تونس تحتفي بالرمان في تستور
ساهم في تحريك الدورة الاقتصادية للمدينة
روعة قاسم
تونس ـ «القدس العربي»: شهدت مدينة تستور شمال تونس، والتي أسسها الأندلسيون الذين غادروا شبه الجزيرة الإيبيرية مكرهين في عصر ما، تنظيم مهرجان الرمان في دورته الأولى وذلك من 13 إلى 16 من الشهر الجاري قصد الإحتفاء بهذه الثمرة والتعريف أيضا بالتراث الثقافي للجهة، وهو ما ساهم في تحريك الدورة الاقتصادية للمدينة بعد انتهاء الموسم السياحي. فلم تكن تستور تعرف في السابق سوى مهرجان وحيد هو المالوف الذي يعنى بالموسيقى الأندلسية، وهو مهرجان عريق حاز على شهرة واسعة.
ويشار إلى أن مهرجان الرمان هو من تنظيم جمعية صيانة مدينة تستور والاتحاد المحلي للفلاحين وبلدية تستور ومندوبية الفلاحة في ولاية باجة، أي أن السلطات الجهوية هي صاحبة الفكرة والإنجاز في غياب القطاع الخاص. ويعلق التونسيون آمالا كبرى على مثل هكذا مهرجانات للقضاء على حالة الركود والكساد التي تسود البلاد بعد انتهاء الموسم السياحي، وهو ما تحقق لتستور الأندلسية بفضل هذا المهرجان.
أهمية تاريخية
وتستور ومحيطها من أهم المناطق المنتجة لثمرة الرمان في البلاد التونسية ذات الطبيعة الفلاحية والتي يصنفها الخارج عادة على أنها بلد سياحي، وتشتهر بعدّة أنواع من الرمان كالشلفي والجبالي والزهري والتونسي والقابسي. فالنشاط الأساسي الذي يتعاطاه التونسيون هو الفلاحة والبلد يحتل مراتب متقدمة عالميا في عدد من المنتوجات الفلاحية مثل زيت الزيتون والتمور والقوارص وغيرها. فمن الطبيعي أن يقبل التونسيون على مهرجان فلاحي في تستور ومن الطبيعي أن تحتفي تونس بمنتوجاتها الزراعية.
فمنذ العهد القرطاجي وبروز مدونة عالم الجينات والزراعة «ماغون» أو «ماجون» القرطاجي والتونسيون يطورون نشاطهم الزراعي ويولونه أهمية كبرى. وتأكد ذلك في العهد الروماني حيث تحولت المنطقة التي تقع فيها تستور اليوم من ولاية باجة إلى مخزون استراتيجي أساسي للإمبراطورية الرومانية من القمح وسائر المنتوجات الفلاحية. وجاء الأندلسيون لاحقا إلى تونس وجلبوا معهم تقنيات فلاحية جديدة طوروها في جنوب أوروبا ساهمت في دورها في تطوير النشاط الفلاحي في أرض الخضراء، وكانت تستور من أبرز المستفيدين باعتبارها من المدن الأندلسية التونسية.
إقبال كثيف
لقد تفاجأ المنظمون بالإقبال الكثيف للزوار على هذه الدورة الأولى من المهرجان، إذ تقاطر على تستور تونسيون من مختلف جهات البلاد للتعرف على مختلف الأنشطة وقضاء أوقات ممتعة في رحاب المدينة الأندلسية والجنان الطبيعية التي أبدعها الخالق في محيط تستور. ولعل الطقس الجميل طيلة أيام المهرجان قد ساهم في حث التونسيين على التحول إلى ربوع ولاية باجة الخلابة حيث تقع مدينة تستور والتي لا تبعد كثيرا عن العاصمة.
كما حضرت إلى تستور وفود سياحية تجولت في المدينة وتعرفت على معالمها الأندلسية وأهلها الذين تعود جذورهم إلى قرطبة وإشبيلية وطليطلة وغرناطة وسرسقطة وغيرها من المدن الأندلسية التي ذاع صيتها الحضاري. وزارت هذه الوفود فضاء التسوق المسمى «من المنتج إلى المستهلك» والذي يضم إلى جانب ثمرة الرمان ما يتم إنتاجه منها مثل المربى الذي تتعدد أنواعه.
برنامج دسم
تضمن برنامج مهرجان الرمان في تستور أنشطة شدت إليها أنظار الزوار مثل ندوة علمية وتكوينية حول ثمرة الرمان كانت في اليوم الأول. كما تم القيام بحملة تسويقية لمنتوجات المدينة من هذه الثمرة ذات الفوائد الصحية الجمة تذوق خلالها الحاضرون رمان تستور ومستخلصاته وتزامن ذلك مع السوق الأسبوعية للمدينة.
كما تضمن البرنامج أنشطة ثقافية وترفيهية وزيارت لحقول الرمان المترامية في أخصب أراضي البلاد التونسية وتم تنظيم معرض أمام مقرّ المعتمديّة (القائمقامية) جلب إليه الحاضرين. ونظمت أيضا أنشطة علميّة وتكوينيّة حول ثمرة الرمّان قام بها مختصون في الفلاحة وكان الهدف منها دراسة السبل التي تمكن من رفع إنتاج هذه الثمرة وتحسين جودتها لدعم منافستها في الأسواق العالمية.
موسيقى وفنون
ورغم أنه مهرجان فلاحي فإن الموسيقى لم تغب عن تستور وهي مدينة الموسيقى بامتياز فكان حضور الفرق الموسيقية بالتوازي مع ورشات الرسم والفن التشكيلي لافتا طيلة أيام المهرجان في مدينة تعتبر في حد ذاتها لوحة فنية ملهمة للرسامين. فإلى جانب المالوف الذي حضر شيوخه ممن برعوا في أداء موشحاته الأندلسية، حضر الفن الصوفي من خلال فرق العيساوية والسلامية التي قدمت عروضها في المهرجان، فلدى المدينة مثل باقي مدن البلاد موروث صوفي هام حتى بات يصعب الإحتفال في تستور دون حضور الفن الصوفي.
واستمتع الحاضرون بالتوازي مع العروض الموسيقية بأخرى تخص الفروسية التي لديها مكانة خاصة في وجدان التونسيين وتاريخهم القبلي الذي سعت دولة الإستقلال إلى طمسه تحقيقا للوحدة الوطنية. لكن هذا الموروث القبلي يبرز من حين لآخر على السطح في شكل عروض فولكلورية تعطي مكانة خاصة للفارس الذي يرتدي لباس القبيلة ويمتطي جواده ويبرز مهاراته أثناء دوران الحصان فينال إعجاب الحاضرين ويحرك حنينهم إلى زمن الأجداد الغابر.
أوقات ممتعة
خالد الحاجي الخبير في السياحة والتسويق كان حاضرا في المهرجان بمعية زوجته وأبنائه قال لـ»القدس العربي» أن مهرجان الرمان في تستور كان فرصة للتعرف على تونس الأعماق التي ما زالت تضم كنوزا تقتضي اكتشافها. وعبر عن سعادته بالتواجد في المدينة التي قضى فيها أوقاتا ممتعة مع عائلته أنسته متعة الأيام التي قضاها في أحد أفخم الفنادق التونسية في إحدى المدن خلال العطلة الصيفية.
وأكد على أن حسن التنظيم وكثرة الأنشطة لا يدلان بتاتا على أن المهرجان فتي وفي دورته الأولى، بل على العكس تماما يبدو للزائر وكأنه في مهرجان في دورته الخمسين.
روعة قاسم