أمهات بأحضان أبنائهن وأخريات يتلوعن بالحنين

سيدة سبعينية ؛رسمت الحياة خطوطاً على وجهها، بحلوها ومرها ليحكي كل خط ،حكاية رائعة عن سبب ظهوره على ملامحها.
تمتلك ابتسامة تزيدها حكمةً ورصانة ، هي الحاجة أم محمد، أم لستة أبناء وست بنات ، ربتهم تربية صالحة ورسخَّت بعقلهم الدين والأخلاق.
الحاجة درزية..ترى «الحياة التي عاشتها « بكل ما فيها :الحلو والمر :» استمتعنا بحلاوة الدنيا وواجهنا قساوتها بقوتنا وتماسكنا أنا وعائلتي مع بعض ، فالحمدلله أنا أفتخر بأبنائي وبناتي الذين يحيطونني دائماً ولا يتركوني، بالرغم من امتلاك البعض منهم لزوجة وأبناء، فالعائلة قد كبرت مما زاد تعلقي وتمسكي بهم كما زادت عزوتي أيضاً».
وأضافت :»الحمدلله ، علمتهم ودرستهم، وقد ربيتهم على مخافة الله والصلاة والقيم الأخلاقية العالية».
ما أروع هذه العائلة وهؤلاء الأبناء وكم هم في مرح ومحبة وحنان دائم.

وحيدة تقف على الشارع !
..وفي الجانب الآخر من واقعنا ، هناك قصة حقيقية سمعناها!
منذ فترة تجول تلك القصة في خاطري ..تحكي عن طبيب متزوج(...) تعيش معه امه وشقيقتاه العزباوان, الحت عليه زوجته وفق حد الاختيار المؤلم والصعب : إما هي أو أمه بالبيت!. ..للأسف انصاع الى رأي زوجته وأتى اليوم الذي استأجر الطبيب بكب ووضع أمه به وأودعها إحدى دور العجزة ،وكان هذا في فصل الشتاء .
قال لادارة الدار انه اثناء ذهابه للعمل وجد المرأة وحيدة تقف على الشارع ويسقط عليها المطر، فَرق قلبه عليها وأحضرها ، ودعم كلامه بانه فاعل خير وأعطاهم مبلغاً من المال.وبعد فترة تبين لدار العجزة بأن هذه السيدة هي أمه .

..واثناء وجود الام المسكينة في دار المسنين ، طلبت من الادارة أن تتحدث الى ابنها،وكان يرفض المكالمة (...) لم يتحدث ولم يقبل التحدث مع الأم ولو لمرة واحدة ومن كثرة الحاح هذه الأم، لعب موظف عادي «دور الابن» للتحدث مع هذه الأم ليطمئن قلبها عليه ويطفئ نار الاشتياق واللوعة.

لحظة الموت
بعد سنوات اتصلت ادارة الدار بهذا الطبيب لكي يحضر لاتمام اجراءات الوفاة ، فقد رحلت الام تحمل الالم والحسرة .
ولكنه أجاب بالحرف الواحد :»قوموا أنتم باللازم» ولم يذهب الى الدار الا بعد شهر مخرجاً النقود من جيبه قائلاً:
-»كم بطلع علي تكاليف الدفن؟».
أجاب مسؤول المركز:
- لا شيء لكن نريد أن نعلمك بأن أمك وهي تحتضر كانت تقول «الله يرضى عليك يا ابني».

جعبة الأمهات
الأمهات في دار المسنين يحملن في جعبتهن الكثير، الكثير من القصص المؤثرة والمحزنة، لا نستطيع ذكرها .
طلبنا من أكثر من دار للعجزة ان تتيح لنا في « ابواب « ان نتحاور مع الأمهات وننقل عواطفهن ولوعتهن فأجابونا بالرفض ، لديهم أمهات وآباء -أيضاً- كسرت شغاف قلوبهم .
تراهم ، الدمع يذرف من أعيننا على لوعتهم وحزنهم ، وعلى منظرهم البائس .. دون اي ذنب .. ، لماذا مثل هؤلاء الذين تعبوا وربوا تكون نهايتهم وهذه الدور موئلا لهم ؟.

د. قيمر القيمري
مستشار في شؤون التربية والخبير بالمناهج التربوية، د. قيمر القيمري اشار الى « تزايد أعداد الوافدين الى دور المسنين سنوياً «، وانه :» آن الأوان لإعادة النظر في تربية الأسرة».
ويرى ان هناك من يدخلون هذه الدور ولهم مبرراتهم ، فقدانهم الأبناء والبنات ، او لتشردهم نتيجة المتاعب العائلية اوالحروب والهجرة والكوارث الطبيعية والحوادث المختلفة ، ما اصابهم بالوحدة في هذه الحياة القاسية وليس لهم الا الله ودور العجزة.
ولفت الى ان : العدد الأكبر للوافدين الى هذه الدور ،لا تبرير لوجودهم، وللأسف فإن السبب الرئيسي وراء ذلك يكمن في أساليب التربية الخاطئة للأبناء والبنات مع ضعف الجانب الروحي.

«من يرقد من الآباء والأمهات في دار المسنين ؟.
يرقد في دور المسنين آباء وأمهات ومن مختلف الأعمار, أبناؤهم وبناتهم ضاقت بيوتهم بآبائهم وبناتهم واتسعت لأنواع من الطيور والحيوانات الأليفة غالية الثمن وذات الألوان الزاهية. وكذلك يرقد بهذه الدور آباء وأمهات نادراً ما أقيمت وتقام في بيوتهم الصلاة وقليل ما يقرأ فيه كلام الله عز وجل ولم تستوقفهم أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.»
ويلفت د. القيمري:» في بيوت المسنين يرقد آباء وأمهات وصموا «بالخرفنة» أمام القضاء أملاً بالحصول السريع على الورثة، في دور المسنين تجمع آباء وأمهات تربى أبناؤهم وبناتهم وأحفادهم على يد أمهات مستوردة كالسيريلانكيات والاندونيسيات والفلبينيات.... في دور المسنين آباء وأمهات عاشوا سنين بل ومات قسم منهم دون أن يزورهم الأبناء والبنات ولو لمرة واحدة ... آباء وأمهات يتجرعون مرارة النسيان في قبر الحياة.»
أصبحت دور المسنين مكافأة بعض الأبناء والبنات للآباء والأمهات, وأصبحت هذه الدور للأسف هي البيوت الأكثر أماناً واطمئنانا من قلوب بعض الأبناء والبنات.»
وعزا السبب وراء تزايد أعداد المسنين في هذه الدور إلى ضعف الوازع الروحي وسوء التربية الأسرية بمعنى آخر فإن الأب المحارب المتسلط (هو الأب غير اديمقراطي ودائماً لا يسمع الا صوته) والأب الغائب (هو الأب الموجود في البيت ولكن ليس له علاقة بالأولاد وما يعنيهم) والأب الطفل (هو الأب الذي يدلل كثيراً) وكذلك بمثله الأم أفقدت البيت أساسه التربوي، مما دفع بعض الأبناء والبنات الى اهمال أعز الناس اليهم.
وأضاف د. القيمري :» بالمقابل نجد قصصا في التربية الأسرية من أروع ما يكون رغم قساوة الحياة عليهم، في هذه البيوت «أم» تلد وتربي تربية ايمانية وأدبية وقيمية ... «أم» حملت الأوجاع دون شكوى ... «أم» لا تعرف سوى التضحية والبذل والصبر ... «أم» تعمل ليل نهار كي تحقق للأبناء والبنات أهدافهم ... «أم» حاول الزمان أن يقهرها فقهرته بعون الله .

» "المُنَجِّد" .. مهنة بائسة تفيض بالحنين إلى الماضي
» صعوبة المناهج الدراسية تسبب معضلات للأمهات في تدريس أبنائهن
» أمهات ينجبن ..؟؟!!
» صور| أغرب 10 أمهات في العالم !
» أمهات المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب