منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رجال خالدون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالخميس 26 مارس 2015 - 21:32

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالخميس 26 مارس 2015 - 21:34

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:41

عثمان بن عفان

ثالث الخلفاء الراشدين بعد النبي

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي يجتمع نسبه مع النبي في عبد مناف.
كنيته أبو عبد اللّه وأبو عمر وأشهرهما الثانية.
ولد في السنة السادسة بعد عام الفيل، أمه أروى بنت كريمة بنت ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. وأمها البيضاء بنت حكيم بن عبد المطلب عمة رسول اللّه.

كان عثمان قبل أن يسلم تاجر بز وكان غنيا كريما محببا من قومه لكرم أخلاقه ومحترما لديهم حتى قيل إن المرأة كانت ترقص صبيها وهي تقول:
أحبك الرحمن حب قريش عثمان.
فلما بعث النبي إلى جماعة في مقدمتهم أبو بكر دعاهم إلى الإسلام فأسلم فأحبه النبي وجعله موضع ثقته، ثم زوجه ابنته رقية فماتت في السنة الثانية من الهجرة فزوجه بابنته الأخرى أم كلثوم ولذا سمي ذا النورين. ثم توفيت أم كلثوم فقال رسول اللّه لو أن لنا ثالثة لزوجناك.
وروي أنه لما أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا وقال له: ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث واللّه لا أدعك أبدا حتى تدع ما أنت عليه.
فقال عثمان واللّه لا أدعه أبدا ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
ولما اشتدت قريش في اضطهاد المسلمين هاجر إلى الحبشة مع رقية بنت رسول اللّه فكان أول من هاجر ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة.

بذل عثمان في نصرة الإسلام نفسه وماله وجاهه حتى أنه حمل في تجهيز جيش العسرة ألف بعير وخمسين فرسا وكان هذا الجيش متوجها إلى تبوك.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي بألف دينار حين جهز العسرة فنثرها في حجره فجعل رسول اللّه يقلبها ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم.
ثم اشترى بئر دومة بعشرين ألف درهم فجعلها للمسلمين يستقون منها.

لما حضرت عمر الوفاة أوصى أن يجتمع الستة الرجال الذين مات رسول اللّه وهو عنهم راضٍ وأن ينتخبوا واحدا منهم، وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وشرط أن يكون معهم ابنه عبد اللّه وليس له شيء غير الشورى.
فاجتمعوا وتناجوا ثم ارتفعت أصواتهم فقال عبد اللّه بن عمر: سبحان اللّه إن أمير المؤمنين لم يمت بعد.
فسمعها عمر فانتبه فقال: ألا أعرضوا عن هذا أجمعين فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام وليصل بالناس صهيب ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم. ويحضر عبد اللّه بن عمر مشيرا ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم. ومن لي بطلحة؟ فقال سعد بن أبي وقاص أنا لك به ولا يخالف إن شاء اللّه.
فقال عمر أرجو أن لا يخالف إن شاء اللّه وما أظن أن يلي إلا أحد هذين الرجلين علي وعثمان فإن ولي عثمان فرجل فيه لين وإن ولي علي ففيه دعابة وأحر أن يحملهم على طريق الحق. وإن تولوا سعدا فأهلها هو، وإلا فليستعن به الوالي، فإني لم أعزله عن خيانة ولا ضعف. ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مسدد رشيد له من اللّه حافظ فاسمعوا إليه.
وقال لأبي طلحة الأنصاري: يا أبا طلحة إن اللّه عز وجل طالما أعز الإسلام بكم فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم.
وقال للمقداد بن الأسود: إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى يختاروا رجلا منهم.
وقال لصهيب: صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة إن قدم وأحضر عبد اللّه بن عمر ولا شيء له من الأمر وقم على رؤوسهم. فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد اللّه بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتتلوا الباقين إن رغبوا عما عليه الناس.
فخرجوا فقال علي لقوم كانوا معه من بني هاشم: إن أطع فيكم قومكم لم يؤمنوا أبدا.
وتلقاه العباس فقال له علي: عدلت عنا. فقال وما علمك؟ فإن قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف. وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن فلو كان الآخران معي لم ينفعاني، بل إني لا أرجو إلا أحدهما.
فقال العباس: لا أدفعك في شيء إلا رجعت إليّ مستأخرا بما أكره. أشرت عليك عند وفاة رسول اللّه أن تسأله فيمن يلي هذا الأمر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت. احفظ عني واحدة. كلما عرض عليك القوم فقل لا إلا أن يولوك واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يزالون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرهم. وأيم اللّه لا يناله إلا بشر لا ينفعه خير.
فقال علي: أما لئن بقي عثمان لأذكرنه ما أتى ولئن مات ليتداولنها بينهم، ولئن فعلوا ليجدوني حيث يكرهون. والتفت فرأى أبا طلحة فكره مكانه.
فقال أبو طلحة: لم ترع أبا الحسن.
فلما مات عمر وأخرجت جنازته تصدى علي وعثمان أيهما يصلي عليه. فقال عبد الرحمن كلا كما يحب الأمرة لستما من هذا في شيء. هذا إلى صهيب، استخلفه عمر يصلي بالناس ثلاثا حتى يجتمع الناس على إمام.
فصلى عليه صهيب.
فلما دفن عمر جمع المقداد أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة، ويقال في بيت المال، ويقال في حجرة عائشة بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب. وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم وجاء عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما. وقال تريدان أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى.
اجتمع أهل الشورى وكثر بينهم الكلام فقال أبو طلحة أنا كنت لأن تدافعوها أخوف مني لأن تنافسوها. لا والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم. ثم أجلس في بيتي فأنظر ماذا تصنعون.




عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب هو الخليفة الثاني لرسول اللّه وهو أول من دعي أمير المؤمنين

كان في الجاهلية من الذين انتهى إليهم الشرف من قريش. أما صناعته فكان تاجرا وبقي كذلك إلى أن ولي الخلافة.
كان عمر مشهورا في الجاهلية بالشدة وعزة الجانب والمنعة على أنه لم يكن غنيا. وكان يرعى الغنم لأبيه وهو صغير حتى قال يوما وقد مر بمكان اسمه ضحيان بعد أن ولى الخلافة.
« كنت أرعى للخطاب بهذا المكان فكان فظا غليظا فكنت أرعى أحيانا وأحتطب أحيانا فأصبحت أضرب الناس ليس فوقي أحد إلا رب العالمين.

وقد أعز اللّه المسلمين بإسلام عمر. فقد كانوا قبل إسلامه يجتمعون في دار الأرقم مستخفين لشدة قريش عليهم وكان النبي يتوقع خيرا للمسلمين بإسلام أحد العمرين وهما عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام أعني أبا جهل.
فأسلم عمر في ذي الحجة لمضي ست وعشرين سنة.
فلما أسلم قال يا رسول اللّه، علام نخفي ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل؟ فقال له رسول اللّه قليل عديدنا وقد رأيت ما لقينا. فقال له عمر، والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان. ثم خرج رسول اللّه في صفين من المسلمين حمزة في أحدهما وعمر في الآخر حتى دخلوا المسجد فنظرت قريش إلى حمزة وعمر فأصابتهم كآبة شديدة.

من هذا اليوم سمى رسول اللّه عمر بالفاروق لأنه أظهر الإسلام وفرق بين الحق والباطل.
لما أسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم اليوم منا وأنزل اللّه{ يا أيها النبي حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين} الأنفال: 64 .

صحب عمر رسول اللّه أحسن صحبة وبذل في نصره ماله ونفسه، وجاهر بالإسلام حتى أعزه. ولما أمر النبي بالهجرة هاجر جميع الصحابة مستخفين إلا عمر. فإنه لشدة بأسه هاجر على ملأ قريش، فتقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده اسهما واختصر عنزته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا ثم أتى المقام فصلى متمكنا ثم وقف على حلقات قريش واحدة فواحدة وقال لهم: شاهت الوجوه لا يرغم اللّه إلا هذه المعاطس من أراد أن تثكله أمه ويؤتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي بن أبي طالب، فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه.

أمضى عمر بن الخطاب أيام صحبته لرسول اللّه في الدفاع عنه وبذل حياته في سبيل دعوته وكان يظهر في ذلك من الغيرة وشدة العناية ما لا يصدر إلا ممن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه.





علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القُرشي
(13 رجب 23 ق هـ/17 مارس 599م - 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م)
ابن عم محمد بن عبد الله نبي الإسلام وصهره، من آل بيته، وكافله حين توفي والديه وجده، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.
ولد في مكة وتشير مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة،[1] وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة. أسلم قبل الهجرة النبويّة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان. هاجر إلى المدينة المنوّرة بعد هجرة محمد بثلاثة أيّام وآخاه محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها محمد على المدينة.[2] وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك وابرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.
تعد مكانة علي بن أبي طالب وعلاقته بأصحاب الرسول موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أن الله اختاره وصيّاً وإماماً وخليفةً للمسلمين، وأنّ محمداً قد أعلن ذلك في خطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر لخلافة المسلمين كان مخالفاً لتعاليم النبي محمد، كما يرون أنّ علاقة بعض الصحابة به كانت متوتّرة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أنّ علاقة أصحاب الرسول به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.
بويع بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة. وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد امتدادا لفتنة مقتل عثمان، مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي، وشيعة عثمان المطالبين بدمه على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين، وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين قاتلوه في يوم الجمل بفعل فتنة أحدثها البعض حتى يتحاربوا؛ كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان، وظهرت جماعات تعاديه وتتبرأ من حكمه وسياسيته سموا بالنواصب ولعل أبرزهم الخوارج. واستشهد على يد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 هـ 661 م.
اشتهر علي عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء في عصره علماً وفقهاً إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة، بما فيه عدد من الفرق الصوفيّة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:47

عـمر بـن عـبد العـزيز
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم من خلفاء بني أمية
وهو خامس الخلفاء الراشدين

ولد بحلوان بمصر سنة (60) هـ، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. روي العلم عن أنس وعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ويوسف بن عبد اللّه بن سلام وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والربيع بن سبرة وغيرهم.
كان أبيض الوجه، وسيم حسن الجسم حسن اللحية غائر العينين، بجبهته أثر حافر دابّة. قيل إن أباه لما ضربه الفرس وأدماه جعل يمسح الدم ويقول إن كنت أشج بني مروان أنك لسعيد وذلك أن النبي قال: الناقص والأشج أعدلا بني أمية. قال المؤرخون الناقص هو هشام بن عبد الملك لأنه نقص من أعطيات جيوشه فلقب بالناقص. بعثه أبوه من مصر إلى المدينة ليتأدب بأدب أهلها فكان يختلف إلى عبد اللّه بن عبيد اللّه يسمع منه، ولما مات أبوه عبد العزيز طلبه عمه عبد الملك إلى دمشق وزوجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول الشاعر فيها:
بنتُ الخليفةِ والخليفة ُجدهـــــــا
أختَ الخلائفِ والخليفة ُ زوجها
وكان قبل ذلك يبالغ في التنعم ويفرط في الاختيال في المشية. قال أنس بن مالك، ما صليت خلف إمام أشبه برسول اللّه من هذا الفتى عمر بن عبد العزيز. وقال زيد بن أسلم كان يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود. سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال هو نجيب بني أمية وأنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة. لما طلب للخلافة كان بالمسجد فسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه فأصعدوه المنبر، فجلس طويلا لا يتكلم. فلما رآهم جالسين قال ألا تقومون فتبايعوا أمير المؤمنين فنهضوا إليه فبايعوه رجلا رجلا. وقد عمل له ابن الجوزي سيرة مجلدا ضخما وهو الذي أمر بجمع أحاديث رسول اللّه وتدوينها كما جمع أبو بكر الصديق القرآن وعدل بين الناس عدلا لم يره الناس إلا من جده عمر بن الخطاب فرتع الناس في بحبوبة الأمن والخصب، وتمنوا لو خلد في الخلافة، ولكن بني أمية تألبوا عليه ودسوا إليه السم فمات مسموما. وسبب كراهيتهم له أنه ضيق الخناق عليهم ولم يتركهم يستغلون ضعف الضعفاء نقعا لغلتهم فتوفي بدير سمعان سنة (101) هـ.
كانت آخر خطبة خطبها : حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنكم لم تخلقوا عبثاً ، ولم تتركوا سدىً وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله تعالى ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر اليوم الآخر وخافه ، وباع فانياً بباقٍ ، ونافداً بما لا نفاد له ، وقليلاً بكثير ، وخوفاً بأمان ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيكون من بعدكم للباقين ، كذلك ترد إلى خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله لا يرجع، قد قضى نحبه حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير موسد ولا ممهد ، قد فارق الأحباب ، وواجه التراب والحساب ، فهو مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير لما قدم ، فاتقوا الله قبل القضاء ، راقبوه قبل نزول الموت بكم ، أما إني أقول هذا … ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله ، وفي رواية : وأيم الله إني لأقول قولي هذا ولا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ، ولكنها سنن من الله عادلة أمر فيها بطاعته ، ونهى فيها عن معصيته ، وأستغفر الله ، ووضع كمّه على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته فما عاد لمجلسه حتى مات رحمه الله .




جعفر بن أبي طالب

السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبد الله إبن عم رسول الله صل الله عليه وسلم، أخو علي بن أبي طالب، وهو أسن من علي بعشر سنين.

هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة شهراً، ثم أمره رسول الله صل الله عليه وسلم على جيش غزوة مؤتة بناحية الكَرَك، فاستشهد.
وقد سُرَّ رسول الله صل الله عليه وسلم كثيراً بقدومه، وحزن والله لوفاته.

عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صل الله عليه وسلم، إلى النجاشي ثمانين رجلاً : أنا، وجعفر، وأبو موسى، وعبد الله بن عُرفطة، وعثمان بن مظعون، وبعثت قريش عمرو ابن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية، فقدما على النجاشي، فلما دخلا سجدا له، وابتدراه، فقعد واحدٌ عن يمينه، والآخر عن شماله، فقالا: إنَّ نفراً من قومنا نزلوا بأرضك، فرغبوا عن ملتنا. قال: وأين هم ؟ قالوا : بأرضك . فأرسل في طلبهم، فقال جعفر: أنا خطيبكم، فاتّبعوه. فدخل فسلم، فقالوا: ما لك لا تسجُدُ للملك ؟ قال: إنا لا نسجد إلاَّ لله. قالوا : ولم ذاك ؟ قال: إن الله أرسل فينا رسولاً، وأمرنا أن لا نسجد إلاَّ لله، وأمرنا بالصلاة والزكاة، فقال عمرو: إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه. قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر: نقول كما قال الله: روح الله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر. قال: فرفع النجاشي عوداً من الأرض وقال: ما يا معشر الحبشة والقسّيسين والرهبان ! ما تريدون، ما يسوؤوني هذا ! أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضّئه. وقال: انزلوا حيث شئتم، وأمر بهدية الآخرين فردت عليهم. قال: وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدراُ.

وعن خالد بن شُمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح، فاجتمع إليه ناس، فقال: حدثنا أبو قتادة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء وقال: (عليكم زيدٌ، فإن أصيب فجعفرٌ، فإن أصيب جعفر فابن رواحة) فوثب جعفر، وقال: بأبي أنت وأمي ! ما كنت أرهب أن تستعمل زيداً عليَّ . قال: امضوا، فإنك لا تدري أيُّ ذلك خير، فأنطلق الجيش، فلبثوا ما شاء الله. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم عن جيشكم، إنهم لَقُوا العدوّ، فأصيب زيدٌ شهيداً، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء جعفر فشدَّ على الناس حتى قتل، ثم أخذه ابن رواحة، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيداً، ثم أخذ اللواء خالد، ولم يكن من الأمراء، هو أمَّر نفسه، فرفع رسول الله صل الله عليه وسلم أصبعيه وقال: (اللهم هو سيف من سيوفك فانصره) فيومئذٍ سميَّ ( سيف الله )، ثم قال: (انفروا فامددوا إخوانكم، ولا يتخلفنَّ أحدٌ)، فنفر الناس في حرٍ شديد .
عن ابن اسحاق: حدثنا يحي بن عبَّاد، عن أبيه قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وكان من بني مرة (بن عوف) قال: لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرسٍ له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل .
قال ابن اسحاق: وهو أول من عقر في الإسلام وقال:
يا حبذا الجنة واقترابها طَيِّبةً وباردٌ شرَابُها والرُّومُ رومٌ قد دنا عذابها عليَّ إن لاقيتُها ضِرابُها.
وعن ابن عمر قال: فقدنا جعفراً يوم مؤتة، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعاً وتسعين، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده.
وعن أسماء قالت: دخل عليَّ رسول الله صل الله عليه وسلم، فدعا بني جعفر، فرأيته شمَّهم، وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله ! أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال: (نعم قتل اليوم) فقمنا نبكي، ورجع، فقال: (اصنعوا لآل جعفرٍ طعاماً، فقد شُغِلُوا عن أنفسهم).
وعن عائشة قالت: لما جاءت وفاة جعفر، عرفنا في وجه النبي صل الله عليه وسلم الحزن.
وعن ابن عباس، قال رسول الله صل الله عليه وسلم (رأيت جعفر بن أبي طالب مَلَكاً في الجنة، مضرَّجةً قوادمه بالدماءِ، يطير في الجنة).
وعن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه: سمع النبي يقول لجعفر(أشبه خَلْقُكَ خَلقي وأشبه خُلُقُكَ خلقي، فأنت مني ومن شجرتي).
وقال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلَّم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا إبن ذي الجناحين.
أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفساً.
وعن أبي هريرة قال: (ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله صل الله عليه وسلم، أفضل من جعفر بن أبي طالب) يعني في الجود والكرم.
عن أبي هريرة قال: كنَّا نسمي جعفراً أبا المساكين. كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئاً، اخرج إلينا عكة [ العكة : ظرف السمن ] أثرها عسلٌ، فنشقها ونلعقها.





حمزة بن عبدالمطلب

الإمام البطل الضرغام، أسد الله، أبو عمارة، وأبو يعلى القرشيُّ الهاشميُّ المكيُّ ثم المدنيُّ البدريُّ الشهيد، عم رسول الله صل الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة .

قال ابن إسحاق : لما أسلم حمزة، علمت قريش أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد امتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه .

قال أبو إسحاق : عن حارثة ابن مُضرّب، عن علي : قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ناد حمزة، فقلت : من هو صاحب الجمل الأحمر ؟ فقال حمزة : هو عتبة بن ربيعة . فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله .

عن ابن عمر قال : سمع رسول الله صل الله عليه وسلم نساء الأنصار يبكين على هلكاهن فقال : ( لكن حمزة لا بواكي له ) فجئن، فبكين على حمزة عنده . إلى أن قال : ( مروهن لا يبكين على هالك بعد اليوم ).

عن جابر مرفوعاً : سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله.

عن جعفر بن عمرو بن أمية الضّمري قال : خرجت وعبيد الله ابن عدي بن الخيار في زمن معاوية غازيين . فمررنا بحمص، وكان وحشيٌ بها، فقال ابن عدي : هل لك أن نسأل وحشياً كيف قتل حمزة . فخرجنا نُريده، فسألنا عنه، فقيل لنا : إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة له . وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً عربياً، فأتيناه فإذا نحن بشيخ كبير أسود مثل البغاث، (هو ضرب من الطير إلى السواد ، وهو ضعيف الجثه كالرخمة وغيرها مما لا يصيد ولا يصاد) على طنفسة له، وهو صاح، فسلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عديّ . فقال : ابنٌ لعدي والله ، ابن الخيار أنت ؟ قال : نعم ...
فقال : والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، وهي على بعيرها فلمعت لي قدماك . قلنا : إنا أتينا لتحدثنا كيف قتلت حمزة، قال : سأُحدثكما بما حدَّثتُ به رسول الله صل الله عليه وسلم، كنت عبد جُبير بن مُطعم، وكان عمه طُعيمة بن عدي قُتل يوم بدر، فقال لي : إن قتلت حمزة ، فأنت حر، وكنت صاحب حربة أرمي قلَّما أُخطئ بها . فخرجت مع الناس، فلما التقوا ، أخذت حربتي، وخرجت أنظر حمزة، حتى رأيته في عُرض الناس مثل الجمل الأورق (الذي لونه بين الغبرة والسوادة، وسمي كذلك لما عليه من الغبار)، يهدُّ الناس بسيفه هداًً ما يُليق شيئاً (أي : لا يمر بشيء إلا قطعه)، فوالله إني لأتهيأ له إذ تقدمني إليه سِباع بن عبد العُزَّى الخزاعي، فلما رآه حمزة، قال : هلُمّ إليَّ يا ابن مُقطِّعة البُظُور ، ثم ضربه حمزة ، فوالله لكأن ما أخطأ رأسه ، ما رأيت شيئاً قطُّ كان أسرع من سقوط رأسه . فهززت حربتي، حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه في ثنته (أسفل البطن إلى العانة ) حتى خرجت بين رجليه . فوقع، فذهب لينوء (لينهض متثاقلاً)، فغلب فتركته وإياها ، حتى إذا مات، قمت إليه، فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه، ولم يكن لي حاجة بغيره .

فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف. فلما خرج وفد الطائف ليُسلموا، ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، وقلت: ألحق بالشام، أو اليمن، أو بعض البلاد، فوالله إني لفي ذلك من همّي إذ قال رجل: والله إن يقتل محمد أحداً دخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : وحشي ؟ قلت : نعم . قال : اجلس، فحدثني كيف قتلت حمزة. فحدثته كما أحدثكما، فقال: (غيّب عني وجهك، فلا أرينك) فكنت أتنكب رسول الله صل الله عليه وسلم حيث كان (أي أميل عنه)، حتى قُبض .

فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة ! خرجت معهم بحربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، نظرت إلى مسيلمة وفي يده السيف، فوالله ما أعرفه، وإذا رجل من الأنصار يريده من ناحية أخرى، فكلانا يتهيأ له، حتى إذا امكنني، دفعت عليه حربتي فوقعت فيه، وشد الأنصاري عليه فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن أنا قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صل الله عليه وسلم، وقتلت شر الناس .

عن أنس قال: لما كان يوم أحد وقف رسول الله صل الله عليه وسلم على حمزة وقد جدع ومثل به، فقال: (لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير)، وكفن في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه .

عن سعد بن أبي وقاص قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم بسيفين ويقول : أنا سيف الله .






خالد بن الوليد

هو بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم أبو سليمان

كان واحدا ممن انتهى إليهم الشرف في الجاهلية

كان في وقائع بدر والخندق وأحد قائدا لخيل المشركين ولم يشهد مع رسول اللّه إلا ما بعد الفتح من الوقائع.

كان خالد في قومه موصوفا بالشجاعة محببا فيهم مقدما عندهم موفقا للنصر عارفا بأصول الحرب. وكان من طباعه الشدة والتسرع، وكان في عهد أبي بكر قائدا على الجنود، و لشدة تسرعه ألح عمر على أمير المؤمنين بعزله فلم يوافقه على ذلك.
يرجح ان خالدا اسلم سنة سبع من الهجرة . ولما أسلم أرسله رسول اللّه مع جيش من المسلمين أميره زيد بن حارثة إلى مشارف الشام من أرض البلقاء(شمال الاردن حاليا) لغزو الروم فحدثت هنالك وقعة مؤتة العظيمة التي استشهد فيها زيد ثم أخذ الراية منه جعفر بن أبي طالب فاستشهد أيضا ثم أخذها عبد اللّه بن رواحة فاستشهد أيضا.
اتفق المسلمون على دفع الراية إلى خالد بن الوليد فأخذها وقاد الجيش قيادة ماهرة وقاتل بنفسه قتالا عنيفا حتى تكسر في يده سبعة أسياف وما زال يدافع عدوه حتى أجبره على الابتعاد عنه ثم انسحب بسلام إلى المدينة. فسماه رسول اللّه سيفا من سيوف اللّه.

وذلك أنه لما قتل الأمراء الثلاثة وأخذ خالد الراية أوحي إلى النبي بذلك فصعد المنبر وأعلم المسلمين بقتل زيد وجعفر وابن رواحة وقال ثم أخذ الراية سيف من سيوف اللّه خالد بن الوليد وفتح اللّه عليه.

وكان النبي يولي خالدا أعنة الخيل فشهد مع رسول اللّه فتح مكة.
بعثه رسول اللّه إلى بني خذيمة داعيا لا مقاتلا فذهب فقاتلهم وقتل منهم فلما بلغ الرسول ذلك رفع يديه إلى السماء ثم قال (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ثم أرسل عليا ومعه مال لفدي الدماء والأموال ثم جاء خالد إلى النبي فاعتذر عما بدر منه.
وكان خالد على مقدمة رسول اللّه يوم حنين فجرح خالد فعاده رسول اللّه ونفث في جرحه فبرئ.
وأرسله إلى أكيدر صاحب دومة الجندل فأسره وأتى به إلى رسول اللّه فصالحه على ان يدفع الجزية.

وأرسله إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا أقام فيهم وعلمهم شرائع الإسلام وإن أبوا قاتلهم فذهب إليهم وأسلم الناس على يديه وأقام بينهم هاديا ومعلما.

لما توفي الرسول عليه السلام ولاه أبو بكر قتال العرب المرتدين عن الإسلام

أشد ما لقي خالد من العرب المرتدين كان في قتاله مع مسيلمة الذي ادعى النبوة باليمامة إذ خرج يقاتل بستين ألف رجل فلما اشتد القتال انكشف المسلمون حتى أنهم انحسروا عن خيمة بن الوليد قائدهم.

نهض خالد وزيد بن الخطاب وثابت بن قيس وغيرهم من إجلاء القوم وبثوا في الجند روح الحمية حتى ردوا الأعداء إلى أبعد مما كانوا وصلوا إليه ثم اشتد القتال وعظم الخطب وتحمس أتباع مسيلمة فخشي خالد أن ينهزم العرب الذين معه ويستعر القتل في المهاجرين والأنصار. فنادى في الناس أن امتازوا أي ليلزم كل شخص قبيلته فظهر أن عدد القتلى في المهاجرين والأنصار أكثر مما في غيرهم.

علم خالد أن الحرب لا تخمد نارها إلا بقتل مسيلمة فطلبه للبراز فخرج إليه فحمل عليه خالد فانهزم مسيلمة. فدعا خالد إذ ذاك المسلمين للحملة على أعدائهم فحملوا عليهم حملة صادقة فهزموهم ودخل المهزومون حديقة وأغلقوها عليهم. نهض أحد إجلاء الرجال وهو البراء بن مالك فقال يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فحملوه حتى اقتحم الجدار وسقط إلى الباب فقاتل عليه حتى فتحه، فدخل المسلمون الحديقة فاقتتلوا فيها أشد قتال فقتل هنالك مسيلمة. ولما علم قومه بمقتله حاولوا الهرب ولكن السيف كان أسرع وهزموا شر هزيمة.

بعد فراغ خالد من قتاله لمسيلمة في اليمامة أرسله أبو بكر للعراق فكانت أول وقائعه فيها وقعة الحفير قرب خليج البصرة وكان اسم صاحبها هرمز. فطلبه خالد للبراز فبرز إليه ولم يتجاولا إلا قليلا حتى قتله. وحمل القعقاع بن عمرو علىٍ الفرس وهزمهم.

لما انهزم أصحاب هرمز التقوا في الطريق بعسكر أرسله إليهم كسرى وكان هرمز أرسل إليه يطلب المساعدة فاجتمعوا معا ورجعوا إلى محاربة خالد فأعاد عليهم الكرة وهزمهم وقتل وسبى وكان في السبي يومئذ أبو الهمام الحسن البصري وكان نصرانيا.

ثم علم خالد أن كسرى ازدشير بعث إليه بجيش بقيادة الأندرزعز أكثره من العرب الضاحية والدهاقين فسار إليهم ونصب لهم كمينا، فلما التقوا ونشبت بينهم الحرب خرج إليهم الكمين وأحاط بالعدو فقتل منهم خلق كثير منهم قائدهم الأندرزعز وقد كان موته عطشا.

ثم ذهب خالد إلى الحيرة فأتاه الدهاقين من تلك النواحي فصالحوه على ألفي ألف.
وفي تلك الأثناء مات كسرى ازدشير ووقعت الفرس في الإضطرابات السياسية فأخذ خالد يتمم فتح العراق فقصد الأنبار وكان عليها شيرزاد فخرج لقتاله فلم يوفق.
ثم صالحه وصالح خالد من حول الأنبار وسار إلى عين النمر فاستقبله عاملها للفرس مهران بن بهرام جوبين بجند عظيم من الفرس والعرب تحت قيادة عقبة بن أبي عقبة، فبينما كان عقبة يعبىء صفوفه هجم عليه خالد واحتضنه وأخذه أسيرا فانهزم العرب بلا قتال. وتبعهم الفرس وتحصنوا في حصن فما زال به خالد حتى أفتتحه.

ومنها سار خالد إلى دومة الجندل فخرج إليه من فيها فانهزموا وأخذ المسلمون الحصن.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:51

الأشعث بن قيس



هو ابن معدي كرب.
وكان اسم الأشعث: معدي كرب. وكان أبداً أشعث الرأس ، فغلب عليه.
وأصيبت عينه يوم اليرموك. وكان أكبر أمراء علي يوم صفين.
عن أبي وائل، قال لنا الأشعث: فيّ نزلت: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً) (آل عمران 77).
خاصمت رجلاً إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: ألك بينة ؟ قلت: لا. قال:
فيحلف. فقال: (من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالاً ، لقي الله وهو عليه غضبان.
قال ابن الكلبي : وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صل الله عليه وسلم.
وعن إبراهيم النخعي، قال: ارتد الأشعث في ناس من كندة، فحوصر، وأخذ بالأمان، فأخذ الأمان لسبعين، ولم يأخذ لنفسه، فأتى به الصديق، فقال: إنا قاتلوك، لا أمان لك، فقال :
تمن علي وأسلم ؟
قال : ففعل. وزوجه أخته.
عن قيس: قال : لما قدم بالأشعث بن قيس أسيراً على أبي بكر. أطلق وثاقه، وزوجه أخته، فاخترط سيفه، ودخل سوق الإبل، فجعل لا يرى ناقة ولا جمالاً إلا عرقبه. وصاح الناس:
كفر الأشعث ! ثم طرح سيفه، وقال: والله ما كفرت، ولكن هذا الرجل زوجني أخته، ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه، يا أهل المدينة، انحروا وكلوا ! ويا أهل الإبل، تعالوا خذوا شرواها (أي مثلها).
عن حيان أبي سعيد التيمي، قال: حذر الأشعث من الفت، فقيل له: خرجت مع علي !
فقال: ومن لك إمام مثل علي.
توفي سنة أربعين.
قلت [ أي الذهبي ]: وكان ابنه محمد بن الأشعث بعده من كبار الأمراء وأشرافهم، وهو والد الأمير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي خرج معه الناس ، وعمل مع الحجاج تلك الحروب المشهورة التي لم يسمع بمثلها. ثم في الآخر خذل ابن الأشعث وانهزم، ثم ظفروا به وهلك.

المصدر: نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/102





البراء بن مالك

هو إبن النضر الأنصاري النجاري المدني .

البطل الكرّار، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخو خادم النبي صل الله عليه وسلم أنس بن مالك، شهد أحداً، وبايع تحت الشجرة .
قيل : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيش لاتستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم .

وبلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على ترس، على أسنة رماحهم ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم، وشد عليهم ، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة ، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً ، ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهراً يداوي جراحه .
وقد اشتهر أن البراء قتل في حروبه مئة نفس من الشجعان مبارزة .
عن أنس مرفوعاً قال : ( كم من ضعيف، متضعف، ذي طمرين، لوأقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك).
وإن البراء لقي المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: إنك لو أقسمت على الله لأبرك، فأقسم على ربك. قال : أقسم عليك يارب لما منحتنا أكتافهم.

إستشهد يوم فتح تستر، سنة عشرين.





البراء بن معرور

هو ابن صخر، السيد، النقيب، أبو بشر الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة،
وهو ابن عمة سعد بن معاذ.

وكان نقيب قومه بني سلمة . وكان أول من بايع ليلة العقبة الأولى، وكان فاضلاً، تقياً، فقيه النفس . مات في سفر قبل قدوم رسول الله صل الله عليه وسلم، المدينة بشهر.
قال محمد بن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله، عن أبيه قال: خرجنا من المدينة نريد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وخرج معنا حجاج قومنا من أهل الشرك. حتى إذا كنا بذي الحليفة قال لنا البراء بن معرور – وكان سيدنا وذا سِننا – : تعلمن ّ والله لقد رأيت أن لا أجعل هذه البنـيّة [ الكعبة ] مني بظهر، وأن أصلي إليها. فقلنا: والله لا نفعل، ما بلغنا أن نبينا يصلي إلاّ إلى الشام، فما كنا لنخالف قبلته. فلقد رأيته إذا حضرت الصلاة يصلي إلى الكعبة. قال: فعبنا عليه وأبى إلا الإقامة عليه، حتى قدمنا مكة. فقال لي: يا ابن أخي لقد صنعت في سفري شيئاً ما أدري ما هو، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنسأله عما صنعت. وكنا لا نعرف رسول الله، فخرجنا نسأل، فلقينا بالأبطح رجلاً، فسألناه عنه، فقال: هل تعرفانه ؟ قلنا: لا . قال: فهل تعرفان العباس ؟ قلنا: نعم . فكان العباس يختلف إلينا بالتجارة، فعرفناه. فقال: هو الرجل الجالس معه الآن في المسجد، فأتيناهما فسلمنا وجلسنا، فسألنا العباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذان يا عم ؟ قال: هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشاعر. فقال البراء: يا رسول الله ! والله لقد صنعت كذا وكذا، فقال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها، فرجعه إلى قبلته. ثم واعدنا رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة العقبة الأوسط. وذكر القصة بطولها.

وكان البراء ليلة العقبة هو أجل السبعين، وهو أولهم مبايعة لرسول الله صل الله عليه وسلم.

المصدر : نزهة الفضلاء 1/48





العلاء بن الحضرمي


هو العلاء بن عبد الله بن عماد .
كان من حلفاء بني أمية، ومن سادة المهاجرين .
ولاّه رسول الله صل الله عليه وسلم البحرين، ثم وليها لأبي بكر وعمر .
وكان أبو هريرة يقول : رأيت من العلاء ثلاثة أشياء لا أزال أُحبه أبداً : قطع البحر على فرسه يوم دارين . وقدم يريد البحرين، فدعا الله بالدهناء، فنبع لهم ماء فارتووا، ونسي رجل منهم بعض متاعه ، فرد فلقيه، ولم يجد الماء . ومات ونحن على غير ماء، فأبدى الله لنا سحابة، فمطرنا، فغسلناه، وحفرنا له بسيوفنا، ودفناه، ولم نُلحد له .
توفي سنة إحدى وعشرين .

المصدر : نزهة الفضلاء 1/46







الزبير بن العوَّام



الزُبير بن العوام بن خُويلد .حواريُّ رسول الله صل الله عليه وسلم، وابن عمته صفيه بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، وأول من سلّ سيفه في سبيل الله، أبو عبد الله رضي الله عنه.
أسلم وهو حدث له ست عشرة سنة .
عن موسى بن طلحة قال: كان عليّ والزبير وطلحة وسعد عذار عام واحد، يعني ولدوا في سنة .
قال عروة: جاء الزبير بسيفه، فقال النبي صل الله عليه وسلم: مالك ؟ قال: أُخبرت أنك أخذت، قال: فكنت صانعاً ماذا ؟ قال: كنت أضرب به من أخذك. فدعا له ولسيفه.
وروى هشام، عن أبيه عروة، أن الزبير كان طويلاً تخُط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، وكانت أمه صفية تضربه ضرباً شديداً وهو يتيم، فقيل لها، قتلتِه، أهلكته، قالت:

إنما أضربه لكي يدب ويَجُر الجيش ذا الجلب

وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير.
وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير:
جَدي ابن عمة أحمد ووزيره عند البلاء وفارس الشقراء
وغداة بدر كـان أول فارسٍ شهد الوغى في اللامة الصفراء
نزلت بسيماه الملائك نُصرة بالحوض يوم تألب الأعــداءِ

وهو ممن هاجر إلى الحبشة ولم يطل الإقامة بها.
وقال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: من يأتينا بخبر بني قريظة ؟ فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم قال الثانية، فقال الزبير: أنا فذهب، ثم الثالثة، فقال النبي صل الله عليه وسلم: ((لكل نبي حواري ،و حواريي الزبير)).
عن الثوري قال : هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة وعلي والزبير .
عن عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقة، إن كنتُ لأدخل أصابعي فيها، ضُرب ثنتين يوم بدر ، وواحدة يوم اليرموك .
عن مروان، قال: أصاب عثمان رُعاف سنة الرُعاف، حتى تخلّف عن الحجّ و أوصى، فدخل عليه رجل من قريش، فقال: استخلف، قال : وقالوه؟ قال: نعم، قال: من هو ؟ فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر، فقال له مثل ذلك، وردّ عليه نحو ذلك، قال: فقال عثمان : قالوا الزبير ؟ قالوا : نعم، قال : أما والذي نفسي بيده، إن كان لأخيرهم ما عملتُ، وأحبهُم إلى رسول الله صل الله عليه وسلم .
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل على عليّ، فلقيه ابنه عبد الله، فقال: جُبناً ، جُبناً ! قال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني عليُّ شيئاً سمعته من رسول الله صل الله عليه وسلم فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال :
ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسنُ في الدُنيا وفي الدين

وقيل أنه أنشد:
ولعد علمتُ لو أن علمي نافعي أن الحياة من الممـات قـريبُ

فلم ينشب أن قتله ابن جُرموز .

عن جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير يوم الجمل، وكانوا يُسلمون عليه بالإمرة، إلى أن قال: فطعنه ابن جرموز فأثبته، فوقع، ودُفن بوادي السباع، وجلس عليّ رضي الله عنه يبكي عليه هو وأصحابه .
عن أبي نظرة قال: جيء برأس الزُبير إلى علي فقال علي: تبوّأ يا أعرابي مقعدك من النار، حدثني رسول الله صل الله عليه وسلم أن قاتل الزبير في النّار .
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير قال: لقيت يوم بدر عُبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مُدجج لا يُرى إلا عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرِش فحملتُ عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات، فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد أن نزعتُها، يعني الحربة، فلقد انثنى طرفها.

قُتل سنة ست وثلاثين، وله بضع وخمسون سنة.
قال ابن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء جُرموز إلى مُصعب بن الزبير، يعني لما ولي إمرة العراق لأخيه الخليفة عبد الله بن الزبير فقال: أقِدني الزبير، فكتب في ذلك يُشاور إبن الزبير، فجاءه الخبر: أنا أقتل إبن جرموز بالزُبير ؟ ولا بشسع نعله .
قلتُ : أكل المُعثر يديه ندماً على قتله، واستغفر الله، لا كقاتل طلحة وقاتل عثمان وقاتل علي ..


المصدر:
نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/14






النعمان بن مقرن المزني

هو إبن عائذ، أبو عمرو، المزني، الأمير
* أول مشاهده الأحزاب
* وشهد بيعة الرضوان
* نزل الكوفة
* شارك في حروب الردة زمن أبي بكر رضي الله عنه
* شارك في القادسية، وكان من ضمن رسل سعد بن أبي وقاص إلى يزدجرد
* ولي كَسكر لعمر بن الخطاب ثم صرفه وبعثه على المسلمين يوم وقعة نهاوند، فكان يومئذ أول شهيد، وكانت في سنة إحدى وعشرين .

اجتمع من الفرس قرابة مائة ألف وخمسون ألف مقاتل لحرب المسلمين ، فكتب المسلمون إلى عمر بذلك ، فجمع الصحابة في المدينة يستشيرهم ، فعزم على الجهاد ضدهم ، ثم قال لأصحابه : أشيروا عليّ بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقياً ، فقالوا : أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين ، فقال : أما والله لأولين رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غداً ، قالوا : من هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : النعمان بن مقرن، فقالوا : هو لها.

عن معقل بن يسار : أن عمرو شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان، فقال : أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان: الجناحان، فإذا قطعت جناحاً فاء الرأس وجناح، وإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فقال عمر للنعمان بن مقرن: إني مستعملك، فقال : أما جابياً فلا، وأما غازياً فنعم، قال: فإنك غاز . فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة والزبير والمغيرة والأشعث وعمرو بن معدي كرب، فذكر الحديث بطوله وهو في مستدرك الحاكم .

فقال النعمان : اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين، وافتح عليهم فأمنوا، وهز لواءه ثلاثاً ، ثم حمل ، فكان أول صريع رضي الله عنه، ووقع ذو الحاجبين – أمير جيش الفرس – من بغلته الشهباء فانشق بطنه، وفتح الله .

قال معقل : ثم أتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء ، فصببت على وجهه أغسل التراب، فقال : من ذا ؟ قلت: معقل، قال: ما فعل الناس ؟ قلت: فتح الله، فقال : الحمد لله، اكتبوا إلى عمر بذلك، وفاضت نفسه رضي الله عنه .




أبو الدرداء عويمر بن زيد

* هو الإمام القدوة. قاضي دمشق، وصاحب رسول الله صل الله عليه وسلم، أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي
* حكيم هذه الأمة، وسيد القراء بدمشق
* وهو معدود فيمن تلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يبلغنا أبداً أنه قرأ على غيره. وهو معدود فيمن جمع القرآن في حياة الرسول صل الله عليه وسلم.
* وتصدر للإقراء بدمشق في خلافة عثمان ، وقبل ذلك.
* مات قبل عثمان بثلاث سنين.

عن خيثمة : قال أبو الدرداء، كنت تاجراً قبل المبعث، فلما جاء الإسلام، جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة.

قلت [ أي الذهبي ] : الأفضل جمع الأمرين مع الجهاد، وهذا الذي قاله هو طريق جماعة من السلف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس، تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع ، كالصديق، وعبد الرحمن بن عوف. وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز، ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس، وكل سائغ. لكن لا بد من النهضة بحقوق الزوجة والعيال.

قال أبو الزاهرية : كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً، وكان يعبد صنماً، فدخل ابن رواحة، ومحمد بن مسلمة بيته فكسرا صمنه، فرجع فجعل يجمع الصنم، ويقول: ويحك ! هلا امتنعت ! ألا دفعت عن نفسك، فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه، ونفعها ! فقال أبو الدرداء: اعدي لي ماء في المغتسل. فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صل الله عليه وسلم، فنظر إليه ابن رواحه مقبلاً، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا ؟ فقال: (إنما جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم).

عن مكحول: كانت الصحابة يقولون: أرحمنا بنا أبو بكر، وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة ، وأعلمنا بالحرام والحلال معاذ، وأقرأنا أبي، ورجل عنده علم ابن مسعود، وتبعهم عويمر أبو الدرداء بالعقل.
وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء.
وروى عون بن أبي جحيفة، عن أبيه: أن رسول الله صل الله عليه وسلم آخى بين سلمان وأبي الدرداء ، فجاءه سلمان يزوره ، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال : ما شأنك ؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار، فجاء أبو الدرداء فرحب به، وقرب إليه طعاماً. فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم، قال : أقسمت عليك لتفطرن. فأكل معه. ثم بات عنده، فلما كان من الليل ، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال : إن لجسدك عليك حقاً ولربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، وصم وافطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه. فلما كان وجه الصب ، قال : قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان : فقال له: (يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقاً، مثل ما قال لك سلمان).
وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين. فيقال: من العاقلان ؟ فيقول: معاذ، وأبو الدرداء.
عن محمد بن كعب، قال: جمع القرآن خمسة: معاذ، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبيّ، وأبو أيوب. فلما كان زمن عمر، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا، وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم. فأعني برجال يعلمونهم.
فدعا عمر الخمسة، فقال: إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم، وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير – لأبي أيوب –، وأما هذا فسقيم – لأبي، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء.
فقال عمر : ابدؤوا بحمص ، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك، فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين. قال : فقدموا حمص فكانوا بها، حتى إذا رضوا من الناس، أقام بها عبادة بن الصامت، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين، فمات في طاعون عمواس. ثم صار عبادة بعد إلى فلسطين وبها مات. ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات..
عن ابن أبي ليلى، قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلام عليك. أما بعد، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله، أبغضه الله، فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده.
عن أبي الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله يأجرني فيه.
عن مسلم بن مشكم : قال لي أبو الدرداء : اعدد من في مجلسنا. قال : فجاءوا ألفاً وست مئة ونيفاً. فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح، انفتل وقرأ جزءاً، فيحدقون به يسمعون ألفاظه. وكان ابن عامر مقدماً فيهم.
وقال هشام بن عمار: حدثنا يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، قال : كان أبو الدرداء يصلي، ثم يقرئ ويقرأ، حتى إذا أردا القيام، قال لأصحابه: هل من وليمة أو عقيقة نشهدها ؟ فإن قالوا: نعم، وإلا قال: اللهم إني أشهدك أني صائم. هو الذي سن هذه الحلق للقراءة.
وعن يزيد بن معاوية، قال: إن أبا الدرداء من العلماء الفقهاء، الذين يشفون من الداء.
عن سالم بن أبي الجعد، قال أبو الدرداء: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون ! تعلموا، فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر.
عن ميمون بن مهران ، قال أبو الدرداء : ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
عن عون بن عبد الله : قلت لأم الدرداء : أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر؟ قالت : التفكر والاعتبار.
وعن أبي الدرادء : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.
عن ابن حليس : قيل لأبي الدرداء – وكان لا يفتر من الذكر – : كم تسبح في كل يوم ؟ قال : مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع.
عن أبي البختري ، قال : بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له، إذ سمعت في القدر صوتاً ينشج، كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأت القدر، ثم رجعت إلى مكانها، لم ينصب منها شيء. فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك ! فقال له سلمان: أما أنك لو سكت، لسمعت من آيات ربك الكبرى.
عن بلال بن سعد، أن أبا الدرادء قال: أعوذ بالله من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقة القلب ؟ قال : أن يجعل لي في كل واد مال.
روي عن أبي الدرداء، قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء: ساعة ظمأ الهواجر، والسجود بالليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
حريز بن عثمان: حدثنا راشد بن سعد، قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء، فقال: أوصني. قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى، فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا، فانظر إلى ما يصير.
عن عبد الله بن مرة، أن أبا الدرداء قال: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك دعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البر لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى.
عن أبي الدرداء : إياك دعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارت من نار.
وروى لقمان بن عامر، أن أبا الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها براء.

عن ابن جبير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرس مر بالسبي على أبي الدرداء، فبكى، فقلت له : تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : يا جبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله، فلقوا ما ترى. ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه.
عن أم الدرداء، قالت: كان لأبي الدراء ستون وثلاث مئة خليل في الله. يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال : إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب، إلا وكل الله به ملكين يقولان : ولك بمثل . أفلا أرغب أن تدعو لي الملائك.

قالت أم الدراء: لما احتضر أبو الدرداء، جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا ؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا ؟
مات أبو الدرداء اثنتين وثلاثين.
لما جاء نعي يعني ابن مسعود إلى أبي الدرداء قال: أما إنه لم يخلف بعده مثله.
وقيل : الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً، فإذا أحكم الرجل منهم، تحول إلى أبي الدرداء يعني يعرض عليه.
وعن أبي الدرداء قال: من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده.





أبو العاص بن الربيع

هو إبن عبد العزى بن عبد شمس بن أمية، القرشي، العبشمي .
صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج ابنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يحملها النبي صل الله عليه وسلم في صلاته .
أمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد .

كانت خديجة هي التي سألت رسول الله صل الله عليه وسلم أن يزوجه بابنتها زينب، وكان لا يخالفها، وذلك قبل الوحي .
كان صلى الله عليه وسلم قد زوج إحدى بناته من عتبة بنت أبي لهب، فلما جاء الوحي قال أبو لهب: اشغلوا محمداً بنفسه، وأمر ابنه عتبة فطلق ابنة رسول الله صل الله عليه وسلم قبل الدخول، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومشوا إلى العاص فقالوا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت، قال: لا والله إذاً لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .
أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر .
قال المسور بن مخرمة: أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي العاص خيراً، وقالSad حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي) ، وقد وعد النبي صل الله عليه وسلم أن يرجع إلى مكة بعد وقعة بدر فيبعث إليه ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها.
وكان من تجار قريش وأمنائهم .
ما علمت له رواية .
ولما هاجر رد عليه النبي صل الله عليه وسلم زوجته زينب بعد ستة أعوام على النكاح الأول وقد كانت زوجته .

لما أسر نوبة بدر، وبعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بمال، وبعثت ف يه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، فلما رآها رسول الله صل الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقـال : ( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا )، قالوا : نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:54

العبَّاس بن عبَد المطَّلِبْ

{عم رسول الله صل الله عليه وسلم}

قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه ، وخرج مع قومه إلى بدر، فأسر يومئذ، فادعى أنه مسلم. فالله أعلم.
وليس هو في عداد الطلقاء، فإنه قد قدم إلى النبي صل الله عليه سول قبل الفتح، ألا تراه أجار أبا سفيان بن حرب.
قدم الشام مع عمر.
ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين.

قلت [ أي الذهبي ]: كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتاً، مع الحلم الوافر، والسؤدد.
عن أبي رزين، قال: قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صل الله عليه وسلم ؟ قال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.
قال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم، وجفنة لجائعهم، ومنظرة لجاهلهم.
وكان يمنع الجار، ويبذل، ويعطي في النوائب.
ونديمه في الجاهلية هو أبو سفيان بن حرب.

عن البراء، أو غيره، قال: جاء رجل من الأنصار بالعباس، وقد أسره، فقال: ليس هذا أسرني، فقال النبي صل الله عليه وسلم: (لقد آزرك الله بملك كريم).
بنوه الفضل – وهو أكبرهم – ، وعبد الله البحر، وعبيد الله، وقثم – ولم يعقب – وعبد الرحمن – توفي بالشام ولم يعقب – ومعبد – استشهد بافريقية – وأم حبيب، وأمهم: أم الفضل لبابة الهلالية، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه أو سهل
كستة من بطن أم الفضل أكرم بها من كهلة وكهل

ومن أولاد العباس: كثير – وكان فقيهاً –، وتمام – وكان أشد قريش – وأميمة، وأمهم أم ولد. والحارث بن العباس، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية. فعدتهم عشرة.

عن المطلب بن ربيعة، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم Sadما بال رجال يؤذونني في العباس، وإن عم الرجل صنو أبيه، من آذى العباس فقد آذاني).
وثبت أن العباس كان يوم حنين، وقت الهزيمة، آخذاً بلجام بغلة النبي صل الله عليه وسلم وثبت معه حتى نزل النصر.

عن ابن عباس، أن رجلاً من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقال: (أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله) ؟ قالوا: أنت. قال: (فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا)، فجاء القوم فقالوا: نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله.

وثبت من حديث أنس: أن عمر استسقى فقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به، وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس.
وفي ذلك يقول عباس بن عقبة بن أبي لهب:
بعمي سقى الله الحجاز و أهله عشية يستسقي بشيبته عمـر
توجه بالعباس في الجدب راغبا إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسـول الله فينا تراثــه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخـر

قال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع، وذلك في آخر الليل، فينادينهم فيسمعهم، والغابة نحو من تسعة أميال.

قلت [ أي الذهبي ] : كان تام الشكل، جهوري الصوت جداً، وهو الذي أمره النبي صل الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة.

قلت [ أي الذهبي ]: لم يزل العباس مشفقاً على النبي صل الله عليه وسلم محباً له، صابراً على الأذى، ولما يسلم بعد، بحيث أن ليلة العقبة عرف، وقام مع ابن أخيه في الليل، وتوثق له من السبعين، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرهاً، فأسر، فأبدى لهم أنه كان أسلم ثم رجع إلى مكة، فما أدري لماذا أقام بها.
ثم لا ذكر له يوم أحد، ولا يوم الخندق، ولا خرج مع أبي سفيان، ولا قالت له قريش في ذلك شيئاً، فيما عملت. ثم جاء إلى النبي صل الله عليه وسلم مهاجراً قبيل فتح مكة.
وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس، فقلعه. فقال له: أشهد أن رسول الله صل الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه. فأقسم عمر: لتصعدن على ظهري ولتضعنه موضعه.

وقد عاش ثمانياً وثمانين سنة. ومات سنة اثنين وثلاثين، فصلى عليه عثمان ودفن بالبقيع.
وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء.
وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى وقتنا هذا، وذلك ست مائة عام، أولهم السفاح.

مصدر الدراسة: نزهة الفضلاء 1/109





الحجاج بن يوسف الثقفي

احتل الحجاج بن يوسف الثقفي مكانة متميزة بين أعلام الإسلام، ويندر أن تقرأ كتابًا في التاريخ أو الأدب ليس فيه ذكر للحجاج الذي خرج من سواد الناس إلى الصدارة بين الرجال وصانعي التاريخ بملكاته الفردية ومواهبه الفذة في القيادة والإدارة.
وعلى قدر شهرة الحجاج كانت شهرة ما نُسب إليه من مظالم؛ حتى عده كثير من المؤرخين صورة مجسمة للظلم، ومثالا بالغا للطغيان، وأصبح ذكر اسمه يستدعي في الحال معاني الظلم والاستبداد، وضاعت أعمال الحجاج الجليلة بين ركام الروايات التي تروي مفاسده وتعطشه للدماء، وإسرافه في انتهاكها، وأضافت بعض الأدبيات التاريخية إلى حياته ما لم يحدث حتى صار شخصية أسطورية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع، وقليل من المؤرخين من أنصف الحجاج، ورد له ما يستحق من تقدير.
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها.

المولد والنشأة
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا.
حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.

الحجاج وابن الزبير
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.

الحجاج في العراق
بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.

الفتوحات الإسلامية
تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.
ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".
وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند.

إصلاحات الحجاج
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها، فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.

نقط المصحف
ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.

الحجاج في التاريخ
اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.
ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبا حازما مبالغا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها.
ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".
وقد وضعت دراسات تاريخية حديثه عن الحجاج، وبعضها كان أطروحات علمية حاولت إنصاف الحجاج وتقديم صورته الحقيقية التي طمس معالمها وملامحها ركام الروايات التاريخية الكثيرة.. وتوفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ = 9 من يونيو 714م).

من مصادر الدراسة:
v الطبري محمد بن جرير: تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – دار المعارف- القاهرة- 1971م.
v ابن خلكان: وفيات الأعيان- تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1979م.
v إحسان صدقي العمد: الحجاج بن يوسف الثقفي– دار الثقافة- بيروت- 1973م.
v عبد الواحد ذنون طه: العراق في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي– منشورات مكتبة باسل – الموصل – العراق- (1405 هـ = 1985م).
v علي حسني الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الأموي – دار المعارف- القاهرة- 1959م.





أبو سفيان صخر بن حرب


هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس.
رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق، وله هنات وأمور صعبة، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف، ثم بعد أيام صلح إسلامه.
وكان من دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم، فشهد حنيناً، وأعطاه صهره رسول الله صل الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل، وأربعين أوقية من الدراهم يتألفه بذلك ففرغ عن عبادة هبل ومال إلى الإسلام.
وشهد قتال الطائف، فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك. وكان يومئذ قد حسن إن شاء الله إيمانه، فإنه كان يومئذ يحرض على الجهاد. وكان تحت راية ولده يزيد، فكان يصيح : يا نصر الله اقترب، وكان يقف على الكراديس يذكر ويقول: الله الله، إنكم أنصار الإسلام ودارة العرب، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم، اللهم هذا يوم من أيامك ، اللهم أنزل نصرك.
فإن صح هذا عنه ، فإنه يغبط بذلك ، ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي صل الله عليه وسلم يدل على إيمانه ولله الحمد.
وكان أسن من رسول الله صل الله عليه وسلم بعشر سنين، وعاش بعده عشرين سنة، وكان عمر يحترمه، وذلك لأنه كان كبير بين أمية.
وكان حمو النبي صل الله عليه وسلم، وما مات حتى رأى ولديه: يزيد ثم معاوية أميرين على دمشق، وكان يحب الرياسة والذكر، وكان له منزلة كبيرة في خلاقة ابن عمه عثمان.
توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وله نحو التسعين.






أبو سفيان بن الحارث
هو إبن عم النبي صل الله عليه وسلم المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشميّ.
تلقى النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلماً، فانزعج النبي صلى الله عليه وسلم، وأعرض عنه، لأنه بدت منه أمور في أذية النبي صلى الله عليه وسلم، فتذلل للنبي صلى الله عليه وسلم حتى رق له، ثم حسن إسلامه، ولزم هو والعباس رسول الله صل الله عليه وسلم يوم حنين إذ فر الناس، وأخذ بلجام البغلة، وثبت معه .
وكان أخا النبي من الرضاعة، أرضعتهما حليمة.
قال أبو إسحاق السبيعي : لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال : لا تبكوا عليّ، فإني لم أتنطف [ أي : لم أتلطخ ] بخطيئة منذ أسلمت .
وقد انقرض نسل أبي سفيان.

وعن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره الصلاة، ثم يصلي من الظهر إلى العصر .





أبو جندل بن سهيل بن عمرو


إبن سهيل بن عمرو العامريّ القرشيّ. وقيل : اسمه العاص .
كان من خيار الصحابة، وقد أسلم قديماً.
حبسه أبوه وقيّده، فلما كان يوم صُلح الحديبية هرب يحجلُ في قيوده، وأبوه حاضر بين يدي النبي صل الله عليه وسلم، لكتاب الصلح. فقال: هذا أول من أقاضيك عليه يا محمد . فقال: هبه لي . فأبى . فردّه وهو يصيح ويقول : يا مسلمون ! أُردُّ إلى الكفر ؟ ثم إنه هرب .

ثم خلص، ولحق بأبي بصير إلى سيف البحر، وهاجر إلى المدينة، وجاهد، ثم انتقل إلى جهاد الشام .
توفي شهيداً في طاعون عَمَواس بالأردن سنة ثماني عشرة .





أبو طلحة الأنصاري


صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم، ومن بني أخواله.
وأحد أعيان البدريين، وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة.
واسمه زيد بن سهل بن الأسود.
وكان قد سرد الصوم بعد النبي صل الله عليه وسلم.
وهو الذي قال فيه الرسول صل الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة
عن أنس قال: خطب أبو طلحة أم سليم ؟ فقال: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، فإن تسلم فذلك مهري، لا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها. قال ثابت: فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم: الإسلام.
مات ابنه منها، وكتمته، وتصنعت له حتى أصابها، ثم أخبرته وقالت: إن الله كان أعارك عارية فقبضها، فاحتسب ابنك.
عن أنس قال: لما كان يوم أحد، انهزم ناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يديه مجوباً عليه – أي مترساً عليه - بحجفة – أي بترس- ، وكان رامياَ شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة . وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول صل الله عليه وسلم : ( انثرها لأبي طلحة ) ، ثم يشرف إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : يا نبي الله بأبي أنت لا تشرف لا يصيبنك سهم ، نحري دون نحرك ... فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثاً من النعاس.
عن أنس أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال يوم حنين : (من قتل قتيلاً فله سلبه)، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم .

قال أنس : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخل، فقال : يا رسول الله إن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وإنه صدقة لله ، أرجو برها وذخرها، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال : ( بخ ! ذلك مال رابح، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين).
عن أنس: أن أبا طلحة قرأ { انفروا خفافاً وثقالاً }، فقال: استنفرنا الله، وأمرنا شيوخنا وشبابنا، جهزوني، فقال بنوه : يرحمك الله ! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ونحن نغزو عنك الآن . قال : فغزا البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، فلم يتغير.

مات سنة أربع وثلاثين .
حلق النبي صل الله عليه وسلم شق رأسه فوزعه على الناس، ثم حلق شقه الآخر فأعطاه أبا طلحة .






أبو ذر الغفاري
(جندب بي جنادة الغفاري)

قلت [ أي الذهبي ]: أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب محمد صل الله عليه وسلم.

قيل: كان خامس خمسة في الإسلام، ثم إنه رد إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، فلما هاجر النبي صل الله عليه وسلم، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه، ولا زمه ، وجاهد معه.

وكان يفتي في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان.
وكان رأساً في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حدة فيه.

وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.
عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذر: خرجنا مع قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خالٍ لنا، فأكرمنا وأحسن. فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم أنيس، فجاء خالنا، فذكر لنا ما قيل له: فقلت: أما ما مضى من معروفك، فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقدمنا صرمتنا {أي الإبل} فاحتملنا عليها، وجعل خالنا يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن فخيرا أنيسا بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صل الله عليه وسلم بثلاث سنين، قلت: لمن ؟ قال:لله. قلت: أين توجه ؟ قال: حيث وجهني الله، أصلى عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء – أي: كساء يطرح على السقاء- حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث عليّ – أي: أبطأ - ثم جاء. فقلت: ما صنعت ؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم أنه مرسل. قلت: فما يقول الناس ؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. قال: وكان أنيس أحد الشعراء: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وما بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء، فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون ! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر.
فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إليّ فقال : الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، حتى خررت مغشياً علي. فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، و شربت من مائها.
ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، وما لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان، وجاءت امرأتان تطوفان ، وتدعوان إسافاً ونائلة {وهما صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجًلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا}، فأتتا علي في طوافهما. فقلت: أنكحا أحدهما الآخر. فما تناهتا عن قوليهما، فأتتا عليّ. فقلت: هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان ها هنا أحد من أنفارنا ! فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما ؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما ؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلى. وكنت أول من حياة بتحية الإسلام. قال : عليك ورحمة الله ! من أين أنت ؟ قلت : من غفار. فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده: فدفعني صاحبه، وكان أعلم به مني. قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت ها هنا ؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال: فمن يطعمك ؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت، وما أجد على بطني سخفة جوع. قال (إنها مباركة إنها طعام طعم). فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلقنا، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان أول طعام أكلته بها.
وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ قومك، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ ) قال: فانطلقت ، فلقيت أنيساً ، فقال : ما صنعت ؟ قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت. قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأسلمت أمنا، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رَحَضة، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة، فأسلم نصفهم الباقي.
وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله، إخواننا، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : (غفار غفر الله لها ! وأسلم سالمها الله).
قال الواقدي: كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر.
وكان يقول: أبطأت في غزوة تبوك، من عجف بعيري.
عن أبي سيرين: سألت ابن أخت لأبي ذر: ما ترك أبو ذر ؟ قال: ترك أتانين، وحماراً، وأعنزاً، وركائب.
عن أبي حرب بن الأسود: سمعت عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : (ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر).
عن أبي اليمان، وأبي المثنى، أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صل الله عليه وسلم خمساً، وواثقني سبعاً: ألا أخاف في الله لومة لائم.
عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي صل الله عليه وسلم بسبع (أمرني بحب المساكين والدنو منهم، أن أنظر إلى من هو دوني، وأن لا أسال أحداً شيئاً، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وألا أخاف في الله لومة لائم، وأن أكثر من قول: لا حول ولا قول إلا بالله، فإنهن من كنز تحت العرش).
عن زيد بن خالد الجهني، قال: كنت عند عثمان، إذ جاءه أبو ذر، فلما رآه عثمان قال: مرحباً وأهلاً بأخي. فقال أبو ذر: مرحباً وأهلاً بأخي، لقد أغلظت علينا في العزيمة، والله لو عزمت علي أن أحبوا لحبوت ما استطعت. إني خرجت مع النبي صل الله عليه وسلم نحو حائط بني فلان، فقال لي: (ويحك بعدي) ! فبكيت، فقلت: يا رسول الله، وإني لباق بعدك ؟ قال: (نعم، فإذا رأيت البناء على سلع، فالحق بالمغرب، أرض قضاعة). قال عثمان: أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس.
قال المعرور بن سويد : نزلنا الربذة ، فإذا برجل عليه برد ، وعلى غلامه مثله، فقلنا : لو عملتهما حلة لك ، اشتريت لغلامك غيره ! فقال: سأحدثكم: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم: (ساببت فلاناً) ؟ قلت: نعم. قال: (ذكرت أمه)، قلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه. فقال: (إنك امرؤ فيه جاهلية). وذكر الحديث إلى أن قال: (إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه).
عن ابن بريدة ، قال : لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر ، فجعل أبو موسى يكرمه وكان أبو موسى قصيراً خفيف اللحم. وكان أبو ذر رجلاً أسود كث الشعر فيقول أبو ذر: إليك عني ! ويقول أبو موسى: مرحباً بأخي ! فيقول: لست بأخيك ! إنما كنت أخاك قبل أن تلي.

مات سنة اثنتين وثلاثين.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر مع قوة أبي ذر وشجاعته: ( يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم). فهذا محمول على ضعف الرأي، فإنه لو ولي مال يتيم، لأنفقه كل في سبيل الخير، ولترك اليتيم فقيراً. فقد كان لا يستجيز ادخار النقدين. والذي يتآمر على الناس، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة، وأبو ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة، كما ذكرناه فنصحه النبي صل الله عليه وسلم.
عن أبي عثمان النهدي، قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت وقلت: أنائم أنت يا أبا ذر ؟ قال: لا ، بل كنت أصلي.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:57

أبو عبيدة بن الجراح



أبو عبيدة بن الجراح أحد كبار الصحابة وأعلام المسلمين الأولين. هو من العشرة المبشرين. واسمه عامر ابن عبد اللّه بن الجراح بن هلال بن أهيب بن منبه بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة اشتهر بكنيته ونسبه إلى جده.
أمه أميمة أدركت الإسلام وأسلمت.
كان أبو عبيدة في الجاهلية محترما في قومه ،صائبا في رأيه موصوفا بالدهاء والتدبير وكان يقال: داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح.
أسلم أبو عبيدة في أول ظهور الإسلام. روى ابن عساكر في تاريخه قال: انطلق عثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سليمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول اللّه فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه فأسلموا في ساعة واحدة وكان إسلامهم في بعض الروايات بدعوة أبي بكر رضي اللّه عنهم أجمعين.
كان أبو عبيدة قوي الإسلام صادقا في حب نبيه حتى سماه أمين هذه الأمة.
نسب الى أنس بن مالك قوله:
قال رسول اللّه لكل أمة أمين وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة ابن الجراح.
روى ابن عساكر عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى النبي فقالوا: ابعث لنا رجلا أمينا. فقال: « لأبعثن إليكم أمينا حق أمين» فاستشرف لها الناس( أي تطلعوا لمن يرسله منهم) فبعث أبا عبيدة بن الجراح.
مما يدل على شدة إيمان أبي عبيدة ما جاء في رواية أسد الغابة من أن أبا عبيدة لما كان بيوم معركة بدر حاول والده وكان مع المشركين أن يتصدى له. وحاول أبو عبيدة أن يحيد عنه، فلم يتمكن. ولم يكن هناك بد من الفصل فقتل أبو عبيدة أباه. فأنزل اللّه تعالى:{ لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون من حاد اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم}[ المجادلة: 22].






أبو موسى الأشعري

هو عبد الله بن قيس بن سليم، الإمام الكبير. صاحب الرسول صل الله عليه وسلم. أبو موسى الأشعري التميمي الفقيه المقرئ.
وهو معدود فيمن قرأ على النبي صل الله عليه وسلم.
أقرأ أهل البصرة ، وفقههم في الدين.
ففي (الصحيحين)، عن أبي بردة أبي موسى، عن أبيه: أن رسول الله صل الله عليه وسلم قالSadاللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريما)ً.
وقد استعمله النبي صل الله عليه وسلم ومعاذاً على زبيد ، وعدن.
وولي إمرة الكوفة لعمر، وإمرة البصرة.
وقدم ليالي فتح خير، وغزا، وجاهد مع النبي صل الله عليه وسلم، وحمل عنه علماً كثيراً.
قال سعيد بن عبد العزيز : حدثني أبو يوسف، حاجب معاوية: أن أبا موسى الأشعري قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية في الليل ليستمع قراءته.
وقال العجلي: بعثه عمر أميراً على البصرة ، فأقرأهم وفقههم، وهو فتح تستر، ولم يكن في الصحابة أحد أحسن صوتاً منه.
قال حسين المعلم: سمعت ابن بريدة يقول: كان الأشعري قصيراً، أثط – قليل شعر اللحية - خفيف الجسم.
عن أبي موسى، قال : خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة، أنا وأبو رهم ، وأبو عامر : فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي ، وعنده جعفر وأصحابه، فاقبلنا حين افتتحت خيبر ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم ( لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي ، وهاجرتم إلي).

عن أنس، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم) فقدم الأشعريون، فلما دنوا جعلوا يرتجزون:
غداً نلقى الأحبة محمد وحزبه

فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة.
عن عياض الأشعري، قال : لما نزلت { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } (المائدة 57). قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (هم قومك يا أبا موسى، وأومأ إليه).
عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقي دريد بن الصمة. فقتل دريد، وهزم أصحابه، فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم، فأثبته. فقلت: يا عم، من رماك ؟ فأشار إليه ، فقصدت له، فلحقته، فلما رآني، ولي ذاهباً. فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربياً ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا ضربتين، فقتلته. ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت : قد قتل الله صاحبك. قال : فانزع هذا السهم. فنزعته، فنزا منه الماء. فقال: ابن أخي، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره مني السلام، وقل له: يستغفر لي. واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً، ثم مات. فلما قدمن، وأخبرت النبي صل الله عليه وسلم، توضأ، ثم رفع يديه، ثم قال: (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر) حتى رأيت بياض إبطيه. ثم قال: (اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك). فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً).
عن أبي موسى ، قال : كنت عند رسول الله صل الله عليه وسلم بالجعرانة، فأتى أعرابي فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟ قال : (أبشر). قال : قد أكثرتَ من البشرى. فأقبل رسول الله علي وعلى بلال ، فقال : (إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما) : فقالا : قبلنا يا رسول الله. فدعا بقدح، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال: (اشربا منه، وأفرغا على رؤوسكما ونحوركما) ففعلا ! فنادت أم سلمة من وراء الستر أن فضّلا لأمكما، فأفضلا لها منه.

عن أبي بريدة ، عن أبيه، قال : خرجت ليلة من المسجد ، فإذا النبي صل الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم ، وإذ رجل يصلي ، فقال لي: ( يا بريدة أتراه يرائي) ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال: (بل هو مؤمن منيب ، لقد أعطي مزماراً من مزامير آل داود). فأتيته، فإذا أبو موسى، فأخبرته.
عن مالك بن مغول : حدثنا ابن بريدة، عن أبيه، قال : جاء رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المسجد، وأنا على باب المسجد، فأخذ بيدي فأدخلني المسجد، فإذا رجل يصلي ، يدعو، يقول : اللهم، إني أسالك، بأني أشهد أنك الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. قال : (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي أجاب). وإذا رجل يقرأ، فقال: (لقد أعطى هذا مزماراً من مزامير آل داود). قلت : يا رسول الله ، أخبره ؟ قال : (نعم) فأخبرته. فقال لي: لا تزال صديقاً. وإذا هو أبو موسى.
عن أنس : أن أبا موسى قرأ ليلة، فقمن أزواج النبي صل الله عليه وسلم يستمعن لقراءته. فلما أصبح، أخبر بذلك. فقال: لو علمت، لحبرت تجبيراً، ولشوقت تشويقاً.
عن أبي البختري ، قال : أتينا علياً ، فسألناه عن أصحاب محمد صل الله عليه وسلم. قال : عن أيهم تسألوني ؟ قلنا: عن ابن مسعود. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهي، وكفى به علماً. قلنا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه. قلنا: حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول، والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: أبو ذر ؟ قال : وعي علماً عجز عنه. فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت.
وقال مسروق : كان القضاء في الصحابة إلى ستة : عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى.
عن صفوان بن سليم، قال : لم يكن يفتي في المسجد زمن رسول الله صل الله عليه وسلم، غير هؤلاء : عمر وعلي ، ومعاذ وأبي موسى.
عن محمد ، قال عمر : بالشام أربعون رجلاً، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم. فجاء رهط، فيهم أبو موسى. فقال : إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم. قال : فلا ترسلني، قال : إن بها جهاداً ورباطاً. فأرسله إلى البصرة.
عن أنس : بعثني الأشعري إلى عمر ، فقال لي : كيف تركت الأشعري ؟ قلت : تركته يعلم الناس القرآن. فقال : أما إنه كيس ! ولا تسمعها إياه.
عن أبي سلمة : كان عمر إذا جلس عنده موسى ، ربما قال له : ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ.
قال أبو عثمان النهدي : ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، إن كان ليصلي بنا فنود أنه قرأ البقرة، من حسن صوته.
عن مسروق، قال : خرجنا مع أبي موسى في غزاة، فجننا الليل في بستان خرب ، فقام أبو موسى يصلي ، وقرأ قراءة حسنة ، وقال : اللهم، أنت المؤمن تحب المؤمن ، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام.
وروى صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه، قال : اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً، فقيل له : لو أمسكت ورفقت بنفسك ؟ قال : إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك.

عن أنس : أن أبا موسى كان له سراويل يلبسه مخافة أن يكتشف.
لا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى رضي الله عنه، لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه، عزله، وعزل معاوية، وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.
عن أبي موسى : أن معاوية كتب إليه : أما بعد : فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله، لئن بايعتني على الذي بايعني، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة، والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة.
وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إلي بخط يدك. فكتب إليه: أما بعد: فإنك كتبت إلي في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، وليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك.
قال أبو بردة : فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني باباً، ولا كانت لي حاجة إلا قضيت.
قلت : قد كان أبو موسى صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغتر بالدنيا.
توفي سنة اثنتين وأربعين.
عن أبي نضرة : قال عمر لأبي موسى : شوقنا إلى ربنا. فقرأ. فقالوا : الصلاة. فقال : أو لسنا في صلاة.

روى الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، قال : ما كنا نشبه كلام أبي موسى إلا بالجزار الذي ما يخطئ المفصل.
عن أبي عمرو الشيباني، قال : قال أبو موسى : لأن يمتلئ منخري من ريح جيفة أحب إلى من أن يمتلئ من ريح امرأة.
عن عبد الرحمن ابن مولى أم برثن ، قال : قدم أبو موسى الأشعري وزياد على عمر رضي الله عنه. فرأى في يد زياد خاتماً من ذهب، فقال : اتخذتم حلق الذهب ، فقال أبو موسى ، أما أنا فخاتمي من حديد. فقال عمر : ذاك أنتن، أو أخبث، من كان متختماً فليتختم بخاتم من فضة.
وقال أبو بردة : قال أبي : ائتني بكل شيء كتبته، فمحاه، ثم قال: احفظ كما حفظت.
عن الحسن : قال : كان الحكمان : أبا موسى، وعمراً، وكان أحدهما يبتغي الدنيا، والآخر يبتغي الآخرة.
عن أبي مجلز : أن أبا موسى قال : إني لأغتسل في البيت المظلم، فأحني ظهري حياء من ربي.





أبو هريرة

إسمه ونسبه

كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً. ولا يضبط في الجاهلية والإسلام وانما يعرف بكنيته. وينسب الى دوس. وهي قبيلة يمانية تفرعت عن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن النضر بن الأزد بن الغوث.
أما أبوه فقد قيل ان اسمه عمير وانه ابن عامر بن عبد ذي الشرى ابن طريف بن غياث بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
وأمه أميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس.
وكنى أبا هريرة بهرة صغيرة كان مغرماً بها ولعل من غرامه بها حدث عن رسول الله صل الله عليه وسلّم وسلم ان امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض .
نشأته وإسلامه وصحبته

نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين جاهلياً لا يستضئ بنور بصيرة ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر. يخدم هذا وذاك وتى وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه حافياً عارياً. راضياً بهذا الهوان، مطمئناً اليه كل الاطمئنان.
لكن لما أظهر الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي. لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله صل الله عليه واله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان سنة سبع للهجرة بانفاق أهل الاخبار.
أما صحبته فقد صريح أبو هريرة ـ في حديث أخرجه البخاري ـ بأنها كانت ثلاث سنين.

على عهد النبي صل الله عليه وسلّم
لما أسلم أبو هريرة انضوى باسلامه الى مساكين الصفة وهم ـ كما قال أبو الفداء في تاريخه المختصر ـ: أناس فقراء لا منازل لهم ولا عشائر ينامون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المسجد ويظلون فيه. وكانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا اليها. وكان اذا تعشى رسول الله صل الله عليه وسلّم يدعو منهم طائفة يتعشون معه، ويفرق منهم طائفة على الصحابة ليعشوهم. قال: ومن مشاهيرهم أبو هريرة الى آخر كلامه.
وكان أبو هريرة ـ كما نص عليه أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء اشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي صل الله عليه وسلّم ولم ينتقل عنها. وكان عزيف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين الى آخر كلامه.

وصف أبو هريرة نفسه فقال ـ كما في أول البيوع من صحيح البخاري ـ: وكنت امراً مسكيناً من مساكين الصفة، الحديث وهو طويل.
قال ـ كما في باب نوم الرجال في المسجد من كتاب الصلاة من صحيح
البخاري ـ: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء وانما عليه أما ازار واما كساء بطوه في اعناقهم فمنها ما بيلغ نصف الساقين. ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته .
‌‍‌وفي صحيح البخاري من حديث طويل عن أبي هريرة قال فيه: وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صل الله عليه وسلّم بشبع بطنه.
وفيه أيضاً من طريق ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة من حديث قال فيه: وكنت ألزم رسول الله صل الله عليه وسلّم على ملء بطني.
وحدّث عن نفسه في مقام آخر فقال: كنت من أصحاب الصفة فظللت صائماً فامسيت وأنا أشتكي بطني فانطلقت لأقضى حاجتي فجئت وقد أوكل الطعام. وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام لأهل الصفة فقلت: إلى من أذهب؟ فقيل لي: الى عمر بن الخطاب فاتيته وهو يسبح بعد الصلاة فانتظرته فلما انصرف دنوت منه؛ فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام، قال: فاقرأنى آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب فأبطأ، فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فاستقبلني رسول الله صل الله عليه وسلّم فانطلقت معه حتى أتى بيته فدعا جارية له سوداء فقال: آتينا بتلك القصعة، قال: فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد اكل وبقى في جوانبها بعضه وهو يسير فأكلت حتى شبعت .

وكثيراً ما كان يصف نفسه فيقول: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدى على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه ـ من المسجد ـ فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل ثم مر عمر بي فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل. ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلّم فتبسم حينٍ رآني وعرف مافي نفسي وما في وجهي. ثم قال: أبا هر قلت: لبيك يارسول الله؛ قال: إلحق ومضى فتبعته فدخل فأذن لي فدخلت فوجدنا لبناً في قدح، فقال صلى الله عليه واله: من اين هذا اللبن؟ قالوا أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك؛ قال: إلحق الى أهل الصفة فادعهم لي؛ قال: وأهل الصفة اضياف الإسلام لا يأوون الى أهل ولا على أحد؛ وكان صلى الله عليه وسلّم اذا أتته صدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً، واذا أتته هدية أشركهم فيها، قال فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أنا أحق ان أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها؛ فاذا جاءوا أمرني ان أعطيهم، وما عسى ان يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله ورسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فاقبلوا فاستأذنوا فاذن لهم واخذوا مجالسهم فقال صلى الله عليه واله يا أبا هر خذ فاعطهم؛ فاخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد على القدح فاعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده عليّ فاعطيه الآخر فيشرب حتى يروى‎، ولم ازل حتى انتهيت الى النبي صل الله عليه واله وقد روى القوم كلهم فاخذ القدح وتبسم اليَّ فقال: أبا هر بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يارسول الله قال: اقعد فاشرب؛ فقعدت فشربت، قال، اشرب فشربت، فما زال يقول: أشرب؛ حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما اجد له مسلكاً قال: فأرنيه. فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: رأيتني واني لا خر فيهما بين منبر رسول الله صل الله عليه وسلّم الى حجرة عائشة مغشياً على فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى اني مجنون وما بى من جنون مابى إلا الجوع أهـ.
وكان ذو الجناحين جعفر بن أبي طالب عليهما السلام كثير البر والاحسان والصدقة والعطف على البائسين. فكان يطعم أبا هريرة من جوع فوالاه.
وأخرج البغوي من طريق المقبري ـ كما في ترجمة جعفر من الاصابة ـ قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس اليهم ويخدمهم ويخدمونه ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله صل الله عليه وسلّم يكنيه أبا المساكين.
وما زالت الصفة موطن أبي هريرة الذي يطمئن اليه ليلا ونهاراً، لا يأوي إلى ما سواها حتى ارتحل النبي صل الله عليه واله من هذه الدار الفانية ولحق بالرفيق الأعلى وقبل ذلك لم يقم أبو هريرة بشئ يعود عليه بشبع بطنه سوى القعود في طريق المارة ينزع اليهم بجوعه. لا تحفزه مهمة. ولا يذكر في حرب ولا في سلم، بلى ذكروا أنه فر من الزحف يوم مؤتة.


وفاته وعقبه

كانت وفاته في قصره بالعقيق فحمل الى المدينة فكان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتى بلغوا به البقيع حفظاً بما كان من رأيه في ابيهم وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراً على المدينة وكان مروان معزولاً وانما صلى عليه الوليد تكريماً له تقدم للصلاة عليه بعد ان صلى بالناس فريضة العصر وفي القوم ابن عمر وابو سعيد الخدري واضرابهما.
وكتب الوليد إلى عمه معاوية ينعى اليه أبا هريرة فكتب اليه معاوية انظر من ترك وادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم واحسن جوارهم وافعل اليهم معروفاً فانه ممن نصر عثمان وكان معه في الدار.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 8:59


أبي بن كعب

إبن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار .
سيد القراء .

أبو المنذر الخزرجي الأنصاري النجاري المدني المقرئ البدري، ويكنى أبا الطفيل.

شهد العقبة، وبدراً وما بعدها.
كان ربعة نحيفاً أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه .
جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض على النبي صل الله عليه وسلم، وحفظ عنه علماً مباركاً .

قال ابن أبي خيثمة : هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم .
كان سيداً جليل القدر، ورأساً في العلم والعمل .
قال أنس : قال النبي صل الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن )، قال : الله سماني لك ؟ قال : ( نعم) ، قال : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال : ( نعم ) ، فذرفت عيناه .
ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب عن أي آية في القرآن أعظم ؟ فقال أبي : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ضرب النبي صل الله عليه وسلم في صدره وقال : ( ليهنك العلم أبا المنذر ).

قال أنس بن مالك : جمع القرآن على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد أحد عمومتي .
عن أنس قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( أقرأ أمتي أبي ).
عن عاصم بن زر قال : أتيت المدينة ، فأتيت أبياً فقلت : يرحمك الله ! اخفض لي جناحك، وكان امرءاً فيه شراسة ، فسألته عن ليلة القدر ، فقال : ليلة سبع وعشرين .
وأخرج أبو داود من حديث ابن عمر أن النبي صل الله عليه وسلم صلى صلاة ، فلبّس عليه ، فلما انصرف قال لأبي : ( أصليت معنا ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فما منعك ؟ ).
عن الحسن، حدثني عتي بن ضمرة قال : رأيت أهل المدينة يموجون في سككهم، فقلت: ما شأن هؤلاء ؟ فقال بعضهم : ما أنت من أهل البلد ؟ قلت : لا ، قال : فإنه قد مات سيد المسلمين أبي بن كعب .
عن أبي قال : إنا لنقرؤه في ثمان ليال ، يعني القرآن .
قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب : ما لك لا تستعملني ؟ قال : أكره أن يدنس دينك .
قال معمر : عامة علم ابن عباس من ثلاثة : عمر ، وعلي ، وأبي .
وكان عمر يجلّ أبياً ، ويتأدب معه ، ويتحاكم إليه .
عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان ، فكان يصلي بهم عشرين ركعة .
وقد كان أبي التقط صرة فيها مائة دينار ، فعرّفها حولاً وتملكها .

اختلف في وفاته فقيل سنة تسع عشرة ، وقيل سنة عشرين ، وقيل ثلاث وعشرين ، وقيل قبل مقتل عثمان بجمعة ، فالله أعلم .





أسيد بن الحضير

إبن سماك ، الإمام ، أبو يحي ، الأوسي الأشهلي .
أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة .
كان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث ، وكان قبل الهجرة بست سنين .وكان يقال له حضير الكتائب .
أسلم قديماً .

قال ابن إسحاق : إن سعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد بني عبد الأشهل ودار بن ظفر ، وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة ، فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر ، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل ، وكلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به قال سعد لأسيد : لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدماً ، قال : فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ، فلما رآه سعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه ، وقد جاءك فاصدق الله فيه ، قال مصعب : إن يجلس أكلمه ، قال : فوقف عليهما متشمتاً ، فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة . فقال له مصعب : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمراً قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ؟ قال : أنصفت ، قال : ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، فقالا : والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ، ثم قال : ما أحسن هذا وأجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ....

آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة .
ولم يحضر أسيد بدراً ، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إلى الروحاء رؤوس الناس يهنئونه بما فتح الله عليه ، فقال له أسيد بن الحضير : يا رسول الله ، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك ، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً ، ولكن ظننت أنها عير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت ، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : ( صدقت ).
كان أسيد يعد من عقلاء الأشراف وذوي الرأي .
قال أبو هريرة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل أسيد بن حضير) .
عن يحي بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : قالت عائشة : ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً ، كلهم من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ ، وعباد بن بشر ، وأسيد بن حضير .
عن أسيد بن الحضير – وكان فيه مزاح – أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فطعنه النبي بعود كان معه ، فقال : أصبرني ، فقال : اصطبر ، فقال : إن عليك قميصاً وليس عليّ قميص ، قال : فكشف النبي صل الله عليه وسلم قميصه ، قال : فجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا يا رسول الله .
مات سنة عشرين ، وصلى عليه عمر ، ودفن بالبقيع

.


أيوب السختياني

الإمام ، الحافظ ، سيد العلماء ، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان العنزي ، مولاهم البصري ، عداده في صغار التابعين .
مولده عام توفي ابن عباس سنة ثمان وستين .
لقي ابن عيينة ستة وثمانين من التابعين ،وكان يقول : مارأيتُ مثل أيوب .

عن إسحاق بن محمد ، سمعت مالكاً يقول : كنا ندخل على أيوب السختياني ، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صل الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه .
عن سلام ، قال : كان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة .
عن عارم ، حدثنا حماد قال : ما رأيت رجلاً قط أشد تبسماً في وجوه الرجال من أيوب .
عن سلام بن مسكين ، سمعت أيوب يقول : لا خبيث أخبث من قارئ فاجر.
وكان يقول : ليتق الله رجل . فإن زهد ، فلا يجعلن زُهده عذاباً على الناس ، فلأن يُخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
وكان أيوب ممن يُخفي زهده ، دخلنا عليه ، فإذا هو على فراش مخمس أحمر، فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا ، فإذا خصفة محشوة بليف .
قال أيوب : ما صدق عبدٌ فأحب الشهرة .
عن حمّاد بن زيد ، قال : كان أيوب في مجلس فجاءته عبرة فجعل يمتخط ويقول : ما أشد الزكام .

عن ابن شوذب ، قال : كان أيوب يؤم أهل مسجده في شهر رمضان ، ويصلي بهم في الركعة قدر ثلاثين آية ، ويصلي لنفسه فيما بين الترويحتين بقدر ثلاثين آية .وكان يقول هو بنفسه للناس : الصلاة ، ويوتر بهم ، ويدعو بدعاء القرآن ، ويؤمن من خلفه و آخر ذلك يُصلي على النبي صل الله عليه وسلم ، ويقول : اللهم استعمِلنا بسنته ، وأوزعنا بهديه ، و اجعلنا للمتقين إماماً ، ثم يسجد . وإذا فرغ من الصلاة دعا بدعوات .
وعن هشام بن حسان : أن أيوب السختياني حج أربعين حجة .

قال معمر: كان في قميص أيوب بعض التذييل فقيل له، فقال : الشهرة اليوم في التشمير.
كان أيوب في طريق مكة ، فأصاب الناس عطش حتى خافوا ، فقال أيوب :أتكتمون علي ؟ قالوا : نعم ، فدور رداءه ودعا ، فنبع الماءُ ، وسقوا الجمال ورووا، ثم أمرّ يده على الموضع كما كان .
قلت : اتفقوا على أنه توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة بالبصرة زمن الطاعون ،وله ثلاث وستون سنة.




ثابت بن قيس

ابن شماس ، الأنصاري الخزرجي ، أبو محمد ، خطيب الأنصار ، ويقال له أيضاً :
خطيب النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من نجباء أصحاب محمد صل الله عليه وسلم ، ولم يشهد بدراً ، شهد أحداً ، وبيعة الرضوان .
وكان جهير الصوت ، خطيباً ، بليغاً .
عن أنس قال : خطب ثابت بن قيس مقدم رسول الله صل الله عليه وسلم المدينة ، فقال : نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا، قال : الجنة ، قالوا : رضينا .
وعن إسماعيل بن محمد : أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله ، إني أخشى أن أكـون قد هلكت ، ينهانا الله أن نحب أن نحـمد بما لا نفعل وأجدني أحب الحمد ، وينهانا الله عن الخيلاء وإني امرؤ أحب الجمال ، وينهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صـوتك وأنا رجـل رفيع الصـوت ، فقـال : ( يا ثابت ، أما ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة).
وعن أنس : أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ، ولبس ثوبين أبيضين ، فكـفن فيهما ، وقد انهزم القوم ، فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، وأعتذر من صنيع هؤلاء ، بئس ما عودتم أقرانكم ، خلوا بيننا وبينهم ساعة ، فحمل فقاتل حتى قتل .
وعن أبي هريرة قال : قال النبي صل الله عليه وسلم : ( نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس ) .
وعن الزهري قال : أن وفد تميم قدموا وافتخر خطيبهم بأمور ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس : قم فأجب خطيبهم ، فقام فحمد الله وأبلغ ، وسر رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمون بمقامه .
وهو الذي أتت زوجته جميلة تشكوه ، وتقول : يا رسول الله ، لا أنا ولا ثابت بن قيس ، قال : أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم ، فاختلعت منه .
فلما استشهد رآه رجل (في المنام) فقال : إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين ، وخبأه ، فأكب عليه برمة ، وجعل عليها رحلاً ، فأت الأمير فأخبره ، وإياك أن تقول : هذا حلم ، فتضيعه ، وإذا أتيت المدينة فقل لخليفة رسول الله صل الله عليه وسلم : إن علي من الدين كذا وكذا ، وغلامي فلان عتيق ، وإياك أن تقول : هذا حلم ، فتضيعه ، فأتاه فأخبره الخبر ، فنفذ وصيته ، فلا نعلم أحداً بعد ما مات أنفذت وصيته غير ثابت بن قيس .





حارثة إبن النعمان

إبن نفع ، الخزرجي النَّجَّاري .
شهد بدراً ، والمشاهد .
ولا تعلم له رواية .
وكان ديناً ، خيراً ، برا بأمه.
وعنه قال: رأيت جبريل من الدهر مرتين: يوم الصورين [ موضع بالمدينة بالبقيع ] حين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة مر بنا في صورة دحية ، فأمرنا بلبس السلاح ، ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين ، مررت وهو يكلم النبي صل الله عليه وسلم ، فلم أسلّم. فقال جبريل: من هذا يا محمد ؟ قال: حارثة بن النعمان. قال: أما إنه من المائة الصابرة يوم حنين الذين تكفل الله بأرزاقهم في الجنة ، ولو سلم لرددنا عليه.
وبقي إلى خلافة معاوية.

وهو – أعنى حارثة – الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (دخلت الجنة ، فسمعت قراءة ، فقلت : من هذا قيل : حارثة) ! فقال النبي صل الله عليه وسلم : ( كذاكم البر) ، وكان براً بأمه ، رضي الله عنه.





حاطب بن أبي بلتعة

من مشاهير المهاجرين ، شهد بدراً والمشاهد.
وكان رسول النبي صل الله عليه وسلم إلى المقسوس ، صاحب مصر.
وكان تاجراً في الطعام ، له عبيد ، وكان من الرماة الموصوفين.
عن جابر ، أن عبداً لحاطب شكا حاطباً فقال : يا نبي الله ليدخلن النار ! قال : كذبت ، لا يدخلها أبداً وقد شهد بدراً والحديبية.
عن عبد الرحمن بن حاطب: أن أباه كتب إلى كفار قريش كتاباً. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ، فقال : (انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فأتياني به) فلقياها ، وطلبا الكتاب ، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها. قالت: ألستما مسلمين ؟ قالا: بلى ، ولكن رسول الله حدثنا أن معك كتاباً ، فحلته من رأسها. قال : فدعا رسول الله صل الله عليه وسلم حاطباً حتى قرئ عليه الكتاب ، فاعترف فقال : (ما حملك ؟ ) قال : كان بمكة قرابتي وولدي ، وكنت غريباً فيكم معشر قريش. فقال عمر: ائذن لي يا رسول الله في قتله. قال : ( لا ، إنه شهد بدراً ، وإنك لا تدري ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فإني غافر لكم). إسناده صالح. وأصله في الصحيحين.
وقد أتى بعض مواليه إلى عمر بن الخطاب يشكون منه من أجل النفقة عليهم، فلامه في ذلك.
مات حاطب سنة ثلاثين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:03


بلال بن رباح

مولى أبي بكر الصديق .

وهو مؤذن رسول الله صل الله عليه وسلم .
من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله .
شهد بدراً ، وشهد له النبي صل الله عليه وسلم على التعيين بالجنة .

عاش بضعاً وستين سنة .
يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز.
وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين .
عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صل الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد.
عن أبي هريرة ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة )، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي .

عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا.
عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته.
عن سعد قال: كنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين 53،52 الأنعام.

قالت عائشة : لما قدم النبي صل الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كل امرىء مُصبح في أهله

والموت أدنى من شراك نعله


وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة وهل يبدون لي شامة وطفيل

اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .

عن أنس قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال ).
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صل الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه.
عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صل الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما.
عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته.
قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه !






حذيفة بن اليمان

من نجباء أصحاب محمد صل الله عليه وسلم، وهو صاحب السر.
واسم اليمان: حسل ويقال: حسيل – ابن جابر العبسي اليماني ، أبو عبد الله حليف الأنصار ، من أعيان المهاجرين.
وكان والده ( حسل ) قد أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبدالأشهل. فسماه قومه (اليمان) لحلفه لليمانية ، وهم الأنصار.

شهد هو وابنه حذيفة أحداً فاستشهد يومئذ. قتله بعض الصحابة غلطاً ، ولم يعرفه ، لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب ، ويسترون وجوههم ، فإن لم يكن لهم علامة بينة ، وإلا ربما قتل الأخ أخاه ، ولا يشعر. ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح : أبي ! أبي ! يا قوم ! فراح خطأ ، فتصدق حذيفة عليهم بديته.
عن أبي يحيى، قال: سأل رجل حذيفة ، وأنا عنده ، فقال : ما النفاق ؟ قال: أن تتكلم بالإسلام ولا تعمل به.

عن ابن سيرين ، أن عمر كتب في عهد حذيفة على المدائن : اسمعوا له وأطيعوا ، وأعطوه ما سألكم. فخرج من عند عمر على حمار موكف ، تحت زاده ، فلما قدم استقبله الدهاقين وبيده رغيف ، وعرق من لحم.
ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر ، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان ، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة.
قال حذيفة : ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي ، فأخذنا كفار قريش ، فقالوا : إنكم تريدون محمداً ! فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا العهد عليها: لنصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأخبر النبي صل الله عليه وسلم. فقال: ( نفي بعهدهم، ونستعين الله عليهم).
وكان النبي صل الله عليه وسلم قد أسر إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة.
وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو ، وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول رضي الله عنه.
عن حذيفة، قال: أخذ النبي صل الله عليه وسلم بعضلة ساقي فقال: ) الائتزار ها هنا ، فإن أبيت فأسفل ، فإن البيت ، فلا حق للإزار فيما أسفل الكعبين). وفي لفظ: (فلا حق للإزار في الكعبين).
عن الزهري: أخبرني أبو إدريس: حذيفة يقول: والله إني لأعلم الناس بكل فتنه هي كائنة فيما بيني وبين الساعة.
قال حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صل الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
عن حذيفة ، قال : قام فينا رسول الله مقاماً ، فحدثنا بما هو كائن إلى قيام الساعة ، فحفظه من حفظه ونسيه من نسيه.

قلت {أي الذهبي}: قد كان النبي صل الله عليه وسلم يرتل كلامه ويفسره ، فلعله قال في مجلسه ذلك ما يكتب في جزء ، فذكر أكبر الكوائن ، ولو ذكر ما هو كائن في الوجود ، لما تهيأ أن يقوله في سنة ، بل ولا في أعوام ، ففكر في هذا.

مات حذيفة بالمدائن سنة ست وثلاثين، وقد شاخ.
عن أبي عاصم الغطفاني ، قال : كان حذيفة لا يزال يحدث الحديث ، يستفظعونه. فقيل له: يوشك أن تحدثنا: أن يكون فينا مسخ ! قال: نعم: ليكونن فيكم مسخ: قردة وخنازير.
عن بلال بن يحيي ، قال : بلغني أن حذيفة كان يقول : ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت ؟ قال: وأنا والله، إني لأدخل على أحدهم وليس أحداً إلا فيه محاسن ومساوئ فأذكر محاسنه، وأعرض عما سوى ذلك ، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء ، فأقول : إني صائم ، ولست بصائم.
عن الحسن، قال: لما حضر حذيفة الموت ، قال : حبيب جاء على فاقه ، لا أفلح من ندم ! أليس بعدي ما أعلم ! الحمد لله الذي سبق بي الفتنة ! قادتها وعلوجها.

عن النزال بن سبرة ، قال : قلت لأبي مسعود الأنصاري : ماذا قال حذيفة عند موته ؟ قال لما كان عن السحر : قال : أعوذ بالله من صباح إلى النار ، ثلاثاً. ثم قال : اشتروا لي ثوبين أبيضين ، فإنهما لن يتركا علي إلا قليلاً حتى أبدل بهما خيراً منهما ، أو أسلبهما سلباً قبيحاً.






حسان بن ثابت

هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي، الأنصاري.

صحابي جليل، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحد المخضرمين، أدرك الإسلام وعمره ستون سنة، وعاش مثلها في الإسلام، وهو أشعر أهل الحواضر في الجاهلية، اشتهرت مدائحه في الغسانيين وملوك الحيرة، كما اشتهرت مناقضاته مع شاعر الأوس قيس بن الخطيم، وعندما أسلم أصبح شاعر النبي صل الله عليه وسلم المنافح عن الدعوة الإسلامية.

كان شديد الهجاء قوي الشعر وشعره عال جيد. لم يشارك مع النبي صل الله عليه وسلم في القتال بسبب علة أصابته وبسبب سنه، ولكنه جاهد بلسانه جهاداً قوياً، فعندما بدأ شعراء المشركين في مكة هجاء المسلمين في المدينة وتسفيه دينهم، نهض للرد عليهم بشعره وكان أقدر شعراء المسلمين على ذلك، وقد سجل بقصائده انتصارات المسلمين في الغزوات وآلامهم في المصائب التي امتحنوا بها.

أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اهجهم (أي المشركين) وهاجهم وجبريل معك. وقال له أيضاً: أجب عني أيدك الله بروح القدس. ويروى أنه كان يضع له منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له صلى الله عليه وسلم لما هجته قريش: اهجهم وإني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي فأت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها فيخلص لك. قال حسان: والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم ونسبك سل الشعرة من العجين، فهجاهم فقال النبي صل الله عليه وسلم : لقد شفيت واشتفيت، وقال له: اهج قريشاً فإنه أشد عليهم من رشق النبل. وتقول السيدة عائشة أم المؤمنين: والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهن لأبي سفيان بن الحارث:

هـجوت محمداً فأجبت عنه
وعنـد الله في ذاك الجـزاء

فإن أبي ووالده وعــرضي لعرض محمد منكم وقـــاء
أتهجوه ولست له بكـفء
فشركما لخيركما الفـــداء

عدمنا خيلنـا إن لم تروهـا تثير النقع موعدها كـــداء
وله قصيدة قالها في هزيمة المشركين يوم بدر ومنها:

فما نخشى بحمد الله قومــاً وإن كثروا وأجمعت الزحوف
إذا ما ألبوا جمعـا علينــا
كفانـــا جدهم رب رؤوف

سمونا يـوم بـدر بالـعوالي سراعا ما تضعضعنا الحتوف
روي عن النبي صل الله عليه وسلم قوله: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن.

رآه عمر بن الخطاب ينشد في المسجد فلحظه فقال له: كنت أنشد فيه وفيه خير منك، قال: صدقت.







زيد بن حارثة

إبن شراحيل أو شُرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان .

الأمير الشهيد النبويُّ ، المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبيُّ ، ثم المحمديُّ ، سيد الموالي، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو حبِّه ، وما أحب صل الله عليه وسلم إلاَّ طيباً ، ولم يُسمَّ الله تعالى في كتابه صحابياً باسمه إلاَّ زيد بن حارثةوعيسى بن مريم الذي ينزل حكماً مُقسطاً ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها ، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وافضلهم وخاتمهم ، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقاً ، ويكون خاتمه ، ولا يجيء بعده من فيه خير ، بل تطلع الشمس من مغربها ، ويأذن الله بدنو الساعة .
عن أسلم ، عن أبيه قال : ما كنَّا ندعو زيد بن حارثة إلاَّ زيد بن محمد . فنزلت : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) {الأحزاب 5}.
عن أبي عمرو الشيباني قال : أخبرني جبلة بن حارثة قال : قدمت على رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ! ابعث معي أخي زيداً . قال : ( هو ذا فإن انطلق ، لم أمنعه ) فقال زيد : لا والله ! لا أختار عليك أحداً أبداً . قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي .
ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدراً .
عن محمد بن أسامة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ( يا زيد ! أنت مولاي ، ومني وإلي ، وأحبُّ القوم إلي ).
عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر أنّ رسول الله صل الله عليه وسلم امَّر اسامة على القوم ، فطعن الناس في إمارته فقال : ( إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحبِّ الناس إلي ، وإنّ ابنه هذا لأحبُّ الناس إلي بعده ).
قال ابن عمر : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فكلمته في ذلك ، فقال : إنه كان أحبَّ إلى رسول الله منك ، وإنّ أباه كان أحبَّ إلى رسول الله صل الله عليه وسلم من أبيك .
وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة .
عن ابن بريدة عن أبيه ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : (دخلت الجنة ، فاستقبلتني جارية شابة . فقلت : لمن أنت ؟ قالت : أنا لزيد بن حارثة).




سعد بن أبي وقاص


واسم أبي وقاص مالك بن أهيب
الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي ، أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدراً والحديبية ، وأحد الستة أهل الشورى .
توفي بالعقيق في قصره ، على سبعة أميال من المدينة، وحمل إليها سنة خمس وخمسين .
عن سعيد بن المسيب : سمعت سعداً يقول : ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت ، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام .
وقال سعد : ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي ، ولقد رأيته يقول لي : "ارم يا سعد ، فداك أبي وأمي " ، وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم ، ولقد رأيتني مع رسول الله صل الله عليه وسلم سابع سبعة مالنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاء .
وعن عامر بن سعد عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لأبويه . قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارم فداك أبي وأمي " فنزعت بسهم ليس فيه نصل فأصبت جبهته ، فوقع فانكشفت عورته ، فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
وعن عائشة قالت : أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال : ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة ، قالت : فسمعنا صوت السلاح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص : أنا يا رسول الله ، جئت أحرسك ، فنام رسول الله صل الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه .
وعن عامر بن سعد أن أباه سعداً كان في غنم له ، فجاء ابنه عمر، فلما رآه قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما انتهى إليه قال : يا أبة أرضيت أن تكون أعرابياً في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ، فضرب صدر عمر وقال : اسكت فإني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
وعن أبي إسحاق قال : أشد الصحابة أربعة : عمر وعلي والزبير وسعد .
وعن أبي عثمان أن سعداً قال : نزلت هذه الآية فيّ {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال: كنت براً بأمي ، فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال : يا قاتل أمه، قلت : لا تفعلي يا أمه إني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت يوماً لا تأكل ولا تشرب وليلة ، وأصبحت وقد جهدت ، فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني ، إن شئت فكلي أو لا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت .
وعن جابر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل سعد بن مالك ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : (هذا خالي فليرني امرؤ خاله).
قلت: لأن أم النبي زهرية ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ابنة عم أبي وقاص .
قال سعد : اشتكيت بمكة ، فدخل عليّ رسول الله صل الله عليه وسلم يعودني ، فمسح وجهي وصدري وبطني وقال : " اللهم اشف سعداً " ، فما زلت يخيل إ ليّ أني أجد برد يده على كبدي حتى الساعة .

وعن عامر بن سعد عن أبيه قال : مرضت عام الفتح مرضاً أشفيت منه ، فأتاني رسول الله صل الله عليه وسلم يعودني ، فقلت: يا رسول الله ، إن لي مالاً كثيراً ، وليس لي إلا ابنة ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال: لا ، قلت : فالشطر ؟ قال: لا ، قلت: فالثلث ؟ قال : والثلث كثير ، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ، لعلك أن تؤخر على جميع أصحابك ، وإنك لن تنفق نفقة تريد بها وجه الله إلا أجرت فيها ، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك ، قلت: يا رسول الله ، إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت منها ، قال: لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون ، اللهم امض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة . (يرثي له أنه مات بمكة).
وعن قيس : أخبرني سعد أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : (اللهم استجب لسعد إذا دعاك).

وعن جابر قال : شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي ، فقال سعد : أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صل الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أخرم منها ، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين ، فقال عمر : ذاك الظن بك يا أبا إسحاق ، فبعث رجالاً يسألون عنه بالكوفة ، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً ، حتى أتوا مسجداً لبني عيسى ، فقال رجل يقال له أبو سعدة : أما إذا نشدتمونا بالله ، فإنه كان لا يعدل في القضية ، ولا يقسم بالسوية ، و لا يسير بالسرية ، فقال سعد : اللهم إن كان كاذباً فأعم بصره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن .
قال عبد الملك : فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك ، فإذا سئل : كيف أنت ؟ يقول : كبير مفتون ، أصابتني دعوة سعد .
وعن ابن المسيب : أن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير ، فجعل سعد ينهاه ويقول : لا تقع في إخواني ، فأبى ، فقام سعد وصلى ركعتين ودعا ، فجاء بختي يشق الناس ، فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه ، فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون :هنيئاً لك يا أبا إسحاق ، استجيبت دعوتك .
وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعداً فعزله .
ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد ، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ، ونصر الله دينه ، ونزل سعد بالمدائن ، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء ، فكان النصر على يده ، واستأصل الله الأكاسرة .
وعن عمرو بن ميمون : عن عمر أنه لما أصيب جعل الأمر شورى في الستة ، وقال : من استخلفوه فهو الخليفة بعدي ، وإن أصابت سعداً وإلا فليستعن به الخليفة بعدي ، فإنني لم أنزعه يعني عن الكوفة من ضعف ولا خيانة .

وعن حسين بن خارجة الأشجعي قال: لما قتل عثمان أشكلت عليّ الفتنة ، فقلت : اللهم أرني من الحق أمراً أتمسك به ، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما حائط ، فهبطت الحائط فإذا بنفر فقالوا: نحن الملائكة ، قالت : فأين الشهداء ؟ قالوا: اصعد الدرجات ، فصعدت درجة ثم أخرى ، فإذا محمد و إبراهيم ، صل الله عليهما ، وإذا محمد يقول لإبراهيم : استغفر لأمتي ، قال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم أهرقوا دماءهم ، وقتلوا إمامهم ، ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد ؟
قال : قلت : لقد رأيت رؤيا فأتيت سعداً فقصصتها عليه، فما أكثر فرحاً، وقال : قد خاب من لم يكن إبراهيم عيه السلام خليله ، قلت : مع أيّ الطائفتين أنت ؟ قال : ما أنا مع واحد منهما ، قلت : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قلت : لا ، قال : فاشتر غنماً ، فكن فيها حتى تنجلي .
قلت: اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ، ولقد كان أهلاً للإمامة ، كبير الشأن ، رضي الله عنه .
وعن أم سلمة أنها قالت : لما مات سعد وجيء بسريره فأدخل عليها ، جعلت تبكي وتقول : بقية أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم .

مات سنة ست وخمسين .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:11

خبيب بن عدي

إبن عامر الأنصاري الشهيد
شهد أُحداً ، وكان فيمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، مع بني لحيان ، فلما صاروا بالرّجيع ، غدروا بهم ، واستصرخوا عليهم ، وقتلوا فيهم ، وأسروا خبيباً ، وزيد بن الدثنة ، فباعوهما بمكة ، فقتلوهما بمن قتل النبي صل الله عليه وسلم من قومهم ، وصلبوهما بالتنعيم .
عن عاصم بن عمر قال : لما كان من غدر عضل والقارة بخبيب وأصحابه بالرجيع قدموا به وبزيد بن الدثنة ، فأما خبيب فابتاعه حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر ، وكان أخا حجير لأمه ليقتله بأبيه .
فلما خرجوا به ليقتلوه ، وقد نصبوا خشبته ليصلبوه ، فانتهى إلى التنعيم فقال :إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين . فقالوا : دونك ، فصلى ، ثم قال : والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة ، فكان أول من سن الصلاة عند القتل ، ثم رفعوه على خشبته ، فقال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولاتغادر منهم أحداً ، اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما أتى إلينا .

قال : وقال معاوية : كنت فيمن حضره ، فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض، فرقاً من دعوة خبيب، وكانوا يقولون : إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع ، زلت عنه الدعوة.
وعن ماوية مولاة حجير، وكان خبيب حبس في بيتها، فكانت تحدث بعد ما أسلمت، قالت : والله إنه لمحبوس إذ اطلعت من صير الباب إليه ، وفي يده قطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في الأرض حبة عنب .
وقال عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي نجيح : قالت : قال لي حين حضره القتل : ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل ، قال : فأعطيت غلاماً من الحي الموسى فقلت له : ادخل بها على هذا الرجل البيت ، فقالت : فوالله إن هو إلا أن ولى الغلام بها إليه فقلت : ماذا صنعت ؟ أصاب والله الرجل ثأره ، يقتل هذا الغلام فيكون رجلاً برجل ، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ، ثم قال : لعمرك ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ، ثم خلى سبيله ، ويقال : إن الغلام ابنها.
وذكر موسى بن عقبة : أنهم لما رفعوا خبيباً على الخشبة نادوه يناشدونه : أتحب أن محمداً مكانك ؟ قال : لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه، فضحكوا منه .





زيد بن الخطاب

إبن نفيل، السيد الشهيد، المجاهد التقي، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد، القرشي العدوي .
أخو أمير المؤمنين عمر، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله، وكان أسمر طويلاً جداً .
شهد بدراً ، والمشاهد .
وكان قد آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين معن بن عدي العجلاني ، وقتلا معاً في اليمامة.
ولقد قال له عمر يوم بدر : البس درعي . قال : إني أريد من الشهادة ما تريد . قال : فتركاها جميعاً .
وكانت راية المسلمين معه يوم اليمامة ، فلم يزل يقدم بها في نحر العدو ، ثم قاتل حتى قتل ، فوقعت الراية ، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة . وقتل زيد يومئذ الرجال بن عنفوة ، واسمه نهار ، وكان قد أسلم وقرأ البقرة ، ثم ارتد ورجع ، فصدق مسيلمة وشهد له بالرسالة ، فحصل به فتنة عظيمة ، فكانت وفاته على يد زيد .
وكان الذي قتل زيداً رجل يقال له أبومريم الحنفي ، وقد أسلم بعد ذلك ، وقال لعمر : يا أمير المؤمنين إن الله أكرم زيداً بيدي ولم يهني على يده . وقيل : إنما قتله سلمة بن أبي صبيح ابن عم أبي مريم هذا . ورجحه ابن عبد البر وقال : لأن عمر استقضى أبا مريم ، قال ابن كثير : وهذا لايدل على نفي ما تقدم ، والله أعلم .
وحزن عليه عمر ، وقال لما بلغه مقتل أخيه : سبقني إلى الحسنيين ، أسلم قبلي ، واستشهد قبلي . وكان يقول : ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد .
وقال عمر لمتمم بن نويرة حين جعل يرثي أخاه مالكاً بالشعر : لو كنت أحسن الشعر لقلت كما قلت ، فقال له متمم : لو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ماحزنت عليه ، فقال له عمر : ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به .

استشهد في سنة أثنتي عشرة ، رضي الله عنه .





سالم مولى أبي حذيفة

سالم بن عبيد مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة.
من السابقين الأولين البدريين المقربين العالمين .
هاجر إلى المدينة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد بدراً وما بعدها ، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله صل الله عليه وسلم : استقرئوا القرآن من أربعة .
كان معتقاً لزوجة أبي حذيفة ، تبناه أبو حذيفة وزوجه بابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة .
لما أنزل الله (ادعوهم لآبائهم) أتت سهلة بنت سهيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله ! إنّ سالماً معي ، وقد أدرك ما يدرك الرجال ؟ فقال : أرضعيه ، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم . قالت أمُّ سلمة : أبى أزواج رسول الله صل الله عليه وسلم أن يدخل أحدٌ عليهن بهذا الرضاع ، وقلن : إنما هي رخصةٌ لسالم خاصة .
عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صل الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ما حبسك ؟ قلت: إنّ في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ رداء ، وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقالSadالحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك).
عن ابن عمر أنّ المهاجرين نزلوا بالعُصبة إلى جنب قباء ، فأمَّهم سالم مولى أبي حذيفة ، لأنه كان أكثرهم قرآناً ، فيهم عمر ، وأبو سلمة بن عبد الأسد .
وجاء من رواية الواقدي أنّ محمد بن ثابت بن قيس قال : لما انكشف المسلمون يوم اليمامة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صل الله عليه وسلم ، فحفر لنفسه حفرة ، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ ، ثم قاتل حتى قتل .

ولما أحذ الراية يوم اليمامة بعد مقتل زيد بن الخطاب قال له المهاجرون : أتخشى أن نؤتى من قبلك ؟ فقال : بئس حامل القرآن أنا إذاً . انقطعت يده اليمنى فأخذها بيساره فقطعت فاحتضنها وهو يقول : {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير } ، فلما صرع قال لأصحابه : مافعل أبو حذيفة ؟ قالوا: قتل ، قال : فما فعل فلان ؟ قالوا : قتل ، قال : فأضجعوني بينهما .
وروي أن عمر أنه قال لما احتضر : لو كان سالم حياً لما جعلتها شورى . قال أبو عمر بن عبد البر : معناه أنه كان يصدر عن رأيه فيمن يوليه الخلافة .




سعـد بن الربيع
إبن عمرو ، بن أبي زهير ، بن مالك ، بن امرئ القيس ، بن مالك ، الأنصاري ، الخزرجي ، الحارثي ، البدري ، النقيب ، الشهيد.

توفي أبوه في الجاهلية، وتزوجت أمه هزيلة بنت عتبة الصحابية ابن عمه الصحابي خارجة بن زيد الذي آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين الصديق أبي بكر ، فولدت له زيد بن خارجة وحبيبة زوجة أبي بكر رضي الله عنهما .

كان من الوفد الذي خرج من المدينة ليحج البيت الحرام في نفر من الخزرج ، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقـول للقـبائل : ( ألا رجل يحملني إلى قومه ؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ) ، وتقدم صلى الله عليه وسلم نحوه يسألهم : ( من أنتم ؟) فقال سعد : نحن نفر من الخزرج ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمن موالي يهود ) ، فقال : نعم ، فقال لهم : ( أفلا تجلسون أكلمكم ؟ ) ، فقالوا : بلى ، فجلسوا إليه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام ، فقال سعد للنبي صلى الله عليه وسلم : أفلا تسمعنا شيئاً من هذا الذي يوحى إليك من ربك ؟ فتلا عليهـم ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً ) إلى آخر السورة ، وأخبتوا حين سمعوه ، واهتبل سعد الفرصة فابتدر قومه : يا قوم تعلموا والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه ، فأجابوه وصدقوه ، وشرح الله صدورهم للإسلام ، فقبلوا من رسول الله صل الله عليه وسلم .

كان أحد النقباء ليلة العقبة .
آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ، فعزم على أن يعطي عبد الرحمن شطر ماله ، ويطلق إحدى زوجتيه ليتزوج بها ، فامتنع عبد الرحمن من ذلك ، ودعا له .
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من رجـل ينظر لي ما فعـل سعد بن الربيع ؟ ) فقال رجل من الأنصار : أنا ، فخرج يطوف في القتلى حتى وجد سعداً جريحاً مثبتاً بآخر رمق ، فقال : يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال : فإني في الأموات ، فأبلغ رسول الله صل الله عليه وسلم السلام ، وقل : إن سعداً يقول : جزاك الله عني خير ما جزى نبياً عن أمته ، وأبلغ قومك مني السلام ، وقل لهم : إن سعداً يقول : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف .

قال فيه النبي صل الله عليه وسلم Sadاللهم الق سعد بن الربيع وأنت عنه راض) ، وقال عنه : (رحمه الله فقد نصح لله ورسوله حياً وميتاً) ، وقال فيه أيضاَ : (اللهم أحسن الخلافة على تركته) ، وقال عنه أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب : (سعد بن الربيع رجل خير مني ومنك ).

وعن جابر بن عبد الله قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد فقالت : يا رسول الله ! هاتان بنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد، وإن عمهما أخذ مالهما ، لم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال : (يقضي الله في ذلك)، فأنزلت آية المواريث، فبعث إلى عمهما فقال : (أعط بنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك).





سعد بن خيثمة

إبن الحارث ، الأنصاري ، الأوسي ، البدري ، النقيب .
انقرض عقبه سنة مئتين .
آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين أبي سلمة بن عبد الأسد .
قالوا : وكان أحد النقباء الاثني عشر .
ولما ندب النبي صل الله عليه وسلم المسلمين يوم بدر ، فأسرعوا قال خيثمة لابنه سعد : آثرني بالخروج ، وأقم مع نسائك فأبى ، وقال : لو كان غير الجنة آثرتك به ، فاقترعا ، فخرج سهم سعد ، فخرج واستشهد ببدر ، واستشهد أبوه خيثمة يوم أحد .





سعد بن عبادة
إبن دُليم بن حارثة ، السيد الكبير الشريف ، أبو قيس ، الأنصاري ، الخزرجي ، الساعدي ، المدني ، النقيب ، سيد الخزرج . أبو ثابث ، ويقال أبو قيس .
وكان عقبياً ، نقيباً ، سيداً ، جواداً .
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره ، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله صل الله عليه وسلم في بيوت أزواجه .
شهد بدراً .
عن أبي الطفيل قال : جاء سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، يمتاران لأهل العقبة وقد خرج القوم ، فنذر بهما أهل مكة . فأخذ سعد ، وأفلت المنذر . قال سعد : فضربوني حتى تركوني كأني نصب أحمر (يحمر النصب من دم الذبائح عليه) قال : فخلا رجل كأنه رحمني فقال : ويحك أما لك بمكة من تستجير به ؟ قلت : لا ، إلا أن العاص بن وائل قد كان يقدم علينا المدينة فنكرمه ، فقال رجل من القوم : ذكر ابن عمي ، والله لا يصل إليه أحد منكم . فكفوا عني ، وإذا هو عدي بن قيس السهمي .
عن أنس قال : لما بلغ رسول الله صل الله عليه وسلم إقفال أبي سفيان قال : أشيروا علي . فقام أبو بكر ، فقال : اجلس . فقام سعد بن عبادة فقال : لو أمرتنا يا رسول الله أن نخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا .
عن ابن سيرين : كان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم .
كان سعد يكتب في الجاهلية ، ويحسن العوم والرمي ، وكان من أحسن ذلك ، سمي الكامل .
وكان سعد ، وله عدة آباء له قبله ، ينادى على أطمهم : من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة .
وقال ابن عبد البر : ولم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله ، وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته .
وعن ابن سيرين أن سعداً بال قائماً فمات ، فسمع قائل يقول :
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبـاده
ورمينــــاه بسهم فلم نخـط فؤاده

وقال ابن عبد البر : خرج إلى الشام فمات بقرية من حوران سنة ثلاث عشرة في خلافة الصديق . وقيل : في أول خلافة عمر .
وكان رضي الله عنه من أشد الناس غيرة ، ما تزوج امرأة إلا بكراً ، ولا طلق امرأة فتجاسر أحد أن يخطبها بعده .






سعد بن معاذ

إبن النعمان ، السيد الكبير الشهيد ، أبو عمرو الأنصاري الأوسي الأشهلي ، البدري الذي اهتز العرش لموته .
أسلم على يد مصعب بن عمير فقال ابن إسحاق : لما أسلم وقف على قومه فقال : يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا فضلاً ، وأيمننا نقيبة . قال فإن كلامكم علي حرام ، رجالكم ونساؤكم ، حتى تؤمنوا بالله و رسوله . قال : فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا .
وشهد سعد بدراً ، ورمي يوم الخندق ، فعاش شهراً ، ثم انتقض جرحه فمات .

عن جابر قال : رمي سعد يوم الأحزاب ، فقطعوا أكحله ، فمسه النبي صلى الله عليه وسلم بالنار ، فانتفخت يده فتركه فنزفه الدم ، فحسمه أخرى ، فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقه ، فما قطرت منه قطرة . حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه رسول الله صل الله عليه وسلم ، فحكم أن يقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم ، قال : وكانوا أربعمائة ، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه .
وعن عائشة قالت : حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر سعد بن معاذ وهو يموت في القبة التي ضربها عليه رسول الله صل الله عليه وسلم في المسجد . قالت : والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وإني لفي حجرتي ، فكأنما قال الله : ( رحماء بينهم).
وعن محمود بن لبيد قال : لما أصيب أكحل سعد فثقل حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول : كيف أمسيت ، وكيف أصبحت ؟ فيخبره ، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل ، احتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم ، وجاء رسول الله صل الله عليه وسلم فقيل : انطلقوا به . فخرج وخرجنا معه ، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا ، وسقطت أرديتنا ، فشكا ذلك إليه أصحابه ، فقال : (إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة) ، فانتهى إلى البيت وهو يغسل وأمه تبكيه وتقول :
ويل أم سعد سعداً حزامـة وجـداً

قال : ( كل باكية تكذب إلا أم سعد ) ، ثم خرج به . قال : يقول له القوم : ما حملنا يارسول الله ميتاً أخف منه . قال : ( ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم ، وقد حملوه معكم).
وعن سماك، سمع عبد الله بن شداد يقول : دخل رسول صل الله عليه وسلم على سعد وهو يكيد نفسه فقال: جزاك الله خيراً من سيد قوم ، فقد أنجزت ما وعدته ، ولينجزن الله ما وعدك .
وعن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : لما حكم سعد في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات).
وعن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال : أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد ، فذهب بها ، ثم نظر فإذا هي مسك .
كان سعد بن معاذ رجلاً أبيض ، طوالاً ، حسن الوجه ، أعين ، حسن اللحية ، فرمي يوم الخندق سنة خمس من ا لهجرة ، فمات من رميته تلك ، وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة ، فصلى عليه رسول الله صل الله عليه وسلم ، ودفن بالبقيع .
وعن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه : لما انتهوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة : الحارث بن أوس ، وأسيد بن الحضير ، وأبو نائلة سلكان ، وسلمة بن سلامة بن وقش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف ، فلما وضع في قبره تغير وجه رسول الله صل الله عليه وسلم ، وسبح ثلاثاً ، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع ، ثم كبر ثلاثاً ، وكبر المسلمون ، فسئل عن ذلك فقال : تضايق على صاحبكم القبر ، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو ، ثم فرج الله عنه .
وقد تواتر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن العرش اهتز لموت سعد فرحاً به ) ، وثبت أن النبي صل الله عليه وسلم قال في حلة تعجبوا من حسنها : (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه ).
وعن جابر قال : جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات ؟ فتحت له أبواب السماء ، وتحرك له العرش ، فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم فإذا سعد . قال : فجلس على قبره . الحديث .
قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك ، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه ) ، يعني سعداً .
وعن عائشة قالت : ماكان أحد أشد فقداً على المسلمين بعد النبي صل الله عليه وسلم وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ .





سعيد بن زيد بن عمرو

إبن عمرو بن نفيل القرشي العدويٌّ
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .
شهد المشاهد مع رسول الله صل الله عليه وسلم ، وشهد حصار دمشق وفتحها ، فولاّه عليها أبو عبيدة بن الجراح ، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة .
كان والده زيد بن عمرو ممن فرّ إلى الله من عبادة الأصنام ، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم ، فرأى النصارى واليهود ، فكره دينهم ، وقال : اللهم إني على دين إبراهيم ، ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم عليه السلام كما ينبغي ، ولا رأى من يوقفه عليها ، رأى النبي صل الله عليه وسلم ، ولم يعش حتى بعث .
عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش ! والله ما فيكم أحدٌ على دين إبراهيم غيري . وكان يحي الموؤودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : مه ! لا تقتلها. أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها ، فإذا ترعرعت ، قال لأبيها : إن شئت ، دفعتها إليك ، وإن شئت ، كفيتك مؤنتها.
عن أسماء أن ورقة كان يقول : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك ، عبدتك به ، ولكني لا أعلم ، ثم يسجد على راحته .
عن زيد بن حارثة قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفي ... في أيام الحر ، حتى إذا كنا بأعلى الوادي ، لقي زيد بن عمرو ، فحيّى أحدهما الآخر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ، أي : أبغضوك ؟ قال : أما والله إن ذلك مني لغير نائرة كانت مني إليهم ، ولكني أراهم على ضلالة ، فخرجت أبتغي الدين، حتى قدمت على أحبار أيلة ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به ، فدُللت على شيخ بالجزيرة ، فقدمت عليه ، فأخبرته ، فقال : إن كل من رأيت في ضلالة ، إنك لتسأل عن دين هو دين الله وملائكته ، وقد خرج في أرضك نبي ، أو هو خارج ، ارجع إليه واتبعه ، فرجعت فلم أحس شيئاً … ثم تفرقا ، ومات زيد قبل المبعث ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : يأتي أمة وحده .
وامرأة سعيد هي ابنة عمه فاطمة أخت عمر بن الخطاب ، وأخته عاتكة زوجة عمر .

أسلم قبل دخول النبي صل الله عليه وسلم دار الأرقم ، وهاجر مع زوجته ، وكانا من سادات الصحابة .

لم يشهد بدراً لأنه قد كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله صل الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما ، وشهد أحداً والخندق والحديبية والمشاهد .

وردت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة ، وأنه من الشهداء .
عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن أروى بنت أويس ادعت أن سعيداً أخذ شيئاً من أرضها ، فخاصمته إلى مروان ، فقال سعيد : أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صل الله عليه وسلم ، سمعته يقول : " من أخذ شيئاً من الأرض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان : لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها ، واقتلها في أرضها . فما ماتت حتى عميت ، وبينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت .
قلت - أي الذهبي - : لم يكن سعيداً متأخراً عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة ، وإنما تركه عمر رضي الله عنه لئلا يبقى له فيه شائبة حظ لأنه ختنه وابن عمه ، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضيّ : حابى ابن عمه . فأخرج منها ولده وعصبته ، فكذلك فليكن العمل الله.
مات سعيد بن زيد بالعقيق ، فغسله سعد بن أبي وقاص ، وكفنه ، وخرج معه .
توفي سعيد سنة إحدى وخمسين ، وهو ابن بضع وسبعين سنة ، وقبر بالمدينة .



سهل بن حنيف

أبو ثابت ، الأنصاري الأوسي العوفي
شهدا بدراً ، والمشاهد
وكان من أمراء علي رضي الله عنه
مات بالكوفة ، في سنة ثمان وثلاثين ، وصلى عليه علي

عن أبي أمامة بن سهل ، قال : رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف ، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخَبّأة ! فلبط بسهل ، فأتىَ رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقيل : يا رسول الله ، هل لك في سهل ؟ والله ما يرفع رأسه ! قال : (هل تتهمون به أحداً)؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. فدعاه، فتغيظ عليه، وقال: (علام يقتل أحدكم أخاه ! ألا برّكت ! اغتسل له). فغسل وجهه ، ويديه ، ومرفقيه ، وركبتيه ، وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره ، في قدح ، ثم صب عليه. فراح سهل مع الناس ما به بأس.
( المخبأة: الجارية التي في خدرها لم تتزوج بعد لأن صيانتها أبلغ ممن قد تزوجت. ولبط: صرع. وداخلة الأزار: طرفه الداخل الذي يلي الجسد ، وقيل : هو الورك ، وقيل : أراد به مذاكيره ، فكنى بالداخلة ، كما كني عن الفرج بالسراويل ).
أبو شريح: أنه سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل يحدث عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : (لا تشددوا على أنفسكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم ، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات).

آخى النبي صل الله عليه وسلم بين سهل وعلي.
أبو جناب: سمعت عمير بن سعيد يقول: صلى عليّ على سهل ، فكبر خمساً ، فقالوا: ما هذا ؟ فقال: لأهل بدر فضل على غيرهم ، فأردت أن أعلمكم فضله .




سهيل بن عمرو

كان خطيب قريش ، وفصيحهم ، ومن أشرافهم .
لما أقبل في شأن الصلح ، قال النبي صل الله عليه وسلم : ( سَهُلَ أمركم ).
تأخر إسلامه إلى يوم الفتح ، ثم حسن إسلامه .
وكان قد أسر يوم بدر وتخلّص .
قام بمكة وحضّ على النفير ، وقال : يال غالب ! أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون
عيركم ؟ من أراد مالاً فهذا مال ، ومن أراد قوةً فهذه قوة ، وكان سمحاً جواداً مفوّها ً .
وقد قام في مكة خطيباً عند وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم ، بنحوٍ من خطبة الصديق بالمدينة ، فسكنهم وعظّم الإسلام .
كان سهيل بعدُ كثير الصلاة والصوم والصدقة ، خرج بجماعته إلى الشام مجاهداً ، ويقال : إنه صام وتهجد حتى شَحُبَ لونه وتغيّر ، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن .
وكان أميراً على كُردُوس (طائفة من الخيل والجيش) يوم اليرموك .
استشهد في موقعة اليرموك .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:13

صهيب بن سنان


أبو يحي النمري . من النمر بن قاسط . ويعرف بالرومي، لأنه أقام في الروم مدة.
وهو من أهل الجزيرة ، وأصله من اليمن ، سبي من قرية نينوى ، من أعمال الموصل ، وقد كان أبوه أو عمه ، عاملاً لكسرى على أيلة ، وكانت منازلهم على دجلة عند الموصل ، وقيل على الفرات ، فأغارت على بلادهم الروم فأسرته وهو صغير ، فأقام عندهم حيناً ، ثم اشترته بنو كلب فحملوه إلى مكة ، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي ، فأعتقه وأقام بمكة .
كان أحمر شديد الحمرة ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، أقرن الحاجبين ، كثير الشعر ، وكان لسانه فيه عجمة شديدة .
فلما بعث رسول الله صل الله عليه وسلم آمن به ، وكان ممن أسلم قديماً هو وعمار في يوم واحد بعد بضعة وثلاين رجلاً .
وكان من المستضعفين الذين يعذبون في الله عز وجل .
كان من كبار السابقين البدريين ، وكان فاضلاً وافر الحرمة.
ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل الشورى على إمام ، وكان هو الذي يصلي بالناس حتى تعين عثمان ، وهو الذي ولي الصلاة على عمر ، وكان له صاحباً .
وكان موصوفاً بالكرم والسماحة ، رضي الله عنه.
وكان ممن اعتزل الفتنة ، وأقبل على شأنه.

وعن الحسن : قال رسول الله صل الله عليه وسلم Sad صهيب سابق الروم ) ، وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس ، وأم هانئ .
هاجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام . عن أبي عثمان : أن صهيباً حين أراد الهجرة ، قال له أهل مكة : أتيتنا صعلوكاً حقيراً فتغير حالك ! قال : أرأيتم إن تركت مالي ، أمخلون أنتم سبيلي ؟ قالوا : نعم. فخلع لهم ماله. فبلغ ذلك النبي صل الله عليه وسلم فقال : ( ربح صهيب ! ربح صهيب ).

أنزل الله في قصة هجرته هذه ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف رحيم ).

عن صهيب قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء ، وقد رمدت في الطريق وجعت ، وبين يديه رطب ، فوقعت فيه. فقال عمر : يا رسول الله : ألا ترى صهيباً يأكل الرطب وهو أرمد ؟ فقال النبي صل الله عليه وسلم لي ذلك. قلت : إنما آكل على شق عيني الصحيحة. فتبسم.
شهدا بدراً وأحداً وما بعدهما .
عن عائذ بن عمرو أن سلمان ، وصهيباً ، وبلالاً ، كانوا قعوداً ، فمر بهم أبو سفيان ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد. فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ؟ قال : فأخبر بذلك النبي صل الله عليه وسلم. فقال ( يا أبا بكر ، لعللك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم ، لقد أغضبت ربك). فرجع إليهم ، فقال : أي إخواننا ، لعلكم غضبتم ؟ قالوا : لا يا أبابكر : يغفر الله لك .

مات صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة.






طلحة بن عبيد الله

طلحة بن عُبيد الله بن عثمان القُرشي التَّيمي المكي ، أبو محمد .أحد العشرة المشهود لهم بالجنة .
كان ممن سبق إلى الإسلام ، و أوذي في الله ، ثم هاجر ، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام، و تألم لغيبته ، فضرب له رسولُ الله صل الله عليه وسلم بسهمه و أجره .
وفي جامع أبي عيسى بإسناد حسن ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال يوم أحد Sad أوجب طلحة).
قال ابن أبي خالد عن قيس قال : رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صل الله عليه وسلم يوم أحد شلاء .
عن جابر قال : لما كان يوم أحد ، وولَّى الناس ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية اثنى عشر رجلاً ، منهم طلحة ، فأدركهم المشركون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من لِلقوم ؟ قال طلحة : أنا ، قال : كما أنت ، فقال رجل : أنا ، فقال : أنت ، فقاتل حتى قُتل ، ثم التفت فإذا المشركون ،فقال : من لهم ؟ قال طلحة : أنا ، قال : كما أنت ، فقال رجل من الأنصار : أنا ، قال : أنت ،فقاتل حتى قُتل ، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة ، فقال : من للقوم ؟ قال طلحلة : أنا ، فقاتل طلحة ، قتال الأحد عشر ، حتى قُطعت أصابعُه ،فقال : حَسَّ [كلمة تقال عند الألم ]، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : (( لو قلت :بسم الله لرفعتك الملائكة و الناس ينظرون )) ثم ردّ الله المشركين .

وفي صحيح مسلم من حديث أبو هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان على حراء هو و أبو بكر ، وعمر، وعثمان ،و علي ،و طلحة، و الزبير، فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله Sad( اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)).

عن طلحة بن يحيى ، حدثتني جدتي سُعدى بنت عوف قالت : دخلتُ على طلحة يوماً وهو خاثر [ غير نشيط ] فقلت : مالك ؟ لعل رابك من أهلك شيء ؟ قال : لا والله ،ونعم حَليلةُ المسلم أنت ، ولكن مالٌ عندي قد غَمني فقلت : ما يَغُمُّك ،عليك بقومك ، قال : يا غلام ! ادعُ لي قومي ، فقسمه فيهم ، فسألت الخازن : كم أعطى ؟ قال : أربع مئة ألف .
عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال : لما خرج طلحة ، و الزبيرُ ،وعائشة للطلب بدم عثمان ، عرَّجوا عن منصرفهم بذات عِرق ، فاستصغروا عُروة بن الزبير ، و أبا بكر بن عبد الرحمن فردُوهما ، قال : ورأيت طلحة ، و أحب المجالس إليه أخلاها ، وهو ضارب بلحيته على زَوره ، فقلت : ياأبا محمد ! إني أراك و أحبُّ المجالس إليك أخلاها ، إن كنت تكره هذا الأمر فدعه ، فقال : ياعلقمة ! لا تلمني ، كنا أمس يداً واحدة على من سوانا ، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد ، يزحف أحدنا إلى صاحبه ، ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان ، مما لا أرى كفَّارته إلا سفك دمي ، وطَلب دَمِهِ . قلتُ : الذي كان منه في حق عثمان تمغفل و تأليب ، فعله باجتهاد ، ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك نُصرته رضي الله عنهما ، وكان طلحة أول من بايع علياً ، أرهقه قَتلةُ عثمان ، وأحضروه حتى بايع .
عن قيس قال : رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم ، فوقع في ركبته ، فمازال يَسنخُّ حتى مات .
عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة : مالي أراك شَعِثتَ و اغبررت مُذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لعله أن مابك إمارة ابن عمك ، يعني أبا بكر ، قال : معاذ الله ، إني سمعته يقول Sad(إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل يحضرهُ الموت ، إلا وجد رُوحه لها رَوحاً حين تخرج من جسده ، وكانت له نوراً يوم القيامة )). فلم أسأل رسول الله صل الله عليه وسلم عنها ، ولم يخبرني بها، فذاك الذي دخلني . قال عمر : فأنا أعلمها، قال : فلله الحمد، فما هي ؟ قال : الكلمة التي قالها لعمه ، قال: صدقت .

وكان قتله في سنة ست وثلاثين، وهو ابن ثنتين و ستين سنة أو نحوها، وقبره بظاهر البصرة.






عباد بن بشر

إبن وقش ، أبو الربيع الأنصاري ، الأشهلي
أحد البدريين
كان من سادة الأوس
عاش خمساً وأربعين سنة
وهو الذي أضاءت له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول الله صل الله عليه وسلم .
أسلم على يد مصعب بن عمير قبل الهجرة قبل إسلام معاذ بن جبل وأسيد بن الحضير.
وكان أحد من قتل كعب بن الأشرف اليهودي .
قال ابن إسحاق : عن جابر بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً أتى زوجها وكان غائباً ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق أصحاب محمد دماً ، فخرج يتبع إثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً ، فقال : ( من رجل يكلؤنا ليلتنا ) ، فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقالا : نحن يا رسول الله ، قال : ( فكونا بفم الشعب من الوادي ) ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فلما خرجا إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري : أي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم آخره ؟ قال : بل اكفني أوله ، فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، قال : وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم ، فرمى بسهم فوضعه فيه فانتزعه ووضعه وثبت قائماً ، قال : ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه فوضعه وثبت قائماً ، قال : ثم عاد بالثالث فوضعه فيه فنزعه فوضعه ، ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال : اجلس فقد أثبت ، قال : فوثب الرجل ، فلما رآهما عرف أنه قد نذرا به فهرب ، قال : ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال : سبحان الله ! أفلا أهبتني أول ما رماك ، قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها أو أنفذها ، فلما تابع عليّ الرمي ركعت فآذنتك ، وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صل الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها .

استعمله النبي صل الله عليه وسلم على صدقات مزينة ، وبني سليم ، وجعله على حرسه في غزوة تبوك .
وكان كبير القدر رضي الله عنه ، أبلى يوم اليمامة بلاء حسناً ، وكان أحد الشجعان الموصوفين .
عن يحي بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : قالت عائشة : ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً ، كلهم من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ ، وعباد بن بشر ، وأسيد بن حضير .
عن عائشة قالت : تهجد رسول الله صل الله عليه وسلم في بيتي ، فسمع صوت عباد بن بشر ، فقال : (يا عائشة ! هذا صوت عباد بن بشر) ، قالت : نعم ، قال : ( اللهم اغفر له ).

استشهد رضي الله عنه يوم اليمامة .





عبادة بن الصامت

إبن قيس ، الإمام القدوة أبو الوليد الأنصاري
أحد النقباء ليلة العقبة ، ومن أعيان البدريين
سكن بيت المقدس
شهد المشاهد كلها مع رسول الله صل الله عليه وسلم
عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبيه ، أن عبادة أنكر على معاوية شيئاً ، فقال : لا أساكنك بأرض ، فرحل إلى المدينة ، قال له عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره بفعل معاوية. فقال له : ارحل إلى مكانك ، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك ، فلا إمرة له عليك.
عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه : أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة – القطارة أن تشد الإبل على نسق واحد خلف واحد - وهو بالشام، تحمل الخمر ، فقال : ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ، بل ، خمر يباع لفلان ، فأخذ شفرة من السوق ، فقام إليها ، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها ، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام – فأرسل فلان إلى أبي هريرة ، فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة ، أما بالغدوات ، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي ، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ؟ قال : فأتاه أبو هريرة ، فقال : يا عبادة ، مالك ولمعاوية ؟ ذروه وما حمّل. فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وألا يأخذنا في الله لومة لائم. فسكت أبو هريرة ، وكتب فلان إلى عثمان : إن عبادة قد أفسد علي الشام.
الوليد بن مسلم ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة : أن عبادة بن الصامت مر بقرية دمر ، فأمر غلامه أن يقطع له سواكاً من صفصاف على نهر بردى ، فمضى ليفعل. ثم قال له : ارجع ، فإنه إن لا يكن بثمن ، فإنه ييبس فيعود حطباً بثمن.

مات بالرملة سنة أربع وثلاثين ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.




عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول

إبن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم
وسالم هو الذي يقال له الحبلى ؛ لعظم بطنه
الأنصاري الخزرجيّ ، المعروف والده بابن سلول المنافق المشهور ، وسلول الخزاعية هي والدة أبي المذكور .
كان أشد الناس على أبيه ، ولو أذن له رسول الله صل الله عليه وسلم فيه لضرب عنقه .

عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه – أي :لما اختصم بعض المهاجرين والأنصار عند مرجعهم من غزوة بني المصطلق، فقال ابن سلول المنافق : قد ثاورونا في بلادنا ، والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كماقال القائل : سمن كلبك يأكلك ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ...- أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلاً فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمسي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا ًبكافر فأدخل النار ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا).

وقد كان عبد الله بن عبد الله من سادة الصحابة وأخيارهم .
كان اسمه الحباب ، وبه كان أبوه يكنى ، فغيره النبي صل الله عليه وسلم ، وسماه عبد الله .
شهد بدراً وما بعدها .
استشهد عبد الله يوم اليمامة .

وقد مات أبوه سنة تسع، فألبسه النبي صل الله عليه وسلم قميصه، وصلى عليه، واستغفر له إكراماً لولده، حتى نزلت { ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره }.
وقد كان أبوه رئيسا ًمطاعاً ، عزم أهل المدينة قبل أن يهاجر النبي صل الله عليه وسلم على أن يملكوه عليهم ، فانحل أمره ، ولا حصل دنيا ولا آخرة ، نسأل الله العافية .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:16

عبد الله بن حذافة السهمي

إبن قيس ، أبو حذافة القرشي السهمي ، أحد السابقين .
هاجر هو وأخوه قيس إلى الحبشة ، ونفذه النبي صل الله عليه وسلم رسولاً إلى كسرى.
هو القائل : يا رسول الله ، من أبي ؟ وكان إذا لاحى الرجال دعي لغير أبيه ، فقال : أبوك حذافة .
خرج إلى الشام مجاهداً ، فأسر على قيسارية ، وحملوه إلى طاغيتهم ، فراوده عن دينه ، فلم يفتتن.
عن أبي سلمة : أن عبد الله بن حذافة قام يصلي ، فجهر ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : (يا ابن حذافة ، لا تسمعني وسمّع الله).
عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، أن أبا سعيد قال : بعث رسول صلى الله بسرية ، عليهم علقمة بن مجزّز ، وأنا فيهم ، فخرجنا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق ، استأذنه طائفة فأذن لهم ، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة ، وكان من أهل بدر ، وكانت فيه دعابة فبينما نحن في الطريق ، فأوقد القوم ناراً يصطلون بها ، ويصنعون عليها صنيعاً لهم ، إذ قال : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا: بلى . قال : فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، فقام ناس ، فحتجزوا ، - أي شدوا أوساطهم فعل من يتهيأ - حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها قال : أمسكوا ، إنما كنت أضحك معكم. فلما قدموا على رسول الله صل الله عليه وسلم ، وذكروا له ذلك فقال : (من أمركم بمعصية فلا تطيعوه).
عن أبي رافع ، قال : وجه عمر جيشا إلى الروم ، فأسروا عبد الله بن حذافة ، فذهبوا به إلى ملكهم ، فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد. فقال : هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي ؟ قال : لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ملك العرب ، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين ، قال : إذا أقتلك. قال : أنت وذاك. فأمر به فصلب. وقال للرماة :
ارموه قريباً من بدنه ، وهو يعرض عليه ، ويأبي ، فأنزله. ودعا بقدر ، فصب فيها ماء حتى احترقت ، ودعا بأسيرين من المسلمين ، فأمر بأحدهما ، فألقي فيها ، وهو يعرض عليه النصرانية ، وهو يأبى . ثم بكى . فقيل للملك : إنه بكى ، فظن أنه قد جزع ، فقال : ردوه. ما أبكاك ؟ قال : قلت : هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب ، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله. فقال له الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟ فقال له عبد الله : وعن جميع الأسارى ؟ قال : نعم. فقبل رأسه. وقدم بالأسارى على عمر ، فأخبره خبره. فقال عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقبل رأسه.
ولعل هذا الملك قد أسلم سراً ، ويدل على ذلك مبالغته في إكرام ابن حذافة.
وكذا القول في هرقل إذ عرض على قومه الدخول في الدين ، فلما خافهم قال : إنما كنت أختبر شدتكم في دينكم.
فمن أسلم في باطنه هكذا ، فيرجى له الخلاص من خلود النار ، إذ قد حصَل في باطنه إيماناً ما ، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام وللرسول، واعتقد أنهما حق، مع كون أنه على دين صحيح، فتراه يعظم للدينين ، فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك.

مات ابن حذافة في خلافة عثمان رضي الله عنهم.




عبد الله بن حذافة السهمي

إبن واضح ، الإمام ، شيخ الإسلام، عالم زمانه و أمير الأتقياء في وقته ، أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي ، أحد الأعلام.
مولده في سنة ثمان عشرة ومئة .

قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك يُكثر الجلوس في بيته ، فقيل له : ألا تستوحش ؟ فقال : كيف استوحش و أنا مع النبي صل الله عليه وسلم و أصحابه ؟.
قال أشعث بن شعبة المصِّيصي : قدم الرشيد الرقة ، فانجفل الناس خلفَ ابن المبارك ، وتقطعت النعال و ارتفعت الغبرة ، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب ، فقالت : ماهذا ؟ قالوا : عالم من أهل خراسان قدم ، قالت : هذا والله المُلكُ ، لا ملكُ هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرط و أعوان.
قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق : سمعت أبي قال : كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو ، وفيقولون : نصحبك ، فيقول : هاتوا نفقاتكم ، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويُقفل عليها ، ثم يكتري له ويخرجهم من مرو إلى بغداد ، فلا يزال يُنفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام و أطيب الحلوى ، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي و أكمل مُروءة ، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صل الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد : ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرفها ؟ فيقول : كذا وكذا فيشتري لهم ، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم : ما أمرك عيالُك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول : كذا وكذا ، فيشتري لهم ، ثم يُخرجهم من مكة، فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو ، فيجصص بيوتهم و أبوابهم ، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة و كساهم، فإذا أكلوا وسرّوا دعا بالصندوق ، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صُرته عليها اسمه .
قال سفيان الثوري : إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك ، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام .
قال ابن عُيينة : نظرت في أمر الصحابة ، و أمر عبدالله ، فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صل الله عليه وسلم ، وغزوهم معه.
قال القاسم بن محمد بن عباد : سمعت سُويد بن سعيد يقول : رأيت ابن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى شربة ، ثم استقبل القبلة ، فقال : اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المُنكدر عن جابر عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال : (( ماء زمزم لما شُرب له )) وهذا أشربه لعطش القيامة ، ثم شربه .
قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء، لا يجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه .
قال أبو حاتم الرازي : حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان ، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل ، فطارده ساعة فطعنه فقتله فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك و إذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو هو . فقال : و أنت يا أبا عمرو ممن يُشنع علينا .
وقال أبو حسان عيسى بن عبد الله البصري : سمعت الحسن بن عرفة يقول : قال لي ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه .
قال أسود بن سالم : كان ابن المبارك إماماً يُقتدى به ، كان من أثبت الناس في السنة،إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك فاتهمه على الإسلام .
اجتمع جماعة فقالوا : تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير ، فقالوا : العلم ، والفقه ، والأدب ، والنحو ، و اللغة ، و الزهد ، و الفصاحة ، و الشعر ، و قيام الليل ، و العبادة ، و الحج ، و الغزو ، و الشجاعة ، و الفروسية ، و القوة ، و ترك الكلام فيما لا يعنيه ، والإنصاف ، وقلة الخلاف على أصحابه .
قال حبيب الجلاب : سألت ابن المبارك ، ماخير ما أعطي الإنسان ؟ قال : غريزة عقل ، قلت : فإن لم يكن ؟قال : حسن أدب ، قلت : فإن لم يكن؟ قال : أخٌ شفيق يستشيره، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : صمت طويل ، قلت : فإن لم يكن ؟ قال : موت عاجل .
عن عبد الله قال :إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئة لم تذكر المساوئ ، و إذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن .
قيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة و التابعين ، أنظر في كتبهم و آثارهم فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس .
وجاء أن ابن المبارك سُئل : من الناس ؟ فقال : العلماء ، قيل : فمن الملوك ؟ قال : الزهاد، قيل : فمن الغوغاء ؟ قال : خزيمة وأصحابة ( يعني من أمراء الظلمة )، قيل : فمن السفلة ؟ قال : الذين يعيشون بدينهم .
وعنه قال : إن البصراء لا يأمنون من أربع : ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع فيه الرب عز و جل ، وعمر قد بقي لا يُدرى مافيه من الهلكة ، وفضل قد أُعطي العبد لعله مكر واستدراج ، وضلالة قد زينت يراها هدىً ، وزيغ قلب ساعة فقد يسلب المرء دينه ولا يشعر .
عن ابن المبارك قال : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته .
عن محمد بن إبراهيم بن أبي سُكينة ، قال : أملى علي ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومئة ، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طرسوس :
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخـضب
أو كان يُتعب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريحُ العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحـيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهـب
هذا كتابُ الله ينطق بيننا
ليس الشهـيد بميت لا يُكذبُ

فلقيت الفُضيل بكتابة في الحرم فقرأ و بكى ثم قال : صدق أبوعبد الرحمن ونصح .

وجاء من طرق عن ابن المبارك ، ويُقال : بل هي لحميد النحوي :

اغتنم ركعتين زُلفى إلى اللـه إذا كـنت فارغاً مُستريحاً
وإذا ما هممت بالنطق بالباطل فاجعل مكـانه تسبيـحاً
فاغتنم السكوت أفضل من خوض وإن كنت بالكلام فصيحاً

وقال إسماعيل بن إبراهم المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فسألته، فقال : غفر لي، قلت :فابن المبارك ، قال : بخ بخ ذاك في علِّيين ممن يلج على الله كل يوم مرتين .
مات سنة إحدى وثمانين ومئة .
عن يحيى الليثي قال : كنا عند مالك، فاستؤذن لعبد الله بن المبارك بالدخول فأذن له، فرأينا مالكاً تزحزح له في مجلسه ، ثم أقعده بلصقه ، وما رأيت مالكاً تزحزح لأحد في مجلسه غيره ، فكان القارئ يقرأ على مالك ، فربما مر بشيء فيسأله مالك : ما مذهبكم في هذا ؟ أو ما عندكم في هذا ؟فرأيت ابن المبارك يُجاوبه ، ثم قام فخرج فأعجب مالك بأدبه ، ثم قال لنا مالك : هذا ابن المبارك فقيه خراسان .
وسئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال : إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا .






عبد الرحمن بن عوف

عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة ، وأحد الستة أهل الشورى ، وأحد السابقين البدريين القرشي الزهري . وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام .
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو ، وقيل عبد الكعبة ، فسمَّاه النبي صل الله عليه وسلم عبد الرحمن .
قال عنه ابن عباس : جلسنا مع عمر ، فقال:هل سمعت عن رسول الله صلىالله عليه وسلم شيئاً أمر به المرءَ المسلم إذا سها في صلاته ، كيف يصنع ؟ فقلت : لا والله ، أوسمعتَ أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئاً ؟ فقال: لا والله . فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عمر : سألتُه ، فأخبره . فقال له عبد الرحمن : لكني قد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر في ذلك ، فقال له عمر: فأنت عندنا عدلٌ، فماسمعت؟ قال : سمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : { إذا سها أحدُكم في صلاته حتى لا يدري أزاد أم نقص ، فإن كان شكَ في الواحدة و الثنتين فليجعلها واحدة ، و إذا شك في الثنتين أ والثلاث فليجعلها ثنتين ، و إذا شك في الثلاث و الأربع فليجعلها ثلاثاً حتى يكونَ الوهم في الزيادة ، ثم يسجد سجدتين ، وهو جالس ، قبل أن يسلِّم ثم يسلِّم}.
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و إن كانوا عدولاً فبعضهم أعدل من بعض و أثبت، فهنا عمرُ قنع بخبر عبد الرحمن ، وفي قصة الاستئذان يقول: ائت بمن يشهد معك ، وعليّ بن أبي طالب يقول : كان إذا حدثني رجل عن رسول الله صل الله عليه وسلم استحلفته ، وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر . فلم يَحتج علي أن يستحلف الصديق ، و الله أعلم.
قال المدائني : وُلد عبد الرحمن بعدعام الفيل بعشر سنين .
عن ابن اسحاق قال : كان ساقط الثنتين ، اهتم ، أعسر ، أعرج ، كان أصيب يوم أحد فهُتِمَ ، وجُرح عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج .
قال عثمان: ما يستطيع أحدٌ أن يعتدَّ على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعاً .
ومن مناقبه: أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة ، و أنه من أهل بدر، ومن أهل هذه الآية:{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وقد صلى رسول الله صل الله عليه وسلم وراءه .
عن عمرو بن وهب الثقفي قال : كنا مع المغيرة بن شعبة ، فسئل : هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ من هذه الأمة غيرُ أبي بكر ؟ فقال : نعم . فذكر أن النبي صل الله عليه وسلم توضأ ، ومسح على خُفيه و عمامته ، و أنه صلى خلفَ عبد الرحمن بن عوف ، وأنا معه، رَكعة من الصبح ، وقضينا الركعة التي سُبقنا .

وعن قتادة :{ الذين يلمزون المُطوعين من المؤمنين في الصدقات } التوبة 79قال : تصدَق عبدُ الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار . فقال أناسٌ من المنافقين : إن عبد الرحمن لعظيم الرياء .
وعن شقيق قال : دخل عبد الرحمن على أمِّ سلمة فقال : يا أمَّ المؤمنين ! إني أخشى أن أكون قد هلكت ، إني من أكثر قريش مالاً ، بعتُ أرضاً لي بأربعين ألف دينار . قالت : يابنيَّ ! أنفق، فإني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه)) فأتيتُ عمر فأخبرته ،فأتاها، فقال : بالله أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ، ولن أبرئ أحداً بعدك .
وعن أبي هريرة قال : كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم Sad( دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يُدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه)) .
وعنه أيضاً أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال : (( خيارُكم خيارُكم لنسائي ))، فأوصى لهنَّ عبدُ الرحمن بحديقة قُومت بأربع مئة ألف .
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزلُه نفسه من الأمر وقت الشورى ، و اختياره للأمة من أشار به أهلُ الحلِّ و العقد ، فنهض في ذلك أتمََ نهوض على جمع الأمة على عثمان ، ولو كان محابياً فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص .

وعن إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : غُشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنُّوا أنه قد فاضت نفسه ، حتى قاموا من عنده ، وجلَّلوه ، فأفاق يكبر ، فكبَّر أهلُ البيت ، ثم قال لهم : غُشِي علي آنفاً ؟ قالوا : نعم، قال : صدقتم ! انطلق بي في غَشيتي رجلان أجد فيهما شدة و فظاظة ، فقالا : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين ، فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً ، قال :أين تذهبان بهذا ؟ قالا : نحاكمه إلى العزيز الأمين ، فقال : ارجعا فإنه من الذين كتب لهم السعادة و المغفرة وهم في بطون أمهاتهم ، و إنه سَيُمتَّع به بنوه إلى ماشاء الله ، فعاش بعد ذلك شهراً .
وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه ، عن جده ، سمع عليَّاً يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف : اذهب ياابن عوف ! فقد أدركت صفوها وسَبقتَ رنقها .الرنق : الكدر.
وعن أنس قال : رأيتُ عبد الرحمن بن عوف ، قُسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف .

ولما هاجر إلى المدينة فقيراً لا شيء له آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع أحد النُّقباء ، فعرض عليه أن يُشاطِرهُ نعمته ، و أن يطلِّق له أحسنَ زوجتيه ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالِك ، ولكن دُلني على السوق ، فذهب فباع واشترى وربح ، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم ، فتزوج امرأة على زِنَة نواةٍ من ذهب ، فقال له النبي صل الله عليه وسلم : (( أولِم ولو بشاة ))، ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل .

وفاته: سنة اثنتين و ثلاثين ، ودُفن بالبقيع .





عبد الله بن رواحة

إبن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة
الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر
شهد بدراً والقبة . يكنى أبا محمد ، وأبا رواحة ، ليس له عقب . وهو خال النعمان بن بشير . وكان من كتاب الأنصار ، وبعثه النبي صل الله عليه وسلم في سرية من ثلاثين راكباً إلى أُسير بن رِزام اليهودي بخيبر فقتله .
قال قتيبة : ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم .
قال أبو الدرداء : إن كنا لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في السفر في اليوم الحارّ ما في القوم أحدٌ صائم إلا رسول الله صل الله عليه وسلم ، وعبد الله بن رواحة .
عن أبي ليلى قال : تزوج رجل امرأة ابن رواحة ، فقال لها : تدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته . فذكرت له شيئاً لا أحفظه ، غير أنها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين ، وإذا دخل صلى ركعتين . لا يدع ذلك أبداً .
قال ابن سيرين : كان شعراء رسول الله صل الله عليه وسلم : عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك .

قيل : لما جهز النبي صل الله عليه وسلم إلى مؤتة الأمراء الثلاثة ، فقال : الأمير زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب فابن رواحة ، فلما قتلا ، كره ابن رواحة الإقدام فقال :

أقسمت يا نفسُ لَتَنزِلنَّه طائعة أو لا لَتُكرَهِنَّــه
فطالما قد كنت مطمئنة مالي أراك تكرهين الجنة

عن أنس قال : دخل النبي صل الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء ، وابن رواحة بين يديه يقول :

خلّوا بني الكُفَّار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهَام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر: يا ابن رواحة ! في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي صل الله عليه وسلم : ( خلِّ يا عمر ، فهو أسرع فيهم من نضح النبل ).
وفي لفظ ( فوالذي نفسي بيده ، فكلامه عليهم أشد من وقع النبل ).
قال الترمذي : وجاء في غير هذا الحديث أنّ النبي صل الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك .
قال : وهذا أصح عند بعض أهل العلم ، لأن ابن رواحة قتل يوم مؤتة ، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك .
قلت : كلا ، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزماً .
عبد العزيز ابن أخي الماجشون : بلغنا أنه كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله ، فبصرت به امرأته يوماً قد خلا بها ، فقالت : لقد اخترت أمتك على حرتك ؟ فجاحدها ذلك ، قالت : فإن كنت صادقاً ن فاقرأ آية من القرآن . قال : شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا.
قالت : فزدني آية ، فقال : وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام ملائكة الإله مقربينا.
فقالت : آمنت بالله ، وكذبت البصر، فأتى رسول الله صل الله عليه وسلم، فحدثه، فضحك ولم يغير عليه .





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:21


عبد الله بن عمرو بن حرام

الأنصاري ، السلمي
أحد نقباء ليلة العقبة . قال كعب بن مالك : ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من سادتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له : يا أبا جابر إنك سيد من سادتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطباً للنار غداً ، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صل الله عليه وسلم إيانا العقبة ، قال : فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيباً .

شهد بدراً ، واستشهد يوم أحد .
عن جابر : لما قتل أبي يوم أحد ، جعلت أكشف عن وجهه ، وأبكي ، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني وهو لا ينهاني ، وجعلت عمتي تبكيه ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة بأجنحتها حتى رفعتموه .
قال مالك : كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد .
عن جابر أن رسول الله صل الله عليه وسلم لما خرج لدفن شهداء أحد قالSad زملوهم بجراحهم ، فأنا شهيد عليهم ) ، وكفن أبي في نمرة .
قال ابن سعد : قالوا : وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد ، وكان عمرو بن الجموح طويلاً ، فدفنا معاً عند السيل ، فحفر السيل عنهما ، وعليهما نمرة ، وقد أصاب عبد الله جرح في وجهه ، فيده على جرحه ، فأميطت يده ، فانبعث الدم فردت ، فسكن الدم .
قال جابر : فرأيت أبي في حفرته ، كأنه نائم ، وما تغير من حاله شيء وبين ذلك ست وأربعون سنة ، فحولا إلى مكان آخر ، وأخرجوا رطاباً يتثنون .
عن الشعبي : حدثني جابر أن أباه توفي وعليه دين ، قال: فأتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت : إن أبي ترك عليه ديناً ، وليس عندنا إلا ما يخرج من نخلة ، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء ، قال : فمشى حول بيدر من بيادر التمر ، ودعاه ، ثم جلس عليه ، فأوفاهم الذي لهم ، وبقي مثل الذي أعطاهم .
طلحة بن خراش ، سمع جابراً يقول : قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا ً، فقال : يا عبدي ! سلني أعطك ، قال : أسألك أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل فيك ثانياً ، فقال : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال : يارب ! فأبلغ من ورائي ، فأنزل الله { ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون }.




عبد الله بن قيس العامري {إبن أم مكتوم}

هو عبد الله بن قيس ، القرشي العامري . وقيل : اسمه عمرو
من السابقين المهاجرين، هاجر بعد مصعب بن عمير، قبل النبي صل الله عليه وسلم، فكان يقرئ الناس القرآن .
وقيل : هاجر بعد وقعة بدر بيسير .
كان ضريراً ، مؤذناً لرسول الله صل الله عليه وسلم ، مع بلال ، وسعد القرظ ، وأبي محذورة مؤذن مكة .
قد كان النبي صل الله عليه وسلم يحترمه ، ويستخلفه على المدينة ، فيصلي ببقايا الناس ، قيل : استخلفه ثلاث عشرة مرة .

قال عروة : كان النبي صل الله عليه وسلم مع رجال من قريش منهم عتبة بن ربيعة ، فجاء ابن أم مكتوم يسأل عن شيء ، فأعرض عنه ، فأنزلت : { عبس وتولى أن جاءه الأعمى}.

عن عبد الله بن معقل قال : نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة كانت ترفقه ، وتؤذيه في النبي صلى الله عليه وسلم ، فتناولها فضربها فقتلها ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أما والله إن كانت لترفقني ولكن آذتني في الله ورسوله ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : ( أبعدها الله ، قد أبطلت دمها) .
عن البراء قال : لما نزلت { لا يستوي القاعدون } دعا النبي صل الله عليه وسلم زيداً وأمره ، فجاء بكتف وكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم ، فشكا ضرارته ، فنزلت : {غير أولي الضرر} .
عن ابن أبي ليلى أن ابن أم مكتوم قال : أي ربي أنزل عذري . فأنزلت { غير أولي الضرر } ، فكان بعد يغزو ويقول : ادفعـوا إليّ اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر ، وأقيموني بين الصفين .
شهد القادسية مع سعد بن أبي وقاص زمن عمر بن الخطاب فيقال : إنه قتل بها شهيداً ، ويقال : إنه رجع إلى المدينة وتوفي بها ، والله أعلم .




عثمان بن مظعون


إبن حبيب الجمحي ، أبو السائب
من سادة المهاجرين ، ومن أولياء الله المتقين الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيهم فصلّى عليهم ، وكان أبو السائب رضي الله عنه أول من دفن في البقيع .
قال سعيد بن المسيب : سمعت سعداً يقول : ردّ رسول الله صل الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ، ولو أذن له لاختصينا .
أسلم أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلاً ، وهاجر الهجرتين ، وتوفي بعد بدر ، وكان عابداً مجتهداً ، وكان ممن حرّم الخمر في الجاهلية .
عن أبي بُردة : دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأينها سيئة الهيئة ، فقلن لها : مالك ؟ فما في قريش أغنى من بعلك ! قالت : أَما ليله فقائم ، وأما نهاره فصائم ، فلقيه النبي صل الله عليه وسلم ، فقال : ( أما لك بي أسوة …) الحديث . قال : فأتتهن بعد ذلك عطِرة كأنّها عروس .
مات في سنة ثلاث.

عن عائشة أنّ رسول الله صل الله عليه وسلم قبّل عثمان بن مظعون وهو ميت ، ودموعه تسيل على خدّ عثمان بن مظعون .
عن أم العلاء - من المبايعات -، فذكرت أنّ عثمان بن مظعون اشتكى عندهم ، فمرّضناه حتى توفي ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : شهادتي عليك أبا السائب ، لقد أكرمك الله ! فقال رسول الله : وما يدريك ؟ قلت : لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فمن ؟ قال : أمّا هو فقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير ، وإني لرسول الله ، وما أدري ما يُفعل بي . قالت : فوالله لا أزكي بعده أحداً . قالت : فأحزنني ذلك ، فنمت ، فرأيت لعثمان عيناً تجري ، فأخبرت رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : ذاك عمله .
كان عثمان شديد الأدمة ، كبير اللحية . رضي الله عنه .





عكرمة بن أبي جهل


والده عمرو بن هشام ، أبو جهل
الشريف الرئيس الشهيد
أبو عثمان القرشي المخزومي المكي
لما قتل أبوه تحولت رئاسة بني مخزوم إلى عكرمة
وخرج في غزوة أحد لمحاربة المسلمين ومعه زوجه
ولما دعاه خالد بن الوليد إلى الإسلام عام ثمان للهجرة حينما أراد خالد التوجه للمدينة ليعلن إسلامه أمام رسول الله صل الله عليه وسلم أبى عكرمة أشد الإباء .
ولما كان فتح مكة جمع صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعوا أناساً ليقاتلوا ، فلما التقوا مع جيش خالد بن الوليد ناوشوهم شيئا ً ثم انهزموا .
ولما كان يوم مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : ( اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ) ، منهم عكرمة بن أبي جهل ... أما عكرمة فركب البحر فأصابتهم قاصف ، فقال أهل السفينة لأهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا ، فقال عكرمة : والله لئن لم ينج في البحر إلا الإخلاص فإنه لا ينجي في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفواً كريماً .ثم إن أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة أسلمت واستأمنت له من رسول الله صل الله عليه وسلم فأمنه فذهبت في طلبه فاسترجعته فأسلم .
ثم أسلم وحسن إسلامه بالمرة .
ثم شارك في حرب مسيلمة الكذاب .
ثم أرسله أبو بكر الصديق لقتال المرتدين في عمان ومهرة اليمن فناجزهم وانتصر عليهم وغنم منهم وقل خلقاً من المشركين .
وفي يوم اليرموك كان عكرمة على قيادة مجنبة القلب . وقال يومها : قاتلت رسول الله صل الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم ؟ ثم نادى : من يبايع على الموت ؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحا ً، وقتل منهم خلق منهم ضرار بن الأزور رضي الله عنهم .
قال ابن أبي مليكة : كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال : لا والذي نجاني يوم بدر.
ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، هرب منها عكرمة وصفوان بن أمية بن خلف ، فبعث النبي صل الله عليه وسلم يؤمنهما ، وصفح عنهما ، فأقبلا إليه .
ولم يعقب عكرمة .
قال الإمام الشافعي : كان محمود البلاء في الإسلام رضي الله عنه .
نزل عكرمة يوم اليرموك ، فقاتل قتالاً شديداً ، ثم استشهد ، فوجدوا به بضعاً وسبعين من طعنة ورمية وضربة .




عمر بن أبي ربيعة



هو عمر بن أبي ربيعة وكنيته أبو الخطاب. ولد عام 644 م يوم مقتل عمر بن الخطاب، في أسرة قريشية جمعت إلى مجدها العريق ثروة ضخمة ومكانة في المجتمع كريمة.

شب الفتى المخزومي على دلال وترف، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبة أمام أمثاله ممن رزقوا الشباب والثروة والفراغ. لهى مع اللاهين وعرفته مجالس الطرب والغناء فارسا مجليا ينشد الحسن في وجوه الملاح في مكة، ويطلبه في المدينة والطائف وغيرهما.

رأى في موسم الحج معرض جمال وفتون، فراح يستغله " إذ يعتمر ويلبس الحلل والوشي ويركب النجائب المخضوبة بالحناء عليها القطوع والديباج". ويلقى الحاجّات من الشام والمدينة والعراق فيتعرف إليهن، ويرافقهن، ويتشبب بهن ويروي طرفا من مواقفه معهن. وشاقته هذه المجالس والمعارض فتمنى لو أن الحج كان مستمرا طوال أيام السنة:

ليت ذا الدهر كان حتما علينا كل يومين حجة واعتمارا

وظل عمر يتقلب في هذه الألوان من الشعر والحياة، حتى تقدمت به السن فأقصر عن اللهو والمجون، وأقلع عن ذكر النساء إلى أن وافته المنية سنة 733 م






عمرو بن الجموح

إبن زيد الأنصاري السّلمي الغنمي ، والد معاذ ، ومعوذ

عن عكرمة قال : قدم مصعب بن عمير المدينة يُعلّم الناس . فبعث إليه عمرو بن الجموح : ما هذا الذي جئتمونا ؟ قالوا : إن شئت جئناك ، فأسمعناك القرآن . قال : نعم . فقرأ صدراً من سورة يوسف . فقال عمرو : إن لنا مؤامرة في قومنا . وكان سيد بني سلمة .
فخرجوا ودخل على مناف ، فقال : يا مناف تعلم والله ما يريد القوم غيرك ، فهل عنك من نكير ؟ قال : فقلده السيف ، وخرج ، فقام أهله فأخذوا السيف ، فلما رجع قال : أين السيف يا مناف ، ويحك إن العنز لتمنع استها ، والله ما أرى في أبي جعار غداً من خير .
ثم قال لهم : إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيراً ، فذهب فأخذوه فكسروه ، وربطوه مع كلب ميت ، وألقوه في بئر ، فلما جاء قال: كيف أنتم ؟ قالوا : بخير يا سيدنا ، طهر الله بيوتنا من الرجس . قال : والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف . قالوا : هو ذاك ، انظر إليه في ذلك البئر فأشرف فرآه .
فبعث إلى قومه فجاؤوا فقالوا : ألستم على ما أنا عليه ؟ قالوا : بلى . أنت سيدنا . قال : فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد .
عن ابن المنكدر أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : ( يا بني سلمة من سيدكم ؟ ) قالوا : الجد بن قيس ، وإنا لنبخله . قال : وأي داء أدوى من البخل ، بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح .
قال : فلما كان يوم أحد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، أعدت للمتقين ، فقام وهو أعرج فقال : والله لأحزن عليها في الجنة ، فقاتل حتى قتل .
قال الواقدي : لم يشهد بدراً . كان أعرج . ولما خرجوا يوم أحد منعه بنوه وقالوا : عذرك الله . فأتى رسولَ الله صل الله عليه وسلم يشكوهم . فقال : لا عليكم أن لا تمنعوه ، لعل الله يرزقه الشهادة .
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة : أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وابن حرام كان السيل قد خرب قبرهما ، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس . وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه ، فدفن كذلك . فأميطت يده عن جرحه ، ثم أرسلت ، فرجعت كما كانت . وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:23

عبد الله بن مسعود

الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي ، المكي ، المهاجري ، البدري ، حليف بني زهرة .
كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين .
شهد بدراً ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علماً كثيراً .
عن الأعمش ، عن إبراهيم : كان عبد الله لطيفاً فطناً ، قلت –أي الذهبي- : كان معدوداً في أذكياء العلماء .
وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين .
عن نويفع مولى ابن مسعود قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوباً أبيض ، وأطيب الناس ريحاً .
قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة و ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا .
عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله صل الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا ، فقلت : يا رسول الله ! علمني من هذا القول ، فمسح رأسه وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .
عن يحي بن عروة بن الزبير، عن أبيه قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صل الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود .
عن أنس : أن النبي صل الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود .
عن أبي الأحوص : سمعت أبا مسعود وأبا موسى حين مات عبد الله بن مسعود وأحدهما يقول لصاحبه : أتراه ترك بعده مثله ؟ قال : لئن قلت ذاك ، لقد كان يؤذن له إذا حجبنا ، ويشهد إذا غبنا .
وعن أبي موسى قال : قدمت أنا وأخي من اليمن ، فمكثنا حيناً ، وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صل الله عليه وسلم لكثرة دخولهم وخروجهم عليه .
عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذنك علي أن ترفع الحجاب ، وتسمع سوادي حتى أنهاك ) ، وعنه قال : لما نزلت { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح } ، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( قيل لي : أنت منهم ).
عن أبي وائل : كنت مع حذيفة، فجاء ابن مسعود ، فقال حذيفة : إن أشبه الناس هدياً ودلاً وقضاء وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع ، لا أدري ما يصنع في أهله ، لعبد الله بن مسعود ، ولقد علم المتهجدون من أصحاب محمد صل الله عليه وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.
عن أبي الأحوص قال : أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الأنصاري ، وهم ينظرون إلى مصحف ، فتحدثنا ساعة ، ثم خرج عبد الله ، وذهب ، فقال أبو مسعود : والله ما أعلم النبي صل الله عليه وسلم ترك أحداً أعلم بكتاب الله من هذا القائم.
عن مسروق قال عبد الله : والله الذي لا إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صل الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة ، ولو أعلم أحداً بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته.
عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بين أبي بكر وعمر ، وعبد الله قائم يصلي فافتتح سورة النساء يسجلها – أي يقرؤها قراءة مفصلة – فقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد ) ، فأخذ عبد الله في الدعاء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سل تعط ) ، فكان فيما سأل : اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ، ونعيماً لا ينفد ، ومرافقة نبيك محمد صل الله عليه وسلم ، في أعلى جنان الخلد ، فأتى عمر يبشره ، فوجد أبا بكر خارجاً قد سبقه ، فقال: إنك لسباق بالخير .
عن أم موسى : سمعت علياً يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ، فصعد شجرة يأتيه منها بشيء ، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله فضحكوا من حموشة ساقيه ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( ما تضحكون ؟ لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد ).
عن عبد الله قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد ).
عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ( اقرأ علي القرآن. قلت : يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري . فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } النساء 41، فغمزني برجله ، فإذا عيناه تذرفان .
قال عمرو بن العاص في مرضه ، وقد جزع ، فقيل له: قد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يُدنيك ويستعملك ، قال: والله ما أدري ما كان ذاك منه ،أَحُبٌّ أوكان يتألفني ، ولكن أشهد على رجلين مات وهو يحبهما: ابن أم عبد ، وابن سمية.
عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه النبي صل الله عليه وسلم في هديه ودَلَّه وسمته، وكان علقمة يشبّه بعبد الله.
عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عماراً أميراً ، وابن مسعود معلماً ووزيراً ، وهما من النجباء ، من أصحاب محمد صل الله عليه وسلم ، من أهل بدر ، فاسمعوا لهما واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي .
عن زيد بن وهب قال: لما بعث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالمجيء إلى المدينة، اجتمع إليه الناس ، فقالوا: أقم فلا تخرج ، - بسب الخلاف المشهور بينهما بسبب تحريق المصاحف - ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه . فقال: إن له عليّ طاعة ، وإنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن أكون أول من فتحها . فرد الناس وخرج إليه.
عن عبد الله قال: كُنا إذا تعلمنا من النبي صل الله عليه وسلم عشر آيات لم تعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيها ، يعني من العلم.
عن أبي البختري قال: سُئل عليُّ عن ابن مسعود ، فقال: قرأ القران ثم وقف عنده ، وكُفي به ، وروي نحوه من وجه آخر عن علي ، وزاد : وعلم السنة .
عن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب ، إذ جاء ابن مسعود ، فكاد الجلوس يوارونه من قصره ، فضحك عمر حين رآه ، فجعل عمر يكلمه ، ويتهلل وجهه ، ويضاحكه وهو قائم عليه ، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى ، فقال: كُنَيف ملىء علماً .
عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل ، فقال: ارفع إزارك ، فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك ، قال: إن بساقيّ حموشة وأنا أَؤم الناس . فبلغ ذلك عمر ، فجعل يضرب الرجل ، ويقول: أَترد على ابن مسعود؟
عن أبي عمرو الشيباني : إن أبا موسى استفتي في شيء من الفرائض ، فغلط ، وخالفه ابن مسعود ، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم .
عن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عليّ ، وعمر ، وعبد الله ، وزيد ، وأبي الدرداء ، واُبيّ ، ثم شاممت الستة ، فوجدت علمهم انتهى إلى عليّ وعبد الله .
عن مسروق قال: حدثنا عبد الله يوماً فقال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم فرعد حتى رعدت ثيابه ، ثم قال نحو ذا أو شبيهاً بذا.
عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيون قام فسمعت له دوياً كدوي النحل .
عن القاسم بن عبد الرحمن : أن ابن مسعود كان يقول في دعائه: خائف مستجير ، تائب مستغفر ، راغب راهب .
قال عبد الله بن مسعود:لو سخرت من كلب ، لخشيت أن أكون كلباً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا.
عن عبد الله قال: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .
عن أبي ظبية قال: مرض عبد الله فعاده عثمان وقال: ما تشتكي ؟ قال: ذُنوبي ، قال: فما تشتهي ؟ قال: رحمة ربي ، قال: ألا آمر لك بطبيب ؟ قال: الطبيب أمرضني . قال: ألا آمر لك بعطاء ؟ قال: لا حاجة لي فيه.

مات ابن مسعود بالمدينة ، ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين .
عاش ثلاثاً وستين سنة .




عمّار بن ياسر


إبن عامر بن مالك ، وبنو مالك بن أدد من مدحج
الإمام الكبير ، أبو اليقظان العنسي المكي ، مولى بني مخزوم
أحد السابقين الأولين والأعيان البدريين
أميه هي سمية مولاة بني مخزوم ، من كبار الصحابيات
قال ابن سعد : قدم والد عمار ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم ، فرجع أخواه ، وأقام ياسر وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فزوجه أمة له اسمها سمية بنت خباط فولدت له عماراً ، فأعتقه أبو حذيفة ، ثم مات أبو حذيفة ، فلما جاء الله بالإسلام أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله.

عن عبد الله بن سلمة قال : رأيت عماراً يوم صفين شيخاً آدم ، طوالاً ، وإن الحربة في يده لترعد ، فقال : والذي نفسي بيده لقد قاتلت بها مع رسول الله صل الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ، ولو قاتلونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أننا على الحق وأنهم على الباطل .
وعن عثمان قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة ) ، قيل : لم يسلم أبوا أحد من المهاجرين سوى عمار وأبي بكر.
عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى نال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر آلهتهم بخير ، فلما أتى النبي صل الله عليه وسلم قال : ( ما وراءك ؟ ) ، قال : شر يا رسول الله ، والله ما تُركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير ، قال : ( فكيف تجد قلبك ؟ ) قال : مطمئن بالإيمان ، قال : ( فإن عادوا فعد ).
وعن قتادة قال : { إلا من أكره } نزلت في عمار .
وعن علي قال : استأذن عمار على النبي صل الله عليه وسلم فقال : ( من هذا ؟ ) قال : عمار ، قال: ( مرحباً بالطيب المطيب ) .
وعن عمرو بن شرحبيل قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ) ، والمشاش هي رؤوس العظام اللينة .

وعن حذيفة مرفوعاً : ( اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد).
وعن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام ، فأغلظت له ، فشكاني إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : (من عادى عماراً عاداه الله ، ومن أبغض عماراً أبغضه الله ) ، فخرجت فما من شيء أحب إليّ من رضى عمار ، فلقيته فرضي .
وعن ابن مسعود : سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول : ( ما خير ابن سمية بين أمرين إلا اختار أيسرهما ).
عن بلال بن يحيى أن حذيفة أتي وهو ثقيل بالموت ، فقيل له : قُتل عثمان فما تأمرنا ؟ فقال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : ( أبو اليقظان على الفطرة ) ثلاث مرات ، ( لن يدعها حتى يموت أو يلبسه الهرم ).
وعن أنس أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : ( إن الجنة تشتاق إلى علي وعمار وسلمان) .
عن خيثمة بن عبد الرحمن : قلت لأبي هريرة : حدثني فقال : تسألني وفيكم علماء أصحاب محمد ، والمجاز على الشيطان عمار بن ياسر .
عن أبي سعيد قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد فجعلنا ننقل لبنة لبنة ، وعمار ينقل لبنتين لبنتين ، فترب رأسه ، فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله صل الله عليه وسلم أنه جعل ينفض رأسه ويقـول : ( ويحك ابن سمية ! تقتلك الفئة الباغية ).
وعن خالد الحذاء : عن عكرمة سمع أبا سعيد بهذا ولفظه : ( ويح ابن سمية ! تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) فجعل يقول : أعوذ الله من الفتن .

يقال : إنه أول من اتخذ مسجداً في بيته يتعبد فيه .
قال عبد الله بن أبي الهذيل : رأيت عماراً اشترى قَتاً – أي رطبة من علف الدواب – بدرهم ، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة .
وعن أبي الغادية قال : سمعت عماراً يقع في عثمان يشتمه ، فتوعدته بالقتل ، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس ، فقيل : هذا عمار ، فطعنته في ركبته، فوقع فقتلته،فقيل : قتل عمار ، وأخبر عمرو بن العاص فقال :سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : ( إن قاتله وسالبه في النار) .
عن عاصم أن علياً صلى عليه ولم يغسله ، وقبر هناك .
عاش عماراً ثلاثاً وتسعين سنة .
عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار أنه قال : ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الإيمان أو قال كمال الإيمان : الإنفاق من الإقتار ، والإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم .




عمرو بـن العاص

هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي وأمه النابغة بنت حرمل من بني عترة.


كان عمرو في الجاهلية جزارا وكان يسافر إلى الشام ومصر للتجارة. وكان ذا مكانة عالية في قريش لشهرته بالدهاء والكيد حتى قيل إن دهاة العرب في الإسلام عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقيس بن سعد بن عبادة.


أسلم عمرو قبل الفتح بستة أشهر. وسبب إسلامه أنه ذهب إلى النجاشي ليكيد لأصحاب النبي الذين هاجروا إليه. فقال له النجاشي يا عمرو تكلمني في رجل يأتيه الناموس كما كان يأتي موسى بن عمران؟ وكان النجاشي قد أسلم. قال عمرو او كذلك هو أيها الملك؟ قال نعم. قال فأنا أبايعك له. فبايعه له على الإسلام. ثم قدم مكة فلقي خالد بن الوليد فقال: ما رأيك قد استقام الميسم والرجل نبي. قال خالد وأنا أريده. قال عمرو وأنا معك. فقال عثمان بن طلحة وأنا معك فقدموا جميعا على النبي وأسلموا. فكان إسلام عمرو بعد طول روية. ولذلك قال النبي: « أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» وقال: « ابنا العاص مؤمنان عمرو وهشام».


صحب عمرو رسول اللّه صحبة حسنة مخلصة وكان محببا إليه حتى لقد روي عنه أنه قال: ما عدل بي رسول اللّه وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في حربه منذ أسلمت.

وقد بعثه رسول اللّه على جيش فيه أبو بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل. وأرسله واليا على الصدقة إلى عمَّان وأمره أن يدعوا أهلها إلى الإسلام فلبوا دعوته.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:27


معاذ بن جبل

إبن عمرو ، السيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدنيّ البدريّ .
صحابي جليل كبير القدر .
قال الواقديّ : كان طوالاً حسن الشعر والثغر براق الثنايا ، لم يولد له ، وقال غيره : بل له ولد ، وهو عبد الرحمن ، شهد معه اليرموك .
آخى الرسول صل الله عليه وسلم بينه وبين ابن مسعود . وقال ابن إسحاق : آخى بينه وبين جعفر بن أبي طالب .
شهد العقبة وبدراً وما بعدها .
شاب أمرد .
أسلم وله ثمان عشرة سنة .
عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (خذوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود وأبي ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة).
عن أنس مرفوعاً : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ، وأفرضهم زيد ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ).
وعن عاصم بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج يوصيه ، ومعاذ راكب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : ( يا معاذ ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري ) ، فبكى معاذ جشعاً لفراغ رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال : ( لا تبك يا معاذ ، أو أن البكاء من الشيطان ).
وعن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى، أن النبي صل الله عليه وسلم لما بعثه ومعاذاً إلى اليمن، قال لهما : (يسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تنفرا ) ، فقال له أبو موسى : إن لنا بأرضنا شراباً ، يصنع من العسل يقال له : البِتع ، ومن الشعير يقال له : المِزر ، قال : ( كل مسكر حرام ) ، فقال لي معاذ : كيف تقرأ القرآن ؟ قلت : أقرأه في صلاتي ، وعلى راحلتي ، وقائماً وقاعداً ، أتفوق تفوقاً ، يعني شيئاً بعد شيء ، قال : فقال معاذ : لكني أنام ثم أقوم ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ، قال : وكأن معاذاً فضل عليه .
وعن أبي هريرة : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل معاذ بن جبل) .
وعن معاذ قال : لقيني النبي صل الله عليه وسلم فقال : ( يا معاذ ! إني لأحبك في الله ) قلت : وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله ، قال : أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة : رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
وعن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين : عمر وعثمان وعلي ، وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ وزيد .
بقي يعلم الناس الخير في اليمن ، ثم هاجر إلى الشام فكان بها حتى مات بعدما استخلفه أبو عبيدة حين طعن – أصابه الطاعون - ثم طعن بعده .
وروى موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال : خطب عمر الناس بالجابية فقال : من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل .
وقال عمر : إن معاذاً يبعث أمام العلماء بربوة .
وقال ابن مسعود : كنا نشبهه بإبراهيم الخليل ، وقال أيضاً : إن معاذاً كان قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين .
وعن أبي قلابة وغيره أن فلاناً مر به أصحاب النبي صل الله عليه وسلم فقال : أوصوني ، فجعلوا يوصونه ، وكان معاذ بن جبل في آخر القوم ، فقال : أوصني يرحمك الله ، قال : قد أوصوك فلم يألوا ، وإن سأجمع لك أمرك : اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر ، فابدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ، ثم يزول معك أينما زلت .

وعن معاذ قال : ما بزقت على يميني منذ أسلمت .
وعن سعيد بن المسيب قال : قبض معاذ وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة ، وتوفي سنة ثمان عشرة رضي الله عنه .




عبد الرحمن الداخل

هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان

الملقب بصقر قريش

ويعرف بالداخل الأموي

مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وأحد عظماء العالم. ولد في دمشق، ونشأ يتيماً ( مات أبوه وهو صغير) فتربى في بيت الخلافة. ولما انقرض ملك الأمويين في الشام، وتعقب العباسيون رجالهم بالفتك والأسر، أفلت عبد الرحمن، وأقام في قرية على الفرات. فتتبعته الخيل، فأوى بعض الأدغال حتى أمن، فقصد المغرب، فبلغ إفريقية. فألح عاملها ( عبد الرحمن ابن حبيب الفهري) بطلبه، فانصرف إلى مكناسة وقد لحق به مولاه « بدر» بنفقة وجواهر كان قد طلبها من أخت له تدعى (أم الإصبع) ثم تحول إلى منازل نفزاوة وهم جيل من البربر، أمه منهم. فأقام مدة يكاتب من في الأندلس من الأمويين. وبعث إليهم بدراً مولاه، فأجابوه، وسيروا له مركباً فيه جماعة من كبرائهم، فأبلغوه طاعتهم له، وعادوا به إلى الأندلس فأرسي بهم مركبهم (سنة138هـ) في المنكب وانتقلوا إلى أشبيلية، ومنها إلى قرطبة، فقاتلهم والي الأندلس( يوسف بن عبد الرحمن الفهري) فظفر عبد الرحمن الأموي، ودخل قرطبة واستقر. وبنى فيها القصر وعدة مساجد. وجعل الخطبة للمنصور العباسي، فاطمأن إليه أهل الأندلس.

لما انتظم له الأمر، ووثق بقوته، قطع خطبة العباسيين وأعلن إمارته استقلالا. والمنصور العباسي أول من لقبه بصقر قريش. ولقب بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس من ملوك الأمويين. وكان حازما، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، لا يخلد إلى راحة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ولا ينفرد برأيه، شجاعاً، مقداماً، شديد الحذر، سخيا، لسناً، شاعراً، عالماً، يقاس بالمنصور في حزمه وشدته وضبطه الملك. وبنى الرُصافة بقرطبة تشبهاً بجده هشام باني الرُصافة الشام. وتوفي بقرطبة ودفن في قصرها.





مصعب بن عمير

السيد الشهيد السابق البدري .

قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، فقلنا له : مافعل رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ فقال : هو مكانه وأصحابه على أثري ، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر فهو الأعمى .
عن خباب قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مضى لسبيله لم يأكل من أجره شيئاً ، منهم : مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، ولم يترك إلا نمرة [ أي : بردة من صوف تلبسها الأعراب ] كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " غطوا رأسه ، واجعلوا على رجليه من الإذخر " [الإذخر : نبات معروف طيب الريح ] ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها .
وعن سعد بن إبراهيم سمع أباه يقول : أتي عبدالرحمن بن عوف بطعام فجعل يبكي ، فقال : قتل حمزة فلم يوجد مايكفن فيه إلا ثوباً واحداً ، وقتل مصعب بن عمير فلم يوجد مايكفن فيه إلا ثوباً واحداً ، لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ، وجعل يبكي .
وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمداً ، فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صل الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ورجالاً من المسلمين .





معاذ بن عمرو بن الجموح

الأنصاري ، الخزرجي ، السلمي ، المدني ، البدري ، العقبي ، قاتل أبي جهل .
شهد بدراً .
عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه قال : إني لواقفٌ يوم بدر في الصف فنظرت ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثةٌ أسنانهما ، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما . فغمزني أحدهما ، فقال : يا عم ! أتعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، وما حاجتك ؟ قال : أُخبرت أنه يسبُّ رسول الله صل الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا . فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال مثلها .
فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس ، فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما . قال : فابتدراه بسيفهما حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى النبي ، فأخبراه . فقال : أيكما قتله ؟ فقال كلٌّ منهما : أنا قتلته . فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا . فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله. وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو. والآخر هو معاذ بن عفراء .
وعن معاذ بن عمرو قال : جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني. فلما أمكنني حملت عليه ، فضربته ، فقطعت قدمه بنصف ساقه ، وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي ، فطرح يدي وبقيت معلقةً بجلدة بجنبي ، وأجهضني عنها القتال ، فقاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي . فلما آذتني ، وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها .
هذه والله الشجاعة ، لا كآخر من خدش بسهم ينقطع قلبه ، وتخور قواه . ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان ، وتوفي سنة خمس وثلاثين .





معن بن عدي


إبن الجعدبن عجلان بن ضبيعة البلوي ، حليف بني عمرو بن عوف .
وهو أخو عاصم بن عدي .
كان يكتب العربية قبل الإسلام.
شهد العقبة وبدرا ًوأحداً والخندق وسائر المشاهد .
آخى الرسول بينه وبين زيد بن الخطاب فقتلا جميعاً يوم اليمامة .
عن ابن عباس : أن معن بن عدي أحد الرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر ، وهما يريدان سقيفة بين ساعدة ، فقالا لأبي بكر وعمر : لا عليكم أن لا تقربوهم ، واقضوا أمركم .
قال عروة : بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صل الله عليه وسلم ، وقالوا : ليتنا متنا قبله ، نخشى أن نفتتن بعده ، فقال معن : لكنني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما صدقته حياً .

وكان معن ممن استشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة .







مروان بن الحكم
لم يكن يدور بخلد المروانيين من بني أمية، وهم يغادرون المدينة مقهورين بعد أن أوصدت جميع الأبواب في وجوههم، أنهم على قيد خطوات قليلة من المجد والملك، وأنهم يسيرون نحو بناء إمبراطورية عظيمة وتشييد عرش من الأمجاد المتواصلة والشرف الرفيع.
فقد كانت المدينة معقلا لعدد من معارضي حكم بني أمية، وقد التف حولهم عدد كبير من الأنصار والموالين، ولم تفلح محاولات "مروان بن الحكم" ـ عامل "معاوية بن أبي سفيان" على المدينة ـ لدفعهم إلى البيعة ليزيد بن معاوية حينما أراد معاوية أن يأخذ البيعة لابنه من أهل الحجاز، فقد ثار هؤلاء المعارضون، وعلى رأسهم "الحسين بن علي" و"عبد الله بن الزبير" و"عبد الله بن عمر" و"عبد الله بن العباس" و"عبد الله بن أبي بكر"، وعارضوا هذا الأمر بشدة، فكتب مروان إلى "معاوية" بذلك؛ فقدم معاوية إلى المدينة، وحاول إقناعهم، ولكنهم أبوا، فما كان منه إزاء عنادهم وإصرارهم إلا أن توعدهم بالقتل، وأخذ منهم البيعة لابنه بالسيف على رؤوس الأشهاد.

الحكم بعد معاوية
وبعد وفاة معاوية اعتلى يزيد عرش الخلافة، وامتنع عن بيعته الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، واجتمع زعماء الشيعة لمبايعة الحسين، وأرسلوا إليه يحثونه على الخروج إليهم في "الكوفة" ووعدوه بالنصرة والتأييد، والقتال معه حتى تصير إليه مقاليد الخلافة، ولكن رجال يزيد بن معاوية استطاعوا أن يرصدوا تحركات الحسين، واستعدوا لإحباط محاولته الوصول إلى الكوفة، وأسفر الأمر في النهاية عن معركة "كربلاء" الشهيرة التي قتل فيها الحسين، وحُملت رأسه إلى يزيد في دمشق.
أما عبد الله بن الزبير الذي لم يجرؤ على الجهر بطلب الخلافة في حياة الحسين؛ لأنه كان يرى أحقيته بها، فقد وجد -بعد مقتل الحسين- أنه أحق بالخلافة، خاصة بعدما اجتمع حوله عدد كبير من أصحابه وبايعوه بالخلافة، وإن كان ذلك قد تم بصورة سرية.
وطارت الأخبار إلى يزيد بما فعله ابن الزبير، فصمم على الانتقام منه، وازداد الأمر تعقيدًا بعد أن ثار أهل المدينة أيضًا، وخلعوا يزيد بتحريض من ابن الزبير وطردوا عامله، ونادوا بخليفة ثالث هو "عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر".
ولم يجد يزيد إزاء كل هذه الأحداث والانقسامات بدًا من الحرب، فأرسل جيشًا إلى المدينة فاستباحها ثلاثة أيام، أسرف خلالها في القتل والسلب والنهب، ثم اتجه بعد ذلك إلى مكة فحاصرها في أوائل سنة [ 64هـ= 683 م]، وكان ذلك أول حصار لمكة في تاريخ الإسلام.

إحراق الكعبة
كان عبد الله بن الزبير يظن أن حرمة مكة ستمنع قوات يزيد من اقتحامها وتخريبها كما فعلت في المدينة، ولكنه كان واهمًا فيما ذهب إليه، فقد صوب المهاجمون المجانيق نحو الكعبة، وضربوا بيت الله الحرام بعنف، حتى تهدمت الكعبة واحترقت في [3 من ربيع الأول 64 هـ= 30 من أكتوبر 683م].
واقتحم المهاجمون مكة ودار قتال شرس بين الفريقين، وفي تلك الأثناء جاء الخبر بوفاة يزيد، فكف المهاجمون أيديهم عن القتال، والتقط المدافعون أنفاسهم.
وأرسل الحصين بن نمير الكوفي قائد جيش يزيد إلى ابن الزبير يطلب وقف القتال، ويدعوه إلى الذهاب معه إلى الشام ليأخذ له البيعة من أهلها بعد أن بايع له أهل الحجاز (مكة والمدينة)، وأهل العراق (الكوفة والبصرة)، وأهل مصر، واليمن، وخراسان، ولم يبق إلا أهل الشام.
ولكن ابن الزبير رفض، وأراد أن يجعل مركز خلافته في الحجاز، فعاد الحصين بجيشه إلى الشام، وبذلك انتقلت الخلافة إلى "معاوية بن يزيد" الذي لم يتجاوز عمره الثمانية عشر عامًا، ولكنه كان مريضًا ضعيفًا، يغلب عليه الزهد في الدنيا والتفكر في الآخرة، فشعر أنه لا يستطيع القيام بأعباء الخلافة، فتنازل عنها، وما لبث أن تُوفِّي بعد ذلك بأيام قليلة.

مروان بالحكم
قفز "مروان بن الحكم بن العاص" إلى السلطة على إثر اجتماع تاريخي لكبار بني أمية وأعيانهم، عقد في "الجابية" في [3 من ذي القعدة 64 هـ= 22 من يونيو 684م] قرروا فيه البيعة لمروان بن الحكم، وكان شيخًا كبيرًا قد تجاوز الستين، يتمتع بقسط وافر من الحكمة والذكاء وسداد الرأي، وكان شجاعًا فصيحًا يجيد قراءة القرآن، ويروي كثيرًا من الحديث عن كبار الصحابة، وبخاصة "عمر بن الخطاب"، ويعد هو رأس "بني أمية" بالشام.
ووضع المجتمعون اتفاقًا تاريخيًا لتجنب أسباب الفتنة والشقاق، واشترطوا أن تكون ولاية الحكم لـ "خالد بن يزيد" من بعد "مروان"، ثم "عمرو بن سعيد بن العاص"
وكان مروان قد سطع نجمه في عهد ابن عمه الخليفة "عثمان بن عفان" الذي قربه إليه، وجعله مساعدًا ومشيرًا له، وكان كاتبه ومديره، فلما قُتل عثمان كان مروان أول من طالب بدمه، ثم بايع "عليا بن أبي طالب"، فلما حدثت واقعة الجمل اعتزل الحياة السياسية، فلما آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان ولاه على "المدينة"، وكان أقوى المرشحين لاعتلاء عرش "بني أمية" بعد وفاة معاوية بن يزيد (معاوية الثاني).
ومن العجيب أن مروان وأسرته كانوا قد قضوا حياتهم كلها في الحجاز، ولم ينتقلوا إلى الشام إلا في نهاية [ربيع الآخر 64 هـ= ديسمبر 683م]، أي قبيل البيعة لمروان بستة أشهر فقط‌‍‍‍!!

انتقال الخلافة إلى المروانيين
وقد بذل "مروان بن الحكم" جهدًا كبيرًا لتثبيت دعائم ملكه، وقاد حروبًا عديدة للقضاء على أعدائه ومنافسيه.
وكان في مقدمة أعدائه "الضحاك بن قيس الفهري" الذي قاد قبيلة قيس لمبايعة ابن الزبير، فسار إليه مروان بجيش كبير فقتله، وهزم جيشه في "مرج راهط" في [المحرم 65 هـ= أغسطس 684م] بعد معركة تاريخية حاسمة، دامت نحو عشرين يومًا، أسفرت عن استقرار الأمر لمروان، ومهدت الطريق أمامه لتحقيق حلمه الكبير ويصبح نظام الحكم الوراثي الذي وضع لبنته الأولى معاوية بن أبي سفيان من نصيب الفرع المرواني وحده من بني أمية، بعد أن كان في الفرع السفياني.

إعاده مصر للأمويين
اتسمت سياسة مروان بالحسم والشدة التي تصل إلى حد العنف خاصة مع معارضيه، وقد أولى "مروان" الأمصار الأخرى قدرًا كبيرًا من اهتمامه وعنايته، فخرج إلى مصر بنفسه على رأس جيش، ومعه ابنه عبد العزيز، واستطاع أن يهزم "عبد الله بن مجدم" الذي ولاه عبد الله بن الزبير عليها من قِبله، وأخذ البيعة لنفسه من الناس، وقتل من أصر منهم على بيعته لابن الزبير.
وعاد بعد ذلك إلى الشام تاركًا ابنه عبد العزيز في مصر بعد أن ولاه عليها، وأصبحت مصر منذ ذلك العهد خاضعة لنفوذ الأمويين.

نهاية أليمة
وأرسل مروان بعد عودته إلى الشام حملتين، أولاهما إلى الحجاز لقتال عبد الله بن الزبير الذي دعا لنفسه بالخلافة، وقد هُزمت تلك الحملة، أما الحملة الأخرى فسيرها للقضاء على الشيعة في الكوفة ولم تحقق شيئًا يذكر.
وقرر مروان أن يجعل الخلافة لابنه "عبد الملك" من بعده بدلا من خالد بن يزيد، كما نصت اتفاقية "الجابية" التاريخية، فتزوج أم خالد (أرملة يزيد)، وأصبح دائم التحقير من شأن خالد، يكثر من سبه ويعيّره بأمه، فلما أخبر خالد أمه بذلك نقمت على مروان الذي أسفر عن حقيقة نواياه باغتصاب الخلافة من ابنها، فتحينت الفرصة للانتقام منه، وفي إحدى الليالي، بينما كان مروان مستغرقًا في نومه، وضعت أم خالد وسادة على وجهه، فلم ترفعها حتى مات.
وقيل بأنها سقته لبنًا دست فيه السم، كما قيل بأنها أغرت به جواريها فخنقوه، فلما علم ابنه عبد الملك بذلك أراد قتلها، ولكن قومه نصحوه ألا يفعل حتى لا يُعيّر بأن أباه قتلته امرأة.

عهد قصير وإنجازات عظيمة
كانت وفاة مروان في [3 من رمضان 65 هـ= 24 من نوفمبر 683م]، عن عمر بلغ نحو خمسة وستين عامًا، وهو لم يكمل العام الأول من خلافته، وبرغم ذلك فقد استطاع أن يؤسس دولة قوية للأمويين –وآل مروان خاصة- في الشام، وتعد خلافته هي البداية الحقيقية للعهد الثاني من الحكم الأموي، وقد تميز عهده –على قصره- بالعديد من الإصلاحات والإنجازات العسكرية والسياسية والاقتصادية.
فمن الناحية العسكرية استطاع أن ينتزع مصر من قبضة ابن الزبير، كما استطاع أن يحقق انتصارًا عسكريًا وسياسيًا آخر بانتصاره على "الضحاك" في موقعة مرج راهط، وقتله مع كثير من أعوانه في معركة حاسمة أصبح مروان بعدها هو الخليفة بلا منازع، كذلك استطاع مروان أن ينقل الخلافة من البيت السفياني إلى البيت المرواني في عملية سياسية، ربما تعد أول انقلاب سلمي في التاريخ الإسلامي.
كما عُني مروان بالإصلاح الاقتصادي، وإليه يرجع الفضل في ضبط المكاييل والأوزان، وهو ما ضبط عملية البيع والشراء حتى لا يقع فيها الغبن أو الغش.

أهم مصادر الدراسة:
o البداية والنهاية: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي- تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي- دار هجر للطباعة والنشر- القاهرة- [1419هـ=1998م].
o تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي- د. حسين إبراهيم حسن- دار الجيل- بيروت، مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة [1416هـ= 1996م].
o التاريخ الإسلامي العام: د. علي إبراهيم حسن- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة- [1379هـ= 1959م].
o تاريخ الرسل والملوك: ابن جرير الطبري تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم دار المعارف بمصر- القاهرة.
o الدولة الأموية: محمد الخضري بك دار القلم- بيروت- [1406هـ= 1986م].
o عبد الملك بن مروان موحد الدولة العربية [أعلام العرب: 10]- د. ضياء الدين الريس- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة- القاهرة- [ 1382هـ= 1962م].
o الكامل في التاريخ: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ابن الأثير)- دار صادر- بيروت.
o المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي- دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا- مصطفى عبد القادر عطا- دار الكتب العلمية ـ بيروت.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:31

  عبد الرحمن الداخل

هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان

الملقب بصقر قريش

ويعرف بالداخل الأموي

مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وأحد عظماء العالم. ولد في دمشق، ونشأ يتيماً ( مات أبوه وهو صغير) فتربى في بيت الخلافة. ولما انقرض ملك الأمويين في الشام، وتعقب العباسيون رجالهم بالفتك والأسر، أفلت عبد الرحمن، وأقام في قرية على الفرات. فتتبعته الخيل، فأوى بعض الأدغال حتى أمن، فقصد المغرب، فبلغ إفريقية. فألح عاملها ( عبد الرحمن ابن حبيب الفهري) بطلبه، فانصرف إلى مكناسة وقد لحق به مولاه « بدر» بنفقة وجواهر كان قد طلبها من أخت له تدعى (أم الإصبع) ثم تحول إلى منازل نفزاوة وهم جيل من البربر، أمه منهم. فأقام مدة يكاتب من في الأندلس من الأمويين. وبعث إليهم بدراً مولاه، فأجابوه، وسيروا له مركباً فيه جماعة من كبرائهم، فأبلغوه طاعتهم له، وعادوا به إلى الأندلس فأرسي بهم مركبهم (سنة138هـ) في المنكب وانتقلوا إلى أشبيلية، ومنها إلى قرطبة، فقاتلهم والي الأندلس( يوسف بن عبد الرحمن الفهري) فظفر عبد الرحمن الأموي، ودخل قرطبة واستقر. وبنى فيها القصر وعدة مساجد. وجعل الخطبة للمنصور العباسي، فاطمأن إليه أهل الأندلس.

لما انتظم له الأمر، ووثق بقوته، قطع خطبة العباسيين وأعلن إمارته استقلالا. والمنصور العباسي أول من لقبه بصقر قريش. ولقب بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس من ملوك الأمويين. وكان حازما، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، لا يخلد إلى راحة، ولا يكل الأمور إلى غيره، ولا ينفرد برأيه، شجاعاً، مقداماً، شديد الحذر، سخيا، لسناً، شاعراً، عالماً، يقاس بالمنصور في حزمه وشدته وضبطه الملك. وبنى الرُصافة بقرطبة تشبهاً بجده هشام باني الرُصافة الشام. وتوفي بقرطبة ودفن في قصرها.





الحافظ ابن عساكر
في بيت كريم الأصل معروف بالفضل، متصل بالعلم ولد علي بن الحسن بن هبة الله، في (غرة المحرم من سنة 449 هـ = 13 من سبتمبر 1105م)، وكان أبوه تقيا ورعًا، محبًا للعلم ومجالسة العلماء ومصاحبتهم، وكانت أمه من بيت علم وفضل، فأبوها "أبو الفضل يحيى بن علي" كان قاضيا، وكذلك كان أخوها "أبو المعالي محمد بن يحيى" قاضيًا.
وقد رزق الوالدان الكريمان قبل ابنهما علي بولد كان له شأن هو أبو الحسين الصائن هبة الله بن الحسن، كان من حفاظ الحديث، رحل في طلبه إلى بغداد، وعُني بعلوم القرآن واللغة والنحو، وجلس للتدريس والإفتاء.

تنشئته وتعليمه
في مثل هذا الجو المعبّق بنسمات العلم نشأ ابن عساكر ودرج، وكانت أسرته الصغيرة هي أول من تولى تعليمه وتهذيبه، وأحاطته بعنايتها، فسمع الحديث من أبيه وأخيه وهو في السادسة، ثم تتلمذ على عدد ضخم من شيوخ دمشق وعلمائها، وكانت آنذاك من حواضر العلم الكبرى في العالم الإسلامي، وتلقى على أيديهم عددا كبيرا من أمهات الكتب في الحديث والتاريخ.
قرأ على أبي الفرج غيث بن علي الصوري تاريخ صور، وجزءا من كتاب تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي، وقرأ على عبد الكريم بن حمزة السليم كتاب الإكمال لابن ماكولا، ومشتبه النسبة لعبد الغني بن سعدي، وقرأ على شيخه أبي القاسم النبيه كتاب المجالس وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري، وتلخيص المتشابه للخطيب البغدادي، وقرأ على أبي محمد بن الأكفاني كتاب المغازي لموسى بن عقبة، وكتاب المغازي لمحمد بن عائذ الدمشقي، وأخبار الخلفاء لابن أبي الدنيا، وغيرها.
ولم ينشغل ابن عساكر في فترة حياته الباكرة إلا بطلب العلم فانصرفت همته إليه، وانشغلت نفسه به، ولم يصرفه عنه صارف، ولم يترك عالما ذا شأن في دمشق إلا اتصل به وقرأ عليه، ولم تسنح له فرصة من وقت إلا شغلها بالقراءة والدرس، حيث كان في سباق مع الزمن حتى يحصل ما تصبو إليه نفسه من العلوم والفنون.

الرحلة في طلب الحديث
بدأ ابن عساكر رحلاته سنة (520 هـ = 1126م) إلى بغداد، ثم اتجه منها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وزيارة النبي (صل الله عليه وسلم)، ولم تطل إقامته في المدينتين المقدستين حيث كر راجعًا إلى بغداد؛ لمتابعة دروسه في المدرسة النظامية ببغداد.
وفي فترة إقامته التي استغرقت خمس سنوات قابل في أثنائها عددًا كبيرًا من أئمة العلم، وقرأ عليهم عشرات الكتب العظيمة ذات المجلدات الضخمة، فاتصل بأبي غالب بن البنا، وقرأ عليه كتاب نسب قريش للزبير بن بكار، وكتاب التاريخ لابن أبي خيثمة، وبعضا من كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، وقرأ على أبي القاسم بن الحصين مسند أحمد والغيلانيات، ودرس على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الطبقات الكبرى لابن سعد، والمغازي للواقدي، ولزم أبا القاسم بن السمرقندي وسمع منه كتبًا كثيرة، منها: سيرة ابن إسحاق، وكتاب الفتوح لسيف بن عمر، وتاريخ الخلفاء لابن ماجه، ومعجم الصحابة لأبي القاسم البغوي، والمعرفة والتاريخ للنسوي، والكامل في الضعفاء لابن عدي.
عاد الحافظ ابن عساكر إلى دمشق سنة (525 هـ = 1130م)، واستقر بها فترة عاود بعدها رحلته مرة أخرى سنة (529 هـ = 1134م) إلى إيران وخراسان وأصبهان وهمذان وأبيورد وبيهق والري ونيسابور وسرخس وطوس  ومرو، سمع في أثنائها عددًا كبيرًا من الكتب على كبار الحفاظ والمحدثين في بلاد المشرق، مثل: سعيد بن أبي الرحاء، وزاهر بن طاهر الشحامي، ثم عاد إلى دمشق سنة (533 هـ = 1138) وقد طبقت شهرته الآفاق، وقصده طلاب العلم من كل مكان، وانصرف إلى التأليف والتصنيف.

تاريخ دمشق
شغل أبو عساكر نفسه بالعلم مذاكرة وتحصيلا، وجعله هدفا لا يصرفه عنه شيء، ولم يجعله وسيلة لتولي منصب أو طمعًا في  مال أو جاه، أعطاه نفسه ولم يبخل عليه بجهد، فكافأه الله سعة في التأليف، وصيتًا لا يزال صداه يتردد حتى الآن، ومكانة في العلم تبوأها في المقدمة بين رجالات العلم في تاريخ الإسلام.
وخلال التدريس وضع ابن عساكر مؤلفات كثيرة، لكن مؤلفًا منها قد ملك عليه فؤاده، وانصرفت إليه همته الماضية منذ أن اتجه إلى طلب العلم، فبدأ يضع مخططًا لكتابه الكبير "تاريخ دمشق"، يضاهي به عمل الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" الذي صار نموذجًا للتأليف في تاريخ المدن، يحتذيه المؤلفون في المنهج والتنظيم.
استغرق التفكير والتأليف في تاريخ دمشق وقتا طويلا من حياة مؤلفه، وصاحبه منذ فترة مبكرة من حياته، فكرة في الذهن، ثم مخططًا على الورق، وشروعًا في التنفيذ، فهو لم يؤلفه في صباه وشبابه ولم ينجزه في كهولته، وإنما شغل حياته كلها، ولم يفرغ منه إلا بعد أن وهن جسده وكلّ بصره.
وكان العمل ضخمًا يحتاج إنجازه إلى أعمار كثيرة، وكاد المؤلف ينصرف عن إنجازه وإتمامه، لولا أن خبر هذا الكتاب تناهى إلى أسماع "نور الدين محمود" حاكم دمشق وحلب؛ فبعث إلى الحافظ ابن عساكر يشحذ همته ويقوي من عزيمته، فعاد إلى الكتاب وأتمه سنة (559 هـ = 1163م)، ثم قام ولده القاسم بتنقيحه وترتيبه في صورته النهائية تحت بصر أبيه وعنايته، حتى إذا فرغ منه سنة (565 هـ = 1169م) قرأه على أبيه قراءة أخيرة، فكان يضيف شيئا، أو يستدرك أمرًا فاته، أو يصوب خلطًا، أو يحذف ما يراه غير مناسب أو يقدم موضعًا أو يؤخر مسألة.

موضوع الكتاب ومنهجه
جاء الكتاب في النهاية في ثمانين مجلدة، تبلغ حوالي ستة عشر ألف صفحة مخطوطة، خصص المؤلف القسم الأول من كتابه لذكر فضائل دمشق، ودراسة خططها ومساجدها وحماماتها وأبنيتها وكنائسها، وكان هذا كالمقدمة لكتابه الكبير، ثم أخذ في الترجمة لكل من نبغ من أبنائها أو سكن فيها، أو دخلها واجتازها من غير أبنائها من الخلفاء والعلماء والقضاة والقراء والنحاة والشعراء.
وقد تتسع حلقة دمشق في منهج ابن عساكر لتشمل الشام أحيانًا فيترجم لمن كان في صيدا أو حلب أو بعلبك أو الرقة أو الرملة، وكما اتسعت لديه دائرة نطاق المكان اتسعت دائرة الزمان، فامتدت من زمن أقدم الأنبياء والمرسلين إلى عصر المصنف.
ومنهجه في الكتاب هو منهج المحدثين، فقد اعتمد في الرواية على السند مهما طال أو تعدد، فلا يذكر خبرًا إلا ويسبقه إسناده، وقد يكرر الخبر الواحد ما دامت هناك فائدة من زيادة أو توضيح. واتبع في التراجم التنظيم الألفبائي المعروف، مراعيًا في ذلك أسماء الآباء بعد أسماء المترجمين، لكنه بدأ التراجم بمن اسمه "أحمد"؛ تيمنًا باسم رسول الله (صل الله عليه وسلم)، وبعد أن فرغ من التراجم المرتبة أسماؤها ترتيب المعجم، أورد من عُرف من الرجال بكنيته فقط، مراعيًا في ذلك الترتيب الألفبائي أيضا، ثم أعقب ذلك بالمجاهيل ممن عُرفت لهم رواية ولم يعرف لهم اسم، ثم ختم الكتاب بتراجم النساء، ملتزمًا المنهج نفسه في الترتيب والتنظيم، وقد خصهن بمجلد مستقل، اتسع لمائة وست وتسعين ترجمة من شهيرات النساء في العلم والأدب والغناء.

موارد ابن عساكر
اعتمد ابن عساكر في جمع مادة كتابه الضخمة على ثلاثة أنواع من المصادر: السماع من شيوخه وهم يعدون بالمئات روى عنهم وقرأ عليهم، ثم المكاتبة والمراسلة معهم، ثم الاعتماد على مؤلفات السابقين، ويحتاج إحصاء هذه الموارد التي نهل منها ابن عساكر إلى جهد جهيد، نظرًا لضخامة الكتاب، وحسبك أن تعلم أن المجلدة الأولى من الكتاب، أخذت مواردها عن مائة وستة وخمسين شيخًا بالسماع، وعن ستة عشر شيخًا بالمكاتبة، وأربعة عشر كتابًا من بينها كتب البلاذري والواقدي والبخاري والجشهياري.
ولعل من أهم ما صنعه ابن عساكر أنه حفظ لنا بكتابه المؤلفات والمصادر المتفرقة التي كتبها الدماشقة وغيرهم حول تاريخ دمشق في القرون السابقة ثم أتى عليها الضياع، كما رسم صورة لبلاد الشام وحركة السياسة بها، وازدهار الحضارة العربية، والنشاط الثقافي الذي كانت تموج به دمشق منذ أن فتحها المسلمون.
وقد لقي الكتاب عناية واهتمامًا بدءا من جهود القاسم ابن المؤلف، الذي ذيله وانتخب منه، ثم قام عدد من العلماء باختصار الكتاب، مثل ابن منظور المتوفى سنة (711 هـ = 1311هـ) الذي صنع مختصرًا لتاريخ دمشق، وعلى الرغم من كونه اختصارًا فقد جاء في 29 مجلدًا حين طُبع أخيرا محققًا في دمشق، وفي العصر الحديث قام "عبد القادر بدران" المتوفى سنة (1346 هـ = 1927م) بعمل تهذيب للكتاب، لكنه لم يكمله.  

المؤلفات الأخرى لابن عساكر
ولابن عساكر مؤلفات أخرى كثيرة غير تاريخ دمشق، ومن ذلك:
q       تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى أبي الحسن الأشعري، والكتاب مطبوع.
q       الأربعون البلدانية، وقد طبع بتحقيق محمد مطيع الحافظ في دمشق.
q       الأربعون في مناقب أمهات المؤمنين، وقد طبع محققًا بعناية محمد مطيع الحافظ في دمشق.
q       الإشراف على معرفة الأطراف، والكتاب لا يزال مخطوطًا.
q       ترتيب الصحابة في مسند أحمد، والكتاب مخطوط لم يطبع بعد.

وله عدة مجالس مخطوطة في ذم من لا يعمل بعلمه، وفي التوبة، وذم قرناء السوء، وفي سعة رحمة الله، وفي فضل سعد بن أبي وقاص، وفضل عبد الله بن مسعود ، وقد طبع مجلسان من هذه المجالس بتحقيق محمد مطيع الحافظ. وهذه المجالس أشبه بالرسائل  الصغيرة.

أسرة ابن عساكر
كان بيت الحافظ ابن عساكر معمورًا بالعلم، فامتد إلى كل فرد من أفراده، واستطاع الإمام الحافظ بأخلاقه الكريمة وسماحه نفسه أن تقتدي به أسرته، وتسير على منواله، فابنه القاسم كان حافظًا من حفاظ الحديث، أتم عمل أبيه ونقّحه وقرأه عليه، وزوجة الإمام وأم أبنائه "عائشة بنت علي بن الخضر" كان لها شغف بالحديث، فكان الزوج الكريم يحضر لها محدثات يسمعنها الحديث، ثم يسمع منها أبناؤها ويتلقون عنها كما يتلقون عن أبيهم، وشاء الله أن تتوفى هذه السيدة الكريمة قبل زوجها في سنة (564 هـ = 1168م) فتركت في نفسه أسى وحسرة.
وظل الإمام محل تقدير الناس والولاة، فكان يحضر مجالسه نور الدين محمود سلطان دمشق الذي قربه وبنى له "دار السنة" وكان "صلاح الدين الأيوبي" يجله ويحضر مجالس تدريسه، ومكث الإمام ابن عساكر يؤدي رسالته حتى لبّى نداء ربه في (11 من رجب 571 هـ = 26 من يناير 1776م).

من مصادر الدراسة:
q       ابن خلكان: وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس – دار صادر بيروت – 1972م.
q       الذهبي: سير أعلام النبلاء – مؤسسة الرسالة – بيروت – (1412 هـ = 1992م).
q       عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى – تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو – دار هجر – القاهرة – (1413 هـ = 1992م).
q       شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون – دار العلم للملايين – بيروت – 1983م.
q       ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق (تراجم النساء) تحقيق سكينة الشهابي – دمشق – 1982م.








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:52


صلاح الدين الأيوبي

عرف في كتب التاريخ في الشرق والغرب بأنه فارس نبيل وبطل شجاع وقائد من أفضل من عرفتهم البشرية وشهد بأخلاقه أعداؤه من الصليبيين قبل أصدقائه وكاتبوا سيرته، إنه نموذج فذ لشخصية عملاقة من صنع الإسلام، إنه البطل صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين وبطل معركة حطين.

فإلى سيرته ومواقف من حياته كما يرويها صاحب وفيات الأعيان أحمد بن خلكان، والقاضي بهاء الدين بن شداد صاحب كتاب "سيرة صلاح الدين" وبن الأثير في كتابه "الكامل".
نسبه ونشأته

هو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر صلاح الدين.

اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من (دوين) وهي بلدة في آخر أذربيجان وأنهم أكراد روادية، والروادية بطن من الهذبانية، وهي قبيلة كبيرة من الأكراد.

يقول أحمد بن خلكان: قال لي رجل فقيه عارف بما يقول وهو من أهل دوين إن على باب دوين قرية يقال لها (أجدانقان) وجميع أهلها أكراد روادية وكان شاذي ـ جد صلاح الدين ـ قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد.

ولد صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، ولكنهم خرجوا من تكريت في بقية سنة 532هـ التي ولد فيها صلاح الدين أو في سنة ثلاث وثلاثين لأنهما أقاما عند عماد الدين زنكي بالموصل ثم لما حاصر دمشق وبعدها بعلبك وأخذها رتب فيها نجم الدين أيوب وذلك في أوائل سنة أربع وثلاثين.

يقول بن خلكان: أخبرني بعض أهل بيتهم وقد سألته هل تعرف متى خرجوا من تكريت فقال سمعت جماعة من أهلنا يقولون إنهم أخرجوا منها في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتشاءموا به وتطيروا منه فقال بعضهم لعل فيه الخيرة وما تعلمون فكان كما قال والله أعلم.

ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.

صلاح الدين في مصر

هرب الوزير الفاطمي شاور من مصر من الوزير ضرغام بن عامر بن سوار الملقب فارس المسلمين اللخمي المنذري لما استولى على الدولة المصرية وقهره وأخذ مكانه في الوزارة كعادتهم في ذلك وقتل ولده الأكبر طي بن شاور فتوجه شاور إلى الشام مستغيثا بالملك العادل نور الدين بن زنكي وذلك في شهر رمضان 558هـ ودخل دمشق في الثالث والعشرين من ذي القعدة من السنة نفسها فوجه نور الدين معه الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين في جملتهم في خدمة عمه وهو كاره للسفر معهم وكان لنور الدين في إرسال هذا الجيش هدفان:

أحدهما: قضاء حق شاور لكونه قصده ودخل عليه مستصرخا.

والثاني: أنه أراد استعلام أحوال مصر فإنه كان يبلغه أنها ضعيفة من جهة الجند وأحوالها في غاية الاختلال فقصد الكشف عن حقيقة ذلك.

وكان كثير الاعتماد على شيركوه لشجاعته ومعرفته وأمانته فانتدبه لذلك وجعل أسد الدين شيركوه ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق في جمادى الأولى سنة 559هـ فدخلوا مصر واستولوا على الأمر في رجب من السنة نفسها.

ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصودة وعاد إلى منصبه وتمهدت قواعده واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالإفرنج عليه فحاصروه في بلبيس، وكان أسد الدين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها وأنها مملكة بغير رجال تمشي الأمور فيها بمجرد الإيهام والمحال فطمع فيها وعاد إلى الشام، وأقام أسد الدين بالشام مدة مفكرا في تدبير عودته إلى مصر محدثا نفسه بالملك لها مقررا قواعد ذلك مع نور الدين إلى سنة 562هـ

وبلغ نور الدين وأسد الدين مكاتبة الوزير الخائن شاور للفرنج وما تقرر بينهم فخافا على مصر أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد فتجهز أسد الدين وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين، وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنا لوصول الإفرنج إليها واتفق شاور والمصريون بأسرهم والإفرنج على أسد الدين وجرت حروب كثيرة.

وتوجه صلاح الدين إلى الإسكندرية فاحتمى بها وحاصره الوزير شاور في جمادى الآخرة من سنة 562هـ ثم عاد أسد الدين من جهة الصعيد إلى بلبيس وتم الصلح بينه وبين المصريين وسيروا له صلاح الدين فساروا إلى الشام.

ثم إن أسد الدين عاد إلى مصر مرة ثالثة وكان سبب ذلك أن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون مصر ناكثين العهود مع المصريين وأسد الدين طمعا في البلاد فلما بلغ ذلك أسد الدين ونور الدين لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصر أما نور الدين فبالمال والرجال ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الإفرنج، وأما أسد الدين فبنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله

يقول بن شداد: لقد قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت مع عمي باختياري وهذا معنى قوله تعالى {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (البقرة:216)

وكان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سير إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 564هـ ولما علم الإفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان وكان وعدهم بمال في مقابل ما خسروه من النفقة فلم يوصل إليهم شيئا وعلم أسد الدين أن شاور يلعب به تارة وبالإفرنج أخرى،وتحقق أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه، فقتله وأصبح أسد الدين وزيرا وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة 564هـ ودام آمرا وناهيا و صلاح الدين يباشر الأمور مقرراً لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة نفسها فمات أسد الدين.

وذكر المؤرخون أن أسد الدين لما مات استقرت الأمور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فبذل الأموال وملك قلوب الرجال وهانت عنده الدنيا فملكها وشكر نعمة الله تعالى عليه، وأعرض عن أسباب اللهو وتقمص بقميص الجد والاجتهاد، استعدادا لمواجهات مستمرة مع الصليبيين من جهة ومع خزعبلات الدولة الفاطمية من جهة أخرى.

هجوم الإفرنج على مصر

ولما علم الإفرنج استقرار الأمر بمصر لصلاح الدين علموا أنه يملك بلادهم ويخرب ديارهم ويقلع آثارهم لما حدث له من القوة والملك واجتمع الإفرنج والروم جميعا وقصدوا الديار المصرية فقصدوا دمياط ومعهم آلات الحصار وما يحتاجون إليه من العدد، ولما رأى نور الدين ظهور الإفرنج ونزولهم على دمياط قصد شغلهم عنها فنزل على الكرك محاصرا لها، فقصده فرنج الساحل فرحل عنها وقصد لقاءهم فلم يقفوا له.

ولما بلغ صلاح الدين قصد الإفرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرجال وجمع الآلات إليها ووعدهم بالإمداد بالرجال إن نزلوا عليهم وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكما لا يرد أمره في شيء ثم نزل الإفرنج عليها واشتد زحفهم وقتالهم عليها وهو يشن عليهم الغارات من خارج والعسكر يقاتلهم من داخل ونصر الله تعالى المسلمين به وبحسن تدبيره فرحلوا عنها خائبين فأحرقت مناجيقهم ونهبت آلاتهم وقتل من رجالهم عدد كبير.

تأسيس الدولة الأيوبية

واستقرت الأمور لصلاح الدين ونقل أسرته ووالده نجم الدين أيوب إليها ليتم له السرور وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق عليه السلام، ولم يزل صلاح الدين وزيرا حتى مات العاضد آخر الخلفاء الفاطميين 565هـ وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت دولة بني أيوب (الدولة الأيوبية).

ولقب صلاح الدين بالملك الناصر وعاد إلى دار أسد الدين فأقام بها، وثبت قدم صلاح الدين ورسخ ملكه.

وأرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أن يرسل إليه إخوته فلم يجبه إلى ذلك وقال أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد، ثم إن الإفرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر فسير نور الدين العساكر وفيهم إخوة صلاح الدين منهم شمس الدولة توران شاه بن أيوب، وهو أكبر من صلاح الدين.

و ذكر ابن الأثير ما حدث من الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنا فقال: وفي سنة 567هـ حدث ما أوجب نفرة نور الدين عن صلاح الدين وكان الحادث أن نور الدين أرسل إلى صلاح الدين يأمره بجمع العساكر المصرية والمسير بها إلى بلد الإفرنج والنزول على الكرك ومحاصرته ليجمع هو أيضا عساكره ويسير إليه ويجتمعا هناك على حرب الإفرنج والاستيلاء على بلادهم فبرز صلاح الدين من القاهرة في العشرين من المحرم وكتب إلى نور الدين يعرفه أن رحيله لا يتأخر وكان نور الدين قد جمع عساكره وتجهز وأقام ينتظر ورود الخبر من صلاح الدين برحيله ليرحل هو فلما أتاه الخبر بذلك رحل من دمشق عازما على قصد الكرك فوصل إليه وأقام ينتظر وصول صلاح الدين إليه فأرسل كتابه يعتذر فيه عن الوصول باختلال البلاد المصرية لأمور بلغته عن بعض شيعة العلويين وأنهم عازمون على الوثوب بها وأنه يخاف عليها مع البعد عنها فعاد إليها فلم يقبل نور الدين عذره، وكان سبب تقاعده أن أصحابه وخواصه خوفوه من الاجتماع بنور الدين فحيث لم يمتثل أمر نور الدين شق ذلك عليه وعظم عنده وعزم على الدخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها.

ووصل الخبر إلى صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين أيوب وخاله شهاب الدين الحارمي ومعهم سائر الأمراء وأعلمهم ما بلغه عن عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء فقام تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين وقال إذا جاء قاتلناه وصددناه عن البلاد ووافقه غيره من أهله فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه وكان ذا رأي ومكر وعقل وقال لتقي الدين اقعد وسبه وقال لصلاح الدين أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك أتظن أن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا فقال لا فقال والله لو رأيت أنا وهذا خالك شهاب الدين نور الدين لم يمكنا إلا أن نترجل له ونقبل الأرض بين يديه ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه ولا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه وهذه البلاد له وقد أقامك فيها وإن أراد عزلك فأي حاجة له إلى المجيء يأمرك بكتاب مع نجاب حتى تقصد خدمته ويولي بلاده من يريد وقال للجماعة كلهم قوموا عنا ونحن مماليك نور الدين وعبيده يفعل بنا ما يريد فتفرقوا على هذا وكتب أكثرهم إلى نور الدين بالخبر.

ولما خلا أيوب بابنه صلاح الدين قال له أنت جاهل قليل المعرفة تجمع هذا الجمع الكثير وتطلعهم على ما في نفسك فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه عن البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد ولو قصدك لم تر معك أحدا من هذا العسكر وكانوا أسلموك إليه وأما الآن بعد هذا المجلس فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي وتكتب أنت إليه وترسل في المعنى وتقول أي حاجة إلى قصدي يجبي نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واستعمل ما هو أهم عنده والأيام تندرج والله في كل وقت في شأن والله لو أراد نور الدين قصبة من قصب سكرنا لقاتلته أنا عليها حتى أمنعه أو أقتل ففعل صلاح الدين ما أشار به والده فلما رأى نور الدين الأمر هكذا عدل عن قصده وكان الأمر كما قال نجم الدين أيوب وتوفي نور الدين ولم يقصده وهذا كان من أحسن الآراء وأجودها.

توسع الدولة الأيوبية

قال ابن شداد: لم يزل صلاح الدين على قدم بسط العدل ونشر الإحسان وإفاضة الإنعام على الناس إلى سنة 568هـ فعند ذلك خرج بالعسكر يريد بلاد الكرك والشوبك وإنما بدأ بها لأنها كانت أقرب إليه وكانت في الطريق تمنع من يقصد الديار المصرية وكان لا يمكن أن تعبر قافلة حتى يخرج هو بنفسه يعبرها فأراد توسيع الطريق وتسهيلها فحاصرها في هذه السنة وجرى بينه وبين الإفرنج وقعات وعاد ولم يظفر منها بشيء ولما عاد بلغه خبر وفاة والده نجم الدين أيوب قبل وصوله إليه.

ولما كانت سنة 569هـ رأى قوة عسكره وكثرة عدده وكان بلغه أن باليمن إنسانا استولى عليها وملك حصونها يسمى عبد النبي بن مهدي فسير أخاه توران شاه فقتله وأخذ البلاد منه وبلغ صلاح الدين أن إنسانا يقال له الكنز جمع بأسوان خلقا عظيما من السودان وزعم أنه يعيد الدولة المصرية وكان أهل مصر يؤثرون عودهم فانضافوا إلى الكنز، فجهز صلاح الدين إليه جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل وساروا فالتقوا وهزموهم وذلك في السابع من صفر سنة 570هـ.

وكان نور الدين رحمه الله قد خلف ولده الملك الصالح إسماعيل وكان بدمشق عند وفاة أبيه ثم إن صلاح الدين بعد وفاة نور الدين علم أن ولده الملك الصالح صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك واختلفت الأحوال بالشام وكاتب شمس الدين ابن المقدم صلاح الدين فتجهز من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرا أنه يتولى مصالح الملك الصالح فدخلها في سنة 570هـ وتسلم قلعتها وكان أول دخوله دار أبيه، وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي، واجتمع الناس إليه وفرحوا به وأنفق في ذلك اليوم مالا جليلا وأظهر السرور بالدمشقيين وصعد القلعة وسار إلى حلب فنازل حمص وأخذ مدينتها في جمادى الأولى من السنة نفسها ولم يشتغل بقلعتها وتوجه إلى حلب ونازلها في يوم الجمعة آخر جمادى الأولى من السنة وهي المعركة الأولى.

ولما أحس سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل بما جرى علم أن صلاح الدين قد استفحل أمره وعظم شأنه وخاف إن غفل عنه استحوذ على البلاد واستقرت قدمه في الملك وتعدى الأمر إليه فأنفذ عسكرا وافرا وجيشا عظيما وقدم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد فلما بلغ صلاح الدين ذلك رحل عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدا إلى حماة ورجع إلى حمص فأخذ قلعتها ووصل عز الدين مسعود إلى حلب وأخذ معه عسكر ابن عمه الملك الصالح بن نور الدين صاحب حلب يومئذ وخرجوا في جمع عظيم فلما عرف صلاح الدين بمسيرهم سار حتى وافاهم على قرون حماة وراسلهم وراسلوه واجتهد أن يصالحوه فما صالحوه ورأوا أن ضرب المصاف معه ربما نالوا به غرضهم والقضاء يجر إلى أمور وهم بها لا يشعرون فتلاقوا فقضى الله تعالى أن هزموا بين يديه وأسر جماعة منهم فمن عليهم وذلك في تاسع شهر رمضان من سنة570 هـ عند قرون حماة ثم سار عقيب هزيمتهم ونزل على حلب وهي الدفعة الثانية فصالحوه على أخذ المعرة وكفر طاب وبارين ولما جرت هذه المعركة كان سيف الدين غازي يحاصر أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار وعزم على أخذها منه لأنه كان قد انتمى إلى صلاح الدين وكان قد قارب أخذها فلما بلغه الخبر وأن عسكره انكسر خاف أن يبلغ أخاه عماد الدين الخبر فيشتد أمره ويقوى جأشه فراسله وصالحه ثم سار من وقته إلى نصيبين واهتم بجمع العساكر والإنفاق فيها وسار إلى البيرة وعبر الفرات وخيم على الجانب الشامي وراسل ابن عمه الصالح بن نور الدين صاحب حلب حتى تستقر له قاعدة يصل عليها ثم إنه وصل إلى حلب وخرج الملك الصالح إلى لقائه أقام على حلب مدة.

المواجهة مع الإفرنجة

في سنة 572هـ اسقرت الأمور بمصر والشام للدولة الأيوبية، وكان أخو صلاح الدين شمس الدولة توران شاه قد وصل إليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تأهب للغزاة من الإفرنجة، فخرج يطلب الساحل حتى وافى الإفرنج على الرملة وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة 573هـ وكانت الهزيمة على المسلمين في ذلك اليوم، فلما انهزموا لم يكن لهم حصن قريب يأوون إليه فطلبوا جهة الديار المصرية وضلوا في الطريق وتبددوا وأسر منهم جماعة منهم الفقيه عيسى الهكاري وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله تعالى بمعركة حطين المشهورة.

أقام صلاح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث أصحابه من أثر هزيمة الرملة ثم بلغه تخبط الشام فعزم على العود إليه واهتم بالغزاة فوصله رسول "قليج أرسلان" صاحب الروم يلتمس الصلح ويتضرر من الأرمن فعزم على قصد بلاد ابن لاون ـ وهي بلاد سيس الفاصلة بين حلب والروم من جهة الساحل ـ لينصر قليج أرسلان عليه فتوجه إليه واستدعى عسكر حلب لأنه كان في الصلح أنه متى استدعاه حضر إليه ودخل بلد ابن لاون وأخذ في طريقه حصنا و أخربه ورغبوا إليه في الصلح فصالحهم ورجع عنهم ثم سأله قليج أرسلان في صلح الشرقيين بأسرهم فأجاب إلى ذلك وحلف صلاح الدين في عاشر جمادى الأولى سنة ست وسبعين وخمسمائة ودخل في الصلح قليج أرسلان والمواصلة وعاد بعد تمام الصلح إلى دمشق ثم منها إلى مصر.

معركة حطين

كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الآخر سنة 583هـ في وسط نهار الجمعة وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة عند الصلاة تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الإسلامية وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة وكان قد بلغه عن العدو أنه اجتمع في عدة كثيرة بمرج صفورية بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش الإسلامية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين عليه إذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم الأربعاء 21ربيع الآخر فلما رآهم لا يتحركون نزل على طبرية وهاجمها وأخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها فبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدو على سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الآخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف إلى بكرة يوم الجمعة فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد الأمر وذلك بأرض قرية تعرف بلوبيا وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون وقد أيقنوا بالويل والثبور وأحست نفوسهم أنهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يصطدم ولم يبق إلا الظفر ووقع الوبال على من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه إلى صبيحة يوم السبت فطلب كل من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون أن من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو وأنهم لا ينجيهم إلا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد فألقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا عليه نصر المؤمنين ولما أحس القوم بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر وقصد جهة صور وتبعه جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره وأحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب وأطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كأس الحمام وانهزمت طائفة منهم فتبعها أبطال المسلمين فلم ينج منها أحد واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين وهي قرية عندها قبر النبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم الأمر حتى كانوا يستسلمون للأمر خوفا من القتل لما مر بهم فأسر مقدموهم وقتل الباقون.

وكان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الأسبتار.

قال ابن شداد: ولقد حكي لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما وقع عليهم من الخذلان.

وأما أرناط فان صلاح الدين كان قد نذر أنه إن ظفر به قتله وذلك لأنه كان قد عبر به عند الشوبك قوم من مصر في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي (صل الله عليه وسلم) وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على أن يهدر دمه.

من مواقف صلاح الدين

لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الأسارى وسار الناس يتقربون إليه بمن في أيديهم منهم وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه واستحضر الملك جفري وأخاه و أرناط وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على أشد حال من العطش ثم ناولها لأرناط وقال السلطان للترجمان قل للملك أنت الذي سقيته وإلا أنا فما سقيته وكان من جميل عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير إذا أكل أو شرب من مال من أسره أمن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عينه لهم فمضوا بهم إليه فأكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم وأقعد الملك في دهليز الخيمة.

وأحضر صلاح الدين أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الإسلام فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر وأخرجت جثته ورميت على باب الخيمة،فلما رآه الملك على تلك الحال لم يشك في أنه يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه وقال له لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك وأما هذا فإنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور ترتفع أصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم نزل السلطان على طبرية يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار وأقام عليها إلى يوم الثلاثاء.

تحرير عكا وما حولها

ورحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الأولى سنة 583هـ فأخذها واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين وكانوا أكثر من أربعة آلاف نفس واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع لأنها كانت مظنة التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وكان ذلك لخلوها من الرجال لأن القتل والأسر أفنى كثيرا منهم ولما استقرت قواعد عكا وقسم أموالها وأساراها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى وهي قلعة منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الأحد ثامن عشرة عنوة وأسر من بقي فيها بعد القتل ثم رحل عنها إلى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله عليها وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الأولى وأقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى أتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف والقتال حتى أخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم أصحابه جبيل وهو على بيروت، ولما فرغ من هذا الجانب رأى أن قصده عسقلان أولى لأنها أيسر من صور فأتى عسقلان ونزل عليها يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة من السنة وتسلم في طريقه إليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم وأقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الآخرة من السنة وأقام عليها إلى أن تسلم أصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان وأخذ الإفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 548هـ.

تحرير القدس

قال ابن شداد: لما تسلم صلاح الدين عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل فسار نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه منتهزا الفرصة في فتح باب الخير الذي حث على انتهازه بقوله من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لا يعلم متى يغلق دونه وكان نزوله عليه في يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة 583هـ وكان نزوله بالجانب الغربي وكان معه من كان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة وحزر أهل الخبرة ممن كان معه من كان فيه من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المناجيق وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم ولما رأى أعداء الله الصليبيون ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم وظهرت لهم إمارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم وكان قد اشتد روعهم لما جرى على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التخريب والهدم وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولئك إليه فاستكانوا وأخلدوا إلى طلب الأمان واستقرت الأمور بالمراسلة من الطائفتين وكان تسلمه في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب وليلته كانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف يسر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم وهذه علامة قبول هذه الطاعة من الله تعالى وكان فتحه عظيما شهده من أهل العلم خلق ومن أرباب الخرق والزهد عالم وذلك أن الناس لما بلغهم ما يسره الله تعالى على يده من فتوح الساحل وقصده القدس قصده العلماء من مصر والشام بحيث لم يتخلف أحد منهم وارتفعت الأصوات بالضجيج بالدعاء والتهليل والتكبير وصليت فيه الجمعة يوم فتحه وخطب القاضي محيي الدين محمد بن علي المعروف بابن الزكي.

وقد كتب عماد الدين الأصبهاني رسالة في فتح القدس،وجمع كتابا سماه الفتح القسي في الفتح القدسي وهو في مجلدين ذكر فيه جميع ما جرى في هذه الواقعة.

وكان قد حضر الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي الشاعر المشهور هذا الفتح فأنشد السلطان صلاح الدين قصيدته التي أولها:

هذا الذي كانت الآمال تنتظر*****فليوف لله أقوام بما نذروا

وهي طويلة تزيد على مائة بيت يمدحه ويهنيه بالفتح.

يقول بهاء الدين بن شداد في السيرة الصلاحية: نكس الصليب الذي كان على قبة الصخرة وكان شكلا عظيما ونصر الله الإسلام على يده نصرا عزيزا ، وكان الإفرنج قد استولوا على القدس سنة 492هـ ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه منهم صلاح الدين، وكانت قاعدة الصلح أنهم قطعوا على أنفسهم عن كل رجل عشرين دينارا وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية وعن كل صغير ذكر أو أنثى دينارا واحدا فمن أحضر قطيعته نجا بنفسه وإلا أخذ أسيرا وأفرج عمن كان بالقدس من أسرى المسلمين وكانوا خلقا عظيما وأقام به يجمع الأموال ويفرقها على الأمراء والرجال ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزهاد والوافدين عليه وتقدم بإيصال من قام بقطيعته إلى مأمنه وهي مدينة صور ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من سنة 583هـ

حصار صور

يقول بن شداد: لما فتح صلاح الدين القدس حسن عنده قصد صور وعلم أنه إن أخر أمرها ربما عسر عليه فسار نحوها حتى أتى عكا فنزل عليها ونظر في أمورها ثم رحل عنها متوجها إلى صور في يوم الجمعة خامس شهر رمضان من السنة(583) فنزل قريبا منها وسير لإحضار آلات القتال ولما تكاملت عنده نزل عليها في ثاني عشر الشهر المذكور وقاتلها وضايقها قتالا عظيما واستدعى أسطول مصر فكان يقاتلها في البر والبحر ثم سير من حاصر هونين فسلمت في الثالث والعشرين من شوال من السنة، ثم خرج أسطول صور في الليل فهاجم أسطول المسلمين وأخذوا المقدم والريس وخمس قطع للمسلمين وقتلوا خلقا كثيرا من رجال المسلمين وذلك في السابع والعشرين من الشهر المذكور وعظم ذلك على السلطان وضاق صدره وكان الشتاء قد هجم وتراكمت الأمطار وامتنع الناس من القتال لكثرة الأمطار فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل فأشاروا عليه بالرحيل لتستريح الرجال ويجتمعوا للقتال فرحل عنها وحملوا من آلات الحصار ما أمكن وأحرقوا الباقي الذي عجزوا عن حمله لكثرة الوحل والمطر وكان رحيله يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة وتفرقت العساكر وأعطى كل طائفة منها دستورا وسار كل قوم إلى بلادهم وأقام هو مع جماعة من خواصه بمدينة عكا إلى أن دخلت سنة 584هـ

ثم نزل على كوكب في أوائل المحرم من السنة ولم يبق معه من العسكر إلا القليل وكان حصنا حصينا وفيه الرجال والأقوات فعلم أنه لا يؤخذ إلا بقتال شديد فرجع إلى دمشق، وأقام بدمشق خمسة أيام. ثم بلغه أن الإفرنج قصدوا جبيل واغتالوها فخرج مسرعا وكان قد سير يستدعي العساكر من جميع المواضع وسار يطلب جبيل فلما عرف الإفرنج بخروجه كفوا عن ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:55

صلاح الدين الأيوبي

بقية فتوح الشام

قال ابن شداد في السيرة: لما كان يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من سنة 584هـ دخل السلطان بلاد العدو على تعبية حسنة ورتب الأطلاب وسارت الميمنة أولا ومقدمها عماد الدين زنكي والقلب في الوسط والميسرة في الأخير ومقدمها مظفر الدين ابن زين الدين فوصل إلى انطرسوس ضاحي نهار الأحد سادس جمادى الأولى فوقف قبالتها ينظر إليها لأن قصده كان جبلة فاستهان بأمرها وعزم على قتالها فسير من رد الميمنة وأمرها بالنزول على جانب البحر والميسرة على الجانب الآخر ونزل هو موضعه والعساكر محدقة بها من البحر إلى البحر وهي مدينة راكبة على البحر ولها برجان كالقلعتين فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتد القتال وباغتوها فما استتم نصب الخيام حتى صعد المسلمون سورها وأخذوها بالسيف وغنم المسلمون جميع من بها وما بها وأحرق البلد و أقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى وسلم أحد البرجين إلى مظفر الدين فما زال يحاربه حتى أخربه واجتمع به ولده الملك الظاهر لأنه كان قد طلبه فجاءه في عسكر عظيم، ثم سار يريد جبلة وكان وصوله إليها في ثاني عشر جمادى الأولى وما استتم نزول العسكر عليها حتى أخذ البلد وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم وقوتلت القلعة قتالا شديدا ثم سلمت بالأمان في يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى من السنة وأقام عليها إلى الثالث والعشرين منه، ثم سار عنها إلى اللاذقية وكان نزوله عليها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى وهو بلد مليح خفيف على القلب غير مسور وله ميناء مشهور وله قلعتان متصلتان على تل يشرف على البلد واشتد القتال إلى آخر النهار فأخذ البلد دون القلعتين وغنم الناس منه غنيمة عظيمة لأنه كان بلد التجار وجدوا في أمر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعا وعرضه أربعة أذرع فلما رأى أهل القلعتين الغلبة لاذوا بطلب الأمان وذلك في عشية يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر والتمسوا الصلح على سلامة نفوسهم وزراريهم ونسائهم وأموالهم ما خلا الذخائر والسلاح وآلات الحرب فأجابهم إلى ذلك ورفع العلم الإسلامي عليها يوم السبت وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأولى فرحل عنها إلى صهيون فنزل عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من الشهر واجتهد في القتال فأخذ البلد يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة ثم تقدموا إلى القلعة وصدقوا القتال فلما عاينوا الهلاك طلبوا الأمان فأجابهم إليه بحيث يؤخذ من الرجل عشرة دنانير ومن المرأة خمسة دنانير ومن كل صغير ديناران الذكر والأنثى سواء و أقام السلطان بهذه الجهة حتى أخذ عدة قلاع منها بلاطنس وغيرها من الحصون المنيعة المتعلقة بصهيون، ثم رحل عنها وأتى بكاس وهي قلعة حصينة على العاصي ولها نهر يخرج من تحتها وكان النزول عليها يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة وقاتلوها قتالا شديدا إلى يوم الجمعة تاسع الشهر ثم يسر الله فتحها عنوة فقتل أكثر من بها وأسر الباقون وغنم المسلمون جميع ما كان فيها ولها قليعة تسمى الشغر وهي في غاية المنعة يعبر إليها منها بجسر وليس عليها طريق فسلطت المناجيق عليها من جميع الجوانب ورأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا الأمان وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشر الشهر ثم سألوا المهلة ثلاثة أيام فأمهلوا وكان تمام فتحها وصعود العلم السلطاني على قلعتها يوم الجمعة سادس عشر الشهر.

ثم سار إلى برزية وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة يضرب بها المثل في بلاد الإفرنج تحيط بها أودية من جميع جوانبها وعلوها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعا وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.

ثم سار إلى دربساك فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب وهي قلعة منيعة وقاتلها قتالا شديدا ورقي العلم الإسلامي عليها يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب وأعطاها الأمير علم الدين سليمان بن جندر وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر.

ونزل على بغراس وهي قلعة حصينة بالقرب من إنطاكية وقاتلها مقاتلة شديدة وصعد العلم الإسلامي عليها في ثاني شعبان وراسله أهل إنطاكية في طلب الصلح فصالحهم لشدة ضجر العسكر من البيكار وكان الصلح معهم لا غير على أن يطلقوا كل أسير عندهم والصلح إلى سبعة أشهر فإن جاءهم من ينصرهم و سلموا البلد.

ثم رحل السلطان فسأله ولده الملك الظاهر صاحب حلب أن يجتاز به فأجابه إلى ذلك فوصل حلب في حادي عشر شعبان أقام بالقلعة ثلاثة أيام وولده يقوم بالضيافة حق القيام، وسار من حلب فاعترضه تقي الدين عمر ابن أخيه وأصعده إلى قلعة حماة وصنع له طعاما وأحضر له سماعا من جنس ما تعمل الصوفية وبات فيها ليلة واحدة وأعطاه جبلة واللاذقية، وسار على طريق بعلبك ودخل دمشق قبل شهر رمضان بأيام يسيرة، ثم سار في أوائل شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها ولم يزل القتال حتى تسلمها بالأمان في رابع عشر شوال.

ثم سار إلى كوكب وضايقوها وقاتلوها مقاتلة شديدة والأمطار متواترة والوحول متضاعفة والرياح عاصفة والعدو متسلط بعلو مكانه فلما تيقنوا أنهم مأخوذون طلبوا الأمان فأجابهم إليه وتسلمها منهم في منتصف ذي القعدة من السنة.

الصليبيون في عكا

بلغ صلاح الدين أن الإفرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة 585هـ فأتى عكا ودخلها بغتة لتقوى قلوب من بها و استدعى العساكر من كل ناحية فجاءته وكان العدو بمقدار ألفي فارس وثلاثين ألف راجل ثم تكاثر الإفرنج واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكا ومنعوا من يدخل إليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد في فتح الطريق إليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور الأمراء فاتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فأشرف على أمورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة أيام وتأخر الناس إلى تل العياضية وهو مشرف على عكا وفي هذه المنزلة توفي الأمير حسام الدين طمان وذلك ليلة نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان.

قال ابن شداد سمعت السلطان ينشد وقد قيل له إن الوخم قد عظم بمرج عكا وإن الموت قد فشا في الطائفتين :

اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي

يريد بذلك أنه قد رضي أن يتلف إذا أتلف الله أعداءه، وهذا البيت له سبب يحتاج إلى شرح وذلك أن مالك بن الحارث المعروف بالأشتر النخعي كان من الشجعان والأبطال المشهورين وهو من خواص أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه تماسك في يوم معركة الجمل المشهورة هو وعبد الله بن الزبير بن العوام وكان أيضا من الأبطال وابن الزبير يومئذ مع خالته عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين وكانوا يحاربون عليا رضي الله عنه فلما تماسكا صار كل واحد منهما إذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره وفعلا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد :

اقتلاني ومالكا*****واقتلا مالكا معي

يريد الأشتر النخعي.

قال ابن شداد ثم إن الإفرنج جاءهم الإمداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش الإسلامية بعكا وكان فيهم الأمير سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب الهكاري والأمير بهاء الدين قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم أشد مضايقة إلى أن غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من سنة 587هـ خرج من عكا رجل عوام ومعه كتب من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وأنهم قد تيقنوا الهلاك ومتى أخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم وأنهم صالحوا على أن يسلموا البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدة والأسلحة والمراكب ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير مجاهيل ومائة أسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين وما معهم من الأموال والأقمشة المختصة بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لأنه كان الواسطة في هذا الأمر أربعة آلاف دينار ولما وقف السلطان على الكتب المشار إليها أنكر ذلك إنكارا عظيما وعظم عليه هذا الأمر وجمع أهل الرأي من أكابر دولته وشاورهم فيما يصنع واضطربت آراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله وعزم على أن يكتب في تلك الليلة مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه وهو يتردد في هذا فلم يشعر إلا وقد ارتفعت أعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السنة وصاح الإفرنج صيحة عظيمة واحدة وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حزنهم ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.

ثم ذكر ابن شداد بعد هذا أن الإفرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان ليأخذوها وساروا على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم إلى أن وصلوا إلى أرسوف فكان بينهما قتال عظيم ونال المسلمين منه وهن شديد ثم ساروا على تلك الهيئة تتمة عشر منازل من مسيرهم من عكا فأتى السلطان الرملة وأتاه من أخبره بأن القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والآلات فأحضر السلطان أرباب مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصواب خرابها أم بقاؤها فاتفقت آراؤهم أن يبقى الملك العادل في قبالة العدو ويتوجه هو بنفسه ويخربها خوفا من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة ويأخذ بها القدس وتنقطع بها طريق مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا ورأوا أن حفظ القدس أولى فتعين خرابها من عدة جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة فسار إليها فجر الأربعاء ثامن عشر الشهر قال ابن شداد وتحدث معي في معنى خرابها بعد أن تحدث مع ولده الملك الأفضل في أمرها أيضا ثم قال لأن أفقد ولدي جميعهم أحب إلي من أن أهدم منها حجرا ولكن إذا قضى الله تعالى ذلك وكان فيه مصلحة للمسلمين فما الحيلة في ذلك قال ولما اتفق الرأي على خرابها أوقع الله تعالى في نفسه ذلك وأن المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنة وقسم السور على الناس وجعل لكل أمير وطائفة من العسكر بدنة معلومة وبرجا معينا يخربونه ودخل الناس البلد ووقع فيهم الضجيج والبكاء وكان بلدا خفيفا على القلب محكم الأسوار عظيم البناء مرغوبا في سكنه فلحق الناس على خرابه حزن عظيم وعظم عويل أهل البلد عليه لفراق أوطانهم وشرعوا في بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس بأهلهم وأولادهم إلى المخيم وتشتتوا فذهب قوم منهم إلى مصر وقوم إلى الشام وجرت عليهم أمور عظيمة واجتهد السلطان وأولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدو فيسرع إليه ولا يمكن من خرابه وبات الناس على أصعب حال وأشد تعب مما قاسوه في خرابها وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل من أخبر أن الإفرنج تحدثوا معه في الصلح وطلبوا جميع البلاد الساحلية فرأى السلطان أن ذلك مصلحة لما علم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثرة ما عليهم من الديون وكتب إليه يأذن له في ذلك وفوض الأمر إلى رأيه وأصبح يوم الجمعة العشرين من شعبان وهو مصر على الخراب واستعمل الناس عليه وحثهم على العجلة فيه وأباحهم ما في الهري الذي كان مدخرا للميرة خوفا من هجوم الإفرنج والعجز عن نقله وأمر بإحراق البلد فأضرمت النيران في بيوته وكان سورها عظيما ولم يزل الخراب يعمل في البلد إلى نهاية شعبان من السنة وأصبح يوم الإثنين مستهل شهر رمضان أمر ولده الملك الأفضل أن يباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد رأيته يحمل الخشب بنفسه لأجل الإحراق، وفي يوم الأربعاء ثالث شهر رمضان أتى الرملة ثم خرج إلى "اللد" وأشرف عليها وأمر بخرابها وخراب قلعة الرملة ففعل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تأخر السلطان بالعسكر إلى جهة الجبل ليتمكن الناس من تسيير دوابهم لإحضار ما يحتاجون إليه ودار السلطان حول النطرون وهي قلعة منيعة فأمر بتخريبها وشرع الناس في ذلك.

الصلح مع الصليبيين

ثم ذكر ابن شداد بعد هذا أن الانكتار وهو من أكابر ملوك الإفرنج سير رسوله إلى الملك العادل يطلب الاجتماع به فأجابه إلى ذلك واجتمعا يوم الجمعة ثامن عشر شوال من السنة وتحادثا معظم ذلك النهار وانفصلا عن مودة أكيدة والتمس الانكتار من العادل أن يسأل السلطان أن يجتمع به فذكر العادل ذلك للسلطان فاستشار أكابر دولته في ذلك ووقع الاتفاق على أنه إذا جرى الصلح بيننا يكون الاجتماع بعد ذلك ثم وصل رسول الانكتار وقال إن الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنت تذكر أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد أن تكون حكما بيني وبينه وتقسم البلاد بيني وبينه ولا بد أن يكون لنا علقة بالقدس وأطال الحديث في ذلك فأجابه السلطان بوعد جميل وأذن له في العود في الحال وتأثر لذلك تأثرا عظيما قال ابن شداد وبعد انفصال الرسول قال لي السلطان متى صالحناهم لم تؤمن غائلتهم ولو حدث بي حادث الموت ما كانت تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج والمصلحة أن لا نزول عن الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت هذا كان رأيه وإنما غلب على الصلح.

قال ابن شداد ثم ترددت الرسل بينهم في الصلح و تم الصلح بينهم يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة 588هـ ونادى المنادي بانتظام الصلح وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة فمن شاء من كل طائفة يتردد إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور وكان يوما مشهودا نال الطائفتين فيه من المسرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى وقد علم الله تعالى أن الصلح لم يكن عن مرضاته وإيثاره ولكنه رأى المصلحة في الصلح لسآمة العسكر ومظاهرتهم بالمخالفة وكان مصلحة في علم الله تعالى فإنه اتفقت وفاته بعد الصلح فلو اتفق ذلك في أثناء وقعاته كان الإسلام على خطر.

ثم أعطى للعساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستورا فساروا عنه وعزم على الحج لما فرغ باله من هذه الجهة وتردد المسلمون إلى بلادهم وجاءوا هم إلى بلاد المسلمين وحملت البضائع والمتاجر إلى البلاد وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس.

أواخر أيامه

بعد الصلح سنة 588هـ توجه السلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها وتوجه أخوه الملك العادل إلى الكرك وابنه الملك الظاهر إلى حلب وابنه الأفضل إلى دمشق وأقام السلطان بالقدس يقطع الناس ويعطيهم دستورا ويتأهب للمسير إلى الديار المصرية وانقطع شوقه عن الحج ولم يزل كذلك إلى أن صح عنده مسير مركب الانكتار متوجها إلى بلاده في مستهل شوال فعند ذلك قوي عزمه أن يدخل الساحل جريدة يتفقد القلاع البحرية إلى بانياس ويدخل دمشق ويقيم بها أياما قلائل ويعود إلى القدس ومنه إلى الديار المصرية.

قال ابن شداد: وأمرني صلاح الدين بالمقام في القدس إلى حين عوده لعمارة مارستان أنشأه به وتكميل المدرسة التي أنشأها فيه وسار منه ضاحي نهار الخميس السادس من شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ولما فرغ من افتقاد أحوال القلاع وإزاحة خللها دخل دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الملك الأفضل والملك الظاهر والملك الظافر مظفر الدين الخضر المعروف بالمشعر وأولاده الصغار وكان يحب البلد ويؤثر الإقامة فيه على سائر البلاد وجلس للناس في بكرة يوم الخميس السابع والعشرين منه وحضروا عندهم وبلوا شوقهم منه وأنشده الشعراء ولم يتخلف أحد عنه من الخواص والعوام وأقام ينشر جناح عدله ويهطل سحاب إنعامه وفضله ويكشف مظالم الرعايا فلما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الملك الأفضل دعوة للملك الظاهر لأنه لما وصل إلى دمشق وبلغه حركة السلطان أقام بها ليتملى بالنظر إليه ثانيا وكأن نفسه كانت قد أحست بدنو أجله فودعه في تلك الدفعة مرارا متعددة ولما عمل الملك الأفضل الدعوة أظهر فيها من الهمم العالية ما يليق بهمته وكأنه أراد بذلك مجازاته ما خدمه به حين وصل إلى بلده وحضر الدعوة المذكورة أرباب الدنيا والآخرة وسأل السلطان الحضور فحضر جبرا لقلبه وكان يوما مشهودا على ما بلغني.

ولما تصفح الملك العادل أحوال الكرك وأصلح ما قصد إصلاحه فيه سار قاصدا إلى البلاد الفراتية فوصل إلى دمشق في يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة وخرج السلطان إلى لقائه وأقام يتصيد حوالي غباغب إلى الكسوة حتى لقيه وسارا جميعا يتصيدان وكان دخولهما إلى دمشق آخر نهار يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأقام السلطان بدمشق يتصيد هو وأخوه وأولاده ويتفرجون في أراضي دمشق ومواطن الصبا وكأنه وجد راحة مما كان به من ملازمة التعب والنصب وسهر الليل وكان ذلك كالوداع لأولاده ومراتع نزهه ونسي عزمه إلى مصر وعرضت له أمور أخر وعزمات غير ما تقدم.

وفاة صلاح الدين

قال ابن شداد: وصلني كتاب صلاح الدين إلى القدس يستدعيني لخدمته وكان شتاء شديدا ووحلا عظيما فخرجت من القدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة 589هـ وكان الوصول إلى دمشق في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر من السنة وركب السلطان لملتقى الحاج يوم الجمعة خامس عشر صفر وكان ذلك آخر ركوبه، ولما كان ليلة السبت وجد كسلا عظيما وما تنصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وكانت في باطنه أكثر منها في ظاهره وأصبح يوم السبت متكاسلا عليه أثر الحمى ولم يظهر ذلك للناس لكن حضرت عنده أنا والقاضي الفاضل ودخل ولده الملك الأفضل وطال جلوسنا عنده وأخذ يشكو قلقه في الليل وطاب له الحديث إلى قريب الظهر ثم انصرفنا وقلوبنا عنده فتقدم إلينا بالحضور على الطعام في خدمة ولده الملك الأفضل ولم تكن للقاضي الفاضل في ذلك عادة فانصرف ودخلت إلى الإيوان القبلي وقد مد السماط وابنه الملك الأفضل قد جلس في موضعه فانصرفت وما كانت لي قوة في الجلوس استيحاشا له وبكى في ذلك اليوم جماعة تفاؤلا لجلوس ولده في موضعه ثم أخذ المرض يتزيد من حينئذ ونحن نلازم التردد طرفي النهار وندخل إليه أنا والقاضي الفاضل في النهار مرارا وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا ورأى الأطباء فصده ففصدوه فاشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب عليه اليبس ولم يزل المرض يتزايد حتى انتهى إلى غاية الضعف واشتد مرضه في السادس والسابع والثامن ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه ولما كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب واشتد الخوف في البلد وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا تمكن حكايته ولما كان العاشر من مرضه حقن دفعتين وحصل من الحقن بعض الراحة وفرح الناس بذلك ثم اشتد مرضه وأيس منه الأطباء ثم شرع الملك الأفضل في تحليف الناس، ثم إنه توفي بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وغشي القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم وكنت أتوهم أن هذا الحديث على ضرب من التجوز والترخص إلى ذلك اليوم فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالأنفس.

ثم جلس ولده الملك الأفضل للعزاء وغسله، وأخرج بعد صلاة الظهر رحمه الله في تابوت مسجى بثوب فوط فارتفعت الأصوات عند مشاهدته وعظم الضجيج وأخذ الناس في البكاء والعويل وصلوا عليه أرسالا ثم أعيد إلى الدار التي في البستان وهي التي كان متمارضا بها ودفن في الصفة الغربية منها وكان نزوله في حفرته قريبا من صلاة العصر.

وأنشد بن شداد في آخر السيرة بيت أبى تمام الطائي وهو:

ثم انقضت تلك السنون*****وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

رحمه الله تعالى وقدس روحه فلقد كان من محاسن الدنيا وغرائبها، وذكر ابن شداد : أنه مات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما واحدا ذهبا صوريا ولم يخلف ملكا لا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة.

وفي ساعة موته كتب القاضي الفاضل إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب بطاقة مضمونها {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} كتبت إلى مولانا السلطان الملك الظاهر أحسن الله عزاءه وجبر مصابه وجعل فيه الخلف في الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالا شديدا وقد حفرت الدموع المحاجر وبلغت القلوب الحناجر وقد ودعت أباك ومخدومي وداعا لا تلاقي بعده وقد قبلت وجهه عني وعنك وأسلمته إلى الله تعالى مغلوب الحيلة ضعيف القوة راضيا عن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وبالباب من الجنود المجندة والأسلحة المعدة ما لم يدفع البلاء ولا ملك يرد القضاء وتدمع العين ويخشع القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك لمحزونون يا يوسف وأما الوصايا فما تحتاج إليها والآراء فقد شغلني المصاب عنها وأما لائح الأمر فإنه إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم وإن كان غيره فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم والسلام .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:56


الإمام الذهبي
لم تعرف المكتبة العربية مؤرخًا غزير الإنتاج، متنوع التأليف مثل الإمام الذهبي، وقد بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائة وخمسين كتابًا، بعضها يتجاوز المجلدات ذوات العدد. ولا تقتصر هذه المؤلفات على عصر معين أو فئة محددة أو تنظيم واحد، بل تتجاوز ذلك كله لتشمل جميع عصور الإسلام.
ويجمع الذهبي بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالاً، المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها.
والذهبي من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي وعلومه، وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي.

المولد والنشأة
في مدينة دمشق الفيحاء ولد محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في (ربيع الآخر 673هـ= أكتوبر 1274م). نشأ في أسرة كريمة تركمانية الأصل، يعمل عائلها في صناعة الذهب، فبرع فيها وتميز حتى عُرف بالذهبي، وكان رجلا صالحًا محبًا للعلم، فعني بتربية ولده وتنشئته على حب العلم. وكان كثير من أفراد عائلته لهم انشغال بالعلم، فشب الوليد يتنسم عبق العلم في كل ركن من أركان بيته؛ فعمته "ست الأهل بنت عثمان" لها رواية في الحديث، وخاله "علي بن سنجر"، وزوج خالته من أهل الحديث.
وفي سن مبكرة انضم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته. ثم اتجهت عنايته لما بلغ مبلغ الشباب إلى تعلم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره، فاتصل بشيوخ الإقراء في زمانه من أمثال: جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني المتوفى سنة (692هـ= 1292م)، والشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالٍ المتوفى سنة (708هـ= 1308م)، وقرأ عليهما القرآن بالقراءات السبع، واتصل بغيرهما من أهل هذا الفن حتى أتقن القراءات وأصولها ومسائلها. وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي عن حلقته في الجامع الأموي حين اشتد به المرض.
وفي الوقت الذي كان يتلقى فيه القراءات مال الذهبي إلى سماع الحديث الذي ملك عليه نفسه، فاتجه إليه، واستغرق وقته، ولازم شيوخه، وبدأ رحلته الطويلة في طلبه.

رحلات الذهبي واتصاله بشيوخ العصر
كانت رحلاته الأولى داخل البلاد الشامية، فنزل بعلبك سنة (693هـ= 1293م)، وروى عن شيوخها، ثم رحل إلى حلب وحماة وطرابلس والكرك ونابلس والرملة والقدس، ثم رحل إلى مصر سنة (695هـ= 1295هـ) وسمع من شيوخها الكبار، على رأسهم ابن دقيق العيد المتوفى سنة (702هـ= 1302م) وذهب إلى الإسكندرية فسمع من شيوخها، وقرأ على بعض قرائها المتقنين القرآن بروايتي ورش وحفص، ثم عاد إلى دمشق.
وفي سنة (698هـ= 1298م) رحل الذهبي إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه، وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة.
وإذا كانت عناية الذهبي الرئيسية منصبّة على الحديث، فإنه لم ينشغل بذلك عن دراسة العلوم الأخرى، فدرس النحو والعربية على شيخه ابن أبي العلاء النصيبي، وبهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر، واهتم بكتب المغازي والسير والتاريخ العام وكتب التراجم.
وفي الوقت نفسه اتصل بثلاثة من شيوخ العصر وترافق معهم، وهم: ابن تيمية المتوفى سنة (728هـ= 1327م)، وجمال الدين المزي المتوفى سنة (739هـ= 1338م) والبرزالي المتوفى سنة (739هـ= 1338م). وقد جمع بين هؤلاء الأعلام طلب الحديث، وميلهم إلى آراء الحنابلة ودفاعهم عن مذهبهم. ويذكر الذهبي أن البرزالي هو الذي حبب إليه طلب الحديث.

نشاطه العلمي
بعد أن أنهى الذهبي رحلاته في طلب العلم ومقابلة الشيوخ وهم أعداد غفيرة تجاوزت الألف، اتجه إلى التدريس وعقد حلقات العلم لتلاميذه، وانغمس في التأليف والتصنيف، وبدأت حياته العلمية في قرية "كفر بطنا" بغوطة دمشق حيث تولى الخطابة في مسجدها سنة (703هـ=1303م) وظل مقيمًا بها إلى سنة (718هـ= 1318م). وفي هذه القرية ألف الذهبي خير كتبه. وتعد الفترة التي قضاها بها هي أخصب فترات حياته إنتاجًا، ثم تولى مشيخة دار الحديث بتربة أم صالح، وكانت هذه الدار من كبريات دور الحديث بدمشق، تولاها سنة (718هـ= 1318م) بعد وفاة شيخها كمال الدين بن الشريشي، واتخذها سكنًا له حتى وفاته، ثم أضيفت إليه مشيخة دار الحديث الظاهرية سنة (729هـ= 1228م) ومشيخة المدرسة النفيسية في سنة (739هـ= 1338م) بعد وفاة البرزالي، ومشيخة دار الحديث والقرآن التنكزية في السنة نفسها.
وأتاحت له هذه المدارس أن يدرس عليه عدد كبير من طلبة العلم، ويفد عليه للتلقي كثيرون من أنحاء مختلفة بعد أن اتسعت شهرته وانتشرت مؤلفاته، ورسخت مكانته لمعرفته الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه، فكان مدرسة قائمة بذاتها، تخرج فيها كبار الحفاظ والمحدثين. وتزخر كتب القرن الثامن الهجري بمئات من تلاميذ الذهبي النجباء، وحسبه أن يكون من بينهم: عبد الوهاب السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى، والحافظ ابن كثير، وصلاح الدين الصفدي، وابن رجب الحنبلي وغيرهم.

مؤلفاته
ترك الإمام الذهبي إنتاجًا غزيرًا من المؤلفات بلغ أكثر من مائتي كتاب، شملت كثيرًا من ميادين الثقافة الإسلامية، فتناولت القراءات والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله والعقائد والرقائق، غير أن معظم هذا الإنتاج يستغرقه علم التاريخ وفروعه، ما بين مؤلف ومختصَر ومنتقى ومعجم الشيوخ وسيرة.
وثلث هذا العدد مختصرات قام بها الذهبي لأمهات الكتب التاريخية المؤلفة قبله، فاختصر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وتاريخ مصر لابن يونس، وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري، وأسد الغابة لابن الأثير. وقد حصر الدكتور شاكر مصطفى الكتب التي اختصرها الذهبي في 367 عملا.
وإلى جانب هذه المختصرات له كتب في التاريخ والتراجم مثل: تذكرة الحفّاظ، وميزان الاعتدال، ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، والمعين في طبقات المحدّثين، وديوان الضعفاء والمتروكين، والعبر في خبر من عبر، والمشتبه في أسماء الرجال، ودول الإسلام، والمغني في الضعفاء، غير أن أشهر كتبه كتابان هما:
v تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام
وهو أكبر كتبه وأشهرها، تناول فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتى سنة (700هـ= 1300م) وهي فترة ضخمة في مدتها الزمنية، واتساع نطاقها المكاني الذي يشمل العالم الإسلامي بأسره. وتضمن هذا العمل الفذ الحوادث الرئيسية التي مرت بالعالم الإسلامي، وتعاقب الدول والممالك، مع تراجم للمشهورين في كل ناحية من نواحي الحياة دون اقتصار على فئة دون أخرى، ويبلغ عدد من ترجم لهم في هذا الكتاب الضخم أربعين ألف شخصية، وهو ما لم يتحقق في أي كتاب غيره.
ويحتوى الكتاب على مادة واسعة في التاريخ السياسي والإداري، انتقاها من مصادر كثيرة ضاع معظمها فلم تصل إلى أيدينا، وعلى ذكر للأحوال الاقتصادية للدولة الإسلامية والتطورات التي حلت عليها.
ويصور الكتاب الحياة الفكرية في العالم الإسلامي وتطورها على مدى سبعة قرون، ويبرز المراكز الإسلامية ودورها في إشعاع الفكر ومساعدة الناس، وذلك من خلال حركة العلماء وانتقالهم بين حواضر العلم المعروفة وغير المعروفة، واتساع الحركة وقت دون آخر؛ الأمر الذي يظهر مدى ازدهار المراكز الثقافية أو خمول نشاطها.
ويبين الكتاب من خلال ترجمته لآلاف العلماء وعلى مدى القرون الطويلة التي تعرض لها اتجاهات الثقافة الإسلامية وعناية العلماء بعلوم معينة، ويكشف عن طرائقهم في التدريس والإملاء والمناظرة، ودور المدارس في نشر العلم والمذاهب الفقهية في أنحاء العالم الإسلامي.
وهذا العمل الضخم جرت أكثر محاولة لنشره كاملا، حتى وفق الدكتور عمر عبد السلام التدمري في تحقيقه في نحو خمسين مجلدًا.
v سير أعلام النبلاء
وهذا الكتاب هو أضخم أعمال الذهبي بعد كتابه (تاريخ الإسلام) وهو كتاب عام للتراجم التي سبقت عصر الذهبي، وقد رتب تراجمه على أساس الطبقات التي تعني فترة زمنية محددة، وقد جعلها عشر سنوات في كتابه الأم (تاريخ الإسلام) فيذكر الحوادث سنة بعد سنة، ثم يذكر في نهاية الطبقة تراجم الوفيات من الأعلام مع الالتزام بترتيبها على حروف المعجم. في حين جعل الطبقة في سير أعلام النبلاء عشرين سنة، ومن ثم اشتمل الكتاب على خمس وثلاثين طبقة.
ولم يقتصر الذهبي في كتابه على نوع معين من الأعلام، بل شملت تراجمه فئات كثيرة، من الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والقادة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واللغويين والنحاة، والأدباء والشعراء، والفلاسفة. غير أن عنايته بالمحدثين كانت أكثر، ولذا جاءت معظم تراجمه من أهل العناية بالحديث النبوي دراية ورواية. كما اتسع كتابه ليشمل تراجم الأعلام من مختلف العالم الإسلامي، دون أن تكون له عناية بمنطقة دون أخرى، أو عصر دون آخر.
وقد عني الذهبي في كتبه بالنقد وتقييم الرجال، وإصدار أحكام يعرفها المشتغلون بالحديث، مثل: ثقة وصدوق، ومتروك وكذّاب، ولم تكن مثل هذه الأحكام تصدر عن هوى، بل وفق ضوابط محددة معروفة، لتبين أحوال رجال الحديث لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه. وقد بلغ الذهبي مكانة مرموقة في هذا الفن، ويشهد على ذلك كتابه النفيس: ميزان الاعتدال. وهذه الطريقة النقدية استعملها الذهبي في تراجمه، وإن كان أصحابها من غير أهل الحديث أو ممن لا علاقة لهم بالرواية.
وامتلأ كتابه "السير" بكل أنواع النقد، فلم يقتصر على مجال واحد من مجالاته، فعني بنقد المترجمين، وبيان أحوالهم، وإصدار أحكام عليهم، وانتقاد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفها.
وقد غالى الذهبي في نقد بعض الرجال، وهو ما كان سببا لانتقادات بعض معاصريه له، مثل تلميذه عبد الوهاب السبكي.
ويجب التنبيه إلى أن "سير أعلام النبلاء" ليس مختصرًا لتاريخ الإسلام، وإن كانت كل التراجم الموجودة في "السير" سبق أن تناولها الذهبي في "تاريخ الإسلام" تقريبًا، فثمة فروق مبينها يلحظها المطالع للكتابين، فتراجم الصدر الأول في السيرة أغزر مادة من مثيلاتها في تاريخ الإسلام، كما أنه ضمّن "السير" مجموعة من الكتب التي أفردها لترجمة البارزين من أعلام الإسلام، مثل أبي حنيفة وأبي يوسف، وسعيد بن المسبب وابن حزم، وهذه المادة لا نظير لها في كتابه "تاريخ الإسلام".
على أنه يجب أن نقر أن الذهبي استفاد بطريقة أو بأخرى من مادة كتابة الضخم في تأليف "السير"، وأضاف إليها إضافات جديدة، وأعاد تنظيم بعضها. وقد طبع الكتاب بتحقيق "شعيب الأرنؤوط" وآخرين في 25 مجلدًا.

وفاته
تبوأ الذهبي مكانة مرموقة في عصره تجد صداها فيما ترك من مؤلفاته عظيمة وفي شهادة معاصريه له. ولعل من أبلغ تلك الشهادات ما قاله تلميذه تاج الدين السبكي: "محدث العصر، اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم. وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظًا، وذهب العصر معنى ولفظًا، وشيخ الجرح والتعديل..."، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة من السبكي، خاصة أنه كان من أكثر الناس انتقادًا لشيخه.
وظل الذهبي موفور النشاط يقوم بالتدريس في خمس مدارس للحديث في دمشق، ويواصل التأليف حتى كلّ بصره في أخريات عمره، حتى فقد الإبصار تمامًا، ومكث على هذا الحال حتى توفي في (3 من ذي القعدة 748هـ= 4 من فبراير 1348م).

من مصادر الدراسة:
q عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ـ تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو ـ هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة (1413هـ= 1992م)
q ابن كثير: البداية والنهاية ـ تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي ـ هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ (1418هـ= 1998م)
q بشار عواد معروف: مقدمة تحقيق سير أعلام النبلاء ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت (1412هـ= 1992م)
q عبد الستار الشيخ: الإمام الذهبي ـ دار القلم ـ دمشق.
q شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ 1993م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:57


الإمام الغزالـي
( 1059-1111م )


ولد حجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد الغزالي في ضاحية غزالة بمدينة طوس، من أعمال خراسان.

كان والده إلى جانب اشتغاله بغزل الصوف، يقوم بخدمة رجال الدين والفقهاء في مجالسهم وكانت أقصى أمانيه أن يرى أحد ولديه (محمد وأحمد) خطيبا وعالما. ولكن الدهر لم يمهله ليحقق أمانيه، فمات والولدان قاصران، فتعهدهما بالتربية والعلوم الأولى صديق صوفي لأبيهما، ينفق عليهما مما تركه الوالد من مال قليل.

درس محمد العلوم في بلدته، ثم انتقل إلى جرجان سنة 1073 م طلبا للتزيد والتعمق. رحل إلى نيسابور سنة 1078 م وهي من مدن العلم المعروفة آنذاك، فاتصل بإمام الحرمين أبي المعالي الجويني " علم عصره في التوحيد والإلمام بمذاهب الأشرعية وطرق الجدل والأصول والمنطق " فدرس الغزالي عليه كل هذه العلوم والمذاهب كما درس شيئا من الفلسفة.

انتقل إلى بغداد بعد موت أستاذه الجوني عام 1085 م، فاتصل في المعسكر بالوزير السلجوقي في نظام الملك طوال خمس سنوات، ظهر خلالها تفوقه في الكلام والفقه والعلوم الشرعية أثناء مناظراته الأئمة والمفكرين، فعينه الوزير أستاذا مشرفا على النظامية في بغداد وهي أشهر المدارس في عصرها.

أعجب الكل بحسن كلامه وكمال فضله وعبارته الرشيقة ومعانيه الدقيقة. وتمتع بما اشتهى من جاه ومال فأصبحت حلقات درسه ملتقى العلماء والقضاة والأمراء والوزراء وأقبل عليه الطلاب إقبالا منقطع النظير من مختلف أنحاء العالم الإسلامي شرقه ومغربه. فكان يزدحم ثلاثمائة طالب لأحاديثه في علوم الكلام والأخلاق والعقائد.

ويحدث الغزالي أنه وقع في أول هذه المرحلة بأزمة من الشك الذي كانت خطوطه بدأت تتكون في نيسابور، لكنه اجتازها بعد شهرين من القلق كان فيهما على مذهب السفسطة. اهتم بالفلسفة أثناء بحثه عن الحقيقة، فأكب على تحصيلها وطالع كتب المتقدمين والمتأخرين وألف كتابيه: مقاصد الفلاسفة، وتهافت الفلاسفة. اعتزل التدريس سنة 1095م بعد أزمة نفسية عنيفة وصراع شديد تردد فيه بين شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريبا من ستة أشهر، وأخذ بعده بحياة التصوف فخرج من بغداد إلى الشام ثم إلى بيت المقدس والحجاز حيث قضى سنوات في الزهد والعبادة على طريقة المتصوفين. وجذبته دعوات الأطفال إلى الوطن فعاد إلى طوس وعزم على الدعوة إلى الإصلاح الديني فقام يؤلف كتابه : " إحياء علوم الدين " ولكنه عاد إلى التدريس في نظامية نيسابور مدة سنتين ( 1105 – 1106 ) بناء على دعوة ملحة من السلطان لم يستطع لها رفضا. انصرف بعد ذلك إلى التصوف في مسقط رأسه طوس، إلى أن وافته منيته سنة 1111 م.

ترك الغزالي عددا كبيرا من المؤلفات في شتى فروع النشاط الفكري أهمها:

1- في التصوف والأخلاق: إحياء علوم الدين، كتاب الأربعين في أصول الدين، الأدب في الدين، آداب الصوفية، ميزان العمل، أيها الولد، جواهر القرآن، معراج السالكين، منهاج العابدين، مشكاة الأنوار.. إلخ.
2- في العقائد والفقه والأصول: عقيدة أهل السنة، القسطاس المستقيم، الاقتصاد في الاعتقاد، إلجام العوام عن علم الكلام، الرسالة القدسية، المستظهري ( فضائح الباطنية)، المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة.. إلخ.
3- في الفلسفة والمنطق: مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة، معيار العلم في المنطق.
4- ترجمة حياة: المنقذ من الضلال.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:57


الإمام أبو حنيفة النعمان

هو النعمان بن ثابت و كنيته أبو حنيفة و لقب بالإمام الأعظم ولد بالكوفة سنة 80 هـ فى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان و نشأ فى أسرة صالحة غنية و كان حسن الوجه ، حسن النطق ، قوى الحجة ، شديد الذكاء ، فطنا سريع البديهة شديد الكرم ، طويل الصمت ، دائم الفكر ، زاهدا متعبدا ، جهورى الصوت و هو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة و قد إشتهر بإمام أهل الرأى ، و كان أبو حنيفة يعمل بالتجارة بصدق و أمانة و إستمر فى ذلك أكثر حياته فإكتسب خبرة فى العرف و العادات و المعاملات و طرق الناس فى البيع و الشراء و قد تفقه أبو حنيفة على يد أستاذه حماد بن أبى سليمان و قد لازمه 18 عاما حتى قال حماد (أنزفتنى يا أبا حنيفة) كناية عما أخذه منه من علوم ، و كان أبو حنيفة من أصحاب علم الكلام و لكنه تحول إلى الفقه فراح يجمع حوله التلاميذ ثم يطرح القضية لمناقشتها فإذا نضجت دونت ، و قد منح تلاميذه قدرا كبيرا من الحرية فلم يتركوا مسألة دون نقاش بينما تجد إماما مثل مالك يملى على طلبته ما يراه دون مناقشة و كانت طريقة الأحناف مشجعة على إتاحة فرصة جيدة للتلاميذ للتدريب على الإجتهاد و ضبط المسائل كما سار الأحناف وفق منهج واضح يتحرى العلة و يبحث عنها و لكنهم إبتدأوا أولا بالفقه ثم إستخرجوا الأصول و القواعد منه فيما بعد و قد كان للإمام أبى حنيفة جمهور من التلاميذ على رأسهم أبو يوسف الذى سار قاضيا للقضاة و محمد بن الحسن الشيبانى و زفر بن الهزيل و الحسن بن زياد . و قد أوجدوا بعض المصطلحات الخاصة بهم فإذا إتفق أبو حنيفة و أبو يوسف قالوا (إتفق الصاحبان) و قد أطلق على الأحناف أهل الرأى و هو التوجه الشائع فى الكوفة ، و كان أبو حنيفة يعمل بكتاب الله أولا فإن لم يجد فسنة رسول الله صل الله عليه و سلم فإن لم يجد فى الكتاب أو السنة رجع إلى قول الصحابة أو الإجماع و إلا فالقياس أو الإستحسان أو العرف .
و قد كتب أبو حنيفة كثيرا فى مسائل الفقه إلا أن هذه الكتابات لم يصل إلينا منها شىء و قد ذكر المؤرخون أن لأبى حنيفة كتبا كثيرة منها كتاب ( العلم و التعلم) و كتاب (الرد على القدرية) و كتاب (الفقه الأكبر) هذا بالإضافة إلى أن أبا حنيفة قد إنفرد بإخراج 215 حديثا هذا بخلاف ما اشترك فى إخراجه مع بقية الأئمة كما أن له سندا روى فيه 118 حديثا كلها فى باب الصلاة و قد قام بجمع الأحاديث التى أخرجها أبو حنيفة "أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمى" فى 800 صفحة كبيرة و قد طبع هذا المسند فى مصر ، و يرجع كثيرا من العلماء أن تلاميذ أبى حنيفة تلقوا عنه الأخبار و الفقه و دونوها و قاموا بتبويبها و من ذلك كتاب الآثار لأبى يوسف و كتاب الآثار لمحمد بن الحسن و إن كان أبو حنيفة لم يدون بنفسه شيئا من محتويات هذه الكتب و قد قال عنه الإمام الشافعى ( ما طلب أحد الفقه إلا كان عيالا على أبى حنيفة) .. و من أقوال أبى حنيفة ما جاء عن الرسول صل الله عليه و سلم فعلى الرأس و العين و ما جاء عن الصحابة اخترنا و ما كان من غير ذلك فهم رجال و نحن رجال .. و كان من أشهر آرائه الفقهية ما قاله فى جواز إخراج زكاة الفطر نقودا و قد إشتهر المذهب الحنفى فى الكوفة و بغداد و مصر و الشام
و تونس و الجزائر و اليمن و فارس و الصين و سمرقند و الأفغان و القوقاز .
و كان الخليفة أبو جعفر المنصور قد حلف على أبى حنيفة أن يتولى القضاء و حلف أبو حنيفة ألا يفعل و قال "إن أمير المؤمنين أقدر منى على كفارة أيمانه" فأمر بحبسه حتى توفى رحمه الله فى السجن سنة 150 هـ.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:58


الإمام البخاري

نهض بالحديث النبوي دراية ورواية رجال نابهون من العرب أو من أصول غير عربية، لكن الإسلام رفع أصلهم، وأعلى العلم ذكرهم، وبوأهم ما يستحقون من منزلة وتقدير؛ فهم شيوخ الحديث وأئمة الهدى، ومراجع الناس فيما يستفتون.
وكان الإمام البخاري واحدًا من هؤلاء، انتهت إليه رئاسة الحديث في عصره، وبلغ تصنيف الحديث القمة على يديه، ورُزِق كتابه الجامع الصحيح إجماع الأمة بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، واحتل مكانته في القلوب؛ فكان العلماء يقرءونه في المساجد كما تتلى المصاحف، وأوتي مؤلفه من نباهة الصيت مثلما أوتي أصحاب المذاهب الأربعة، وكبار القادة والفاتحين.

المولد والنشأة
في مدينة "بخارى" وُلد "محمد بن إسماعيل البخاري" بعد صلاة الجمعة في (13 من شوال 194هـ = 4 من أغسطس 810م)، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء، واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا محدِّثًا، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم، وكانت أمه امرأة صالحة، لا تقل ورعًا وصلاحًا عن أبيه.
والبخاري ليس من أرومة عربية، بل كان فارسيَّ الأصل، وأول من أسلم من أجداده هو "المغيرة بن برد زبة"، وكان إسلامه على يد "اليمان الجعفي" والي بخارى؛ فنُسب إلى قبيلته، وانتمى إليها بالولاء، وأصبح "الجعفي" نسبًا له ولأسرته من بعده.
نشأ البخاري يتيمًا، فقد تُوفِّيَ أبوه مبكرًا، فلم يهنأ بمولوده الصغير، لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم، تدفعه إلى العلم وتحببه فيه، وتزين له الطاعات؛ فشب مستقيم النفس، عفَّ اللسان، كريم الخلق، مقبلا على الطاعة، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين.
وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث، ووجد حلاوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا، حتى إنه ليقول عن هذه الفترة: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في المكتب (الكُتّاب)، ولي عشر سنوات أو أقل". كانت حافظته قوية، وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئًا مما يُسمع أو يُقرأ، وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين.

الرحلة في طلب الحديث
ثم بدأت مرحلة جديدة في حياة البخاري؛ فشدَّ الرحال إلى طلب العلم، وخرج إلى الحج وفي صحبته أمه وأخوه حتى إذا أدوا جميعًا مناسك الحج؛ تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، ورجعت أمه وأخوه إلى بخارى، وكان البخاري آنذاك شابًّا صغيرًا في السادسة عشرة من عمره.
وآثر البخاري أن يجعل من الحرمين الشريفين طليعة لرحلاته؛ فظل بهما ستة أعوام ينهل من شيوخهما، ثم انطلق بعدها ينتقل بين حواضر العالم الإسلامي؛ يجالس العلماء ويحاور المحدِّثين، ويجمع الحديث، ويعقد مجالس للتحديث، ويتكبد مشاق السفر والانتقال، ولم يترك حاضرة من حواضر العلم إلا نزل بها وروى عن شيوخها، وربما حل بها مرات عديدة، يغادرها ثم يعود إليها مرة أخرى؛ فنزل في مكة والمدينة وبغداد وواسط والبصرة والكوفة، ودمشق وقيسارية وعسقلان، وخراسان ونيسابور ومرو، وهراة ومصر وغيرها…
ويقول البخاري عن ترحاله: "دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد".

شيوخه
ولذلك لم يكن غريبًا أن يزيد عدد شيوخه عن ألف شيخ من الثقات الأعلام، ويعبر البخاري عن ذلك بقوله: "كتبت عن ألف ثقة من العلماء وزيادة، وليس عندي حديث لا أذكر إسناده". ويحدد عدد شيوخه فيقول: "كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث".
ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، ومن شيوخه المعروفين الذين روى عنهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرازي.

العودة إلى الوطن
وبعد رحلة طويلة شاقة لقي فيها الشيوخ ووضع مؤلفاته العظيمة، رجع إلى نيسابور للإقامة بها، لكن غِيْرَة بعض العلماء ضاقت بأن يكون البخاري محل تقدير وإجلال من الناس؛ فسعوا به إلى والي المدينة، ولصقوا به تهمًا مختلفة؛ فاضطر البخاري إلى أن يغادر نيسابور إلى مسقط رأسه في بخارى، وهناك استقبله أهلها استقبال الفاتحين؛ فنُصبت له القباب على مشارف المدينة، ونُثرت عليه الدراهم والدنانير.
ولم يكد يستقر ببخارى حتى طلب منه أميرها "خالد بن أحمد الدهلي" أن يأتي إليه ليُسمعه الحديث؛ فقال البخاري لرسول الأمير: "قل له إنني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم".
لكن الحاكم المغرور لم يعجبه رد البخاري، وحملته عزته الآثمة على التحريض على الإمام الجليل، وأغرى به بعض السفهاء ليتكلموا في حقه، ويثيروا عليه الناس، ثم أمر بنفيه من المدينة؛ فخرج من بخارى إلى "خرتنك"، وهي من قرى سمرقند، وظل بها حتى تُوفِّيَ فيها، وهي الآن قرية تعرف بقرية "خواجة صاحب".

مؤلفاته
تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها:
q الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله (صل الله عليه وسلم) وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح.
q الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة.
q التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
q التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صل الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م).
q خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة (1306هـ = 1888م).
q رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية.
q الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م).
q وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير.
q صحيح البخاري
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (صل الله عليه وسلم)؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح".
وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.
وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.
وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.
ومن أشهر شروح صحيح البخاري:
q "أعلام السنن" للإمام أبي سليمان الخطابي، المُتوفَّى سنة (388هـ)، ولعله أول شروح البخاري.
q "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" لشمس الدين الكرماني، المتوفَّى سنة (786هـ = 1348م).
q "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر، المتوفَّى سنة (852هـ = 1448م).
q "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العيني سنة (855هـ = 1451م).
q "إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري" للقسطلاني، المتوفَّى (923هـ= 1517م).

وفاة البخاري
شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا..
فيقول عنه ابن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري".
وقال قتيبة بن سعيد: "جالست الفقهاء والعباد والزهاد؛ فما رأيت -منذ عقلت- مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة".
وقبَّله تلميذه النجيب "مسلم بن الحجاج" -صاحب صحيح مسلم- بين عينيه، وقال له: "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله".
وعلى الرغم من مكانة البخاري وعِظَم قدره في الحديث فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخارى؛ فأساء إليه، ونفاه إلى "خرتنك"؛ فظل بها صابرًا على البلاء، بعيدًا عن وطنه، حتى لقي الله في (30 رمضان 256هـ = 31 أغسطس 869م)، ليلة عيد الفطر المبارك.

من مصادر الدراسة:
q الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد- مكتبة الخانجي- القاهرة (1349هـ= 1931م).
q السبكي: طبقات الشافعية الكبرى- دار هجر- القاهرة (1413هـ= 1992م).
q ابن حجر العسقلاني: فتح الباري في شرح صحيح البخاري (المقدمة)- دار الريان للتراث- القاهرة (1409هـ = 1988م).
q يوسف الكتاني: الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث- مطبوعات مجلة الأزهر- القاهرة (1418هـ).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:59


الإمام الشافعي

نسبه ومولده ونشأته

هو أبو عبد الله محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب.

ولد بغزة في فلسطين على الأصح وفي رواية بعسقلان ، وفي أخرى باليمن عام 150 هـ لذلك فهو مولود في بلد غريب بعيد عن موطن قومه بمكة والحجاز، توفي أبوه قبل أن يعرفه محمد، وتركه لأمه، وكانت إمرأة من الأزد، فبدأ الإمام رضي الله عنه حياته وحليفاه اليتم والفقر، ورأت الأم أن تنتقل بولدها إلى مكة، فانتقلت به وهو صغير لايجاوز السنتين. قال الشافعي رضي الله عنه: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، يوم وفاة أبي حنيفة- فقال الناس : مات إمام وولد إمام ، وحملت إلى مكة وأنا إبن سنتين.

دراسته وتعلمه

في مكة المكرمة حفظ القرآن وهو حدث ، ثم أخذ يطلب اللغة والأدب والشعر حتى برع في ذلك كله . قال إسماعيل بن يحيى : سمعت الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا إبن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا إبن عشر سنين .

ثم رحل من مكة إلى بني هذيل وبق يفيهم سبعة عشر سنة، وكانوا أفصح العرب، فأخذ عنهم فصاحة اللغة وقوتها، ثم إنصرفت همته لطلب الحديث والفقه من شيوخهما، فحفظ الموطأ وقابل الإمام مالك فأعجب به وبقراءته وقال له: يابن أخي تفقه تعل.

وقال له أيضا: يا محمد إتق الله فسيكون لك شأن.

عنه رحلاته رضي الله عنه

رحل الإمام الشافعي رحلات كثيرة كان لها أكبر الأثر في علمه ومعرفته ،فقد رحل من مكة إلى بني هذيل ، ثم عاد إلى مكة، ومنها رحل للمدينة، ليلقى فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه، وبعد وفاة الإمام مالك رضي الله عنه، رحل إلى بغداد ، ثم عاد إلى مكة، ثم رجع إلى بغداد، ومنها خرج إلى مصر.

يقول إبن خلكان: " وحديث رحلته إلى الإمام مالك مشهور، فلاحاجة إلى التطويل فيه، وقدم بغداد سنة 195هـ، فأقام فيها سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة 198هـ فأقام شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة 199هـ وقيل سنة 201هـ ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة204هـ".

جمعه لشتى العلوم

حدث الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيه ومعانيه، فإذا إرتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف، رضي الله عنه.

وحدث محمد بن عبد الحكم قال: ما رأيت مثل الشافعي ، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له ، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه. وكان يحفظ عشرة آلاف بيت لهذيل إعرابها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتواريخ، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله تعالى.

قال مصعب بن عبد الله الزبيري: "ما رايت أعلم بأيام الناس من الشافعي".
وروي عن مسلم بن خالد أنه قال لمحمد بن إدريس الشافعي وهو إبن ثمان عشرة سنة:
"أفت أبا عبد الله فقد آن لك أن تفتي".

وقال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي فلم نحسن كيف نرد عليهم، حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا.

تواضعه وورعه وعبادته

كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس .

قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي.

قال حرملة بن يحيى:قال الشافعي:كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتره حقا فلا تقبلوه، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق.

قال الشافعي رضي الله عنه: والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

وقال أيضا: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و إعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني.

وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا ، أو جار ،أو صديقا.
قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة.

وقال أيضا: قال الشافعي: والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.

وقال : أيضا : كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.

فصاحته وشعره وشهادة العلماء له

لقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، إشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، إضافة إلى دراسته المتواصلة و إطلاعه الواسع حتى أضحى يرجع إليه في اللغة والنحو.

قال أبو عبيد: كان الشافعي ممن تؤخذ عنه اللغة .

وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة.

قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن أدريس.
قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا.
وقال أحمد بن حنبل: ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.

حدث أبو نعيم الاستراباذي، سمعت الربيع يقول: لو رأيت الشافعي وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته -التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة- لم يقدر على قراءة كتبة لفصاحته وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يجتهد في أن يوضح للعوام.

سخاؤه

أما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه.

وحدث محمد بن عبدالله المصري، قال: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد.

قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي : ألإلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى خلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط.

قال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمارّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.

وفاته رحمه الله

قال الربيع بن سليمان: توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة- بعد ما حل المغرب- آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.
قال إبن خلكان صاحب وفيات الأعيان: وقد أجمع العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة و النحو وغير ذلك على ثقته وأمانته وعدله وزهده وورعه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه.

ومن أروع مارثي به من الشعر قصيدة طويلة لمحمد بن دريد يقول في مطلعها:

ألم تر آثار ابن إدريس بعده

دلائلها في المشكلات لوامع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69623
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رجال خالدون Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال خالدون   رجال خالدون Emptyالإثنين 26 أكتوبر 2015 - 9:59


الإمام مسلم
بدأ تدوين الحديث النبوي رسميًا في خلافة عمر بن عبد العزيز بإشارة منه، فقد كتب إلى الأمصار يأمر العلماء بجمع الحديث وتدوينه، وكان فيما كتبه لأهل المدينة: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتبوه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله، ومنذ ذلك الوقت بدأ العلماء في همة عالية وصبر جميل يجمعون أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدونونها في كتب، ولم تكن المهمة يسيرة أو المسئولية سهلة، وتكاد تفوق في عظمها وجسامة المسئولية جمع القرآن الذي تم في عهد الصديق أبي بكر، فالقرآن محفوظ في صدور الصحابة على الترتيب الموجود بين أيدينا، ويصعب أن يختلط بغيره، أما السنة فأئمتها متفرقون في البلاد، ولا يعلم عدد أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأدخل الكذابون والوضاعون في الحديث ما ليس من كلام النبي -صل الله عليه وسلم- وكان هذا مكمن الصعوبة ويحتاج إلى مناهج غاية في الدقة والصرامة لتبين الحديث الصحيح من غيره، وهذا ما قام به جهابذة الحديث وأئمة العلم العظام.
وفي منتصف القرن الثاني الهجري بدأ التأليف في الحديث، فكان أول من جمع الحديث في مكة ابن جريح البصري المتوفى سنة 150 هـ = 768 ، ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة 151 هـ = 769م، في المدينة، ومعمر بن راشد المتوفى سنة 153 هـ = 770 في اليمن، وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156 هـ = 772م في البصرة، والليث بن سعد المتوفى سنة 175 هـ = 791م في مصر، ومالك بن أنس المتوفى سنة 179 هـ = 795م في المدينة.
وكانت معظم المؤلفات التي وضعها هؤلاء الصفوة الكرام تضم الحديث النبوي وفتاوى الصحابة والتابعين كما هو واضح في كتاب الموطأ للإمام مالك الذي ضم ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث، ثم تلا ذلك قيام بعض الحفاظ بإفراد أحاديث النبي -صل الله عليه وسلم- في مؤلفات خاصة بها، فظهرت كتب المسانيد التي جمعت الأحاديث دون فتاوى الصحابة والتابعين، وتجمع الأحاديث التي رواها الصحابي تحت عنوان مستقل يحمل اسمه، ويعد مسند أحمد بن حنبل هو أشهر كتب المسانيد وأوفاها فضلا عن كونه أكبر دواوين السنة.
حتى إذا كان القرن الثالث الهجري نشطت حركة الجمع والنقد وتمييز الصحيح من الضعيف، ومعرفة الرجال ودرجاتهم من الضبط والإتقان وحالهم من الصلاح والتقوى أو الهوى والميل، ولذا ظهرت الكتب التي رأى أئمة الحفاظ أن تجمع الحديث الصحيح فقط وفق شروط صارمة ومناهج محكمة، وكان أول من صنف في الحديث الصحيح الإمام البخاري ثم تبعه مسلم في كتابه صحيح مسلم وهو موضوع حديثنا.

المولد والنشأة
في نيسابور تلك المدينة العريقة التي اشتهرت بازدهار علم الحديث والرواية فيها ولد مسلم بن الحجاج سنة 206 هـ = 821م على أرجح أقوال المؤرخين، ونشأ في أسرة كريمة، وتأدب في بيت علم وفضل، فكان أبوه فيمن يتصدرون حلقات العلم، ولذا عني بتربية ولده وتعليمه، فنشأ شغوفًا بالعلم مجدًا في طلبه محبا للحديث النبوي، فسمع وهو في الثامنة من عمره من مشايخ نيسابور، وكان الإمام يحيى بن بكير التميمي أول شيخ يجلس إليه ويسمع منه، وكانت جلسة مباركة أورثت في قلب الصغير النابه حب الحديث فلم ينفك يطلبه، ويضرب في الأرض ليحظى بسماعه وروايته عن أئمته الأعلام.
وتذكر كتب التراجم والسير أن الإمام مسلم كان يعمل بالتجارة، وكانت له أملاك وضياع مكنته من التفرغ للعلم، والقيام بالرحلات الواسعة إلى الأئمة الأعلام الذين ينتشرون في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي.

رحلاته العلمية وشيوخه
ابتدأ الإمام مسلم رحلاته في طلب العلم، وكان ذلك سنة متبعة بين طلبة العلم، إلى الحجاز، ولم يتجاوز سنه الرابعة عشرة لأداء فريضة الحج، وملاقاة أئمة الحديث والشيوخ الكبار، فسمع في الحجاز من إسماعيل بن أويس، وسعيد بن منصور، ثم تعددت رحلاته إلى البصرة والكوفة وبغداد والري، ومصر، والشام وغيرها ولقي خلال هذه الرحلات عددًا كبيرًا من كبار الحفاظ والمحدثين، تجاوز المائة، كان من بينهم الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث وصاحب صحيح البخاري، وقد لازمه واتصل به وبلغ من حبه له وإجلاله لمنزلته أن قال له: "دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".
وكان من شيوخه محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل الحديث بخراسان، والحافظ الدارمي أحد الأئمة الحفاظ وصاحب مسند الدارمي، وعبد الله بن مسلمة المعروف بالقعنبي، وأبو زرعة الرازي محدث الري المعروف.

منزلته ومكانته
وقد أتت كل جهوده في طلب العلم ثمارها، وبارك الله له في وقته فحصل من العلم ما لا يجتمع للنابغين حيث رزقه الله ذاكرة لاقطة، وعقلا راجحًا، وفهمًا راسخًا، وقد لفت ذلك أنظار شيوخه، فأثنوا عليه وهو لا يزال صغيرًا غض الإهاب، فتنبأ له شيخه إسحاق بن راهويه في نيسابور حين رأى دأبه وحرصه فقال: أي رجل يكون هذا؟! وعده شيخه محمد بشار من حفاظ الدنيا فيقول: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة الرازي بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.
وأثنى عليه أئمة الحديث ونعتوه بأوصاف الإجلال والإكبار، ومن أجمع الأوصاف ما ذكره القاضي عياض بقوله: هو أحد أئمة المسلمين وحفاظ المحدثين، ومتقني المصنفين، أثنى عليه غير واحد من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، وأجمعوا على إمامته وتقدمه وصحة حديثه، وتمييزه وثقته وقبول حديثه.

مؤلفاته
كان الإمام مسلم بن الحجاج من المكثرين في التأليف في الحديث وفي مختلف فنونه رواية ودراية، وصل إلينا منها عدد ليس بالقليل، وهو شاهد على مكانة الرجل في علم الحديث، وهي مكانة لم يصل إليها إلا الأفذاذ من المحدثين أصحاب الجهود المباركة في خدمة السنة، وممن رزقوا سعة الصيت ورزقت مؤلفاتهم الذيوع والانتشار.
ومن مؤلفاته الكنى والأسماء، وطبقات التابعين ورجال عروة بن الزبير، والمنفردات والوجدان، وله كتب مفقودة، منها أولاد الصحابة، والإخوة والأخوات، والأقران، وأوهام المحدثين، وذكر أولاد الحسين، ومشايخ مالك، ومشايخ الثوري ومشايخ شعبة.

صحيح مسلم
غير أن الذي طير اسم مسلم بن الحجاج وأذاع شهرته هو كتابه العظيم المعروف بصحيح مسلم، ولم يعرف العلماء قدر صاحبه ومعرفته الواسعة بفنون الحديث إلا بعد فراغه من تأليف كتابه، وبه عرف واشتهر، يقول النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: "وأبقى له به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين".
وقد بدأ تأليف الكتاب في سن باكرة في بلده نيسابور بعد أن طاف بالبلاد وقابل العلماء وأخذ عنهم، وكان عمره حين بدأ عمله المبارك في هذا الكتاب تسعًا وعشرين سنة، واستغرق منه خمس عشرة سنة حتى أتمه سنة (250 هـ = 864م) على الصورة التي بين أيدينا اليوم.
وقد جمع الإمام مسلم أحاديث كتابه وانتقاها من ثلاث مائة ألف حديث سمعها من شيوخه في خلال رحلاته الطويلة، وهذا العدد الضخم خلص منه إلى 3033 حديثًا من غير تكرار، في حين يصل أحاديث الكتاب بالمكرر ومع الشواهد والمتابعات إلى 7395 بالإضافة إلى عشرة أحاديث ذكرها في مقدمة الكتاب.
وهذه الأحاديث التي انتقاها رتبها ترتيبًا حسنًا، وجعلها سهلة التناول، فرتبها على الأبواب، وجعل كل كتاب يحوي أبوابًا تندرج تحته، وقد بلغت كتب الصحيح حسب ترقيم العالم الجليل محمد فؤاد عبد الباقي 54 كتابًا، تبدأ بكتاب "الإيمان" ويندرج تحته عدة أبواب مثل: باب إن الدين النصيحة، وباب بيان خصال المناق، بيان تحريم الكبر، وتلا كتاب الإيمان كتاب الطهارة، ثم كتاب الحيض، ثم كتاب الصلاة، وينتهي صحيح مسلم بكتاب التفسير وهو الكتاب الرابع والخمسون.
والتزم مسلم بأن جعل لكل حديث موضعًا واحدًا، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوه الحديث وما بين سنده ومتنه من فروق وقد تلقت الأمة بالقبول صحيح مسلم وقرنته بصحيح البخاري، وعدت ما فيهما من الحديث صحيحًا مقطوعًا بصحته، وقارن بعض العلماء بينهما، ومال بعضهم إلى تفضيل صحيح مسلم على نظيره البخاري، لكن الذي نص عليه المحققون من أهل العلم أن صحيح البخاري أفضل من حيث الصحة، وصحيح مسلم أفضل من حيث السهولة واليسر حيث يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد ولا يقطعها في الأبواب مثلما يفعل البخاري.
وقد اعتنى العلماء بصحيح مسلم وخدموه خدمة عظيمة، فوضعوا له عشرات الشروح، ومن أشهر هذه الشروح: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، والمنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، وإكمال العلم لمحمد بن خليفة المعروف بالأبي، والشروح الثلاثة مطبوعة متداولة.
وامتدت العناية إلى رجال صحيح مسلم، فصنف كثير من العلماء في هذا الاتجاه، مثل كتاب رجال صحيح الإمام مسلم لابن منجويه الأصبهاني، ورجال مسلم بن الحجاج لابن شبرين الأنصاري، وتسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم عن البخاري للذهبي.
وبلغت عناية العلماء بصحيح مسلم أن وضعوا له مختصرات، وجردوه من أسانيد وأحاديثه المكررة، مثل: مختصر صحيح مسلم للقرطبي، والجامع المعلم بمقاصد جامع مسلم للمنذري.
وجمع بعض العلماء بين الصحيحين في كتاب واحد، مثل: الجمع بين الصحيحين للجوزقي، والجمع بين الصحيحين للبغوي، وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي، واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي.
وقد طبع صحيح مسلم طبعات عديدة منفردًا مرة، ومقرونًا مع شرح له مرة، غير أن أفضل طبعاته هي التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي، ورقم أحاديثها ووضع لها فهارس تفصيلية.

وفاته
ظل الإمام مسلم بن الحجاج بنيسابور يقوم بعقد حلقات العلم التي يؤمها طلابه والمحبون لسماع أحاديث النبي صل الله عليه وسلم، ومن أشهر تلاميذه الذين رحلوا إليه أبو عيسى الترمذي، ويحيى بن صاعد، وابن خزيمة وأبو بكر محمد بن النضر الجارودي وغيرهم، كما شغل وقته بالتأليف والتصنيف حتى إن الليلة التي توفي فيها كان مشغولا بتحقيق مسألة علمية عرضت له في مجلس مذاكرة، فنهض لبحثها وقضى ليله في البحث، لكنه لقي ربه قبل أن ينبلج الصباح في 25 من رجب 261 هـ = 6 من مايو 875م، وهو في الخامسة والخمسين من عمره، ودفن يوم الإثنين في مقبرته بنصر آباد في نيسابور.
من مصادر الدراسة:
v الذهبي – سير أعلام النبلاء – تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين – مؤسسة الرسالة – بيروت 1412 هـ = 1992م.
v ابن منظور مختصر تاريخ دمشق (ابن عساكر – تحقيق إبراهيم صالح – در الفكر – دمشق – 1409 هـ = 11989م).
v ابن خلكان – وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1397 هـ = 1977م.
v أحمد أمين – ضحى الإسلام – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة – 1956م.
v مشهور حسن محمود سليمان – الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح – دار القلم – دمشق 1414 هـ = 1994م.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رجال خالدون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رجالٌ خالدون
» رجالٌ خالدون: قصص الصحابة والصالحين في التاريخ الإسلامي
» علم رجال الحديث
» أين ذهب رجال الدولة
» هذا ما يفعله رجال الاطفاء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة :: سلسلة الصحابة-
انتقل الى: