المنسف.. بهارالحندقوق سره الشهي!

المنسف.. بهارالحندقوق سره الشهي!

السر لا يعرفه الكثيرون، سر المنسف الذي يعشقه الغني والفقير، فالكتابة عن المنسف بحد ذاتها تجعلنا نشتتم رائحة الجميد الكركي الذي لا مثيل له، فالمنسف الطبق الأردني الرئيسي لجميع الأردنيين وجرت العادة ان يقدم بعد صلاة الجمعة، وفي أيامنا هذه أصبح المنسف جزءاً من التقاليد للمناسبات، كما أنه رمز للتمسك بالأصول، ولعل من أهم أسباب نكهة المنسف الجميد وهو العنصر الاساسي الذي يعطيه الطعم الذي لا يقاوم، غير ان المنسف لا يقدم بدون ان يطبخ مع عشبة الحندقوق فهذه العشبة تعطيه السر الذي لا نجده في كثير من المناسف وبالرغم من ان جمعها يتطلب الكثير من الجهد، الا ان الاردنيين لا يقاومون طعمها، ومن هنا بدأ التحقيق لتقصي هذه البهارات التي لها طعم خاص وتتطلب الكثير من الجهد لجمعها من السهول والجبال والاغوار. «الدستور».. التقت النساء اللواتي يجمعن العشبة، ليتحدثن عن تجاربهن مع الحندقوق.
الحفاظ على طعم المنسف
تشير ام رائد قداح الى تجربتها الخاصة في جمع وصناعة الحندقوق، ان جمع الحندقوق يتطلب الكثير من الوقت والجهد، وبالرغم من العناء الذي نبذله في جمع هذه الاعشاب الا اننا نشعر بالسعادة والفرح، فنخرج في بداية شهر الربيع لجمع بهارات المنسف والمسمى بحوايج السمن، فهذه البهارات تتكون من مكون اساسي الا وهو عشبة الحندقوق ولذلك فان معظم الناس يسمون بهارات المنسف بالحندقوق، بالرغم انني حين اصنع هذه البهارات يدخل في تكوينها اربع عشرة عشبة اخرى الا ان عشبة الحندقوق هي الاساسية، لقد بدأت في صنع الحندقوق منذ ان كان عمري ثماني عشرة سنة، فالصنعة لها سرها وقد تعلمتها من والدتي والان ابلغ من العمر خمسا واربعين سنة الا انني في كل موسم اجتهد على جمع هذه البهارات، فالمنسف الاردني لا طعم له بدون هذه الاضافة السحرية التي يجهلها الكثيرون، وحين ارتأيت بان الحندقوق الذي اصنعه يجد الكثير من الاعجاب والطلب فقد تطورت لدي الفكرة لابيع هذا البهار السحري بالثمن المناسب، فالناس يطلبونه بكثرة لان الذي اصنعه مختلف عن السوق، فانا احافظ بان يظل طعم البهار الذي اصنعه كالذي كانت تصنعه والدتي حتى نحافظ على طعم المنسف البدوي الاصيل، ويتطلب جمع الحندقوق التوجه الى الكثير من مناطق المملكة التي يتوفر فيها مثل الاغوار وشفا بدران واربد والسلط ووادي السير، فالاعشاب التي نجمعها لنصل الى الطعم الذي نريده منتشرة في بقاع المملكة، ومن هنا تبدأ متعة جمع هذه الاعشاب التي تتطلب الكثير من الجهد، ومن هذه الاعشاب التي تدخل في بهار الحندقوق والتي لا يعرفها الا القليلون :طبعا المكون الاساسي وهو عشبة الحندقوق، الكزبرة، البقدونس، عريف الديك، الزعتر، الزعتر البري الفارسي، كزبرة جوية، بابونج، نعنع سيل، نعنع عادي، الشومر، السمينة، المحيلبة، والرشاد.
وتتوفر هذه الاعشاب في مناطق بعيدة عن بعضها ومختلفة في جوها، الا انني اصل لها بكل نشاط ورحابة صدر، فصناعة الحندقوق غير انها تتطلب الجهد الا انها ايضا تتطلب الدقة في صنعها، ففي بادئ الامر اجمع الاعشاب وانظفها من الاعشاب الدخيلة ومن ثم اعلقها على الحائط حتى تنشف ومن ثم بعد فترة افركها على الغربال ومن ثم نطحنه في السوق من اجل الوصول الى النعومة التي نريدها، ومن اهم الامور التي يجب ان نهتم بها حتى لا يتغير طعم الحندقوق: عدم تعرضها للاشعة الشمس لان الاعشاب تتحول للون الابيض واذا تعرضت للندى فانها تتضرر ايضا، وبالتالي يجب الانتباه لها وتقليبها في كل صباح، ويجب ان ننتبه حين نجمع الحندقوق ان نجمع العشبة الاصلية فعشبة الحندقوق تتميز بالنوار الابيض اما المحيلبة فنوارها اصفر وهنا يخطئ الناس كثيرا بين العشبتين، وتكلفني صناعة الحندقوق ما يوازي الاربعين دينارا لاصل الى عشرة كيلو من هذا البهار، ويلاقي الحندقوق الذي اصنعه الكثير من الاقبال وخاصة من الاشخاص المغتربين الذين لا يجدون مثله في الدول الاخرى، ان جمع هذه الاعشاب يشعرني بمشاعر جميلة وخاصة اننا نذهب مع العائلات لجمعه، الا ان اصحاب المزارع كثيرا ما يرفضون ان نجمعه بالرغم من انهم سوف يحرثون الارض وتذهب الاعشاب هباء منثورا، وبالمقابل هنالك من يدعونا الى مزارعه للحصول على هذه الاعشاب، ويتوقف نمو هذه الاعشاب على الامطار فاذا كان محصول المملكة من الامطار غزير فاننا نحصل على هذه الاعشاب بكميات وافرة، فانني اذكر في عام 2006 قد جاء المملكة كميات وافرة من الامطار وفي تلك السنة جمعنا انا وعائلتي الحندقوق من الاغوار لنجمع كميات هائلة وضعناها في غرفة كاملة ووصلت لامتار تفوقنا، انني مستمتعة جدا في جمع الحندقوق وخاصة بانني في هذا العمل احافظ على طعم المنسف الاصيل.
حوايج السمن
وتؤكد ام صخر ان عشبة الحندقوق او ما يطلق عليها بحوايج السمن تضيف طعما خاصا على المنسف، فهذه العشبة اصبحنا لا نستخدمها على المنسف فقط بل ايضا على المحاشي وورق العنب وغيرها من الاطباق، واحرص دائما على بعث هذه العشبة للاردنيين المغتربين، فهم يرون ان هذه الهدية افضل من كل الهدايا لحاجتهم لها فهم لا يجدونها بالاسواق الاجنبية، فاصبح الحندقوق يبعث الى امريكا ودول الخليج بكميات هائلة، فلا توجد حقيبة تخرج من الوطن الا وبها هذا البهار، اما بالنسبة لجمع الحندقوق فانه يتطلب جهدا كبيرا وحاليا اصبحت اكتفي بشراء هذه الاعشاب من السوق فهنالك من يوفرها بالسعر المناسب للحصول على حوايج السمن التي نحتاجها، ويختلف الاردنيون فيما بينهم حول مكونات الحندقوق الا انني اكتفي بعشبة الحندقوق والمحيلبة والشومر والزعتر والكركم وانشفها واطحنها لاصل للمذاق الذي ارضاه واهديه الى احبائي في هذا الوطن وخارجه.
فوائد فعالة
وتبين الدكتورة ردينة بطارسة الفوائد الفعلية لهذا البهار: لقد قامت الجدات والأمهات قديما باضافة نكهات خاصة الى اللبن (الرشوف) المرافق للمنسف، تضاف أثناء الطهو، بهدف اعطائه مذاقا لذيذا ومميزا في نفس الوقت، ولذلك عمدن الى تقليد سنوي يمارسنه في كل ربيع من السنة، وهو عادة جمع بعض أنواع النباتات والأعشاب البرية التي تنبت خلال أشهر الربيع، من ثم يقمن بتجفيفها وطحنها على شكل خلطة بهارات خاصة بالمنسف دون، ومن أهم مكونات هذه الخلطة المميزة الأعشاب التالية: عشبة الحندقوق ويعرف أيضا باسم (اكليل الملك)، وتمتاز هذه النبته بفعالية طبية حيث أنها لاتحتوي على مادة الكومارين التي تسكن الآلام وتفتت الأورام وتطريها، يمكن شرب المستحلب منها لتسكين أنواع المغص ومعالجة النزلات الشعبية، وتحتوي الخلطة أيضا عشبة الكزبرة البرية والتي تمتاز برائحة مميزة.
وتضيف بطارسة :» والجزء المستخدم منها في الخلطة هو البذور فقط والتي تمتاز بفعالية عالية لمنع تكوين الغازات المعوية، كما تحتوي الخلطة على نبتة الشومر و هي عشبة ذات رائحة عطرة وتحتوي بعض المواد الطبية الفعالة منها زيت طيار مع مادة الأنيتول والفانشون وهي مادة مقشعة ومثيرة لافرازات الغدد وطاردة للغازات ومسكنة للتشنجات ولها خاصية في معالجة نوبات الربو والسعال الديكي والتهاب الحنجرة وكذلك فعالة في علاج التهابات المسالك البولية، خاصة عند الأطفال والشيوخ، كذلك يفيد للمرأة الحامل في القضاء على الاضطرابات الهضمية ويزيد من ادرار الحليب عن المرضعات، كما تحتوي الخلطة على عشبة العصفر (الكركم) والذي يعطي اللبن اللون الأصفر المميز لشراب المنسف والذي يحوي مادة الجفانين المانعة للتشنجات المعوية، ومن المكونات أيضا زهرة الأقحوان الصفراء أو ما يعرف شعبيا بنبتة البسباس ويعرف في مصر باسم (زهرة الذهب)، وهي من فصيلة نبات الأقحوان الذي يمتلك العديد من الخصائص الطبية ومنها احتوائها على زيت طيار مع التوجون ومواد طاردة للديدان المعوية ومسكنة لآلام أعضاء الحوض الصغير (المثانة والبروستات عند الرجال، والمبيض والرحم عند النساء)، كما يمتلك فعالية في تقوية الدم وتحتوي الخلطة أيضا نباتات وأعشاب أخرى لم تعرف بعد فوائدها الطبية مثل عشبة عرف الديك وغيرها من الأعشاب، هذا ومن ناحية أخرى نقول أنه ومع تقدم العلم ووجودنا في زمن الأنترنت الا أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يصبح منسفنا وجبة سريعة يحضر بالميكروويف.

» المنسف
» المنسف والملوخية
» طريقة تحضير المنسف
» «المنسف».. يليق بلمّة رمضان
» الأكلة الأشهر في الأردن ..المنسف...