ثقافة الحياة .. معركة عربية قادمة
سامر محمد العبادي
بعيداَ عن السياسة و ما تتعرض له منطقتنا العربية من ظروف جُلبت إليها , أو ترعرعت في بعض بيئاتها , لتنمو ثقافة تدعي أنها تمثل ماضي أجدادنا العرب و أن النهوض يمر من خلالها , على شكل « داعش « وغيرها من التيارات الأصولية التي تعتبر فكرها ونفسها بأنها تحمل الطريق إلى الجنة , عبر نشر ثقافة الموت و الترهيب و السلاح حتى باتت نشراتنا الإخبارية هي إعلانات نعي وإحصاء لعدد الموتى و الشهداء وسجال على شكل « موتانا في الجنة وموتاكم في النار « و الشعوب هي التي تدفع ضريبة كل ذلك من الضخ الإعلامي الذي لا يستحضر سوى الموت ..!
من بين ثقافة الموت هذه يلح على البال سؤال : هل نحن شعوب نعشق هذه الثقافة المنغلقة التي تسوق الموت والدم على شاشاتنا ؟ و هل معاني المحبة والتسامح إضمحلت من مجتمعنا وجفت لحاها ؟ فما بين كل خبر و خبر عداد للموت إعتدنا عليه يومياً , و بعد هذا تُسائلون المواطن العربي الذي تعلم في المدرسة بأننا « خير أمة أخرجت للناس « و بأن قراننا الكريم فيه « لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أني أخاف الله رب العالمين « , تسائلوه لماذا يهرب فتراه يفرح سريعاً ويحزن سريعاً , ويجهد نفسه ليجلب لحظات الفرح إلى حياته التي باتت محاصرة بفنون الإنغلاق و صرخات الوعيد بالقادم بأنه سيكون دمار ... وهل هذا هو إعمار الأرض الذي حملنا رسالته , و هل خطر ببال العالم العربي إبن خلدون مؤسس علم العمران البشري « علم الإجتماع « بأنه يضع علماً يدرس المجتمعات وطريقة تحركها مسمياً علمه بالعمران البشري ليرى بأن الأحفاد لم يصنعوا ثقافة عمران وحياة, بل باتوا يهيمون على أخبار الخوف القادم , الخوف من المستقبل والمصير ..
إلى أين تسير المجتمعات العربية التي كافحت في حقبتها الحديثة منذ ثلاثة أجيال لتتعايش مع إستحقاقات فُرضت عليها و تتحداها بالبناء في كثير من ملامح حياتها لترى جهدها يهدم و عائلاتها تشرد , فلا يكاد يخلو اليوم مجتمع عربي من درجات الموت و التشرد , و رغم ذلك إلا أن بعض الصحوة الحضارية باتت تنفرج مع إطلالة الربيع العربي فسقطت في تهديدات أصوليه تدعي أنها تحمل إكسير النجاة من الدنيا للجنة عبر التهديد و الوعيد .. !
ما يقلق في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها أمتنا العربية , هو ثقافة الموت ...تلك الثقافة النقيضة و المضادة لطبيعة الحياة والتي تتلحف بالدين لتنشر مفاهيم الخوف في قلوب جيلٍ كامل سيدفع ثمن ذلك مهزوماً خائفاً من أي تطلع إلى كوة فرج , صراع طويل يترتب على نمطٍ قادم سيدفع ثمنه بأخطر من الديكتاتوريات وتفاهمات سايسكس - بيكو ومؤامرات شبيهة , لماذا ؟ لأن الخطر دوماً قادم علينا من الخارج وما تهدد قيمنا العروبية والوطنية هو شيء قادم من الخارج , غزو يجيء إلينا يغلبنا طويلاً ولكننا بحكم سياقنا الحضاري و بنيتنا القوية ثقافياً و جمعياً نتغلب عليه .
لكن , هذه المرة ترى أن السوس فينا و في بنية العقل العربي الذي يلون توليفات النهوض بألوان القتل و الترهيب مُدعياً شرعية الدين و أن هذا إسلوب حياة الأجداد .. ناشراً ظلمته التي باتت تتهدد كل شيء , حتى أنها تتهدد أجيال كاملة , لترى المواطن العربي اليوم يقف مدهوشاً حائراً بين ما تربى عليه من ثقافة حياة و قيم و ما بين ما ينهش عقله الجمعي من مفاهيم باتت تتسرب إلى عقول البعض معتقداً أن الطريق للحياة يمر عبر القتل .. القادم معركة حضارية عربية لا تستخدم فيها الجيوش , بل تستخدم فيها العقول التي تتبنى ثقافة الحياة لنعيد ترميم بعض ما لحق بقيمنا وتاريخنا وحاضرنا من أصولية تريد أن تبتلع كل « عمران عربي « .