رسالة الى أمي في عيدها

رسالة الى أمي في عيدها

سهير بشناق - يغزو الشيب شعرك ويرسم العمر اثاره على وجهك، ويضعف جسدك عاما تلو الاخر لكنك لا تزالين الاجمل والاصدق والانقى في كل الازمان وفي كل سنوات العمر .
الملم صفحات العمر ،صفحة ..صفحة ،فلا اجد اغلى من اسمك في كل صفحاته وتعيدني الذاكرة الى سنوات ماضية اصبحت كانها حلم ومضى فلا اجد سوى عطاءك وتضحياتك وصبرك وقلب لم يعرف يوما سوى العطاء ، ولسان كان ولا يزال يردد الدعاء ذاته وهو الاكثر رحمة لقلوبنا وبلسما لمصاعب الحياة :
- « الله يرضى عليكم ويوفقكم « .
..كم انت كبيرة يا امي وكم نحن صغارا
كبيرة بوجودك وقيمتك وحبك(...) الذي لم يتغير يوما ما ولم ينبض منه شيئ وكم نحن صغار امام كل ما قدميته بحياتك لنا لاننا لا نملك الا امامه ان نكون صغارا لا نقوى ان نصل لقيمتك وقدسيتك
عندما كنا صغارا لم نعرف سوى قلبك وحضنك امنا لنا ؛فنشعر باننا قد ملكنا الحياة وما بها وكيف لا وهناك انسانة على هذه الارض ترعانا في صحتنا ومرضنا لا تنام قبل ان تغفو عيوننا فيكون وجهها اخر ما نراه في يومنا ونصحو عليه وهي تغدق علينا حنانها وعطفها تلبي احتياجاتنا الصغيرة قبل الكبيرة .
مشاهد لا يمكن ان ننساها وانت تودعينا قبل الذهاب للمدرسة وعيوننا تدمع ترفض الابتعاد عنك فتقربين منا ياخذنا حضنك الى عالم اخر من الحنان والحب تبددين مخاوفنا فنغدو الى ايامنا ونتظر العودة الى البيت ليطل وجهك من جديد ،فنشعر بمشاعر الاطمئنان وننسى اننا بكينا
لا يمكن ان ننسى عندما يصيبنا المرض ينام كل من في المنزل وتبقين انت بجانبنا تمسحين بيديك وجوهنا المتعبة وان حاول النوم ان يسرقك منا تعودين الينا بلا شكوى او تعب.
لا يمكن ان ننسى كم كانت مشاكلنا ؛عندما كبرنا هي همومك وكم كان قلبك ملجؤنا عندما تقسو علينا الحياة فنعود اليك خائفين متعبين لا نعلم كيف نمارس دورنا بالحياة لاننا نراها بعيدة عن طفولتنا وبراءتنا نعود ونحن لا نجد الراحة الا بين يديك فانت الوحيدة القادرة على تبديد كل متاعبنا .... نبكي امامك ونحبس دموعنا امام الاخرين .
نضعف امامك وبقربك ونشكو اليك الامنا ونحن لا نشعر بالانكسار او الضعف لانك الوحيدة التي منها نستمد القوة وكيف لا ونحن ندرك انه مهما قست علينا قلوب البشر ومهما عصفت بنا رياح الحياة لا يزال لنا متسع في قلبك ليحتوينا نستمد منه القدرة على الاستمرار .
وعندما نغادر ذاك المنزل الذي تربينا به ونغادر حضنك ليسير كل منا بطريقه وبحياته يعتصرك الالم الممزوج بفرح ومحبة وحرص الام على مصلحة ابنائها تحبسين بنفسك مئات الدمعات لكنك تبدين امامنا قوية كل ما تتمنيه لنا التوفيق بحياتنا .
نغادر نحن اشياءنا . العابنا . اماكننا . لنستبدلها بحياتنا الاخرى ونبني اسرة جديدة لكنك وحدك من يحتفظ بكل ما خلفناه وراءنا ... تحتفظين باشيائنا وذكرياتنا لتصبح لك كل ما تبقى من العمر
تاخذنا الحياة بمشاغلها وهمومها ومسؤولياتها فنحن لم نعد صغارا اصبحنا امهات واباء ونعود اليك اياما واياما اخرى تكتفين انت بسماع اصواتنا والاطمئنان على اطفالنا وتحرقنا كلماتك عندما تقولي لنا لقد اشتقت اليكم . فنتمنى لحظتها لو بقينا صغارا لا نعرف بالحياة سوى وجهك وحنانك الذي نلتمسه كل يوم وكل لحظة. لكننا كبرنا يا امي ... ولم ندرك حقا معنى الام الا عندما اصبحنا امهات نخاف على اطفالنا كما كنت انت ونهتم بهم كما فعلت انت ونقدر كل ما اعطيت وههبت لنا لاننا نعيد ذات الدور اليوم مع اطفالنا .
في عيد الام لا الكلمات ولا الورود ولا الهدايا يمكنها ان تخبرك كم نحبك
نخجل بعد ان كبرنا ان نقول لك كم نشتاق لك وكم نتوق للحظة نقضيها بين احضانك نشتم رائحتك فننسى بها كل ما يتعبنا بالحياة
فالاطفال وحدهم يركضون لحضن امهاتهم ولا يخجلون من النوم باحضانها وبين ذراعيها لا يخجلون من البوح لها بمشاعرهم وكم يحتاجونها ويخافون من غيابها
لكننا نحن اليوم يا امي نخجل من انفسنا ان مر يوم ولم نطرق باب بيتك
نخجل من انفسنا ونحن نسمع صوتك يطمئن على حالنا وحال اطفالنا ويستمر بالدعاء لنا
لا نقوى على الاعتراف لك كم نحن بحاجة لك وكم نتمنى ان تحضنينا كما كنا ونحن صغارا
كي لا نسمع من يقول لنا انتم لم تعودوا صغارا .
بلى يا امي نحن كبرنا بالعمر لكننا لا زلنا صغارا امامك لا زلنا بحاجة لك في كل يوم من ايامنا
لكننا نريد لقلبك اليوم بعد ان حمل متاعبنا ونحن صغارا ان يبقى بمنأى عن التعب
نريد لعقلك الذي لطالما انشغل بنا ان لا يثقل اليوم بمتاعبنا ومسؤولياتنا
نريد لك الراحة والطماننية ولكن قلبك الوحيد من قلوب كل البشر الذي يشعر بنا وان لم نصارحه بما بنا كيف لا وانت الام التي تختزين معنى الحياة والوجود .
في عيدك ماذا يمكننا ان نقول سوى حفظك الله وابقاك راحة واملا وطماننية لنا لاننا لا نقوى الا بك ومعك ..