القرى المهجرة والمدمرة عام 1948...
والاحتلال يحاول إخفاء الجريمة!
خاص-المركز الصحافي الدولي:
لم يكتف الاحتلال بتهجير ما يزيد 900 ألف فلسطيني من أراضيهم فحسب، بل حاول محو آثارهم من على الأرض بشتى الوسائل الممكنة، فبعد كثير من عمليات "التطهير" والقتل الجماعي، كانت آلياته تمسح القرى والبلدات المنكوبة عن وجه الأرض لتخفي معالم الجريمة.
الجريمة التي طالما حاول الاحتلال التستر عليها وسط صمت عالمي مطبق، ليس ذلك فحسب، بل ضمن اعترافاً فورياً بدولته التي قامت على اضطهاد الآمنين وارتكاب أبشع الانتهاكات بحقهم.
وهذا شكل بحد ذاته وصمة عار على جبين الاحتلال ومن يدعمه من دول "عظمى"، فأصحاب الأرض هاجروا وكلهم أمل أن يأتي ذلك اليوم الذي سيتمكنون فيه من العودة إلى أراضيهم المحتلة، التي هجروا عنها قسراً.
تطهير عرقي!
تفنن الاحتلال في أساليب تشريد الفلسطينيين من أراضيهم، ومن ذلك ما كشفه المحاضر في جامعة حيفا، د. إيلان بابي في محاضرة له حول النكبة عنوانها "قراءة نقدية في الرواية التاريخية الإسرائيلية للنكبة والتهجير" نظمها "المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية- مدى" في الأراضي المحتلة 1948، أنه كان لدى عصابات "الهجاناه" والقيادات الصهيونية برنامج جاهز لطرد وتهجير الفلسطينيين، والتطهير العرقي.
وأضاف أن هذا البرنامج نبع من الإدراك بأن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم، ومن المعرفة بأن قرار الأمم المتحدة لن ينفذ، وعليه ستقام دولة إسرائيل على مساحة أكبر من تلك التي خصصت لها بحسب قرارات الأمم المتحدة.
وأوضح د. بابي أنه سكن 900 ألف فلسطيني و 660 ألف يهودي في الجزء الذي ستقام عليه دولة إسرائيل من أراضي فلسطين، وأردف قائلاً: "من الواضح استحالة إقامة دولة يهودية بوجود 900 ألف فلسطيني، من هنا نبعت الضرورة لطرد الفلسطينيين وتهجيرهم، وأضاف: "ولذلك تم تقسيم البلاد إلى أربعة أجزاء نصبت عليها فرق عسكرية أوكلت لها مهمة طرد السكان من قراهم في ذلك الجزء".
وحول طريقة استهداف قرى الداخل المهجرة، قال د. بابي أنه كانت تتم محاصرة القرية من ثلاثة جهات ويحدد موعد أقصى لترك القرية، ويتم تهديد السكان وتخويفهم بقتل بعض سكان القرية، حتى يتركوا القرية، وفي حال لم يستجيبوا لأوامر قوات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء قراهم، يتم إخلائهم بالقوة وعنوةً.
كما ذكر بابي أن هناك حديث عن استخدام وسائل أخرى كالأسلحة البيولوجية، وتسميم مياة الشرب والاغتصاب، وكان هناك محطات تركيز للفلسطينيين الذين جمعوا بظروف سيئة للغاية، إلا أنه لم يُكتب عنها حتى الآن، فليس من السهل البحث والوصول إلى المصادر التاريخية حول هذا الموضوع.
وفي نهاية محاضرته، أكد بابي أن ما حدث في 1948 كان عملية "تطهير عرقي" صرفة وليست معركة عسكرية كما تدعي الرواية الإسرائيلية التقليدية.
واتضح من خلال دراسات أجريت على القرى المنكوبة تهجيراً وتدميراً، أن 90% من القرى قد نزحت بسبب هجوم عسكري يهودي، فمن مجموع 531 قرية هجر سكانها في فلسطين، طرد سكان 122 قرية بشكل قسري على يد العصابات الصهيونية، فيما هاجمت هذه العصابات 270 قرية أخرى بشكل دموي، وهجّر أهلها بعد مجازر بشعة ارتكبت بحقهم، فيما أثرت الحرب النفسية وتلك المجازر في سكان قرىً أخرى، مما اضطر العديد منهم إلى الرحيل.
وصمد عدد آخر في وجه الاحتلال الذي لم يفرق بين طفل وامرأة وشيخ، ارتكبت في حقهم مذابح في 33 قرية على الأقل في أقل من 12 شهراً بين عامي 1947- 1948.
الهجرة الكبرى
خلال الهجرة الكبرى عام 1948، هاجر ما يربو على 900 ألف فلسطيني إلى أصقاع العالم بعيداً عن مدنهم وقراهم، وخاصة في الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، التي أقيمت لهم فيها مخيمات "مؤقتة" انتظاراً للعودة.
في ذلك الوقت، دمرت العصابات الصهيونية أكثر من ثلاثة أرباع القرى والبلدات التي هجّر أهلها تدميراً كاملاً، من أصل 531 قرية وبلدة كان يقطنها 805,067 نسمة، منها 81 قرية محيت تماماً بعد تدميرها، و140 أخرى قرية دمرت تماماً مع بقاء مخلفات الدمار فيها، وذلك حسب دراسة أجراها د.سلمان أبو ستة ونشرها مركز العودة الفلسطيني في لندن.
كذلك، فإن تهجير الفلسطينيين من قراهم كان متفاوتاً بين مناطق وأخرى، فقد بلغ عدد القرى المهجرة في النقب على سبيل المثال أعلى نسبة عام 1948، حيث هجر سكان 88 قرية، وجاءت صفد في المرتبة الثانية، حيث هجر من قراها 78، والرملة 64 قرية، حيفا 59 قرية، غزة 46، القدس 39، بيسان 31، عكا 30، طبرية 26، يافا 25، طولكرم 18، الخليل 12، جنين 6 وأخيراً وليس آخراً الناصرة، التي هجر من قراها 5 قرى.
وقد تواطأ الاحتلال البريطاني مع العصابات الصهيونية في طرد المواطنين من أراضيهم، حيث هجرت 213 قرية في عهده، كان يسكنها 413.794 نسمة، إما من خلال غض النظر عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم أو غير ذلك.
وخلال الحرب هجر 339.272 مواطناً كانوا يقطنون في 264 قرية، أما بعد توقيع الهدنة فقد هجّر سكان 64 قرية، يقيم فيها 52.001 نسمة، حسب إحصائيات مركز العودة الفلسطيني.
ويتضح من ذلك، أن العصابات الصهيونية طردت أكثر من نصف اللاجئين تحت مرأى أعين الاحتلال البريطاني وقبل إعلان "دولة إسرائيل"، وقبل دخول القوات العربية إلى فلسطينسياسة مستمرة
ولكن هل توقف هذه المرة أيضاً عند هذا الحد؟
لا، بل ما شاهدناه خلال الانتفاضة الحالية وما قبلها كان دليلاً واضحاً على استمرار استهداف كل ما هو فلسطيني، فمخيمات اللاجئين لوحقت بآلة الدمار دونما توقف، وآلاف المنازل هدمت في رفح وجنين، ومخيمات لبنان، مثل صبرا وشاتيلا، بعيداً عن أنظار العالم، بل وبتواطؤ من بعض الدول.
النقب مثالاً...
وما تزال الحملة مستمرة على من بقي على أرضه، فحوالي 70 ألف فلسطيني من سكان 45 قرية لا تعترف بها سلطات الاحتلال في النقب على سبيل المثال، يتعرضون لضغوطات كبيرة، فتارة تهدم منازلهم بشكل جماعي، ويتهدد الهدم أصحاب أكثر من خمسين ألف منزل، بالإضافة إلى حرمان المواطنين من أبسط حقوقهم، لإجبارهم على الرحيل من أراضيهم. علاوة على أساليب جديدة إبتكرتها حكومة الاحتلال برشها مبيدات كيماوية ضارة على المواطنين وأراضيهم الزراعية بهدف ترحيلهم عن أراضيهم.
ويترافق ذلك مع مخططات توطين مهاجرين يهود مكانهم، لقلب التوازن السكاني في النقب لصالحهم، حيث أن حكومة اليمين المتطرف تخطط لإقامة أربعة عشر "مستوطنة" جديدة في المنطقة، على أراضٍ يمتلكها فلسطينيو النقب، كما أفاد النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي، طلب الصانع، في حديث للمركز الصحافي الدولي.
وأضاف الصانع أن حكومة اليمين تنوي تنفيذ خطة وضعت لإزالة ما تبقى من السكان الفلسطينيين الأصليين من البدو الذين يعيشون الآن في القرى غير المعترف بها وترحيلهم عن أراضيهم ووضعهم في تجمعات سكانية تشبه المخيمات.
حق العودة
لقد ضمنت القرارات الدولية حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها قسراً، وذلك لأن عملية التهجير كانت غير شرعية بكل المقاييس، ومنها القانون الدولي.
وأيد المجتمع الدولي القرار 194 الذي يؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروها بفعل الاحتلال، بشكل مستمر، ودعمت مجموعة كبيرة من القرارات التي اتخذتها المنظمات الدولية حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم وقراهم التي هجروا منها.
ولكن تعنت سلطات الاحتلال المتكرر في تنفيذ القرارات الدولية وقف عائقاً دائماً أمام أي فرصة للحل ولا يعترف بمسئوليته عن المجازر التي ارتكبها ولا عن القرى التي دمرها، ورفض الحديث عن تعويضات، في حين أنه مستمر في سياسته بحق القرى العربية في الداخل، وخاصة في منطقة النقب، كما ذكرنا سابقاً.
ومن هنا كان لابد من وقفة حقيقية تسعى لرد الحقوق إلى أصحابها لا حرمانهم منها، وهي ثوابت تم التأكيد عليها بشكل دائم، فحق العودة غير قابل للمساومة أو التفاوض وليس مرتبطاً بطرف دون آخر، بل هو حق لكل مجموع الشعب الفلسطيني الذي تصل نسبة اللاجئين فيه إلى حوالي 65%