منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:21 am

الفصل الثاني
منظمات وحركات التحرير الفلسطينية

أولاً - المؤسسات الناطقة باسم الشعب الفلسطيني:
شعب فلسطين جزء من الأمة العربية والإسلامية. وقبل ظهور الدول القُطرية في عالمنا العربي والإسلامي، كان شعب فلسطين ممثلاً بشكل طبيعي في بنية الدول الإسلامية التي تتابعت على حكم المنطقة من راشدين وأمويين وعباسيين ومماليك وعثمانيين ... ولم تكن هناك مشكلة هوية أو انتماء وذلك لشعور الجميع بالانتماء والولاء لأمة الإسلام، بغض النظر عن نظام الحكم. غير أن ظهور الأيديولوجيات القومية والوطنية، وسقوط الدولة العثمانية، ووقوع فلسطين ـ وغيرها من بلدان العالم الإسلامي ـ تحت الاستعمار، وقيام الاستعمار بتقطيع بلدان العالم الإسلامي إلى وحدات مختلفة، لها حدودها الخاصة التي تعزلها عن غيرها. كل ذلك جعل شعب كل منطقة يقوم بنفسه بأعباء مواجهة الاستعمار، فتشكلت لذلك حركات وطنية وإسلامية، قادت شعوبها نحو التحرر والاستقلال.
وعندما سقط الحكم العثماني في فلسطين نهائياً في سبتمبر 1918، اعتبر الفلسطينيون أنفسهم تابعين للحكومة العربية التي تشكلت في دمشق في مطلع أكتوبر 1918 بزعامة فيصل بن الشريف حسين. فقد كان الفلسطينيون ممثلين في المؤتمر السوري العام، وكان الكثير من رجالاتهم في دمشق، وكان منهم نواب في المؤتمر السوري الذي أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920. وظلت فلسطين تُعدُّ "سوريا الجنوبية" طوال عهد الحكومة العربية في دمشق، إلى أن سقطت هذه الحكومة إثر معركة ميسلون في 24 يوليو 1920، وبِدْء الاستعمار الفرنسي على سوريا.[239]

وكان أول شكل تمثيلي لأبناء فلسطين هو "المؤتمر العربي الفلسطيني" الذي عَقَد باسم عرب فلسطين سبع دورات خلال 1919 ـ 1928. ولأن الفلسطينيين كانوا تحت الاستعمار البريطاني ومحرومين من ممارسة حقوقهم السياسية، فقد كان هذا المؤتمر مؤسسة وطنية تشبه المجلس النيابي، تنبثق عنها قيادة هي "اللجنة التنفيذية" والتي كانت تمثل الفلسطينيين سياسياً. وفي المؤتمرين الأول (القدس 27 يناير ـ 9 فبراير 1919) والثاني (دمشق 27 فبراير 1920) جرى التأكيد على أن فلسطين جزء من سوريا، فضلاً عن رفض الهجرة اليهودية، والمطالبة باستقلال العرب ووحدتهم. ومنذ المؤتمر الثالث (حيفا 13 ـ 19 ديسمبر 1920) صار على الفلسطينيين لزاماً أن ينظموا أمورهم بالاعتماد على أنفسهم، بعد أن أحكم الاستعمارين البريطاني والفرنسي قبضتهما على المنطقة. فطالبوا بإنشاء حكومة وطنية في فلسطين، مسئولة أمام مجلس نيابي ينتخبه الشعب العربي. ومنذ ذلك المؤتمر، تولى رئاسة اللجنة التنفيذية موسى كاظم الحسيني الذي أصبح رسمياً زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية إلى حين وفاته سنة 1934.[240]
وبسبب عوامل الضعف والتفكك التي أصابت الحركة الوطنية الفلسطينية خلال 1923 ـ 1928 فقد ضعفت فعالية المؤتمر العربي ولجنته التنفيذية. وفي الوقت نفسه، أخذت تبرز شخصية الحاج أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الذي قاد الحركة الوطنية من وراء ستار. ومنذ 1932 أخذت تظهر الأحزاب الفلسطينية، وكان أولها حزب الاستقلال ثم ظهرت أحزاب الدفاع (النشاشيبية)، والعربي (حزب المفتي ـ الحسينية)، وغيرها.[241] غير أن الحزب العربي الذي حظي بدعم المفتي كان أقواها وأكثرها شعبية. ومع وفاة موسى كاظم تلاشى عملياً المؤتمر العربي، وحلت مكانه الأحزاب السياسية.
وعندما اندلعت الثورة الكبرى في إبريل 1936 شكَّلت الأحزاب العربية "اللجنة العربية العليا" برئاسة الحاج أمين الحسيني (في 25 إبريل 1936) الذي نزل إلى الميدان، وأخذ يتولى قيادة الحركة الوطنية مباشرة، وليس من وراء ستار كما كان يحدث من قبل. وأصبحت "اللجنة العربية العليا" هي الجهة التي تمثل الفلسطينيين وتطلعاتهم.[242]
وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية أعاد الفلسطينيون ترتيب أنفسهم، وشكّلوا "الهيئة العربية العليا"[243] برئاسة الحاج أمين الحسيني في 11 يونيو 1946. وحظيت هذه الهيئة بدعم الهيئات والأحزاب والفئات الفلسطينية، وبالتفاف الشعب الفلسطيني حولها، واعترفت الدول العربية بها ممثلة للفلسطينيين. غير أن الهيئة العربية العليا عانت من عدم قدرتها على العمل المتناسب مع خطورة المرحلة في داخل فلسطين، بسبب وجود الاستعمار البريطاني فيها، والذي منع عدداً من قياداتها من دخول فلسطين، وبالذات الحاج أمين الحسيني. كما عانت اللجنة من مشاكلها (ومشاكل رئيسها) مع عدد من الأنظمة العربية وخصوصاً الأردن والعراق، وقامت الأنظمة العربية بفرض قراراتها وتوجهاتها على الهيئة وتجاهل قيادتها وتجاوزها، بحجة أن قضية فلسطين قضية عربية، وأن الأنظمة العربية تتولى عملية التحرير. بينما كان عدد من الأنظمة العربية لا يزال تحت النفوذ الاستعماري القوي لبريطانيا والنفوذ المتصاعد لأمريكا، واللتان تدخلتا بفعالية لتحديد سياسات هذه الدول، والخطوط الحمراء لتحركها تجاه فلسطين. وحتى عندما دخلت الجيوش العربية فلسطين في مايو 1948 فإنها منعت الحاج أمين الحسيني من دخول فلسطين أو الوجود في الأماكن التي سيطرت عليها، ولم تمكِّن الأنظمة العربية الحاج أمين ورفاقه من تولي تنظيم وقيادة الشعب الفلسطيني في المناطق المحررة، بل باشرت بنفسها نزع أسلحة الفلسطينيين، وخصوصاً جيش الجهاد المقدس الذي نظمته الهيئة العربية العليا.
وكانت الهيئة العربية العليا قد قررت إنشاء حكومة فلسطينية لملء الفراغ الناتج عن انسحاب بريطانيا من فلسطين، وسعت خلال أشهر مارس وإبريل والنصف الأول من مايو 1948 لإقناع الحكومات العربية بذلك، ولكن دون جدوى. وفي 23 سبتمبر 1948 قامت الهيئة بإعلان "حكومة عموم فلسطين" في غزة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. وقد أقرَّت الحكومات العربية ذلك، واعترفت بحكومة عموم فلسطين، ما عدا حكومة الأردن. وتأكيداً لشرعيتها، قامت حكومة عموم فلسطين والهيئة العربية العليا بالدعوة إلى مجلس وطني فلسطيني في غزة في الأول من أكتوبر 1948 برئاسة الحاج أمين. وقد انعقد المؤتمر بحضور جمهرة كبيرة من الشخصيات الفلسطينية، حيث تم الإعلان عن شرعية الحكومة الجديدة، وتقرر إعلان استقلال فلسطين، وإقامة دولة حرة ديموقراطية ذات سيادة، بحدودها الدولية المتعارف عليها في أثناء الاحتلال البريطاني.
وقام ملك الأردن الملك عبد الله من جانبه بالسعي لتمثيل الفلسطينيين، فانعقد بدعمه في عمان في الأول من أكتوبر 1948 مؤتمر في عمان برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي أنكر على مؤتمر غزة تمثيله للفلسطينيين. وانعقد في أريحا مؤتمر في الأول من ديسمبر 1948 برئاسة محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل، تم الإعلان فيه عن وحدة الأرضي الأردنية والفلسطينية، ومبايعة الملك عبد الله ملكاً على فلسطين. وفي آخر ديسمبر من العام نفسه، انعقد مؤتمرٌ ثالثٌ في رام الله ورابعٌ في نابلس، وقد أيدا قرارات مؤتمر أريحا. وقد أثار موقف الأردن معارضة شديدة في الأوساط العربية والفلسطينية الرسمية والشعبية، غير أن سيطرة القوات الأردنية على معظم ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية) مكّنها من منع حكومة عموم فلسطين من ممارسة صلاحياتها، وتم في النهاية توحيد الضفة الغربية مع شرق الأردن في إبريل 1950.[244]
وعندما حاولت حكومة عموم فلسطين ممارسة صلاحياتها في قطاع غزة، تدخلت السلطات المصرية، فنقلت الحاج أمين الحسيني بالقوة إلى القاهرة، وأجبرت عدداً من أعضاء المجلس الوطني على مغادرة غزة إلى القاهرة. ثم ما لبثت أن أكرهت رئيس وأعضاء حكومة عموم فلسطين على الانتقال إلى مصر. وبقيت حكومة عموم فلسطين قائمة في مصر دون أن تستطيع القيام بأي من الأعمال المنوطة بها، لا سيما في الحقل السياسي. وفرضت السلطات المصرية حصاراً على دار الهيئة العربية العليا في القاهرة، ووضعت الحاج أمين تحت رقابة مُشدَّدة، حرمته من حرية العمل والتنقل. ومع الزمن، لم تعد حكومة عموم فلسطين غير هيئة شكلية ظلَّت تبعث بممثلين عنها لحضور اجتماعات الجامعة العربية. أما الحاج أمين والهيئة العربية العليا فقد عانيا من استمرار الحصار والتجاهل، واضطر الحاج أمين لمغادرة القاهرة سنة 1958 إلى لبنان، بسبب الضغط والتضييق من عبد الناصر عليه، وخصوصاً لخلفيته الإسلامية وعلاقاته المتميزة بالإخوان المسلمين الذين كان عبد الناصر يلاحقهم ويسجنهم. وعملياً، فقد انتهى أي تأثير للهيئة العربية العليا بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، وظهور العمل الفدائي الفلسطيني، وبوفاة الحاج أمين الحسيني نفسه في 4 يوليو 1974، ولا يزال لهذه الهيئة مكتب صغير في عمان.[245]
منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف):[246]
كانت فلسطين ممثلة لدى جامعة الدول العربية منذ إنشائها سنة 1945. فقد مثَّلها في البداية موسى العلمي، ثم تولى ذلك أحمد حلمي عبد الباقي إلى حين وفاته سنة 1963. وفي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين أخذت الساحة الفلسطينية تموج بالحركات والمنظمات الفدائية والسياسية التي تسعى لتحرير فلسطين. وكان نجاح الثورة الجزائرية سنة 1962 عاملاً مُحفِّزاً ونموذجاً دفع الكثير من الفلسطينيين للاعتقاد بإمكان أن يتولى أبناء القُطر الواحد عملية المقاومة والتحرير في الوقت الذي يتلقون الدعم والإسناد من أشقائهم العرب. كما كان فشل تجربة الوحدة المصرية ـ السورية 1958 ـ 1961 عاملاً آخر في دفع الفلسطينيين إلى عدم انتظار تحقق الوحدة العربية، وعدم التعويل عليها، بالنظر إلى واقع الأنظمة العربية وخلافاتها. وقد خشيت الأنظمة العربية ـ وخصوصاً مصر ـ أن يفلت زمام القضية الفلسطينية من يدها، فبادرت إلى محاولة إيجاد شكل مؤسسي تمثيلي للفلسطينيين، يستوعب الساحة الفلسطينية، ويُبقي الأمور تحت السيطرة قدر الإمكان.
ولم تعبأ الجامعة العربية - في دورتها الأربعين سنة 1963 - برأي الهيئة العربية العليا ولا حكومة عموم فلسطين في تعيين مندوب فلسطين لدى الجامعة. وعينت بنفسها أحمد الشقيري الذي حظي بدعم عبد الناصر، وقد أُرفق بقرار اختياره تكليفه ببحث القضية الفلسطينية في جميع جوانبها، والوسائل التي تؤدي إلى دفعها في ميدان الحركة والنشاط. وعندما انعقد مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة في 13 يناير 1964 أصدر قراراً بإنشاء كيانٍ فلسطيني يُعبِّر عن إرادة شعب فلسطين، ويقيم هيئة تطالب بحقوقه، لتمكينه من تحرير أرضه وتقرير مصيره. ومن الجدير بالذكر أن الجامعة العربية كانت قد أقرَّت سنة 1959 فكرة إنشاء كيان فلسطيني، لكنه ظلَّ عرضة للتسويف والتأجيل، إلى أن أعيد إحياء الفكرة سنة 1963.
وقام أحمد الشقيري، مستفيداً من الدعم المصري، ومن حماسة الفلسطينيين لإنشاء كيان خاص بهم، بعمل ثلاثين جولة في مناطق التجمعات الفلسطينية. وقام خلال الجولة بوضع "الميثاق الوطني الفلسطيني" والنظام الأساسي "لمنظمة التحرير الفلسطينية"، وأجرى ترتيبات عقد مؤتمر فلسطيني عام في القدس، والذي انعقد في 28 مايو ـ 2 يونيو 1964، وقام الملك حسين بافتتاحه. وسمُّي هذا المجلس "المجلس الوطني الأول" وهو الذي أعلن إنشاء "منظمة التحرير الفلسطينية"، وانتخب أحمد الشقيري رئيساً لها، وأقر الميثاق القومي الفلسطيني، كما قرر إعداد الشعب الفلسطيني عسكرياً للقيام بدوره في تحرير وطنه، كما وافق على إنشاء الصندوق القومي الفلسطيني.
وقد أكد الميثاق القومي الفلسطيني[247] على عروبة فلسطين، وحق أبناء فلسطين في أرضهم، ورفض المشروع الصهيوني، ورفض الاعتراف بالدولة اليهودية الصهيونية، ورفض قرار تقسيم فلسطين. وأكد تصميم الشعب الفلسطيني على المضي قدماً على طريق الجهاد المقدَّس حتى يتحقق له النصر النهائي، واعتبر أن تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية هدفان متكاملان يؤدي أحدهما إلى تحقيق الآخر، ويجب أن يسيرا جنباً إلى جنب. وقد اتسم هذا الميثاق بروح قومية علمانية عكست الواقع السياسي والأيديولوجي العربي والفلسطيني في ذلك الوقت.
لم يكن مطلوباً من الشقيري أن ينشئ "الكيان" الفلسطيني، إذ كان مكلفاً فقط بتقديم دراسته وتوصياته عن الموضوع إلى مؤتمر القمة العربي الثاني. لكن الشقيري "تجاوز صلاحياته" ـ بدعم مصري ـ وأنشأ م.ت.ف على أرض الواقع، خشية أن تعود القضية إلى أدراج الجامعة العربية ومداولات لجانها و"يموت" المشروع مرة أخرى.
وقد عادت "إشكالية" حق تمثيل الفلسطينيين لتبرز مرة أخرى بإنشاء م.ت.ف. وتميز الأمر بحساسية شديدة خصوصاً بالنسبة إلى الأردن التي يحمل غالبية الفلسطينيين جنسيتها، ويُشكِّلون غالبية سكانها. وقد اضطر الشقيري لطمأنة الملك حسين مراراً مؤكداً أن تركيز عمل م.ت.ف سيكون على تحرير الأرض "غرب" الضفة الغربية (أي فلسطين المحتلة 1948). ومع ذلك فإن محاولات م.ت.ف إنشاء قوات فلسطينية وتجنيد الفلسطينيين في الضفة الغربية قد لقي معارضة الأردن. ودخلت العلاقة بين م.ت.ف والأردن مرحلة من التوتر والاتهامات المتبادلة منذ 1966، مما أعاق عمليات تنظيم وتعبئة الفلسطينيين غربي الأردن وشرقيه.
وفي الوقت نفسه نظرت المنظمات الفدائية الفلسطينية (فتح وغيرها) إلى م.ت.ف نظرة شكٍّ وتوجُّس، وعدّتها نتاج الواقع العربي بضعفه وتمزقه وخشيت أن تكون أداة لهيمنة الأنظمة العربية على الساحة الفلسطينية. ولذلك لم تندمج هذه المنظمات أو تشارك في م.ت.ف، واكتفت "فتح" بتمثيل فردي رمزي في المجلس الوطني كموطئ قدم، ولتكون على اطلاع بما يجري.[248]
وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة إلا أن م.ت.ف نجحت في تثبيت مؤسساتها، وأصبحت الجهة الأوسع تمثيلاً للشعب الفلسطيني.
وعندما حدثت كارثة حرب 1967 وضاع ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وانكشف الضعف العربي، وتبخرت الآمال في قيادة عبد الناصر، وفي الشعارات القومية لتحرير فلسطين، شَعَرَ الفلسطينيون بوجوب أخذ زمام المبادرة والتخلص من حالة الهيمنة والوصاية العربية. واضطرت الأنظمة العربية على أن توافق على فتح المجال أمام العمل الفدائي الفلسطيني، تنفيساً عن مشاعر الجماهير، وتوجيهاً لغضبها وثورتها ضد العدو الصهيوني. ولذلك تمَّ إعادة النظر في م.ت.ف ودورها وقيادتها، واضطر أحمد الشقيري للاستقالة في 24 ديسمبر 1967 لإفساح المجال أمام تحقيق الوحدة الوطنية، ودخول المنظمات الفدائية في المنظمة. وقد تولى يحيى حمودة رئاسة اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بالوكالة خلفاً للشقيري، وبدأ جهوداً حثيثة لإعادة صياغة م.ت.ف والعلاقات الداخلية الفلسطينية. ونجحت هذه الجهود بدخول معظم المنظمات الفدائية م.ت.ف وخصوصاً حركة فتح، وبإعادة صياغة الميثاق القومي الفلسطيني ليحل مكانه "الميثاق الوطني الفلسطيني"، كما تم إعادة ترتيب عضوية المجلس الوطني الفلسطيني ليتكون من مائة عضو فقط. وبناء على ذلك عقد المجلس الوطني الرابع في القاهرة 7 ـ 17 يوليو 1968 حيث أقرّت هذه التغييرات، وتحقق للمنظمات الفدائية السيطرة على م.ت.ف. وفي المجلس الوطني الخامس في القاهرة 1 ـ 4 فبراير 1969 تمت للمنظمات الفدائية السيطرة على قيادة اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وتولى ياسر عرفات زعيم حركة فتح رئاسة المنظمة منذ ذلك الحين.[249]
وقد تمكنت م.ت.ف من انتزاع صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في مؤتمر القمة العربي في الرباط في أكتوبر 1974. وفي الشهر التالي استطاعت الحصول على صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة. وعندما أعلنت م.ت.ف استقلال فلسطين في نوفمبر 1988 اعترفت بها أكثر من 120 دولة في العالم، وحوَّلت كثير منها مكاتب م.ت.ف فيها إلى سفارات لدولة فلسطين رغم أن هذه الدولة لم تقم بعدُ على الأرض. وفي أعين الأنظمة العربية والأمم المتحدة لا تزال م.ت.ف تمثل الفلسطينيين. غير أن قدرتها على تمثيل الفلسطينيين كافة ظلَّت أمراً نسبياً، وتواجهه مشكلات عملية وميدانية في كثير من الأحيان، ومن ذلك:
1. عدم قدرة م.ت.ف على تشكيل مجلس وطني فلسطيني منتخب شعبياً، ويمثل بدقة الشرائح المختلفة للفلسطينيين، لاستحالة ذلك عملياً في البلاد العربية التي يمنع معظمها مثل تلك الممارسة. 
2. دخول وخروج عدد من المنظمات الفدائية الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انضمت متأخرة، ثم ما لبثت أن خرجت سنة 1974 مُشكِّلة "جبهة الرفض" مع عدد من الفصائل الأخرى. ثم تكررت عودتها أو مقاطعتها للمجلس الوطني أو للجنة التنفيذية بحسب التطورات السياسية. 
3. وجود عدد من المنظمات الفدائية الفلسطينية التي تمثل أنظمة عربية معينة وتلتزم بسياساتها، وتتأرجح علاقاتها بـ م.ت.ف وفق علاقات النظام العربي نفسه مع م.ت.ف، مثل "الصاعقة" التي تتبع "البعث" السوري، ومثل جبهة التحرير العربية التي تتبع "البعث" العراقي ... 
4. ظهور قوى إسلامية فلسطينية تتمتع بحضور شعبي واسع (حماس والجهاد الإسلامي) ورفضها الانضمام إلى م.ت.ف. 
5. خسارة م.ت.ف لقاعدة وجودها في الأردن إثر أحداث 1970 ـ 1971، ولقاعدتها في لبنان إثر الاجتياح "الإسرائيلي" سنة 1982، وتراجع قدرتها على التفاعل مع الحياة اليومية للفلسطينيين في الخارج. 
6. دخول م.ت.ف في مسار التسوية السلمية، وتوقيعها اتفاقات أوسلو سنة 1993، أوجد انقساماً شديداً في الشارع الفلسطيني، الذي وجدت قطاعات كبيرة منه أن م.ت.ف لم تعد تمثل طموحاته ولا همومه، بعد أن تنازلت رسمياً عن 77% من أرض فلسطين للكيان الإسرائيلي، ونبذت الكفاح المسلح. 
7. تشكيل السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة والقطاع، نقل مركز الثقل في قيادة م.ت.ف إلى سلطة الحكم الذاتي، وهمَّش دور م.ت.ف السياسي، كما أضعف بشكل كبير فعالية مؤسساتها المختلفة. 
8. إن طريقة قيادة رئيس المنظمة لـ م.ت.ف، وتركز السلطات في يديه، وعدم تشجيع استقرار ونمو مؤسسات م.ت.ف وقيامها بدورها بفعالية وممارسة صلاحياتها ... أفرغ كثيراً من مؤسسات م.ت.ف من محتواها ورسالتها. 

