الفلسطينيون في سوريا
د. موسـى الكـيـلاني
قامت طائرات الهليكوبتر الاسبوع الماضي بنقل مئات من الشباب الفلسطيني من مناطق دمشق ومخيم اليرموك الى منطقة دير الزور للمشاركة مع حزب الله في المعركة الحاسمة هناك, دفاعاً عن النظام السوري, ودعماً للرئيس بشار الاسد.
ومنذ سنوات خمس, والجميع يلتزم بالقاعدة الذهبية ان لا يقتل الفلسطيني أخاه الفلسطيني, مهما كان اختلاف الاراء الايديولوجية, او الانتماءات السياسية,
وعندما اقتحم تنظيم داعش مخيم اليرموك في نيسان 2015 , رفض مقاتلوه من ابناء الشعب الفلسطيني الحاق اي أذى بمقاتلي الجبهة الشعبية- القيادة العامة التي كانت متمترسة في المخيم. وحتى بعد ان فـُرِض الحصار التجويعي الذي أدى الى وفاة 82 من ابناء المخيم وساكنيه, وقد حافظت الاسلحة جميعها على النسيج الاجتماعي الفلسطيني بأن لا يسفك احدٌ دم إبن شعبه, مهما اختلفت المواقف السياسية والايديولوجية.
وفي درعا, خلال شهر كانون الاول 2015 لاحظ قائد تنظيم جبهة النصرة الشيخ اسامة العبسي الواحدي, والمعروف باسم ابو محمد الجولاني ان مقاتليه يحافظون على قدسية الدم الفلسطيني, ولا يوجهون قذائفهم في إصابات قاتلة الى الفصائل الاخرى التي يشارك فيها ابناء قراهم, فأمر بنقل أبناء طولكرم وقلقيلية والقدس الى مناطق اخرى, مستخدماً حجة ابعاد الفلسطينيين عن امكانية اختراقات امنية لكوادرهم في درعا.
يناهز عدد الفلسطينيين في سوريا قرابة 581 الفاً, ومن بقي في مخيم اليرموك يربو على 359 الفاً, وجميعهم حتى الان, متمسكون بقدسية الدم الفلسطيني, ان لا يسفكه أبناؤه, تماماً , كتمسك ابناء الطائفة العلوية بعدم الاقتتال الداخلي فيما بينهم.
ولكن المؤشر الخطير الذي حدث الاسبوع الماضي, هو توريط الهوية الفلسطينية للقتال مع عناصر حزب الله وميليشيات بدر العراقية , ومجموعات الشيعة الافغان , وقوات الحرس الثوري الايراني, في معركة تحرير دير الزور التي يخوض غمارها اكثر من فصيل سوري معاد للنظام, ومعهم العديد من ابناء الشعب الفلسطيني, الذين تتلمذوا على ايدي ابن سيلة الحارثية الدكتور عبد الله عزام في جبال افغانستان, ثم انتقلوا بعد الانسحاب السوفييتي الى كردستان العراق, ليقيموا قواعدهم لدى الملا كركار, ثم استقروا في العراق, وفي الفلوجة تحديداً, محافظين خلال تلك السنوات على النأي بانفسهم كفلسطينيين عن التسابق الى مراكز الامارة والسلطة, فحافظوا على حياديتهم ,واكتسبوا التفاف الجميع حولهم.
وقد تكون اهداف حزب الله من تجنيد هؤلاء الشباب الفلسطيني خلق نواة صغيرة لفصيل سـُنـِي جديد يكون تابعاً لحزب الله حاليا, ثم تؤول قيادته الى الحرس الثوري الايراني لاحقاً, ليتدرب حالياً في دير الزور, على كسر الفيتو بقدسية دم ابناء شعبه, وليقوم بما يسندونه اليه من مهام أخرى في قادم الايام, من مواجهات مع اهله وعشيرته والاقربين, في سوريا والعراق وفلسطين لاحقاً , إرضاءً للفريق اول الركن محمد باك بور القائد الايراني الجديد للعمليات الخارجية.
لم تستطع قوى عديدة أن تفرض الشرذمة على الفلسطيني في سوريا, وقد ذكر القائد محمد داوود ( ابو داوود) في مذكراته ان أحمد جبريل قد أخبره ان حرب لبنان قد كشفت مدى ترابط ابناء الشعب الواحد مع بعضهم البعض, عندما لاحظ مقاتلو الجبهة الشعبية القيادة العامة, اثناء قتالهم في لبنان, ان القذائف القادمة من ثكنات كمال جنبلاط تعمدت عدم توجيه إصابة دقيقة لمقاتلي القيادة العامة, وتبين فيما بعد ان قائد الفصيل لم يكن لبنانياً, بل كان من ابناء المخيمات الذين تطوعوا للحرب مع جنبلاط لدوافع قومية ضد كتائب بشير الجميِّل.
ويبقى للدم الفلسطيني قدسيته, فلماذا يريدون الآن ان ينزعوا ذلك الطـُهْـر الرباني, المنذور لتحرير المسجد الأقصى والثرى المبارك؟؟