إلى المجهول.



ولأجل هذا البحث (رسالة الدكتوراه) فقد تمكّن المؤلف من حشد وثائق كثيرة سواء من مراكز الوثائق الأميركية أو الأوروبية (التي عكست اهتمام الحكومات الغربية بما كان يجري آنذاك في سورية) بالإضافة إلى مذكرات المشاركين في الأحداث والصحافة اليومية التي واكبت الأحداث ووفّرت مادة غنية للمؤلف مثل جريدة "الكوكب" التي كان يموّلها "المكتب العربي" (الواجهة الإعلامية للمخابرات البريطانية) في القاهرة وجريدة "العاصمة" الناطقة بلسان الحكومة العربية في دمشق الخ.



في المدخل النظري ينطلق المؤلف من مقاربة ديالكتيكية ترى أن ما تمّ حتى ذلك الحين من دراسات تركّز على حصر القومية في "الشرق الأوسط" في نطاق النخبة القومية غير مقنع أو غير كاف. فمع عدم التشكيك بدور تلك النخبة، التي يرتبط نجاحها بقدرتها على جعل شعاراتها تنسجم مع طموحات الفئات الأُخرى في المجتمع، إلا أن هذه المقاربة غير كافية لأنها تركز على لحظة واحدة من الديالكتيك القومي (القومية العربية التي جاءت مع النخبة الجديدة إلى دمشق) وتستبعد اللحظة الأخرى (القومية المحلية أو الشعبية التي تتمثل في اللجنة الوطنية العليا). وبعبارة أخرى، إن إدماج اللحظة التاريخية الأخرى (الحركة السياسية الموازية والمنافسة للحركة القومية العربية) في الديالكتيك القومي مع ما مهّد لها ونتج عنها (أحداث 20-21 تموز/يوليو 1920 في دمشق) للوصول إلى تركيب أو طباق جديد "هو الهدف من هذا الكتاب" (ص 9).



بالاستناد إلى هذه المقاربة يعتمد المؤلف في التحليل لمصادره الكثيرة والمتنوعة إلى التمييز بين الخطابين القوميين (الأول للنخبة القومية العربية التي كانت نواتها "جمعية العربية الفتاة" وكيانها الجديد "حزب الاستقلال" وتمحورت حول الأمير/ الملك فيصل، والثاني للقومية الشعبية أو السورية المحلّية التي تبلورت في "اللجنة الوطنية العليا" برئاسة الشيخ كامل القصّاب) من خلال تحليل أشكال المظاهرات والاستعراضات والشعارات واللافتات وافتتاحيات الجرائد والخطب والإشاعات والمسرحيات التي تباينت بين الطرفين المتنافسين للسيطرة على الشارع. 



وبعبارة أخرى، يقوم المؤلف هنا بتفكيك الخطاب القومي لكل طرف لكي يعود في النهاية إلى تركيب المشهد من جديد ليفسّر ما حدث عشية معركة ميسلون في دمشق خلال 20-21 تموز 1920 حين استخدم السلاح في المواجهة بين الطرفين وسقط مئات القتلى والجرحى، وهو ما يشمل مراجعة "الأسطورة" المؤسسة للحكومة العربية في دمشق باعتبارها ضحية للتآمر الخارجي فقط.





الافتراق بين "القوميتين"



كانت السيطرة في البداية للنخبة القومية العربية، المدنية والعسكرية، التي جاءت مع الأمير فيصل إلى دمشق بطموح كبير لتأسيس دولة عربية مستقلة. وقد نشطت هذه النخبة مع واجهاتها الحزبية والثقافية ("حزب الاستقلال" و"النادي العربي" الخ) في تأسيس البنية التحتية للدولة المنشودة (مدارس وجامعة ومجمع علمي وجيش وقوانين ومشروع دستور الخ) وفي تحشيد الشارع بتسيير مظاهرات واحتفالات في الأعياد القومية الجديدة (عيد الثورة العربية في 27 نيسان/إبريل، عيد الفتح أو تحرير دمشق في 30 أيلول/سبتمبر الخ) التي كانت تتميز بشعار "الدين لله والوطن للجميع" للإيحاء لدول الحلفاء والعالم بأن الشعب السوري منسجم ومتّحد وراء قيادته المطالبة بالاستقلال. وفي هذا السياق كانت من المناسبات المهمة سفر الأمير فيصل إلى أوروبا للمطالبة بحق العرب في الاستقلال وعودته منها، حيث كانت تنظّم المظاهرات المؤيدة له.



تصارعت بالسلاح "القومية الشعبية" مع "القومية العربية"



ومن ناحية أخرى شكّل وصول الوفد الأميركي المؤلف من هنري كينغ وتشارلز كرين، الذي كان جزءا من اللجنة الدولية التي اقترحها الرئيس ولسون بعد سماعه لخطاب الأمير فيصل في مؤتمر الصلح ورفضت فرنسا وبريطانيا تسمية ممثلين فيها؛ ذروة التحشيد للشارع من قبل النخبة القومية في صيف 1919 الذي أصبح له هيئة تمثله أيضا (المؤتمر السوري العام)، وهو ما انعكس في تقرير الوفد الذي لم يصل إلى الجهة المعنية (عصبة الأمم) ولم ينشر إلا في 1922 بعد أن أصبحت الوقائع على الأرض مختلفة تماما.



في هذا السياق، يركز المؤلف عند الخلفية الاقتصادية- الاجتماعية التي تغيّرت منذ خريف 1919 وشكلت حاضنة لقومية أخرى (اللجنة الوطنية العليا برئاسة الشيخ كامل القصاب) تعبّر "عمّا هو موجود" وليس "عمّا هو منشود". والمقصود هنا الاتفاق البريطاني- الفرنسي في 15 أيلول/سبتمبر 1919 على تعديل اتفاق سايكس – بيكو 1916، الذي أدى إلى ضمّ ولاية الموصل إلى العراق وسحب القوات البريطانية من سورية لكي تحلّ محلها القوات الفرنسية وتعمّد تأخير دفع المعونة الشهرية للحكومة العربية كأداة للضغط عليها . 



فقد أدّت هذه الإجراءات بسرعة إلى تخلخل اقتصادي في الشمال، مع انفصال حلب عن مجالها الاقتصادي الحيوي في الموصل والأناضول، وضيق في النفقات في دمشق لمواجهة تدفق اللاجئين من الأناضول (السوريون المسرَّحون من الجيش العثماني والأرمن وغيرهم) بعد تمنّع بريطانيا عن دفع المعونة الشهرية (75 ألف جنيه شهريا) في موعدها، إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين والجنود مما اضّطر هؤلاء في بداية 1920 إلى بيع ملابسهم العسكرية في سوق الخجا / الحميدية لشراء القوت لأسرهم. وفي هذا الوضع لم يعد أمام الحكومة سوى زيادة الضرائب 50%-100% والإعلان عن قرض عام مما زاد في أعباء المعيشة على السوريين. فقد كانت المشاركة في القرض تطوعية نظريا ولكن الحكومة كانت في حالة عجز دفعتها إلى دعوة الموظفين للمشاركة في القرض العام براتب شهر، وتفويض المخاتير في الأحياء بحضّ التجار على المشاركة (ص 36-39).



في هذا الإطار الجديد، وخاصة مع عودة الأمير فيصل إلى دمشق في كانون الثاني/يناير 1920 بعد توقيعه على الاتفاق مع رئيس الحكومة الفرنسية كلمنصو الذي اعتبرته المعارضة الصاعدة "خيانة" لفلسطين، لم يعد الشارع حكرا على النخبة القومية كما كان بل برزت فيه أيضا بقوة القومية الأخرى ("اللجنة الوطنية العليا" حسب المؤلف) التي كانت تعبّر أكثر عن الأحياء الدمشقية العريقة (حي الشاغور والميدان والقنوات وغيرها) التي أصبحت حاضنتها الشعبية والتي كانت لها إديولوجيتها أو "نظرتها المختلفة تماما عن العالم" (ص 21).



كانت بداية نقطة الافتراق بين القوميتين حسب المؤلف في صيف 1919 مع اقتراب قدوم الوفد الأميركي للجنة الدولية التي أقرّتها عصبة الأمم لاستطلاع آراء السكان حول مستقبلهم. فقد أعدّت النخبة القومية العربية مظاهرات وحملات دعاية بهدف إقناع الرأي العام الخارجي بصورة أُمّة متطوّرة ومستعدة للاستقلال ولكنها فشلت في أن تضمّ إلى برنامجها القومي غالبية الشعب، حيث أنها لم تتفاوض مع الشعب حول أيديولوجيتها أو برنامجها القومي ولم تعدّ خطابا سياسيا مناسبا لغير النخبة، ولم تُقم صلات مع السكّان تشابه ما كان موجودا بين النخبة القومية والشعب في أرجاء العالم (ص 35).



في هذا السياق من تفاقم السخط بسبب تراجع الأحوال الاقتصادية والمعيشية جاء قرار الحكومة العربية بإصدار قانون التجنيد الإجباري في كانون الأول/ديسمبر 1919 ليفجّر السخط لأول مرة على شكل احتجاجات ضد الحكومة العربية في دمشق ودرعا وحاصبيا وغيرها، وظهرت ملصقات على الجدران تجاوزت الخطوط الحمراء مع مقارنة الحكومة العربية بحكومة الاتحاد والترقي البغيضة، واضطرت الحكومة العربية إلى إرسال 400 جندي لإخماد أعمال الشغب والاحتجاجات في حيّ الميدان (ص 43)، الذي كان قد استقبل الأمير فيصل بالهتافات والزغاريد لدى دخوله إلى دمشق في 3 تشرين الأول/أكتوبر 1918.



ولذلك، في تحليله للتنافس على كسب الشارع، يلاحظ المؤلف أن "اللجنة الوطنية العليا" كانت أولا تسيّر المظاهرات الاحتجاجية التي تنتهي بتقديم عرائض الاحتجاج إلى "الحكومة العربية" لكي تسلّمها بدورها إلى ممثلي دول الحلفاء. ولكن مع تعاظم دور "اللجنة الوطنية العليا" في الشارع تجاوزت "اللجنة الوطنية" الحكومةَ العربيةَ حيث أصبحت تقوم في نهاية المظاهرات بالتوجه إلى ممثلي دول الحلفاء لتقديم عرائض الاحتجاج بشكل مباشر، وسيّرت خلال ربيع وصيف 1920 الكثير من المظاهرات الاحتجاجية في دمشق وحلب وحمص وحماه وغيرها التي كانت تندّد بالهجرة الصهيونية إلى فلسطين وسياسة فرنسا في لبنان ومقررات سان ريمو (ص 281)، بما يتجاوز موقف الحكومة التي كانت تعبّر عنه الصحافة الناطقة باسمها في دمشق وحلب.





المسرح أداة تحشيد



ولكن الشارع لم يعد وحده المجال الذي تتنافس فيه القوميتان، حسب تعبير المؤلف، أو النخبة القومية العربية الممثلة في "الحكومة العربية" والقومية الشعبية الممثلة في "اللجنة الوطنية العليا" التي أصبحت المسافة بينهما تتباعد. فقد غدت المقاهي والمسرحيات مجالا مهما لحشد الشارع أيضا نظرا لأن غالبية السوريين لم يكونوا يقرأون الصحف الناطقة بلسان الحكومة أو المدعومة منها. وفي حين أن الحكومة العربية دعمت عرض المسرحيات التي تستلهم "الثورة العربية" سواء في المدارس الحكومية أو الحربية نجد أن اللجنة الوطنية كانت مقصّرة في هذا المجال بسبب سلفية رئيسها الشيخ كامل القصاب، الذي كان في الوقت نفسه مديرا لـ "المدرسة الكاملية" التي أسّسها في حي البزورية العريق. فقد كان أسعد الحكيم معلما في المدرسة وانشغل أيضا بتدريب الطلاب للتمثيل، ولكن وجهاء الحيّ لم يرحبوا بذلك وقام رجال الدين بجمع الفتاوى التي تحرّم مثل هذا النشاط (ص 559).



غلاف كتاب جميس ل. غلفن

في نهاية الكتاب يرى المؤلف أن الحكومة العربية ورغم سبقها في الحشد الجماهيري لأجندتها القومية العربية من خلال الصحافة الناطقة بلسانها أو المدعومة منها وتسييرها للمظاهرات بالاعتماد على طلاب المدارس الحكومية "لم تنجح لأن هذه الأيديولوجية بدت غريبة للكثير من السوريين". ويبدو هذا في المظاهرات التي سيّرتها الحكومة للترحيب بالأمير فيصل بعد عودته الثانية من باريس في كانون الثاني/يناير 1920، التي بدت أقل حماسة من تلك المظاهرات الأولى التي خرجت للترحيب به عند عودته الأولى من باريس في أيار/مايو 1919، بل إن هذه المظاهرات حملت شعارات تمسّ الأمير فيصل نفسه "الموت لمن خان فلسطين" في إشارة إلى توقيعه للاتفاق المذكور مع كلمنصو (ص 571).



ومع هذا الانعطاف تزايد تأثير "القومية الشعبية" بتعبير المؤلف أو "القومية السورية" التي كانت تشدّد على عدم التفريط بفلسطين واستقلال سورية الطبيعية بما فيها فلسطين في المؤتمر السوري العام، ولذلك يؤيد المؤلف ما قاله آنذاك الجنرال ألِنبي من أن الأمير فيصل كان يعرقل دعوة المؤتمر السوري العام إلى الانعقاد بعد عودته من باريس وتوقيعه للاتفاق مع كلمنصو، الذي يمنحه نصف استقلال على المنطقة الشرقية أو سورية فقط، لعلمه بنتائج ذلك ولكنه رضخ أخيرا في 6 آذار/مارس 1920 ودعا أعضاء المؤتمر إلى الانعقاد بعدما أدرك أن زعامته أصبحت في خطر. 



ولكن يلاحظ المؤلف هنا أن الأمير فيصل في دعوته لأعضاء المؤتمر إلى الانعقاد طلب منهم اختيار نظام حكم مناسب لسورية في المستقبل دون الإشارة إلى إعلان الاستقلال، تاركا بذلك الباب مفتوحا لحلّ وسط مع فرنسا وبريطانيا. ولكن المفاجأة جاءت من رأس اللجنة الوطنية العليا (الشيخ كامل القصاب) في اجتماع المؤتمر السوري يوم 7 آذار/مارس 1920 حين رفع السقف إلى الاستقلال الكامل لكل أرجاء سورية الطبيعية، بما في ذلك فلسطين، وهو الخطاب الذي بادرت اللجنة الوطنية إلى توزيعه في الأحياء عشية قرار المؤتمر بإعلان استقلال سورية الطبيعية باعتباره يعبّر عن الأمة (الممثلة في المؤتمر السوري) التي هي مصدر الشرعية وليس الحكومة العربية (ص 247).



كان كامل القصاب نفسه هو بطل المشهد في أحداث 20-21 تموز 1920 حين كان يجول الأحياء ليحثّ السكان على التجمّع والتسلح والذهاب إلى ميسلون للدفاع عن الوطن، بعدما قامت الحكومة العربية بتعليق جلسات المؤتمر السوري وحلّ الجيش بعد إنذار الجنرال غورو المعروف. وبعبارة أخرى فقد كانت الحكومة العربية خسرت المعركة في دمشق مع اللجنة الوطنية قبل أن تخسرها بسقوط وزير الحربية يوسف العظمة في أرض ميسلون أمام الجيش الفرنسي. وهكذا يقول المؤلف في السطور الأخيرة من كتابه إن العهد الفيصلي في سورية على الرغم من قصره (5 تشرين الأول/أكتوبر 1918-24 تموز/يوليو 1920) شهد "بروز سياسة القومية الشعبية في "الشرق الأوسط" العربي، وهي التي استمرّت حتى الآن بشكل أو بآخر" (ص 247).





* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالإثنين 27 يوليو 2020, 11:14 pm

معركة ميسلون 24 تموز : مأساة دولة وسلسلة من خيانات عربية


د.بكر خازر المجالي

24 تموز 1920 يوم سقوط الدولة العربية الأولى وفق مشروع النهضة العربية المنبثق عن الثورة العربية الكبرى، نستذكر دخول الجيش العربي لدمشق يوم 2 تشرين الأول 1918م ورفع العلم العربي لأول مرة منذ أربعة قرون على مباني دمشق ، وشهدت ساحة المرجة التي تأرجحت فيها أجساد شهداء الأحرار العرب يوم 6 أيار 1916م وارتفع صوت ( زينوا المرجة والمرجة لينا ) شهدت هذه الساحة استعراض الجيش العربي الاردني واحتفالات العرب واستبشارهم بقيام دولتهم الأولى. سارت الأمور في دمشق وسط حقل من الألغام ، فبرزت معارضة قوية من فئات لا تريد أن يحكمها ممن أتى من خارج الشام ، وفئات في لبنان اتجهت للإقليمية الضيقة لعزل جبل لبنان واستقلاله عن إقليم بلاد الشام( سوريا الطبيعية ) من هنا كانت المقاومة ضد حاكم لبنان ( ياسين الهاشمي ) وانزلوا علم الثورة العربية الكبرى عن مقره الذي اسماه حينها باسم مقر الدفاع الوطني هذا الاسم الذي اتخذه الملك عبدالله الأول اسما لمقره في معان حين وصلها بعد تداعيات معركة ميسلون في 21 تشرين الثاني من عام 1920 ، اتبع الملك فيصل الأول سياسة ثابتة في التعامل مع أكثر من عدو لمشروع النهضة العربية في ذات الوقت ، فكانت المقاومة اللبنانية لمشروع الدولة كما ذكرت ، ومن جانبها فرنسا بدأت تضغط على بريطانيا للشروع في تطبيق اتفاقية سايكس بيكو ، وظهور دولة عربية هو ضد تطبيق الاتفاقية ، والوكالة اليهودية بدأت تحذر من ظهور هذه الدولة لأنها تتعارض مع وعد بلفور ، عدا خروج بعض المظاهرات داخل الشام التي لا تؤيد وجود حكام من خارج سوريا الشمالية ولهم هتافات في هذا الصدد ، ومضى الملك فيصل في مشروع تأسيس الدولة الدستورية التي تضم كامل بلاد الشام بأقطارها الأربعة وفق دستور وتحت راية واحدة وبتداول عملة عربية موحدة ، وانتخاب مجلس نيابي واحد حمل اسم ( مجلس عموم سوريا ) ، ونجح الملك فيصل في كل هذه الإجراءات والتأم مجلس عموم سوريا يوم 8 آذار 1920 معلنا المملكة العربية السورية ومبايعة فيصل ملكا ، مع رفع العلم الجديد للدولة وهو علم الثورة العربية الكبرى مضافا إليه النجمة السباعية وهو ذات العلم الذي اتخذه الملك عبدالله الأول علما للدولة الاردنية مع تعديل ترتيب الألوان بوضع اللون الأبيض في الوسط. من جانبها فرنسا بدأت بالتربص بهذه الدولة التي هي ضد اتفاقية التقسيم سايكس بيكو وضد وعد بلفور ، وحين شرع الملك فيصل ببناء الجيش العربي وفرض التجنيد الإلزامي وتطبيق مبادئ الإدارة المدنية في كل سوريا - ( ونحن كنا في الأردن نشكل محافظة باسم محافظة شرق الأردن ومحافظها هو رضا رشيد الركابي وعاصمتها عجلون وأصبح رضا الركابي رئيس وزراء سوريا في عهد فيصل أيضا ) - بدأت تحركات الجنرال غورو بالتعاون مع عدد من العرب للعمل ضد مشروع الملك فيصل ، فكان الإنذار الشهير بتاريخ 14 تموز 1920 باسم ( إنذار غورو ) الذي يطلب من حكومة فيصل إلغاء العمل بالدستور ووقف تداول العملة العربية وإلغاء التجنيد الإجباري وقبول الانتداب الفرنسي وقبول احتلال عدد من محطات السكة الحديدية الإستراتيجية . ويقتضي تنفيذ بنود الإنذار خلال أربعة أيام فقط . سبب هذا الإنذار حالة فوضى في سوريا وشجع الأهالي على شراء الأسلحة والاستعداد لمواجهة فرنسا ، وساد اضطراب اضر رئيس الوزراء الركابي على أثرها على الاستقالة ، واستلم مكانه هاشم الاتاسي ، وقررت الحكومة قبول الإنذار لتفادي الهجوم الفرنسي واللجوء للمفاوضات ، ولكن تأخر وصول برقية قبول الإنذار نصف ساعة ولهذه قصة أخرى يتداولها أهل الشام هو أن مدير البريد في الحكومة الفيصلية قام بقطع خطوط التلغراف لمنع إيصال قبول الإنذار في وقته المحدد عدا عن مناورة شخصيات سورية للحيلولة دون وصول الإنذار في وقته لأنهم رأوا في انتهاء العهد ألفيصلي -على قصره - مجالا لهم ليتسيدوا البلاد بتعاونهم مع الفرنسيين. ، وبالتالي تحرك الجيش الفرنسي باتجاه دمشق ، وحشد الجيش العربي قواته في منطقة خان ميسلون إلى الغرب من دمشق حوالي 25 كلم ، وتمركز الجيش بقيادة يوسف العظمة في القلب واحتلت قوات جبهة الميمنة وأخرى جبهة الميسرة واحكم الطوق على مداخل وجبال ميسلون ، وتقدمت القوات الفرنسية التي كانت مؤلفة من كتيبة مغربية وأخرى سنغالية ، ولكن ما جرى أن قائد قوات الميمنة التي تسيطر على طريق دمشق ومداخل الزبداني وبلودان شمالا كان عميلا فرنسيا ومتفق معهم على تنفيذ خطة جهنمية وهي بإخلاء الميمنة والتحرك خلف القوات العربية وحصار الجيش العربي : هو من الخلف وتكون القوات الفرنسية من الأمام وإفساح المجال للقوات الفرنسية للوصول إلى قلب القوات العربية بسرعة وبلا أية مقاومة، وكان ذلك بأن سقط الشهيد يوسف العظمة أولا وتداعى الجيش بسرعة وانهار وتمزق ولم تدم المعركة إلا لساعات محدودة كانت المقاومة العربية شديدة فيها ولكن كانت مقاومة انتحارية . انتهت ميسلون ، ودخل غورو دمشق وتبرع البعض بأن فكوا الخيل التي تجر عربة غورو وربطوا أجسادهم مكانها وجروا عربة غورو لمسافة معينة ، وحين شاهد غورو هذا المنظر وهذا التصرف أمر بأن تقصف دمشق قبل أن يدخلها ( حسب قوله مثل هذا الشعب يجب أن يُقصف ) ، أما الملك فيصل فقد ادر كان مشروع الثورة والعربية قد انتهى لا بسبب فرنسا بل بسبب العرب أولا ، ويقرر المغادرة ، ووصل إلى درعا وقام فترة طلب منه أهل حوران أن يبقى لاستئناف القتال ، وحضر إليه عدد من وجهاء الأردن وطلبوا منه أن يأتي إلى شرق الأردن لتأسيس دولة واستمرار القتال ولكنه رفض لان في ذلك تكريس لأمر واقع واعتراف باحتلال ، فغادر إلى حيفا بعد إنذار جديد من فرنسا بان يغادر وألا فسيتم قصف حوران ،وواصل طريقه إلى ايطاليا لفترة ثم إلى بريطانيا. قصة الملك فيصل الأول هي مأساة دولة ونهضة وإجهاض لمشروع عربي كان حلما عربيا انتهى بعد أن برزت المصالح الإقليمية الضيقة وتراجع مفهوم العروبة وانتهى زمن النصر العربي من حينها إلى يومنا هذا فيما يتعلق بأي مشروع وحدة عربية. وميسلون بعد هذا الزمن لا زالت اول الجراح وأول المأساة التي انغرست في خاصرة العرب ، ولكن جذوة الثورة والعروبة ما خبت وبقيت وستبقى أوارا في كل الأرجاء ، فبعد حين من ميسلون تكون انتفاضة أهل حوران وثورة خربة الغزالة وقتلهم لرئيس وزراء نظام الاحتلال الفرنسي علاء الدين ألدروبي ولرئيس مجلس الشورى عبدالرحمن اليوسف في 20 أيلول من عام 1920، ومن ثم يصل الملك عبدالله الأول إلى معان نائبا للملك فيصل على عرش سوريا بتاريخ 21 تشرين الأول من عام 1920 وتكون بداية دولة حملت رسالة النهضة والثورة لتتجدد المسيرة وليبقى علم الثورة العربية الكبرى مرفوعا . قصة من التاريخ وفصل من فصول مأساة لا زالت تتجدد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالإثنين 27 يوليو 2020, 11:15 pm

معركة الشرف العسكري.. ميسلون



أحمد الجنابي
تتناول الحلقة الـ56 من سلسلة بالهجري حدثا وقع في مثل شهر ذي القعدة الجاري حسب التقويم الهجري، وهو معركة ميسلون بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الفرنسي عام 1338 للهجرة (1920 للميلاد).
كانت سوريا قد أصبحت من نصيب فرنسا ضمن اتفاقية سايكس بيكو التي انتزعت البلاد العربية من الدولة العثمانية، وقسمتها بين الفائزين في الحرب العالمية الأولى بريطانيا وفرنسا. وحاول فيصل بن الحسين تنصيب نفسه ملكا على كامل بلاد الشام التاريخية التي تضم سوريا ولبنان وفلسطين ومنطقة شرقي نهر الأردن التي أصبحت إمارة شرق الأردن وبعد ذلك المملكة الأردنية الهاشمية.

ورغم أن فيصل كان مدعوما من بريطانيا، إلا أن طموحه تقاطع مع ما اتفقت عليه بريطانيا وفرنسا، بالإضافة الى أن القوى الاستعمارية في تلك الفترة كانت تتبع سياسة تفتيت المناطق العربية إلى بلدان صغيرة قدر الإمكان.

أعلن الملك فيصل نفسه ملكا على بلاد الشام التي تدعى في القاموس السياسي الغربي Greater Syria أي سوريا الكبرى، وكان ذلك قبيل وصول القوات الفرنسية الغازية، وجاء إعلانه ليجعل سوريا أول دولة عربية مستقلة تؤسس على الطراز الحديث للدول. إلا أن ملكه ودولته لم تدم سوى أربعة أشهر ووقعت البلاد تحت الاحتلال الفرنسي، إثر خسارة الجيش العربي السوري معركة ميسلون للدفاع عن دمشق.

تاريخيا، اقترن اسم هذه المعركة باسم يوسف العظمة وزير الحربية (الدفاع) في حكومة الملك فيصل، وهذا الربط أساسه هو خروج العظمة ومن معه لقتال الفرنسيين رغم معرفتهم بأنهم أقل عدة وعددا من الجيش الغازي.

ورغم أن المنطق يقول لنا إنه من غير المجدي أن يخرج جيش ضعيف التجهيز لقتال جيش غازي أحسن منه تجهيزا ويبلغ تعداده الضعف، إلا أن العظمة العسكري المتمرس الذي تخرج في الكلية الحربية بإسطنبول كان له رأي آخر يستند إلى القيم العسكرية والاجتماعية وذا نظرة مستقبلية.

معركة  ميسلون P_16699gjou1
‪الجزيرة‬ الجنرال غورو وقف أمام قبر صلاح الدين الأيوبي وقال "ها نحن عدنا يا صلاح الدين"




حاول بكل الوسائل ثني الملك فيصل عن الاستجابة لتهديد الفرنسيين بحل الجيش العربي السوري، وبعد أن يئس من تغيير الملك لرأيه أنشد عليه بيت الشعر الشهير للمتنبي: "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ"، وأخذ من معه من المتطوعين وخرج لمواجهة الجيش الفرنسي القادم لاحتلال دمشق عاصمة الدولة.

أراد العظمة بخروجه أن يحفظ لتاريخ سوريا العسكري هيبته ووقاره، فقد كان يخشى أن يسجل في كتب التاريخ أن الجيش السوري قعد عن القتال ودخل المحتل عاصمته دون مقاومة. كما أراد أن يسجل موقفا أمام الشعب السوري نفسه بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى, وإن ذلك سيكون نبراسا للشعب السوري في مقاومته للمحتل، فقد كان يدرك أن من يهن يسهل الهوان عليه، وهوان الجيش قد تكون له عواقب وخيمة على البلاد ومستقبل المقاومة. 

دخل الفرنسيون دمشق في اليوم التالي لخسارة الجيش العربي السوري معركة ميسلون، وحرص قائد الجيوش الفرنسية الجنرال هنري غورو على زيارة قبر القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي أذاق الفرنسيين والصليبيين ألوان الهزيمة في الحروب الصليبية، ووقف أمام ضريحه وقال "ها نحن عدنا يا صلاح الدين".

اعلان
ورغم دخول الفرنسيين دمشق، فإن إقامتهم فيها لم تكن هانئة، فقد شن الدمشقيون والسوريون من خلفهم حملة مقاومة سطرت فيها أروع ملاحم العز والكرامة، واستمرت لسنين دون هوادة بلغت ذروتها بعد خمس سنين من دخول الفرنسيين، حيث قاموا بقصف دمشق بالمدفعية والطائرات الحربية وسقط عدد كبير من الشهداء المدنيين في واحدة من جرائم الحرب في العصر الحديث.

وتحت وطأة المقاومة المستمرة عمد الفرنسيون إلى خطة ماكرة لتطوير دمشق أرادوا من خلالها شراء ذمة الدمشقيين وإقناعهم بأنهم أتوا للنهضة بالبلاد، ومن جهة أخرى ضرب المقاومين. أقام الفرنسيون خطة تطوير عمراني حول دمشق، استخدموا فيها المعمار الحديث الذي حلّ محل القيم المعمارية الشامية التراثية، ونفذت هذه الخطة العمرانية على شكل حزام دائري يفصل العاصمة عن غوطة دمشق التي كانت منطلقا لأعمال المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.

وفي هذه الأثناء اشتد الحراك السياسي في سوريا، وكانت منطلقا وقاعدة مهمة من قواعد التحرر من الاحتلال في العالم العربي، وبرزت على الساحة السورية كل ألوان الطيف السياسي من اليسار إلى اليمين، وأصبح العمل ضد الاحتلال الفرنسي عسكريا وسياسيا.

استمر النضال السوري نحو الاستقلال حوالي 26 عاما حتى عادت دمشق عاصمة لدولة مستقلة ذات سيادة عام 1365 للهجرة (1946 للميلاد).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

معركة  ميسلون Empty
مُساهمةموضوع: رد: معركة ميسلون   معركة  ميسلون Emptyالخميس 09 مايو 2024, 9:20 am

معركة  ميسلون Maysaloun2-1714721068





معركة ميسلون.. كيف رسمت الهزيمة الطريق لمآسي سوريا الحديثة؟


كانت معركة ميسلون حدا فاصلا بين عصرين ودولتين، دولة الاستقلال التي حلم بها السوريون في ظل الملكية الهاشمية، ودولة التبعية للمحتل الفرنسي الذي سيصبح احتلاله للبلاد مرحلة جديدة ستُشكّل تاريخ سوريا الحديث طوال الـ100 عام الماضية وحتى يومنا هذا.
وقد بدأت هذه المأساة مع الانقلاب على السلطان [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/11/4/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9#:~:text=%D8%B9%D8%A8%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A %D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A,%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA %D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84 %D8%AD%D8%AA%D9%89 %D8%B9%D8%B2%D9%84%D9%87 %D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86]عبد الحميد الثاني[/url] في عام 1909م، فكان ذلك الانقلاب بداية لسلسلة طويلة من الإخفاقات العسكرية العثمانية على العديد من الجبهات في البلقان ومصر وفلسطين وسوريا ثم العراق والجزيرة العربية.
فطوال الأعوام التسعة التالية على خلعه انخرطت حكومات جمعية الاتحاد والترقي التي تولت السلطة في [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/11/1/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%A8%D9%86#:~:text=%D9%81%D8%AA%D8%AD %D8%A3%D8%AF%D8%B1%D9%86%D8%A9%D8%8C %D9%88%D9%87%D9%8A %D8%A3%D9%87%D9%85 %D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9,%D8%A5%D9%84%D9%89 500 %D8%A3%D9%84%D9%81 %D9%83%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%85%D8%AA%D8%B1 %d9%85%d8%b1%d8%a8%d8%b9.&text=%D8%A5%D8%B0%D8%A7 %D9%84%D9%85 %D9%8A%D8%A8%D8%AF%D8%A3 %D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%BA%D9%8A%D9%84 %D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%8B%D8%A7%D8%8C %D9%81%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84 %D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9 %D8%AA%D8%B4%D8%BA%D9%8A%D9%84 %D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%B2.,-%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9 %D9%85%D9%85%D9%88%D9%91%D9%84%D8%A9]الدولة العثمانية[/url] في مغامرات عسكرية لم تكن محسوبة عواقبها على الإطلاق.
وفي ظل هذه المغامرات كانت القوى العظمى المتربصة مثل الإنجليز والفرنسيين والروس يتفقون على إعادة صياغة تركة "الرجل المريض" كما وصفوها بحسب مصالحهم الإستراتيجية.
معركة  ميسلون Shutterstock_785840938-1715068162جمال باشا (وسط) القائد العسكري التركي الشهير بالسفّاح (شترستوك)

مغامرة الاتحاديين وخسارة الشرق

حين اشتعلت الحرب العالمية الأولى في عام 1914 ألقى الضباط الاتحاديون المنقلبون على السلطان عبد الحميد الثاني وحُكام الدولة العثمانية الحقيقيون بثقلهم خلف الألمان وأعلنوا تحالفهم معهم، فامتدّت رُقعة الحرب من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
وكان القائد العسكري التركي جمال باشا الشهير بالسفّاح هو الحاكم العثماني لسوريا وقتذاك؛ كان معروفا بقسوته ووقوفه بحزم وعنف شديدين ضد الحركة القومية العربية الناشئة، ولا سيما من العرب المتعاطفين مع الإنجليز أو المطالبين بالاستقلال عن الدولة العثمانية.
ولهذا السبب شرع منذ عام 1915م يشدد في سياسته حتى بلغ به الحال أن قبضَ على كثير من الشباب والمثقفين، ثم أنزل عقوبة الإعدام في كثير منهم.
وكما يقول المؤرخ الأميركي ديفيد فرومكين في كتابه "سلام ما بعده سلام" إن الشريف حسين أمير مكة والحجاز أعلن عن قيام الثورة العربية الكبرى، بهدف إعادة توحيد الجزيرة العربية والعراق والشام في دولة أو خلافة عربية ساعيا إلى تحقيق ذلك بالتحالف مع البريطانيين، وذلك بعد اتفاقه الشهير مع السير ماكمهون السفير البريطاني في القاهرة حينذاك.





واشتعلت المواجهة بين العرب والعثمانيين منذ ذلك الحين في غرب الجزيرة العربية تحت قيادة الضابط البريطاني الشهير الكولونيل توماس إدوارد لورنس الشهير بلورانس العرب، الذي عمل جنبا إلى جنب مع أبناء الشريف الحسين وعلى رأسهم الأمير فيصل والأمير علي.
وأسفرت هزيمة العثمانيين والألمان وفشل عبورهم [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2024/1/14/%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%B3-%D8%A3%D8%B7%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%85%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85#:~:text=%D9%88%D8%A8%D8%AD%D9%83%D9%85 %D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%AA%D9%87%D8%A7 %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%A9 %D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%8A%D8%AF,%D8%A3%D8%B5%D8%A8%D8%AD %D9%85%D8%B3%D9%85%D9%88%D8%AD%D8%A7 %D8%A8%D9%87%D8%A7 %D9%83%D8%B0%D9%84%D9%83 %D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7.]قناة السويس[/url] في حملتي عام 1915 و1916 عن انتقال الإنجليز من موقع الدفاع إلى الهجوم، وتحت قيادة الجنرال [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2022/10/21/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%A5%D8%AF%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF-%D8%A3%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A#:~:text=%D8%A5%D8%AF%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF %D8%A3%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%9B %D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84 %D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A %D9%85%D8%AE%D8%B6%D8%B1%D9%85,%D9%88%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86 %D9%81%D9%8A %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8 %D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89.]إدموند ألنبي[/url] استطاع الإنجليز وحلفاؤهم، بالتزامن مع تقدّم القوات العربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين وبمعاونة لورانس غرب الجزيرة العربية وشماليها إلى شرق الأردن وفلسطين الإطباق على القوات العثمانية الموجودة في تلك المناطق.

وقد تكلل هذا الهجوم عن سقوط [url=https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2014/11/6/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3#:~:text=%D9%88%D9%81%D9%8A %D8%AF%D9%8A%D8%B3%D9%85%D8%A8%D8%B1%2F%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84 1917,%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF %D8%A5%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%8C %D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9 %D8%A8%D8%B9%D8%AF %D9%88%D8%B9%D8%AF]القدس[/url] في أواخر ديسمبر/كانون الأول 1917م، وطرد العثمانيين من الجزيرة العربية وجنوب الشام ومن ثم أصبح الطريق إلى دمشق وكافة الأقاليم السورية بل وجنوب الأناضول مفتوحا أمام الحلفاء كما يقول المؤرخ عارف العارف في كتابه "تاريخ غزة".
معركة  ميسلون 3-41إدموند ألنبي في مدينة القدس في ديسمبر/كانون الأول 1917 (رويترز)

سوريا مملكة عربية برعاية الحلفاء

في تلك الأثناء كان اتفاق سايكس بيكو بين الإنجليز والفرنسيين في عام 1916م لإعادة تقسيم تركة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط ينصّ على إخضاع سواحل بلاد الشام وقليقية جنوب الأناضول وسوريا الداخلية إلى الفرنسين، ورغم ذلك حاول البريطانيون تأخير تسليم سوريا للفرنسيين وجعلها مستقلة تحت قيادة الشريف حسين وأبنائه خوفا من عواقب احتلال فرنسا لدمشق أقدم عواصم المسلمين.
كان دخول ممثل فرنسا إلى سوريا مع القائد البريطاني الجنرال ألنبي وإصراره على إمضاء اتفاقية سايكس بيكو قد أفضى في نهاية الاجتماع إلى إعلان ألنبي على الأمير فيصل ما يلي:
  • ستكون فرنسا دولة الحماية في سوريا.
  • سيتولى فيصل بصفته ممثلا عن والده الملك حسين الإدارة في سوريا ما عدا فلسطين تحت الحكم البريطاني، ولبنان تحت الحكم الفرنسي.
  • يجب أن يكون لدى فيصل ضابط اتصال فرنسي مع لورانس البريطاني.

غضب الأمير فيصل من هذا الإعلان؛ لأنه لم يكن يعلم بتفاصيل اتفاقية سايكس-بيكو بين البريطانيين والفرنسيين من قبل، ولم يخبره بها لورانس، ولكن تحت ضغط الأمر الواقع والقوة العسكرية البريطانية والفرنسية على الأرض اضطر إلى قبول هذه الشروط.
ولم تمض أيام حتى نزل جورج بيكو الممثل الفرنسي ومتزعم الاتفاقية الشهيرة مع الإنجليز في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1918م إلى السواحل اللبنانية وبدأ عمله كممثل مدني وسياسي لفرنسا في المنطقة، خاضعا للسلطة العليا التي كان يتمتع بها الجنرال البريطاني ألنبي بصفته القائد العام وقتذاك.





وهكذا تم تقسيم بلاد الشام فعليا بين البريطانيين والفرنسين:
  • خضعت المناطق الداخلية (سوريا الحالية) لحكم عربي شبه مستقل تحت قيادة فيصل بن الحسين وتبعية فرنسية ما بين عامي 1918 إلى 1920.
  • ثم خضوع المنطقة الغربية لبنان وسواحل الشام إلى الاحتلال الفرنسي المباشر.
  • وخضوع المنطقة الجنوبية في فلسطين وشرق الأردن (الأردن الحالية) إلى السيطرة المباشرة للبريطانيين، وهذا الإجراء كان بمثابة الترجمة العملية لاتفاقية سايكس بيكو بين البريطانيين والفرنسين.

ظلت سوريا تحت حكم الأمير فيصل، وأعلن المؤتمر السوري (البرلمان) المنعقد في دمشق إلى الأمير فيصل في مارس/آذار 1920م ملكا على سوريا.
وعلى إثر هذا الإعلان اشتعلت نقمة فرنسا على حليفتها بريطانيا التي كانت قواتها لا تزال باقية في معظم الأراضي السورية، واعتبرت إعلان فيصل ملكا رعاية وحماية بريطانية، ونكوصا عن اتفاقية سايكس-بيكو.
وعلى إثر هذا الاعتراض الفرنسي شديد اللهجة انسحبت القوات البريطانية من كامل سوريا وقليقية في جنوب شرقي الأناضول، كما يصف المؤرخ يوسف الحكيم في كتابه "سورية والانتداب الفرنسي".
معركة  ميسلون San_Remo_Conference_1920-1715070740مجلس حلفاء مؤتمر سان ريمو 1920م أصدر قرارا بإسناد مهمة الانتداب على سوريا ولبنان إلى فرنسا (مواقع التواصل)

معركة ميسلون والاحتلال الفرنسي

وفقا لـ" ستيفين هامسلي لونغريغ" في كتابه "تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي" فإنه بعد شهر من هذه الأحداث عُقد مؤتمر سان ريمو في أبريل/نيسان 1920م، وفيه أصدر مجلس الحلفاء قرارا رسميا بإسناد مهمة الانتداب على سوريا ولبنان إلى فرنسا.
وفي 14 يوليو/تموز 1920م أرسل الممثل الفرنسي في لبنان وخليفة جورج بيكو في المنطقة الجنرال هنري غورو إنذارا رسميا إلى حكومة الملك فيصل في دمشق وإلى المؤتمر السوري (البرلمان) يطلب فيه ما يلي:
  • إلغاء التجنيد الإجباري وتسريح الجيش البالغ عدده 10 آلاف مقاتل.
  • قبول الانتداب الفرنسي.
  • قبول التعامل بالنقد السوري الفرنسي الجديد.
  • تسليم السكك الحديدية للفرنسيين وغيرها.

وأمام هذه الشروط التي كانت تعني الاستسلام عمليا للاحتلال الفرنسي وافق فيصل وكثير من وزرائه على الخضوع، وأمروا بسحب القوات العسكرية العربية من الحدود اللبنانية إلى الداخل، وتسريح الجيش، فهبت الجماهير غاضبة في وجه ما اعتبروه خيانة وتقاعسا عن الدفاع عن البلاد.
معركة  ميسلون %D9%81%D9%8A%D8%B5%D9%84-22-1715071480الأمير فيصل بن الحسين (مواقع التواصل)
وأمام هذه الثورة الهائجة أعلن فيصل تراجعه عن الانسحاب، ومن ثم المواجهة والدفاع عن سوريا أمام الفرنسين، وأسند هذه المهمة إلى وزير الحربية العقيد يوسف العظمة الذي تولى هذا المنصب بين مايو/أيار ويوليو/تموز 1920م، وكانت مهمة يوسف العظمة إعادة تجميع القوات التي تم تسريحها وقيادة المتطوعين.
كان عمر هذا الضابط السوري الذي عُرف بشجاعته وثقافته الواسعة آنذاك 36 عاما، ولكنه كان ملما بالعربية والتركية والفرنسية والألمانية، متخرجا في المدرسة الحربية العثمانية في إسطنبول سنة 1903م وحين انتهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918م عاد إلى دمشق فاختاره الأمير فيصل مرافقا ومستشارا ثم رئيسا لأركان الجيش السوري الناشئ.
كان يوسف العظمة من أوائل من هاجموا الملك فيصل حين أعلن موافقته على الخضوع للانتداب الفرنسي وتسريح الجيش، وسيطرتهم على دمشق وسوريا كلها، وكانت عقيدته العسكرية تقوم على التأسي بالقادة العسكريين الكبار في التاريخ الإسلامي ممن واجهوا العدو والمحتل.
وأيضا كان العظمة متأثرا للغاية بالمدرسة الألمانية العسكرية التي تعلم فيها الكثير من المبادئ العسكرية، وعقيدتها كانت تقوم على ضرورة المواجهة والحرب بغض النظر عن الهزيمة أو النصر، بل وقد ذكر العديد من النماذج المعاصرة مثل بلجيكا التي آثرت مواجهة القوات الألمانية مع علمها اليقيني بهزيمتها، ولكن حتى لا تُعرف في التاريخ أنها سلمت البلاد بدون مقاومة وقتال.
معركة  ميسلون %D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B8%D9%85%D8%A9-1715072082يوسف العظمة قاوم الانتداب الفرنسي (مواقع التواصل)
ولهذه الأسباب مجتمعة سلّم الملك فيصل بن الحسين قيادة المعركة إلى وزير الحربية الشاب يوسف العظمة الذي استطاع بالكاد أن يعيد تجميع قوات الجيش التي كانت قد سُرحّت من قبل فضلا عن قوات المتطوعين، حتى بلغت ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف جندي مدججين بالبنادق القديمة العثمانية والإنجليزية والإيطالية التقليدية، لا يملكون إلا عددا قليلا من المدافع والألغام.
بينما على الجهة الأخرى كان الفرنسيون يستعينون بقوات سينغالية وغيرها كثيفة العدد بلغت 9 آلاف جندي، شديدة التنظيم والتدريب، يملكون أحدث الأسلحة كالبنادق والدبابات والمدافع والطائرات، وقد التقى الجانبان في 24 يوليو/تموز 1920م في منطقة ميسلون غرب دمشق على الطريق بين دمشق وبيروت.
في وسط هذا القيظ من حر الصيف اندلعت معركة ميسلون طوال 6 ساعات أبدى فيها المقاومون السوريون والعرب ثباتا كبيرا، ولم يقف وزير الحربية يوسف العظمة في مركز القيادة يُتابع من بعيد ويوجه سير المعركة، بل ثبت وقوفه بجانب أحد المدافع بين الجنود.
وكان من الواضح الفارق الكبير في الخطة العسكرية الفرنسية وتنظيم قواتها، وتقدّم عتادها من المدافع والطائرات والدبابات أمام القوات السورية والعربية ضعيفة العدد والعتاد.
ولهذا السبب وبعد عدة ساعات تفرقت جموع القوات السورية واستُشهد 400 من الجنود السوريين والعرب، في المقابل قُتل من الفرنسيين والسينغاليين 400 وأصيب 1600 جريح إضافة إلى 40 ضابطا بين جريح وقتيل، وكان على رأس الشهداء وزير الحربية يوسف العظمة.





الفرنسيون ومأساة سوريا المعاصرة

على إثر هذه الهزيمة دخل الفرنسيون بقيادة الجنرال غورو دمشق، فكان أول قراره أن أمرَ الملك فيصل وعددا من حاشيته بالخروج من سوريا، ثم أعلنوا سقوط حكومته وأنشؤوا أخرى موالية لهم، وبدأ من وقتها عهد الانتداب أو الاحتلال الفرنسي على البلاد الذي استمر طوال ربع قرن تالية حتى عام 1946م، وكان من عاقبته كثرة الانقلابات العسكرية فيما بعد!
وكان أول ما قام به الفرنسيون بعد سيطرتهم على سوريا ولبنان، إعلانهم عن إنشاء لبنان الكبير واستقطاعه من التبعية لدمشق كما كان حاصلا زمن العثمانيين.
ففي سبتمبر/أيلول 1920م تلقت حكومة دمشق من المفوض السامي الفرنسي غورو هذه البرقية: "نودي في بيروت في أول أيلول بلبنان الكبير.. إن لبنان الكبير يمتد من النهر الكبير شمالا إلى فلسطين جنوبا، ويحده من شرقا أعالي جبال لبنان الشرقي وعاصمته بيروت، ويضم إليها البقاع وثغور طرابلس وصيدا وصور".
معركة  ميسلون %D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%88-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%84%D8%A8-1715072590موكب الجنرال هنري غورو في حلب بعد هزيمة ميسلون ودخول الفرنسيون سوريا 1920 (مواقع التواصل)
ولم يكتف الفرنسيون بهذا الاقتطاع بل قرروا تقسيم سوريا ذاتها على أُسس طائفية وجهوية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام أعلن الفرنسيون تقسيم سوريا إلى 4 دويلات هي حلب في الشمال، ودمشق في الجنوب، وبلاد العلويين على الساحل، وجبل الدروز في الجنوب، "يكون لكل منها حكومة مديرين مستقلة مرتبطة مباشرة بالمفوض السامي، وتخضع قراراتها الهامة لتصديقه"، كما يقول القاضي المؤرخ يوسف الحكيم وهو شاهد عيان على ذلك العصر.
وقد حاول الفرنسيون مرارا التأكيد على هذا الجانب الطائفي، لشرذمة وتقسيم سوريا، واستمرار هيمنتهم المطلقة على البلاد، ورغم ذلك واجهوا مقاومة شرسة من السنة والدروز، كما حرص الفرنسيون على تفريغ سواحل البحر المتوسط من الأكثرية السُّنية ووضع أقليات تابعة لهم.
وهو ما يؤكده كمال ديب في كتابه "تاريخ سورية المعاصرة من الانتداب إلى 2011م" قائلا: "إن مشروع فرنسا لإقامة دويلات طائفية شرق المتوسط اقتضى إبعاد نفوذ السنة عن السواحل".
معركة  ميسلون %D8%AD%D8%B3%D9%86%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85_-1715072897حسني الزعيم قاد أول انقلاب عسكري في سوريا 1949 (مواقع التواصل)
كان اللعب على المسألة الطائفية والأقليات والجهوية طوال 26 عاما من عُمر الاحتلال "الانتداب" الفرنسي قد رسّخ مشاعر متضاربة، وأدى إلى عدم التوافق السياسي والفكري بين المدنيين من أبناء سوريا والذي رسّخه الفرنسيون إلى صعود طبقة العسكريين لتسلم زمام الحكم.
فكانت سوريا من أوائل الدول العربية التي وقع فيها أول انقلاب عسكري في عام 1949م بقيادة حسني الزعيم ثم توالت الانقلابات العسكرية فيما بعد حتى وصول حزب البعث في عام 1963م ثم انفراد حافظ الأسد بالسُّلطة المطلقة عام 1970.
فكانت المأساة السورية المعاصرة والمستمرة جزءا أصيلا من نتائج معركة ميسلون التي رسّخت للاحتلال الفرنسي، وما نجم عنه بعدها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
معركة ميسلون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: معارك اسلاميه-
انتقل الى: