هل الولوج للإنترنت حق من حقوق الإنسان؟

هل الولوج للإنترنت حق من حقوق الإنسان؟

انعقدت في شهرنوفمبر من العام الماضي، الدورة السابعة لمنتدى حَوْكَمَة

الإنترنت(IGF)، بإحدى أجمل مدن القوقاز: باكو، عاصمة جمهورية

أذربيجان. يُقام المنتدى سنويا، ويحاول المنظمون أن تنعقد كل دورة في

قارة مختلفة لإضفاء الطابع الدولي على المنتدى الذي يروم مناقشة

جميع القضايا المتعلقة بشبكة الإنترنت. وكان عنوان هذه الدورة: حَوْكَمَة

الإنترنت من أجل تنمية بشرية، اجتماعية واقتصادية مستدامة'.
من بين أهم مميزات منتدى حَوْكَمَة الإنترنت، أنه يدعو مختلف الجهات

المعنية بالإنترنت الى المشاركة، على قدم المساواة، في المنتدى

والمساهمة في النقاشات المتعلقة بالسياسات العامة المتصلة بالإنترنت،

من خلال ورشات العمل التي تكون على مدى أيام المنتدى. هكذا يمكن

أن نجد مشاركين يمثلون المجتمع المدني، القطاعات الحكومية، القطاع

الخاص، والقطاع الأكاديمي مما يسهل تبادل وجهات النظر بين مختلف

الفاعلين وأصحاب المصلحة(multistakeholders)، وإثراء النقاش حول

أنجع السبل لإدارة أفضل للإنترنت، والتحسيس كذلك بالمخاطر

والتحديات المحيقة بالشبكة العنكبوتية.
كان من حظي أن أشارك في هذه الدورة بصفتي سفيرا لجمعية الإنترنت

العالمية ISOC، وأن أتعرف عن قرب على أهم الفاعلين في مجال

الإنترنت من هيئات حكومية وغير حكومية ومنظمات مجتمع مدني. كانت

كذلك فرصة سانحة لتبادل أطراف الحديث مع شخصيات أثرت ولازالت

على الشكل الذي توجد عليه الشبكة العنكبوتية الآن، ولعل أهم هذه

الشخصيات، المبتكر والأب الروحي للإنترنت: فينت سيرف Vint Cerf.

لا يسع المرء إلا أن يندهش من الدينامية التي يشتغل بهاهذا الرجل الذي

قارب الثمانين من العمر، والذي منذ أن قام بتصميم مجموعة

البروتوكولات TCP/IP التي تشكل الأساس لأي تواصل بين الحواسيب

عبر أنحاء المعمور، وهو يدافع عن الكثير من القضايا المتعلقة بفلسفة و

مبادئ الإنترنت كالانفتاح والحرية وضمان استمرار هاتين الخاصيتين

كأحد أهم الدعائم التي تنبني عليها الشبكة.
يشتغل سيرف الآن كنائب رئيس لِشركة غوغل ويحظى كذالك بصفة '

كبير مُبشري الإنترنت' لدى نفس الشركة.
من بين ورشات العمل التي انعقدت في الدورة الأخيرة لمنتدى حَوْكَمَة

الإنترنت، ورشة بعنوان: 'هل الولوج للإنترنت حق من حقوق الإنسان؟'

لا شك أن هذا السؤال أصبح يُطرح بإلحاح في الآونة الأخيرة، مع تزايد

الدور الذي تلعبه الإنترنت في حياتنا اليومية، حيث يلاحظ المرء شبه

توقف للعمل وللتواصل عندما يكون هناك انقطاع أو خلل في الشبكة لهذا

السبب أو ذاك!
لكن الداعي الحقيقي وراء طرح سؤال الولوج للإنترنت كحق من حقوق

الإنسان هو في تقديرنا: الربيع العربي! فلقد شهدت الثورات العربية في

كل من تونس، مصر وسورية، لجوء السلطة في تلك الدول الى قطع

الإنترنت لمنع الإتصال و التواصل بين المتظاهرين. وجراء ذالك صدر

في يونيو 2011، تقرير للأمم المتحدة، ينص أن الإنترنت قد تصبح أداة

لا غنى عنها لتحقيق مجموعة من حقوق الإنسان.
اختلفت الآراء خلال الورشة حول ما إذا كان الولوج للإنترنت من حقوق

الإنسان ، أم أنه ليس حقا في ذاته لكنه يُمكن الشخص من التمتع بحقوقه.

هكذا يرى سيرف، أن الإنترنت هي تكنولوجيا في الأساس وبالتالي لا

يمكننا وصفها بأنها حق لأنه ليس بإمكان كل الشعوب والدول أن تتوفر

على هذه التكنولوجيا. لكن بالمقابل، يرى الأب الروحي للإنترنت أنه إذا

توفر للمرء الولوج، تقنيا، لشبكة الإنترنت، وحُرم بعد ذلك من استعمالها

بطريقة خارجة عن إرادته، فإن هذا يٌشكل لا محالة تعد على حق من

حقوقه، وهو الحق في الوصول الى المعلومة!
متدخل آخر في الورشة، ممثلا حكومة كينيا، لفت الانتباه الى ان العديد

من المعاملات التجارية، في عالم اليوم، ترتكز على وجود شبكة

الإنترنت، كالتحويلات المالية وما شابه. هنا يبرز مدى الخسائر المالية

والأضرار الاقتصادية التي يمكن أن تترتب عن انقطاع الشبكة. كذاك

أشار المتدخل الى الدور الذى تلعبه الإنترنت في الحد من الفوارق

المعرفية بين الأشخاص بتمكينها 'الجميع' من الولوج الى عالم المعرفة

والمعلومة.
فمن هذا المنظور، لا شك أن الولوج للإنترنت يصبح من أهم قضايا

حقوق الإنسان. متدخل آخر عن شركة فيسبوك، أكد على حق أي

شخص في ممارسة نشاط اقتصادي، وأنه إذا نتج عن حرمان الشخص

من الولوج للإنترنت، ضرر بنشاطه الإقتصادي ، فهذا انتهاك لحق من

حقوقه.
لا شاك أننا سنشاهد في القادم من الأيام، مزيدا من النقاش حول

موضوع الولوج للإنترنت كحق من حقوق الإنسان، وربما تصادق على

ذلك حكومات ودول أخرى على غرار فرنسا و إستونيا.
وفي حالة عدم المصادقة سوف تكون هناك قرارات وتوصيات أخرى

تلزم السلطات بعدم قطع الإنترنت على المستعملين مهما كانت الأسباب

و الظروف... وهذا في حد ذاته انتصار للإنترنت!

' باحث في المعلوماتية

» حقوق الإنسان في الإسلام
» حقوق الإنسان الخاصة بك
» حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة
» حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي
» موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام - PDF-