منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 امراة في ظل الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالثلاثاء 27 مايو 2014, 5:20 am

رواية: ابتسام أشرف الكيلاني




المقدمة


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: 
ترى كيف كانت حياة المرأة في ظل الإسلام؟
أهي الظلم؟.. أم العدل؟
أهي السجن؟.. أم الحرية؟
أهي الذل؟.. أم الكرامة؟
أهي حياة في ظل الاستبداد والتسلط؟
أم في ظل المودة والرحمة؟
أهي حياة الذل والهوان؟.. أم الكرامة والعزة؟
أهي حياة التنازل عن كل الحقوق؟ أم حياة تُحترم وتُصان فيها الحقوق؟
سنحكم من خلال سرد زينب لمراحل حياتها، أمام الرفيقة العزيزة التي التقتها على غير موعد، بعد أن أصبحت أماً وجدّة، وقررت أن تفتح أمامها سجل الذكريات، وتعرض الأحداث حلوها ومرّها في لقاءات تجمعهما بعد طول افتراق.
الحقيقة أنني لم أقصد كتابة قصة.. وإنما قصدت عرضاً واقعياً لحياة امرأة عاشت في ظل الإسلام، وفي حياتها مواعظ وعبر وأحداث، قد يكون في عرضها فائدة لمن يقرأ.. ويستوعب، وهي أحداث واقعية، شاهدتها بنفسي على مسرح الحياة، ولم أضف إليها من عندي إلا القليل ابتغاءً لتسلسل الأحداث، ولوضع الحلول لها من خلال المنهج الذي سنّه من خلق الإنسان وعرف حقيقته، وما يصلح له من تشريعات ونظم.


اللقاء الأول


ذكريات الطفولة 


التقيتها بعد فراق دام سنين طويلة، منذ كنا في المدرسة الابتدائية أعز رفيقتين، بل أعز أختين. 
كانت صداقتنا أكبر من سنّنا، عميقة وقوية، وانتهت المرحلة الابتدائية، وكنا فيها متفوقتين، كنت لا أعلم عن خصوصياتها الكثير، غير أنها وحيدة بين عدة إخوة لها، ومتوفاة الأم. عندها عاطفة دينية تدفعها للبحث عن كل ما يُقرّبها من الخالق، ويحميها من غضبه، تسحرها قصص الصالحين.. وتحاول أن تتخذ منهم قدوة ومثلاً أعلى. وكنت مثلها، لي نفس تطلعاتها، وهذا ما قرّبها مني وقرّبني منها.
وقد تزوج أبوها بعد وفاة أمها من خالتها التي احتضنت الأولاد، وتعاملت معهم بعاطفة الأمومة، فالخالة لم تُرزق بأولاد فانصرفت بعاطفتها نحوهم جميعاً. وكثيراً ما حدثتني عن تقوى خالتها، وكيفية صلاتها، والأدعية التي ترددها، وأنها عندما تكبر ستكون مثلها لعلها تفوز بالجنة، وكانت الجنة في أحلامنا الطفولية، نتحدث عنها ونحلم بها.
وانتهت المرحلة الابتدائية، وحملت كلّ منّا معها شهادة بالتفوق، وتواعدنا أن نلتقي معاً في المدرسة الإعدادية، ولكننا لم نلتق، ومرت الأيام وتتابعت السنون، والتقيتها فجأة في ذلك البلد البعيد.. في دبي.. بعد تلك السنين الطويلة، التقت الأعين.. وتجاوبت الأرواح، ورأيت فيها الصورة التي تخيّلتها دائماً مُسلمة في مظهرها، مؤمنة في تصرّفها.. وفيّة محبة.. عناق طويل جمعنا بعد فرقة في دار غربة.. لهفة وشوق لمعرفة كل ما مضى.
على مقعد في حديقة جميلة جلسنا متجاورتين، تبثّ كل منّا للأخرى ما تحمله من مشاعر، ونتلهف لمعرفة أخبار السنين التي مرّت، وما جرى فيها من أحداث، تفاعلت معها كل منا حسب ظروفها. ووعدتني أن نلتقي كل أسبوع لتقصّ عليّ جزءاً مما مرّ معها، بعد أن طلبت منها هذا بإلحاح، إذ وردت على لسانها عبارة مختصرة عبّرت عما تحمله في داخلها من كنوز، يجب أن تُكتشف قالت:
- خمسون عاماً في ظل الإسلام.. في ظل العدل والرحمة.. في ظل الكرامة والألفة في ظل لا إله إلا الله.. في بعضها كان الظل قريباً دانياً، وفي بعضها كان بعيداً فسعيتُ إليه واحتميت به، إنني أسعد امرأة في العالم.. إنني امرأة عاشت في ظل الإسلام.
وهكذا انتهى لقاؤنا الأول، وكان لقاءً عارضاً وقصيراً، على أن نلتقي كما وعدت زينب كل أسبوع لأسمع منها التفاصيل التي ترسم الصورة الصحيحة لامرأة عاشت في ظل الإسلام.


اللقاء الثاني


المرحلة الإعدادية


في مواجهة التبشير


وكان اللقاء الثاني في بيت صديقتي زينب، في الموعد المحدد كنتُ أطرق الباب، واستقبلتني زينب بكل الحب والمودة، ولفتت نظري بساطة البيت وجماله بكل ما فيه، نظام.. ونظافة.. وجمال، وبدأت زينب الحديث قائلة:
- لم تخبريني شيئاً عن أحوالك.
- قلت: سأعطيك ملخصاً عن حالي، وربما جاء دوري فيما بعد لأتحدث عن نفسي، إنني زوجة وأم، وأعمل في ميدان التدريس، وأعيش مثلك في ظل الإسلام.
قالت: أما أنا فأبدأ من حيث افترقنا في ذلك اليوم الذي أنهينا فيه مرحلة من حياتنا، كنا فيها كأختين، نحلم ونتخيّل ولا ندري ماذا يُخبئ لنا الغد، وكانت فرحة أبي بنجاحي وتفوقي كبيرة وكذلك خالتي، وأخبرني أبي أنه يرسم لي مستقبلاً زاهراً، فأنا ابنته الوحيدة بين ثلاثة أبناء، وأنا الصغيرة، حيث جئت بعد شوق طال لمجيئي، ففي رعاية البنت وتنشئتها ثواب عظيم عند الله تعالى، وكان والدي يتمنى أن ينال هذا الثواب. إنه غرس الإسلام الذي أبدل بكراهية الأنثى محبتها والابتهاج بمجيئها، بعد أن كانوا في الجاهلية يسودّ وجه أحدهم إذا أُخبر بمجيئها، أيتركها على هون أم يدسّها في التراب.
ومضى الصيف بين الترحال والنزهات، وفوجئت بأبي يسمي لي المدرسة الإعدادية التي سألتحق بها لأكمل دراستي، لقد اختار لي مدرسة خاصة، كنت أسمع عنها وعن أنها تستوعب بنات الأسر الغنية والعريقة، وأن التعليم فيها جيد وخاصة اللغة الإنكليزية التي أصبحت بنداً مهماً في كل مجالات الدراسة والعمل، ولا توجد في بلدنا مدرسة أخرى تضاهيها في ذلك.
وتذكرت الوعد الذي بيننا للقاء في المدرسة الإعدادية الحكومية الوحيدة في بلدتنا، وحاولت أن أرفض، ولكن والدي أنكر عليّ ذلك، وأخبرني أن تسجيلي قد تم وهو أعلم بمصلحتي، اقتنعت وسلّمت بالأمر، وحلمت أننا لابد أن نلتقي ولكن كيف؟ أنا لا أعرف الكثير عنك، أين يقع البيت الذي تقيمين فيه، في أي جهة من جهات المدينة؟ وأنا الصغيرة التي تجهل مثل هذه الأمور. ولم تكن الهواتف متوفرة في كل بيت. ولكن ظل الحلم يراودني زمناً طويلاً.
وابتدأ العام الدراسي، وفاجأني جو المدرسة، كان يشرف على المدرسة مجموعة من الراهبات بزيّهن المعروف وصلبانهن المتدلية، لا يوجد في المدرسة أي مظهر من مظاهر الإسلام، سوى عدد قليل من الطالبات كنّ يضعن الحجاب وهنَّ خجلات منه، ويرفعنه عند دخولهن المدرسة، بل كانت هناك حرب خفية ضد الإسلام، أحسست بذلك في أعماقي، ربما كنتُ مؤمنة بالفطرة، بل كل منا مؤمن بالفطرة لا شك في ذلك، ولكن هناك ما دعّم إيماني، توجيهات تلقيّتها عبر السنوات التي مرت من أمي وأبي وخالتي، ثم المدرسة، الابتدائية، ولا أنسى صحبتنا وأحلامنا أن نرتع غداً في رياض الجنة، ونقلت مشاعري عن المدرسة لخالتي وأبي، لقد استنكرت خالتي اختيار أبي لمدرسة كهذه وقالت:
"هذه المدرسة يجب أن تغلق، لماذا نحارب في بلدنا؟"
أما أبي فقد تمسك برأيه وقال:
"إن على المؤمن أن يصبر ويقاوم، وليكن نوراً يضيء في الظلمات أينما ذهب، المهم أن تتمسكي بما آمنت به، وتنمّي معرفتك بهذا الدين الذي تنتسبين إليه. فالعواطف وحدها لا تكفي ولا بد من العلم والعمل."
ولا تزال كلماته -رحمه الله- ترن في أذني حتى الآن، إنها معركة بدأتها مبكرة.
وأكثر ما كان يزعجني تلك الحصة الصباحية التي تقام فيها طقوس دينية، لا علاقة لنا بها نحن المسلمات ومع هذا يجب أن نحضرها، إنه النظام، كلمات تقال تخالف تماماً عقيدتي في وحدانية الله تعالى، موسيقى ترافق الكلمات، حركات لا أفهمها، قصص تُروى لنا تحاول شدّنا بعيداً عن دين المسلمين.
كنت أشعر بالغربة، كما أشعر بالاعتزاز بما استقر في يقيني عن ربي. طبعاً لم يكن يجرؤ أحد على المعارضة أو المناقشة. قالت لي إحدى الطالبات عندما حاولت أن أستفهم عن إله له أولاد وزوجات وكيف تساوي الثلاثة واحداً، قالت لي:
"إن قضايا الدين لا تخضع للعقل، ويجب أن نؤمن بها هكذا دون مناقشة"
وعجبتُ وسألت نفسي: هل في الإسلام ما يتنافى مع العقل؟..
ومرت بذاكرتي قصة ذلك الأعرابي الذي هداه عقله وتأمله في الكون إلى وجود الله وأنه سبحانه العليم الخبير عندما قال:
"أسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على العلي القدير؟.."
وأحسست بالراحة وشفتاي ترددان:
"قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد".
نعمْ لم يلد ولم يولد، ولا يمكن أن يكون مكوناً من أجزاء. هذه الراحة التي كنت أشعر بها كلما ضايقني أمر، فأذكر الله، وألجأ إليه، إنه شعور لازمني طوال حياتي، إنه الإسلام معي في كل الجولات التي خضتها في خضَمِّ الحياة الواسعِ، كما أن أبي وإخوتي وخالتي كانوا معي دائماً.
قلت لزينب: وهل كنت تحدثينهم عما يجري في المدرسة؟..
قالت: نعم كنت أحدث خالتي في كل شيء، فهي قريبة مني، وحنانها كان يدفعني للحديث، فكنت أجد في كلماتها راحة وطمأنينة.
قلت: وهل كنت تخبرين والدك بما يجري؟
قالت: عندما يسألني، وكان يمنحني نصائحه التي تزيدني فهماً وعلماً بديني، فعندما سألته عن عقيدة التثليث وكيف يمكن أن يساوي الثلاثة واحداً؟ وكيف يمكن أن يتقبل العقل مثل هذا الكلام؟
قال: إنها من التحريف الذي حلَّ برسالة عيسى عليه السلام وتَقبَّلَها الناس إما بالوراثة، وإما بسبب الحاجة والفقر. أما أن يتقبلها العقل فلا.
وقصّ علي حكاية طريفة سمعها في إحدى رحلاته إلى إفريقيا قال:
"إنهم يستغلون حاجة الفقير للغذاء، وحاجة المريض للدواء، وحاجة الجاهل للعلم، ولقاء سدِّ حاجات ضرورية يتقبل بعضُهم عقيدةً يحكم العقل ببطلانها، وكثيرون يرفضون ذلك، أما الحكاية فقد جيء بأحد فقراء المسلمين ليلتقي بأحد رجال الدين فيلقنه تعاليم النصرانية فإذا تقبلها ضمنت له حياة كريمة.
قال له رجل الدين:
- إن عليك أن تؤمن بالأب والابن وروح القدس وأن هذه الأقانيم الثلاثة هي إله واحد.
قال الرجل: كيف؟ إن هذا غير معقول؟!
قال رجل الدين:
- القضية بسيطة جداً.
"وأخذ بطرف ثوبه وثناه ثلاث ثنيات وقال: هذا الأب وهذا الابن وهذا روح القدس أليسوا ثلاث ثنيات؟ افتح هذه الثنيات فيعود القماش كما كان قطعة واحدة أي إلهاً واحداً.
ففكر الرجل الفقير قليلاً ثم قال:
- دع لي إلهي الواحد.. هنيئاً لكم إلهكم المثلث وسأفعل كل ما تريدون مني."
قلت لزينب: إنها من نعم الله العظيمة أن يحاط الإنسان برعاية واهتمام والدين يفهمان الإسلام فهماً صحيحاً ويثقان بتعاليمه ومبادئه.
قالت: نعمْ فللأبوين تأثير كبير في تنشئة الأولاد وصدَقَ رسول الله  امراة في ظل الاسلام 0099999عليه وسلم إذ أبلغنا أن الأبوين هما اللذان ينميان نبتة الإيمان في القلوب عندما قال:
"كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يُنصِّرانه أو يهوِّدانه أو يمجِّسانه".
ولولا تلك الرعاية التي أُحطتُ بها لتحولت إلى أحد أمرين: إما النصرانية، وإما الفراغ الكامل من العقيدة والدين.
ولقد كانت تصادفني نماذج عجيبة في تلك المدرسة التي أمضيت فيها أربع سنوات، فقد فاجأتني إحدى الطالبات مرة بأنها تستحيي أن تقول إنها مُسلمة، وكأنما صفعتني كلماتُها، وبدأت أتقربُ منها وأحاول أن أفهم دوافع هذا الشعور، وهكذا أحسست أن عليَّ مهمة، ولكن لن أستطيع أن أقوم بها دون الاستعانة بأبي وخالتي.
قلت لزينب:
- أشعر أن اجتماعنا قد طال، والوقت قد تأخر، وعليَّ أن أعود إلى البيت، بالرغم من شوقي لسماع المزيد عن تلك الفتاة التي تستحيي من دينٍ جاء من لَدُن عليم خبير وحوى الخير للإنسانية جمعاء.
وَدَّعتُهَا وتواعدنا على اللقاء في بيتي في الأسبوع القادم.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 27 مايو 2014, 5:54 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالثلاثاء 27 مايو 2014, 5:21 am

اللقاء الثالث


حرب خفية في المدرسة التبشيرية

قوامة الرجل أهي تسلط واستعباد؟
 


وحلَّ الموعد وجاءت زينب لتُسمعَني ما أشتاقُ إلى سماعه من ذكريات امرأة تقول إنها عاشت في ظل الإسلام، وإنها أسعد امرأة في العالم بالرغم مما مرّ بها من أحداث، بعضها حلو وبعضها مُرّ كما هي حال الدنيا.
 
