التنازل عن مواصفات الشريك، هل يحكمه العمر؟

بعد أن بلغت سامية الثلاثين من عمرها، بدأت بتغيير شروطها في مواصفات فارس الأحلام الذي لطالما تمنته وهي في العشرين من العمر، حيث لم تعد ترفض مقابلة أي شخص إن كان غير متعلم أو غير وسيم، أو وضعه المادي سيئا، على عكس ما كانت قناعاتها السابقة. سامية التي تزوجت وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها؛ انصاعت لقطار العمر، حيث ارتبطت برجل تجاوز عمره 48 عاما، وهو مطلق وله ولدان. وظلت سامية تحتفظ بمواصفات شريك الحياة الذي كانت ترغب أن تتزوج به بداخلها، غير أن ضغوطات المحيطين عليها ووصفها احيانا بـ»العانس» الى جانب نصائح صديقاتها بأن شروطها «صعبة» دفعتها للتنازل عن شروطها السابقة.
وتتشابه قصة «سامية» مع كثير من الفتيات اللواتي تدفعهن الظروف وربما التقدم بالعمر الى تغيير «شروطهن» بالزواج. وأحيانا التنازل عنها من أجل أن لا يمضين الحياة دون زواج واستقرار، وربما تكون غالبا الخيارات المتاحة امامهن حينها «ضئيلة» فيرتضين قبول الأسوأ في ظل اجحاف المجتمع والتقليل من شأن الفتاة التي تتقدم بالعمر، على النقيض من الرجل الذي ان كبر بالسن تبقى خياراته كما هي ولا تتغير وكأنه الشاب العشريني يبحث عن فتاة جميلة ومتعلمة وغيرها من الصفات.
الفتاة ترسم بمخيلتها رؤيا لفتى الأحلام الذي قد ينفصم عن الواقع أحياناً ، ولكن صورته تبقى ذكرى في البال لا تُمحى على مر السنين ، وبالرغم من أنها مهمة لم تكن سهلة على الإطلاق أن تدخل قلب إنسان أفرغه انتظار الحبيب الموصوف، وحوله تقدم العمر إلى مجرد حجر شطرنج أو رقم هامشي في زاوية معتمة، في مرحلة المراهقة تبدأ أي فتاة برسم ملامح فتى الأحلام مصغية لصوت القلب ، متأثرة بقصص الحب الرومانسية ، ولكن كما ترى سمية نصر (43 عاماً) بأن أي فتاة وبعد اكتمال نضوجها الجسدي والنفسي تتبلور شخصيتها ليبدأ صوت العقل بغربلة كل ملامح فتى الأحلام مكتفياً بالمعقول منها ، وهذا ما شعرت به بالفعل ، فعندما كنت في العشرين من عمري كنت أحلم بفتى وسيم ذي كلام معسول ، وعندما كبرت نضجت مشاعري وانحصر تفكيري بالاقتران برجل محترم كريم ومقتدر مادياً ، وعلى هذا الأساس تم زواجي الذي لا يزال مستمراً بنجاح حتى الآن.
متى تتغير نظرة المجتمع؟
قد يكون هذا الكلام صحيحاً ولكن أيضاً في المقابل نجد أسباباً أخرى لا تتعلق بالفتاة وإنما بمحيطها، إذ سرعان ما تظهر أسباب مجتمعية وأحكام لقيم مطلقة يفرضها المجتمع تحت يافطات (العانس ، والبنت كبرت..) وسواها ، لتبدأ الفتاة بمحو بعض من ملامح فتى أحلامها وصولاً إلى تلك التي تحقق لها معادلة الزواج من شريك حتى وإن كان نسخة معدلة أو ربما مشوهة عن فتى أحلام الماضي.
وهنا تكمن المشكلة ويبدأ السؤال الذي تطرحه السيدة حنان(39 )عاماً باستنكار: متى تتغير نظرة المجتمع التي لا ترحم الفتاة أبداً ، والتي ترفض احترام الأنثى في حال عدم اقترانها برجل؟.
هذا السؤال عانت منه السيدة حنان الأمرّين بسبب نعتها بلقب (العانس) منذ سنوات عدة، وتتذكر حنان قائلة: كانت سنوات قاسية ومظلمة دفعتني للارتباط أخيراً برجل لا يمت بصلة لصورة فتى أحلامي التي رسمتها في مخيلتي منذ زمن بعيد ، وكل ذلك في سبيل حصولي على لقب (زوجة) لأتخلص من نظرة المجتمع السوداوية.
الكيل بمكيالين
يقول ابراهيم حسن (24) عاما: المجتمع يكيل بمكيالين، فللرجل ان يضع المواصفات التي يريدها في المرأة، اما المرأة فلا يحق لها ابدا ان تفكر في هذا الامر، وهو امر اتفقت عليه كل الشعوب في حالة انحسار الحضارة عنها، لذلك نرى المرأة التي تنتظر فارس الاحلام ، تعاني الامرين ، في حين لا يكون امام الفارس سوى الوصول بفرسه الى المكان كي يأخذ المرأة بكل يسر وسهولة. ان هذه النظرة هي التي اكدت قيم المجتمعات كلها، وهذا ما يجب ان نسعى الى تغييره.
الصورة المثالية المفقودة
اما رؤى ( 18) عاما، فتقول : انا مثل اية فتاة رسمت صورة للانسان الذي يمكن ان تقترن به، ولكنني لا اذهب الى المثالية الى ابعد حدودها، فانا اعرف ان اي انسان مهما اكتمل لن يصل الى الصورة المثالية التي تريدها الفتاة ، لذلك فانني افتش دائما عن انصاف الحلول، اي ان يكون وسيما بعض الشيء، لكن الصفة التي لن اتنازل عنها هو ان يكون حنونا.
ام احمد ( 60 ) عاما ، تقول : كثيرات هن اللواتي وصلن الى سن العنوسة نتيجة اصرارهن على مواصفات معينة في الزوج ، وانا اعرف الكثيرات اللواتي لاحت لهن فرص الاقتران بازواج رائعين، إلا أنهن فضلن المواصفات التي في الخيال على مواصفات الواقع، لكنني اعتقد ان فتيات هذه الايام اكثر قدرة على تجاوز مثل هذه القضية لأنهن اصبحن على تماس كامل مع الطرف الاخر ، واصبحن يعرفن كل شيء عن زوج المستقبل قبل الاقتران به، واعتقد ان هذا التماس أسهم في ايجاد نوع من التنازل من قبل الفتاة اذا ارادت الاقتران بانسان يمتلك بعضا من مواصفات رجل الخيال.
الروح قبل الشكل
مصطفى نبيل، ( 35 ) يبين: المجتمع يمنح الرجل فرصا كثيرة على عكس المرأة، فنجد رجالا بعمر يتجاوز الخمسين يتزوجون فتيات بعمر العشرين، وهذا امر غير منصف حقا، الا انه حصيلة افكار المجتمع التي لا تتغير، والرجل عندما يكون حامل لصفات معينة يستطيع ان يتزوج من ومتى مايريد، ومن اهم الصفات صفة كونه رجلا غنيا فبعض الفتيات لا يضعن فارق العمر من اهم جوانب دراسة هذا الزواج مادام المال متوافرا، يجب ان تتغير عقلية المجتمع حتى تتغير هذه المقاييس الظالمة.
التفكير جيدا بالزواج
تبين الاخصائية الاجتماعية رانية الحاج علي بأن الفتيات اللواتي تعدين الثلاثين عاما بالأردن ولم يسبق لهن الزواج عددهن يقارب 150 الف فتاة، الى جانب ارتفاع نسبة الذكور بنفس الفئة ولم يتزوجوا وبلغت 120 ألف شاب. أن متوسط الزواج في الاردن بلغ العام الحالي (27 عاما)، وهو ما يعني أن الفتاة ليس عليها التنازل عن الشروط بل استبعاد بعض الشروط الكمالية التي قد تكون وضعتها ضمن خياراتها للقبول بالزواج.
وتدعو الحاج علي الفتيات بعدم التنازل عن شروطهن الاساس للارتباط والتفكير بالزواج؛ إذ يجب أن تتخلى بعضهن عن وضع شروط «كمالية» والتي تتمثل في البذخ والحفلات والمبالغة والتباهي بالمهر لأن تلك الامور ليست شرطا لإتمام الزواج، ولا شك في أن الفتاة كلما تقدمت بالسن شعرت بحاجتها الى الاستقرار، وذلك يجعل بعضهن يقمن بالتنازل واحيانا بعدم التريث حتى بالأساسيات لمجرد الخلاص من نظرات المجتمع وغيرها من الأمور»

.