كثير من الوظائف تبدو متواضعة ولكنها في الحقيقة هي كنز من المعرفة والتجارب الحياتية الناضجة،وعلى سبيل المثال يستعرض أبو حيان التوحيدي في كتابه (البصائر والذخائر) أسماء النابغين في مجال السياسة والحرب من العرب والمسلمين.. فأبو طالب كان عطارا وأبو بكر بزازا وعمر بن الخطاب دلالا يسعى بين البائع والمشتري وعثمان بزازا وكذلك طلحة وعبد الرحمن بن عوف وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل وكان العوام أبو الزبير خياطا وعمرو بن العاص جزارا والوليد بن المغيرة حدادا وكذلك كان القاضي ابن هشام وكان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي محمد (صل الله عليه وسلم) مفتاح البيت الحرام خياطا وأبو سفيان بن حرب يبيع الزيت وكان عتبة بن أبي وقاص أخو سعد نجارا والمهلب بن أبي صفرة بستانيا والحجاج بن يوسف معلما وأنس بن مالك أعظم رواة الحديث كان خادما.
وفي مجال الأدب والثقافة كان نجيب محفوظ موظفا في وزارة الأوقاف ولما حاول أصدقاؤه نقله إلى مكان آخر يليق به في وزارة الثقافة رفض وقال: أنا عند كنز من المعلومات والكوارث الإنسانية وهي المادة الأولى للأدب. أما شكسبير فكان يمسك خيول رواد المسارح ولم يتصور أحد أن هذا الفتى سيكون أعظم الشعراء، والأديب الفرنسي ديماس الابن كان يعمل كاتبا عند أحد المحامين ولأن خطه جميل كان المحامي يطلب إليه أن ينسخ جميع مرافعاته أمام المحكمة وكان الكثير من الناس يطلبون إليه أن يكتب خطاباتهم وأن يسجل أعمالهم الأدبية والفنية ولم يكن يتصور أحد أن هذا الفتى الصغير قد استطاع ان يشغل هذا الكنز من المعرفة، وكذلك الأديب الأسباني ثرفانتس كان يعمل في خدمة الخيول وخدمة أحد الجنرالات وحارب ودخل السجن وأصيب، وعندما اطلقوا سراحه تردد وقال: أنا هنا عند كنز كبير وحدي الذي يستطيع ان يفتح أبوابه ؟!