هيكلية م.ت.ف:
أ. المجلس الوطني الفلسطيني:[250]
هو أعلى سلطة في م.ت.ف، وهو يمثل المجلس النيابي التشريعي في الدول، وهو الجهة التي تضع السياسات العامة، وتضع الخطط، وتتابع أداء قيادة م.ت.ف وتحاسبها. ويتكون من مندوبي الفصائل الفدائية الفلسطينية، وممثلي الاتحادات النقابية والطلابية والمستقلين ... وكان يفترض في هذا المجلس أن ينعقد مرة كل سنة، لكن عدم وجود جهات مضيفة تسمح له بحرية القرار ولقيادته بحرية الحركة، وعدم سهولة تجميع الممثلين المشتتين على مواطن الشتات الفلسطيني، أَضْعَف من فرص اجتماعاته. ومنذ السبعينيات أخذ ينعقد مرة كل 3 ـ 5 سنوات، ولم تعد قيادة م.ت.ف تدعو هذا المجلس إلا لتمرير قرارات سياسية تم إعدادها سابقاً. كما تأثرت مصداقية المجلس التمثيلية للشعب الفلسطيني بشكل كبير عندما أخذت قيادة م.ت.ف تُدخل عناصر كثيرة موالية تحت بند المستقلين. وتضخمت أعداد أعضاء المجلس من مائة سنة 1968 إلى أكثر من خمسمائة في الثمانينيات، ووصل في المؤتمر الـ21 المنعقد في غزة في مايو 1996 إلى 604 أعضاء. وفي كثير من الأحيان كانت القرارات تؤخذ "بالتصفيق"!! وفقد المجلس مع الزمن قدرته على الرقابة والمحاسبة والمتابعة، وتحولت اجتماعاته إلى مظاهر احتفالية أكثر منها ممارسات تشريعية. وتتحمل قيادة م.ت.ف مسئولية تحويل المجلس إلى هذه الحالة "المريحة لها" التي جعلت منه أداة بيدها وليس العكس. وهذا من أسباب استنكاف التيار الإسلامي عن المشاركة في المجلس.
وكان من أهم محطات هذا المجلس مجلسه الوطني الـ12 (القاهرة 1 ـ 9 يوليو 1974) الذي أقر البرنامج السياسي المرحلي (برنامج النقاط العشر) الذي أقر لأول مرة أن يكون الكفاح المسلح وسيلة رئيسية للتحرير وليس الوسيلة الوحيدة. والمجلس الوطني الـ19 (الجزائر 12 ـ 15 نوفمبر 1988) الذي أعلن دولة فلسطين، واعترف لأول مرة بقرارات الأمم المتحدة 242 و338. والمجلس الوطني الـ21 الذي انعقد في غزة في مايو 1996 وقرر حذف جميع البنود المعادية للكيان الصهيوني من الميثاق الوطني الفلسطيني!!
ب. المجلس المركزي:[251]
في الدورة الحادية عشر للمجلس الوطني (6 ـ 12 يناير 1973) تقرر تشكيل مجلس مركزي بحيث يكون هيئة وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. وذلك لسدِّ الفراغ التشريعي والتوجيهي بسبب تباعد المدى الزمني للقاءات المجلس، ويتولى اتخاذ القرارات في القضايا التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية، ويُقرّ خُططها التنفيذية، ويتابع تنفيذها لقرارات المجلس.
وقد تشكل المجلس المركزي الأول من 32 عضواً مناصفة بين المنظمات الفدائية والكفاءات الفلسطينية غير المنتمية والاتحادات الشعبية. وكان يفترض أن يجلس مرة كل شهرين على الأقل، وأن يكون أداة ديناميكية فعّالة في مراقبة أداء م.ت.ف. وتطويره. ولكن مصير هذا المجلس لم يختلف كثيراً عن المجلس الوطني، إذ تمت مضاعفة أعداد أعضائه (وصل سنة 1990 عدد أعضائه إلى 108)، و"ترهّل" جسمه، وعانى بالتالي من مصاعب الاجتماع واتخاذ القرار ...، فبقيت القدرة على المبادرة، واتخاذ القرار بيد اللجنة التنفيذية، أو بالأحرى شخص رئيسها.
ج. اللجنة التنفيذية:[252]
تشبه اللجنة التنفيذية الحكومة أو السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية، وهي أعلى سلطة تنفيذية في م.ت.ف. وتكون دائمة الانعقاد وأعضاؤها متفرغون للعمل. وتتولى تنفيذ السياسات والخطط والبرامج التي يُقرُّها المجلس الوطني. وتتولى مهام تمثل الشعب الفلسطيني، والإشراف على مؤسسات م.ت.ف، وإصدار اللوائح والتعليمات والقرارات التي تنظم أعمال م.ت.ف، وتُنفذ السياسة المالية لـ م.ت.ف، وتُعِدُّ ميزانيتها.
وفي المجالس الوطنية الثلاث الأولى كان النظام يقتضي أن يقوم المجلس بانتخاب رئيس اللجنة التنفيذية، ثم يقوم هو باختيار باقي أعضاء اللجنة. ومنذ المؤتمر الرابع أصبح النظام يقتضي أن ينتخب المجلس الوطني اللجنة التنفيذية، وتقوم هي باختيار الرئيس من بين أعضائها. وعادة ما كان عدد أعضاء اللجنة التنفيذية 15 عضواً (ثمانية من الفصائل الفلسطينية وسبعة من المستقلين)، لكن العدد زاد في المجالس الأخيرة إلى 18 عضواً.
ومن الناحية العملية، فإن اللجنة التنفيذية تقوم بدورٍ محوريٍ في عمل م.ت.ف، وهي تتولى السلطات الفعلية في المنظمة، وعادة ما تفرض سياسة "الأمر الواقع" على المجلس المركزي والمجلس الوطني، إذ تفعل ما تشاء ثم تعود لأخذ الموافقة و"البركة" من هذين المجلسين. ويمسك رئيس اللجنة التنفيذية بزمام الأمور، وعادة ما يفرض على "التنفيذية" توجهاته وقراراته.
د. دوائر م.ت.ف:[253]
للمنظمة عدد من الدوائر تشبه الوزارات في الأنظمة السياسية، وتقوم اللجنة التنفيذية بإنشاء هذه الدوائر، وعادة ما يتولى أحد أعضاء اللجنة التنفيذية مسئولية دائرة من الدوائر، وقد تتعرض هذه الدوائر للتغيير والحذف والزيادة. أما أهم هذه الدوائر فهي:
1. أمانة السر. 2. الدائرة السياسية.
3. الدائرة العسكرية 4. الصندوق القومي.
5. دائرة شئون الوطن المحتل. 6. دائرة التربية والتعليم العالي.
7. دائرة العلاقات القومية. 8. دائرة الإعلام والثقافة.
9. دائرة التنظيم الشعبي. 10. دائرة الشئون الاجتماعية.
11. دائرة الشؤون الإدارية.
السلطة الوطنية الفلسطينية:
تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية بناء على اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) مع الكيان الإسرائيلي. وهي تتولى السلطة في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أخذت هذه السلطة بُعداً تمثيلياً للفلسطينيين في الضفة والقطاع، إذ تم شعبياً في يناير 1996 انتخاب مجلس تشريعي من 88 عضواً، كما تم انتخاب رئيس السلطة (ياسر عرفات) مباشرة من فلسطيني الضفة والقطاع. ورغم أن المعارضة الفلسطينية (حماس والجهاد والشعبية والديموقراطية وغيرها) قاطعت الانتخابات، إلا أنها المرة الأولى التي يمارس فيها جزء كبير من الفلسطينيين حقوقاً انتخابية سياسية. ومع ذلك فإن تمثيل السلطة للفلسطينيين ظلَّ محصوراً بأبناء الضفة والقطاع، دون أن يشمل فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948، ولا فلسطينيي الخارج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:22 am

ثانياً - حركات المقاومة الفلسطينية حتى سنة 1956
جماعة القسام "الجهادية":[254]
الشيخ عز الدين عبد القادر مصطفى القسام، من مواليد بلدة جبلة قضاء اللاذقية في سوريا سنة 1882، درس في الأزهر، وعاد ليكون أحد دعاة الإسلام النشطين في بلدته في سوريا. كان من قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين خلال الفترة 1918 ـ 1920، وقد انتقل إلى فلسطين بعد توقفها، واستقر في حيفا.
عُرف الشيخ القسام بتقواه وورعه، وذكائه، وسعة علمه، وكان سلفي العقيدة محارباً للانحرافات والبدع، وكان قدوة في سلوكه وما يدعو إليه. وكان القسام شجاعاً جريئاً ومن أكثر العلماء تطرقاً للجهاد، قال يوماً وهو على المنبر يخطب "رأيت شباناً يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شباناً يحملون الفرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب".
ولقد كان القسام متفاعلاً مع الواقع، ذا شخصية اجتماعية منفتحة محببة، تحمل هموم الناس وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولأنه كان حسن السيرة والعشرة، ومحدثاً لبقاً وخطيباً بارعاً، قوي الحجة، ومتواضعاً بعيداً عن الغرور، فقد كان لذلك أثره في أن يكون ذا شعبية كبيرة.
وقد جعلته هذه الصفات، فضلاً عن رصيد تجربته الجهادية، مؤهلاً لأن يكون مؤسساً لتنظيم جهادي قوي له دوره المهم في تاريخ فلسطين الحديث المعاصر.[255]
ترجع نشأة جماعة القسام إلى سنة 1925 عندما ابتدأ الشيخ عز الدين القسام في إنشاء تنظيم جهادي سري، يستمدُّ فهمه ومنهجه من الإسلام، ويَعدُّ الجهاد طريقاً وحيداً لإنقاذ فلسطين.[256] وقد عدّ أميل الغوري هذا التنظيم "أخطر منظمة سرية وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية بل تاريخ الجهاد العربي الحديث".[257] وقد أطلق على هذا التنظيم اسم "المنظمة الجهادية"،[258] ولكن غلب عليه بعد استشهاد القسام اسم جماعة القسام أو القساميون،[259] وكان شعار التنظيم "هذا جهاد نصر أو استشهاد".[260]
وكانت جماعة القسام لا تقبل أي عضو إلا بعد انتقاء وتمحيص، ولا تدخل في عضويتها إلا من كان "مؤمناً مستعداً أن يموت في سبيل بلاده" ومن أهل الدين والعقيدة الصحيحة،[261] وقد استفاد القسام من وظيفته إماماً وخطيباً لمسجد الاستقلال في حيفا منذ سنة 1925، وكمأذون شرعي منذ سنة 1930، في الاتصال بالناس وانتقاء العناصر المناسبة لجماعته. كما استفاد من رئاسته لفرع جمعية الشبان المسلمين في حيفا كغطاء مقبول لحركته ونشاطه وزياراته للقرى، وإنشاء فروع لهذه الجمعية في اللواء الشمالي، والتي أصبحت غطاءً مناسباً لإخوانه المجاهدين المحليين.[262] وتشكلت القيادة الأولى للتنظيم القسامي سنة 1928، وضمت فضلاً عن رئيسها القسام كلاًّ من العبد قاسم ومحمود زعرورة ومحمد الصالح الحمد وخليل محمد عيسى. وكان مركزها حيفا، وكانت القيادة جماعية ومسؤولة عن اتخاذ كافة القرارات المهمة.[263] وبلغ عدد أفراد الجماعة سنة 1935 حوالي مائتي منتظم أكثرهم يشرف على حلقات توجيهية من الأنصار، الذين يصل عددهم إلى ثمانمائة.[264]
وقد أنشأ تنظيم القسام خمس وحدات متخصصة تضمنت وحدة لشراء السلاح، ووحدة للتدريب، ووحدة للتجسس على اليهود والإنجليز، وكان أفرادها بشكل عام ممن يشتغل في دوائر الحكومة وخصوصاً الشرطة، ورابعة للدعاية للثورة، وخامسة للاتصالات السياسية.[265] أما ماليتها فقد اعتمدت على اشتراكات الأعضاء وتبرعات الموثوقين.[266] وكان من منهج التنظيم أن يتدرب جميع أفراده على حمل السلاح، بحيث يكونون مستعدين لخوض معارك الجهاد عند إعلانها، وكان على كل عضو أن يدبر أمر تجهيز نفسه بالسلاح.[267] ولم يكن حال أغلب الأعضاء ميسورة، إذ كانوا يكدون من أجل لقمة العيش ومع هذا "فقد منعوا أنفسهم الخبز من أجل ابتياع السلاح" ومن أجل أن يعتمدوا على أنفسهم في العمل والإعداد.[268]
ويبدو أن انتقال جماعة القسام إلى مرحلة التسليح والتدريب كان في أواخر سنة 1928،[269] وجاءت ثورة البراق في أغسطس 1929 لتعزز الاتجاه العسكري لدى الجماعة، فأخذ القسام يسهم في عملية التدريب بنفسه، والتي شملت رحلات ليلية وحركات استطلاعية وتمارين على إصابة الهدف.[270] وعندما أرادت الجماعة أن تعلن عن نفسها في نوفمبر 1935 كانت تملك حسبما ذكر صبحي ياسين ـ وهو أحد أعضائها ـ ألف قطعة سلاح وقاعدة تسليح في منطقة اللاذقية.[271]
ورغم أن جماعة القسام لم تعلن عن نفسها إلا في وقت متأخر، فإنها قامت بعدد من العمليات العسكرية خصوصاً في الفترة 1930 ـ 1932 وقد بدت وكأنها عمليات فردية. ويبدو أن هذه العمليات كانت من باب كسر حاجز الخوف لدى أفراد الجماعة، وجس النبض وردود الفعل لدى العرب والإنجليز واليهود، وربما كانت تعبيراً عن الحماس والتفاعل مع القضايا الوطنية ومحاولة تصعيدها بما يتناسب وخطة الإعداد والتعبئة.
وفي نوفمبر 1935 أعلنت جماعة القسام "الجهادية" الجهاد، وقد اختفى القسام وعدد من إخوانه في أواخر أكتوبر، بعد أن باع بيته الوحيد في حيفا، وباع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم ليوفروا الرصاص والبنادق.[272]
وبعد فجر يوم 20 نوفمبر 1935 طوقت قوات كبيرة من الشرطة تقدر بأربعمائة رجل ـ معظمهم من الإنجليز ـ القسام وعشرة من إخوانه في أحراش (يعبد) عند قرية الشيخ زيد. وقد بدأت المعركة في الخامسة والنصف صباحاً واستمرت أربع ساعات ونصف الساعة. وقد استشهد في هذه المعركة الشيخ عز الدين القسام ويوسف الزيباوي ومحمد حنفي المصري، وقبض على نمر السعدي وأسعد المفلح اللذين أصيبا بجراح، كما قبض على عربي بدوي ومحمد يوسف وأحمد جابر وحسن الباير.[273]
وكان لجماعة القسام شرف تفجير الثورة الكبرى 1936 ـ 1939[274] في عملية عنبتا ـ نور الشمس في 15 إبريل 1936، والتي قادها القائد الجديد للجماعة الشيخ فرحان السعدي. كما كان لها شرف تفجير المرحلة الثانية من الثورة عندما قامت في 26 سبتمبر 1937 باغتيال أندروز الحاكم البريطاني لمنطقة الجليل. وأسهم القساميون في تنظيم وقيادة الثورة فشارك ثلاثة منهم (من أصل ستة) في عضوية القيادة العسكرية والتي اختارت في 2 سبتمبر 1936 فوزي القاوقجي قائداً عاماً للثورة الذي استمر في القيادة حتى نهاية المرحلة الأولى من الثورة في 12 أكتوبر 1936.
وقد تولى قيادة الثورة في شمال فلسطين القائد القسامي أبو إبراهيم الكبير وكان معظم قيادته من الحركة القسامية (أبو محمود الصفوري، وسليمان عبد الجبار، وعبد الله الأصبح، وتوفيق الإبراهيم، وعبد الله الشاعر، ... وغيرهم). وفي منطقة لواء نابلس المقسمة إلى أربعة أقسام، كان هناك قائدان قساميان بارزان هما الشيخ عطية أحمد عوض والذي خلفه في منطقته الشيخ القسامي يوسف أبو درة، والشيخ محمد الصالح الحمد (أبو خالد) والذي خلفه في منطقته الشيخ القسامي عبد الفتاح محمد الحاج مصطفى. هذا بالإضافة إلى منطقة يقودها عبد الرحيم الحاج محمد، وأخرى يقودها عارف عبد الرازق.
وبشكل عام فقد كان لجماعة القسام دورٌ أساسي في الثورة الكبرى قيادةً وتوجيهاً وأفراداً وتضحيات.
وعندما أعلنت الحرب عامي 1947 ـ 1948 عاد القساميون للمشاركة في ميادين الجهاد من جديد، وقد عمل معظمهم تحت توجيه الحاج أمين الحسيني ضمن جيش الجهاد المقدس، أو مع جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي. وقد ظل القساميون يعملون بالذات في مناطق الشمال كأبي إبراهيم الكبير وأبي إبراهيم الصغير، وأبي محمود الصفوري، وسرور برهم، ولكن هذه المرة لم يكونوا هم القيادات الموجهة المسيطرة المحركة للوضع، وإنما كانوا تابعين لقيادات أعلى ـ كثيراً ما وضعتهم في ظروف صعبة ـ بحيث لم يتمكنوا من أداء واجبهم كما يشاؤون. شارك أبو إبراهيم الكبير ضمن قيادة فوج اليرموك الثاني التابع لجيش الإنقاذ، والذي كان يتولى قيادته أديب الشيشكلي. وتولى أبو إبراهيم الصغير العمل في منطقة الناصرة تابعاً لجيش الجهاد المقدس. وتولى أبو محمود الصفوري الدفاع عن شفا عمرو تحت إمرة الجهاد المقدس أيضاً.[275]
منظمة الجهاد المقدس:
كان لعبد القادر الحسيني (ابن زعيم الحركة الوطنية في فلسطين موسى كاظم الحسيني) دورٌ أساسيٌ في إنشاء هذه المنظمة وقيادتها. وعبد القادر من الشخصيات الفلسطينية المشهورة بوطنيتها الصادقة والتزامها الإسلامي. وكان قد درس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي حفلة تخرجه سنة 1932 - قام بتمزيق شهادة التخرج بعد أن استلمها من رئيس الجامعة - على مرأى من الحشد الكبير الذي حضر الحفل من رجال السياسة والعلم والمكانة في مصر. وصرخ في وجه رئيس الجامعة قائلاً: إني لست في حاجة إلى شهادة معهدكم الذي هو معهد استعماري تبشيري .. وألقى في الحاضرين كلمة عن الاستعمار والتبشير وهتف لفلسطين، وما لبث الجمهور المذهول أن قابله بعاصفة من التصفيق الحاد. ويعكس هذا الموقف غيرته على الإسلام ووطنيته وجرأته. وقد قامت الجامعة بسحب شهادته، كما قامت السلطات المصرية ـ تحت ضغط بريطاني أمريكي ـ بطرده من مصر.[276]
وبعد أن عاد عبد القادر الحسيني من مصر في يوليو 1932، أخذ يشكل مع مجموعة من الشباب الوطني المتحمس تنظيماً سرياً عسكرياً، يهدف إلى مقاومة السلطات البريطانية، وتحطيم المشروع اليهودي الصهيوني، حيث تم ترتيب أمور هذا التنظيم في مارس 1934، برئاسة عبد القادر الحسيني، وأطلق عليه بعد ذلك اسم "منظمة المقاومة والجهاد"، واتسع ليشمل مناطق مختلفة من فلسطين، غطّت 17 فرعاً في مدن فلسطين، ووصل عدد أعضائه إلى نحو 400 شخص، كما أوجد التنظيم سبعة مراكز سرية للتدريب.[277] وقد اصطبغ هذا التنظيم بالصبغة الوطنية، وشارك في عضويته العديد من النصارى، كان من أبرزهم أميل الغوري، وحنا خلف.[278]
ويذكر أميل الغوري، أن الحاج أمين الحسيني، كان يتابع هذا النشاط السري، دون أن يلاحظ أعضاء التنظيم ذلك، وفي صيف 1935 دعا الحاج أمين عبد القادر الحسيني وزملاءه المسئولين، وطلب منهم توحيد جهودهم مع جهوده التنظيمية السرية التي كان يعدها هو أيضاً، ويضيف أنه نتيجة هذا التوحيد، تشكلت "منظمة الجهاد المقدس" برعاية الحاج أمين وتحت إشرافه.[279]
ويضيف الغوري قائلاً: أنه لما تشكلت اللجنة العربية العليا لفلسطين في إبريل 1936 برئاسة الحاج أمين، تبنت اللجنة "منظمة الجهاد المقدس"، فأصبحت بمثابة جهازها العسكري، حيث أسند الحاج أمين قيادتها لعبد القادر الحسيني.[280]
وقد تولى عبد القادر الحسيني فعلياً قيادة منطقة القدس في أثناء الثورة الكبرى (1936 ـ 1939). وفي بداية الثورة، اجتمع عبد القادر ونفر من إخوانه المجاهدين في منطقة القدس، حيث أدى الجميع الصلاة متضرعين إلى الله تعالى أن يأخذ بأيديهم وينصرهم على أعدائهم، مؤكدين أن هجرتهم خالصة لله سبحانه وتعالى، وعزمهم على ترك مدينة القدس والاعتصام بجبالها "لا تشرداً ولا بطراً، ولكن حباً لله وجهاداً في سبيله، ونصرة للدين وذوداً عن الوطن، ودفاعاً عن الحرمات. والأعراض والحريات والمقدسات".[281]
وأخذت فصائل المجاهدين بقيادة عبد القادر الحسيني تهاجم القوات الإنجليزية وتجمعات اليهود، وتقطع طرق المواصلات في البلاد، وكان من أشد المعارك التي خاضها عبد القادر الحسيني معركة "حوسان ـ الخضر"، في 4 أكتوبر 1936، التي انتهت باستشهاد البطل السوري سعيد العاص، وأصيب فيها عبد القادر الحسيني نفسه، بجراح ثم أُسر بعد ذلك. وقد وقعت بالقوات البريطانية خسائر كبيرة، وقبل أن تحاكم السلطة البريطانية عبد القادر بيوم واحد استطاع الهرب في 11 ديسمبر 1936 إلى العراق.[282]
ثم ما لبث عبد القادر الحسيني أن عاد للقدس في خريف 1937، بعد أن تدرب تدريباً عسكرياً في ألمانيا، وهناك رتب الفصائل وقاد أعمال الجهاد من جديد، وكان من أهم المعارك التي خاضتها فصائله، "معركة عرتوف الكبرى" في 14 أكتوبر 1937، ومعركة "بني نعيم الكبرى"، في 4 أكتوبر 1938، والتي أصيب فيها عبد القادر بجراح. ومع تغير ظروف الثورة، وزيادة البطش البريطاني، ونشوب الحرب العالمية الثانية، توقفت الثورة في منطقة القدس، وغادر عبد القادر الحسيني فلسطين إلى العراق.[283]
وفي ديسمبر 1947 أعادت الهيئة العليا لفلسطين تشكيل الجهاد المقدس باسم "جيش الجهاد المقدس" وبقيادة عبد القادر الحسيني نفسه. وكان هذا الجيش يمثل "الجيش الفلسطيني" الذي وضعت القيادة الوطنية الفلسطينية ثقلها فيه. وكان يتكون من 5 ـ 7 آلاف مقاتل، تساندهم فئة أخرى من المقاتلين المقيمين في قراهم والذين يستدعون عند الحاجة، ويبلغ مجموعهم نحو عشرة آلاف.[284]
وعلى الرغم من حماسة أفراد الجهاد المقدس وتضحياتهم، لكن هذا الجيش كان ضعيف التسليح والتدريب قياساً بإمكانات القوات اليهودية الصهيونية. وأسهمت خلافات الأنظمة العربية مع "الهيئة العربية العليا" في عدم تحويل الكثير من الأسلحة والأموال التي كان يتم التبرع بها إلى هذا الجيش، والذي كان بأمس الحاجة إليها.
توزعت قوات الجهاد المقدس على مختلف مناطق فلسطين، وخاضت معارك كثيرة ناجحة مثل معارك جوليس، والنبي داود، وأبو شريتح، ومجد الكروم، والكابري، والبروة، وبيت سوريك، والماصيون، وميكور حاييم. وقامت فرقة التدمير في الجهاد المقدس بنسف شارع هاسوليل في القدس الجديدة مما أدى إلى قتل وجرح المئات، كما فجرت شارع بن يهودا في القدس حيث أصيب أكثر من ألفي يهودي بين قتيل وجريح.[285]
وكان استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل في 9 إبريل 1948، أحد النماذج المشرفة للتضحية والجهاد في فلسطين، وكان له أثر بالغ على جيش الجهاد المقدس.
وعندما حدثت الهدنة الأولى بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني في يونيو 1948، وضعفت الإمكانات العسكرية للهيئة العربية العليا، اضطرت الكثير من عناصر الجهاد المقدس إلى الانضمام للجيش الأردني (1438 مجاهداً)، وللجيش العراقي (276 مجاهداً)، والجيش المصري (150 مجاهداً)، وجيش الإنقاذ (600 مجاهد). وظلت قوات الجهاد المقدس قائمة إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بحلها في 18 ديسمبر 1948، لكنها ظلّت ترابط في أماكنها إلى أن أتاها أمر الحل من الهيئة العربية العليا في 15 مايو 1949.[286]
حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح":
تشير الدلائل إلى أن حركة فتح قد نشأت في البداية في أحضان حركة الإخوان المسلمين، وخصوصاً بين أفرادها من أبناء قطاع غزة. ويظهر أن عامة الإخوان كانوا يعدُّونها جزءاً منهم أو على الأقل رصيداً لهم. غير أن الطرفين اتخذا خط الانفصال والتمايز عن بعضهما منذ صيف 1963. واتخذت حركة فتح لنفسها خطاً وطنياً علمانياً ميَّزها عن كافة الأطراف والأيديولوجيات المتواجدة على الساحة.
ولكن المبادرة لإنشاء هذه الحركة لم تكن بقرار من قيادة الإخوان الفلسطينيين، وإنما بين عدد من القيادات الوسطى التي كانت تملك قدراً كبيراً من النشاط والتأثير في الأفراد، الذين كانوا ينظرون إليها باحترام ويفترضون (في جو العمل السري) أن ما يصدر عن هذه القيادات هو توجه الإخوان، خصوصاً أولئك الذين يصعب عليهم الاتصال المباشر بالقيادة كأفراد الإخوان في الكويت وقطر والسعودية ... ويذكر عبد الله أبو عزة الذي كان في موقع قيادي بارز في الإخوان في تلك الفترة أن أبا جهاد "خليل الوزير" قدَّم تصوراً إلى زعيم الإخوان في القطاع هاني بسيسو يقضي بإنشاء تنظيم لا يحمل لوناً إسلامياً في مظهره، وإنما يركز على تحرير فلسطين من خلال الكفاح المسلح، ونوَّه أبو جهاد في مذكرته أن هذا سيفتح الأبواب المغلقة بين الإخوان والجماهير بسبب حصار جمال عبد الناصر للحركة، وسوف يُبقي قضية فلسطين حية، ويجبر الدول العربية على خوض الحرب. ولم تستجب قيادة الإخوان لهذا التصور، ولعلها أهملته فلم تردّ عليه. إذ إن التوجه العام للقيادة كان يميل نحو التريث، والسلوك الأمني الحذر، والتركيز على التربية سعياً للمحافظة على الجماعة في أجواء ملاحقة عبد الناصر لها.[287] وقام عدد من الإخوان ـ من ذوي المكانة والاحترام ـ ممن اقتنع بهذا التصور بدعوة إخوانهم للانضمام للحركة، وكان من بين هؤلاء الدعاة سعيد المزيّن (أبو هشام) وغالب الوزير، وانضم إليهم عدد من الإخوان البارزين أمثال سليم الزعنون، وصلاح خلف، وأسعد الصفطاوي، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، ورفيق النتشة.
وتشير أحد المصادر الإخوانية إلى أن القيادة الأولى لفتح كانت من خمسة هم أبو جهاد خليل الوزير وعبد الفتاح حمود ويوسف عميرة وسليمان حمد وياسر عرفات. والأربعة الأوائل كلهم من الإخوان، أما ياسر عرفات فكان يُعدُّ مؤيداً ومحسوباً على التيار العام للإخوان، إذ شارك مع أفرادهم في حرب 1948، وتدرب في معسكراتهم في مصر أيام المقاومة المصرية للإنجليز لإجبارهم على الخروج من قناة السويس 52 ـ 1954، كما دعمه الإخوان لرئاسة رابطة طلبة فلسطين في مصر في منتصف الخمسينيات.[288]
ولكن كيف ينشأ تنظيم داخل تنظيم، وكيف يتبنى كثير من هؤلاء من أصحاب الخلفيات الإخوانية أطروحات علمانية ..؟! ربما نستطيع توضيح الأمر باختصار في النقاط التالية:
1. إن الانضمام للإخوان المسلمين حتى منتصف الخمسينيات كان أمراً سهلاً، وكان أشبه بالاشتراك في أحد الأندية أو الجمعيات العامة. وكانت حركة الإخوان حركة شعبية مفتوحة اجتذبت قطاعات واسعة من المجتمع وخصوصاً الشباب، بسبب دعوتها الأقرب إلى فطرة الناس، وبسبب مواقفها الوطنية ومشاركة أفرادها البطولية في حرب 1948، فضلاً عن نشاط أفرادها في الجوانب الاجتماعية والخيرية، ولذلك كانت الحركة الشعبية الأولى في قطاع غزة. 
2. كان أفراد الإخوان يتفقون على الأطر العامة للفكرة الإسلامية، ولكن لم يكن هناك تركيز على التربية الإيمانية والسلوكية ولا معاني الانضباط والطاعة لجميع الأفراد. وقد أسهم ذلك في انفضاض الكثيرين عن هذه الجماعة عندما تعرضت لضغط وملاحقة عبد الناصر لها منذ عام 1954. وقد ظل هؤلاء يحملون في تاريخهم أنهم يوماً ما كانوا في جماعة الإخوان، دون أن يعني ذلك الكثير بالنسبة إليهم. خصوصاً وأن كثيراً من هؤلاء كانوا من طلبة المدارس الذين لم تنضج أو تتشكّل شخصياتهم بعد. 
3. انضم كثير من الأفراد إلى الإخوان باعتبارها حركة تمثل طموحهم الوطني ورغبتهم الملحّة في الجهاد لاسترداد فلسطين. وعندما لم تستطع هذه الحركة التعبير عن هذا المشروع ـ بسبب ظروفها الخاصة ـ فإنهم سعوا إلى إيجاد مشروع وطني يتجاوز هذه الظروف، ويلبي رغبتهم الملحّة في العمل الجهادي النضالي. 
4. يبدو أن ظروف حركة الإخوان في أواخر الخمسينيات لم تمكنها من تحقيق قدر من التماسك والانضباط التنظيمي خصوصاً مع أفرادها في الخليج، مما سهَّل على الشخصيات التي انتمت لمشروع فتح أن تجند الكثير من هؤلاء. 
5. حافظ الكثير من الإخوان الذين انضموا إلى فتح على تدينهم الشخصي، وعلى العديد من المراكز القيادية، لكنهم أعطوا الأولوية لتحويل الحركة إلى حالة شعبية وجبهة وطنية تضم كل من يرغب في المشاركة بغض النظر عن خلفياته العقدية والأيديولوجية. 
وحسب خالد الحسن ـ أحد أبرز قادة فتح ـ فإن أبا جهاد خليل الوزير هو الذي بدأ حركة فتح.[289] وأبو جهاد هو الذي قدم هذا المشروع لقيادة الإخوان، وكان من قادة التنظيم الإخواني السري العسكري الذي نظم عدداً من العمليات الفدائية في النصف الأول من الخمسينيات وكان يتولى مسئولية منطقة غزة وشمال القطاع، وكان يعمل تحت إشراف وتوجيه الأستاذ محمد أبو سيدو الذي كان صلة الوصل مع قيادة هذا العمل في العريش (الأستاذ كامل الشريف...).[290] ومنذ تأسيسها ظل أبو جهاد الرجل الثاني في فتح حتى استشهاده في إبريل 1988.
وعلى أي حال، فلا ينبغي للإخوان أن يبالغوا في نسبة حركة فتح إليهم، كما لا ينبغي لحركة فتح أن تتنكر لجذورها وبداياتها الأولى، فإذا كان الإخوان هم المحضن الذي خرجت منه الفكرة وبداياتها الأولى، فإن فتح لم تنشأ بقرار من قيادة الإخوان ولا وفق خططهم، كما أن مشروعها لم يحمل أيديولوجية الإخوان ولا الضوابط التي تضمن سيره كمشروع يخدم أهدافهم. وعندما طالبت قيادة الإخوان في غزة بالإشراف المباشر على فتح وأن تعيِّن بنفسها ثلاثة من بين قادتها الخمسة، في صيف 1962، رفضت قيادة فتح ذلك، ونظرت بعين الشك إلى قدرة قيادة الإخوان في ظل ظروفها الصعبة على القيادة والتوجيه وتحقيق الطموحات. وهذا، وإن كان يدل على وجود صلة قوية بين الإخوان وفتح، إلا أنه يدل على أن قيادة فتح كانت تملك من الجرأة والثقة ما جعلها ترفض التوجيه، كما يدل أن فتح كانت قد اختطت منذ أمدٍ خطاً مستقلاً في التعبئة والتنظيم والعمل. وأمرت كلاً من فتح والإخوان أفرادهما منذ صيف 1963 بالتمايز إما لفتح أو الإخوان، وخسر كلا التنظيمين العديد من أفرادهما.
ومن الناحية التاريخية فيظهر أن فكرة فتح نشأت مع أبي جهاد ووسط رابطة طلبة فلسطين الدارسين في مصر سنة 1956، وعندما تخرَّج هؤلاء عملوا في أماكن عملهم الجديدة وعبر اتصالاتهم على إنشاء أنوية للحركة. ويبدو أن أول وأنشط هذه الأنوية كان في الكويت حيث ترجع بداية نشأته إلى أكتوبر 1957 وتحديداً في منطقة الصليبيخات، وكان من أوائل مؤسسي هذه النواة أبو جهاد وياسر عرفات ويوسف عميرة وسليمان حمد وعادل عبد الكريم وغيرهم. وقد أصدرت مجموعة الكويت مجلة "فلسطيننا" في لبنان في نوفمبر 1959 (واستمرت في الصدور حتى نوفمبر 1964)، وقد كان ذلك وسيلة جيدة للتعرّف والتواصل مع أولئك الذين يحملون الأفكار نفسها في البلدان الأخرى ودعوتهم للانضمام للحركة. وحسب أبو إياد صلاح خلف فإن أول اجتماع تأسيسي لممثلي الحركة كان في الكويت في 10 أكتوبر 1959. أما خالد الحسن فيذكر أنه قد تشكلت مجموعات مشابهة في السعودية (عبد الفتاح حمود)، وفي قطر (محمد يوسف النجار ومحمود عباس)، وفي العراق وغزة ودمشق وألمانيا وإسبانيا والنمسا، وأن ممثلي هذه المجموعات قد اجتمعوا في الكويت في سنة 1962 وتوحَّد الجميع في إطار حركة فتح. وربما يتحدث خالد الحسن عن مرحلة ثانية من التوسع والانطلاق لفتح.[291]
ويشير أبو إياد إلى أن اسم الحركة "فتح" والبرنامج السياسي للحركة قد تمت الموافقة عليه في عام 1958. وأنه كان في الكويت أكثر من 35 مجموعة أو منظمة فلسطينية، تم توحيد معظمها في فتح حوالي سنة 1961.[292]
الرؤية الفكرية والسياسية:
أتمت حركة فتح في مؤتمرها الثاني سنة 1968 صياغة وثيقة "مبادئ وأهداف وأساليب حركة فتح" وقد أُقرت في المؤتمر الثالث سنة 1971، والرابع 1980 مع بعض التعديلات. غير أن حركة فتح منذ إنشائها ركزت على فكرة تحرير فلسطين، وتميزت بالتأكيد على الهوية الوطنية، واستقلالية القرار الفلسطيني، واستبعاد الأيديولوجيات من هوية الحركة، ليتوحد الجميع في معركة التحرير. ومن خلال استقراء مجمل أدبيات الحركة على مدى سنوات عديدة، يمكن اختصار مبادئها واستراتيجياتها ورؤيتها في النقاط التالية:[293]
1. لا يمكن استرداد فلسطين إلا عن طريق الحرب الشعبية طويلة الأمد والنضال العسكري. 
2. لمعركة التحرير الأولوية على أية تناقضات فكرية أو سياسية أو اجتماعية، ولا بد من استقطاب كل القوى الثائرة وتوحيدها في المعركة ضد الكيان الصهيوني، ولذلك لا بد من استبعاد الأيديولوجيات والمبادئ، حتى ينشغل الجميع بمعركة المصير. فلا أيديولوجيات إسلامية أو يسارية أو قومية، وإنما الهوية التي تجمع الجميع هي البندقية "هويتي بندقيتي". 
3. تحرير فلسطين هو الطريق إلى توحيد الوطن العربي، (وليس الوحدة العربية هي الطريق إلى تحرير فلسطين). 
4. ضرورة تحرير الإرادة الفلسطينية، والمحافظة على استقلاليتها في القرار وفي القتال، أي تحقيق "القرار الوطني الفلسطيني المستقل". 
5. فتح حركة وطنية ثورية مستقلة. 
6. معركة تحرير فلسطين واجب عربي وديني وإنساني. 
7. الكيان الصهيوني مؤسسة عنصرية عسكرية متكاملة دخيلة وغازية، وإن قيام دولة فلسطينية عربية ديموقراطية ـ يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود بحقوق متساوية ـ على أنقاضه أمر حتمي. 
وقد أضاف المجلس الثوري لحركة فتح بعد حرب 1973 مبدءاً يقول إن للشعب الفلسطيني وحده حق ممارسة السيادة الوطنية على أي جزء من أرض فلسطين يتم تحريره.
وبشكل عام رفضت فتح أن يكون لها أيديولوجية أو عقيدة سياسية محددة، وفتحت المجال أمام مختلف الأفراد من كافة الأطياف الفكرية والسياسية (إسلامية ـ قومية ـ وطنية ـ يسارية ..) للانضمام إليها، ولهؤلاء أن يحتفظوا بفكرهم، ولكن عليهم ترك انتماءاتهم التنظيمية والحزبية السابقة. أي أن فتح أرادت أن تكون إطاراً جبهوياً يستوعب تناقضات المجتمع الفلسطيني، ويوجهه نحو الحرب مع العدو الصهيوني.
ولذلك نجد في قيادات فتح ورموزها شخصيات ذات خلفيات إخوانية "إخوان مسلمين" كما أشرنا سابقاً، أو من حزب التحرير مثال خالد الحسن، ونمر صالح "أبو صالح"، ومحمود مسودة "أبو عبيدة"، أو من حزب البعث مثل فاروق قدومي، وسميح أبو كويك "قدري"، وخالد اليشرطي، ومحمد أبو ميزر "أبو حاتم"، أو ذوي خلفيات يسارية مثل ماجد أبو شرار ... وبدا واضحاً أن ذوي الخلفيات الإخوانية كانوا لفترة طويلة المجموعة القيادية الأكبر عدداً، وشكلوا قطباً استأثر بمعظم المناصب الهامة خاصة في الشؤون العسكرية والمالية والتنظيمية. وإن خفَّ أثرهم مع الزمن باستشهاد أعداد منهم (عبد الفتاح حمود (أول شهيد من أعضاء اللجنة المركزية)، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وأبو جهاد...) أو بخروج واعتزال ووفاة آخرين.[294]
وقد حافظ الصف القيادي الأول على قدر عالٍ من التماسك التنظيمي والولاء لفتح. واستطاع توظيف الخلفيات الفكرية المختلفة لأفراده في تطوير العلاقات والاستفادة من اتجاهات وأنظمة متناقضة. بل إن هناك من يرى أن قيادة فتح تقوم بتنفيذ لعبة "تبادل الأدوار" عندما يجنح البعض للتنازل أو التساهل فيقوم آخرون بالتشدد وتعلو صرخاتهم بالنقد، ثم ما يلبث الجميع أن يتعاون بشكل أو بآخر لتنفيذ التوجه الجديد. فمثلاً عندما قامت المجموعة المتنفذة في م.ت.ف بتوقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 وجه أعضاء آخرون في قيادة فتح وم.ت.ف انتقادات عنيفة وقاسية للاتفاق (فاروق قدومي، هاني الحسن، خالد الحسن، عباس زكي، صخر حبش، محمد غنيم، ومحمد جهاد ... وغيرهم) ففاروق قدومي الذي اعتبر مسيرة اتفاق أوسلو مسيرة عابثة،[295] شارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وفي أحد هذه الاجتماعات لو انسحب لما اكتمل النصاب الذي أعطى الشرعية لبعض اتفاقات أوسلو. وهاني الحسن الذي عدَّ التسوية وفق أوسلو ضرورة إسرائيلية وضرورة أمريكية وطالب "بإسقاط الخط السياسي لمدرسة العجز الذاتي"،[296] ما لبث أن تولى بنفسه بعض أخطر الملفات التي أوكلها إليه عرفات في إطار التسوية. وقد أسهم هذا النهج في استيعاب قيادة فتح التناقضات داخلها وامتصاص الغضب في قواعدها وفي أوساط الشعب الفلسطيني عامة، وإشعار الجميع بالاطمئنان بأن هناك من يُعبّر عن آرائهم في الصف القيادي الأول. وبالتالي لا داعي لاتخاذ أية إجراءات أو تصرفات حادة. غير أن هناك من يرى أن الأمر مرتبط بالسلوك الفردي للرئيس، وأن باقي قيادة فتح مضطرة بعد أن يستبد بها الغضب، إما إلى مسايرة الواقع الجديد الذي يفرضه عرفات، "رعاية للتماسك والمصلحة العامة"، وإما إلى الحَرَد والانكفاء حتى يتم الوصول إلى صيغة استرضاء معينة، وإما إلى الاستقالة والانعزال، وإما إلى الانشقاق. وغالباً ما يلجأ الصف الأول إلى الصيغتين الأولى والثانية.
غير أن التنظيم الذي يفتقد إلى هوية عقدية محددة سيجد نفسه عرضة لعدد من المشاكل والتحديات:
1. في غياب الهوية العقدية كثيراً ما تلعب "المصلحة" و"ضغط الأمر الواقع" أدواراً أكبر، وتحلُّ الاعتبارات التكتيكية مكان الرؤى الاستراتيجية. وبالتالي تفقد المسيرة بوصلتها، وتحيد عن دربها، وتتحجم طموحاتها وأهدافها. 
2. إن وجود رؤى فكرية مختلفة يوجد تعارضات جدية في مفاهيم وأساليب التربية والتعبئة والتوجيه، وفي الطرح السياسي والإعلامي، وفي تحديد الأصدقاء والأعداء، وعقد التحالفات، وفي استيعاب الأحداث والتعامل معها، وفي اتخاذ القرارات. 
3. إن الجذور الأيديولوجية والحزبية السابقة للأعضاء أوجدت مناخاً ملائماً للخلافات، ولنمو الكتل الداخلية والمجموعات المحسوبة على شخصيات قيادية، مما يهدد بالانشقاقات والصراعات الداخلية. 
4. وقد حدثت النقاط الثلاث السابقة بشكل أو بآخر في "فتح"، وأصبح الزعيم أو "الختيار" ياسر عرفات في النهاية هو النقطة التي تلتقي حولها عناصر فتح، مما أضعف البناء المؤسسي للحركة، وسمح لعرفات بهامش واسع في القيادة واتخاذ القرار السياسي والعسكري والمالي للحركة ولـ م.ت.ف. 
وقد تعرضت فتح إلى عدد من الانشقاقات والأزمات طوال الأربعين سنة الماضية، لكن ذلك لم يؤثر على سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى كونها العمود الفقري لها. كما ظلت الحركة الأكثر حضوراً على الساحة الفلسطينية مستفيدة من تجربتها النضالية ومن الدعم المالي الذي توفره لها م.ت.ف (ومن بعد ذلك السلطة الفلسطينية). ولا ينافسها في الشعبية الجماهيرية إلا تيار الإخوان المسلمين الذي تمثل بعد سنة 1987 في حركة حماس. وعادة ما تتبادل مع حماس السيطرة على الجامعات والنقابات المهنية والبلديات. وفي انتخابات المجلس التشريعي للحكم الذاتي في يناير 1996 (التي قاطعتها حماس والمعارضة الفلسطينية) فاز ممثلو فتح بنحو 60 مقعداً من أصل 87 مقعداً.
ومن أبرز الأزمات والانشقاقات التي تعرضت لها فتح:[297]
1. أزمة تنظيم الكويت 1965 ـ 1966 عندما أصدرت اللجنة المركزية العليا للحركة بتاريخ 29 إبريل و2 مايو 1966 قراراً بسحب الثقة من "عضو الحركة السابق محمد ياسر عرفات القدوة الملقب بجرير رؤوف ـ الدكتور أبو عمار ـ وإحالته للتحقيق فوراً" حيث اتهمته بإعداد تقارير كاذبة، والتمرد على القرارات الجماعية، وتحريض بعض القواعد على قيادة الحركة، واتباعه سياسة الاستزلام ومحاولة شراء ضمائر المناضلين، وإفشاؤه أسرار الحركة لعناصر من خارجها ... وغير ذلك. وقد تم تطويق هذه الأزمة في نهاية 1966 على حساب خروج عضوين قياديين هما عادل عبد الكريم وعبد الله الدنان. 
2. تمرد أبو عبيدة 1967 ـ 1968: امتد الوجود المعارض لعرفات بامتداد كتلة الكويت إلى الأردن بعد حرب 1967، واتخذ شكلاً عسكرياً يقوده أبو عبيدة. وقامت قيادة الحركة بفصل تنظيم الكويت بمجمله، ثم حدثت مفاوضات أدت إلى اتفاق في إبريل 1968 بإلغاء قرار فصل أبي عبيدة، وأن تتم دعوة المجلس الثوري للنظر في مواضيع الخلاف ومحاسبة القيادة، وأن تتم دعوة مؤتمر الحركة في يوليو 1968 بحيث تنبثق عنه القيادة العليا للحركة عن طريق الانتخاب. وقد نقل أبو عبيدة إلى السودان، ثم توجه إلى القاهرة، واعتقل في ظروف غامضة، وعّذب بشدة حتى أصيب بانهيار عصبي. 
3. أزمة التنظيم في لبنان 1972: عندما انتقل عرفات إلى لبنان، وحاول إمساك زمام الأمور مباشرة بيده، حدثت أزمة تنظيمية خصوصاً مع معتمد إقليم لبنان يحيى عاشور (أبو حمدان) ، اتخذت شكل تمرد مباشر واعتصام في تل الزعتر وعمليات اعتقال وخطف وتصفية، حتى أحكم عرفات سيطرته. 
4. حركة فتح "المجلس الثوري": انشق عدد من قياديي فتح بقيادة صبري البنا (أبو نضال) وناجي علوش، وأبو داود (محمد عودة) متهمين القيادة بالانحراف عن خط التحرير الذي تمثله فتح. وأنشأوا حركة فتح "المجلس الثوري"، وأعلنوا التزامهم بمبادئ الحركة وأهدافها وبرامجها ونظامها الداخلي، ودعوا إلى "خوض الصراع لإنقاذ الحركة". ومارس هذا التنظيم أحياناً أساليب الاغتيال والتصفية لعدد من عناصر فتح الذين يرون أنهم يخرجون عن الخط الوطني، فاغتالوا عصام السرطاوي وأبو إياد صلاح خلف. ولقي هذا التنظيم دعماً من العراق وليبيا. 
5. فتح "الانتفاضة": وهو أبرز الانشقاقات عن فتح، وقاده أبو موسى ونمر صالح (أبو صالح) في مايو 1983، ولعبت التداعيات التي نتجت عن الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982، واعتراض العديدين على التوجهات السياسية لقيادة فتح وخصوصاً نحو التسوية، وعلى العديد من المسلكيات التنظيمية والمالية والعسكرية ... وقد أدى هذا الانشقاق إلى حدوث صدامات عنيفة بين الطرفين في النصف الثاني من عام 1983، ولقي هذا الانشقاق دعم ورعاية سوريا. 
6. وقد مثلَّت المفاوضات السرية التي أدت إلى توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 أزمة جديدة لفتح، حيث جرت دون علم واستشارة معظم قيادات فتح وم.ت.ف. ولقيت الاتفاقات وتشكيل سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني معارضة شديدة من العديد من قيادات فتح. وتعرضت فتح جماهيرياً لأزمة التعامل مع إفرازات أوسلو وانعكاساتها، ففضلاً عن ظهور الكثير من المعارضة والتذمر داخل صفوفها، فقد انحسرت شعبيتها الجماهيرية خصوصاً في خارج فلسطين، وبالذات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. 
فتح والكفاح المسلح:
كان لفتح شرف تفجير الثورة الفلسطينية المعاصرة في ليلة الأول من يناير 1965، وصدر البيان الأول معبِّراً عن روح وطنية إسلامية، ومما جاء فيه "اتكالاً منا على الله، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس، وإيماناً منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيماناً منا بمؤازرة شرفاء العالم، فقد تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة ...".[298]
وقد عملت فتح في ظروف صعبة ووسط أجواء الإيمان بالخيار الرسمي العربي، وانتظار جمال عبد الناصر لتوجيه ضربته المرتقبة إلى الكيان الصهيوني. وقد اتهمتها الأنظمة العربية بمحاولة جرِّها إلى المعركة مع الكيان الصهيوني قبل موعدها، وقبل استكمال الاستعدادات اللازمة لها. وقام ناطق مصري - بتوجيه من الحكومة - باتهامهم بأنهم متطرفو ومتعصبو الإخوان المسلمين الذين تلقوا تمويلهم من الإمبريالية والمخابرات الأمريكية CIA، واتهمهم أحد الأنظمة الخليجية بأنهم شيوعيون، كما اعتبرهم أحمد الشقيري ـ رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت ـ بأنهم أعداء حركة التحرر الفلسطيني!! وقد أمرت "القيادة العربية الموحدة" التي شكلتها الأنظمة العربية للتجهيز لتحرير فلسطين، في مارس 1965 بإيقاف أنشطة حركة فتح، وحاولت دول الطوق القبض عليهم ومنعهم من العمل، فسقط أو شهيد لفتح "أحمد موسى" برصاص قوات أحد الدول العربية بينما كان عائداً مع رفاقه من عملية فدائية نفذها ضد الكيان الصهيوني. واعتقل عرفات في سوريا في أواخر 1965 ثم أفرج عنه بعد أيام للاشتباه به في قضية تفجير خط النفط "التابلاين"، ثم اعتقل هو وأبي جهاد وأبو علي إياد وأبو صبري في فبراير 1966 مع سبعة أعضاء آخرين بتهمة الضلوع في مقتل اثنين من رجال العاصفة (الجناح العسكري لفتح) من ذوي الخلفيات البعثية. ثم أفرج عنهم إلا واحداً بعد التدخل لدى وزير الدفاع الجديد حافظ الأسد. وكان عرفات قد سُجن لأيام في لبنان سنة 1965. كما جرت اعتقالات أخرى لرجال فتح في الأردن (بما فيها الضفة الغربية) ولبنان وسوريا ومصر، وعذب بعض المعتقلين وماتوا في السجون العربية.[299]
وعلى أي حال، فقد استطاعت فتح تنفيذ حوالي 200 عملية عسكرية قبل حرب حزيران/ يونيو 1967.[300]
ومثَّلت مرحلة ما بعد حرب 1967 مرحلة ازدهار حقيقي ونمو متسارع لحركة فتح، إذ إن هزيمة الأنظمة العربية وضياع ما تبقى من فلسطين، أفقد الشارع الفلسطيني والعربي الثقة بهذه الأنظمة التي اضطرت لفتح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني الذي اكتسب شعبية كبرى فلسطينياً وعربياً. ومنذ ذلك الوقت، مثّلت فتح العمود الفقري للثورة الفلسطينية. واخترق ياسر عرفات الحدود إلى الضفة الغربية المحتلة، ونظم خلايا المقاومة هناك حيث مكث أربعة أشهر، ويُعدُّ يوم 29 أغسطس 1967 الانطلاقة الثانية لفتح من خلال تفجير المقاومة المسلحة في الداخل.
وتُعد معركة الكرامة 21 مارس 1968 حدثاً فاصلاً في تاريخ فتح، إذ فتحت الباب أمام تدفق جماهيري هائل للانضمام إليها بعدما أبداه مقاتلوها من بطولة وصمود، وما أوقعوه من خسائر جسيمة في القوات الصهيونية الغازية، فخلال 48 ساعة تقدم لعضويتها خمسة آلاف قبلت منهم 900. وفي الشهر التالي أُعلن ياسر عرفات متحدثاً رسمياً باسم فتح. وأخذت الحركة موقعها كأوسع الحركات جماهيرية في الشارع الفلسطيني.[301]
وفي الوقت نفسه تواصلت المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركات المقاومة الفدائية وعلى رأسها فتح. وكانت فتح تنظر بعين الشك والريبة لطبيعة القائمين على م.ت.ف والراعين لها، ولطبيعة تركيبتها وحقيقة أهدافها. لكنها كانت لا ترى مانعاً من الاستفادة منها كواجهة لأنشطتها.
وقد وافقت فتح على دخول منظمة التحرير الفلسطينية بقصد "تثويرها"، وتمكنت في المجلس الوطني الرابع في يوليو 1968 من فرض شروطها بتغيير الميثاق القومي الفلسطيني ـ الذي يُعدّ دستور م.ت.ف ـ إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، حيث اتخذ طابعاً أكثر وطنية وثورية. كما غيَّرت بُنية المجلس الوطني الفلسطيني ليقتصر عدد أعضائه على مائة فقط بعد أن كان في حدود 450. وفي المجلس الوطني الخامس في فبراير 1969 سيطرت قيادة فتح على قيادة م.ت.ف وأصبح ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويبقى الجدال قائماً حول ما إذا تمكنت فتح من "تثوير" المنظمة، أم أن المنظمة تمكنت من "تسييس" فتح. إذ إن أعباء تكريس الهوية الوطنية الفلسطينية، وإيجاد مكانة لائقة لـ م.ت.ف كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني عربياً ودولياً، والاضطرار للدخول في تشابكات وتناقضات الأوضاع السياسية العربية والدولية، والانجرار نحو تقديم مشاريع وحلول "واقعية" تحت الضغوط المختلفة، والسعي للحفاظ على "المكاسب" السياسية ... كل ذلك أسهم في تفريغ المخزون الثوري للحركة. وجعل عملها العسكري محكوماً بالعديد من المعايير والضوابط و"المحرمات" السياسية.
وعلى أي حال، فقد تحملت فتح عبء الكفاح المسلح الفلسطيني لفترة طويلة ومثلت الفترة 1968 ـ 1970 في الأردن مرحلته الذهبية، إذ نفذت حوالي 2000 عملية سنة 1969. كما مثلت الفترة 1970 ـ 1982 درجة لا بأس بها وخصوصاً في 1970 ـ 1975 قبل الانشغال بمستنقع الحرب الأهلية اللبنانية. وانخفضت وتيرة العمليات إلى نحو 360 عملية سنة 1978.[302]
ويبدو أن حركة فتح تمكنت من استيعاب العديد من عناصرها المتشددة من خلال منظمة "أيلول الأسود" التي نفذت عدداً من العمليات العنيفة والتي استهدفت شخصيات أردنية كاغتيال وصفي التل في 28 نوفمبر 1971، ونفذت عدداً من العمليات الخارجية خصوصاً ضد الصهاينة والمصالح الإسرائيلية في الخارج، وكان أبرزها عملية ميونخ في 5 سبتمبر 1972 حيث احتجزت 11 رياضياً ومدرباً "إسرائيلياً" كانوا يشاركون في دورة الألعاب الأولمبية، وأدت العملية في النهاية إلى مقتل كل "الإسرائيليين" المحتجزين ورجل شرطة ألماني، واستشهاد خمسة فدائيين واعتقال ثلاث فدائيين آخرين. وقد رفضت فتح رسمياً الاعتراف بعلاقتها مع أيلول الأسود لكنها اعترفت أن أغلب أعضائها "كانوا" من فتح. ويظهر أن صلاح خلف "أبو إياد" كان على صلة وطيدة بهذه المنظمة.[303]
ونفذت فتح عدداً من العمليات الفدائية القوية في السبعينيات مثل عملية سافوي في 6 مارس 1975 في تل أبيب، وأدت إلى مقتل نحو خمسين جندياً وخمسين مدنياً صهيونياً،[304] وعملية كمال عدوان في 11 مارس 1978 التي أدت إلى مقتل 37 وجرح 82 صهيونياً.[305]
وتشير إحصاءات مؤسسة الشؤون الاجتماعية ورعاية أسر الشهداء في م.ت.ف في مطلع الثمانينيات إلى أن عدد شهداء فتح يبلغ 56% من مجموع شهداء الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وإلى أن نسبة الأسرى من فتح في الأرض المحتلة هي بين 70 ـ 80% من مجموع الأسرى.[306] ولعلَّ هذه النسبة بقيت كما هي حتى اندلاع الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987، عندما أخذت "حماس" تبرز كقوة كبرى موازية لفتح، بل واندفعت حماس أكثر في العمل الفدائي في التسعينيات في الوقت الذي أخذ العمل الفدائي "الفتحاوي" بالانحسار لصالح مشروع التسوية السلمية الذي تبنته قيادتها. ويظهر أن حركة فتح أخذت تتبنى من جديد العمل الفدائي ضد الأهداف الصهيونية منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 وأعلنت كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح عن العديد من العمليات الفدائية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:25 am

البنية التنظيمية وقيادتها:
تتكون البنية التنظيمية لفتح[307] من:
1. المؤتمر العام: وهو السلطة العليا داخل الحركة، ويجب أن يعقد (من الناحية النظرية) مرة كل ثلاث أعوام، وقد سبق له الانعقاد بضعة مرات (الثاني 1968، الثالث 1971، الرابع 1980 ...) ولا يجتمع بانتظام لأسباب داخلية وخارجية. 
2. المجلس الثوري: ويتكون من مسئولي وقادة الأجهزة والأقاليم والقوات إلى جانب 25 عضواً منتخباً من المؤتمر العام وعشرة أعضاء من ذوي الكفايات تضمهم اللجنة المركزية، ومجموع أعضائه 120 عضواً. 
3. اللجنة المركزية: وهي القيادة المركزية للحركة، ويقوم المؤتمر العام بانتخاب أكثر من ثلثي أعضائها، وتتكون من 18 عضواً. 
وتعرف القوات العسكرية لفتح باسم "قوات العاصفة" وتتولى اللجنة المركزية تعيين قيادتها العامة.
وقد استشهد معظم الأعضاء التاريخيين للجنة المركزية لحركة فتح أمثال عبد الفتاح حمود، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وأبو الهول.
ومن الأعضاء التاريخيين في مركزية فتح ممن لا يزالون يشغلون مناصب فيها ياسر عرفات، وفاروق القدومي، ومحمود عباس (أبو مازن)، وسليم الزعنون. وانضم محمد غنيم (أبو ماهر) للجنة المركزية في أغسطس 1968، وهاني الحسن في مايو 1980، وفي أغسطس 1989 انضم إليها صقر حبش، وحكم بلعاوي، وانتصار الوزير، والطيب عبد الرحيم، وأحمد قريع، والعقيد يوسف، ومحمد جهاد، وعباس زكي. وحلَّ نبيل شعث وعبد الله الإفرنجي سنة 1991 مكان صلاح خلف وأبي الهول إثر حادث اغتيالهما. وفي 1994 انضم زكريا الأغا رئيس اللجنة العليا لفتح في قطاع غزة، وفيصل الحسيني رئيس اللجنة نفسها في الضفة الغربية إلى اللجنة المركزية (توفي الحسيني في الكويت في مايو 2001).
وقد انتقد عدد من أعضاء اللجنة المركزية اتفاقات الحكم الذاتي (أوسلو 1993 وما تلاها)، ورفض محمد غنيم وفاروق قدومي ومحمد جهاد دخول أراضي الحكم الذاتي، وقام محمد غنيم في سنة 1997 بتقديم استقالته من قيادة دائرة التعبئة والتنظيم في الحركة واكتفى بعضويته في المركزية.[308]
فتح والتسوية السلمية:
منذ أن سيطرت فتح على م.ت.ف حدث بينهما نوعٌ من التماهي والتداخل بحيث أن سياسات ومواقف كل منهما أصبحت عملياً شيئاً واحداً. وعلى ذلك فموقف فتح من التسوية هو عملياً موقف م.ت.ف نفسها. غير أن قيادة فتح وخصوصاً الميدانية حاولت الاحتفاظ بنوعٍ من المسافة الفاصلة بين الطرفين، حتى لا تتحمل فتح الأوزار والمساوئ والسلبيات الناتجة عن عملية التسوية وتشكيل السلطة الفلسطينية. وتَعَاملَ ياسر عرفات وقيادة السلطة الفلسطينية بشيء من المرونة مع قيادات فتح الرافضة لاتفاقيات أوسلو، أو الناقدة لممارسات سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، مع ملاحظة أن معظم عناصر فتح في الداخل مستوعبة في مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. وقد سعت فتح إلى التناغم مع الموقف التفاوضي الفلسطيني، ومحاولة تصليبه لتحقيق مكاسب أفضل، وليس إسقاطه. وقد ازداد هامش المرونة اتساعاً مع اندلاع انتفاضة الأقصى حيث قامت قيادات فتح الميدانية (أمثال مروان البرغوثي) بالمشاركة بالانتفاضة، وقامت بالتنسيق مع حماس وغيرها، لتفعيل الانتفاضة وتطويرها. كما قامت عناصرها بالعديد من العمليات الفدائية، رغم أن الموقف الرسمي لقيادة السلطة (التي هي قيادة فتح) يرفض هذه العمليات بل وعادة ما يُدينها.




ياسر عرفات
رئيس حركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية جورج حبش
الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين



الشيخ أحمد ياسين
مؤسس حماس خالد مشعل
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس


رمضان عبد الله شلح
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي


هوامش الكتاب
________________________________________
[239] انظر: عجاج نويهض، مرجع سابق، ص 314 ـ 315.
[240] انظر: الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص 104 ـ 107، 115 ـ 116، 138 ـ 139، 150 ـ 151، 166 ـ 167، 173 ـ 174، 197 ـ 198.
[241] كان للعائلات نفوذ كبير في العمل الوطني الفلسطيني في مرحلة الاحتلال البريطاني، وقد جرت عملية فرز واستقطاب شديد حول عائلتين مقدسيتين كبيرتين هما عائلتا الحسيني والنشاشيبي.
وقد أضر ذلك بالعمل الوطني والوحدة الوطنية الفلسطينية، إذ قدّم البعض مصالح عائلته ـ وفق معايير التنافس والحسد ـ على المصالح العامة وعلى مواجهة الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني.
[242] انظر: بيان الحوت، مرجع سابق، ص 335 ـ 337، ويوميات أكرم زعيتر، ص 76 ـ 78، والموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 27 ـ 30.
[243] حول الهيئة العربية العليا، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 556 ـ 561.
[244] انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 377 ـ 379.
[245] حول حكومة عموم فلسطين، انظر: المرجع نفسه، ج2، ص 342 ـ 344.
[246] حول م.ت.ف، انظر بالتفصيل في: أسعد عبد الرحمن، منظمة التحرير الفلسطينية، والموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 313 ـ 325.
[247] حول الميثاق الوطني الفلسطيني، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 404 ـ 406، وفيصل حوراني، الفكر السياسي الفلسطيني: 1964 ـ 1974: دراسة للمواثيق الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث (م.ت.ف)، 1980)، ص 37 ـ 89.
[248] انظر مثلاً في: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 73 ـ 75.
[249] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج4، ص 98 ـ 103.
[250] حول المجلس الوطني، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 94 ـ 121.
[251] حول المجلس المركزي، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 321 ـ 322.
[252] حول اللجنة التنفيذية، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 318 ـ 321.
[253] حول دوائر م.ت.ف، انظر: المرجع نفسه، ج4، ص 322 ـ 325.
[254] ما كتبناه هنا حول جماعة القسام يعتمد أساساً على المادة الموجودة في كتابنا الذي سبقت الإشارة إليه الطريق إلى القدس، ص 143 ـ 146، ولمن يرغب في التفصيل يمكنه الرجوع إلى دراستنا عن القسام وحركته في كتابنا "التيار الإسلامي في فلسطين"، ص 227 ـ 327، 361 ـ 388، 479 ـ 480.
[255] انظر حول شخصية القسام: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 231 ـ 247.
[256] صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 23.
[257] أميل الغوري، مرجع سابق، ص 248، والتوكيد للباحث.
[258] عوني العبيدي، ثورة الشهيد عزالدين القسام وأثرها في الكفاح الفلسطيني (الزرقاء (الأردن): مكتبة المنار، دون تاريخ)، ص 9.
[259] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 317 ـ 318.
[260] سميح حمودة، مرجع سابق، ص 42.
[261] انظر: صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 31؛ ويوميات أكرم زعيتر، ص 30؛ ومحمد نمر الخطيب، مرجع سابق، ص 87.
[262] انظر: علي حسين خلف، تجربة الشيخ عز الدين القسام (عمان (الأردن): دار ابن رشد، 1984)، ص 44 ـ 47، 58 ـ 60، وسميح حمودة، مرجع سابق، ص 48 ـ 50.
[263] بيان الحوت، مرجع سابق، ص 324، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 584.
[264] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 79، وصحبي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 33 ـ 34.
[265] صبحي ياسين، الثورة العربية الكبرى في فلسطين، ص 33 ـ 34.
[266] إبراهيم الشيخ خليل، "رسالة من مجاهد قديم: ذكريات مع القسام"، مجلة شئون فلسطينية، العدد 7، مارس 1972، ص 29، وبيان الحوت، مرجع سابق، ص 323.
[267] انظر: صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 68، ومحمد عزة دروزة، فلسطين وجهاد الفلسطينيين، ص 29.
[268] عبد الستار قاسم، مرجع سابق، ص 99.
[269] كامل خلة، مرجع سابق، ص 584.
[270] علي خلف، مرجع سابق، ص 53 ـ 54، ومحمد نمر الخطيب، مرجع سابق، ص 88، وانظر:
S. Abdullah Schleifer, “The life and Thought of Izz-Iddin Al-Qassam”, The Islamic Quarterly, Vol. 23, No. 2, 1979, p. 75.
[271] صبحي ياسين، حرب العصابات في فلسطين، ص 70.
[272] عوني العبيدي، مرجع سابق، ص 42.
[273] انظر: عبد الستار قاسم، مرجع سابق، ص 64 ـ 67، وكامل خلة، مرجع سابق، ص 593 ـ 594، وانظر:
The Palestine Police Force, Annual Administrative Report, 1935 (Jerusalem: Government Printing Press, Undated), p. 40.
[274] حول دور القساميين في الثورة الكبرى، انظر: محسن صالح، التيار الإسلامي في فلسطين، ص 361 ـ 388.
[275] حول دور القساميين في حرب 1948، انظر: المرجع نفسه، ص 479 ـ 480.
[276] عيسى خليل محسن، فلسطين الأم وابنها البار عبد القادر الحسيني (عمان: دار الجيل، 1986)، ص 141 ـ 144.
[277] أميل الغوري، فلسطين عبر ستين عاماً، ص 232 ـ 235.
[278] المرجع نفسه، ص 232.
[279] المرجع نفسه، ص 243 ـ 244، وأميل الغوري، إظهار حقائق وتفنيد أباطيل: ردود على مقالات السيد قاسم الريماوي (دون مكان: دون ناشر، 1974)، ص 21.
[280] أميل الغوري، إظهار حقائق وتفنيد أباطيل، ص 22.
[281] عيسى محسن، مرجع سابق، ص 171.
[282] المرجع نفسه، ص 171 ـ 176.
[283] المرجع نفسه، ص 177 ـ 195.
[284] الكيلاني، مرجع سابق، ص 70.
[285] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 125 ـ 126.
[286] المرجع نفسه، ج2، ص 126.
[287] عبد الله أبو عزة، مرجع سابق، ص 71 ـ 96.
[288] سليمان حمد، مقابلة، الكويت، 25 يناير 1986.
[289] Helena Cobban, The Palestinian Liberation Organisation: People, Power and Politics (U.S.A.: Cambridge Univ. Press, 1988), pp. 23-24.
[290] وذلك حسب شهادة اثنين من رفاق أبي جهاد في هذا العمل، وهما فوزي جبر، مقابلة، الكويت، 20 نوفمبر 1999، ومحمد الخضري، مقابلة، جدّة، 15 سبتمبر 1998.
[291] حول هذه الفقرة، انظر: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 59، وسليمان حمد، مقابلة، الكويت، 25 يناير 1986، وانظر:
Alan Hart, Arafat: A Political Biography, 4th edition (Bloomington & Indianapolis (U.S.A.): Indiana Univ. Press, 1989), p. 123, pp. 556-557, and Cobban, op. cit., pp. 23-24.
[292] صلاح خلف، مرجع سابق، ص 59، 68.
[293] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 206.
[294] انظر: نزيه أبو نضال، تاريخية الأزمة في فتح: من التأسيس إلى الانتفاضة (دون مكان: دون ناشر، 1984)، ص 17 ـ 20.
[295] انظر: جريدة الشرق الأوسط، 6 مارس 1995.
[296] الشرق الأوسط، 15 فبراير 1995.
[297] انظر حول الانشقاقات من 1 ـ 5 في: نزيه أبو نضال، مرجع سابق، ص 39 ـ 60.
[298] انظر نص البيان في: رياض الريس، مرجع سابق، ص 37.
[299] حول الاتهامات التي وُجِّهت إلى فتح وحول معاناتها، انظر: صلاح خلف، مرجع سابق، ص 78 ـ 80، ورياض الريس، مرجع سابق، ص 40.
[300] صلاح خلف، مرجع سابق، ص 83.
[301] المرجع نفسه، ص 96 ـ 97.
[302] انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 207.
[303] رياض الريس، مرجع سابق، ص 85 ـ 92.
[304] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 527 ـ 528.
[305] المرجع نفسه، ج3، ص 661 ـ 662.
[306] المرجع نفسه، ج2، ص 207.
[307] المرجع نفسه، ج2، ص 206 ـ 207.
[308] انظر: الشرق الأوسط، 29 إبريل 1997، والقدس العربي، 18 مارس 1997.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:26 am

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
تعد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ بشكل أو بآخر ـ امتداداً للفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب التي نشأت في مطلع الخمسينيات في بيروت وكان من أبرز مؤسسيها جورج حبش، الذي أصبح أميناً عاماً للجبهة منذ إنشائها سنة 1967 وحتى سنة 2000. وكان فرع فلسطين في حركة القوميين العرب قد شكَّل في مايو 1964 "الجبهة القومية لتحرير فلسطين" وجناحها العسكري "شباب الثأر" الذي أخذ يمارس منذ نوفمبر 1964 العمل الفدائي، حيث قدَّمت أول شهدائها "خالد أبو عيشة" في 2 نوفمبر 1964.[309] ولكن يبدو أن هذه البداية كانت متواضعة متقطعة ولم تستمر. وفي مؤتمر حركة القوميين العرب المنعقد في سنة 1966 اتخذ قراران رئيسيان:
1. إلحاق العناصر الفلسطينية في حركة القوميين العرب بمجموعة تسمى إقليم فلسطين، والموافقة على فكرة الكفاح المسلح مع إرجاء البدء به. وقد تولى قيادتها جورج حبش، ومعه أحمد اليماني (أبو ماهر)، وعبد الكريم حمد (أبو عدنان)، ووديع حداد. 
2. تبني "الاشتراكية العلمية" طريقة عملٍ لحركة القوميين العرب.[310] 
وبعد حرب 1967 سعى "إقليم فلسطين" في الحركة إلى تشكيل إطار جبهوي يضم مختلف الفصائل الفلسطينية، لأنه كان يرى أن م.ت.ف بشكلها الرسمي لا تصلح أن تكون الإطار المناسب. وقد نتج عن ذلك إنشاء "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي ضمَّت:
1. الجبهة القومية لتحرير فلسطين "شباب الثأر". 
2. منظمة أبطال العودة التي كانت تنتمي بشكل غير مباشر إلى حركة القوميين العرب. 
3. جبهة التحرير الفلسطينية التي كان يتزعمها أحمد جبريل. 
كما انضم إليها عدد من المستقلين، ومجموعة من الضباط الوحدويين.[311]
وصدر البيان السياسي الأول لهذه الجبهة في 11 ديسمبر 1967، واتخذت الجبهة طابعاً يسارياً، وبدت المنافس الرئيسي لحركة فتح، ولكن سرعان ما عصف بها انشقاقان كبيران أضعفا قدرتها على العمل الجبهوي واستقطاب الشارع الفلسطيني. وكان الانشقاق الأول هو انسحاب عناصر جبهة التحرير الفلسطينية في أكتوبر 1968 بزعامة أحمد جبريل الذي شكَّل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة. أما الانشقاق الثاني فقاده نايف حواتمة في 22 فبراير 1969 والذي شكل الجبهة الديموقراطية الشعبية لتحرير فلسطين.
وقد أقرت الجبهة في أغسطس 1968 تبني الماركسية ـ اللينينية، مما أدى إلى خلافات واسعة داخلها، فبعضها اعترض على الفكرة (انشقاق أحمد جبريل) وبعضها استعجل تطبيقها (انشقاق نايف حواتمة). غير أن الجبهة الشعبية صنفت نفسها بأنها منظمة "بورجوازية" تقوم بـ"عملية التحول" إلى تنظيم ماركسي ـ لينيني. وفي مؤتمراتها التالية (فبراير 1969، مارس 1972، 28 إبريل ـ 3 مايو 1981) أكدت تطلعها إلى استكمال تحولها للماركسية ـ اللينينية، واستمرت في تطبيق البرامج الملازمة لذلك.[312]
وحسب النظام الداخلي للجبهة فإن مبادئها الأساسية هي: المركزية الديموقراطية، والقيادة الجماعية، ووحدة الحزب، والنقد الذاتي، وجماهيرية الحزب والثورة، وأن كل عضو سياسي في الجبهة هو مقاتل، وكل مقاتل سياسي.[313]
وترى الجبهة أنه "لا يمكن أ، يكون هناك ثورة دون نظرية ثورية"، ولذلك فهي تركز على الفكر السياسي والرؤية الواضحة للعدو ولقوى الثورة، وعلى أساسها يتم وضع استراتيجية المعركة. وحسب رؤيتها الماركسية فهي ترى أن:
1. الكيان الصهيوني قاعدة بشرية مسلحة تستند عليها "الإمبريالية" الاستعمارية الأمريكية والغربية للوقوف في وجه حركة التحرر العربي. 
2. الصراع مع "الرجعية العربية" أمرٌ رئيسي وليس أمراً ثانوياً، ولذلك فهي لا تؤمن بشعار "عدم التدخل في شؤون الدول العربية". 
3. ضرورة الربط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي العربي، وتعتقد أنه من الخطأ تذويب النضال الفلسطيني في إطار النضال القومي، كما أنه من الخطأ عدم ربطه بالنضال القومي. 
4. الثورة الفلسطينية جزء من الثورة العالمية على الإمبريالية والرجعية وممارسات النظام الرأسمالي العالمي. 
5. حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد هي الطريق الوحيدة للتحرير، وأن تحرير فلسطين لا يتم إلا بالقوة. 
6. هدف الثورة تحرير فلسطين وتشييد دولة ديموقراطية شعبية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية. 
7. الصراع مع العدو ليس قائماً على أساس ديني أو قومي، وعملية تحرير فلسطين هي عملية تحرير "للجماهير اليهودية" التي حشدتها الإمبريالية والصهيونية، ولذلك فمن الطبيعي أن تتحالف الثورة الفلسطينية مع القوى اليهودية المناهضة للإمبريالية والصهيونية.[314] 
المواقف السياسية:
نظرت الجبهة الشعبية في البداية نظرة سلبية لـ م.ت.ف باعتبارها لا تملك عناصر البناء الثوري السليم وشروط الانتصار. وعندما استقال الشقيري من قيادة م.ت.ف وانفتحت باتجاه سيطرة المنظمات الفدائية عليها، تخلَّت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد "جبهة وطنية" بديلة وشاركت في المنظمة ممثلة بعشرة أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني الرابع (يوليو 1968) وسعت في الوقت نفسه إلى منافسة فتح على قيادة م.ت.ف. ولأنها لم تكن راضية عن نسبة عضويتها في المجلس فقد انسحبت من المنظمة خلال 1969 ـ 1970، ووافقت على أن تمثل رمزياً بعضو واحد في المجلس السابع (30/5 ـ 4/6/1970)، ثم عادت للمشاركة في المجالس التالية. ثم إنها قامت بتعليق عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف سنة 1974، حيث رأت أن القيادة الفلسطينية ممثلة بحركة فتح فسّرت برنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر (يوليو 1974) بشكل مغاير لما فهمته الجبهة، وأن قيادة فتح قبلته كستار للانحراف عن الثورة والسير في خط الاستسلام. ولذلك قامت الجبهة الشعبية ومعها جبهة النضال الشعبي والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وجبهة التحرير العربية بتشكيل "جبهة الرفض للحلول السلمية" في 10 أكتوبر 1974.[315]
عادت الجبهة الشعبية للمشاركة في قيادة م.ت.ف سنة 1979، ثم ما لبثت أن قاطعت الدورة 17 للمجلس الوطني في عمان سنة 1984 منادية بضرورة تحقيق وفاق وطني قبل عقده. وفي عام 1993 قامت بتعليق مشاركتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف إثر توقيع اتفاق أوسلو. ولكنها قامت بالمشاركة في جلسات المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في غزة سنة 1996 لتغيير الميثاق الوطني الفلسطيني بطلب من الكيان الصهيوني، وبدأت تتقارب مع قيادة السلطة الفلسطينية منذ النصف الثاني لعام 1996 وانسحبت من تحالف الفصائل العشر المعارضة لاتفاقات أوسلو.
وهكذا لعبت الجبهة الشعبية دور "الشريك المنافس" لفتح داخل م.ت.ف، وعندما عجزت عن المنافسة تحولت إلى دور "الشريك المشاكس"!! لكن قيادة فتح تمكنت في النهاية من جرها إلى أن تكون أكثر طواعية، وأن تراعي شروط اللعبة.
وبالنسبة للتسوية السياسية، فقد رفضت الجبهة الشعبية في البداية كل المشاريع المطروحة، لكنها صوتت سنة 1974 إلى جانب برنامج النقاط العشر الذي يؤيد قيام سلطة وطنية على أي جزء يتم تحريره أو ينسحب منه الصهاينة، والذي يعدُّ الكفاح المسلح وسيلة رئيسية للتحرير (وليس الطريق الوحيد). غير أنها سرعان ما شكّلت جبهة الرفض، المشار إليها سابقاً، لأن البرنامج كما فهمته فتح يتطلب الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وإقامة علاقات دبلوماسية معها، والعيش مع العدو ضمن حدود آمنة. ثم تخلت عن جبهة الرفض بعد ذلك بنحو أربع سنوات، وعدَّلت موقفها معتبرة أن قيام الدولة الفلسطينية هو خطوة تكتيكية نحو تحرير كامل فلسطين. وفي سنة 1985 رفضت الجبهة اتفاق عمان الذي وقعته قيادة م.ت.ف مع الأردن بإقامة كونفدرالية أردنية ـ فلسطينية. وفي المجلس الوطني التاسع عشر في نوفمبر 1988 وافقت على مشروع إعلان الدولة الفلسطينية الذي استند إلى قرار الأمم المتحدة (29 نوفمبر 1947) رقم 181 بتقسيم فلسطين، لكنها صوتت إلى جانب رفض قرار الأمم المتحدة رقم 242 (نوفمبر 1967) القاضي بالتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين. وفي سنة 1991 رفضت مشاركة م.ت.ف في مؤتمر السلام بمدريد، كما رفضت اتفاق أوسلو سنة 1993، وانضمت إلى تحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي نشأ لإسقاط هذا الاتفاق، لكنها انسحبت منه بعد ذلك بنحو ثلاث سنوات، واتخذت خطاً أكثر مهادنة للسلطة الفلسطينية تحت ضغط ظروف أزمتها المالية وضغط تيار من القياديين في الداخل والخارج يدعو إلى التعامل بـ"واقعية"، وإلى المشاركة في السلطة ووقف الكفاح المسلح.
قيادة الجبهة وتواجدها الشعبي:
هناك ثلاث هيئات قيادية مركزية هي المؤتمر الوطني وهو أعلى سلطة حال انعقاده وقد انعقد ست مرات كان آخرها في إبريل 2000، واللجنة المركزية وهي هيئة وسيطة، والمكتب السياسي ويمثل القيادة التنفيذية للجبهة، ويتولى رئاسة الجبهة أمين عام.[316] وقد ظل جورج حبش (مسيحي أرثوذكسي من مواليد اللد سنة 1926) أميناً عاماً حتى إبريل 2000 عندما قدم استقالته وخلفه أبو علي مصطفى في هذا المنصب. وقد تمكَّن الصهاينة من اغتيال أبي علي مصطفى في أغسطس 2001.
وكانت الجبهة الشعبية تعدُّ الثانية من حيث الشعبية الجماهيرية بين فصائل م.ت.ف (بعد حركة فتح) حتى ظهور التيار الإسلامي منذ النصف الثاني للسبعينيات من القرن العشرين. والذي تم التعبير عنه بعد ذلك من خلال حركة حماس التي ظهرت سنة 1987. ولا تزال تحصل في الانتخابات الطلابية واستطلاعات الرأي على 3 إلى 5% من الأصوات، ولها حضور أكثر تميزاً في الأوساط المسيحية الفلسطينية. 
الكفاح المسلح:
شكلت الجبهة الشعبية ثاني قوة مسلحة بين الفصائل الفلسطينية (إلى أن ظهرت حماس)، ونشطت داخل فلسطين خلال 1968 ـ 1973 خصوصاً في قطاع غزة وجبال الخليل، إلى أن قتل الصهاينة آخر زعمائها محمد محمود الأسمر المعروف بـ"جيفارا غزة" في ربيع 1973. كما قامت بعمليات هجومية عبر الحدود، ودافعت عن الوجود الفلسطيني في المخيمات في الأردن ولبنان. غير أن أكثر ما اشتهرت به هو العمليات الخارجية وخصوصاً اختطاف الطائرات، وكان أولها خطف طائرة "إسرائيلية" في يوليو 1968، أما أشهرها فكانت في سبتمبر 1970، حين خطفت أربع طائرات، ونقلت ثلاث طائرات منها إلى ما أسمته "مطار الثورة" قرب الزرقاء، بعد أن نسفت إحداها في مطار القاهرة. وقد ارتأى الكثيرون أن هذا أعطى المبرر أو دفع السلطات الأردنية بعد ذلك بأيام لمهاجمة قواعد الثورة الفلسطينية وتصفيتها. وقد لاقت عملياتها الخارجية شهرة واسعة وأجبرت العالم على الالتفات للشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه، لكنها في الوقت نفسه لاقت معارضة عالمية كبيرة من الدول اليسارية والشيوعية كروسيا والصين فضلاً عن الدول الغربية، كما لقيت معارضة قوية في أوساط الثورة الفلسطينية نفسها. ورغم أنها أعلنت انتهاء هذا النوع من العمليات لكنها قامت بخطف طائرتين سنة 1973، وشاركت في هجوم على مصفاة للزيت في سنغافورة.[317]
وعلى أي حال، فقد مرَّت عمليات الجبهة الشعبية بمرحلة انحسار منذ منتصف السبعينيات، غير أن مقاتليها لا يزالون يقومون ببعض العمليات بين حين وآخر وخصوصاً بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 ديسمبر 2000. وتعدُّ عملية اغتيالها لوزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي في أكتوبر 2001 من أبرز وأبرع العمليات، وقد نفذتها انتقاماً لاغتيال الصهاينة للأمين العام للجبهة أبو علي مصطفى. وكان زئيفي جنرالاً في الجيش ويُعدُّ من أكثر الصهاينة تشدداً.
الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين:
تمثل هذه الجبهة انشقاق العناصر الأكثر يسارية في معسكر اليسار الفلسطيني الذي كانت تمثله الجبهة الشعبية. وقد اتهم مؤسسو هذه الجبهة رفاقهم في الجبهة الشعبية بأنهم يمينيون!! وحسب نايف حواتمة فإنه ورفاقه نجحوا في فرض برنامج يساري واضح في مؤتمر الجبهة الشعبية المنعقد في أغسطس 1968 (في أثناء وجود جورج حبش في السجن في سوريا)، وانتخب المؤتمر لجنة تنفيذية جديدة سيطر عليها "اليساريون" (حواتمه ورفاقه) بنسبة عشرة إلى خمسة. لكن "اليمينيين" (رفاق حبش) استخدموا القوة لإجبارهم على التخلي عن النتيجة، وقبول قيادة جديدة غالبيتها الساحقة من الجناح "اليميني" وبقي "اليساريون" ممثلين في النهاية بشخص واحد.[318]
وقد احتدم الخلاف بين الطرفين لعدة أشهر مما أدى في النهاية لانشقاق العناصر الأكثر يسارية بقيادة نايف حواتمة (وهو أردني من مواليد السلط سنة 1935 لعائلة مسيحية إنجيلية) ومعه عبد الكريم حمد (أبو عدنان) وقيس السامرائي (أبو ليلى). وأعلنت الجبهة الديموقراطية الشعبية لتحرير فلسطين في 22 فبراير 1969، وحاولت الجبهة الشعبية تصفيتها، لكن حركة فتح قامت بحمايتها. وقد حذفت كلمة الشعبية من اسمها سنة 1975.
تبنت الجبهة الديموقراطية نفس البرنامج السياسي والعقيدة الأيديولوجية التي تبنتها الجبهة الشعبية في أغسطس 1968، غير أنها كانت أكثر "تطرفاً" في تبني الماركسية ـ اللينينية وقد عبَّرت عن نفسها من خلال مجلة الهدف. ويتهمها العديدون بأنها سبب رئيسي وراء جرِّ الثورة الفلسطينية إلى الصدامات مع السلطات الأردنية. إذ رفعت شعار "كل السلطة للمقاومة" قبل معارك أيلول / سبتمبر 1970 بأسابيع، وعقدت في 22 أغسطس 1970 مؤتمراً طالبت فيه بوضع حد لازدواجية السلطة في الأردن وبإعطاء الفدائيين السلطة التامة، وخاضت عدة اشتباكات مع الجيش الأردني على أمل إرغام "فتح" على الانضمام للمعركة. وعندما وقعت معارك أيلول التي أدت إلى ضرب المقاومة الفلسطينية في الأردن وحرمانها من العمل المسلح فيها، لم تتردد الجبهة الديموقراطية في أن تنحي باللائمة على غيرها، مدَّعية أن المقاومة دفعت ثمن سيطرة اليمين على غالبية قيادات فتح!! وقامت الجبهة الديموقراطية بعد هذه الأحداث بمراجعة "نقدية" لأدائها. وقد أصرَّت على منهجها الماركسي ـ اللينيني، لكنها أخذت تتبنى سياسيات أكثر "واقعية" تراعي ـ حسب تقديرها ـ ظروف المرحلة وإمكانات الشعب الفلسطيني.[319]
وإذا كانت الجبهة الديموقراطية بسبب حجمها المحدود (تأتي ثالثاً بعد فتح والشعبية في فصائل م.ت.ف) لم تستطع فرض سيطرتها، فإنها على الأقل أسهمت في تحريك المبادرة السياسية الفلسطينية باتجاه يقترب من أطروحاتها "الواقعية" إذ دعت سنة 1973 إلى "برنامج مرحلي" لتحرير فلسطين، والذي كان أساساً لما تبنته م.ت.ف رسمياً بعد ذلك، فيما عرف ببرنامج النقاط العشر في المجلس الوطني الـ12.[320] وقامت في مرحلة مبكرة منذ 1969 بالاتصال بقوى "اليسار الإسرائيلي"، ثم تبعتها فتح بعد ذلك ثم تبنته م.ت.ف رسمياً سنة 1977.
وقد شاركت الجبهة الديموقراطية في أوَّل مجلس وطني لـ م.ت.ف يعقد بعد تأسيسها (المجلس الوطني السادس 1969) وظلت على عضويتها في المنظمة، وحافظت على علاقات أوثق مع فتح، لكنها رفضت المشاركة في المجلس الوطني السابع عشر الذي عقد في عمان سنة 1984 حيث كانت الساحة تموج بتداعيات الخروج الفدائي الفلسطيني من لبنان، وانشقاق أبو موسى وطرد ياسر عرفات من سوريا، ومحاولة التخلص من أنصاره في شمال لبنان، ثم ذهابه إلى مصر التي كان العرب يقاطعونها بسبب كامب ديفيد. وفي المجلس الوطني الـ 19 قبلت الديموقراطية إعلان الدولة الفلسطينية وأيدت تطبيق القرارات الدولية بما فيها قرار 242. وقد اعترضت الجبهة الديموقراطية على مؤتمر مدريد، وعلّقت عضويتها في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بسبب اتفاقات أوسلو (سبتمبر 1993). وشاركت في تحالف الفصائل العشر، لكنها خالفت الكثير من سياسات حماس إلى أن انفصلت عن هذا التحالف أواخر سنة 1996. ويبدو أنها عانت من عقدة التوفيق بين رغبة قيادتها (حواتمة) بالزعامة والتوجيه على خلفية دوره التاريخي، وبين حجمها الصغير وأيديولوجيتها اليسارية التي فقدت بريقها، وانحسرت عن الساحة الجماهيرية.
تعرضت الجبهة الديموقراطية للانشقاق عندما خرج عنها ياسر عبد ربه (أحد القياديين البارزين) ومؤيدوه في أواخر الثمانينيات حيث حظي بدعم وتأييد ياسر عرفات، وقد أصبح تنظيمه الذي حمل اسم الجبهة الديموقراطية مقرباً من فتح ثم من السلطة الفلسطينية. وحمل هذا التنظيم اسم "فدا" بعد اتفاقات أوسلو، والتي أيدها إلى جانب فتح.
وقد تميزت قيادتها بنوع من "البراجماتية"، وفي أواخر التسعينيات جرت محاولات لدمج الجبهتين الشعبية والديموقراطية، وتشكلت القيادة الموحدة للجبهتين، حيث سعى حواتمة للهيمنة على الشعبية في ظل مرض زعيمها حبش وتقدمه في السن، ولكن الدمج لم يتحقق إلى الآن. ورغم معارضتها لاتفاقات أوسلو، إلا أن شخصياتها قدموا طلبات لدخول مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، وعلى رأسهم حواتمة نفسه. وقام حواتمة بمصافحة رئيس الكيان الإسرائيلي في عمان سنة 2000. كما طالبت الجبهة الديموقراطية بالمشاركة في مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني المستندة أساساً على اتفاقات أوسلو.
ومن الناحية العسكرية فإن البعض كان يعدُّها القوة العسكرية الثانية بعد فتح في أيام السبعينيات، ونفذت عدداً من العمليات المشهورة مثل عملية ترشيحا في 15 مايو 1974 والتي أدت إلى مقتل 27 من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين وجرح نحو 70 آخرين.[321] وكان للجبهة الديموقراطية دور في الدفاع عن المخيمات الفلسطينية في الأردن ولبنان. ويقوم رجالها على فترات متباعدة ببعض العمليات داخل الأراضي المحتلة لكنها تفتقر للقوة والنوعية مقارنة بعمليات حماس والجهاد الإسلامي. وتمكنت في انتفاضة الأقصى الأخيرة من تنفيذ عملية اقتحام نوعية لمستعمرة "إسرائيلية" في قطاع غزة.
الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة:[322]
ترجع جذور تشكيل هذه المجموعة إلى سنة 1959، عندما أنشأ أحمد جبريل (وهو ضابط فلسطيني مُسرَّح من الجيش السوري) حركة فدائية صغيرة اسمها "جبهة تحرير فلسطين". وفي منتصف 1965 بدأت عملها العسكري بعد أن تمكنت من توفير ثلاث مجموعات مقاتلة. وسقط أول شهيد لها "خالد الأمين" في هجوم على مستعمرة "ديشوم" في الجليل الأعلى.
توحدت هذه الجبهة مع "أبطال العودة" و"شباب الثأر" لتشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ديسمبر 1967، لكنها ما لبثت أن انفصلت عنها في أكتوبر 1968 احتجاجاً على برنامجها السياسي الماركسي، ولأنها ترغب في التركيز على العمل العسكري دون الانشغال في المتاهات السياسية. ومع ذلك فقد احتفظت باسم الجبهة الشعبية مضيفة إليها كلمتي "القيادة العامة" للإشارة إلى توجهها العسكري. وعبَّر برنامجها السياسي الصادر عن مؤتمرها الأول المنعقد في نهاية 1968 عن روح قومية عربية. وفي مؤتمرها الثاني في سبتمبر 1969 تبنت بالإجماع الاشتراكية العلمية (الماركسية) وتبنت برنامجاً سياسياً منطلقاً منها. وعبَّرت عن نفسها من خلال مجلة "إلى الأمام"، كما لا تزال تمتلك "إذاعة القدس" التي تبث من لبنان. ومنذ التسعينيات أخذت الجبهة في نبذ الماركسية، وأخذت تتجه أكثر نحو الخطاب القومي الإسلامي، كما يلاحظ في خطابات أحمد جبريل وإذاعة القدس.
وعندما تشكلت م.ت.ف سنة 1964 عدَّتها "جبهة تحرير فلسطين" لُعبة بيد الأنظمة العربية لاحتواء التحركات النضالية الفلسطينية، ولكنها شاركت فيها اعتباراً من أول مجلس وطني ينعقد بعد انفصالها عن الجبهة الشعبية (المجلس السادس في يونيو 1969). وفي 1974 شارك طلال ناجي في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف مندوباً عنها. وقد اعترضت على برنامج النقاط العشر، وانضمت إلى جبهة الرفض ولكنها لم تجمد عضويتها في قيادة م.ت.ف. وفي سنة 1983 دعمت الانشقاق داخل حركة فتح الذي تزعمه أبو موسى، ثم قاطعت المجلس الوطني الـ17 الذي عقد في عمان سنة 1984، وشكَّلت - مع الجبهة الشعبية والصاعقة - جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني، وظلت منذ ذلك الحين على معارضتها القوية لقيادة م.ت.ف ومقاطعتها للمجلس الوطني. ولا تزال تعارض التسوية السلمية ومشاريعها وشاركت ضمن تحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي تشكل لمعارضة اتفاق أوسلو سنة 1993 ولا تزال عضواً في هذا التحالف. ولها علاقات حسنة بحماس والجهاد الإسلامي، وبكل من يشارك في المقاومة المسلحة ضد الصهاينة.
وقد ركزت القيادة العامة على الفعل العسكري وقامت بعدد من العمليات الجريئة مثل عملية الخالصة في 11 إبريل 1974، وأم العقارب في 14 يونيو 1974. ونجحت سنة 1979 في إرغام الكيان الصهيوني على إطلاق سراح 78 أسيراً فلسطينيا مقابل الإفراج عن أسير صهيوني.[323] كما نجحت عام 1985 في إطلاق سراح 1150 من السجناء والأسرى الفلسطينيين مقابل تسليم ثلاث جنود صهيونيين كانوا أسرى لديها. وفي 25 نوفمبر 1987 نفذ الشهيد خالد أكر عملية الطائرة الشراعية التي أدت إلى مقتل ستة جنود صهاينة، وكانت أحد شرارات تفجير الانتفاضة الفلسطينية المباركة في 9 ديسمبر 1987. وقد حظيت هذه الجبهة بشكل عام بدعم سوريا وليبيا.
وقد تعرضت هذه الجبهة لانشقاق أحمد زعرور الرجل الثاني فيها سنة 1969 والذي شكل منظمة فلسطين العربية، كما انشقت عنها مجموعة بقيادة محمد عباس (أبو العباس) الذي أطلق على تنظيمه اسم "جبهة التحرير الفلسطينية" وهو الاسم القديم الأول لهذه الجبهة. وقد حظي أبو العباس بدعم من العراق ثم من فتح. وقد تعرضت الجبهة التي قادها أبو العباس هي الأخرى للانشقاق فانفصل عنها أبو جابر آخر سنة 1983، وانقسمت على نفسها سنة 1983 إلى ثلاث أجنحة: جناح أبو العباس، وجناح طلعت يعقوب، وجناح عبد الفتاح غانم. وعاد أبو العباس ليهيمن على الجبهة بعد وفاة طلعت يعقوب سنة 1988، غير أن انشقاقاً آخر حدث في سنة 1993 على خلفية الموقف من اتفاقيات أوسلو، فانقسمت إلى فصيل مؤيد لأوسلو بقيادة أبو العباس وآخر معارض لها بقيادة أبو نضال الأشقر.
وللجبهة الشعبية (القيادة العامة) تواجد عسكري وسياسي في لبنان وسوريا، غير أنها تفتقر للقاعدة الجماهيرية في الداخل.
طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة):[324]
تم تشكيل هذه المنظمة سنة 1967 بناء على قرار حزب البعث العربي السوري في مؤتمره التاسع بدمشق سنة 1966، وبالطبع فإن هذه المنظمة ذات توجه قومي. ويتركز تواجدها في سوريا وحيث يكون النفوذ السوري في لبنان. وكانت تعدُّ فصيلاً كبيراً في أواخر الستينيات، وكان لها تواجدها في الساحة الأردنية 1967 ـ 1970، وحاولت إسقاط نظام الحكم في الأردن عن طريق بعض ضباط الجيش الأردني. وقد كان لها تمثيل قوي في م.ت.ف، وتولى زهير محسن أمينها العام رئاسة الدائرة العسكرية في المنظمة. لكنها عبَّرت بشكل عام عن التوجهات الرسمية للحكومة السورية فوقفت مع انشقاق أبي موسى (فتح الانتفاضة) في مايو 1983، ومع طرد عرفات من سوريا 24 يونيو 1983، ومع حصار مخيمات شمال لبنان وإرغام عرفات ومؤيديه على الانسحاب من طرابلس في ديسمبر 1983.
وقد قاطعت الصاعقة المجلس الوطني السابع عشر في عمان سنة 1984، وشاركت في جبهة الإنقاذ الفلسطينية المناهضة لعرفات وقيادة م.ت.ف، كما شاركت ـ ولا تزال تشارك ـ في تحالف الفصائل العشر المعارض لاتفاقيات أوسلو.
ورغم أن الصاعقة مدعومة بإمكانات سوريا إلا أنها تفتقر للقاعدة الشعبية في الداخل وفي مخيمات الفلسطينيين في الأردن.
جبهة التحرير العربية:[325]
تشكلت في إبريل 1969 بتوجيه ودعم من العراق، وانضمت إليها كوادر حزب البعث العربي الموالي للعراق، وتألفت أكثرية عناصرها من أفراد من العراق ولبنان والأردن وأقلية من الفلسطينيين، وتبنت الطرح القومي. ومنذ نشأتها وحتى أحداث أيلول / سبتمبر 1970 استفادت من تواجد الجيش العراقي في الأردن. لكنها واجهت مشكلة توفر قواعد لها بعد خروج المقاومة من الأردن، خصوصاً وأن سوريا أغلقت الباب في وجهها بسبب خصومة البعثَيْن في سوريا والعراق، وحدث أن صادرت سوريا أسلحتها أو قبضت على رجالها.
واحتفظت الجبهة بمراكز لها في جنوب لبنان، وشاركت في الدفاع عن المخيمات الفلسطينية وقامت بعدد من العمليات الموجهة إلى داخل فلسطين، واكتسبت حجمها من دور العراق وحجمه في القضية الفلسطينية، وكانت ممثلة في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بالدكتور المؤرخ عبد الوهاب الكيالي. وقد انضمت لجبهة الرفض سنة 1974 دون أن تنسحب. ونبعت مواقفها السياسية من العسكرية وغيرها من مواقف العراق. وهي بشكل عام تفتقر كثيراً إلى القاعدة الشعبية. ويتولى قيادتها حالياً ناصيف عواد. وهناك مجموعة منشقة عنها تحمل الاسم نفسه بقيادة جميل شحادة ولها وجود ضعيف في الداخل.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس):
ظهر اسم حركة المقاومة الإسلامية مع انطلاق الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1987. ولكن الحركة عرَّفت نفسها منذ البداية بأنها "جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين". والحقيقة أن حماس هي أحد أشكال المقاومة التي قرر الإخوان المسلمون الفلسطينيون تبنيها ضمن تاريخهم الطويل في العمل الشعبي والمقاوم. وبالتالي فإن حماس لم تأت من فراغ، وإنما هي استمرار لعملهم الذي نشأ في فلسطين منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين، واتخذ شكل العمل العلني المنظم وافتتاح الفروع والمقرات منذ أواخر سنة 1945 حتى وصلت نحو خمس وعشرين فرعاً قبل حرب 1948. وهي امتداد لعملهم الجهادي ضد المشروع الصهيوني (والذي يعتبرونه جزءاً من عقيدتهم) منذ أن شاركوا بقوة في حرب 1948، وفي عمليات المقاومة في قطاع غزة 1953 ـ 1955، وفي معسكرات الشيوخ (تحت غطاء حركة فتح) في 1968 ـ 1970، وفي محاولات الشيخ أحمد ياسين المبكرة في أوائل الثمانينيات إلى أن كُشف تنظيمه العسكري (المجاهدون الفلسطينيون) واعتقل سنة 1984. وفي صيف عام 1985 اتخذت قيادة الإخوان المسلمين قراراً باستغلال أية أحداث للاشتراك في المواجهة ضد الاحتلال، أي قبل سنتين من بدء الانتفاضة. وقد استشهد اثنان من شباب الإخوان في المواجهات التي شهدتها جامعة بيرزيت سنة 1986. غير أن الجديد في حركة حماس أنها:
1. حسمت حالة "التقطَّع" في الأداء الجهادي الإخواني، وحولته إلى حالة دائمة مستمرة. 
2. وفرت غطاء حركياً مقاوماً لجماعة الإخوان، يتسم بالمؤسسية التنظيمية والسياسية والعسكرية، وله قيادته السياسية المعلنة. 
3. نقلت الوضع الداخلي للإخوان الفلسطينيين نقلة نوعية، بحيث أصبح العمل التنظيمي والتربوي والتعبوي يخدم الفعل الجهادي واستراتيجية المقاومة. 
4. حسم ظهور حماس حالة النقاش التي استمرت سنوات طويلة حول "جدلية الدولة والمقاومة"، أي هل ينتظر الإخوان إقامة الدولة الإسلامية حتى يبدأ مشروع التحرير أم لا. وكان الحسم باتجاه أن مشروعي الدولة الإسلامية ومقاومة العدو الصهيوني خطّان متوازيان مكملان لبعضهما البعض، ويسيران جنباً إلى جنب دونما تعارض. 

وقد تمكنت حماس منذ البداية من الاستناد على أسس أيديولوجية وحركية وشعبية صلبة، مكّنتها من الوقوف في وجه الضربات القاسية التي تلقتها من الكيان الصهيوني ومن السلطة الفلسطينية بعد ذلك، وقد أعانها على ذلك:
1. عراقة وقدم التنظيم الإخواني الفلسطيني، إذ أنه أقدم تنظيم حركي فلسطيني، لا يزال يحتفظ بفاعليته على الساحة. 
2. تراث الإخوان المسلمين العالمي الفكري والدعوي والتربوي الضخم، الذي أنتجته مدرسة الشيخ حسن البنا ومفكروها في بلدان العالم منذ الثلاثينيات وحتى الآن. مما ساعدها كثيراً في تحديد الرؤية والأولويات والمواقف منذ مراحل مبكرة من نشأتها. 
3. استناد الإخوان إلى ماضٍ جهادي مقاوم يفخرون به منذ 1948. 
4. شمولية دعوة الإخوان وتكاملها، بحيث لم تركز على مشروع المقاومة العسكرية فقط. وإنما مثلت دعوة إصلاح ومدرسة تربوية وهيئة اجتماعية خيرية. وتغلغلت في أوساط الناس، بحيث استفادت من هذه الأنشطة في تجنيد عناصرها وتجديد نفسها، مما جعل عملية اقتلاعها أمراً يكاد يكون مستحيلاً. 
وهذا ما يفسر أن حماس منذ نشأتها لم تبدأ من ذيل القائمة الطويلة لمنظمات المقاومة الفلسطينية، وإنما قفزت مباشرة لتكون المنافس الأول والقوي لحركة فتح التي تعد العمود الفقري لـ م.ت.ف. إذ إن حركة الإخوان المسلمين بدأت تسترد عافيتها في الوسط الفلسطيني منذ منتصف السبعينيات، وبدأت تفوز في الانتخابات الطلابية في الجامعات منذ أواخر السبعينيات. ومن الجدير بالذكر أن هذه الحالة لم تكن متعلقة فقط بالداخل الفلسطيني فقط. وإنما شملت الفلسطينيين خصوصاً في الأردن والكويت وأوربا والولايات المتحدة. ففي آخر مارس 1976 نزل الإسلاميون الفلسطينيون المحسوبون على تيار الإخوان في (قائمة الشباب المسلم) في انتخابات الاتحاد العامل لطلبة فلسطين في ثانوية حولي بالكويت، وهي المدرسة التي كانت تتبع م.ت.ف في دوامها المسائي، وفيها أكثر من 1200 طالب فلسطيني، حيث كانت أكبر معقل طلابي فلسطيني منفرد. وقد تقاسموا مع فتح المقاعد الخمسة حيث فازت فتح بالكاد بثلاثة مقاعد بينما فازوا بمقعدين اثنين. وكانت هذه أول إشارة لعودة الإسلاميين الفلسطينيين إلى الساحة. ثم شكَّلت (قائمة الحق الإسلامية) القائمة الأقوى في انتخابات الاتحاد العام لطلبة فلسطين في جامعة الكويت خلال السنتين الدراسيتين 77/78 و78/79 حيث قادها في سنتها الأولى خالد مشعل الذي أصبح فيما بعد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقد تعمدت قيادة الاتحاد "الفتحاوية" تعطيل الانتخابات لسنتين متواليتين لخشيتها من خسارتها في الانتخابات أمام الإسلاميين، الذين تركوا الاتحاد في النهاية وشكلوا الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين.
ويبدو أن قرار اختيار الاسم قد اتخذ بالتنسيق بين الداخل والخارج، غير أن قيادة الخارج أعطت للداخل صلاحية اختيار التوقيت المناسب، وعندما وقعت حادثة دهس أربعة من العمال الفلسطينيين في 8 ديسمبر 1987، اجتمعت قيادة الإخوان في قطاع غزة ليلتها وقررت تثوير الوضع وهو ما بدأ فعلاً بعد صلاة فجر 9 ديسمبر 1987 عندما خرجت المظاهرات من مخيم جباليا وكان اثنين من تيار الإخوان هما أول شهيدين دشَّنا بدء الانتفاضة المباركة في فلسطين. وهما حاتم أبو سيس ورائد شحادة.[326] وفي 14 ديسمبر 1987 أصدرت حركة المقاومة الإسلامية بيانها الأول الذي عبر عن مجمل سياساتها وتوجهاتها.[327]
الطرح السياسي والفكري:
ترتكز هوية حماس الأيديولوجية وطرحها السياسي والفكري على النقاط التالية:[328]
1. أنها حركة جهادية شعبية إسلامية تستند في فكرها ووسائلها وسياساتها ومواقفها إلى تعاليم الإسلام وتراثه الفقهي. 
2. تؤمن بتوسيع دائرة الصراع ضد المشروع الصهيوني إلى الإطارين العربي والإسلامي، وأن تحرير فلسطين لن يتم إلا بتضافر جهود المسلمين جميعاً، وأن الإسلام هو المؤهل الوحيد لتفجير طاقات الأمة وتحرير الأرض المقدسة. 
3. تؤمن أن قضية فلسطين قضية إسلامية أساساً، وأنها أمانة في عنق كل مسلم. وأن تحريرها فرض عين على كل مسلم حيثما كان. 
4. تعتقد أن الصراع مع العدو الصهيوني، هو صراع حضاري مصيري ذو أبعاد عقدية. 
5. ترى أن مصالح الاستعمار الغربي الاستراتيجية والاقتصادية وخلفياته الثقافية والدينية قد التقت مع المطامع اليهودية الصهيونية في إنشاء دولة لليهود في فلسطين، حتى تُفرِّق الأمة العربية والإسلامية، وتمزق وحدتها، وتبقيها ضعيفة متخلفة تدور في فلك التبعية. 
6. تؤمن أن المعركة مع العدو اليهودي ـ الصهيوني معركة وجود وليس معركة حدود، وأنها معركة تتوارثها الأجيال، وأنها صورة من صور الصراع بين الحقِّ والباطل. 
7. تُميِّز الحركة بين اليهود بوصفهم أهل كتاب لهم أحكامهم الخاصة في كتب الفقه، حيث تُحفظ حرماتهم، وتصان حقوقهم المدنية وحريتهم الدينية في إطار الدولة الإسلامية، وبين اليهود المعتدين الذين اغتصبوا فلسطين فوجب حربهم وقتالهم ليس لكونهم يهوداً وإنما لكونهم محتلين غاصبين لأرض المسلمين. 
8. ترى أن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، لكنها ترى أن الجهاد يجب أن يستند إلى منظومة متكاملة: سياسية وتربوية واجتماعية واقتصادية لتوفير شروط النهضة الحضارية وحركة التغيير لبناء متكامل لجيل الجهاد والتحرير. 
9. تؤكد على أن شعب فلسطين هو رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني، وأنه لا بد من إعداده ودعمه بكافة الوسائل ليقوم بدوره المنشود. 
10. تسعى للجمع بين خصوصيتها الحالية كحركة وطنية فاعلة في الساحة الفلسطينية، وبين تسليمها بأن تحرير فلسطين يستدعي في النهاية حركة أو نموذجاً إسلامياً شاملاً. 
11. ترى أن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة لا يصح التفريط أو التنازل عنها أو عن أي جزء منها. 
12. تُقرُّ حماس التعددية السياسية، واختلاف وجهات النظر، مع سعيها لإيجاد قواسم مشتركة للتصدي للمشوع الصهيوني.
13. تُقرُّ حماس التعددية الدينية، وترى أن المسيحيين شركاء في الوطن، ولهم من الحقوق والواجبات مثل غيرهم، وأنهم يجب أن يأخذوا نصيبهم كاملاً في مقاومة الاحتلال. 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:27 am

أهداف حماس:[329]
تتلخص أهداف حماس الاستراتيجية في:
1. تحرير كل فلسطين من نهرها إلى بحرها من العدو الصهيوني. 
2. إقامة الدولة الإسلامية على أرض فلسطين. 
ولحماس أهداف مرحلية، تسعى لتحقيقها وصولاً للأهداف الاستراتيجية:
1. تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة أي الأرض المحتلة سنة 1967. 
2. أسلمة المجتمع الفلسطيني، ونشر الأخلاق والمثل الإسلامية، والوعي والالتزام الإسلامي، باعتبارها أدوات أساسية لصمود الشعب وبدء مشروع التحرير. 
3. الحفاظ على جذوة الجهاد وخيار الكفاح المسلح في وجه مشروع التسوية. 
4. تفعيل العمق العربي والإسلامي باتجاه دعم قضية فلسطين. 
5. محاربة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإيقاف مشروع الاختراق الصهيوني للمنطقة. 
6. إنهاك الكيان الصهيوني أمنياً واقتصادياً، وفضح ممارساته التعسفية، وكشف الظلم الذي يحيق بالشعب الفلسطيني. 
7. تحقيق وحدة وطنية فلسطينية تجتمع على برنامج المقاومة والتحرير. 
مواقف حماس وسياساتها:
أ. فلسطينياً:[330]
القاعدة الأساسية التي تحكمها هي التعاون والتنسيق (أو على الأقل التنافس) مع مختلف الجهات في مشروع التحرير ومواجهة الاحتلال والحد من أخطاره.
موقفها من م.ت.ف:
وحسب ميثاقها فإنها تنظر باحترام إلى الحركة الوطنية الفلسطينية وم.ت.ف. وتقدر جهودها والظروف التي أحاطت بها، لكنها ترفض الفكرة العلمانية، لأنها تؤمن أنها لن تؤدي إلى التحرير. وأكدت حماس على قاعدة الوحدة الوطنية، وحرمة الدم الفلسطيني، وتجنُّب أي اقتتال فلسطيني ـ فلسطيني.
وعندما عرضت م.ت.ف على حماس الدخول في إطارها، رفضت حماس إلا بشروط أهمها رفض التفريط بأي جزء من أرض فلسطين، ورفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وبقرارات الأمم المتحدة التي تنتقص من حق الشعب الفلسطيني. كما طالبت بـ40% من مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني، وقد رفضت قيادة م.ت.ف هذه الشروط.
الموقف من الفصائل الفلسطينية:
احتكمت حماس إلى مبادئها وإلى قاعدة التعاون والتنافس في تحرير فلسطين وفي ضرب المشروع الصهيوني، ورفض الاعتراف بالكيان "الإسرائيلي". وقد واجهت في البداية مصاعب كبيرة في التعامل مع حركة فتح التي كانت تخشى من النفوذ المتزايد لحماس على حسابها. ولكن حدثت عدة لقاءات بين الطرفين وجرى أكثر من اتفاق لتجاوز الحساسيات ولتحقيق التنسيق الميداني، ولكن الأمر لم يكن يخلو من حالات احتقان متبادلة كانعكاس طبيعي للتنافس بين أكبر فصيلين فلسطينيين. وتحسنت العلاقات مع اندلاع انتفاضة الأقصى (سبتمبر 2000) حيث اقتربت فتح أكثر من سياسات حماس في عمليات المقاومة وتفعيل الانتفاضة.
وتعاونت حماس مع الفصائل الوطنية الأخرى وخصوصاً المعارضة لاتفاق أوسلو، حيث كانت العمود الفقري لتحالف الفصائل الفلسطينية العشر الذي تشكل في أواخر سنة 1993 لمواجهة اتفاق أوسلو.

ولحماس علاقة أكثر تميزاً مع حركة الجهاد الإسلامي بوصفها الأقرب من الناحية الأيديولوجية. وكثيراً ما يُنسِّق الطرفان مواقفهما السياسية ويتحالفان في الانتخابات الطلابية، ويتعاونان أحياناً في تنفيذ العمليات العسكرية.
الموقف من التسوية السلمية:[331]
ترتكز حماس على الأسس الشرعية في رفض التسوية السلمية حسب موقف العلماء الموثوقين. ولذلك فإن موقفها يتسم بالمبدئية والعقدية ولا يترك مجالاً للمناورة، إلا ضمن الحدود التي تقبل بها اجتهادات العلماء.
وترى حماس أن التسوية السلمية في كل صيغها الحالية (فلسطينياً وعربياً ودولياً وإسرائيلياً) تنطوي على التفريط بمعظم أرض فلسطين، كما ستنطوي في النهاية على التفريط بحق ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم المحتلة، إذ يستحيل على الكيان الإسرائيلي قبول هذا الشرط لأنه سيُفقده طابعه اليهودي، الذي نشأ المشروع الصهيوني لأجله.
ولا تمانع حماس من فكرة عقد الهدنة لزمن محدود مع الكيان الصهيوني مقابل الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، بشرط عدم إعطاء الشرعية لهذا الكيان على الأرض المغتصبة سنة 1948. وهذا ما يكاد يكون قبوله مستحيلاً من الطرف "الإسرائيلي" إلا بمزيد من العمل الجهادي المؤثر الذي يضطر الكيان للانسحاب ـ وفق حسابات الربح والخسارة ـ كما حدث في جنوب لبنان، وإن كان الأمر في الضفة والقطاع أشد صعوبة.
وتسعى حماس إلى إسقاط خط التسوية في الوسط الفلسطيني والعربي، وإحياء وتفعيل الخط الجهادي. وترى أن اتفاق أوسلو جاء لتصفية القضية الفلسطينية، وأضاع معظم حقوق الفلسطينيين، ويوفر الأمن للصهاينة، ويقمع العمل الجهادي الفلسطيني.
الموقف من السلطة الفلسطينية (سلطة الحكم الذاتي):[332]
ترى حماس أن سلطة الحكم الذاتي في الضفة والقطاع هي إفراز من إفرازات اتفاق أوسلو، وأن الصهاينة وافقوا على إنشائها لأنها تُؤمِّن لهم الكثير من المكاسب. وتعارض حماس المشاركة في المؤسسات السياسية للحكم الذاتي فقد قاطعت انتخابات المجلس التشريعي للسلطة، كما رفضت المشاركة في حكومتها.
وفي الوقت نفسه، رفضت حماس الدخول في مواجهات مع السلطة، وأكدت على حرمة الدم الفلسطيني، وعدم الانجرار إلى حرب أهلية تخدم في النهاية المشروع الصهيوني. وقد اضطرت أن تعض على جراحها لسنوات عندما قامت سلطة الحكم الذاتي بالعديد من حملات الاعتقال والتعذيب والملاحقة لعناصرها، ورفضت الرد على ذلك رغم شدة المعاناة. وكانت عادة ما توجِّه انتقامها إلى "الكيان الإسرائيلي" باعتباره جوهر المشكلة والمسئول أساساً عن دفع السلطة إلى سياساتها التعسفية ضد المعارضة.
ب. عربياً وإسلامياً:[333]
الاهتمام بالبعد العربي والإسلامي هو جزء من إيمانها العقدي بالحل الإسلامي للقضية وتوسيع دائرة الصراع ضد العدو الصهيوني. وكان أبرز معالم سياستها:
1. تبادل التأييد والمؤازرة مع الحركات الإسلامية وتوثيق العلاقات معها على خلفية الاهتمام بإنجاح المشروع الإسلامي في أقطارها باعتباره خطوة في طريق التحرير، وعلى خلفية دفعها باتجاه الإسهام في العمل لفلسطين وقضيتها. 
2. عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وعدم الدخول في محاور صراع بين هذه البلدان، أو تأييد طرف ضد آخر. 
3. عدم إنشاء تنظيمات لحماس خارج فلسطين إلى الآن. مما قلَّل من فُرص الاحتكاك والانزعاج الأمني العربي. 
4. محاولة بناء علاقات سياسية مثمرة مع الدول العربية، تمكِّن حماس من العمل بحرية سياسياً وإعلامياً، توفر لها الدعم غير المشروط، وتُسهم في تصليب مواقف هذه الدولة ضد التسوية وضد التطبيع. 
وقد نجحت حماس في تحقيق درجات متفاوتة من العلاقة مع عدد من الدول العربية مثل سوريا، والسعودية، واليمن، والكويت، والعراق، والسودان، وليبيا، وقطر، ولبنان. ولها علاقة جيدة بإيران. وتذبذبت علاقتها مع الأردن بين الترحيب وإنشاء المكاتب، وبين الاعتقال والطرد وسحب الجنسيات. ولحماس شعبية كبيرة في الأوساط العربية والإسلامية، حيث يلقى تركيزها على العدو الصهيوني وعملياتها الاستشهادية وتجنبها خوض الصراعات الجانبية تقديراً كبيراً.
ج. دولياً:[334]
في البداية لم يكن حجم الحركة وشهرتها يسمحان لها بالاهتمام ببناء علاقات دولية، كما أن دول العالم كانت تركز نظرها على م.ت.ف وفصائلها. غير أن إنجازات حماس على الأرض وظهورها كثاني أكبر فصيل فلسطيني وبروزها كمنافس محتمل أو بديل لقيادة م.ت.ف ... جعل بعض دول العالم تبدي اهتماماً في الاستماع إلى وجهة نظرها. وقد ظهر هذا التحول خصوصاً إثر أزمة إبعاد 415 فلسطينياً معظمهم من حماس في ديسمبر 1992 والتي شغلت العالم بضعة أشهر. وجرت بعض الاتصالات السرية مع سفارات بعض الدول الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا .. لكنها سرعان ما توقفت خشية من ردود الفعل "الإسرائيلية" ... وقد تركزت سياسة حماس على الصعيد الدولي في:
1. التأكيد على أن معركتها داخل فلسطين فقط، وضد العدو الصهيوني المحتل. 
2. عدم استهداف أو ضرب المصالح الأمريكية أو الغربية. وتجنب فتح معارك معها. 
3. التأكيد على حجم الظلم والإجحاف الذي ألحقه الغرب بفلسطين وشعبها من خلال بريطانيا وأمريكا وحلفائهما، وعلى مسئوليتهم التاريخية تجاه ذلك. 
4. محاولة الاستفادة من القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تجيز مقاومة الاحتلال، واستخدام المصطلحات السياسية السائدة عالمياً لإيصال خطابها السياسي. 

هوامش الكتاب
________________________________________
[309] انظر: فوزي تيم، "القوى السياسية الفلسطينية: القسم الأول: القوى العلمانية"، في المدخل إلى القضية الفلسطينية، ص 358. والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18.
[310] رياض الريس، مرجع سابق، ص 51.
[311] المرجع نفسه، ص 49.
[312] المرجع نفسه، ص 52 ـ 53، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[313] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[314] المرجع نفسه، ج2، ص 15 ـ 17.
[315] انظر حول المجالس الوطنية الفلسطينية في: المرجع نفسه، ص 94 ـ 121، وانظر حول برنامج النقاط العشر، وموقف الجبهة الشعبية منه في: فيصل حوراني، مرجع سابق، ص 183 ـ 220.
[316] انظر التشكيل التنظيمي للجبهة في: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 15.
[317] حول هذه العمليات، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 55 ـ 59، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18.
[318] رايض الريس، مرجع سابق، ص 61.
[319] انظر: المرجع نفسه، ص 64 ـ 66، والموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 12.
[320] الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 12 ـ 13.
[321] المرجع نفسه، ج1، ص 539 ـ 540.
[322] حول القيادة العامة، انظر: الموسوعة الفلسطينية، ج2، ص 18 ـ 22، ورياض الريس، مرجع سابق، ص 69 ـ 71.
[323] انظر: المرجع نفسه، ج2، ص 314 (حول عملية الخالصة)، وج1، ص 290 ـ 291 (حول عملية أم العقارب)، وج2، ص 22 (حول عملية إطلاق الأسرى الـ 78).
[324] حول الصاعقة، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 73 ـ 78، والموسوعة الفلسطينية، ج3، ص 114 ـ 116.
[325] حول جبهة التحرير العربية، انظر: رياض الريس، مرجع سابق، ص 79 ـ 83، والموسوعة الفلسطينية، ج1، ص 514 ـ 518.
[326] انظر: غسان حمدان، الانتفاضة المباركة: وقائع وأبعاد (الكويت: دار الفلاح، 1989)، ص 36 ـ 38.
[327] انظر نص البيان في: وثائق حركة المقاومة الإسلامية، سلسلة بيانات الحركة، رقم 1، إعداد المكتب الإعلامي لحماس (دون مكان: المكتب الإعلامي لحماس، دون تاريخ)، ص 17 ـ 18.
[328] انظر حول الطرح الفكري والسياسي للحركة في: ميثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي صدر في 19 أغسطس 1988، والمنشور في المرجع السابق نفسه، ص 137 ـ 168. وانظر: جواد الحمد وإياد البرغوثي (محررين)، دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) 1987 ـ 1996، سلسلة دراسات رقم 20 (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1997)، ص 117 ـ 221.
[329] حول أهداف حماس، انظر مثلاً: محمد برهومة، "أهداف حركة (حماس)"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 55 ـ 77، 99 ـ 105.
[330] حول مواقف حماس فلسطينياً، انظر مثلاً: عبد الحفيظ علاوي وهاني سليمان، "علاقات الحركة على الساحة الفلسطينية"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 263 ـ 285.
[331] حول موقف حماس من التسوية، انظر مثلاً: أحمد عبد العزيز، "حركة حماس والتفاوض والتسوية مع إسرائيل"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 225 ـ 240.
[332] حول موقف حماس من سلطة الحكم الذاتي، انظر مثلاً: المرجع نفسه، ص 241 ـ 256. ومحسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 209 ـ 218.
[333] انظر مثلاً: عبد الحفيظ علاوي وهاني سليمان، "علاقات الحركة على الساحة العربية والإسلامية"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 287 ـ 291.
[334] انظر مثلاً: المرجع نفسه، ص 293 ـ 301.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70063
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Empty
مُساهمةموضوع: رد: 2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001   2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001 Emptyالإثنين 02 ديسمبر 2013, 7:27 am

بنية حماس التنظيمية وقيادتها:[335]
في 18 أغسطس 1988 أصدرت حماس ميثاقها، وبدأت عملياتها العسكرية باختطاف وقتل جندي "إسرائيلي" في فبراير 1989. وشنَّت القوات "الإسرائيلية" حملة شاملة ضدها في مايو 1989 أدت لاعتقال معظم قيادتها، وعلى رأسها الشيخ المؤسس أحمد ياسين. وتوالت حملات الاعتقال، لكن حماس كانت قادرة على تقديم قادة جدد وعلى الاستمرار في أصعب الظروف. وتطور عمل حماس العسكري، فأنشأت كتائب "الشهيد عز الدين القسام" في 1992 التي مثَّلت جناحها العسكري الضارب. وشكلت عملية إبعاد 415 شخصاً معظمهم من قادتها ورموزها ورجالها (نحو 380) علامة فاصلة، حيث نجحت حماس في المعركة الإعلامية، واضطر الكيان الصهيوني إلى إعادتهم.
ونجحت حماس في تطوير عملها في 1993، لكنها ووجهت باتفاق أوسلو، مما حرمها من فرص النمو والتوسع. ولاقت مصاعب جمة بسبب ممارسات السلطة ضدها 1994 ـ 2000، لكنها ظلَّت محافظة على شعبيتها وحضورها السياسي وعلى عملياتها النوعية القاسية ضد العدو الصهيوني.
ويظهر من خلال أدبيات حماس أن لها عملاً مؤسسياً مبنياً على الشورى، لكنها تحرص على عدم الكشف عن آلياته لأسباب أمنية. ولحماس مكتب سياسي يترأسه خالد مشعل منذ 1996 وقد سبقه إلى هذا المنصب موسى أبو مرزوق وهو يتولى الشئون السياسية للحركة وتمثيلها. كما أن لها مكتباً إعلامياً، فضلاً عن الجهاز العسكري الذي يعمل باستقلالية شبه تامة عن الخطين السياسي والإعلامي. ومن أبرز رموز حماس في الداخل في قطاع غزة مؤسسها ومرشدها الشيخ أحمد ياسين، ود. عبد العزيز الرنتيسي، ود. محمود الزهار، وفي الضفة الغربية جمال منصور، وجمال سليم، وقد استشهدا في 31 يوليو 2001، وجمال النتشة وحسن يوسف، وفي الخارج خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق، ومحمد نزال، وإبراهيم غوشة وغيرهم.
التأييد الشعبي:[336]
تحظى حماس بتأييد شعبي كبير في الأوساط الفلسطينية. وعادة ما تحصل في الانتخابات الطلابية والنقابات المهنية التي تشارك بها في داخل فلسطين على معدَّل عام بحدود 40 ـ 45% من الأصوات. كما أن التيارات الإسلامية المؤيدة لحماس تحظى بالشعبية نفسها أو أكثر في انتخابات الطلاب والنقابات والمخيمات في الأردن. وحسب استطلاعات الرأي العام التي تقوم بها جهات محسوبة عادة على م.ت.ف فإن حماس تحصل على 14 ـ 19% من الأصوات. ومن الصعب الركون إلى النتائج السابقة بسبب تشتت الشعب الفلسطيني، وبسبب أن الانتخابات التي شاركت بها تمثل شرائح معينة من الشعب، كما أن هناك ملاحظات على دقة مراكز استطلاعات الرأي العام من حيث توجهها وتمويلها.
حماس والعمل العسكري:[337]
ترى حركة حماس أن العمل العسكري هو خيار استراتيجي دائم، وتتعامل مع المعركة باعتبارها معركة طويلة الأمد، ربما تتداولها الأجيال. وهي في مثل أجواء التسوية السلمية وحالة استضعاف الأمة تسعى لإبقاء جذوة الجهاد مرفوعة تعبيراً عن عدم التفريط بالأرض المقدسة. ولكن الذي عقَّد الأمر في وجه حماس أنها أقبلت على الخيار العسكري حين أدبر الآخرون، وسارت عكس التيار، لكنها على أي حال تمكنت من إثبات نفسها.
بدأت حماس عملياتها باختطاف الجندي آفي ساسبورتس في 3 فبراير 1989 وقتله، عن طريق جناحها العسكري "المجاهدون" بقيادة الشيخ صلاح شحادة، لكن سرعان ما ضُرب هذا الجناح العسكري في مايو 1989 إثر الحملة الشرسة التي قادتها سلطات الاحتلال. وتعزى بدايات تشكيل جناحها العسكري الحالي "كتائب عز الدين القسام" إلى مايو 1990 حيث أخذت عملياتها تتزايد وتشتد قوة وتأثيراً. وحسب إحدى الإحصائيات نفذت حماس سنة 1993 ما مجموعه 138 عملية خسر الكيان الإسرائيلي حسبما أعلن بنفسه 79 قتيلاً و220 جريحاً. واستشهد في 24 نوفمبر 1993 عماد عقل وهو أحد أبرز قادتها العسكريين.
ومنذ سنة 1994 زادت صعوبات العمل الجهادي إثر دخول السلطة الفلسطينية إلى مناطق الضفة والقطاع، ومع ذلك فإن الفعالية النوعية لأدائها قد تزايدت. وقامت حماس بتنفيذ خمس عمليات قاسية انتقاماً لمجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها الضابط الإسرائيلي باروخ جولدشتاين في المسلمين في أثناء تأديتهم لصلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي مما أدى لاستشهاد 29 مسلماً وجرح أكثر من 300 آخرين (استشهد وجرح الكثير إثر المواجهات التي أعقبت المجزرة). وتمكنت حماس في العمليات الخمس ـ وحسبما ذكرته المصادر الإسرائيلية ـ من قتل ما مجموعه 39 إسرائيلياً وجرح 158. وقد برز نجم يحيى عياش في تلك الفترة، الذي اعتبر مسئولاً عن العمليات الاستشهادية التي اشتهرت بها حماس، حتى إن المحللين الإسرائيليين اعترفوا أن "حماس قد صكَّت نماذج جديدة للإنسان الفلسطيني وهم الاستشهاديون الجدد".

وفي يوم 5 يناير 1996 استشهد يحيى عياش، وقد ردَّت حماس بقسوة على استشهاده في الفترة 25 فبراير ـ 3 مارس 1996 مما أسفر عن قتل 45 "إسرائيلياً" وجرح 113 آخرين حسب المصادر الإسرائيلية التي تجنح دائماً للتقليل من خسائرها. وقد أدت هذه العمليات إلى حملة شرسة منسقة لاجتثاث حماس تولتها السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية، كما استدعت عقد مؤتمر دولي لما أسموه "مكافحة الإرهاب" بحضور زعماء الدول الكبرى وعدد من زعماء العرب والعالم. لكن حماس تمكنت من استيعاب الصدمة حيث عادت للعمليات العسكرية التي ظهرت بشكل واضح سنة 1997 وبرز في القيادة العسكرية محي الدين الشريف وعادل عوض الله وعماد عوض الله الذين استشهدوا سنة 1998. وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى كانت حماس اللاعب الأكبر في العمليات الجهادية الكبيرة وخصوصاً الاستشهادية التي هزت الكيان الصهيوني وأحدثت توازن ردع حقيقي لأول مرة. وقد كانت عمليات كثيرة يصعب حصرها ومن أبرزها عملية سعيد الحوتري التي أدت إلى مقتل نحو 20 إسرائيلياً وجرح مائة آخرين.
حركة الجهاد الإسلامي:
شهدت سنة 1980 إنشاء حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين، والتي قام بتأسيسها عدد من الشباب الفلسطيني الدارس في الجامعات المصرية برئاسة الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله.
وكان الدكتور الشقاقي قد انضم لجماعة الإخوان المسلمين في القطاع بزعامة الشيخ أحمد ياسين سنة 1968 واستمر في أطر الإخوان إلى أواخر السبعينيات.[338]
ويذكر الشقاقي الذي ولد في غزة سنة 1951 (عائلته تنتمي أصلاً إلى قرية زرنوقة قضاء الرملة) والذي درس الطب في جامعة الزقازيق بمصر 1974 ـ 1981، أن فكرة إنشاء حركة الجهاد الإسلامي نشأت أيام الدراسة الجامعية، وأنه كان هناك خلافات بينه وبين الإخوان في المنهج وطُرق التغيير وقضية فلسطين والموقف من الأنظمة ومن العالم والواقع والأدب والفن. وأضاف أنه كان يشعر أنه "ليس للإخوان منهج وأن هناك فوضى في المفاهيم في إطار الحركة ...".[339]
وانتقد الشقاقي ما عدَّه سكونية مناهج التكوين لدى حركة الإخوان، والتخبط في طرائق العمل، وإهمال جانب التخطيط وطغيان مبدأ السلامة والمبالغة فيها.[340]
غير أن الشقاقي يرى أن حركة الإخوان المسلمين حركة أمّ للتيار الإسلامي في المنطقة، وأن البنا كان رائداً كبيراً، وقال إنه وحركته يكنّون "كل احترام وتقدير لهذه الحركة على دورها التربوي وحفظها للإسلام في المنطقة".[341]
وقال الشقاقي أنه مع مجيء سنة 1978 كان التمايز واضحاً بينه وعدد من زملائه وبين الإخوان. وتابع الشقاقي الثورة الإيرانية باهتمام وانتهى من إعداد كتابه "الخميني: الحل الإسلامي والبديل" في يناير 1979 قبيل نجاح الثورة، والذي صدر بعد نجاحها بأيام، ولم يلتق بأي مسؤول إيراني قبل ذلك، وقد اعتقل ليلة صدور الكتاب مدة أربعة أيام بسبب نشاطه الإسلامي في الجامعة، ثم أعيد اعتقاله في يوم 20 يوليو 1979 لأربعة أشهر، وبعد خروجه من السجن انقطعت صلته التنظيمية بالإخوان، حيث شعر أن فكرة "التأثير والتوافق لم تعد قائمة" بينه وبين الإخوان، فبدأ بتشكيل نواة حركة الجهاد الإسلامي في بداية 1980.[342]
وقبل أن يعود الشقاقي إلى فلسطين سنة 1981، كان قد سبقه عدد من إخوانه الذين تخرجوا سنة 1980 من الجامعات المصرية وبدأوا نشاطهم داخل الأرض المحتلة. وقد التحق الشقاقي بمستشفى فكتوريا بالقدس لمدة سنتين إلى أن اعتقل سنة 1983 لمدة عام لإصداره مجلة الطليعة، ثم أعيد اعتقاله سنة 1986 وحكم عليه بالسجن أربع سنوات بتهمة تشكيل تنظيم سري عسكري، ثم أبعد سنة 1988 إلى لبنان حيث عاش سنة واحدة ثم انتقل إلى دمشق.[343]
وحسب فكر حركة الجهاد الإسلامي فإنها جاءت لتعبر عن "الإسلام كمنطق، والجهاد كوسيلة، وفلسطين كهدف للتحرير" وأنها عندما قامت "كانت قوة تجديد داخل الفكر الإسلامي وداخل الحركة الإسلامية على مستوى الفكرة والمنهج والتنظيم وعلى مستوى الأداء داخل فلسطين".[344]
وبشكل عام فإن الحركة ركزت على المعاني الجهادية وتحرير الوطن وتنظيم العناصر للقيام بالعمليات العسكرية، وتأثرت بتجربة الجهاد الإسلامي في مصر والتجربة الإيرانية والتجربة القسامية. وحافظت على علاقات متينة بإيران منذ إنشائها وحتى الآن.
ويظهر أن المجموعة التي أنشأها فتحي الشقاقي كانت إحدى المجموعات الثلاث التي اجتمعت لتشكل حركة الجهاد الإسلامي، والتي كان لها تقريباً نفس التوجهات السياسية والجهادية. وكانت المجموعة الثانية هي "سرايا الجهاد الإسلامي" وهي مجموعة يعود أصل تكوينها إلى عناصر من حركة فتح، تمركزت أساساً في قلعة الشقيف في لبنان وتميزت بخبرتها وتكوينها العسكري. وقد أدت النقاشات داخلها إلى التحول من الخط اليساري الاشتراكي إلى تبني الخط الإسلامي، وبرز في توجيهها المفكر الفلسطيني المعروف منير شفيق، وفي قيادتها العسكرية أبو حسن قاسم "محمد محمد بحيص"، وحمدي "محمد باسم سلطان التميمي". وهي التي يعتقد أنها نفذت أشهر عمليات الجهاد الإسلامي في الثمانينيات، وهي عملية باب المغاربة في 16 أكتوبر 1986 والتي أدت إلى إيقاع ثمانين إصابة بين قتيل وجريح من لواء "غفعاتي" العسكري الإسرائيلي. وقد تأثرت هذه المجموعة كثيراً باستشهاد أبو حسن قاسم وحمدي في قبرص في عملية نفذتها المخابرات الإسرائيلية في 14 فبراير 1988، حيث فقدت العديد من خيوطها المرتبطة بالقائدين، كما أن عناصر أخرى انضمت لجسم المجموعة الأكبر (الشقاقي) بينما جمدت عناصر أخرى عملها.

أما المجموعة الثالثة فقد شكلها إبراهيم سربل الذي أعطى هو ومن معه البيعة للشيخ أسعد بيوض التميمي، وعرفت بالجهاد الإسلامي وقد فضلت هذه المجموعة فيما بعد الانسحاب من الوحدة مع الشقاقي ورفاقه. كما حدث داخل هذه المجموعة خلاف أدى لانقسامها إلى مجموعتين واحدة تتبع الشيخ أسعد (الجهاد الإسلامي "بيت المقدس") وأخرى تتبع إبراهيم سربل (الجهاد الإسلامي "كتائب الأقصى"). وقد انفصلتا فيما بعد عن مجموعة الشقاقي التي تعتبر الآن الجهة الأقوى تنظيمياً وعسكرياً وشعبياً بين مجموعات الجهاد الإسلامي. وحسب إبراهيم سربل فإن أولى عمليات مجموعته الجهادية تعود إلى شهر مارس 1982 لكنها أمرها كُشف واعتقل أفرادها في نوفمبر 1983، ثم خرجوا في عملية تبادل الأسرى سنة 1985، حيث عادوا لممارسة العمل العسكري.[345]
وتعدُّ حركة الجهاد الإسلامي اليوم الأول لاشتعال الانتفاضة المباركة هو 6 أكتوبر 1987 عندما استشهد أربعة من رجالها في مواجهة عسكرية مع الجيش "الإسرائيلي".
وقد قامت الجهاد الإسلامي بعمليات نوعية جريئة، وقدَّمت نماذج استشهادية متميزة وهي لا تزال تقف إلى جانب حماس في رفض مشاريع التسوية السلمية وتبنّي العمل الجهادي المقاوم.
ومن العمليات المميزة التي قامت بها عملية نتساريم في 11 نوفمبر 1994، وعملية بيت ليد في 22 يناير 1995، التي هزت الكيان الإسرائيلي إذ قُتل 21 جندياً وجرح 66 آخرين. ونفذت في 4 مارس 1996 عملية تل أبيب التي أدت لمقتل 14 إسرائيلياً وجرح 125 آخرين.[346] وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى قامت الجهاد الإسلامي بتنفيذ عدد من العمليات الاستشهادية التي أحدثت أثراً كبيراً.
وقد استشهد في 26 أكتوبر 1995 فتحي الشقاقي زعيم الحركة إثر حادث اغتيال قام به الموساد الإسرائيلي. وقد تولى القيادة بعده د. رمضان عبد الله شلَّح الذي لا يزال أميناً عاماً للحركة.[347]

هوامش الكتاب
________________________________________
[335] انظر مثلاً: عبد الستار قاسم وأسامة أبو أرشيد، "التمهيد"، في دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، ص 43 ـ 48، ومحسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 187 ـ 188.
[336] انظر مثلاً: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 184 ـ 187، وجواد الحمد وهاني سليمان (محرران)، انتخابات الحكم الذاتي الفلسطيني (عمّان: مركز دراسات الشرق الأوسط، 1994)، ص 15 ـ 42، 121 ـ 149.
[337] حول عمليات حماس 1989 ـ 1996، انظر: محسن صالح، الطريق إلى القدس، ص 189 ـ 205، وغسان دوعر، موعد مع الشاباك: دراسة في النشاط العسكري لحركة حماس وكتائب عز الدين القسام خلال عام 1993 (لندن: فلسطين المسلمة، 1995)، وغسان دوعر، المهندس: الشهيد يحيى عياش رمز الجهاد وقائد المقاومة في فلسطين (لندن: فلسطين المسلمة، 1997).
[338] انظر: مقابلة لفتحي الشقاقي مع مجلة الوسط، لندن، 6 نوفمبر 1995.
[339] المرجع نفسه.
[340] محمد سعيد الموعد، "المصادر الفكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، جريدة الحياة، 27 يناير 1995.
[341] الوسط، 30 يناير 1995.
[342] الوسط، 6 نوفمبر 1995.
[343] الوسط، 6 نوفمبر 1995، وانظر: جريدة الأسواق، عمَّان (الأردن)، 30 أكتوبر 1995.
[344] الوسط، 30 يناير 1995.
[345] انظر: إبراهيم سربل، حركة الجهاد الإسلامي والانتفاضة (عمان: دار النسر، 1990).
[346] انظر حول هذه العمليات في: فلسطين المسلمة، ديسمبر 1994، والرأي، 23 ـ 25 يناير 1995، والرأي، 5 مارس 1996، والحياة، 9 مارس 1996.
[347] الحياة، 30 أكتوبر 1995، والوسط، 6 نوفمبر 1995.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
2 - المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة-
انتقل الى: