توريث «الوظيفة العليا في الأردن»

توريث «الوظيفة العليا في الأردن»
بسام البدارين
SEPTEMBER 22, 2015

أعرف شخصيا عائلة مكونة من خمسة رجال راشدين أصبح ثلاثة منهم وزراء بينما يناضل الرابع للسنة العشرين على الأقل حتى يحظى بالوظيفة ولقب «معالي».
وأعرف عائلة أخرى حظي فيها الجد والإبن والحفيد بوظيفة من وزن وزارة في الأردن.
بمناسبة الحديث عن تعيين إبن سفير بوظيفة ملحق دبلوماسي في الأردن قبل تخرج «الصبي» سأزيدكم من الشعر بيتا :إذا كنت أردنيا وتحلم بوظيفة عليا أو تخطط لها فالفرصة الوحيدة أمامك للإنضمام إلى سكان الطبقة العليا ان تكون من العائلات إياها التي يتم تداول وتدوير الوظائف العليا بين أفرادها.
إذا كنت شابا طموحا في عمان فلا تقلق كثيرا أمامك بصورة عامة رافعات محددة للوصول للمنصب الرفيع…عشيرتك وتمثيلك الجهوي..قدرتك على تأنيث تمثيل اي من المكونات الإجتماعية الرئيسية بما يتطلبه الأمر من طاقة على التضليل وقدرة على التسحيج ويا ليت التسحيج في هذه الحالة لرأس الدولة أو النظام بل لمن هم أقل شانا بكثير من حملة المباخر وموصلي الحرارة بسرعة.
بين الروافع ايضا المال ورأس المال وقدرة الحيتان والقطط السمينة على رعايتك والعناية بك وزرعك في السيستم لكي تمثل مصالحهم ومطالبهم فلا حاجة حتى الآن على الأقل لانتخابات ولا لأحزاب ويكفيك من الحظ ان تكون عضوا في نادي الروافع إياه.
بطبيعة الحال ثمة رافعة طريفة يمكن ركوبها بصورة موسمية وغير متكررة فإذا كنت صاحب صوت مرتفع في المعارضة او إدعاء المعارضة او المناكفة وأحيانا الشغب يمكنك ان تحصل على فرصة محصورة بتولي مسلسل «المزاودة» على كل من يعارض او يناكف في الشارع بعدك.
الثقافة والوعي والوطنية والإحساس بالمسؤولية معايير لا تنفع من يخطط للإنضمام لنادي الموظفين الكبار الجدد مع ان الإدارة يوجد فيها مخلصون وبيرقراطيون شرفاء.
أما الكفاءة فحدث عنها ولا حرج فهي نادرة والمعيار الأخير في السلم الوظيفي وفي الكثير من الأحيان تخدم الصدفة شخصا ما فيصبح وزيرا وبعد كل هذه المعاناة يسألك علية القوم عن اسباب ومبررات الترهل الإداري وعن مسوغات التباطؤ في تمرير الإصلاحات وعن خلفيات سقوط الكثير من الأحلام والمشاريع.
لافت جدا في السياق ان ماكينة النخب تذهب بعيدا وهي تمارس التوريث بكل الأصناف فكل فيل يدخل إلى حقل الجرار يحطم ما يستطيع من طموح شباب الكفاءة والمهنيين في كل قطاع ويسمح بتسرب وترقية من هم أضعف منه فقط حتى يضمن البقاء في الوظيفة لأبعد سقف زمني ممكن.
تنفرد النخب الأردنية العليا بميزة أعتقد بانها غير موجودة في العالم وهي القدرة على إحباط اي كفاءة او طموح وتحطيم اي فرصة حقيقية على الاعتبارات المهنية وحراسة قانون التوريث الضمني الصامت فإبن الوزير وزير بإنتظار الحقيبة وإبن السفير على الأرجح دبلوماسي رفيع وغالبا لا تفلت المؤسسات العامة ولا حتى بعض المؤسسات السيادية من هذه الاعتبارات وهو برأيي الشخصي أخطر ما يمكن ان يحصل خصوصا وان أصحاب القرار المرجعي يتركون شأن التوظيف للمسؤولين الذين يتولون ثقتهم وهؤلاء آخر ما يراعونه الكفاءة والمهنية رغم الإدعاء بالشفافية في التعيين وتشكيل عشرات اللجان.
إذا رضي عنك ثلاثة من الأربعة الكبار في الإدارة العليا فستجلس بكل تأكيد على كرسي الوظيفة العليا وسيتقاذفك القوم مرة في وزارة وأخرى في سفارة وعند التقاعد وبطء الحركة يمكنك الإنضمام إلى متاحف الوظائف العليا المتعددة من رئاسة مجالس إدارات شركات كبرى إلى مجالس أمناء ثم مجالس أعيان وإذا لم يتوفر لك شاغر وكنت مقطوع الوصف وتشكل «ضرورة وطنية ملحة» يتدبرك القوم في انتخابات عامة مزورة لتصبح بين المشرعين ثم تمارس بدورك المهمة الوطنية المقدسة التي يغلفها الأفاقون بشعار «الولاء والإنتماء» وهي مهمة تتمثل في أحباط المزيد من الأردنيين الوطنيين المهنيين وفي كل المساحات والقطاعات.
وبسبب الزحام الشديد على تداول وتداور نحو 500 شخص في أكثر الأحوال بمواقع الصف الأول يمكنك عند الزحمة تشكيل تيار سياسي او حزب أو جماعة ضغط أو مجموعة حراك مشاغبة.
الوظائف العليا قليلة في الأردن بل نادرة لكن أصحابها ينجبون المزيد من الأولاد كغيرهم وهؤلاء لا يمكنهم العمل في القطاع الخاص او التحول لمهنيين رفيعي المستوى والمكان الأنسب لهم دوما هو وظيفة عليا أخرى بدون المساس بوظيفة الأب الحنون او العم العزيز.
الزحام شديد في بعض الأحيان على اللجان العليا الغارقة في التكسب والمياومات أو على مجالس الإدارة التي لا يدري أحد كيف وعلى أي أساس تشكل أصلا وعلى وظائف السفارات والانتداب الإداري.
وبسبب «التنفيعات» ومتطلبات بقاء الحالة كما هي لأن الجميع من علية القوم إلى قواعدهم يخشون التغيير..بسبب ذلك يحصل الحردانون او من لا موقع لهم على جوائز ترضية موسمية متكررة ويتطور الأمر حتى تصبح هذه التداولات من واجبات الدولة والنظام ومن حقوق هؤلاء الآباء الذين أفنوا عمرهم في الإثراء على حساب الوطن والناس والنظام وأقل مكافأة منطقية تكون وظيفة عليا للولد او للحفيد.
..انشدت كل هذه الإسطوانات دفعة واحدة بوحي مما رددته الوسائط المحلية خلال اليومين الماضيين عن تعيين إبن سفير بوظيفة ملحق دبلوماسي وهو على مقاعد الدراسة الجامعية.
تلك قد تكون أهون المصائب في الإدارة الأردنية ونقولها بصراحة الرعاية مركزية في مواقع القرار لتوريث الوظيفة العليا والحرص على بقاء الأمور كما هي على الأقل حتى الآن وأي رغبة في التغيير والاستجابة لمتطلبات خطة الإصلاح الملكية الطموحة يقاومها المنتفعون والانتهازيون وأعضاء نادي توريث الوظيفة.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

بسام البدارين