جاءت إلى بيتي المتواضع المغروس بين شجرات النخيل.
وعلّقت زينب على البيت قائلة:
- بيتك يبعث الراحة في النفس.. خاصة أن حراساً أشداء محيطون به.. ما أروعهم من حراس!. ترى ماذا توحي إليك شجرات النخيل هذه؟.
قلت: إنها تذكرني باستمرار أنني فرع من شجرة انغرست جذورها هنا في أعماق الأرض.. أرض الجزيرة العربية، أجدادي كانوا هنا تضمهم الأرض نفسها.. وتظللهم السماء نفسها.. وترافقهم دائماً شجرة النخيل.
قالت: جميل جداً أن يعرف الإنسان من هو.. وإلى من ينتمي.. ويعتز بانتمائه..
قلت: والآن خَبِّريني عن تلك الفتاة التي تستحيي من انتسابها، إلى الإسلام.
قالت: لقد كانت جارتي، تقاسمني المقعد، واسمها فاطمة.
قلت: اسمها فاطمة وتستحيي من الإسلام؟ ما أغرب هذا!!
قالت: لا تعجبي.. لقد وَجهتُ لها نفس الاعتراض.
فقالت: كيف لا أستحيي من الإسلام وأنا لا أسمع عنه في هذه المدرسة إلا ما يعيب؟
قلت: وأين والداك من كل ذلك؟
قالت فاطمة: والداي؟ كل منهما له شأنه الذي يُغنيه، وإذا اجتمعا فخصام دائم، والدتي دائمة الصراخ، وإذا افترقا عاب كلّ منهما الآخر، لا وقت عند أحدهما لتوجيهنا وإرشادنا، والدي مشغول بعمله في الصباح والمساء، ووالدتي مشغولة بزياراتها وزينتها وتتصرف تصرفات عجيبة، تميس طرباً إذا جاملها إنسان باطراد جمالها أو شبابها أو زينتها، يُخيّل إليّ أنها لا ترى إلا نفسها، أما نحن أولادها ففي المرتبة الثانية أو الثالثة، وأحياناً لا تشعر بوجودنا.
أحسست بالشفقة نحو فاطمة وقررت أن تكون صديقتي، فهي بحاجة إلي، ربما كان عندي بعض الخير الذي هي بحاجة إليه، والعناية الإلهية وضعتها في طريقي، ووضعتني في طريقها، وهي طيبة ولطيفة، إنها نبتة جميلة غُرست ثم أُهملت، فأصابها الضعف.. وتكاد تذوي.
قلت: فعلاً وما أكثر الغرسات المهملات في أسر شغلتها المادة.. ولفّتها دوامة الحياة.
قالت زينب: هذا صحيح.
ومع ذلك أحسست أنها قريبة مني عندما قالت:
- لا تظني أنني أكره الإسلام.. لا.. ولكن ربما لا أعرفه، إنه يعرض علينا في هذه المدرسة بطريقة مُنَفِّرة، بينما يلبسون معتقداتهم ثوباً محبباً.
وبدأت رحلتي معها يساندني أبي وخالتي والجو الذي نشأت فيه.
وكانت فاطمة تروي لي بعض ما يقلقها من سهام وُجّهَتْ للإسلام ورجاله، وقد تراكمت في أعماقها خلال الفترة التي قضتها في المدرسة الإعدادية.
قلت لها:
- ستدركين عند فهمك للحقيقة أن تلك السهام التي تُوَجَّهُ لشرع الله كلها زائفة، وستمتلكين، إن شاء الله تعالى، سهاماً حقيقية توجهينها إلى عقائد ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان.
قالت: من الأمور التي تشغلني زواج رسول الله صل الله عليه وسلم من إحدى عشرة زوجة. فكثيراً ما سمعتهم يهمزون ويلمزون حول هذا الموضوع.
قلت: إنه رسول الله تعالى الذي سعدت المرأة في كنفه، فليس من العدل أن تحظى برعايته وقربه امرأة واحدة فقط.. إن أية امرأة تتمنى أن تكون بين زوجاته صل الله عليه وسلم. هذا ما أحسه في أعماقي كامرأة مسلمة يشدها الأسلوب الذي تعامل به رسول الله صلوات الله عليه مع نساء بيته، بل مع النساء كافة. وهناك نواح أخرى كثيرة؛ منها أن حكمة المولى عز وجل اقتضت أن يضم بيت رسول الله عدداً من الزوجات تتولى كل منهن وصف ناحية من نواحي حياته الغنية بالحكمة والرحمة، وبذلك يتسع بيت النبوة لينتشر نور الرسالة بواسطة نساء حكيمات مؤمنات، وهذه خصوصية جعلها الله سبحانه له وحده من دون سائر المسلمين، وبفضل أمهات المؤمنين ضمت كتب السيرة كل صغيرة وكبيرة عن حياته صل الله عليه وسلم، ومن خلالهن رضي الله عنهن عرف الجميع كيف كان يتعامل الرسول الكريم مع المرأة.. الزوجة.. والبنت.. والقريبة.. والبعيدة..
قالت فاطمة:
- أرجو أن توضحي لي بقية الجوانب في قضية زواجه صل الله عليه وسلم.. والتي بها سوف أواجه شبهاتهم وهمزهم ولمزهم، وإن كان ما قلته قد أراحني..
قلت: سوف أفعل بقدر استطاعتي.. سجلي عندك يا عزيزتي ما يلي:
1- لقد كان تعدد الزوجات سائداً في زمنه صل الله عليه وسلم، ولم يكن لعددهن حد معين.
2- ومع ذلك فقد اكتفى الرسول الكريم بزوجة واحدة وهو في عز شبابه وهي أكبر منه بخمس عشرة سنة وبقي معها حتى توفيت، ورافقته ذكراها حتى آخر حياته.. إنها السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
3- زواجه من الأخريات تم في الفترة الأخيرة من حياته، أي بعدما تقدمت به السن، وجميع زوجاته ثيبات (أرامل) وكبيرات في السن ما عدا السيدة عائشة رضي الله عنها.
4- كان زواجه منهن لمصلحة الدعوة الإسلامية.. وشملت حكماً كثيرة منها التعليمية.. والتشريعية والاجتماعية والسياسية.
قالت فاطمة: هل يمكن أن تذكري لي بعض الأمثلة؟
قلت: نعم لك ذلك، فمن الناحية التعليمية: كان لأمهات المؤمنين الفضل الأكبر في نقل أخباره وأفعاله صل الله عليه وسلم في المنزل. وقد عرف علماء المسلمين لهن هذا الفضل، فها هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول:
"ما أشكل علينا - أصحاب رسول الله - حديثٌ قطُّ فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً".
وأما من الناحية الاجتماعية: فقد تزوج صل الله عليه وسلم بابنة الصديق أبي بكر وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه، وفي هذه المصاهرة تقوية للصلات الاجتماعية كما فيها اعتراف بفضل الصاحبين الأكرمين.
وأما من الناحية السياسية: فزواجه صل الله عليه وسلم من سودة بنت زمعة بعد وفاة السيدة خديجة وكانت رضي الله عنها أكبر منه سناً توفي زوجها وتركها بلا عائل.. وكان أهلها بنو عبد شمس أعداء لبني هاشم ولرسول الله، وكان الهدف تأليف القلوب، ولو كان هدفه صل الله عليه وسلم المتعة لتزوج من العذارى من بنات قريش المؤمنات.. ومثل سودة.. رملة بنت أبي سفيان حامل لواء قريش وأمها هند بنت عتبة وكانا من ألد أعداء الدعوة الإسلامية، وكان في هذا الزواج حكمة بالغة وسياسة حكيمة، ولما بلغ أبا سفيان الخبر افتخر برسول الله وقال: "هو الفحل لا يُجدع أنفه".. وفيما بعد أعلن إسلامه.. وقد دخل الهلاليون في دين الله أفواجاً عندما تزوج الرسول الكريم من ميمونة بنت الحارث الهلالية.. كما أعلن بنو المصطلق إسلامهم عندما تزوج النبي الكريم من ابنة سيدهم جويرية بنت الحارث التي أسرها المسلمون وأعتقها الرسول الحكيم وتزوجها، فالمصاهرة كان لها أثرها الكبير في دمج القبائل وتآلفها وهذا ما سعى إليه الرسول الكريم بحكمة عندما عدَّدَ الزوجات.
قالت فاطمة: لم تذكري لي شيئاً عن الحكمة التشريعية.
قلت: الحكمة التشريعية كانت في زواجه صل الله عليه وسلم بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، بعد أن طلقها زيد بن حارثة وكان الرسول الكريم قد تبناه، وكان العرب يعتبرون المتبنّى ابناً حقيقياً، له أحكام الابن من النسب تماماً. فأبطل الإسلام ذلك عملياً من خلال زواج رسول الله صل الله عليه وسلم من مطلقة زيد، وكان هذا الزواج بأمر من الله تعالى:
)فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً( الأحزاب 37
قالت فاطمة: جزاك الله خيراً، هذا يكفيني، وسوف أحاول الاطلاع والقراءة لأتعرّف على حقيقة الدين الذي أحمله بالوراثة.. وأجهل عنه الكثير.. ولكن عندي إشكالاً آخر.
قلت: ما هو؟
قالت فاطمة:
لماذا أباح الإسلام للرجال أن يتزوجوا أكثر من واحدة؟ ألا يكفي الرجل زوجة واحد؟ أليس في هذا ظلم للمرأة؟
قلت: تأكدي أنه ليس في شريعة الله ظلم لأحد.. لقد اشترط سبحانه العدل عند تعدد الزوجات، العدل في كل شيء إلا ميل القلب لأن القلوب بيد الله تعالى.
قالت: أليس في هذا التعدد استهتار بمشاعر المرأة؟ وهل تقبلين أنت بذلك؟
قلت: قد أقبل وقد لا أقبل.
قالت: كيف؟ وضحي لي ذلك.
قلت: لن أقبل إذا لم يكن هناك ما يدعو إلى هذا التعدد، وسأقبل لو وجد ما يدعو إلى زوجة أخرى، فهنالك أسباب تدفع الرجل إلى الزواج، منها أن تكون الزوجة عقيماً لا تُنجب، ومنها أن تصاب بمرض ما، ومنها أن يزيد عدد النساء على عدد الرجال كما في الحروب والأزمات، فيؤدي هذا إلى انتشار الفساد، وحمايةُ المجتمع مقدّمة على أي شيء آخر.
قلت لزينب: إن تعدد الزوجات من جهة أخرى تصنعه النساء، فالمرأة بملء إرادتها تقبل أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، إنه إحساس المرأة الذي يدفعها للقبول، فهي بحاجة لبيت وأسرة، وليكن من خلال التعدد، كما أن الزوجة الأولى بإمكانها أن ترفض وتنسحب من حياة ذلك الزوج الذي تزوج بأخرى.. والإسلام لم يفرض التعدد وإنما أباحه وشرط له، ولن يوجد التعدد الظالم إلا في ظل البعد عن الإسلام، وفي حالة انحسار الإسلام عن القلوب، ثم أيهما أفضل للمرأة والإنسانية: أن يؤمّن لها التعدد بيتاً وأسرة، أم أن تكون مجرد متعة يلتقي بها الرجل ثم يلقي بها في سلة المهملات هي وما حملت في أحشائها، ثم تُلقي هي ما في أحشائها للمحاضن، وتنشأ أجيال لا تعرف لها أسرة ولا بيتاً؟ إنه انفلات يؤدي إلى دمار المجتمع إذا استمر ولم يواجه بنظام دقيق حكيم.
قالت زينب: والأهم من كل هذا أن واضع هذا النظام هو أحكم الحاكمين وهو أعلم بما يصلح لمخلوقاته، ولكن هذه الحقيقة غائبة عن قلوب غفلت عن أنه سبحانه هو الخالق وهو الرب المدبر.
وهكذا بدأت فاطمة تدرك شيئاً فشيئاً حقيقة هذا الدين، الذي كانت تستحيي من الانتساب إليه. وكثيراً ما وقفت بجانبي وتصدت لأباطيل تثار حول الإسلام، وهكذا تمتنت علاقتي بها وزارتني وزرتها، والتقيت والدتها وأحسست أنها مرتاحة جداً لصحبتنا، وكثيراً ما كانت تشاركنا مناقشاتنا، وفي إحدى الجلسات أبدت رفضاً لسيادة الرجل على الأسرة، وكنت قد سمعت من والدي كلاماً حول هذا الموضوع، كما قرأت عنه في كتاب كان له أثر كبير في حياتي، وهو كتاب "شبهات حول الإسلام".
وبماذا أجبت امرأة تعترض على سيادة الرجل على الأسرة؟
أجبت أن المرأة أيضاً سيدة في بيتها، وأسرتها، حسب حديث رسول الله صل الله عليه وسلم: "المرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها"(1)
قالت أم فاطمة: لكن الذي يمارس السيادة هو الرجل.
قلت: وأنت ألا تشاركينه؟ ألا تناقشينه؟ ألا تبدين رأيك؟ لقد كان رسول الله صلوات الله عليه يناقش زوجاته ويستشيرهنّ حتى في الأمور العامة. إن سيادة الرجل ليست دكتاتورية وتسلطاً وإنما هي مسؤولية وتكليف، ولأنه الأقدر على تحمّل أعبائها، فهو الذي عليه أن يواجه العالم الخارجي وهو الذي عليه أن يعمل، وهو الذي عليه أن يُنفق، وهو الأدرى بما يكتنف الحياة الخارجية من مخاطر.
قالت أم فاطمة: أنتِ مع الرجل كما يبدو لي.
قلت: لست مع الرجل ولست ضده، أنا مع واقع الحياة، مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ثم على أساسها نظّمت شريعته الأمور.
قالت: عجباً إنك صغيرة جداً على مثل هذا الكلام.
قلت: لا.. إنني أستقيه من أسرتي من نموذج أعيشه فعلاً، إنني لا أستطيع أن أتخيل أسرة بلا مسؤول عنها.. إنها الفوضى والدمار، كما لا أقبل أن أكون أنا المسؤولة مع وجود رجل في الأسرة، فهذا واجبه وهو الأقدر، ولا يمكن أن أعيش مع رجل من النوع الذي يتخلى عن مسؤوليته وواجبه.
قالت: كلامك جميل، لكن ليت الرجال يفهمون حدود دورهم هذا ويتخلون عن دور السيد المطاع.
قلت: إن للمرأة العاقلة الحكيمة دوراً في هذا الشأن، فهي تستطيع أن تؤثر في الرجل وتساعده ليكون راعياً صالحاً في أسرته، على المرأة أن تحاول ولابد أن تنجح.
قالت: يُقنعني كلامك وأشعر أنك أكبر مني سناً، إنك تفتحين في داخلي نوافذ كانت مغلقة ولم تمتد إليها يد لتفتحها شكراً لك..
وهكذا استمرت لقاءاتنا وبدأت الأمور تتغير ضمن أسرة فاطمة، ولفت نظر الأب هذا التغير، وطلبتُ من أبي أن يزوره وقال أبي:
- كان يجب أن يحدث هذا منذ زمن، منذ أن سكنوا إلى جوارنا، ولكن مشاغلي الكثيرة حالت دون ذلك. وسأفعل إن شاء الله.
وتُبودلت الزيارات، وأخبرني أبي عن حوارات كثيرة دارت بينهما وجلّها حول مكانة المرأة ودورها وطبيعتها.
وطلبت من زينب أن تذكر لي مثالاً مما دار بين الوالدين.
قالت زينب: تصوري أنه كان يعتقد أن المرأة لا شيء، مجرد كائن ناقص العقل وناقص الدين، وأنها مجرد ضلع أعوج لا قيمة له، وأن عليها أن تطيع الرجل طاعة عمياء دون اعتراض.
وأفهمه أبي أن الضلع الذي ضربه الرسول الكريم مثالاً للمرأة له دور هام جداً في جسد الإنسان، فالأضلاع هي التي تحفظ أهم الأجهزة في جسد الكائن البشري، إنها تحفظ القلب والرئتين، واعوجاج الضلع ليس عيباً فيه وإنما هو أمر أساسي، ولا قيمة للأضلاع ولن تستطيع أن تقوم بمهمتها إلا إذا كانت معوجّة من أعلاها، كما أنه لا قيمة للمرأة إذا فقدت فطرتها وعاطفتها، وتخلت عن مشاعر الحب والرحمة. إن المرأة تُكمّل الرجل الذي يتصرف من خلال عقله ومصالحه مبعداً مشاعره الأخرى عن ميدان عمله، بينما المرأة الطبيعية تسبق مشاعرها جلّ تصرفاتها وخاصة من خلال الأمومة وسهر الليل وتحمل المشاق والمبادرة السريعة والعفوية لحماية طفلها من كل سوء.
قلت: والحقيقة أن للمرأة مهمة عظيمة أعدّها الله سبحانه لها وهي احتضان الأجيال، كما تحتضن الأضلاع المعوجّة أهم أجهزة الجسد، إنها المهمة التي لا يستطيع الرجل القيام بها، والتي من أجلها وُضعت الجنة تحت قدميها.
قالت زينب: ومع ذلك فلن تعجز المرأة عن القيام بأية مهمة تجد أن الأمة بحاجة إليها، وإن كانت المرأة تفضل أن تكون أماً وزوجة على أية مهمة أخرى.
قلت: ما أسعدني وأنت تعيدين على مسامعي تلك الذكريات.. وما أجمل أن يتولى المسلمون بعضهم بعضاً بالنصيحة دون مراء ولا شحناء وإنما بالتي هي أحسن كما أمرنا الله سبحانه.
قالت: كنا حريصين جميعاً على التي هي أحسن، وكشف طريق الحق يجب أن يكون بتؤدة وشيئاً فشيئاً دون ملل ولا يأس. فطريق الحق لا ينكشف للبصائر دفعة واحدة، وإنما لابد من التكرار والتدرج لتتحرك الفطرة التي غطّاها الباطل وقد يأخذ الأمر سنوات.
قلت: نعم صدقتِ هذا ما يجب على حملة الحق أن يفعلوه.
قالت: فعلاً أحداث كثيرة من هذا النوع حدثت أمامي ومعي خلال السنوات التي مرّتْ من حياتي، وأنا أسعى ليرى الجميع الطريق السويّ الذي أراه، وسأذكر لك قصة رفيقة لي اسمها مريانا تدين بالنصرانية.
أتخيلها الآن يوم التقينا لأول مرة: فتاة في مثل سني تحمل حقيبتها خارجة من باب المنزل الذي في جوارنا وقد سُكِنَ حديثاً ولم نتعرف على سكانه بعد، وكنت في طريقي إلى المدرسة التي لم تكن بعيدة عن بيتنا، حييتها وقد أحسست بنوع من البهجة لمرآها ، فتاة في مثل سني جميلة المحيا تضع على رأسها وشاحاً جميلاً وإن كانت خصلات من شعرها تتدلى من خلاله، وردّت التحية بابتسامة. سألتها عن اسمها قالت: مريانا عبد الله.
وخطر في ذهني خاطر: إنها نصرانية إذن.. اسمها يدل على ذلك.
قلت: إلى أي مدرسة أنت ذاهبة؟
قالت: مدرسة الراهبات التي في حيّنا هنا، وهذا أول يوم أتوجّه فيه إلى هذه المدرسة هنا في مدينتكم.
قلت: ،من أين أنتِ؟
فذكرت ناحية قريبة وتأكد لي أنها نصرانية، فالقرية التي ذكرتها يسكنها النصارى.
قلت: أهلاً وسهلاً بكم في حيّنا ومدينتنا وسأرافقك إلى مدرسة الراهبات فهي مدرستي أيضاً وأنا في الصف الثالث الإعدادي.
قالت: هذا حسن وأنا في الصف الثالث كذلك..
وسرنا جنباً إلى جنب.
وتمتّنت بيننا أواصر الصداقة وجرت زيارات بيننا وبينهم، ولاحظت أن عاداتهم قريبة جداً من عاداتنا، نساؤهم محتشمات وفي اجتماعاتهم لا يوجد اختلاط بين النساء والرجال إلا في حدود ضيقة وبعيدة عن مجرد التسلية والاستمتاع.
وأصبحت مريانا من رفيقاتي المقربات، وكثيراً ما كانت تسألني عن أمور تتعلق بالدين، وكنت أشعر أن بعض الأمور في الإسلام تشغل تفكيرها وتدفعها إلى المقارنة والاستنتاج، وكانت ذكية جداً ومنافسة خطيرة لي، وانتهى ذلك العام . وحملت كلّ منّا شهادتها وفي مخيلتها صورة لحياة جديدة في المرحلة الثانوية، وأمل أن يجمعنا صف واحد ومدرسة واحدة، وانتهى اللقاء علىأن نبدأ الحديث عن المرحلة الثانوية في لقاء جديد هو في علم الغيب.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الخميس 29 مايو 2014, 8:52 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالثلاثاء 27 مايو 2014, 5:49 am

اللقاء الرابع

في المرحلة الثانوية، أساتذة يبنون، وآخرون يهدمون

تشويه متعمد للتاريخ
 
المستقبل لهذا الدين

في جو ربيعي بين شجيرات النخيل وزقزقة العصافير.. وامتداد البحر كان اللقاء الرابع.
 
قالت زينب: ما أجمل هذا الكون! تُرى هل كل الناس يتمتعون بما خلق ربي من تناسق وتوازن وجمال؟
قلت: لاشك أن هناك من لا يلتفت إلى هذا أبداً، كما أن هناك من يستمتع ولكن بعيداً عن مشاعر القرب من الله سبحانه وأولئك هم الغافلون.
قالت زينب: لقد نسيت فئة أنساهم الظلمُ والطغيانُ الذي وقع عليهم، كلَّ مُتع الدنيا، وضمَّتْهم جدران باردة، ولازمتهم مطارق العذاب، ترى هل نسوا ذكر الله أم لا تزال قلوبهم عامرة به مضاءة بنوره، مطمئنة إلى رحمته.. فالله وحده يعلم ما حلّ بهم..
قلت: كأنك تتحدثين عن ظروف مرّت بك ولا تزال مرارتها تخالط مشاعرك التي عشت بها مطمئنة في ظل الإسلام، بالرغم من جرعات مُرّةٍ تناولتِها ولن يزول طعمها.
قالت: نعمْ وسأحدثك عن تلك الظروف في حينها، أما الآن فدعيني أعود إلى المرحلة الثانوية، وسأقص عليك بعض الأحداث التي مرّت بي في تلك المرحلة:
من الأحداث السعيدة جداً في هذه الفترة زواج أخي الكبير، وأخي لم يكمل تعليمه بعد الثانوية وإنما انغمس في العمل مع والده، وكان يهوى التجارة، وعنده فكر عملي لا يملكه الذين يحملون الشهادات العليا، لقد أسعدني زواجه من فتاة لا تكبرني بالكثير، فهي إحدى قريباتنا الخلوقات الواعيات وتحمل الشهادة الثانوية أيضاً. لقد أصبحنا صديقتين حميمتين، وكان سكن أخي في الطابق العلوي في البناية التي نسكنها.. وكثيراً ما باحت لي بأسرارها.. وبحت لها بأسراري، فكانت بمثابة أخت لي عوضتني عن الذي فقدته من خصوصية العلاقة بين الأختين، وكم حمدت ربي على ذلك.
وانتهت الإجازة وفتحت المدارس أبوابها واجتمعنا مرة أخرى أنا وفاطمة ومريانا في صف واحد. وعمّتنا الفرحة بعد أن بذلنا جهداً لنحقق هذا الهدف، وكانت أيامنا الأولى استعراضاً للمدرسين والمدرسات الذين سيتولون مهمة تعليمنا في ذلك العام وربما بقية الأعوام. وتراوحت مشاعرنا بين التقدير والإحباط.. وأحياناً الصدمة واليأس.
وتعود إليَّ أحداث ذلك الماضي وسأذكر لك بعضها:
سأبدأ بأستاذ الدين لقد كان كبيراً في السن وضعيف الشخصية، وإن كان غزير المعلومات، ولكن أين مَن يسمع وينتبه فكانت الحصة تُستغل في أمور كثيرة، ككتابة الواجبات أو استذكار الدروس أو التهريج. وقد حاولنا أن نحول الحصة إلى مناقشات مفيدة، ولكننا فشلنا أنا وفاطمة وبعض الطالبات الواعيات وحاولت معنا مريانا إذ حضرت بعض الحصص بالرغم من أن التلميذات المسيحيات مسموح لهن بعدم حضور حصة الدين، وهكذا مرّت أعوام وحصة الدين صفر في تأثيرها وخاصة أن علامة الدين لا قيمة لها في سجل الدرجات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فهي تُحذف من مجموع الدرجات ولا أثر لها في الرسوب والنجاح.. والهدف معروف.. أن تُهمل هذه المادة ولا يهتم بها.
أما أستاذ اللغة العربية فقد كان أديباً وشاعراً معروفاً، وكنا في حصته ملزمات بالإصغاء فَهِمْنا أم لم نفهم، والويل لمن تأتي بحركة أو تتلفظ بكلمة، فإنها تواجه بغضبة كبرى، لأن أي حركة أو صوت يمكن أن يقطع سلسلة أفكاره، فهو لا يستعين بالمخطوط والمكتوب على الورق, وإنما بما خُط في ذاكرته من معلومات حول الشاعر أو الأديب الذي يقدم لنا معلومات عنه، ولاشك أننا كنا نستمتع بحصته رحمه الله، وإن كان بعضنا يسرح بأفكاره بعيداً عن الحصة وما فيها، وفي نهاية الحصة تدبّ فوضى لا مثيل لها، وتقوم بعض الطالبات بتقليد الأستاذ في ثورة غضبه وتنطلق عاصفة من الضحك، بينما أكون منشغلة في استرجاع بعض ما قاله الأستاذ من معلومات قيمة وتدوينها في دفتري قبل أن أنساها، لأنه كان يضيق بتقليب الورق وحركة الأقلام.
وأما أستاذ الفلسفة وعلم النفس الذي لازمنا خلال الفترة الثانوية، فقد كان ذا شخصية قوية نتعامل معه باحترام ومحبة، بالرغم مما قيل عنه من أنه لا يؤمن بالله، وأنه من المعجبين بكارل ماركس ونظريته التي لا ترى في الإنسان إلا الجانب المادي، وإلى آخر ما نادت به هذه النظرية من مساواة مزيفة لا تتجاوز ملء البطون بالحد الأدنى من حاجات الإنسان. ومع ذلك فقد كان أستاذنا ذا خلق واستقامة، مخلصاً في مهمته، وكان معجباً ببعض الشخصيات الإسلامية وكثيراً ما كان يذكرها ويستشهد بها، أمثال عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما والمعتصم.. وإن كان يردّ ما فيهم من عظمة إلى تفوق العربي وأصالته، ولم نكن نجرؤ على مناقشته في هذه الأمور.. ولم يكن هو أيضاً يتعرض لمثل هذه الأمور خلال حصصه، فهمه الأكبر هو إدخال المعلومات في أذهاننا.
ولقد علمتُ فيما بعد أنه عاد إلى حظيرة الإيمان والتقوى، بعد أن خابت آماله في شخصيات كان يعتبرها مثله الأعلى في تحقيق العدل والحرية أو ما يسمونه الاشتراكية، ولكن عند الامتحان وعندما وصلت تلك الشخصيات إلى ما كانت ترجو من مراتب ومسؤوليات، أصبحت المنفعة الكبرى تعود إلى ذواتهم.. همّهم الأكبر الاستمرار، ولم ينفذوا شيئاً من المبادئ المثالية التي كانوا ينادون بها.
وهكذا أحس أنه خُذل، خذله عقله، وخذلته حساباته، وخذلته نظريات ليس لها أي أساس يدعمها سوى تصورات ومخططات البشر، وفكر أن يعود إلى دينه ويتعرف عليه.
وأما السبب المباشر في تحوله هذا فقد حدث به تلاميذه عندما سألوه عن تبدّل لمسوه في حديثه وتصرفاته، قال:
- في ليلة شديدة البرودة من ليالي الشتاء كنتُ في سهرة عند أحد الأصدقاء، نتذاكر أحلامنا وما آلت إليه، وأنا في طريق العودة، والضياع يلفّني ويشلّ تفكيري، انزلقت قدمي وهويتُ في حفرة لم أنتبه لها وسمعت صوتي ينادي يا الله. وشعرت بقشعريرة غريبة سرت في جسدي.. وخيّل إليّ أن كل من حولي يردد نفس النداء، الله.. الله.. قطرات المطر تعبر.. وصرير الريح ينادي.. وحفيف الأشجار يهمس.. والبرق يضيء والرعد يزمجر.. مهرجان كوني.. يعلن الحقيقة الكبرى.. أن للكون رباً لا إله إلا هو، وخرجت من الحفرة والنداء يلاحقني.. نداء الكون لخالقه كيف غفلت عنه؟ أين كانت حواسي؟ بل أين كانت روحي؟.. الآن شعرت بها تصحو.. تنطلق.. تعلو.. تناجيه.. سبحانه.. هل يعفو؟.. هل يقبلها في معيته.. وغمرني إحساس بالطمأنينة والرضى، وعدتُ إلى البيت مسرعاً لأغسل رجس الإلحاد عن جسدي بعد أن زال عن روحي.. ووقفتُ بين يدي الله أناجيه وأشعر بيديه الرحيمتين تستقبلاني، أبكي تسيل الدموع من عيني.. يملؤني شعور عجيب بالراحة والرضى، ولم أنم تلك الليلة أبداً، بل رحتُ أراجع الماضي في نور الحقيقة التي أضاءت في أعماقي.. ربي لقد عدت إليك فاقبلني..
قلت لزينب: ما أحلى هذه العودة يا زينب، ألست معي أن هذه المشاعر لا يتذوقها إلا التائبون الذين يمدون أيديهم إليه سبحانه، فتشف أرواحهم، وتنطلق ويحسّون للحظات أنهم معه جل جلاله في رحاب عفوه ومرضاته.. وقد أعلنها لهم إنه يحب التوابين ويحب المتطهرين. قال تعالى: )إن الله يحب التوّابين ويحب المتطهّرين( البقرة (222).
فلماذا لا تنطلق أرواحهم في رحاب حبّه ورحمته.. سبحانه..؟
قالت: فعلاً إنها مشاعر من الصعب جداً أن تصوّرها الكلمات.. وكم أسعدتني عودة ذلك الإنسان إلى رحاب الإسلام، فقد كنا جميعاً نلمس صدق كلماته ومدى إخلاصه في مهمته.
وكان الفرق واضحاً بينه وبين أساتذة آخرين، وأذكر بهذه المناسبة أستاذ التاريخ وكان غير مسلم، وكان مخرباً لعقولنا يحشوها بالأباطيل بدل أن يبنيها بالحقائق، كان حريصاً على تشويه تاريخنا، وجعلنا نشعر بالضآلة والقصور، كان يردد دائماً:
"ماذا فعل العرب للإنسانية؟ إن ما فعلوه لا يعدو ما فعلته شمعة تعجز عن إنارة ما حولها، أين هم مما فعله الرومان والبيزنطيون؟ أين هم من حضارة اليوم؟ إنهم لم يصنعوا أية حضارة، وقد نعطيهم أكثر من حقهم إذا قلنا إنهم كانوا مجرد ناقلين عن الآخرين".
وكان حريصاً على إظهار تكريمه للمرأة، من خلال ترديده لبعض العبارات مثل: نحن وراء المرأة ولو قادتنا إلى جهنم، والنساء أولاً.. وأمثال هذه العبارات التي يعبرون بها عن تحضّرهم، وجريهم وراء شعارات غربية الهدف، منها خداع المرأة ثم استغلالها.. وقد اغترّ بأفكاره كثير من الطالبات.
وكانت تدور أحياناً مناقشات بيننا وبينه، أعني بعض الطالبات اللواتي لديهن بعض الثقافة وإن كان ضئيلاً. وأذكر أنني رفعتُ أصبعي يوماً فقال:
- ماذا تريدين؟
قلت: أريد أن أدافع عن أمتي يا أستاذنا.
فسمح لي أن أذكر أن التطور الهائل الذي حصل لمادة الرياضيات بدأناه نحن.
وأن أحكام الميراث في قرآننا هي أول ضوء أخضر في هذا الميدان.
كما أننا دخلنا علم الفلك من باب واسع حرصاً على تحديد أوقات الصلاة والعبادات.
وأن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع.
وأن فرانسيس بيكون وكذلك روجر بيكون أبوَي الفلسفة التجريبية كانا تلاميذ الحضارة الإسلامية، ورسل الحضارة الإسلامية إلى بلادهم.
وأن لغتنا العربية كانت لغة العلم لعدة قرون كالإنكليزية الآن.
وأن علومنا وجّهها الإسلام لمصلحة الإنسانية.
وأننا أول من نادى بحرية الإنسان وكرامته.
وأن علومنا لم توجه أبداً ضد إنسانية الإنسان وكرامته كما يحدث الآن.
فابتسم ابتسامة صفراء وقاطعني قائلاً:
- هوني عليك أنا معك في كل ما قلت ولا داعي لكل هذا الحماس ولا تنسي أنني عربي مثلك.
ووجدت نفسي أجهش بالبكاء، ودقّ الجرس وخرج من الفصل وقد امتقع وجهه.. والتفت حولي رفيقاتي يرددن:
- لماذا تبكين؟ لقد أثلجت صدورنا بما قلت؟.. لقد امتلكت جرأة لم نمتلكها، هوّني عليك إنه لن يستطيع أن يؤذيك أبداً.. نحن جميعاً معك.
قلت من خلال دموعي:
إنني لا أخشاه أبداً، إن معي ربي وكفى به حامياً ونصيراً.
قلت لزينب: هل كل الطالبات وقفن معك؟..
قالت: أغلبهن كنَّ معي وإني سمعت إحداهن تقول:
لماذا كل هذا الهجوم؟ إنه أستاذنا وليس عدواً لنا وإنما يريد دفعنا إلى الأمام لنجاري الغرب في حضارته.
وردّت عليها أخرى:
- إنه لا يريد منا إلا أن نكون أذناباً وأتباعاً تجري وراء الغرب إلى مالا نهاية بعد أن يقتلع جذورنا ويمحو مشاعر العزة والكرامة من نفوسنا.
وسألت زينب عن موقف الأهل، وهل كانت تنقل لهم ما يجري في المدرسة؟ قالت:
- نعم كنت أنقل لهم مثل هذه الأمور وأجد التوجيه، وأكتسب معلومات جديدة من خلالها..
- من أنا؟
من أي أرض نبتّ وما هي جذوري؟
وقد كان تعليق أحد إخوتي:
- إنك ستواجهين حرباً مستمرة إذا أردت فعلاً أن تعيشي في ظل الإسلام وتتغذي من جذوره، فعليك أن تستعدي لذلك وتواجهي هذه الحرب بالحكمة والموعظة الحسنة، ولابد من العلم والمعرفة.
أما أبي فقد ذكر لي بعض الكتب التي تفيد في هذا الموضوع، وفيها شهادة من آخرين على سمو وإنسانية الحضارة الإسلامية، ومن الكتب التي ذكرها: كتاب للألمانية زغريد هونكه، ومن أقوالها في هذا الكتاب:
"لا مبالغة من القول بأن المسلمين هم مبتكرو التجربة بالمعنى الدقيق للكلمة، وهم المبدعون الحقيقيون للبحث التجريبي، وقد أبدعوا في علوم البصريات والكيمياء والطب، وجهودهم هي الأساس لما نشهده اليوم من تقدم علمي".
أما جوستاف لوبون فقد عدَّدَ في الطب وحده ثلاثَ مئة كتاب نقلها الغرب من العربية إلى اللاتينية.
قلت لزينب:
- وهناك أمر مهم جداً ذكره أولئك الذين شهدوا للحضارة الإسلامية، وهو أن ما أنتجته تلك الحضارة كان لمصلحة الإنسان وليس لتدميره وقهره، وإنتاج تلك الحضارة شمل الناس جميعاً دون تعصب أو عنصرية، هذه العنصرية التي نلمسها اليوم في تعامل حضارة القرن العشرين مع الإنسان، حيث يسمح لإسرائيل مثلاً أن تمتلك كل أنواع الأسلحة المدمّرة لمواجهتنا وإبادتنا، ثم نُمنع نحن من امتلاك أي سلاح فعّال، وتُتهم بالإرهاب والتطرف عندما ندافع عن حقوقنا. وقد قرأت بحثاً للدكتور عبد الحافظ حلمي عميد كلية العلوم في مصر يقول فيه:
"لقد تحولت العلوم لأول مرة في التاريخ الإنساني إلى مسألة عالمية وإلى تراث إنساني يثور على القوميات والعصبيات الضيقة حيث انصهرت الحضارات السابقة في بوتقة الحضارة الإسلامية.."
ويقول: إنه ذكر في أحد المؤتمرات العلمية حديث رسول الله صل الله عليه وسلم الذي يقول فيه:
"هلاك أمتي في عابد جاهل وعالم فاجر".
فما كان من منظم المؤتمر العالم السويدي إلا أن علّق قائلاً:
"لو عرفنا هذا الكلام من قبل لجعلناه شعاراً للمؤتمر".
قالت زينب:
- أمثال هذه الاعترافات كثيرة جداً وإن كان كثيرون أيضاً قد شوّهوا الحقائق وطمسوها، ومن يسعى وراء الحقيقة لابد أن يجدها.
قلت: وربما كان من أحدث هذه الاعترافات ما قاله ولي العهد البريطاني بمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد وهو ينتقد جهل الغربيين بالإسلام إذ قال:
"إن جوهر هذا الدين يكمن في حفاظه على نظرة متكاملة للكون حيث يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلم، وبين العقل والمادة.."
قالت زينب:
- الحمد لله أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، والحمد لله والرحمة لمن وجّهني للمطالعة والقراءة ولفت نظري إلى الكون، فرأيتُ إبداع الخالق وعشت في ظل شريعته، إن إبداعه سبحانه موجود في كل ما يقع عليه بصر أو يحيط به علم.. أو تسمعه أذن.. أو تمسّه روح.
وضحكت زينب قائلة:
- والآن أعود بك لاستعراض بعض أحداث الفترة الثانوية وقد شُغلنا عنها بيقظة نحسها كلما وجهت إلينا سهام تريد اجتثاثنا من الجذور، ولعل في هذه السهام خيراً لنا فقد طال رقودنا ولولاها لما صحونا أبداً.
وأعود لأستاذ التاريخ الذي حاول أن يوجد علاقات مع بعض التلميذات ويبدو أن سيرته وما يفعل وما يقول وصلت إلى المسؤولين فنقل من مدرستنا، وجيء لنا بأستاذ آخر كان اليأس يقطر من كلماته، وكانت أصداء انهزام العرب والمسلمين، أمام الصهيونية تتردد مع أنفاسه، فالدولة اليهودية أُنشئت، والشعب الفلسطيني مشرّد، واغتصبت الأرض، وأعلنت الهدنة، وتبخرت الشعارات، وكان يردد دائماً:
"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"..
ولم أسترح لهذه النغمة المتشائمة اليائسة فذكرتُ لأبي فوجّهني إلى أحد كتب محمد الغزالي رحمه الله، وفعلاً وجدت ما أنعش الأمل في صدري، وأحسست أن المستقبل لهذه الأمة، وأن عليّ أن أعلن ذلك وأن أُنقذ أستاذي من يأسه.
قلت لزينب: يعجبني فيكِ هذا السعي الدائم للكشف عن حقيقة هذا الدين.
قالت: إنه واجب كل مؤمن أن يكون الإسلام ينبوعاً لأقواله وأفعاله، وهكذا في إحدى حصص التاريخ وجدت الفرصة سانحة لأقول ما عندي.
قلت: أتسمح لي بكلمة يا أستاذ؟..
قال: تفضلي بكل سرور.
قلت: إن رسولنا الكريم بشّرنا في أحد أحاديثه أن المستقبل لهذا الدين ولهذه الأمة.
قال: أي حديث تقصدين؟
قلت: قال رسولنا الكريم:
"ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر".
قال: إذن هناك تعارض بين الحديث وحديث الغرباء؟
قلت: لا تعارض. هذه الغربة تعترض المسلمين خلال مسيرتهم، إنها سنة الحياة، علو وهبوط.. ينصرون الله فينتصرون، ويخذلون شريعته فيهزمون، وهكذا ولكن النهاية لهم إن شاء الله تعالى.
قال: أحسنت وشكراً لك لقد أعدت إليّ بعض الثقة، وأيقظت في أعماقي مشاعر كانت نائمة.
قلت: هناك حديث آخر في هذا الموضوع..
قال: ما هو؟ اذكريه لي.
قلت: قال رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم:
"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها".
قال: إن هذا يبعث في النفس التفاؤل، ولكن لابد من الحركة والعمل، ونحن نيام توالت علينا الصدمات فانهزمنا من الداخل والخارج، إن وضع أمتي يكاد يقتل كل أمل في نفسي إننا أبطال في مواجهة بعضنا بعضاً..، جبناء في مواجهة أعدائنا.. سحرتنا المناصب والكراسي، فبتنا عبيداً لها.. عسى المولى عز وجل أن يخرجنا مما نحن فيه.
قالت زينب: وسأحدثك عن مدرِّسة لها في نفسي أثر لا يُمحى، إنها أستاذة العلوم ، وأنت تعلمين أن الشهادة الثانوية في زماننا كان لها ثلاثة فروع: فرع أدبي وفرع علمي وهذا خاص بالشباب، وفرع خاص بالبنات ويشمل مواد علمية وأدبية، ويؤهّل الفتاة للانتساب لأي فرع من فروع الجامعة.
أستاذة العلوم هذه كانت ذكية متفهمة لمادتها قريبة من الطالبات، والمهم أنها مؤمنة عن علم ويقين، فقد كانت تفتح لنا في كل يوم نوافذ تطل على قدرة الله ورحمته، فكانت حصة العلوم بمثابة مناجاة لخالق الكون ومدبره تقربنا منه سبحانه، وكأننا في صلاة خاشعة، لقد كان هذا شعوري خلال الفترة التي درّست لنا فيها تلك المدرِّسة العظيمة، ومن بعد أصبح عندي القدرة أن أفتح النوافذ وأرى آثار القدرة الإلهية تحيط بي من كل جانب.
قلت لزينب: وأظن أن هذا الدافع كان وراء دراستك للطب، وأذكر أننا عندما كنا في المدرسة الابتدائية كان حلمنا أن ندرس الإسلام والفقه.
قالت زينب: نعم فكرت أن أتخصص بمادة العلوم فلقد استهوتني هذه المادة، فالله سبحانه جعل الإنسان خليفة في هذه الأرض ليتفاعل مع موجوداتها، ويتعرف على خيراتها، ويستفيد مما سُخّر له، وأظن أن تأخرنا نحن المسلمين نابع من إهمالنا للعلم، لقد أهملنا جانباً مهماً في ديننا.
قلت: فعلاً لقد ابتعدنا عن هذا الميدان كثيراً، واستغله غيرنا بعد أن وقف دينهم المحرف في طريقهم فأبعدوه، أما نحن فديننا يدعو إلى العلم ويحضّ عليه، وقد امتلأت صفحات القرآن الكريم بنداءات موجهة لأولي الألباب، وقد علّم الله آدم الأسماء كلها أي ما يتعلق بهذا الكون من أجل استغلاله والاستفادة منه، وعمل أجدادنا ما في وسعهم واستجابوا لنداءات القرآن الكريم فأبدعوا وأفادوا واستفادوا.
قالت زينب: لقد أخذ أكثر المسلمين جانباً واحداً من الدين التزموا به هو جانب العقيدة والعبادة، وأهملوا الدعوات الأخرى الموجّهة إليهم وقد جاءتهم في كتاب الله بأساليب مختلفة متنوعة تنبه إلى أهمية العلم وعلو شأنه:
)هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب( الزمر 9.
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات(.. المجادلة11.
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب( الزمر21.
وهكذا نسوا حظاً مما ذُكِّروا به، فانتهى الأمر بهم إلى هذا الحضيض الذي هم فيه، واستيقظ الآخرون وسَعوا وراء المادة فأنشؤوا تلك الحضارة، التي يلمس كل عاقل زيفها وعفنها، بالرغم من المظاهر المادية التي تبهر الفهوم، وأنشأتها الأيدي والعقول، ولكنها حضارة في جانب واحد ولم تحقق، ولن تحقق السعادة للإنسان.
والآن سأحدثك عن مدرِّسة الفيزياء، لم تكن مسلمة، وكانت تحارب الإسلام وكل مظهر من مظاهره، ترفض أن نضع الحجاب في حصتها، قالت لنا في إحدى المرات:
"ألا تخجلن من تلك الأغطية؟ ألا تشعرن بالإهانة؟ لماذا تسترن ما خلق الله؟
- وبماذا أجبتن؟
قلت: أتسمحين لي بالكلام..؟
فسكتت لحظة.. ثم قالت: نعمْ تفضلي.
قلت: أما لماذا نستر ما خلق الله؟ فاللباس سمة من سمات الإنسان وقد ميّزه الله به عن الحيوان، وكلنا نستر ما خلق الله.
وأما أن نشعر بالإهانة فلماذا؟ إننا ننفذ أمر الله ونحن مدركات لحكمته سبحانه، إنني أشعر بالإهانة عندما يكرهني أحد على مخالفة أمر من أوامر الله، وأستجيب مضطرة.
أما أن أستحيي من حجابي فلماذا؟ وأنا أدرك أن فيه احتراماً وتقديراً للمهمة التي يجب على المرأة أن تقوم بها بعيداً عن إثارة الشهوات ولفت الأنظار.
قلت لزينب: أحسنت لقد قلت هذا الكلام في زمن لم تكن فيه المرأة تستغل كما تُستغل الآن. لقد أضحت في كثير من المجتمعات مجرد جسد يعرض، وسلعة تباع.. ألا تذكرك عروض الأزياء بعروض الجواري؟ ولكن مع الفرق فالجواري كن كاسيات ولكن أولئك شبه عاريات.
قالت زينب: نعم هذا ما يخطر لي كلما طالعتني أجساد كاسية عارية.. في المجلات أو الصحف أو التلفاز أو الشارع، ولكن مدرّستي هذه لم يعجبها كلامي. وقالت:
- إنك فيلسوفة وإن كانت فلسفتك لا تعجبني.. إنها فلسفة العبيد.
قلت لزينب: عجباً لهؤلاء أي منطق يتبعون؟.. الراهبات يرتدين ما يشبه لباس المسلمة فلماذا لا يُوجّه لهن مثل هذا الكلام؟.. حتى فرنسا بلد الحرية والثورة ضاقت بفتيات مسلمات، سترن ما أمر الله بستره، وتوجهن لطلب العلم، فأغلقت الأبواب في وجوههن، وأعلن المسؤولون هناك أن هذا تحد للحضارة الفرنسية، أي حضارة هذه التي يهددها الاحتشام. ويرتفع في ظلها العري والإباحية؟
قالت زينب: يا عزيزتي.. إنها الكراهية التي لا منطق لها.. وفي إحدى المرات راقبتنا ونحن نصلي في ركن مهمل، خصصناه لصلاتنا، إن خشينا أن تفوتنا الصلاة، وعندما انتهينا من الصلاة اعترضت قائلة:
- لماذا هذه الحركات العجيبة في الصلاة؟ ألا يكفي أن يناجي الإنسان ربه بكلمات؟
قلت: لقد تذكرت سؤالاً وجهه ليوبولد فايس "محمد أسد" قبل أن يسلم إلى أعرابي رآه يصلي، إنه نفس السؤال، لماذا هذه الحركات؟ ورد عليه الأعرابي رداً جعله يفكر بهذا الدين طويلاً، كان رد الأعرابي:
"إن الله خلق روحي وجسدي فأنا أعبده بروحي وجسدي".
وفي أحد الأيام تأخرت في الصلاة قليلاً ودخلت غرفة الصف بعد دخول المدرسة بلحظات قليلة.
قالت المدرّسة: أين كنتِ؟
قلت: كنت أصلي.
قالت: ولماذا الصلاة كل يوم؟.. وهل تتعطل أمور ربك إذا لم تصلي له كل يوم؟..
قلت: لا تتعطل أموره سبحانه.. إن الأمر كله بيده، ولكن تتعطل أموري أنا لو انقطعت صلتي به.. وأحسست بغصّة: لماذا يُقاوم الإسلام، ويُفسح المجال لأي ناعق أن يقول ما عنده ويعلنه على الملأ ويتحدى به العالم، ولو كان تأليهاً لبشر.. أو تعصباً لقوم.. أو حتى عبادة لبقر وحجر. وهكذا مرت تلك الأيام بحلوها ومرها.
قلت لزينب: المهم أنك لم تتخلي عن ذلك الظل الذي اخترته وأحببته.
قالت: نعمْ إنه ظل الإسلام الذي منحني الرضى والطمأنينة.. طوال حياتي وفي كل الظروف التي مرت بي، فالحمد لله رب العالمين، وسأحدثك إن شاء الله في اللقاء القادم عن صاحبات لي رافقنني في معظم الطريق ولهن أثرهن في حياتي.




عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الخميس 29 مايو 2014, 8:55 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالثلاثاء 27 مايو 2014, 5:50 am

اللقاء الخامس



اهتمام الإسلام بالأسرة

قوامة الرجل هل هي لمصلحة المرأة
 

المرأة والعمل
 

الطلاق لماذا؟
 


وبدأت زينب الحديث:
 
- لقد كنت ذكرت لك شيئاً عن رفيقتيّ العزيزتين، فاطمة ومريانا، ولكن الحكاية لم تنته فلكل واحدة منهما قصة سأسردها لك، وسأبدأ بفاطمة:
لقد رافقتني فاطمة طوال مرحلتي الدراسية، وتخرجنا معاً في كلية الطب بعد الاختصاص بطب الأطفال، وكنا مغرمتين بالعمل في هذا الميدان، وقد اختارت فاطمة العمل في مشفى خاص، أما أنا فقد كانت لي عيادتي الخاصة، وهذه رغبة والدي رحمه الله.. وقد كان يشرف على المشفى الخاص طبيب جراح، درس في الخارج وكان ماهراً في عمله محبوباً من الجميع، وكانت فاطمة تحدثني عنه باستمرار، كنا صديقتين وأختين، ألف بيننا الإيمان والرضى، وحديثها كان ينم عن الإعجاب والتقدير لإنسان أمضى فترة طويلة من حياته في بلاد بعيدة، لا تدين بالقيم التي يؤمن بها، بل وفي كثير من الأحيان تحارب قيمنا هذه، ومع ذلك عاد أشد تمسكاً بما يؤمن، وكأن رحلته إلى تلك البلاد كانت سبباً مباشراً في توجيهه ليختار طريقه، ويصمم على السير فيه مهما كانت الظروف.
قلت: الحمد لله هناك كثيرون يعودون من مثل هذه الرحلة وقد خلت عقولهم من كل قيمنا وأخلاقنا يعودون أتباعاً وذيولاً لقيم أخرى.. ويؤمنون بنظريات هي الضياع والذل والتبعية.
قالت زينب: وهذا ما جعل فاطمة تحترم هذا الإنسان.. ويبدو أنه هو الآخر قد رأى في فاطمة إنسانة عاقلة لم يغرقها التيار الجارف، الذي انحدر بكثير من الفتيات إلى هاوية التقليد الأعمى لكل ما هو غربي، رأى فيها المرأة المتحضرة، المتعلمة التي تأبى أن تتنازل عن هويتها، مظهراً وعقيدة، ومع ذلك تلتقط الخير أينما وجد لتستفيد منه وتفيد، وقد أخبرتني فاطمة أنه أرسل إليها أخته لتسألها عن رأيها فيه، وهل تقبله زوجاً لو تقدم إليها؟ فأجابتها أن الأمر بيد والدها، وأما رأيها فيه فهو إنسان عظيم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
وهكذا تزوجا، وكان زواجاً ناجحاً مباركاً، وغمرتني الفرحة، إنها أسرة جديدة تتكون، لتدعم البناء الحضاري لأمة تسعى قوى الشر مجتمعة لتركيعها وإذلالها.
وفي نفس العام تم زواجي من قريب لي، طبيب له عيادة خاصة به، وأحسست أني سأبني أسرة تدعم الكيان الإسلامي العظيم الذي أعيش في ظله، وسأحدثك فيما بعد عن أحداث حياتي تلك.
وأعود إلى فاطمة، لقد سار مركب الحياة بها وبزوجها مساره الصحيح، حياتها طبيعية فيها الألفة والمودة والرحمة، ولا تخلو من خلافات تحسم لصالح المركب الذي يجب أن يستمر ليحضن البراعم الندية، ولقد رزقها الله بولد ثم ببنت، واستمرت علاقتي بها لم تنقطع وكثيراً ما أخذتُ بمشورتها وأخذتْ بمشورتي.. الزوج كان القيم وهو المسؤول الأول وهي إلى جانبه تعينه ويعينها.. تحمل له الحب والاحترام، إنه يقوم بواجبه على خير وجه، لم يتخلَّ عن اهتمامه بأسرته بالرغم مما يحمل من مسؤوليات جسام في الخارج، لم يفعل كما يفعل كثير من الرجال حينما يتركون العبء على المرأة فتخيب آمالها وتشعر أن الزوج قد أخلَّ بالعهد وتخلى عن مهمة ألزمه الله بها.
قلت لزينب: إن كلماتك عن القوامة عبّرت عما في نفسي، وإن كان كثير من الرجال يسيئون فهمها ويظنون أنها سيادة دكتاتورية، بينما آخرون يتخلون عنها ويتركون تكاليفها لتحملها المرأة، فتشعر بالظلم وأنها تحمل أكثر مما تستطيع، كما أن كثيرات من النساء يسئن فهمها ويعتبرن قوامة الرجل ظلماً لهن ويرفضنها، وخاصة اللواتي سحرتهن مقولة حقوق المرأة.
قالت زينب: فيما قلت كثير من الحقيقة ولكن أنا على يقين أن أي امرأة لو خُيِّرَتْ بين رجل ضعيف لا يريد حمل المسؤولية التي كُلّف بها، وبين رجل قوي لا يتخلى عن مسؤوليته تجاه أسرته، لاختارت الرجل القوي المسؤول.
وهكذا كان شعور فاطمة دائماً أنها أحسنت الاختيار، ولم تخف مشاعر الإعجاب في داخلها نحو الزوج العزيز، وإن كانت تشكو أحياناً من ثورات غضبه، نصرة لحق أو دفعاً لظلم، وتقول: أخاف عليه ممن يدوسون الحق ويرفعون راية الظلم خاصة أنهم أصحاب سلطة، وكنت أطمئنها أن الأمر كله بيد الله تعالى.
وجاء اليوم الذي اختاره الله فيه، لينضم إلى قافلة الشهداء عندما أعلن كلمة الحق في وجه الظلم والطغيان الذي عم.. حتى وصلت أنيابه إلى نقابة الأطباء التي هو مسؤول عنها.. فلم يستطع السكوت.. فكان أن جاء زوار الفجر فأخذوه.. وقد أنهى صلاته وجلس للدعاء.. وقريباً من بيته قتلوه.. وروت لي فاطمة التفاصيل وفي عينيها دموع.. قالت: أرجو أن تكتب له شهادة في سبيل الله.. وهذا سيعزيني ويخفف عني.. لقد اغتالوا حتى الدموع في عيني.. فهذه الدموع التي ترينها هي أول دموع تظهر بعد اغتياله.. رحمه الله.
وسألتها: ماذا ستفعلين؟
قالت: سوف أغادر البلد ومعي ابني وابنتي، وسأجاهد لأضمن لهما ولنفسي حياة سليمة والله سبحانه لن يتخلى عنا، وسأجد بعونه تعالى من يقف إلى جانبي..
وفعلاً جاهدت وأعانها الله فهي الآن مسؤولة في هيئة صحية دولية.
وسألت زينب: هل استمرت الاتصالات بينكما؟
قالت: لم تنقطع صلتي بها وأنا معها وهي معي وإن بعدت الشقة، وقد علمت منها أخيراً أن ابنها قد أنهى دراسته العليا واستلم عملاً مهماً، وأما ابنتها فقد تزوجت من أستاذ جامعي بعد أن تخرجت في كلية الهندسة، وقد نقلت لي خبراً سرني عن ابنتها، وهو أنها تريد أن تمارس حقاً منحه لها الإسلام وتخلت عنه كثير من النساء، أتدرين ما هو هذا الحق؟
قلت: لا أدري لعله حق العمل.
قالت: لا إنه حق التفرغ للأسرة والبيت الذي هو مملكة المرأة وموطن راحتها وطمأنينتها.
قلت: إن الإسلام لم يمنع المرأة من العمل خارج البيت ضمن حدود الشريعة، وقد عملت المرأة المسلمة في صدر الإسلام أعمالاً كثيرة.. وفي كافة المجالات.
قالت زينب: نعم لا شك في ذلك ولكن الإسلام لم يوجب عليها العمل خارج البيت كما أنه لم يحرمه إن رغبت فيه ووجدت فيه خيراً لها ولمجتمعها.
قلت: إن ما دفعت إليه المرأة فنادت به وطالبت به هو ظلم كبير لها، لقد غرروا بها وجعلوها تحمل حملين ثقيلين في آن واحد.. العمل في البيت والعمل خارج البيت.. ولقد ذكر محمد رشيد العويد في كتابه "رسالة إلى حواء" استفتاءً قامت به مجلة ماري كير الفرنسية شمل 2،5 مليون فتاة عن رأيهن في الزواج من العرب ولزوم البيت، فأجابت 90% منهن بنعم. أما الأسباب فهي:
مللت المساواة مع الرجل.
مللت حالة التوتر الدائم ليل نهار.
مللت الاستيقاظ عند الفجر للجري وراء المترو.
مللت الحياة الزوجية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا عند اللزوم.
مللت الحياة العائلية التي لا ترى فيها الأم أطفالها إلا حول المائدة.
قالت زينب: لا شك أنهن صادقات مع أنفسهن ويصورن الحقيقة التي يعشنها.. فعلاً هذا ما حدث ويحدث.. المرأة العاملة تحمل بطيختين بيد واحدة.. وتئن ولا يلتفت إليها أحد.. وما التقيت بامرأة عاملة إلا وشكت من حمل تنوء به.. هذا عدا أمومة وئدت وديست بالأقدام.. وحُرم الطفل من قلوب راعية رحيمة مستعدة لتحمل كل الأعباء. لقد اغتالوا الأمومة.. تلك المهمة السامية.. التي كلفت بها المرأة ولا تستطيع القيام بها إلا الأم.. ومن أجل ذلك وضعت الجنة تحت قدميها.. بينما مهمات الحياة الأخرى يمكن لأي إنسان أن يملأ فراغها.. سواء كان رجلاً أو امرأة.. من خلال العلم والعمل.
قلت: لقد نطقت بالحق يا زينب، إن دعاة حقوق المرأة يريدون وأد أهم حق من حقوق الإنسان.. وهو أن ينشأ في رعاية أمّ متفرغة له. ما أشقى تلك الأمّ التي تسلّم ولدها لحضن آخر لتذهب هي إلى عمل يمكن أن يقوم به أي رجل أو أي إنسان آخر.. ومظلوم ذلك الطفل الذي حرم صدر أمه ورائحة أمه ولمسات أمه.
قالت زينب: أذكر بهذه المناسبة حادثة مؤسفة كان لها أثر عميق في حياتي:
زميلة لي رافقتني في كل المراحل الدراسية ما عدا العليا.. وكانت مهووسة بشيء اسمه حقوق المرأة وعمل المرأة.. وحملت لواء الدعوة إلى تحررها وسفورها.. وعاشت بعيدة عن تعاليم الدين وقيمه.. واختارت مهنة التدريس لتثبت أفكارها.. وترأست جمعية نسائية تدعي الدفاع عن حقوق المرأة.. وكانت تشكو دائماً أن ابنتيها لا ترضخان لمبادئها.. هذه الزميلة تعرضت لحادث مأساوي، فلم تقو على تحمله، وقد تجلت فيه حكمة المولى عز وجل.. جاءها المولود الذكر بعد طول انتظار.. ومع ذلك لم يحجزها عن القيام بمهمات تعتبرها مقدسة، وضعت الصغير الذي لم يتجاوز عمره الأشهر في عربة، لتنطلق إلى ميدان العمل الهام، واستدارت لتغلق الباب، فسبقتها العربة لتهوي بالطفل إلى أسفل السلم، وتوفي الطفل وانهارت الأم ولم تقو على تحمل الصدمة، وفقدت استقرارها النفسي.. ونفرت من كل متع الدنيا، وبعد فترة قصيرة لحقت بطفلها واستقرت في رحاب من حاربت تعاليمه واستهانت بقيمه.
قلت: لاشك أن الإيمان بالله والشعور بوجوده، خير معين للإنسان على تحمل أحداث الحياة، وأظن أن رصيد هذه المرأة من الإيمان كان صفراً، ولذلك تهاوت بهذا الشكل، والله أعلم.
قالت زينب: النفس الراضية المطمئنة هي النفس المؤمنة، التي تستعين بالله وتلجأ إليه في الشدائد، فيُعينها ويُهوّن عليها الأمر، ولقد مررت بتجارب مماثلة سوف أحدثك عنها عندما أحدثك عن مراحل حياتي الأخرى، والآن لنعد إلى ابنة فاطمة التي تريد أن تمارس حقاً تخلّى عنه كثير من النساء، وهو حقها في الاستقرار بالبيت، ولتؤدي مهمة أساسية ستُسأل عنها يوم القيمة، وقد أيدها زوجها فيما ذهبت إليه، وبالأمس وصلتني رسالة منها تعبّر عن سعادتها وإحساسها بالرضى مع الزوج والأولاد، وأنها تمارس هوايات محببة إليها مثل الخياطة.. والمطالعة.. وحضور الندوات والمحاضرات.. وأن وقت الفراغ لا وجود له في حياتها.. وتسأل هل الوقت الذي يصرف في منح المحبة والرحمة للأولاد والزوج والناس يعتبر وقتاً ضائعاً؟
قلت: وبماذا أجبتها؟
قالت: طبعاً أجبتها بأنه وقت مأجور لأنه يصرف على أسمى مهمة على وجه الأرض، فالأسرة التي تُؤسّس على المودة والرحمة هي أسرة مستعدة للعطاء، والمرأة هي الشعلة الدائمة التي بإمكانها أن تمد الوجود كله بمشاعر الخير والنماء من خلال بيتها وأسرتها، ومع ذلك فكثيرات من النساء يسعين وراء السراب، ثم يكتشفن أنهن خُدعن، وحمّلن أنفسهن ما لا تطيق.
قلت: ولكن ألا تظنين أن المرأة مضطرة في كثير من الأحيان إلى طرق أبواب العمل خارج البيت، سعياً وراء الرزق، ولتأمين حاجات الأسرة، لأن دخل الرجل لا يكفي، أو هو عاطل عن العمل لسبب من الأسباب، أو غير موجود؟
قالت زينب: لاشك أن كثيرات لهن مثل هذه الظروف.. في هذه الحالة يجب أن تمنح التقدير الذي تستحقه والمعونة التي تحتاجها.. وأن تُراعى ظروفها، من قبل الأسرة والمسؤولين عن عملها، سواء الدولة أو المؤسسات الخاصة..
قلت: لاشك أن المرأة تتعرض لظلم كبير في هذا المجال، حتى إنها في كثير من البلدان تمنح أجراً أقل من الرجل مع أنها تقوم بنفس العمل، عدا عدم مراعاة ظروفها في فترة الحمل والولادة، ثم عدم منحها الفرصة الكافية للإشراف على الطفل وهو في أمس الحاجة إليها.
قالت زينب: بل وأكثر من ذلك ففي بعض البلاد (العربية) لا يسمح لها باستحضار مساعدة لها، تحل محلها في البيت حال انشغالها بالعمل، وحجتهم في ذلك أن راتبها دون الحد الذي نص عليه القانون، وإذا كان راتبها يسمح واستحضرت مساعدة، أخذوا منها ضريبة ضخمة تعادل ما تأخذه المساعدة ويتكرر هذا كل عام، (وهذا ما حصل في بعض دول الخليج بالنسبة للمرأة غير المواطنة).
قلت: إن هذا ظلم كبير للمرأة العاملة.. ولا أدري كيف يفكرون ويحكمون، وهل بإمكان امرأة غير مطمئنة على بيتها وأطفالها أن تعطي وتبذل؟ إن المرأة تظلم في هذا الجانب، ولا أدري لماذا لا تهتم الجمعيات النسائية بمثل هذا الظلم.. عوضاً من المناداة بتحرير المرأة من دينها وقيمها وأخلاقها.
قالت زينب: إنه التقليد الأعمى للغرب دون وعي، ودون دراسة للواقع لمحاولة تصحيح المسار وإزالة العقبات.
قلت: لقد أخذنا الحديث بعيداً في موضوع المرأة والعمل، والآن أرجو أن تحدثيني عن رفيقتك مريانا، فقد أخبرتني أن لها قصة، وقد بدأتها لي في لقاء سابق، وأرجو أن أسمع ما بقي منها.
قالت زينب: إن مريانا صنف نادر من البشر، وفي حياتها دليل على أن الإنسان مؤمن بالفطرة، فقد نشأت في بيئة مسيحية متدينة، ومع ذلك فقد كنت أشعر أنها قريبة مني وأنها تعيش معي في ظل الإسلام، ففي إحدى الجلسات جرّنا الحديث إلى قضية صلب المسيح عليه السلام.
قلت لمريانا: كيف يعذب البريء ويهان ولماذا؟ هل من العدل أن يعاقب عيسى عليه السلام على خطيئة ارتكبها آدم عليه السلام، ويكون فداء للبشرية ليخلصهم من خطيئة ارتكبها أبوهم؟! أين المنطق في هذا؟
قالت مريانا: لا أدري وإن كنت تثيرين في نفسي تساؤلات كامنة لا أجرؤ على البوح بها. إنهم يرددون دائماً أن أمور الدين هي فوق المنطق والعقل.
قلت: هذا غير صحيح فليس في أحكام الدين ما يتنافى مع العقل والمنطق، وإن كانت هناك أمور لا تستوعبها عقولنا لأنها لم تُخلق لهذا، مثلاً ليس لنا أن نبحث في شأن الذات الإلهية، فعقولنا لم تُخلق لهذا، ولكننا ندرك بالعقل أنه سبحانه واحد أحد لم يلد ولم يولد.. وأما بالنسبة لخطيئة آدم فقد حلّها قرآننا الكريم ببساطة إذ قال سبحانه وتعالى:
)فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم( البقرة 37.
وأما أن يعاقب البريء عوضاً عن المخطئ فهذا منتهى الظلم، وقرآننا ينهى عن ذلك إذ يقول:
)ولا تزر وازرة وزر أخرى( الإسراء 15.
أي لا يعاقب البريء بدل المذنب، فهذا ظلم وحاشا لله أن يكون ظالماً كما أن في ذلك إلغاء لمسؤولية الإنسان عن أعماله وقد نفى القرآن الكريم قضية صلب المسيح عليه السلام فقال:
)وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم( النساء 157.
قالت مريانا: كلماتك تريحني لأنني في كثير من الأحيان أشعر بالضياع، ولا أدري أين الحقيقة في ألوهية المسيح؟ أين الحقيقة في بنوة المسيح؟.. وأين الحقيقة في الأقانيم الثلاثة؟..
وهكذا كانت تنتهي نقاشاتنا غالباً، وأنهينا المرحلة الثانوية معاً، وكانت تؤازرني في مواقفي دائماً وتشعرني أنها تعيش معي في ظل الإسلام، وإن لم تأخذ بشيء من مظاهره، وبعد انتهاء المرحلة الثانوية اختارت مريانا دراسة اللغة الفرنسية وآدابها.. ولم تنقطع لقاءاتنا، وقد أسرّت لي أنها معجبة بابن عم لها لم يكمل تعليمه بعد الثانوية، وانشغل بإدارة أعمال أبيه بعد وفاته، كما أنه يتودد لها، ولكنها لن تتزوج قبل انتهاء دراستها.
وحصلت على الشهادة الجامعية، وعُينت مُدرّسة في إحدى المدارس الثانوية في بلدتنا، وحققت أمنيتها وتزوجت من ابن عمها، وغمرتها السعادة وأنجبت ابنها الأول، وانشغلت كل منّا عن الأخرى فترة من الزمن، انشغلت مريانا بأسرتها وعملها، وهي المدللة المرفهة وحيدة أبويها، كما انشغلت بأسرتي وبولدي الأول، تجربتي الأولى في الأمومة.. قلقي وانشغالي وأنا بعيدة عنه وهو بأيد ليس فيها حس الأمومة ولا تحركها عاطفة الأم، وكانت خالتي هي اليد الحنونة التي أطمئن لها على فلذة كبدي.. ولبّت رغبتي وجاءت لتعيش معي.. بعد أن انقطعت فترة عن عيادتي وعملي.. هكذا مرت الأيام ولم أتصل بمريانا ولم تتصل بي، ويشاء الله أن ألتقي بها في حفلة مدرسية دعيت لها ووجدتها في قمة الشقاء والحيرة.
قلت لزينب: لماذا الشقاء والحيرة، بعد أن تزوجت ممن تريدين وأصبحت أماً؟
قالت: خدعها قلبها فلم تلتفت لعيوب كثيرة في الزوج الذي اختارته، ومع ذلك صبرت وتحملت الكثير، فالطلاق محرّم في شريعتها، وجاء اليوم الذي لم يعد فيه مجال للتحمل، فالزوج عاشق لأخرى وهو يلتقي بها دائماً.. بل أحضرها إلى مزرعته، وأقام لها بيتاً ويتعامل معها كزوجة متحدياً تعاليم دينه وقيم مجتمعه، وعادت مريانا إلى كنف أمها وأبيها مع ولدها، تتجرع كأساً مُرّة لا نهاية لها. وسألتني ما الحل، أشعر كأنني معلقة في الفضاء بين السماء والأرض؟ وقالت: تخيلي أرسل لي بالأمس يرجوني أن يسجل ابنه الذي جاءه من عشيقته على اسمي فرفضت ولا أدري ماذا أفعل.
وخففتُ عنها وقد شعرت بقسوة معاناتها.
قلت لزينب: فعلاً مشكلتها ليس لها حل في ظل شريعة تُحرّم الطلاق كما تحرّم الزواج بثانية، ألست معي أن الطلاق في كثير من الأحيان هو مطلب للمرأة وحل لمشكلاتها.
قالت زينب: هذا صحيح وقد نظم الإسلام قضية الطلاق بدقة وحكمة، ووضعه بيد الرجل أو بيد المحكمة، وذلك لأن الطلاق بالنسبة للرجل خسارة كبيرة لن يقدم عليها إلا مكرهاً، فسيخسر مع الزوجة المهر والنفقات التي أنفقها، ولذلك غالباً ما يلجأ الرجل للمحاكم وتسعى المحكمة لإعادة الاستقرار وإيجاد الحلول، فإن تعذر ذلك يكون الطلاق هو العلاج المناسب لمصلحة الأسرة، كما أنه الدواء المر لحفظ الكرامة لكلا الزوجين.
قلت: ماذا تقصدين بكرامة الزوجين؟
قالت: شعور الرجل بأن الزوجة لا تريده، أو شعور المرأة بأن الزوج لا يريدها، كما هو الحال بالنسبة لمريانا، فالحل هنا هو الطلاق بالنسبة لمجتمع يحافظ على القيم. أما في المجتمعات الأخرى فالحل أن تجاري المرأة الرجل وتبحث عن البديل، وهنا الطامة الكبرى التي ستدمر الأسر ثم المجتمع، ويتشرد الأطفال، وتنشأ الأجيال في جو بعيد كل البعد عن الجو السليم. فالكل يلهث وراء شهوته بعيداً عن إنسانية وكرامة الإنسان.. وسعياً وراء المادة والجنس والرفاهية.
قلت: الشيء المميز بالنسبة للطلاق في الإسلام.. أنه منظم بدقة وحكمة، فهو قد وضع للضرورة ولمصلحة كل الأطراف، كما أنه أبغض الحلال إلى الله، وهو حق للمرأة كما هو حق للرجل وإن كان على المرأة أن تلجأ للقضاء، أو تتفق مع الرجل وبذلك يتم التفريق أو المخالعة.
قالت زينب: نعم أذكر بهذا الخصوص قصة تلك المرأة، وقد وردت في "صحيح البخاري" و"موطأ الإمام مالك" وغيرهما واسمها حبيبة بنت سهل، جاءت إلى النبي صلوات الله عليه وسلامه فقالت:
"يا رسول الله ما أعيب عليه من خُلق ودين ولكن أكره الكفرَ في الإسلام.."
تقصد أنها لا تألف زوجها، وتعايشه وهي مكرهة، وتخشى على نفسها من الانحراف إن لم يفرق بينهما، فأمر النبي الكريم أن ترد عليه حديقته التي هي مهرها وفرّق بينهما، ولم ينكر عليها ما طلبت، إنه الإسلام دين الفطرة ودين الكرامة.
قلت لزينب: الحل في ديننا موجود ومع ذلك فنسبة الطلاق في بلادنا قليلة إذا قيست بما يحدث في البلاد التي تخلّت عن القيم وكثُرت فيها المغريات، وزالت مشاعر المودة والرحمة وحلت محلها دوافع الشهوة والهوى، فديننا أوجد لنا الحلول من خلال مراعاته للفطرة والواقع البشري، ومشكلة كمشكلة مريانا لن تجد لها حلاً في ظل الديانات التي لم تستوعب حقيقة الإنسان.. وأنه ليس ملاكاً، كما أنه ليس حيواناً تسيّره الغرائز والشهوات ولا شيء غير ذلك.. فما رأيك؟
قالت زينب: ليس رأيي ولكنه الواقع فكثيرات يعانين مما عانت منه مريانا ولا حل إلا في الانحراف والضياع.. أو الهروب كما فعلت مريانا.. لقد قررت أن تذهب بعيداً وتنشغل بالعلم فسافرت إلى فرنسا، وقررت أن تنال الدكتوراه في الأدب الفرنسي، وهناك لمست لمس اليد ما يعانيه مجتمع يقال إنه متحضر من انحراف وضياع في جوانبه الإنسانية، وإن بدا ضالعاً في التقنية والعلوم.
واستمرت المراسلات بيني وبينها.. وأخبرتني أنهم يعاملونها كمسلمة، لأنها عربية، وأنها تسكن مع أسرة عربية مسلمة وهذا يريحها نفسياً.. وأنها تسعد بحضور ندوات ومناقشات تُبحث فيها أمور كثيرة، وقد أخبرتني في إحدى رسائلها أنها حضرت محاضرة تحدثت فيها إحدى السيدات عن الإسلام وأنه الدين الذي وقف إلى جانب المرأة وأنقذها من ظلم الجاهلية.. وبعد انتهاء المحاضرة وُجهت أسئلة كثيرة للمتحدثة.. أحسنت الإجابة عنها.. وأن أحدهم أراد أن يحرجها فقال:
- حديثك جميل ومقنع عن الإسلام، ولكن ألا تؤمنين معي أن تعدد الزوجات فيه ظلم كبير للمرأة؟
وكان رد المحاضرة أكثر إحراجاً فقالت:
- أنا أود أو أوجه سؤالاً للرجال: مَن منهم مكتف بزوجته؟!
- فلم يجب أحد.. فقالت:
- هذا يكفيني الآن وسنتحدث في المحاضرة القادمة عن تعدد الزوجات إن شاء الله تعالى.
قلت لزينب: إنهم يغضون طرفهم عن تعدد الخليلات ونتائجه المدمرة، ويوجّهون سهامهم لتشريع إلهي حكيم وُجد لمصلحة الجميع.
قالت زينب: وهكذا وجدتُ مريانا شيئاً فشيئاً تتقرب من الإسلام، تستقي من منابعه، وتجد فيه الحل لمشكلتها، ولم تكن مفاجأة لي عندما أخبرتني أنها اختارت الإسلام منهاجاً لحياتها بعد اقتناع ودراسة، وأنها ستبقى في فرنسا لتتقي المصادمة مع أسرتها.. وإن كان أبواها وافقا على اختيارها، وسجّلا باسمها معظم ما يملكانه من عقارات فهي وحيدتهما، كما أعطيا ابنها ما يكفيه، وقد سافرا إليها مراراً وأيداها بكل ما تفعل، أما ابنها فله حريته وله اختياره عندما ينضج عقله، ويكتمل وعيه، وقد فضّل اللحاق بأمه إلى ذلك البلد ليكمل تعليمه، خاصة أن أباه لم يمنحه الرعاية الكافية.
قلت: إذن لقد وجدت مريانا حلاً لمشكلتها في الإسلام، ولكن هل بقيت بلا زوج؟
قالت: بل تزوجت أخيراً من فرنسي اهتدى إلى الإسلام بعد أن بحث طويلاً عنه، فانتقل من مبدأ إلى آخر ومن عقيدة إلى أخرى ثم حط رحاله في رحاب الإسلام، وأعلن أنه وجد فيه الحقيقة التي بحث عنها طويلاً، وهو يعمل في ميدان الأدب والصحافة، أما مريانا فانصرفت إلى التدريس في مؤسسة تشرف عليها هيئة عربية إسلامية.
قلت: وبذلك حُلّت جميع المشاكل حتى مشكلة زوجها السابق أيضاً فيما أظن، فبإمكانه أن يحول علاقته المحرمة إلى علاقة شرعية.
قالت: لا علم لي بما حل بذلك الزوج وبعلاقته وما حُكم ما فعل وهل لفعله حل؟ المهم أن الله تعالى يسّر لمريانا كافة أمورها، وهي تعيش الآن حياتها مستقرة يظللها الرضى والاطمئنان وصدق الله العظيم إذ يقول:
)ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً( الطلاق 4.
وسأحدثك في اللقاء القادم ‘إن شاء الله عن أمور مرّت في حياتي ولا تزال محفورة في ذاكرتي، والآن وداعاً وفي أمان الله أنت وكل الذين يستظلون بظل رحمته سبحانه وتعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالخميس 29 مايو 2014, 9:00 am

اللقاء السادس


الأمومة رسالة المرأة الأولى. نظام الإرث هل ظلم المرأة؟


في معية الله سبحانه تهون الصعاب
 

قطرات المطر تضرب النافذة بشدة.. وحان موعد اللقاء بزينب فهل ستأتي؟
 
منذ لحظات كانت أشعة الشمس ظاهرة من خلال الغيوم، أما الآن فقد غطت الغيوم جوانب السماء.. سبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر.. الكون كونه.. والمُلك ملكه.. والأمر أمره.. والكل عبيده يأمر فيُطاع، واستباحت قطرات المطر الأفنية والشوارع، أما التراب فهو في شوق لها وسيمتصها بسرعة ويتفاعل معها، وأما الشجيرات العطشى فقد فتحت الأكف تنتظر اللقاء بشوق ولهفة، كأنها إنسان اشتدّ به الظمأ لقطرات من الماء، وها هي تأتيه بقوة من فوق.. من ربّ السماء، فيرفع يديه ويستقبلها بشوق بينما تضيق الأفنية والشوارع ببرك المياه، كما يضيق بها العابرون والمارون، ناسين أنها رحمة من الله وأن الحياة لن تستمر على الأرض لو انقطعت عنها هذه الرحمة، فسبحان الذي جعل من الماء كل شيء حي..
وانتشلتني من متعة التأمل طرقات على الباب، إنها زينب لقد أصابها البلل وبادرتني قائلة:
- هل تصدقين أنني كلما سمعت قطرات المطر تعزف موسيقاها الرتيبة انبعث في داخلي هاتف يدعوني للخروج لكي أستقبل مظهراً من مظاهر رحمة الله، وهكذا أخرج غير مبالية بما يحدث لي.
قلت: أهلاً وسهلاً بك وإنني في انتظارك، وقد شغلني المطر كما شغلك، أما الآن فإنني على استعداد للاستماع إليك والتعرف على الأحداث التي عشتها، ولا تزالين تعيشينها في ظل الإسلام، هذا المنهج الذي تستقيم النفوس في ظله، وتجد الفطرة فيه الراحة والسلام.
قالت: أحداث مؤلمة مرّت في حياتي كغيري من البشر، سأذكر بعضها لك، وإن كان الظل الذي لجأت إليه حماني، وكان إحساسي دائماً مع ربّ قريب مجيب، يسمعني ويعلم ما بي، وهذا هوّن عليّ الألم وسهّل لي الصعب، وها أنذا أبدأ بأول حادثة في حياتي، وفاة أمي رحمها الله.. فقد كنت صغيرة. بكيت وتألمت.. صورتها لا تفارقني حتى الآن ودعواتي لها لا تنقطع أبداً، وأجد راحة كبرى عندما أتذكر أن الموت آت، وهناك سنلقى الأحبة ومنهم أمي منبع الرحمة والحب.. وبالرغم من أن أيدياً كثيرة امتدت لي وانتشلتني مما بي، ولكن يدي أمي لهما طعم خاص في نفسي، لا أستطيع وصفه ولا جدوى من الكلام فيه. ولا أنسى حنان أبي والرعاية التي أحاطني بها، ثم زواجه ممن ترعانا وتسهر على راحتنا، ولم يشغله زواجه الجديد عن الاهتمام بنا وتفقّد أحوالنا وتأمين كل ما نحتاج إليه.
قلت: هكذا يكون الراعي الذي يشعر بمسؤوليته أمام الله.. يذكّرني هذا بزميلة لي توفيت رحمها الله وتركت ثلاثة أبناء أصغرهم في الثانية من عمره وأكبرهم في التاسعة من عمره، وتزوج الأب بفتاة صغيرة إرضاء لنوازع نفسه، ناسياً واجبه نحو صغاره، وكان أن شغلته عن كل شيء، بل أكثر من ذلك كان يغار على زوجته من ابنه الكبير، ويمنعها من أن تقدم للأبناء أية معونة فلهم غرفتهم وفيها متاعهم وعليهم أن يتدبروا أمرهم. وقد ساءت أحوالهم كثيراً، لولا الرعاية الدافئة التي كانوا يجدونها عند جدتهم لأمهم كلما لجؤوا إليها ليجدوا عندها بعضاً مما كانوا يجدونه عند أمهم وأبيهم في الأيام الماضية.
قالت زينب: شتّان بين من هو عبد لنزواته وشهواته وبين من هو عبد لربه سبحانه، لقد كان أبي رحمه الله نموذجاً لعبد من عباد الله الصالحين.. فبالرغم من تعلقه بخالتي وحدبه عليها، وهذا مما كان يمكن أن يضايقني أحياناً، لولا إحساسي أنّ المودة والرحمة حق لها كما كانتا حقاً لأمي رحمها الله، بالرغم من ذلك لم يتغير شيء بالنسبة لاهتمامه بنا. وهكذا سارت بي الحياة سيرها الطبيعي دون عثرات، وأنهيت دراستي، وعملت في الميدان الذي أحببته، وتزوجت من إنسان اختارني واخترته بملء إرادتي، إنه قريب لي يعرفني وأعرفه.
قلت لزينب: هل أفهم من هذا أن ما ربط بينكما كان ميلاً عاطفياً؟
قالت: لا أستطيع أن أحدده كنت أشعر أنني سأنسجم معه وستكون بيننا مودة ورحمة وسنكوّن أسرة سعيدة. العاطفة موجودة ولكن العقل كان موجوداً أيضاً ولم يكن بعيداً.
قلت: وهل تحقق ما أحسست به؟
قالت: نعم تحقق إلى أبعد الحدود، وعشت حياة مستقرة مملوءة بالرضى بين عيادتي وبيتي.
قلت: ألم تحصل بينكم خلافات؟
قالت: هذا شيء لابد منه وخاصة في البداية، ولكن كنا نسارع إلى تسويتها ببعض التنازلات. وغالباً ما تكون من جانبي، فقد كان في طبيعة زوجي شيء من العند والتمسك بالرأي، ومع ذلك فقد كان ليناً بعيداً عن العنف، ويصل إلى ما يريد باللين ولكن لا يتراجع، وبعد أن فهمته أصبح بإمكاني أن أتكيف معه. وجاء ابني الأول وتذوقت مشاعر الأمومة، كما كان يلازمني إحساس مؤلم كلما غادرت البيت تاركة ولدي لمن استعنت بها لتحل محلي في غيابي، إنه إحساس من ترك قلبه في مكان وحلّ هو في مكان آخر، إنه شعور مؤلم لا يقدّر مدى مرارته إلا أمّ سلّمت فلذة كبدها ليد الله أعلم بما ستفعله بمن لا يستطيع التعبير ولا الشكوى، وهكذا ودون توقف توالت عليّ مشاق الحمل والولادة، وجاء بعد محمود سميّة وإسراء، وقررت أن أتوقف لفترة فقد أصبح الحمل ثقيلاً، كما قررت أن أهجر العيادة، فبيتي وأطفالي أحق بوجودي ورعايتي، ومرّت فترة وجاء طارق. وأشفقت عليّ إحدى خالاتي وجاءت لتعيش معي، بل مع أطفالي وتكون عيني التي تهتم بهم وترعاهم أثناء غيابي، وهنا تأتي حادثة أخرى مؤلمة في حياتي وهل تخلو الحياة من الآلام؟
قلت: ولكن هناك فرق بين من تؤلمه الحياة ولا سند له من إيمان بالله ورضى بما قدّر وقضى، وبين من تأتيه الآلام فيتقبلها بالصبر والرضى لأنها من عند الله، ولأنه يُثاب حتى على الشوكة يُشاكها. وقد نبّهنا مولانا سبحانه لنكون دائماً على استعداد كما في قوله تعالى:
)ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون( البقرة 155، 156، 157.
قالت زينب: الحمد لله على كل حال ففي معيته سبحانه يهون الصعب، لقد امتدت يد الطغيان إلى أخي الكبير، الذي حدثتك عن سعادتي بزواجه في لقاء سابق، أخذ من بيننا في ظلام الليل وغاب عنا.. ومرت الأيام والشهور ولم ندر عنه شيئاً أهو حي أم ميت؟ أين هو؟ ماذا يفعل وماذا يفعلون به؟ ولماذا خلا بيته من أب صالح؟ لا أحد يدري؟ وكانت ضربة قاسية مؤلمة لنا جميعاً، وخاصة بالنسبة لأبي، أما أطفال أخي الأربعة فقد كانت تملأ عيونهم الحيرة والخوف، وسؤال لا جواب له: أين أبي؟.. وتحاول الأم المسكينة أن تكفكف الدمع وتقول شيئاً فلا تستطيع، لو كان الموت.. لو كان لقاء الله لهان الأمر فالموت نهاية كل حيّ.
قلت: وكيف انتهى هذا الأمر؟
قالت: إنه لم ينته وكأنه لا نهاية له، تستيقظ الآمال أحياناً بأن الفرج آت وبأننا سنراه قريباً، وتمر الأيام والسنوات ولا يحدث شيء.. إن الله سبحانه يمنح الصبر لعباده المخلصين فيصممون على الاستمرار في الحياة ولولا ذلك لانهار كل شيء، خاصة أن ما حدث لنا قد حدث لكثيرين غيرنا، وقد كانت عاصفة قاسية تلقاها أبي كما تلقى سيدنا يعقوب فقدان ابنه وردد أبي كما رددنا معه )فصبر جميل والله المستعان..( يوسف 18.
قلت: وماذا فعل أبوك رحمه الله؟
قالت: لقد حاول أن يفعل شيئاً ولكن الأبواب مغلقة، فقرر أن يسعى لإزالة آثار هذه العاصفة بعد أن قدّر لها أسوأ الفروض وهو أن لا يعود أخي أبداً.
قلت: كيف سيزيل هذه الآثار؟
قالت: لقد كانت أسرة أخي شغله الشاغل رحمه الله، وكأنه تيقّن أن هذه الغيبة لا نهاية لها، فقرر أن يفعل ما يضمن لأسرة الغائب حياة كريمة قبل أن يحين الأجل في يوم لابد آت، فقد يفقدون الجدّ بعد فقدهم الأب والموت نهاية كل حي.
قلت: وماذا فعل من أجلهم رحمه الله؟
قالت: استدعاني في أحد الأيام مع أخوي غسان وعمر، وأخبرنا أنه سيوصي لأولاد أخي الغائب بما يخص والدهم من الميراث، أراد أن يسمع رأينا في الموضوع فوافقنا جميعاً، بل طلبنا منه أن يخصهم بما يشاء من ثروته حتى لو أوصى لهم بكل ما يملك فنحن موافقون.
فرفض وأخبرنا أن نظام الإرث في الإسلام لا مثيل له في أية شريعة أخرى، وأنه نظام يقوم على العدل والرحمة، وعلى أن المال مال الله، وأن الإنسان إذا حانت وفاته، انقطعت صلته بماله إلا في حدود الثلث، فله الحرية أن يهب هذا الثلث لمن يشاء.
قلت لزينب: لاشك أن نظام الإرث الإسلامي نظام رائع، ومع ذلك هناك من يحاول أن يجد فيه مثلباً، مثل قولهم: بأن فيه ظلماً للمرأة إذ أعطاها نصف نصيب الرجل..
قالت: حاشا لله أن يظلم، بل يكفي المرأة أنه لأول مرة في التاريخ يصبح لها حق في الإرث، بعد أن كانت وما تملك ملكاً للرجل، لاشك أن الظلم يجري في قوانينهم التي وضعوها فكانت ظالمة لفئة ما، بعيدة عن العدل والحق، فمنهم من لا يورث إلا الولد الأكبر ذكراً كان أو أنثى، ومنهم من يوصي بثروته لكلب أو هرة أو راقصة، ومنهم من يحرم الأولاد والأسرة ويوصي بالثروة لجهة من الجهات، أين هذا من عدله سبحانه وتعالى.
قلت: صحيح أن الرجل له ضعف نصيب المرأة من الميراث، ولكن هو المكلف بالإنفاق عليها، فقد راعى الإسلام ناحية التكافل بين أفراد الأسرة، كما راعى الحاجة ولم يحاب أحداً، فالله سبحانه لا يضيع أحداً، الخلق جميعاً عياله، رجال ونساء:
)أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض..( آل عمران 195.
وهل تعلمين أن المرأة في حالات كثيرة تأخذ مثل ما يأخذ الرجل، فقضية النصف هي بالنسبة للأولاد كما ورد في الآية الكريمة:
)يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..( النساء 11.
قالت: كيف؟ هل يوجد حالات تأخذ فيها المرأة مثل الرجل؟
قلت: نعم وسأذكر لك بعض هذه الحالات، وهناك من أحصى ستاً وعشرين حالة ترث فيها المرأة نصيباً يعادل نصيب الرجل أو يزيد عليه، وسأذكر لك بعض هذه الحالات:
- إذا ترك المتوفى إخوة وأخوات له من أم فهم شركاء في الثلث بالتساوي بين ذكر وأنثى.
- إذا توفيت المرأة وتركت زوجاً وبنتاً فإن البنت ترث النصف ويرث والدها زوج المتوفاة الربع فترث البنت ضعف أبيها.
- إذا ترك المتوفى أولاداً وأباً وأماً يرث الأب والأم الثلث بالتساوي لكل منهما السدس.
وهكذا تجدين أن القضية لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة.. وإنما مبنية على عدل الخالق وحكمته في إعطاء كل إنسان ذكر أو أنثى حسب حاجته وحسب ما حمّل من أعباء، والله يعلم مالا نعمله، ونحن واثقون من حكمته، وأن منهجه خير منهج، فهو يناسب فطرة الإنسان ويمنحه سكينة الروح إلى جانب الاكتفاء المادي.
قالت: حقاً لن يجد الإنسان الراحة إلا في ظل نظام يستوعب حاجاته الروحية والمادية، والإسلام هو النظام الوحيد الشامل الذي ما ترك ناحية من نواحي الحياة إلا وسنّ لها ما يلزمها من خطط ووسائل.
قلت: ولكن للأسف الشديد لا ينفذ هذا النظام على الأرض، إلا في جوانب محدودة منه، بينما يعيش في ظلّه من آمن به وسعى إليه، وارتضاه منهجاً لكل لحظة من لحظات حياته.
قالت: أحمد الله وأرجو أن نكون من هؤلاء أنا وأفراد أسرتي، وهكذا حقق والدي لأسرة أخي حياة كريمة، وقدّم لهم كل ما يستطيع مادياً ومعنوياً، متبعاً تعاليم شريعته التي قامت على العدل والتكافل، وبعد عدة سنوات توفي والدي رحمه الله، وقد اطمأن علينا جميعاً، وودعنا وهو يردد الشهادتين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولا أنسى أبداً ابتسامة ارتسمت على وجهه توحي بالرضى والاطمئنان، وبالرغم من أن الموت متوقع وسيلفّنا جميعاً في يوم ما، مع ذلك كان فراقاً مؤلماً هزّني من الأعماق، لولا إيماني بأن لقاءات ستجمعنا في دار أرحب، وما الموت إلا الانتقال من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
قلت: مما لاشك فيه أن الموت حقيقة تواجه الإنسان في كل لحظة، ومع ذلك يتصرف البشر وكأنهم خالدون مخلدون على هذه الأرض، فكيف كان سيكون الحال لو انتفت هذه الحقيقة؟! تخيلي ذلك.
قالت زينب: ماذا؟ تريدين أن أتخيل حياة بلا موت على هذه الأرض؟ حسناً.. إنني أتخيل البشر وقد انقلبوا وحوشاً يأكل بعضهم بعضاً.. فالحمد لله على نعمة الموت.
وهكذا بعد وفاة والدي رحمه الله استمر بنا الحال، أسرة متعاونة مترابطة، تجمعنا الأخوة والمنبت الواحد والظل الواحد، وكذلك بالنسبة لأسرتي الصغيرة.. حتى جاء ذلك اليوم، وأعتبره يوم الابتلاء والامتحان الأكبر بالنسبة لي، كان يوماً من أيام العشر الأخيرة من رمضان وابنتي سمية تصوم رمضان كله للمرة الأولى، وهي طفلة في الثامنة من عمرها، وخبّرني زوجي من مقر عمله أن أخاه قد جاء لزيارته، وكان يقيم في مدينة أخرى، وتذكرت أنه يلزمني في البيت بعض الأشياء من أجل الضيف، فقررت الذهاب لشرائها، وأسرّت لي سمية أنها تود الذهاب معي، فالمدرسة طالبتها ببعض المستلزمات وعليها إحضارها، وأذنتُ لها، وغمرتها الفرحة وانطلقت لتنتظرني في الخارج، ريثما أكمل استعدادي. وخرجت لتفاجئني ضوضاء وتجمّع على الدرج، ولا أدري كيف استوعبت الخبر، لقد سقطت ابنتي وهي تنزلق فرحة على سياج الدرج.. وارتمت أمام أحد أبواب الجيران.. وحملها الجار إلى المشفى القريب.
قلت: يا الله ما أصعب هذا الموقف!.. وماذا فعلت؟.. إنني أرى الدموع تسيل من عينيك الآن بلا بكاء..
قالت: لم أفعل شيئاً، دموع حارة سالت من عيني كما تسيل الآن، وكما تسيل كلما تذكرت، وهرولت ناحية المشفى، ووجدتها في غرفة الإنعاش، وقد تحلّق حولها الأطباء، ودخلت ووضعت يدي على جبهتها الباردة، كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة.. قطرات من عرقها لامست يدي.. خصلات شعرها الأشقر بدت مبتلة، زرقة لوّنت جانب رقبتها، أغمضت عينيها.. وانتهى كل شيء.. ركعت إلى جانبها وأمسكت بيدها وتمنيت أن أبقى هكذا إلى مالا نهاية.. وخيّل إلي أنها همست لي: صبراً سنلتقي غداً في الجنة.. لقد فتحت الجنة أبوابها.. وكانت دائمة السؤال عن الجنة وأحوالها، ومتى ستفتح أبوابها؟.. ومتى سنشرب من كوثرها؟ وها هي تذهب إليها صائمة ظمأى.. واحتضنها أبوها ورأيت الدموع في عينيه.. وهمس:
إنني لا أصدق..
وهمست: سيكون لقاؤنا في الجنة إن شاء الله تعالى.
وقال أحدهم: صبراً ستكون لكما ستاراً من النار يوم القيامة إن شاء الله.. وكما قال سبحانه:
)واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون( البقرة 45.
قلت لزينب: لاشك أن الأمر في غاية الصعوبة، وخاصة عندما يكون فراق الأحبة مفاجئاً لنا.. ولكن من صبّر نفسه صبّره الله.
قالت: لقد كان الأمر فوق احتمالي.. عندما حملوها إلى مقرها الأخير ورأيت الدموع في عيون إخوتها، أحسست أن ناراً اشتعلت في صدري.. شعور ما عرفته من قبل.. فقد فقدتُ الأم والأب والأخ.. ولكنها فلذة كبدي.. وصبّرت نفسي، وتذكرت أن اللقاء آت لا ريب فيه، وفي معيته سبحانه تهون الصعاب، والآن أقول: الحمد لله الذي أمدّني بنعمة السلوان، وأعانني على الصبر.. وقد لازمني في مصيبتي وعده سبحانه:
)ومن يتّق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعْظِمْ له أجراً( الطلاق5.
وقد جنيتُ خلال ذلك ثماراً كثيرة أهمها الاطمئنان والرضى.
قلت: شتّان يا عزيزتي بين من ناداه ربه فلبّى وأطاع، وبين من سمع النداء فنفر واستعلى، وشتّان بين من يجني في معارك الحياة الاطمئنان والرضى، وبين من يجني الخوف والتوتر والقلق.. هناك من يلجأ إليه سبحانه ملتمساً منه العون والرضى فيرضيه ويعينه، وهناك من يواجه الدنيا منفرداً فيتهاوى بين يدي طبيب نفسيّ لا يملك من أمر نفسه شيئاً.. أو في وادي اليأس والضياع فلا يجد منفذاً للنجاة إلا الانتحار.
قالت: إنه فضل القرب منه سبحانه، وكلما ازداد قرب الإنسان من ربه هانت عليه الصعاب، وجنى ثمار التقوى فانحلت مشاكله واطمأن قلبه، وقد لاحظت كما لاحظ الجميع أنني أقدر على التحمل من زوجي.. ترى هل المرأة أكثر صبراً من الرجل؟.. لا أدري.. فكثيراً ما لاحظت دموعاً في عينيه وكثيراً ما سمعته يردد:
"إنني لا أستطيع أن أصدق، ولا أحتمل أن يضم التراب من كانت زهرة يانعة تملأ البيت ضحكاتها وأسئلتها.. كيف.. كيف يضم القبر من كانت حركة مستمرة لا تستقر ولا تهدأ إلا عند النوم؟"
فكنت أخفف عنه وأذكره برحمة الله وحكمته.. وأن ابنتنا ليست في القبر ولا في التراب، إنها إن شاء الله طائر يغرد في جنبات الجنة مع أطفال آخرين استضافهم المولى عز وجل في رحابه.. فكان يهدأ.. والآن لقد أطلت عليك وأثقلتُ عليك وعلى نفسي.. أستودعك الله وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالخميس 29 مايو 2014, 9:07 am

اللقاء السابع


حدود طاعة الزوج. ضرب الزوجات. الإسلام نظّم ولم يكبت

اتفقت مع زينب أن يكون هذا اللقاء في المشفى الخاص، الذي تعمل فيه مع زوجها ونخبة من الأطباء والعاملين ذوي الكفاءة المبنية على الإيمان والتقوى، وقد سمعتُ عن هذا المشفى كثيراً، وأن فيه دواء للنفوس والأبدان، وراحة للمرضى واعتدالاً ورحمة في التكاليف، وأحببتُ أن أزوره وأرى بعيني ما فيه، ووافقت زينب على أن تنتظرني في فترة راحتها، وحددت لي وقتاً معيناً..
وذهبت في الوقت المحدد، ولفت نظري نظافة ظاهرة شملت كل شيء، وحركة منظمة تسود المكان، وشدتني ابتسامة صادقة تعلو الوجوه المنصرفة لأداء عملها بإحسان طالبنا به المولى عز وجل.
واستقبلتني زينب في حجرتها وحالة من الرضى تحيط بالوجه المؤمن.
وقالت: أهلاً وسهلاً.. وأشارت إلى شاب يقف إلى جانبها –أعرفك بابني الدكتور محمود.
قلت: يسعدني أن أتعرف أخيراً على إحدى الثمرات في بستانك الغني ولكن زيديني معرفة بابنك العزيز.
وكان قد حيّانا وانصرف.
قالت: إنه أخصائي أشعة، ويعمل معنا في المشفى، وقد تزوج من فتاة إيطالية مسلمة، أحبت الإسلام ورغبت في العيش في أجوائه، ولاقت معارضة من ذويها، ولكن عندما تعرفوا على محمود واقتربوا منه أحبوه وأحاطوه برعايتهم، وقد أمضى السنة الأخيرة من دراسته في ضيافتهم في إيطاليا، يراقبون تصرفاته ويرون كيف يتعامل المسلم مع زوجته، ويتعرفون من خلاله على الإسلام، وقد زارونا هنا.. الأم والأب وأخبرتني الأم أنها تؤمن بكل ما جاء به الإسلام من معتقدات من وحدانية الله إلى نبوة عيسى ونبوة محمد عليهما السلام، وأنها بدأت تقرأ كتباًُ عن الإسلام، لتتعرف عليه من مصادره.
قلت: الحمد لله.. هذا عن محمود وماذا عن إسراء وطارق؟
قالت: إسراء تخصصت بمادة الرياضيات وهي تهوى التدريس، ومنذ صغرها أحبت أن تمثل دور المدرسة في لعبها مع رفيقاتها، كنت أراقبها وأحلم أنها ستكون مدرّسة ناجحة محبوبة.
قلت: وهل عملت بهذه المهنة الشاقة؟
قالت: نعم لقد عملت بهذا الميدان ونجحت، ولكنها شعرت بثقله، وبالأعباء الكثيرة التي تحملها المدرسة، ومع ذلك أحبته، واعتبرته جهاداً في ميدان العقول والأفكار، وأصرت على العمل بعد الزواج، حتى جاءها الأولاد متتابعين، بنتان وصبي ليس بين الواحد والآخر إلا سنة أو أقل من سنة واستحال الاستمرار.
قلت: ولماذا لم تنظم الأمر.
قالت زينب: كان زوجها يعتقد أن تنظيم النسل حرام، وحجته أن الرسول الكريم دعا إلى التكاثر وأنه سيباهي بنا الأمم يوم القيامة.
قلت: لعل تحديد النسل حرام، كما تفعل بعض الأسر بأن تحدد العدد بواحد أو اثنين، أو كما تفعل بعض الدول مثل الصين. أما تنظيم الأمر بما يتناسب مع مصلحة الأم والطفل فأظن أنه لا حرمة فيه. فالطفل يجب أن ينال حقه من الرعاية، وكذلك الأم يجب أن تُمنح الوقت الكافي للتربية والتوجيه، وما فائدة الكثرة إذا كانت غثاءً كغثاء السيل.
قالت زينب: فعلاً الأمر يحتاج إلى طاقة بدنية ونفسية واجتماعية، حتى يكون الناتج جيداً ويباهي به الرسول الكريم الأمم يوم القيامة، ويحضرني نموذج لتلك الأسر المرهقة من الكثرة، إحدى المترددات على مشفانا، تزوجت صغيرة من شاب متدين يعتقد أن هدف الزواج الوحيد الإنجاب دون توقف، وكل توقف حرام، وخلال فترة قصيرة كان العدد اثني عشر ولداً من الذكور والإناث، الأم مرهقة مريضة، والأب لا يعجبه شيء، وكل اللوم على الزوجة المسكينة المطيعة، والتي لا يمنعها إلا العجز عن تنفيذ كل ما يطلب، والأولاد لا يجدون الرعاية الكافية.. فاليوم جيء بأحدهم وقد سقط إناء زجاجي فوق رأسه وشقَّ وجهه وسالت دماؤه، وبالأمس سقط الابن الرضيع من يد أخته وأصيب بارتجاج والله أعلم ما النتيجة، والفوضى تعم البيت وكل فرد يشعر أنه مظلوم.
قلت: إنه فهم خاطئ للدين، فالإسلام دين يسر ورحمة، والكيف أهم من الكم في ميزانه.. والنظام في كل شيء سمة من سماته، وكيف يصبّ اللوم على زوجته وهو المسؤول الأول عما حدث.. كما أنه المسؤول الأول عن رعاية النبتات الصغيرة وإمدادها بروح الإسلام لتنشأ نشأة سليمة وينال كل فرد في الأسرة حقه من الرعاية.. وتظلل الجميع مشاعر الود والرحمة.
وكيف تصرفت إسراء مع مشكلتها؟
قالت زينب: لقد شكت لي بأن زوجها يتمسك بشدة بأمور هي من الفروع الاجتهادية التي اختلفت حولها آراء العلماء، وأنها تسايره فيما تقتنع به وسألتني النصيحة، فوافقتها على أسلوبها وأخبرتها أن طاعة الزوج واجبة.. ولكن ضمن حدود، فـ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(2) ولا للطاعة العمياء، فالله سبحانه آمنّا به بناء على العقل.. فلا إكراه في الدين ولا طاعة مع الإكراه "وإنما الطاعة في المعروف" ويخطئ من يطالب الزوجة بطاعة عمياء.. فيتحدى عقلها ومشاعرها وكرامتها.. وسيخسرها حتماً وإن قالت نعمْ لك ما تريد.
قلت: هذا جيد وكيف حلت مشكلتها مع الإنجاب المتوالي؟
قالت زينب: أعلنت التوقف والتنظيم، وتعاونا جميعاً على إقناع زوجها بأن التنظيم هو الأقرب لروح الإسلام، وقد كان بعض الصحابة ينظم بعلم رسول الله كما أن الله سبحانه لم يحرم ذلك.. بل القرآن يدعو إلى منح الوليد حقه من الرعاية فيعين حداً للرضاعة والعناية.. قال تعالى: )والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة..( البقرة 233.
وقد استجاب واقتنع.. والجيد فيه أنه يحاول فهم دينه وينفذ عملياً ما يفهم..
قلت: الحمد لله وماذا عن الصغير طارق؟
قالت زينب: لقد أصبح شاباً هو الآخر.. وهو في السنة النهائية، وقد تخصص في علوم الكمبيوتر وينوي أن يكمل دراسته وينال الدكتوراه، ولكنه يؤكد أنه لن يسافر للخارج إلا ومعه زوجة يختارها هو أو نختارها له.
هذا موجز عن أسرتي الصغيرة، وكما ترين: العدد قليل وكنت أتمنى أن يكون أكثر، ولكن هذا ما قسمه الله لنا.. ومع ذلك فأنا راضية عن إنتاجي وأرجو أن أكون قد أحسنت التربية.. وكثرت المسلمين بغرسات مثمرات إن شاء الله وليست غثاء كغثاء السيل بإذن الله تعالى.
واستدعيت زينب أثناء حديثها لمعالجة امرأة تعرضت للضرب.. وجلست أفكر:
ترى من ضربها؟ ولماذا؟
وعندما عادت زينب سألتها عن المرأة وما قصتها؟
قالت: يا عزيزتي إنها امرأة أمريكية تعمل في شركة خاصة، وقد ضربت بوحشية فوجهها شبه مشوه عدا عن أنحاء أخرى من جسدها.
قلت: من الذي ضربها؟ ولماذا؟
قالت زينب: من تظنين؟ إنه زوجها.. لقد سمعت كثيراً عن مشكلة ضرب الزوجات في الغرب، وكنت أشك في الأمر، وهذه أول حالة أراها بعيني لتؤكد لي ما كنت أسمع، ولا أدري كيف يحدث هذا في بلاد تدعي الحضارة وتتبنى حقوق الإنسان!
قلت: وأنا مثلك قد قرأت كثيراً عن الظلم الذي يقع على الزوجات في الغرب، ومنهن من يصبن بعاهات وينقلن إلى المشافي، أو تنتهي حياتهن بالموت، وقد سمعت من مصادر مختلفة مثل هذا الكلام كما قرأت إحصائيات تثبت ذلك. وقد شاهدت منذ فترة فلماً أمريكياً يرسم صورة رهيبة للطريقة التي تعامل بها بعض النساء هناك، حيث تشل أيدي الجميع عن تقديم أي عون لها.. تضرب بوحشية وتسيل دماؤها وتغتال كافة حقوقها.. والكل عاجز عن تقديم العون.. القانون.. والقضاء.. والأهل والجيران.. وتضطر للهرب وتغيير المأوى والاسم وحتى الشكل.. لتنجو بنفسها وطفلها.. وقلت في نفسي.. لو ضرب رجل مسلم زوجته أو ظلمها لوجدت الكل إلى جانبها.. القانون.. والقضاء.. والأهل.. والجيران.. وشتان بين هذه النظرة وتلك.. لقد كان حفيدي الذي لم يتجاوز السنوات الثلاث من عمره معي وأنا أشاهد ذلك الفلم المفزع عندما هجم الرجل على زوجته يضربها بوحشية عجيبة.. فرأيت طفلي يثور ويهجم على التلفاز ويكيل الضربات للرجل.
قالت زينب: إنها المروءة والنخوة التي قتلوها بحضارتهم الخاوية من القيم والمبادئ.. ونسمع بندوات تقام ومؤتمرات تعقد، ولا يجدون مظلوماً ينتصرون له إلا المرأة في بلادنا.
قلت: فليطمئنوا.. إننا في أحسن حال.. وقانون السماء يحمينا نحن النساء.. والجنة تحت أقدامنا.. وما أكرمنا إلا كريم وما أهاننا إلا لئيم وتوفي رسولنا صل الله عليه وسلم وهو يوصي بنا: "استوصوا بالنساء خيراً".
قالت زينب: وقد علم خالق المرأة والرجل أن الرجل قد يحتد بحكم طبيعته فيضرب ويؤذي.. فنظم الأمر بحكمة.. وذلك بالنسبة لامرأة متعالية متكبرة لا ترى إلا نفسها.. مما يثير العنف في داخل الرجل.. ومع ذلك فعليه أن يتروى، ففي البداية يكون النصح، فإن لم ينفع فالهجر.. فإن تمادت في غيها وشذوذها.. يأتي دور العلاج المر..
قلت: ومع ذلك فقد نظم قانون السماء الضرب.. إنه يؤذي ولا يترك أثراً.. إنه موجه للمرأة ليضعها في حالة نفسية معينة تعيدها إلى الواقع.. إنه علاج نفسي لامرأة متعالية.. قد ينفع فتصان الأسرة من الدمار.. وتعود تلك المرأة إلى رشدها فتدرك أن حق الأسرة مقدم.. ويجب أن يصل كل فرد فيها إلى حقه.. والرجال الملتزمون بدينهم يفهمون هذا ويقفون عند حدود الله.. وأما الذين تجردوا من القيم.. فهؤلاء يتحكم فيهم وحش القوة ويدفعهم إلى تجاوز الحدود.
قالت زينب: ورسولنا نبه إلى عدم تجاوز الحد فقال:
"لا تحقر.. ولا تضرب الوجه.."
ومع ذلك فقد نبه أيضاً إلى أن الصالحين لا يستعملون هذه الوسيلة..
"ليس خيركم الذين يضربون".
وهو صل الله  عليه وسلم لم يضرب زوجة أو مملوكاً.. أو خادماً قط.. كما أنه ليس بين النماذج التي نقتدي بها في تاريخنا أو واقعنا من ضرب زوجته، ذلك لأن ضرب المرأة مسبة في وجه من يفعل ذلك في قيمنا..
قلت: لا يسعني إلا أن أقول: أين هذا مما يحدث هناك في ظل الحضارة، من ملاحقات وإرهاب وملاجئ ومخابئ للسيدات.. وأرقام هواتف للاتصال السريع وطلب النجدة. فلتطمئن المرأة فالكل في نجدتها هنا.. الأهل.. والجيران.. والقضاء.. وحتى الأطفال من أمة محمد صل الله  عليه وسلم.
والآن لقد أخذنا الحديث بعيداً فلنعد.. وأخبريني عن الأسباب التي جاءت بكم إلى هذه البلاد.
قالت زينب: لقد كان فكرة زوجي، وكثيراً ما عرضها علي فأبيت.. حتى حدث ما جعلني أفضل الهجرة والرحيل، وسأذكر لك هذه الدوافع، وأولها وفاة أبي رحمه الله، فقد كنت متعلقة به وكان متعلقاً بي ووجدت أن رحيلي سيثقل عليه ويحزنه، وسيحرمه من بعض الرعاية التي كانت تسمح بها ظروفي، حيث أسعى لأكون معه وبجانبه، وقد احترم زوجي رغبتي هذه وأيدني فيها، فهو أيضاً حريص على صلة الرحم والإحسان لأبويه، فليس من الدين أن يدفعني إلى قطع ما أمر الله به أن يوصل، وأن يرجني عن دائرة الأمر الإلهي..
)وقضى ربك ألا تعبدوا إلى إياه وبالوالدين إحساناً( الإسراء 23.
قلت: أذكر بهذه المناسبة حديثاً ينسبه بعض الدعاة إلى رسول الله صل الله  عليه وسلم:
"أن امرأة مرض أبوها مرض الموت فاستأذنت زوجها لتعوده فأبى، فلما مات استأذنته أن تشهد الوفاة وتكون مع الأهل عند خروج الجنازة فأبى، فلما ذكرت ذلك لرسول الله قال لها: إن الله غفر لأبيك لأنك أطعت زوجك".. وفي نفسي تساؤلات كثيرة حول هذا الحديث، فأين البر بالوالدين؟ وأين صلة الرحم؟.. وأين الإحسان إلى الوالدين الذي قرنه الله سبحانه وتعالى بعبادته في أربع سور من القرآن الكريم: البقرة والنساء والأنعام والإسراء. فقد تكرر في تلك السور معنى الآية الكريم:
)وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياها وبالوالدين إحساناً( الإسراء 23.
أين كل هذا؟ إنني أشعر بالحيرة كلما سمعت هذا الكلام.
قالت زينب: لقد كان هذا الحديث يحيرني كما حيرك حتى قرأت كلمات للشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه "السنة بين أهل الحديث وأهل الفقه" فأحسست بالراحة. قال رحمه الله:
"هذا الحديث لا يعرفه رواة الصحاح، وهو يقطع ما أمر الله به أن يوصل، ويرخص الوفاء بحق الوالدين، وهدفه ألا تخرج المرأة من البيت أبداً، وهو هدف ينكره الإسلام، وفي الحديث الصحيح:
"إن الله أذن لكُنَّ أن تخرجن في حوائجكن"(3).
قلت: الحمد لله لقد أرحتني فالله سبحانه لم يفرض سجناً على المرأة، وكيف تستقيم حياة المرأة في بيت يسوسه مثل ذلك الرجل، وأين حقوق الوالدين التي ركز القرآن الكريم عليها، وهل المرأة حجر أصم حتى تلغى مشاعرها وعواطفها ورغباتها؟ إنه فهم خاطئ وتشويه لدين أعلن لأول مرة في التاريخ أن المرأة إنسان كامل، ولها كافة الحقوق، والرجل الزوج مسؤول عن حماية هذه الحقوق وصيانتها، كما تسأل الزوجة عن القيام بحق الزوج.
قالت زينب: ولقد ذكر القرآن هذه الحقيقة دون لبس:
)ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة( البقرة 228.
وهذه الدرجة هي مسؤولية الرجل في بيته وأسرته، عليه أن يحسن القيام بها ويحقق جو المودة والرحمة، الذي بدونه تختل أركان البيت، لا أن يكسر الضلع الذي جعل الله فيه اعوجاجاً ليحمي أعز ما تملكه الأسرة.. بل أغلى ما تملكه البشرية.. الأجيال.. وقد سألتني مرة أم زوجة ابني وهي إيطالية كما تعلمين: هل حقاً الإسلام يظلم المرأة في تعاليمه؟ ولا أدري كيف حضرت في ذاكرتي فوراً الآية الكريمة من سورة الأحزاب فتلوتها لها مترجمة:
)إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً.. (الأحزاب 35.
فدهشت وقالت: هل ورد هذا في قرآنكم؟..
قلت: نعمْ، ولقد وردت آيات كثيرة تشير إلى نفس المعنى وهو أن المرأة في عطائها وإنسانيتها مساوية للرجل..
قالت: رائع وهذا يكفيني.
كما ذكرت لها أن الله سبحانه سمع قول امرأة كانت تجادل رسول الله في أمر زوجها.. سمعها سبحانه من فوق سبع سموات وحل مشكلتها ولبى طلبها وأنزل فيها قرآناً يتلى، كما أنزل سورة خاصة بالنساء وهي من طوال السور.. وقد وعدتني أن تدرس القرآن، ولعل الله سبحانه يهديها للإسلام فهي كاتبة صحفية ولها نشاطها. ثم ما لبثت أن أسلمت والحمد لله تعالى.
قلت: اسمعي يا زينب نحن وإن كنا لا نريد شهادة من أحد على عدل الإسلام ورحمته بنا لأننا نعيش في ظل أحكامه ونلمس ما فيها من عدل ورحمة، مع ذلك فشهادة الآخرين تؤكد لنا باستمرار أن شريعة الله نعمة كبرى أنعم بها سبحانه على الإنسان.
زينب: نعم هي نعمة كبرى ومع ذلك يرفضها الجاحدون.. المغرورون.. التائهون..
والآن أعود بك إلى الدافع الثاني الذي جعل زوجي يفكر في المجيء إلى هنا، إنه الغزو الفكري والتقليد الأعمى الذي راح يجرف كل شيء في طريقه.. ووجدت أيد مسيطرة أيدته وركزت عليه، كالاختلاط غير المدروس الذي عم كل المجالات وخاصة بالنسبة للشباب، وأولادنا قد دنوا من تلك الفترة الحرجة من حياتهم، وكالتقليد لكل ما هو غربي واعتباره قمة الحضارة. مع أن أيديهم لم تمتد إلا إلى قشورها ونفاياتها.. فحشمة المرأة وابتعادها عن الميوعة والأجواء المنحرفة يعتبرونه كبتاً يدفع إلى الانحراف.. وهكذا..
قلت: أذكر هذه الموجة التي ما تزال تتحرك وتتقدم في مجتمعات إسلامية كثيرة.. تدفع الشباب دفعاً وخاصة المرأة إلى الهاوية.. لأنها هي الخاسر الأكبر من هذه التقدمية المزيفة.. هي التي لعبوا بها حتى حولوها إلى مجرد متعة للرجل..
بالأمس قرأت في إحدى المجلات عن انتشار فوضى الأمومة بلا زواج لمن لا يحسن القيام بها.. ففي أمريكا عدد كبير من الأمهات اللواتي لا تتجاوز سنُّ الواحدة منهن الحادية عشرة أو الثانية عشرة.. وهناك عدد أكبر من الأطفال الذين فقدوا صدر الأم وآوتهم الملاجئ والمحاضن.. وبعد أن كان لتلك الغريزة هدف سام هو تكوين الأسرة واستمرار البشرية.. أصبح الهدف مجرد الشهوة والمتعة.. وأصبحت المرأة متاعاً رخيصاً تتناوله الأيدي والأعين في كل مكان.. وانهارت الأسرة واختلت الروابط.
قالت زينب: ولا تنسي البلاء الأعظم وهو الشذوذ الجنسي بين الرجال والنساء حتى أصبح للشاذين والشاذات كنائس ترعى أمورهم وتعقد لهم عقود الزواج.. وأصاب شخصيات كبيرة في تلك البلاد..
قلت: نعم.. نعم.. وكيف أنسى ولطالما ردد مدعو الحضارة والرقي أن الشذوذ سببه الكبت وغلق الأبواب.. والفصل بين النساء والرجال.. وأن مثل هذه الأمور لا توجد في المجتمعات المنفتحة.. وإذا كان الكبت هو سبب الشذوذ كما يدعون.. فلماذا انتشر بينهم الشذوذ الجنسي بأنواعه وهم المتحررون.. المنفتحون.. كما يزعمون؟
قالت زينب: تباً لهم لقد نسي هؤلاء أن الإسلام لم يكبت ولكنه نظم.. واعترف بكل نوازع الإنسان وغرائزه ثم وضع ضوابط لها لئلا تطغى وتتجاوز الحدود.. وتدمر كل شيء. لقد اعترف بالغريزة الجنسية ودعا إلى إشباعها عن طريق الزواج.. وحض على الزواج وسما بدوافعه.. وها هي الأيام تكشف لهم الحقائق التي كانت خافية في يوم ما.
وهكذا كان زوجي حريصاً على حماية أبنائنا من منزلقات خطرة إذا ولجوا مرحلة المراهقة. وفكر أن نأتي إلى بلد لا يزال محافظاً إلى حد ما على وصايا ومقومات السلامة، ومع ذلك كنت أشعر أنه يستعجل الأمور وأن ترك الأهل والأوطان ليس بالأمر السهل.. وإن بدأت أميل إلى رأيه.
وفي اللقاء القادم إن شاء الله سأحدثك عن الدافع الثالث والأخير الذي أتى بنا إلى هنا.. فقد حانت ساعة الانصراف الآن.
قلت: حسناً أستودعك الله وإلى اللقاء بإذن الله تعالى..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالخميس 29 مايو 2014, 9:10 am

اللقاء الثامن


لماذا التعدد؟

وهل تعدد الزوجات حق مطلق للرجل؟

والتقينا في الموعد المحدد وبعد التحية بادرتني زينب قائلة:
- ما سأحدثك به اليوم سر لا يعلمه أحد إلا أنا وزوجي، وسأرويه لك بعد أن مرت السنون، وأصبح ذكرى، اختلط فيها الألم بالرحمة، والشعور بالمسؤولية بالدهشة والحيرة والعذاب.
كنت أخبرتك أن زوجي طبيب جراح، وكان يقوم ببعض العمليات الجراحية في عيادته الخاصة ولا بد له من ممرضة، وقد عرض عليه أحدهم فتاة مختصة متوفاة الأم وبحاجة للمساعدة، فقبلها لتعمل معه إلى جانب شخص آخر كان يقوم بمساعدته، أخبرني بذلك فلم أعر الأمر اهتماماً، فزوجي رجل مؤمن ومهتم بي وبأسرته، ولن أخشى عليه من فتاة تلازمه في عمله.
قلت لزينب: ألم تسأليه عن صفاتها، عن دينها.. عن أخلاقها.. عن سنها؟
قالت: لا بل اكتفيت بأنها فتاة فقيرة محتاجة للعمل، ربما كان هذا جهلاً مني بما تستطيع أن تفعله المرأة بالرجل إذا أرادت، كما غابت عني تلك الحقيقة وهي أن اختلاط النساء بالرجال إذا لم تصاحبه ضوابط مادية ومعنوية، أدى إلى ما لا تحمد عقباه.. وكان هذا لأمر يريده الله. ومرت الأيام بل الشهور.. وبدأت ألحظ بعض التغيرات في تصرفات زوجي، فهو دائم التفكير، يجلس معنا لكنه بعيد عنا.. همه الأول في العيادة، بعد أن كان همه الأول البيت والأولاد، وطالت مدة مكوثه في العيادة.. وفي إحدى المرات جاء مساعد زوجي إلى البيت يطلب بعض الحوائج، وخطر لي أن أسأله عن أخبار الممرضة، فأجابني: إنها فتاة فقيرة مسكينة، ولكنها دائمة الشكوى، تعرف كيف تصل إلى ما تريد، وكثيراً ما رأيتها تذرف الدموع أمام الطبيب، وتعرض عليه معاناتها من زوجة أبيها، وقد أنكرت عليها ذلك ولكن دون فائدة.
وبدأت تهاجمني الشكوك، وربطت بين تصرفات زوجي وما سمعت. وأثارت اهتمامي عبارة (تعرف كيف تصل إلى ما تريد).
قلت: ألم يخطر ببالك أن تذهبي إلى العيادة وتتعرفي بنفسك على ما يحدث هناك؟
زينب: خطر لي أن أفعل ذلك مراراً، ولكن فضلت أن أتروى ولجأت إلى ربي أسأله أن يهديني إلى ما أفعل، فزوجي متدين ومحال أن يرتكب حراماً.
وفي أحد الأيام جاء زوجي مبكراً، فسألته عن سبب مجيئه هكذا مبكراً، وفي داخلي خوف مما سيقوله، فقد لمحت في وجهه تعابير هزتني من أعماقي، وجاء الجواب بعد صمت:
- تعلمين أنك وأولادي أغلى ما أملك في هذه الدنيا، وأنا أثق بدينك وعقلك، ولذلك سأعرض عليك مكنون صدري.. فقد تعبت وقررت.
قلت (وقد أحسست بالدماء تغلي في عروقي): ممَّ تعبت؟ وماذا قررت؟
وقد شعرت أنني أغوص في هاوية لا نهاية لها..
قال دون أن ينظر إلي: تعبت مما أحمل من ميل نحو تلك الفتاة التي تساعدني، العاطفة في صدري تعذبني، ولا حل إلا باتباع الطريق الذي أحله الله تعالى..
قلت وأنا أحترق: ماذا تقصد بالطريق الذي أحله الله تعالى؟
قال ببرود استفزني: الزواج منها.. وهل يوجد غير هذا الطريق؟
وأحسست أن الدماء قد سحبت من جسدي. وأنني أهوي إلى قاع لا نهاية له ولم أنبس ببنت شفة وخرجت من الغرفة حتى أتمالك نفسي، وسألني ابني وكان جالساً في الصالة:
- ماذا بك؟ لماذا اصفر وجهك هكذا؟ ماذا بكما أنت وأبي؟ إن هناك شيئاً يحدث بينكما منذ مدة لماذا لا تخبراننا به؟
قلت: لا شأن لك بما يحدث واهتم بأمورك..
وانصرفت إلى المطبخ وأنا لا أدري ماذا أفعل.. أمسكت بسكين ولم أجد أمامي إلا بصلاً أفرمه متظاهرة بتحضير شيء للعشاء، وانسابت أفكاري مع دموعي متظاهرة أنها من البصل.. وعجبت من تماسك أحسسته في أعماقي.. لن أنهزم.. سأدافع عن بيتي وكياني.. مستعينة بربي راضية بما يرضاه لي سبحانه.. وقررت أن لا أخبر أحداً وخاصة أولادي، يجب أن يكونوا بعيدين عن خبر استسلام أبيهم للهوى، إنه مثلهم الأعلى، لن أجعله يتهاوى في نفوسهم بين يوم وليلة، ولم أنم تلك الليلة، وبدأت أرتب أفكاري بهدوء، ماذا سأفعل وكيف سأتصرف؟!
قلت: لله درك يا زينب، ما أثقله من حمل؟ قررت أن تنفردي به لتحافظي على البيت والأسرة، لا شك أنها مشاعل الإيمان تنير الطريق لحامليها من المؤمنين عند الحاجة لها.
وتابعت زينب حديثها: وفي الصباح بادرني وقد خلا البيت من الأولاد بسؤاله:
"لم أسمع منك رداً على ما قلت، لك المكانة الأولى في حياتي وفي نفسي لا شك في ذلك، ولكن هذا أمر حل بي وتسلل خلسة إلى داخلي ولا بد من حل يرضي الله تعالى.
قلت: كان يجب أن تفكر بحل يرضي الله تعالى منذ البداية لا الآن.
قال: ماذا تقصدين؟
قلت: ما أقصده أن تجعل بينك وبين هذه الفتاة حجاباً معنوياً.. أن يكون وجودها معك ضمن حدود العمل، أن تبتعد بحواسك عن منطقة الخطر التي حذر الرسول الكريم منها عندما أخبرنا أن العين تزني.. واليد تزني.. واللسان يزني..
قال: لا أدري كيف حدث لي ذلك..؟ لا أدري..
قلت: كان يجب أن تبعدها قبل أن تهزم بهذا الشكل، لقد نبهكم الرسول الكريم صل الله عليه وسلم إلى أن ناقصات العقل والدين يستطعن السيطرة عليكم إذا أردن.. ويسلبنكم العقل والحكمة. فلم تتعظوا ولم تعوا هذه الحقيقة.. واعتبرتم كلمات رسول الله حطاً من قيمة المرأة، وهو ما لم يرده الرسول الكريم.
قال: ما فائدة هذا الكلام الآن؟ لقد حدث ما حدث.. وانتهى الأمر..
وغلت الدماء في عروقي ولم أدر ماذا أقول، إلى هذا الحد يضعف الرجل؟ صدق رسول الله. لقد وعظ الرجال فلم يلتفتوا إلى مغزى كلماته، وهو أن المرأة التي تسبق عاطفتها عقلها غالباً لحكمة أرادها الله تعالى. تستطيع أن تلغي عقل الرجل وتفكيره عندما تريد.
ترى لو أصابني ما أصاب زوجي هل كنت أتهاوى هكذا وأتخلى عن كل مسؤولياتي ومبادئي؟ لا.. لا يمكن.. هذا مستحيل..
قلت: سأقف معك وسأساعدك لتنجو من كارثة، ستصيب الأسرة التي تعبت في بنائها..
قال: لماذا تسمين ما أحله الله كارثة؟
قلت: إن الله حدد العدد، ولم يبحه إباحة مطلقة، لقد كان تعدد الزوجات سائداً فللرجل ما شاء، وما شاءت له شهواته.. فمنهم من جمع خمساً ومنهم من جمع عشراً، ومنهم من جمع أكثر كما ورد في كتب الحديث.. ونزلت الآية الكريمة، فأمر النبي صلوات الله عليه من زاد على الأربع أن يسرح ما زاد تسريحاً بالمعروف، فالإسلام لم ينشئ التعدد وإنما حدده، ولم يأمر به ولكنه رخص فيه وقيده.
قال: هذا يكفي لقد رخص فيه وأباحه.
قلت: لقد قيد الله سبحانه التعدد بشرط، وهذا الشرط صعب جداً، وهو العدل، ويندر من يستطيعه، ولذلك على الرجل المسلم أن يوازن بين حاجته إلى أخرى وبين التزامه بشرط مولاه.
قال: إنني سألتزم بهذا الشرط.. أعدك بذلك.
قلت: كلهم يقولون سأعدل ثم لا يستطيعون، خاصة أولئك الذين يكون دافعهم إلى التعدد الشهوة والهوى، حتى فلذات الأكباد تداس حقوقهم ويظلمون، والنماذج لا تحصى، لقد أباح الله التعدد وحدده ليكون حلاً لضرورات فطرية واجتماعية، مثلاً الزوجة لا تنجب، أو هي مريضة أو لا ترغب في الوظيفة الجنسية وهو شبق، أو أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال في مجتمع ما بسبب الحروب والكوارث، فهذه الرخصة تحمي المجتمع من الانحلال تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية.
قال: وكيف أعالج ما أنا فيه.. إنني أتعذب.. إنها عاطفة غلابة أقوى مني.. أليست هذه ضرورة؟
قلت: لا إنها مجرد شهوة وهوى.. وراءهما الشيطان.. أين الإرادة؟.. أين القوة؟ وأذكرك بأن الله تعالى لم يبح للزوج أن يعرض نفسه لعواطف الحب والهوى ثم يعلن عجزه ويستسلم، كما أنه تعالى لم يبح التعدد من أجل إشباع نزوة شيطانية طارئة، وإنما أباحه في أحوال خاصة من أجل سلامة المجتمع، فعند الزوجة ما يلبي الرغبة الفطرية التي اعترف بها ديننا وأمر بتلبيتها، أما تلك التي تشعر بها فقد كان يجب أن تسكتها منذ البداية.
قال: كيف أسكتها؟
قلت: أن تبعد تلك الفتاة، أو أن تلتزم وإياها بحدود الله تعالى.. فلا نظرة.. ولا لمسة ولا شكوى.. ولا تباكي.. كل هذا حرام إذا كان وراءه الشيطان..
قال: أرجوك.. كفى..
قلت: نعم كفى.. هذا ما عندي قلته لك، وعليك أن تتصرف، ولتعلم أنه امتحان إلهي، وعليك إذا كنت مرتبطاً بربك حقاً أن تفوز بهذا الامتحان، وأدعو الله أن يعينك ويريحك من عذاب تشكو منه كما أنه امتحان لي، وأرجو الله أن يمنحني الصبر والحكمة في مواجهة ما لا تحتمله مشاعري..
قال: لماذا لا تحتملين أمراً أباحه الله سبحانه وفعله الصحابة؟
قلت: أباحه الله مراعاة لفطرة الإنسان وحاجته، وقيده بشرط مهم، وفعله الصحابة لأنه كانت لهم ظروفهم الخاصة، فعدد المسلمين كان قليلاً بالنسبة لعدد الأعداء الذين يحيطون بهم من كل جانب، وكان شهداء المسلمين الذين يقتلون في الحروب يخلفون وراءهم أرامل لا سند لهن ولا معين، فكانوا يتزوجونهن لكي يكفوهن مؤونة العيش الكريم، ثم اذكر لي اسم صحابي واحد أحب وعشق على امرأته وتزوج الثانية بسبب الحب، إنك لن تستطيع، وحاشا الصحابة أن يفعلوا ذلك لأنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين، ثم إن كان في ما يدعوك إلى استبدالي بغيري فافعل ولا اعتراض لي على ذلك، أما بالنسبة لمشاعري فهذا فوق طاقتي ووسعي والله سبحانه لا يكلفني شيئاً فوقهما.
قال: هل تعنين بذلك أنك ستتخلين عني إن أقدمت على الزواج بالأخرى؟
قلت: نعم ولك أن تختار.
قال: ألا تظنين أن في تصرفك هذا تجاوزاً لحدود الله تعالى؟
قلت: لا أظن ذلك فهذه حدود طاقتي والله سبحانه لا يكلفني فوق ما أطيق حتى في عبادته سبحانه، ومع ذلك فهناك سند لي في هذا الأمر، وهو ما فعله رسول الله صلوات الله عليه وسلامه عندما فكر علي رضي الله عنه أن يتزوج وعنده فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
قال: ماذا فعل رسول الله صل الله عليه وسلم؟
قلت: رفض أن يتزوج سيدنا علي رضي الله عنه بامرأة أخرى على ابنته فاطمة، وخيره بين أن يحتفظ بابنته زوجة له وبين أن يطلقها إذا أراد أن يأتي بضرة لها، والقصة مسجلة في كل كتب السيرة منذ قرون وإن أغفلتها بعض الكتابات الحديثة.
قال: ولكن الرسول صلوات الله عليه فعلها وتزوج على ابنة أبي بكر..
قلت: الرسول صل الله عليه وسلم فعلها لمصلحة الإسلام والمسلمين لا لحاجة في نفسه، فقد أمضى صل الله عليه وسلم سني شبابه وفي صحبته زوجة هي أكبر منه سناً، والناس من حوله يعددون الزوجات، وهو قد اكتفى بمن أمنت له المودة والرحمة وأمن لها أسمى ما تنتظره الزوجة من زوجها.. ثم أي امرأة مؤمنة تتمنى أن تكون ولو العدد المئة في بيت رسول الله، تستقي من معينه صل الله عليه وسلم، لتنشر ما سمعت وما وعت، ولتكون أما للمؤمنين، ليت عددهن كان أكثر، إنني أحس بالغصة كلما تذكرت أنه صل الله عليه وسلم قد تزوج تسعاً أو عشراً فقط. وكل همه مصالح الأمة واتساع الدعوة وامتداد الأثر.. وقد كان له ذلك فلا يقيسن أحد نفسه على رسول الله صل الله عليه وسلم.
فابتسم وتركني ومضى.
قلت لزينب: وأنت ماذا فعلت؟
قالت: لم أفعل شيئاً.. وحاولت أن أكون طبيعية وأن لا يعلم أحد بمشكلتي.. وخاصة أولادي وكنت أشعر بالصراع الذي يجري في أعماق زوجي، فأحس بالإشفاق عليه.. وأتمنى أن ينتصر على شهوته وهواه.
قلت: الإسلام دين واقعي.. لذلك أباح التعدد وحدده ووضع له قيداً.. وأباح الطلاق ونظمه مراعياً مصلحة المجتمع والأسرة وفطرة الإنسان وواقعه، وبذلك جنَّب مجتمعاتنا من التطرف الذي هوت إليه المجتمعات الأخرى، عندما فرضت عليها آراء من حرفوا الدين، فاعتبروا المرأة رجساً ونجساً.. والعلاقة الجنسية انحداراً وسقوطاً.. وشرعوا الرهبانية، وحرموا الزواج بأكثر من واحدة.. وحرموا الطلاق.. فكان أن سقطوا في هوة الفوضى والانحلال، وبدأنا نسمع صراخهم من تزايد نسبة الطلاق لأنهم اضطروا إلى إباحته دون ضوابط.. وانتشر تعدد الخليلات.. والحمل بين الصغيرات.. لأنهم لم ينظموا أمر الغريزة كما نظمها الخالق سبحانه، بل فتحوا الباب على مصراعيه، بحجة أن الكبت ضار ومفسد، ولم ينتبهوا إلى أن الإسلام لم يكبت ولكنه نظم ونظف الوسائل وحدد الأهداف.
قالت زينب: وأكثر من ذلك لقد بدأنا نسمع بالزواج بين أفراد الجنس الواحد. وفي هذا ما فيه من دمار للأسر وضياع للأجيال، كما قرأت في إحدى المجلات أن نسبة تعدد الخليلات في أمريكا قد بلغ 48% بينما تعدد الزوجات في مصر لا يتجاوز 2%.
قلت: الحقيقة أن الإسلام استوعب كل حاجات الإنسان الفطرية والواقعية ونظمها، بذلك حمى الإنسان من الفوضى.. ومن العبودية للشهوات والغرائز.. إنه لم يكبت ولكنه نظم وحدد كما قلت.
وماذا حدث بعد ذلك في مشكلتك وكيف انتهت؟
قالت زينب: خطر لي أن أتصل بتلك الفتاة وأطلب منها أن تبتعد عن زوجي، أو أن أتصل بأحد العلماء الذين يطمئن زوجي إليهم وأطلب منه النصيحة لي ولزوجي، ولكني لم أفعل وتوجهت إلى ربي واعتمدت على إحساسي، إنني لن أحتمل زواجه بأخرى، سأبتعد عن طريقه وليفعل ما يشاء. وجاءني بعد عدة أيام ليقول لي: إنه وجد لتلك الفتاة عملاً عند أحد أصدقائه الأطباء، وأنه سيبتعد عنها، وسيحاول أن ينسى ولا يدري هل يستطيع ذلك أم لا، وأن علي أن أساعده.
قلت لزينب: وبماذا أجبت؟
قالت: قلت له: إنني معك.. وإلى جانبك وأظن أنك تستطيع الصبر، ولو ابتليت أنا المرأة الضعيفة بمثل ما ابتليت أنت به لاستطعت أن أتغلب عليه ولأوقفت الأمر من بدايته، بدافع إيماني بأن في نوع من النظر زنى، وفي نوع من الكلام زنى، وفي نوع من اللمس زنى.. والإنسان قد يفقد أعز الناس عليه بالموت فيصبر وتستمر الحياة وهذا مثل ذاك، وسأدعو الله وأسأله أن يكون في عونك وعوني.
واستمر الأمر على هذا الحال عدة أسابيع، يحيط به أولاده، يذهب ابنه الأكبر معه إلى العيادة، وأنا أرعاه كأم وزوجة، نزور أصدقاءنا وذوي قربانا. وأخيراً عرض علي أن نترك البلد فقد جاءه عرض من بلد عربي ويفضل السفر، فوافقت وإن عز علي فراق الأهل والوطن، وضاق الأولاد بهذه الغربة، فأفهمتهم أن أباهم يريد ذلك ففي البلد أمور تضايقه، وقد أحسوا بذلك من خلال اكتئابه في الفترة الأخيرة وابتعاده عنهم فاستسلموا لما قررنا. وها نحن الآن نتابع الحياة.. ولا شك أن النسيان قد غطى ما مر ولكن في الذاكرة آثاراً لا تمحى لتكون موعظة وعبرة، فكثيراً ما رأيت في عيني زوجي نظرة الامتنان، وكثيراً ما قالها لي في كلمات تملؤني تقديراً وحباً له.
والآن ها أنت قد عرفت أهم ما مر بي وأنا في ظل الدين الحق، الذي أحس أنه أعظم نعمة أنعمها الله علي فالحمد لله على نعمة الإسلام خاصة وكفى بها من نعمة.
قلت: نعم كفى بها من نعمة وأرجو أن نستمر في هذا الطريق.. حتى نلقاه سبحانه، فنكون إن شاء الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ولكن لي طلب أخير؛ هل تأذنين لي بنشر تلك الأحداث التي مرت بك، والتي تعطي الصورة الحقيقية لحياة امرأة تعيش في ظل الإسلام.
فابتسمت زينب وقالت: لا مانع عندي وأتمنى لك التوفيق.
الخاتمة
وبعد.. إنها أحداث واقعية عرضتها كما هي، وأردت أن أظهر من خلالها الوجه الحقيقي للدين القيم الذي وقف إلى جانب المرأة، كما وقف إلى جانب الرجل..
كما أنها ورقات ضمت اعترافات صادقة، من امرأة التزمت بمنهج الله، فتحقق لها ما أرادت من العدل والكرامة والرضى..
وإنها لصرخة في وجوه الذين يزعمون أن الإسلام ظلم المرأة وأهانها، ويتنادون إلى نصرتها والأخذ بيدها. فإذا بهم يختزلون رسالتها السامية، ويمسخون إنسانيتها.. ويستغلونها أبشع استغلال.. ينتزعون من المرأة كل صلاحيتها، ولا يبقون لها إلا دوراً واحداً.. أن تظهر للعيان وقد غطتها الزينة من رأسها إلى أخمص قدميها وأضاعت ساعات وساعات في سبيل ذلك.. لماذا؟ إن هدفهم واضح، حتى تتمتع بها الأعين وتستثار الغرائز وينتشر التلوث الذي عم الكرة الأرضية، تلوث الأخلاق الذي أدى إلى تلوث البيئة. ويلهم، أليس بالمرأة شيء آخر تصان من أجله؟ أين دور الأم؟ أين دور الزوجة؟ أين دور المجاهدة؟ أين دور المربية؟
وبعد.. لا شك أن الأحداث والمواقف التي خططتها على الورق هي جزء من واقع عايشته خلال الزمن الذي مر من حياتي، ثم سجلتها، لعلها تكون شعاعاً من نور في طريق الباحثات عن الحقيقة..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69948
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

امراة في ظل الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: امراة في ظل الاسلام   امراة في ظل الاسلام Emptyالأحد 26 ديسمبر 2021, 3:18 pm

امراة في ظل الاسلام 34364552_10155800968702695_1003245373264756736_n-1-e1640397195559-730x438


 المرأة المسلمة في الولايات المتحدة أصبحت أكثر نشاطاً في الحياة السياسية



تشعر روعة (روا) رمان ، البالغة من العمر 28 عاماً، بالبهجة، وهي تتخيل نفسها مرشحة لمنصب عام.
وقد تخيلت رمان نفسها مراراً وهي في حملة انتخابية تركز على الرعاية الصحية والتعليم والعدالة الاجتماعية والاقتصاد، كما أنها تريد تحطيم الصورة النمطية والحواجز المفروضة على النساء المسلمات، بحسب ما ورد في تقرير لصحيفة” ذا أتلانتا جورنال”.
وأوضحت رمان أن الصورة النمطية عن المرأة المسلمة هي أنها لا تصوت، وقالت:” انخرطت سياسياً في البداية “خارج هويتي الإسلامية” ولكنني أدركت بسرعة أن هويتي الإسلامية كانت ضرورية لتكون معي في هذه الرحلة”.
وأضافت رمان أن المرشحات المسلمات غالباً ما يتحدثن عن مكافحة الإرهاب والسياسة الخارجية، وليس الموضوعات الداخلية التي يهتم بها الناخب.
وأشارت الصحيفة إلى أن مجلس العلاقات الإسلامية- الأمريكية يعمل جنباً إلى جنب مع مجموعات حقوق التصويت ومشروع جورجيا للمسلمين الناخبين على زيادة عدد المسلمين المسجلين للتصويت وتشجيع النساء المسلمات على الترشح لمنصب.
وعقدت منظمات إسلامية ندوة افتراضية خلال الصيف لتشجيع المشاركة المدنية، حضرتها عشرات المسلمات، وألقت النائبة الأمريكية إلهان عمر خطاباً مسجلاً، وتحدثت مفوضة مقاطعة فولتون خديجة عبد الرحمن عن رحلتها السياسية.
وقالت شافينا خابيني، المديرة التنفيذية لمشروع الناخبين المسلمين في جورجيا :” لقد كان الأمر مثيراً، هناك أخوة ورابطة غير معلنة بين النساء”، وأكدت أن”رفع الصوت المسلم في جورجيا يساعد على تشجيع النساء على النشاط السياسي”.
وأضافت خابيني أن النساء المسلمات هن “قلوب وأرواح” المجتمع.
وعلى الرغم من أن الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة لا يجمع البيانات على أساس الانتماء الديني إلا أن مركز بيو للأبحاث يقدر أن حوالي 3.45 مليون مسلم يعيشون في البلاد.
وأظهر استطلاع عام 2020 الذي أجراه معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم أن حوالي 78 في المئة من المسلمين مسجلين للتصويت.
وبالنسبة لرمان، من المهم أن تكون جزءاً من الوجه المتغير لجورجيا.
وبصفتها فلسطينية أمريكية هاجرت إلى الولايات المتحدة قبل حوالي شهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما زالت تتذكر المخاوف التي شعر بها المسلمون عندما يتعلق الأمر بالنشاط السياسي، وأراد الكثير من أبناء الجالية البقاء بعيداً عن الأنظار لتجنب التمييز.
وقالت:”اتذكر في المدرسة الثانوية، أن المعلم أخرجني من الفصل لأنه سمع أنني فلسطينية، وجلس هناك يستجوبني للتأكد من أنني لست جزءاً من حماس أو جماعة إرهابية”.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت رومان مهتمة بشكل متزايد بالسياسة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
امراة في ظل الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القدس في عيون امراة
» مدن التجارة قبل الاسلام
» الاسلام في المانيا
» الاسلام في اليابان
» من علماء الاسلام ...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: روايات-
انتقل الى: