منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شجرة الانبياء

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالخميس 1 أكتوبر 2015 - 10:16

شجرة الانبياء Untitl13

http://www.yabeyrouth.com/pages/index1099.htm




آدم  عليه السلام

أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.

خلق آدم عليه السلام:

أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض. فقال الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُفِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).

ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض , أو إلهام وبصيرة , يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق , ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض , وأنه سيسفك الدماء . . ثم هم - بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق - يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له , هو وحده الغاية للوجود . . وهو متحقق بوجودهم هم , يسبحون بحمد الله ويقدسون له, ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته !

هذه الحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب . لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى , في بناء هذه الأرض وعمارتها , وفي تنمية الحياة , وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها , على يد خليفة الله في أرضه . هذا الذي قد يفسد أحيانا , وقد يسفك الدماء أحيانا . عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء , والخبير بمصائر الأمور(إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).

وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة . وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله ، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله . ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه . إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن .

أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنهسيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.

جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر - ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة - ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون. تعفن الطين وانبعثت له رائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟


سجود الملائكة لآدم:

من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم .. سواه بيديه سبحانه ، ونفخ فيه من روحه سبحانه .. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له .. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد .. فهل كان إبليس من الملائكة ? الظاهر أنه لا . لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . . وسيجيء أنه خلق من نار . والمأثور أن الملائكة خلق من نور . . ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود .


أما كيف كان السجود ? وأين ? ومتى ? كل ذلك في علم الغيب عند الله . ومعرفته لا تزيد في مغزى القصةشيئاً..

فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) . فردّ بمنطق يملأه الحسد: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) . هنا صدر الأمرالإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه (مِنْهَا) فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .

قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) (ص)

هنا تحول الحسد إلى حقد . وإلى تصميم على الانتقام في نفس إبليس: (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .واقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب , وأن يمنحه الفرصة التي أراد. فكشفالشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ويستدرك فيقول: (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُالْمُخْلَصِينَ) فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين .

وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه . إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين . لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان . لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم ! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده ; والعاصم الذي يحول بينهم وبينه . إنه عبادة الله التي تخلصهم لله . هذا هو طوق النجاة .وحبل الحياة ! . . وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة . فأعلن - سبحانه - إرادته . وحدد المنهج والطريق: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) .

فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم , يخوضونها على علم . والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين . وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان . وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين . فأرسل إليهم المنذرين .

تعليم آدم الأسماء:

ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري , وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) . سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات . سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة - رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة . وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض . ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى , لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات , والمشقة في التفاهم والتعامل , حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه . . الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة ! الشأن شأن جبل . فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس . . . إنهامشقة هائلة لا تتصور معها حياة ! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .

أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية , لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم . ومن ثم لم توهب لهم . فلما علم الله آدم هذا السر , وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء . لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص . . وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم , والاعتراف بعجزهم , والإقرار بحدود علمهم , وهو ما علمهم . . ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء . ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .

أراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ماكتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام.. وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض.

إن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.


سكن آدم وحواء في الجنة:

كان آدم يحس الوحدة.. فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء. وأسكنهما الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.

لم يعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه يوما بعد يوم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .

تسائل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلا منها. نسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.

ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.

لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري. وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.


هبوط آدم وحواء إلى الأرض:

وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.

يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أماتجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.


هابيل وقابيل:

لا يذكر لنا المولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض. لكن القرآن الكريم يروي قصة ابنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل. حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض. وكانت قصتهما كالتالي.

كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل. قال تعالى في سورة (المائدة):

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) (المائدة.

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل. عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء:

إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) (المائدة.

انتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا. بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. فقام إليه أخوه قابيل فقتله. قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض. كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد. وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت. وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهو يصرخ.

انلع حزن قابيل على اخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم. اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى. نقص أبناء آدم واحدا. وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم. واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه.

قال آدم حين عرف القصة: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه. مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني. صلى آدم على ابنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه. ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.


موت آدم عليه السلام:

وكبر آدم. ومرت سنوات وسنوات.. وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة. قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.


وفي موته يروي الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقطمن ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته،وخطىء آدم فخطئت ذريته".


شجرة الانبياء Index812


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 6:22 عدل 5 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالخميس 1 أكتوبر 2015 - 10:29

شجرة الانبياء Untitl14
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 2 أكتوبر 2015 - 6:29

إدريس عليه السلام

[rtl]نبذة:[/rtl]


[rtl]كان صديقا نبيا ومن الصابرين، أول نبي بعث في الأرض بعد آدم، وهو أبو جد نوح، أنزلت عليه ثلاثون صحيفة، ودعا إلى وحدانية الله وآمن به ألف إنسان، وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبسها، وأول من نظر في علم النجوم وسيرها.[/rtl]


[rtl]سيرته:[/rtl]


[rtl]إدريس عليه السلام هو أحد الرسل الكرام الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابة العزيز، وذكره في بضعة مواطن من سور القرآن، وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً أي يجب اعتقاد نبوته ورسالته على سبيل القطع والجزم لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.[/rtl]


[rtl]نسبه:[/rtl]


[rtl]هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم عليه السلام واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح عليه السلام. وهو أول بني آدم أعطي النبوة بعد (آدم) و (شيث) عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم عليه السلام 308 سنوات لأن آدم عمر طويلاً زهاء 1000 ألف سنة.[/rtl]


[rtl]حياته:[/rtl]


[rtl]وقد أختلف العلماء في مولده ونشأته، فقال بعضهم إن إدريس ولد ببابل، وقال آخرون إنه ولد بمصر والصحيح الأول، وقد أخذ في أول عمره بعلم شيث بن آدم، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهي المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة (آدم) و (شيث) فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع خفير، فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل (بابل) فقال إذا هاجرنارزقنا الله غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق. وكانت له مواعظ وآداب فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، [/rtl]


[rtl]وامرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة منالجنابة، وحرم المسكر من كل شي من المشروبات وشدد فيه أعظم تشديد وقيل إنه كان في زمانه 72 لساناً يتكلم الناس بها وقد علمه الله تعالى منطقهم جميعاً ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم. وهو أول من علم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدناً في أرضها وأنشئت في زمانه 188 مدينة وقد اشتهر بالحكمة فمن حكمة قوله (خير الدنيا حسرة، وشرها ندم) وقوله (السعيد من نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وقوله (الصبر مع الإيمان يورث الظفر).[/rtl]


[rtl]وفاته:[/rtl]


[rtl]وقد أُخْتُلِفَ في موته.. فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}؟ فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم - لعله من أهل زمانه -فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال "له": إن الله أوحى إلي كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً}. ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده فقال لذلك الملك سل لي ملك الموت كم بقي من عمري؟ فسأله وهو معه: كم بقي من عمره؟ فقال: لا أدري حتى أنظر، فنظر فقال إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر. وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.[/rtl]


[rtl]وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى. إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رفع حياً إلى السماء ثم قبض هناك. فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار. والله أعلم.[/rtl]


[rtl]وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً) رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد. وقال الحسن البصري: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّا)ً قال: إلى الجنة، وقال قائلون رفع في حياة أبيه يرد بن مهلاييل والله أعلم. وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح بل في زمان بني إسرائيل.[/rtl]

قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه لما مرّ به عليه السلام قال له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم و إبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له.
[rtl]وهذا لا يدل ولابد، قد لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة كما انتصب لآدم أبي البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن، وأكبر أولي العزم بعد محمدصلوات الله عليهم أجمعين.[/rtl]





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 2 أكتوبر 2015 - 6:36

نوح عليه السلام
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]كان نوح تقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلك استمر يدعوهم إلى الدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس، واستمر الكفرة في طغيانهم فمنع الله عنهم المطر ودعاهم نوح أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب ولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة ثم أمره الله ببناء السفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين.[/rtl]
[rtl]حال الناس قبل بعثة نوح:[/rtl]
[rtl]قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح، عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا). بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثمنسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة، وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر.. وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.[/rtl]
[rtl]إرسال نوح عليه السلام:[/rtl]
[rtl]كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم. وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة. فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:[/rtl]
[rtl]يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[/rtl]
[rtl]بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية.. وحقيقة البعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة.. وهناك موت ثم بعث ثم يوم للقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد هو الخالق. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع، حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.[/rtl]
[rtl]تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته. لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة.. أما الأغنياء والأقوياء والكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك… ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.. فقد بدءوا حربهم ضد نوح.[/rtl]
[rtl]في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:[/rtl]
[rtl]فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا[/rtl]
[rtl]قال تفسير القرطبي: الملأ الذين كفروا من قومه هم الرؤساء الذين كانوا في قومه. يسمون الملأ لأنهم مليئون بما يقولون.[/rtl]
[rtl]قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.[/rtl]
[rtl]رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.[/rtl]
[rtl]في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.[/rtl]
[rtl]هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.[/rtl]



[rtl]واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.[/rtl]
[rtl]كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.[/rtl]
[rtl]قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.[/rtl]
[rtl]وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.[/rtl]
[rtl]وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):[/rtl]
[rtl]قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ34) (هود)[/rtl]
[rtl]أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه. بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها. يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار كفار قوم نوح طريق الغواية فيسره الله لهم.[/rtl]
[rtl]وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:[/rtl]
[rtl]قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ 60) (الأعراف)[/rtl]
[rtl]ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:[/rtl]
[rtl]قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 62)  الأعراف)[/rtl]
[rtl]ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.[/rtl]
[rtl]وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما يكون هذا العمرالطويل لنوح معجزة خاصة له.[/rtl]
[rtl]وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:[/rtl]
[rtl]وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا 26) نوح)[/rtl]
[rtl]برر نوح دعوته بقوله:[/rtl]
[rtl]إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا 26)  نوح)[/rtl]
[rtl]الطوفان:[/rtl]
[rtl]ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان. أخبر الله تعالى عبده نوحا أنه سيصنع سفينة (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أي بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة. أصدر الله تعالى أمره إلى نوح: وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم).[/rtl]
[rtl]وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة، وقد اختلف المفسرون في حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها، ومدة عملها، والمكان الذي عملت فيه، ومقدار طولها، وعرضها، على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء. وقال الفخر الرازي في هذا كله: أعلم أن هذه المباحث لا تعجبني، لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة، ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا. نحن نتفق مع الرازي في مقولته هذه. فنحن لا نعرف عن حقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به. تجاوز الله تعالى هذه التفصيلات التي لا أهمية لها، إلى مضمون القصة ومغزاها المهم.[/rtl]
[rtl]بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة، والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟ أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح. وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا![/rtl]
[rtl]إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه المساحة الزمنية، إن الباطل يسخر من الحق. يضحك عليه طويلا، متصورا أن الدنيا ملكه، وأن الأمن نصيبه، وأن العذاب غير واقع.. غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان. عندئذ يسخر المؤمنون من الكافرين، وتكون سخريتهم هي الحق.[/rtl]
[rtl]انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله. أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان. قيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة، وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح، إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة.[/rtl]
[rtl]وجاء اليوم الرهيب، فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به، وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض. حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين، بقرا وثورا، فيلا وفيلة، عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة، إلى آخر المخلوقات. كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين، لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض، وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها، فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير. وبدأ صعود السفينة. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا.[/rtl]
[rtl]لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد، وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح، فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى، فلم تصعد. وصعد المؤمنون. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.[/rtl]
[rtl]ارتفعت المياه من فتحات الأرض. انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض. فالتقتأمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة. فقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة، وتكتسح الأرض. وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.[/rtl]
[rtl]ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال، وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه. كان ابنه يقف بمعزل منه. ويحكي لنا المولى عز وجل الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وابنه قبل أن يحول بينهما الموج فجأة.[/rtl]
[rtl]نادى نوح ابنه قائلا: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ
ورد الابن عليه: قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء
عاد نوح يخاطبه: قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ
[/rtl]
[rtl]وانتهى الحوار بين نوح وابنه: وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ

انظر إلى تعبير القرآن الكريم (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة. نظر نوح فلم يجد ابنه. لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة، وتفقدها رؤية كل شيء غير المياه. وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب، رحمة منه بالأب، واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء، فغرق.
[/rtl]
[rtl]واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته، كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا. لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض. وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية. ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته. كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق. كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال. ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم إن انفصال القارات وتشكل الأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار، ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة. حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.[/rtl]
[rtl]استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره. ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء، وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي، وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق. طهر الطوفان الأرض وغسلها. قال تعالى في سورة (هود):[/rtl]
[rtl]وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين َ 44) هود)[/rtl]
[rtl](وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما. ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان، فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) بمعنى رست عليه، وقيل كان ذلك يوم عاشوراء. فصامه نوح، وأمر من معه بصيامه. وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي هلاكا لهم. طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها. ذهب الهول بذهاب الطوفان. وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح.. تذكر ابنه الذي غرق.[/rtl]
[rtl]لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر. كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل. وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان. تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. قال تعالى في (سورة هود):[/rtl]
[rtl]وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ 45) هود)[/rtl]
[rtl]أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين. وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين. قال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى:[/rtl]
[rtl]يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ46) هود)[/rtl]
[rtl]قال القرطبي {نقلا عن شيوخه من العلماء} وهو الرأي الذي نؤثره: كان ابنه عنده {أي نوح} مؤمنا في ظنه، ولم يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار، ثم يسأل في إنجاء بعضهم. وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان. فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب. أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.[/rtl]
[rtl]وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس. ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأالمؤمن من غير المؤمن. وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب. لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض.[/rtl]
[rtl]واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته. وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض، نزل المؤمنون بعد ذلك. ولا يحكي لنا القرآن الكريمقصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:14

[rtl][size=32]هود عليه السلام[/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]عبادة الناس للأصنام:[/rtl]
[rtl]بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.[/rtl]
[rtl]قال أحفاد قوم نوح لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطانإلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.[/rtl]
[rtl] إرسال هود عليه السلام:كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.[/rtl]
[rtl]قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول.لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).[/rtl]
[rtl]وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟[/rtl]
[rtl]إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.[/rtl]
[rtl]أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.[/rtl]
[rtl]قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.
[/rtl]

[rtl]انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟[/rtl]
[rtl]استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرةضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحتراموالسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟[/rtl]
[rtl]إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟[/rtl]
[rtl]إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرمابين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.[/rtl]
[rtl]وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعثالأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.[/rtl]
[rtl]حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.[/rtl]
[rtl] موقف الملأ من دعوة هود:[/rtl]
[rtl]يروي المولى عزل وجل موقف الملأ (وهم الرؤساء) من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم الله تعالى بقوله:(وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل ممانأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟[/rtl]
[rtl]قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!
تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.
[/rtl]
[rtl]قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟[/rtl]
[rtl]قال هود: الله .[/rtl]
[rtl]قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.[/rtl]
[rtl]وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هووحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.[/rtl]
[rtl]واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغياناوتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون "هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.[/rtl]
[rtl]قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرتمجنونا.[/rtl]
[rtl]انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم. إنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها. لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).[/rtl]
[rtl]بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي. لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخيرينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:[/rtl]
[rtl](إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)  فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ 57) (هود)[/rtl]
[rtl]إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق. رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى. يتصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقي كيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيء يعجز الله.[/rtl]
[rtl]بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلكرغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.[/rtl]
[rtl]هلاك عاد:[/rtl]
[rtl]وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم. وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة. يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.[/rtl]
[rtl]انتظر هود وانتظر قومه وعد الله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم. وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).[/rtl]
[rtl]تغير الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح. ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.[/rtl]
[rtl]استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعدباقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.[/rtl]
[rtl]نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:14

صالح عليه السلام
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصناموتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.[/rtl]
[rtl] سيرته:[/rtl]
[rtl]إرسال صالح عليه السلام لثمود:[/rtl]
[rtl]جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.[/rtl]
[rtl]فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في المجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:[/rtl]
[rtl](قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ62) (هود)[/rtl]
[rtl]تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذايعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.[/rtl]
[rtl]معجزة صالح عليه السلام:[/rtl]
[rtl]ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.[/rtl]
[rtl]قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:[/rtl]
[rtl](وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ 64) (هود)[/rtl]
[rtl]والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة منالله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.[/rtl]
[rtl]في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية،ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.[/rtl]
[rtl]كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام الله عليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.[/rtl]
[rtl]يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ  هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.
[/rtl]
[rtl]تآمر الملأ على الناقة:[/rtl]
[rtl]وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.[/rtl]
[rtl]وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه.[/rtl]
[rtl]وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمان ومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوى شوكته.[/rtl]
[rtl]لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم.[/rtl]
[rtl]هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة.هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.[/rtl]
[rtl]هلاك ثمود:[/rtl]
[rtl]علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟[/rtl]
[rtl]قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟[/rtl]
[rtl]قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ[/rtl]
[rtl]بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.[/rtl]
[rtl]ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.[/rtl]
[rtl]هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:19

[size=37][rtl][size=32]إبراهيم عليه السلام[/size][/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]هو خليل الله، اصطفاه الله برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك، وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة مع إسماعيل.[/rtl]
[rtl] سيرته:[/rtl]
[rtl]منزلة إبراهيم عليه السلام:[/rtl]
[rtl]هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسىومحمد.. بترتيب بعثهم. وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين. بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة، وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى. وزاد على الوفاء بالإحسان.[/rtl]
[rtl]وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا، فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب. وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.[/rtl]
[rtl]وكان من فضل الله على إبراهيم أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب. فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده. حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صل الله عليه وسلم، جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.[/rtl]
[rtl]ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة. نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم. إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين. نبي هو أول من سمانا المسلمين. نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده. نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.[/rtl]
[rtl]يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق. فيقول الله عز وجل في محكم آياته: (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي، اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة. وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا. فوق هذه القمة الشامخة يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين، وغاية هدف المحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل. أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله، أن يفرده بالحب، أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور.كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني الذي استحق أن يتخذه الله خليلا.[/rtl]
[rtl]حال المشركين قبل بعثة إبراهيم:[/rtl]
[rtl]لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:[/rtl]
[rtl]v  فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية[/rtl]
[rtl]v  وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر[/rtl]
[rtl]v  وفئة تعبد الملوك والحكام[/rtl]
[rtl]نشأة إبراهيم عليه السلام:[/rtl]
[rtl]وفي هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.[/rtl]
[rtl]رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.[/rtl]
[rtl]من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.[/rtl]
[rtl]مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟![/rtl]
[rtl]مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:[/rtl]
[rtl]قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانتالملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلينفعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفيفقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّيلأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَنلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّييفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمروما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.[/rtl]
[rtl]استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهم قال:[/rtl]
[rtl](أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَتَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 81) (الأنعام)[/rtl]
[rtl]لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟[/rtl]
[rtl]بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.[/rtl]
[rtl]سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:21

[rtl][size=32]لوط عليه السلام[/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسله الله ليهدي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله، وكانوا قوما ظالمين يأتون الفواحش ويعتدون على الغرباءوكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فلما دعاهم لوط لترك المنكرات أرادوا أن يخرجوه هو وقومه فلم يؤمن به غير بعض من آل بيته، أما امرأته فلم تؤمن ولما يئس لوط دعا الله أن ينجيهم ويهلك المفسدين فجاءت له الملائكة وأخرجوا لوط ومن آمن به وأهلكوا الآخرين بحجارة مسومة.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]حال قوم لوط:[/rtl]
[rtl]دعى لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن كسب السيئات والفواحش. واصطدمت دعوته بقلوب قاسية وأهواء مريضة ورفض متكبر.[/rtl]
[rtl]وحكموا على لوط وأهله بالطرد من القرية. فقد كان القوم الذين بعث إليهم لوط يرتكبون عددا كبيرا من الجرائم البشعة. كانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويتواصون بالإثم، ولا يتناهون عن منكر، وقد زادوا في سجل جرائمهم جريمة لم يسبقهم بها أحد من العالمين. كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.[/rtl]
[rtl]لقد اختلت المقاييس عند قوم لوط.. فصار الرجال أهدافا مرغوبة بدلا من النساء، وصار النقاء والطهر جريمة تستوجب الطرد.. كانوا مرضى يرفضون الشفاء ويقاومونه.. ولقد كانت تصرفات قوم لوط تحزن قلب لوط..كانوا يرتكبون جريمتهم علانية في ناديهم.. وكانوا إذا دخل المدينة غريب أو مسافر أو ضيف لم ينقذه من أيديهم أحد.. وكانوا يقولون للوط: استضف أنت النساء ودع لنا الرجال.. واستطارت شهرتهم الوبيلة، وجاهدهم لوط جهادا عظيما، وأقام عليهم حجته، ومرت الأيام والشهور والسنوات، وهو ماض في دعوته بغير أن يؤمن له أحد.. لم يؤمن به غير أهل بيته.... حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعا. كانت زوجته كافرة.[/rtl]
[rtl]وزاد الأمر بأن قام الكفرة بالاستهزاء برسالة لوط عليه السلام، فكانوا يقولون(ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيئس لوط منهم، ودعا الله أن ينصره ويهلك المفسدين.[/rtl]
[rtl]ذهاب الملائكة لقوم لوط:[/rtl]
[rtl]خرج الملائكة من عند إبراهيم قاصدين قرية لوط.. بلغوا أسوار سدوم.. وابنة لوط واقفة تملأ وعاءها من مياه النهر.. رفعت وجهها فشاهدتهم..  فسألها أحد الملائكةيا جارية.. هل من منزل؟[/rtl]
[rtl]قالت [وهي تذكر قومها]: مكانكم لا تدخلوا حتى أخبر أبي وآتيكم.. أسرعت نحو أبيها فأخبرتهفهرع لوطيجري نحو الغرباءفلم يكد يراهم حتى (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) سألهم: من أين جاءوا؟ .. وما هي وجهتهم؟.. فصمتوا عن إجابته. وسألوه أن يضيفهم.. استحى منهم وسار أمامهم قليلا ثم توقف والتفت إليهم يقول: لا أعلم على وجه الأرض أخبث من أهل هذا البلد.[/rtl]
[rtl]قال كلمته ليصرفهم عن المبيت في القرية، غير أنهم غضوا النظر عن قوله ولم يعلقوا عليه، وعاد يسير معهم ويلوي عنق الحديث ويقسره قسرا ويمضي به إلى أهل القرية - حدثهم أنهم خبثاء.. أنهم يخزون ضيوفهم.. حدثهم أنهم يفسدون في الأرض. وكان الصراع يجري داخله محاولا التوفيق بين أمرين.. صرف ضيوفه عن المبيت في القرية دون إحراجهم، وبغير إخلال بكرم الضيافة.. عبثا حاول إفهامهم والتلميح لهم أن يستمروا في رحلتهم، دون نزول بهذه القرية.[/rtl]
[rtl]سقط الليل على المدينة.. صحب لوط ضيوفه إلى بيته.. لم يرهم من أهل المدينة أحد.. لم تكد زوجته تشهد الضيوف حتى تسللت خارجة بغير أن تشعره. أسرعت إلى قومها وأخبرتهم الخبر.. وانتشر الخبر مثل النارفي الهشيم. وجاء قوم لوط له مسرعين.. تساءل لوط بينه وبين نفسه: من الذي أخبرهم؟.وقف القوم على باب البيت.. خرج إليهم لوط متعلقا بأمل أخير،  وبدأ بوعظهم:[/rtl]
[rtl](هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) .. قال لهم: أمامكم النساء -زوجاتكم- هن أطهر.. فهن يلبين الفطرة السوية..كما أن الخالق -جلّ في علاه- قد هيّئهن لهذا الأمر.[/rtl]
[rtl](فَاتَّقُواْ اللّهَ)  .. يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.. اتقوا الله وتذكروا أن الله يسمع ويرى.. ويغضب ويعاقب وأجدر بالعقلاء اتقاء غضبه.[/rtl]
[rtl](وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي).. هي محاولة يائسة لِلَمْس نخوتهم وتقاليدهم. و ينبغي عليهم إكرام الضيف لا فضحه.[/rtl]
[rtl](أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ) .. أليس فيكم رجل عاقل؟.. إن ما تريدونه -لو تحقق- هو عين الجنون.[/rtl]
[rtl]إلا أن كلمات لوط عليه السلام لم تلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلب الجامد الميت، ولا العقل المريض الأحمق.. ظلت الفورة الشاذة على اندفاعها.[/rtl]
[rtl]أحس لوط بضعفه وهو غريب بين القوم.. نازح إليهم من بعيد بغير عشيرة تحميه، ولا أولاد ذكور يدافعون عنه.. دخل لوط غاضبا وأغلق باب بيته.. كان الغرباء الذين استضافهم يجلسون هادئين صامتين.. فدهش لوط من هدوئهم.. وازدادت ضربات القوم على الباب.. وصرخ لوط في لحظة يأس خانق: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تمنى أن تكون له قوة تصدهم عن ضيفه.. وتمنى لو كان له ركن شديد يحتمي فيه ويأوي إليه.. غاب عن لوط في شدته وكربته أنه يأوي إلى ركن شديد.. ركن الله الذي لا يتخلى عن أنبيائه وأوليائه.. قال رسول الله صل الله عليه وسلم، وهو يقرأ هذه الآية: "رحمة الله على لوط.. كان يأوي إلى ركن شديد".[/rtl]
[rtl]هلاك قوم لوط:[/rtl]
[rtl]عندما بلغ الضيق ذروته.. وقال النبي كلمته.. تحرك ضيوفه ونهضوا فجأة.. أفهموه أنه يأوي إلى ركن شديد..فقالوا له لا تجزع يا لوط ولا تخف.. نحن ملائكة.. ولن يصل إليك هؤلاء القوم.. ثم نهض جبريل، عليه السلام، وأشار بيده إشارة سريعة، ففقد القوم أبصارهم.[/rtl]
[rtl]التفتت الملائكة إلى لوط وأصدروا إليه أمرهم أن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج.. سيسمعون أصواتا مروعة تزلزل الجبال.. لا يلتفت منهم أحد.. [/rtl]

[rtl]كي لا يصيبه ما يصيب القوم.. أي عذاب هذا؟.. هو عذاب من نوع غريب، يكفي لوقوعه بالمرء مجرد النظر إليه.. أفهموه أن امرأته كانت من الغابرين.. امرأته كافرة مثلهم وستلتفتخلفها فيصيبها ما أصابهم.[/rtl]
[rtl]سأل لوط الملائكة: أينزل الله العذاب بهم الآن.. أنبئوه أن موعدهم مع العذاب هو الصبح.. (أَلَيْسَ الصُّبْحُبِقَرِيبٍ) ؟[/rtl]
[rtl]خرج لوط مع بناته وزوجته.. ساروا في الليل وغذوا السير.. واقترب الصبح..[/rtl]
[rtl]كان لوط قد ابتعد مع أهله.. ثم جاء أمر الله تعالى.. قال العلماء: اقتلع جبريل، عليه السلام، بطرف جناحه مدنهم السبع من قرارها البعيد.. رفعها جميعا إلى عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباحكلابهم، قلب المدن السبع وهوى بها في الأرض.. أثناء السقوط كانت السماء تمطرهم بحجارة من الجحيم.. حجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضا، ومعلمة بأسمائهم، ومقدرة عليهم.. استمر الجحيم يمطرهم.. وانتهى قوم لوط تماما.. لم يعد هناك أحد.. نكست المدن على رؤوسها، وغارت في الأرض، حتى انفجر الماء من الأرض.. هلك قوم لوط ومحيت مدنهم.[/rtl]
[rtl]كان لوط يسمع أصوات مروعة.. وكان يحاذر أن يلتفت خلفه.. نظرت زوجته نحو مصدر الصوت فانتهت.. تهرأ جسدها وتفتت مثل عمود ساقط من الملح.[/rtl]
[rtl]قال العلماء: إن مكان المدن السبع.. بحيرة غريبة.. ماؤها أجاج.. وكثافة الماء أعظم من كثافة مياه البحر الملحة.. وفي هذه البحيرة صخور معدنية ذائبة.. توحي بأن هذه الحجارة التي ضرب بها قوم لوط كانت شهبا مشعلة. يقال إن البحيرة الحالية التي نعرفها باسم "البحر الميت" في فلسطين.. هي مدن قوم لوط السابقة.[/rtl]
[rtl]انطوت صفحة قوم لوط.. انمحت مدنهم وأسمائهم من الأرض.. سقطوا من ذاكرة الحياة والأحياء.. وطويت صفحة من صفحات الفساد.. وتوجه لوط إلى إبراهيم.. زار إبراهيم وقص عليه نبأ قومه.. وأدهشه أن إبراهيم كان يعلم.. ومضى لوط في دعوته إلى الله.. مثلما مضى الحليم الأواه المنيب إبراهيم في دعوته إلى الله.. مضى الاثنان ينشران الإسلام في الأرض.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:26

[size=32]إسماعيل عليه السلام[/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]هو ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر (بأمر من الله) حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله منالصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]الاختبار الأول:[/rtl]
[rtl]ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة (زوجة إبراهيمالأولى) اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم عليه السلام، سيجد أنه لم يكنليتلقّى أوامره من أحد غير الله.[/rtl]
[size=32]إسماعيل عليه السلام[/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]هو ابن إبراهيم البكر وولد السيدة هاجر، سار إبراهيم بهاجر (بأمر من الله) حتى وضعها وابنها في موضع مكة وتركهما ومعهما قليل من الماء والتمر ولما نفد الزاد جعلت السيدة هاجر تطوف هنا وهناك حتى هداها الله إلى ماء زمزم ووفد عليها كثير من الناس حتى جاء أمر الله لسيدنا إبراهيم ببناء الكعبة ورفع قواعد البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجر وإبراهيم يبني حتى أتما البناء ثم جاء أمر الله بذبح إسماعيل حيث رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه فعرض عليه ذلك فقال "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله منالصابرين" ففداه الله بذبح عظيم، كان إسماعيل فارسا فهو أول من استأنس الخيل وكان صبورا حليما، يقال إنه أول من تحدث بالعربية البينة وكان صادق الوعد، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان ينادي بعبادة الله ووحدانيته.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]الاختبار الأول:[/rtl]
[rtl]ذكر الله في كتابه الكريم، ثلاث مشاهد من حياة إسماعيل عليه السلام. كل مشهد عبارة عن محنة واختبار لكل من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. أول هذه المشاهد هو أمر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم بترك إسماعيل وأمه في واد مقفر، لا ماء فيه ولا طعام. فما كان من إبراهيم عليه السلام إلا الاستجابة لهذا الأمر الرباني. وهذا بخلاف ما ورد في الإسرائيليات من أن إبراهيم حمل ابنه وزوجته لوادي مكة لأن سارة (زوجة إبراهيمالأولى) اضطرته لذلك من شدة غيرتها من هاجر. فالمتأمل لسيرة إبراهيم عليه السلام، سيجد أنه لم يكنليتلقّى أوامره من أحد غير الله.[/rtl]
[rtl]أنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام، وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهماوسار.[/rtl]
[rtl]أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟[/rtl]
[rtl]لم يرد عليها سيدنا إبراهيم وظل يسير.. عادت تقول له ما قالته وهو صامت.. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه.. أدركت أن الله أمره بذلك فسألته: هل الله أمرك بهذا؟[/rtl]
[rtl]فقال إبراهيم عليه السلام: نعم.[/rtl]
[rtl]قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.[/rtl]
[rtl]وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله:[/rtl]
[rtl]رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ   37) إبراهيم)[/rtl]
[rtl]لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانت هناك حكمة عليا في أمر الله سبحانهلإبراهيم،  فقد كان إسماعيل (الطفل الذي تُرِكَ مع أمه في هذا المكان) ووالده من سيكونان المسؤولان بناء الكعبة فيما بعد.. وكانت حكمة الله تقضي أن يسكن أحد في هذا الوادي، ليمتد إليه العمران.[/rtl]
[rtl]بعد أن ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء بأيام نفد الماء وانتهى الطعام، وجف لبن الأم.. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.[/rtl]
[rtl]بدأ إسماعيل يبكي من العطش.. فتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء.. راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا".. فصعدت إليه وراحت تبحث به عن بئر أو إنسان أو قافلة.. لم يكن هناك شيء. ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل (المروة)، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه.. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه.. وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين.. سبع مرات وهي تذهب وتعود، ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل. عادت هاجر بعد المرة السابعة وهي مجهدة متعبة تلهث.. وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.[/rtl]
[rtl]وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم.. وفار الماء من البئر.. أنقذت حياتا الطفل والأم.. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكر الله.. وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة.. صدق ظنها حين قالت: لن نضيع ما دام الله معنا.[/rtl]
[rtl]وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة.. وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس.. وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان.[/rtl]
[rtl]كانت هذه هي المحنة الأولى.. أما المحنة الثانية فهي الذبح.[/rtl]
[rtl]الاختبار الثاني:[/rtl]
[rtl]كبر إسماعيل.. وتعلق به قلب إبراهيم.. جاءه العقب على كبر فأحبه.. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب. فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد إسماعيل. وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي.[/rtl]
[rtl]انظر كيف يختبر الله عباده. تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض. اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر.. وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره.[/rtl]
[rtl]أي نوع من الصراع نشب في نفسه. يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط. لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع. نشب الصراع في نفس إبراهيم.. صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية. لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه. فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.[/rtl]
[rtl]فكر إبراهيم في ولده.. ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.. الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا. هذا أفضل.. انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة.. إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه.. فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟ أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) تأمل رد الابن.. إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده (إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين) هو الصبر على أي حال وعلى كل حال.. وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله.. ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله. لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.[/rtl]
[rtl]ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع. (فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. (فَلَمَّاأَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي.. تعطي كل شيء، فلا يتبقى منك شيء.[/rtl]
[rtl]عندئذ فقط.. وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره.. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون. صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.[/rtl]
[rtl]خبر زوجة إسماعيل:[/rtl]
[rtl]عاش إسماعيل في شبه الجزيرة العربية ما شاء الله له أن يعيش.. روض الخيل واستأنسها واستخدمها، وساعدت مياه زمزم على سكنى المنطقة وتعميرها. استقرت بها بعض القوافل.. وسكنتها القبائل.. وكبر إسماعيل وتزوج، وزاره إبراهيم فلم يجده في بيته ووجد امرأته.. سألها عن عيشهم وحالهم، فشكت إليه من الضيق والشدة.[/rtl]
[rtl]قال لها إبراهيمإذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه.. فلما جاء إسماعيل، ووصفت له زوجته الرجل.. قال: هذا أبي وهو يأمرني بفراقك.. الحقي بأهلك.[/rtl]
[rtl]وتزوج إسماعيل امرأة ثانية.. زارها إبراهيم، يسألها عن حالها، فحدثته أنهم في نعمة وخير.. وطاب صدرإبراهيم بهذه الزوجة لابنه.[/rtl]
[rtl]الاختبار الثالث:[/rtl]
[rtl]وها نحن الآن أمام الاختبار الثالث.. اختبار لا يمس إبراهيم وإسماعيل فقط. بل يمس ملايين البشر من بعدهم إلى يوم القيامة.. إنها مهمة أوكلها الله تعالى لهذين النبيين الكريمين.. مهمة بناء بيت الله تعالى في الأرض.[/rtl]
[rtl]كبر إسماعيل.. وبلغ أشده.. وجاءه إبراهيم وقال له: يا إسماعيل.. إن الله أمرني بأمر. قال إسماعيل: فاصنع ما أمرك به ربك.. قال إبراهيموتعينني؟ قال: وأعينك. فقال إبراهيمفإن الله أمرني أن ابني هنا بيتا. أشار بيده لصحن منخفض هناك.[/rtl]
[rtl]صدر الأمر ببناء بيت الله الحرام.. هو أول بيت وضع للناس في الأرض.. وهو أول بيت عبد فيه الإنسان ربه.. ولما كان آدم هو أول إنسان هبط إلى الأرض.. فإليه يرجع فضل بنائه أول مرة.. قال العلماء: إن آدم بناه وراح يطوف حوله مثلما يطوف الملائكة حول عرش الله تعالى.[/rtl]
[rtl]بنى آدم خيمة يعبد فيها الله.. شيء طبيعي أن يبني آدم (بوصفه نبيا) بيتا لعبادة ربه.. وحفت الرحمة بهذا المكان.. ثم مات آدم ومرت القرون، وطال عليه العهد فضاع أثر البيت وخفي مكانه.. وها هو ذا إبراهيم يتلقىالأمر ببنائه مرة ثانية.. ليظل في المرة الثانية قائما إلى يوم القيامة إن شاء الله. وبدأ بناء الكعبة..[/rtl]
[rtl]هدمت الكعبة في التاريخ أكثر من مرة، وكان بناؤها يعاد في كل مرة.. فهي باقية منذ عهد إبراهيم إلى اليوم.. وحين بعث رسول الله، صل الله عليه وسلم، تحقيقا لدعوة إبراهيم.. وجد الرسول الكعبة حيث بنيت آخر مرة، وقد قصر الجهد بمن بناها فلم يحفر أساسها كما حفره إبراهيم.[/rtl]
[rtl]نفهم من هذا إن إبراهيم وإسماعيل بذلا فيها وحدهما جهدا استحالت -بعد ذلك- محاكاته على عدد كبير من الرجال.. ولقد صرح الرسول بأنه يحب هدمها وإعادتها إلى أساس إبراهيم، لولا قرب عهد القوم بالجاهلية، وخشيته أن يفتن الناس هدمها وبناؤها من جديد.. بناؤها بحيث تصل إلى قواعد إبراهيم وإسماعيل.[/rtl]
[rtl]أي جهد شاق بذله النبيان الكريمان وحدهما؟ كان عليهما حفر الأساس لعمق غائر في الأرض، وكان عليهما قطع الحجارة من الجبال البعيدة والقريبة، ونقلها بعد ذلك، وتسويتها، وبناؤها وتعليتها.. وكان الأمر يستوجب جهد جيل من الرجال، ولكنهما بنياها معا.[/rtl]
[rtl]لا نعرف كم هو الوقت الذي استغرقه بناء الكعبة، كما نجهل الوقت الذي استغرقه بناء سفينة نوح، المهم أن سفينة نوح والكعبة كانتا معا ملاذا للناس ومثوبة وأمنا.. والكعبة هي سفينة نوح الثابتة على الأرض أبدا.. وهي تنتظر الراغبين في النجاة من هول الطوفان دائما.[/rtl]
[rtl]لم يحدثنا الله عن زمن بناء الكعبة.. حدثنا عن أمر أخطر وأجدى.. حدثنا عن تجرد نفسية من كان يبنيها.. ودعائه وهو يبنيها:[/rtl]
[rtl]وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ 129) (البقرة)[/rtl]
[rtl]إن أعظم مسلمين على وجه الأرض يومها يدعوان الله أن يتقبل عملهما، وأن يجعلهما مسلمين له.. يعرفان أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن. وتبلغ الرحمة بهما أن يسألا الله أن يخرج من ذريتهما أمة مسلمة له سبحانه.. يريدان أن يزيد عدد العابدين الموجودين والطائفين والركع السجود. إن دعوة إبراهيم وإسماعيلتكشف عن اهتمامات القلب المؤمن.. إنه يبني لله بيته، ومع هذا يشغله أمر العقيدة.. ذلك إيحاء بأن البيت رمز العقيدة. ثم يدعوان الله أن يريهم أسلوب العبادة الذي يرضاه، وأن يتوب عليهم فهو التواب الرحيم. بعدها يتجاوز اهتمامها هذا الزمن الذي يعيشان فيه.. يجاوزانه ويدعوان الله أن يبث رسولا لهؤلاء البشر. وتحققت هذه الدعوة الأخيرة.. حين بعث محمد بن عبد الله، صل الله عليه وسلم.. تحققت بعد أزمنة وأزمنة.[/rtl]
[rtl]انتهى بناء البيت، وأراد إبراهيم حجرا مميزا، يكون علامة خاصة يبدأ منها الطواف حول الكعبة.. أمر إبراهيمإسماعيل أن يأتيه بحجر مميز يختلف عن لون حجارة الكعبة.[/rtl]
[rtl]سار إسماعيل ملبيا أمر والده.. حين عاد، كان إبراهيم قد وضع الحجر الأسود في مكانه.. فسأله إسماعيل: من الذي أحضره إليك يا أبت؟ فأجاب إبراهيمأحضره جبريل عليه السلام.[/rtl]
[rtl]انتهى بناء الكعبة.. وبدأ طواف الموحدين والمسلمين حولها.. ووقف إبراهيم يدعو ربه نفس دعائه من قبل.. أن يجعل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلى المكان.. انظر إلى التعبير.. إن الهوى يصور انحدارا لا يقاوم نحو شيء.. وقمة ذلك هوى الكعبة. من هذه الدعوة ولد الهوى العميق في نفوس المسلمين، رغبة في زيارة البيت الحرام.[/rtl]
[rtl]وصار كل من يزور المسجد الحرام ويعود إلى بلده.. يحس أنه يزداد عطشا كلما ازداد ريا منه، ويعمق حنينه إليه كلما بعد منه، وتجيء أوقات الحج في كل عام.. فينشب الهوى الغامض أظافره في القلب نزوعا إلى رؤية البيت، وعطشا إلى بئر زمزم.[/rtl]
[rtl]قال تعالى حين جادل المجادلون في إبراهيم وإسماعيل.[/rtl]
[rtl](مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67) (آل عمران)[/rtl]
[rtl]عليه الصلاة والسلام.. استجاب الله دعاءه.. وكان إبراهيم أول من سمّانا المسلمين.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:29

شجرة الانبياء I10
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:33

شجرة الانبياء Aiu10
شجرة الانبياء Aiu111
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 7:56


[rtl]يُوسُف عليه السلام[/rtl]



[rtl]نبذة:[/rtl]

ولد سيدنا يُوسُف وكان له 11 أخا وكان أبوه يحبه كثيرا وفي ذات ليلة رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فقص على والده ما رأى فقال له ألا يقصها على إخوته، ولكن الشيطان وسوس لإخوته فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم مر به ناس من البدو فأخذوه وباعوه بثمن بخس واشتراه عزيز مصر وطلب من زوجته أن ترعاه، ولكنها أخذت تراوده عن نفسه فأبى فكادت له ودخل السجن، ثم أظهر الله براءته وخرج من السجن ، واستعمله الملك على شئون الغذاء التي أحسن إدارتها في سنوات القحط، ثم اجتمع شمله مع إخوته ووالديه وخروا له سجدا وتحققت رؤياه.
سيرته:

[rtl]قبل أن نبدأ بقصة يُوسُف عليه السلام، نود الإشارة لعدة أمور. أولها اختلاف طريقة رواية قصة يُوسُف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الأنبياء، فجاءت قصص الأنبياء في عدة سور، بينما جاءت قصة يُوسُف كاملة في سورة واحدة. قال تعالى في سورة (يُوسُف): (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ 3) (يُوسُف)[/rtl]


[rtl]واختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر والحكم.. وقيل لأن يُوسُف تجاوز عن إخوته وصبر عليهم وعفا عنهم.. وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين، والعفة والغواية، وسير الملوك والممالك، والرجال والنساء، وحيل النساء ومكرهن، وفيها ذكر التوحيد والفقه، وتعبير الرؤيا وتفسيرها، فهي سورة غنية بالمشاهد والانفعالات.. وقيل: إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة.[/rtl]


[rtl]ومع تقديرنا لهذه الأسباب كلها.. نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة.. إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية.. يلتحم مضمونها وشكلها، ويفضي بك لإحساس عميق بقهر الله وغلبته ونفاذ أحكامه رغم وقوف البشر ضدها. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) هذا ما تثبته قصة يُوسُف بشكل حاسم، لا ينفي حسمه أنه تم بنعومة وإعجاز.[/rtl]


[rtl]لنمضي الآن بقصة يُوسُف -عليه السلام- ولنقسمها لعدد من الفصول والمشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث.[/rtl]


[rtl]المشهد الأول من فصل طفولة يُوسُف:[/rtl]


[rtl]ذهب يُوسُف الصبي الصغير لأبيه، وحكى له عن رؤيا رآها. أخبره بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. استمع الأب إلى رؤيا ابنه وحذره أن يحكيها لأخوته. فلقد أدرك يعقوب -عليه السلام- بحدسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤية شأنا عظيما لهذا الغلام. لذلك نصحه بأن لا يقص رؤياه على إخوته خشية أن يستشعورا ما وراءها لأخيهم الصغير -غير الشقيق، حيث تزوج يعقوب من امرأة ثانية أنجبت له يُوسُف وشقيقه- فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم، فتمتلئ نفوسهم بالحقد، فيدبروا له أمرا يسوؤه. استجاب يُوسُف لتحذير أبيه.. لم يحدث أخوته بما رأى، وأغلب الظن أنهم كانوا يكرهونه إلى الحد الذي يصعب فيه أن يطمئن إليهم ويحكي لهم دخائله الخاصة وأحلامه.[/rtl]



[rtl]المشهد الثاني:[/rtl]


[rtl]اجتمع أخوة يُوسُف يتحدثون في أمره. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُف وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أي نحن مجموعة قوية تدفع وتنفع، فأبونا مخطئ في تفضيل هذين الصبيين على مجموعة من الرجال النافعين! فاقترح أحدهم حلا للموضوع (اقْتُلُواْ يُوسُف أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا).إنه الحقد وتدخل الشيطان الذي ضخم حب أبيهم ليُوسُف وإيثاره عليهم حتى جعله يوازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله. وطرحه في أرض بعيدة نائية مرادف للقتل، لأنه سيموت هناك لا محاله. ولماذا هذا كله؟!  حتى لا يراه أبوه فينساه فيوجه حبه كله لهم. ومن ثم يتوبون عن جريمتهم(وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).[/rtl]


[rtl]قال قائل منهم -حرك الله أعماقه بشفقة خفية، أو أثار الله في أعماقه رعبا من القتل: ما الداعي لقتله؟إن كنتم تريدون الخلاص منه، فلنلقه في بئر تمر عليها القوافل.. ستلتقطه قافلة وترحل به بعيدا..سيختفي عن وجه أبيه.. ويتحقق غرضنا من إبعاده.[/rtl]


[rtl]انهزمت فكرة القتل، واختيرت فكرة النفي والإبعاد. نفهم من هذا أن الأخوة، رغم شرهم وحسدهم، كان في قلوبهم، أو في قلوب بعضهم، بعض خير لم يمت بعد.[/rtl]


[rtl]المشهد الثالث:[/rtl]


[rtl]توجه الأبناء لأبيهم يطلبون منه السماح ليُوسُف بمرافقتهم. دار الحوار بينهم وبين أبيهم بنعومة وعتاب خفي، وإثارة للمشاعر.. مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف ..؟ أيمكن أن يكون يُوسُف أخانا، وأنت تخاف عليه من بيننا ولا تستأمننا عليه، ونحن نحبه وننصح له ونرعاه؟ لماذا لا ترسله معنا يرتع ويلعب؟[/rtl]


[rtl]وردا على العتاب الاستنكاري الأول جعل يعقوب عليه السلام ينفي -بطريقة غير مباشرة- أنه لا يأمنهم عليه، ويعلل احتجازه معه بقلة صبره على فراقه وخوفه عليه من الذئاب: قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ .[/rtl]


[rtl]ففندوا فكرة الذئب الذي يخاف أبوه أن يأكله.. نحن عشرة من الرجال.. فهل نغفل عنه ونحن كثرة؟ نكون خاسرين غير أهل للرجولة لو وقع ذلك.. لن يأكله الذئب ولا داعي للخوف عليه.[/rtl]


[rtl]وافق الأب تحت ضغط أبنائه.. ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته![/rtl]


[rtl]المشهد الرابع:[/rtl]


[rtl]خرج الأخوة ومعهم يُوسُف، وأخذوه للصحراء. اختاروا بئرا لا ينقطع عنها مرور القوافل وحملوه وهموا بإلقائه في البئر.. وأوحى الله إلى يُوسُف أنه ناج فلا يخاف.. وأنه سيلقاهم بعد يومهم هذاوينبئهم بما فعلوه.[/rtl]


[rtl]المشهد الخامس:[/rtl]


[rtl]عند العشاء جاء الأبناء باكين ليحكوا لأبيهم قصة الذئب المزعومة. أخبروه بأنهم ذهبوا يستبقون، فجاء ذئب على غفلة، وأكل يُوسُف. لقد ألهاهم الحقد الفائر عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوها من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها يعقوب باصطحاب يُوسُف معهم! ولكنهم كانوا معجلين لا يصبرون، يخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى. كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس، وهم ينفونها. فلم يكن من المستساغ أن يذهبوا في الصباح ليتركوا يُوسُف للذئب الذي حذرهم أبوهم منه أمس! وبمثل هذا التسرع جاءوا على قميصه بدم كذب لطخوه به في غير إتقان ونسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يُوسُف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قوي على كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَاوَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.[/rtl]


[rtl]أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يُوسُف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيبSad قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَاتَصِفُونَ)[/rtl]



[rtl]المشهد الأخير من الفصل الأول من حياة سيدنا يُوسُف عليه السلام:[/rtl]


[rtl]أثناء وجود يُوسُف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يُوسُف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يُوسُف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد.[/rtl]


[rtl]فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد، دراهم معدودة. ومن هناك اشتراه رجل تبدو عليه الأهمية.[/rtl]


[rtl]انتهت المحنة الأولى في حياة هذا النبي الكريم، لبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.[/rtl]

ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يُوسُف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يُوسُف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

[rtl]ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنة وفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يُوسُف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبير الآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يُوسُف بالنبوة.[/rtl]


[rtl]وها هو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هين الشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليل أنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماء المصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل.. وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.[/rtl]

[rtl]وهكذا مكن الله ليُوسُف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله من تأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَيَعْلَمُونَ). تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يُوسُف.[/rtl]


[rtl]ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يُوسُف فيقول:[/rtl]


[rtl](وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 22) (يُوسُف)[/rtl]

كان يُوسُف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجهه مزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياة وأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلا وعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.

[rtl]وأدرك سيده أن الله قد أكرمه بإرسال يُوسُف إليه.. اكتشف أن يُوسُف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامة وشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.[/rtl]


[rtl]ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:[/rtl]


[rtl]في هذا المشهد تبدأ محنة يُوسُف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى. جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم {رحمة من الله} ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة في كتابه الكريم:[/rtl]
[rtl](وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين)َ 24) يُوسُف)[/rtl]
[rtl]لا يذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير. لقد أحضر يُوسُف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا، وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسة والثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إن تصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.[/rtl]
[rtl]والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.[/rtl]
[rtl](وَرَاوَدَتْه) صراحة (عَن نَّفْسِهِ) وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لن تفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مرات سابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأة العزيز سئمت تجاهل يُوسُف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغير خطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياء وصرحت بحبها وطالبته بنفسه.[/rtl]
[rtl]ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويُوسُف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يُوسُف {عليه السلام} من هذا الإغواء.[/rtl]
[rtl]يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمني بأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلح الظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.[/rtl]
[rtl]ثم (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيق والاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصد المعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهم بها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركة نفسية داخل نفس يُوسُف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف الله عنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.[/rtl]
[rtl]قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يُوسُف من عباد الله المخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليس يوم الخلق(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما دام يُوسُف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يُوسُف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما، ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يُوسُف بن يعقوب النبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.[/rtl]
[rtl]يبدو أن يُوسُف {عليه السلام} آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمر أكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهناتقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز. وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف. فتقول متهمة الفتىSad قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[/rtl]
[rtl]واقترحت هذه المرأة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يُوسُف، خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هو السجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يُوسُف بالحقيقة ليدافع عن نفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي[/rtl]
[rtl]تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يُوسُف {عليه السلام} من هذه التهمة الباطلة:[/rtl]
[rtl](وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ 28) (يُوسُف)[/rtl]
[rtl]لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أن العزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذا الشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهو لا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص، فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليها فهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصه منها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.[/rtl]
[rtl](فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ 28) (يُوسُف)[/rtl]
[rtl]فتأكد الزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يُوسُف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثر في عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيها الحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساء عموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناء يساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد. بعدها التفت الزوج إلى يُوسُف قائلا له(يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم.. المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسة بمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين).[/rtl]
[rtl]انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لم تنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاق الحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعب تحقيقه في قصريمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:00

[size=37][rtl][size=32]أيوب عليه السلام[/size][/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]من سلالة سيدنا إبراهيم كان من النبيين الموحى إليهم، كان أيوب ذا مال وأولاد كثيرين ولكن الله ابتلاه في هذا كله فزال عنه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء واستمر مرضه 18 عاما اعتزله فيها الناس إلا امرأته صبرت وعملت لكي توفر قوت يومهما حتى عافاه الله من مرضه وأخلفه في كل ما ابتلي فيه، ولذلك يضرب المثل بأيوب في صبره وفي بلائه، روي أن الله يحتج يوم القيامة بأيوب عليه السلام على أهل البلاء.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]ضربت الأمثال في صبر هذا النبي العظيم. فكلما ابتلي إنسانا ابتلاء عظيما أوصوه بأن يصبر كصبر أيوب عليه السلام.. وقد أثنى الله تبارك وتعالى على عبده أيوب في محكم كتابه (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب)  والأوبة هي العودة إلى الله تعالى.. وقد كان أيوب دائم العودة إلى الله بالذكر والشكر والصبر.وكان صبره سبب نجاته وسر ثناء الله عليه. والقرآن يسكت عن نوع مرضه فلا يحدده.. وقد نسجت الأساطير عديدا من الحكايات حول مرضه..[/rtl]
[rtl]مرض أيوب:[/rtl]
[rtl]كثرت الروايات والأساطير التي نسجت حول مرض أيوب، ودخلت الإسرائيليات في كثير من هذه الروايات. ونذكر هنا أشهرها:[/rtl]
[rtl]أن أيوب عليه السلام كان ذات مال وولد كثير، ففقد ماله وولده، وابتلي في جسده، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة, فرفضه القريب والبعيد إلا زوجته ورجلين من إخوانه. وكانت زوجته تخدم الناس بالأجر، لتحضر لأيوب الطعام.  ثم إن الناس توقفوا عن استخدامها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته. فلما لم تجد أحداً يستخدمها باعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيهابطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناساً، فلما كان الغد لم تجد أحداً، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضاً، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، قال في دعائه: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). وحلف أن يضربها مائة سوط إذا شفى. وقيل أن حلفه بضربها كان لأنها أخبرته أنها لقيت طبيبا في الطريق عرض أن يداوي أيوب إذا رضي أن يقول أنت شفيتني بعد علاجه، فعرف أيوب أن هذا الطبيب هو إبليس، فغضب وحلف أن يضربها مائة ضربة.[/rtl]
[rtl]أما ما كان من أمر صاحبي أيوب، كانا يغدوان إليه ويروحان, فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء, فذكره الآخر لأيوب, فحزن ودعا الله. ثم خرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه, فأوحى الله إليه أن اركض برجلك, فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا, فجاءت امرأته فلم تعرفه, فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو, وكان له أندران:أحدهما: للقمح والآخر: للشعير, فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض, وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض.[/rtl]
[rtl]وفي الصحيح أن رسول الله صل الله لعيه وسلم قال: "بينما ‏‏أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا ‏‏ أيوب ‏ ‏ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك ( رجل جراد ‏أي جماعة جراد ).[/rtl]
[rtl]فلما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ (عود دقيق) فيضربها ضربة واحدة لكي لا يحنث في قسمه وبذلك يكون قد بر في قسمه. ثم جزى الله {عز وجل} أيوب (عليه السلام) على صبره بأن آتاه أهله فقيل: أحياهم الله بأعيانهم. وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة) وذكر بعض العلماء أن الله رد على امرأته شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ولدا ذكرا.[/rtl]
[rtl]هذه أشهر رواية عن فتنة أيوب وصبره.. ولم يذكر فيها أي شيء عن تساقط لحمه، وأنه لم يبقى منه إلا العظم والعصب. فإننا نستبعد أن يكون مرضه منفرا أو مشوها كما تقول أساطير القدماء.. نستبعد ذلك لتنافيه مع منصب النبوة..[/rtl]
[rtl]ويجدر التنبيه بأن دعاء أيوب ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)  قد يكون القصد منه شكوى أيوب (عليه السلام) لربه جرأة الشيطان عليه وتصوره أنه يستطيع أن يغويه. ولا يعتقد أيوب أن ما به من مرض قد جاء بسبب الشيطان. هذا هو الفهم الذي يليق بعصمة الأنبياء وكمالهم.[/rtl]
[rtl]وروى الطبري أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة فعلى هذا فيكون عاش بعد أن عوفي عشر سنين , والله أعلم. وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:02

[size=37][rtl][size=32]ذو الكفل عليه السلام[/size][/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]من الأنبياء الصالحين، وكان يصلي كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]قال أهل التاريخ ذو الكفل هو ابن أيوب عليه السلام وأسمه في الأصل (بشر) وقد بعثه الله بعد أيوب وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوقي بها، وكان مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يسمى قاسيون. إلا أن بعض العلماء يرون أنه ليس بنبي وإنما هو رجل من الصالحين من بني إسرائيل. وقد رجح ابن كثير نبوته لأن الله تعالى قرنه مع الأنبياء فقال عز وجل:[/rtl]
[rtl]وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ 85) الأنبياء)[/rtl]
[rtl]قال ابن كثير : فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.[/rtl]
[rtl]والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل لذلك نمسك عن الخوض في موضوع دعوته حيث أن كثيرا من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا الشيء اليسير. ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكره القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك ؟ أكرهتك ؟ قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة ..قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر الله للكفل). رواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر). فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديثالكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.[/rtl]
[rtl]ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.[/rtl]
[rtl]الرجل الصالح:[/rtl]
[rtl]أما من يقول أن ذو الكفل لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا من بني إسرائيل فيروي أنه كان في عهد نبي اللهاليسع عليه السلام. وقد روي أنه لما كبر اليسع قال لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل؟ فجمع الناس فقال: من يتقبل لي بثلاث استخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار، وتقوم الليل، ولا تغضب؟ قال: نعم. لكن اليسع(عليه السلام) ردّ الناس ذلك اليوم دون أن يستخلف أحدا. وفي اليوم التالي خرج اليسع (عليه السلام) على قومه وقال مثل ما قال اليوم الأول، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا. فاستخلف اليسع ذلك الرجل.[/rtl]
[rtl]فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك. فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النّومة فدقّ الباب. فقال ذو الكفل: من هذا ؟ قال: شيخ كبير مظلوم. فقام ذو الكفل ففتح الباب. فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطوّل في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة. فقال ذو الكفل: إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك.[/rtl]
[rtl]فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام. لكن الشيخ لم يحضر للمجلس. وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ. وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا. ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم. ففتح له فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ: إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني. فقال ذو الكفل: انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني.[/rtl]
[rtl]ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنَّ أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم. فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال: قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحداً يقربه. فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله: ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا: لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل. فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال: أَعَدُوَّ اللهِ؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك.[/rtl]
[rtl]فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به![/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:04

[size=37][rtl][size=32]يونس عليه السلام[/size][/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسله الله إلى قوم نينوى فدعاهم إلى عبادة الله وحده ولكنهم أبوا واستكبروا فتركهم وتوعدهم بالعذاب بعد ثلاث ليال فخشوا على أنفسهم فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب، أما يونس فخرج في سفينة وكانوا على وشك الغرق فاقترعوا لكي يحددوا من سيلقى من الرجال فوقع ثلاثا على يونس فرمى نفسه في البحر فالتقمه الحوت وأوحى الله إليه أن لا يأكله فدعا يونس ربه أن يخرجه من الظلمات فاستجاب الله له وبعثه إلى مائة ألف أويزيدون[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]كان يونس بن متى نبيا كريما أرسله الله إلى قومه فراح يعظهم، وينصحهم، ويرشدهم إلى الخير، ويذكرهم بيوم القيامة، ويخوفهم من النار، ويحببهم إلى الجنة، ويأمرهم بالمعروف، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده. وظل ذو النون(يونس عليه السلام) ينصح قومه فلم يؤمن منهم أحد.[/rtl]
[rtl]وجاء يوم عليه فأحس باليأس من قومه.. وامتلأ قلبه بالغضب عليهم لأنهم لا يؤمنون، وخرج غاضبا وقرر هجرهم ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاثة أيام. ولا يذكر القرآن أين كان قوم يونس. ولكن المفهوم أنهم كانوا في بقعة قريبة من البحر. وقال أهل التفسير: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل (نينوى) من أرضالموصل. فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة. ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر له بأن يترك قومه أو ييأس منهم. فلما خرج من قريته، وتأكد أهل القرية من نزول العذاب بهم قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم وصرخوا وتضرعوا إلى الله عز وجل، وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات. وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وقد آمنوا أجمعين. فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذي استحقوه بتكذيبهم.[/rtl]
[rtl]أمر السفينة:[/rtl]
[rtl]أما السفينة التي ركبها يونس، فقد هاج بها البحر، وارتفع من حولها الموج. وكان هذا علامة عند القوم بأن من بين الركاب راكباً مغضوباً عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة . فخرج سهم يونس (وكان معروفاً عندهم بالصلاح) فأعادوا القرعة،فخرج سهمه ثانية، فأعادواها ثالثة، ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر أو ألقى هو نفسه. فالتقمه الحوت لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها، وترك قومه مغاضباً قبل أن يأذن الله له. وأوحى الله للحوت أن لا يخدش ليونس لحما ولا يكسر له عظما. واختلف المفسرون في مدة بقاء يونس في بطن الحوت، فمنهم من قال أن الحوت التقمه عند الضحى، وأخرجه عند العشاء. ومنهم من قال انه لبث في بطنه ثلاثة أيام، ومنهم من قال سبعة.[/rtl]
[rtl]يونس في بطن الحوت:[/rtl]
[rtl]عندما أحس بالضيق في بطن الحوت، في الظلمات -ظلمة الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل- سبح الله واستغفره وذكر أنه كان من الظالمين. وقال: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فسمع الله دعاءه واستجاب له. فلفظه الحوت. (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). وقد خرج من بطن الحوت سقيماً عارياً على الشاطىء. وأنبت الله عليه شجرة القرع. قال بعض العلماء في إنبات القرع عليه حِكَم جمة. منها أن ورقه في غاية النعومة وكثير وظليل ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره نياً ومطبوخاً، وبقشره وببزره أيضاً. وكان هذا من تدبير الله ولطفه. وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك. فلما استكمل عافيته رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضباً.[/rtl]
[rtl][/rtl]
[rtl]‏فضل يونس عليه السلام:[/rtl]
[rtl]لقد وردت أحاديث كثيرة عن فضل يونس عليه السلام، منها قول النبي‏ ‏صل الله عليه وسلم: "‏لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من ‏‏ يونس بن متىوقوله عليه.[/rtl]
[rtl]الصلاة والسلام: "من قال أنا خير من ‏‏ يونس بن متى ‏ ‏فقد كذب".[/rtl]
[rtl]ذنب يونس عليه السلام:[/rtl]
[rtl]نريد الآن أن ننظر فيما يسميه العلماء ذنب يونس. هل ارتكب يونس ذنبا بالمعنى الحقيقي للذنب؟ وهل يذنب الأنبياء. الجواب أن الأنبياء معصومون.. غير أن هذه العصمة لا تعني أنهم لا يرتكبون أشياء هي عند الله أمور تستوجب العتاب. المسألة نسبية إذن.[/rtl]
[rtl]يقول العارفون بالله: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين.. وهذا صحيح. فلننظر إلى فرار يونس من قريته الجاحدة المعاندة. لو صدر هذا التصرف من أي إنسان صالح غير يونس.. لكان ذلك منه حسنة يثاب عليها. فهو قد فر بدينه من قوم مجرمين.[/rtl]
[rtl]ولكن يونس نبي أرسله الله إليهم.. والمفروض أن يبلغ عن الله ولا يعبأ بنهاية التبليغ أو ينتظر نتائج الدعوة.. ليس عليه إلا البلاغ.[/rtl]
[rtl]خروجه من القرية إذن.. في ميزان الأنبياء.. أمر يستوجب تعليم الله تعالى له وعقابه.[/rtl]
[rtl]إن الله يلقن يونس درسا في الدعوة إليه، ليدعو النبي إلى الله فقط. هذه حدود مهمته وليس عليه أن يتجاوزها ببصره أو قلبه ثم يحزن لأن قومه لا يؤمنون.[/rtl]
[rtl]ولقد خرج يونس بغير إذن فانظر ماذا وقع لقومه. لقد آمنوا به بعد خروجه.. ولو أنه مكث فيهم لأدرك ذلك وعرفه واطمأن قلبه وذهب غضبه.. غير أنه كان متسرعا.. وليس تسرعه هذا سوى فيض في رغبته أن يؤمن الناس، وإنما اندفع إلى الخروج كراهية لهم لعدم إيمانهم.. فعاقبه الله وعلمه أن على النبي أن يدعو لله فحسب. والله يهدي من يشاء.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:06

[size=37][rtl][size=32]شعيب عليه السلام[/size][/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسل شعيب إلى قوم مدين وكانوا يعبدون الأيكة وكانوا ينقصون المكيال والميزان ولا يعطون الناس حقهم فدعاهم إلى عبادة الله وأن يتعاملوا بالعدل ولكنهم أبوا واستكبروا واستمروا في عنادهم وتوعدوه بالرجم والطرد وطالبوه بأن ينزل عليهم كسفا من السماء فجاءت الصيحة وقضت عليهم جميعا.[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]دعوة شعيب عليه السلام:[/rtl]
[rtl]لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل إنه كذلك أسلوب لحياة الناس.. أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين. فقال شعيب (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُ) نفس الدعوة التي يدعوها كل نبي.. لا تختلف من نبي إلى آخر.. لا تتبدل ولا تتردد. هي أساس العقيدة.. وبغير هذه الأساس يستحيل أنينهض بناء.[/rtl]
[rtl]بعد تبيين هذا الأساس.. بدأ شعيب في توضيح الأمور الاخرى التي جاءت بها دعوته (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ) بعد قضية التوحيد مباشرة.. ينتقل النبي إلى قضية المعاملات اليومية.. قضية الأمانة والعدالة.. كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا يعطون الناس حقهم.. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد.. كما تمس كمال المروءة والشرف، وكان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم.. نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.. ودهاء في الأخذ والعطاء.. ثم جاء نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة.. أفهمهم أنه يخاف عليهم بسببها من عذاب يوم محيط.. انظر إلى تدخل الإسلام الذي بعث به شعيب في حياة الناس، إلى الحد الذي يرقب فيه عملية البيع والشراء. قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين) لم يزل شعيب ماضيا في دعوته.. ها هو ذا يكرر نصحه لهم بصورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية..إنه يوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.. بالعدل والحق.. وهو يحذرهم أن يبخسوا الناس أشيائهم.[/rtl]
[rtl]لنتدبر معا في التعبير القرآني القائل: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) كلمة الشيء تطلق على الأشياء المادية والمعنوية.. أي أنها ليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها الأعمال، أو التصرفات الشخصية.ويعني النص تحريم الظلم، سواء كان ظلما في وزن الفاكهة أو الخضراوات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم.. ذلك أن ظلم الناس يشيع في جو الحياة مشاعر من الألم واليأس واللامبالاة، وتكون النتيجة أن ينهزم الناس من الداخل، وتنهار علاقات العمل، وتلحقها القيم.. ويشيع الاضطراب في الحياة.. ولذلك يستكمل النص تحذيره من الإفساد في الأرض: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين) العثو هو تعمد الإفساد والقصد إليه فلا تفسدوا في الأرض متعمدين قاصدين (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ).. ما عند الله خير لكم.. (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).[/rtl]
[rtl]بعدها يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه.. ينحي نفسه ويفهمهم أنه لا يملك لهم شيئا.. ليس موكلا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا حارسا لهم.. إنما هو رسول يبلغهم رسالات ربه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظ) بهذا الأسلوب يشعر شعيب قومه بأن الأمر جد، وخطير، وثقيل.. إذ بين لهم عاقبة إفسادهم وتركهم أمام العاقبة وحدهم.[/rtl]
[rtl]رد قوم شعيب:[/rtl]
[rtl]كان هو الذي يتكلم.. وكان قومه يستمعون.. توقف هو عن الكلام وتحدث قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة.. وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.. انظر بعد هذا كله إلى حوارهم مع شعيب: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)[/rtl]
[rtl]بهذا التهكم الخفيف والسخرية المندهشة.. واستهوال الأمر.. لقد تجرأت صلاة شعيب وجنت وأمرته أن يأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.. ولقد كان آباؤهم يعبدون الأشجار والنباتات.. وصلاة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده.. أي جرأة من شعيب..؟ أو فلنقل أي جرأة من صلاة شعيب..؟ بهذا المنطق الساخر الهازئ وجه قوم شعيب خطابهم إلى نبيهم.. ثم عادوا يتساءلون بدهشة ساخرة: (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء)تخيل يا شعيب أن صلاتك تتدخل في إرادتنا، وطريقة تصرفنا في أموالنا.. ما هي علاقة الإيمان والصلاة بالمعاملات المادية؟[/rtl]
[rtl]بهذا التساؤل الذي ظنه قوم شعيب قمة في الذكاء.. طرحوا أمامه قضية الإيمان، وأنكروا أن تكون لها علاقة بسلوك الناس وتعاملهم واقتصادهم. هذه المحاولة للتفريق بين الحياة الاقتصادية والإسلام، وقد بعث به كل الأنبياء، وإن اختلفت أسماؤه.. هذه المحاولة قديمة من عمر قوم شعيب. لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم اليومية، وسلوكهم واقتصادهم وطريقة إنفاقهم لأموالهم بحرية.. إن حرية إنفاق المال أو إهلاكه أو التصرف فيه شيء لا علاقة له بالدين.. هذه حرية الإنسان الشخصية.. وهذا ماله الخاص، ما الذي أقحم الدين على هذا وذاك؟.. هذا هو فهم قوم شعيب للإسلام الذي جاء به شعيب، وهو لا يختلف كثيرا أو قليلا عن فهم عديد من الأقوام في زماننا الذي نعيش فيه. ما للإسلام وسلوك الإنسان الشخصي وحياتهم الاقتصادية وأسلوب الإنتاج وطرق التوزيع وتصرف الناس في أموالهم كما يشاءون..؟ ما للإسلام وحياتنا اليومية..؟[/rtl]
[rtl]ثم يعودون إلى السخرية منه والاستهزاء بدعوته (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي لو كنت حليما رشيدا لما قلت ما تقول.[/rtl]
[rtl]أدرك شعيب أن قومه يسخرون منه لاستبعادهم تدخل الدين في الحياة اليومية.. ولذلك تلطف معهم تلطف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه، وتجاوز سخريتهم لا يباليها، ولا يتوقف عندها، ولا يناقشها.. تجاوز السخرية إلى الجد.. أفهمهم أنه على بينة من ربه.. إنه نبي يعلم وهو لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهمعنه، إنه لا ينهاهم عن شيء ليحقق لنفسه نفعا منه، إنه لا ينصحهم بالأمانة ليخلوا له السوق فيستفيد من التلاعب.. إنه لا يفعل شيئا من ذلك.. إنما هو نبي.. وها هو ذا يلخص لهم كل دعوات الأنبياء هذا التلخيص المعجز: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) إن ما يريده هو الإصلاح.. هذه هي دعوات الأنبياء في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد.. إنهم مصلحون أساسا، مصلحون للعقول، والقلوب، والحياة العامة، والحياة الخاصة.[/rtl]
[rtl]بعد أن بين شعيب عليه السلام لقومه أساس دعوته، وما يجب عليهم الالتزام به، ورأى منهم الاستكبار، حاول إيقاض مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من الأمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه. فذكرهم قوم نوح، وقومهود، وقوم صالح، وقوم لوطوأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالمولى غفور رحيم.[/rtl]

[rtl]تحدي وتهديد القوم لشعيب:[/rtl]
[rtl]لكن قوم شعيب أعرضوا عنه قائلين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) إنه ضعيف بمقياسهم. ضعيف لأن الفقراء والمساكيهم فقط اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم. إنه مقياس بشري خاطئ، فالقوة بيد الله، والله مع أنبياءه. ويستمر الكفرة في تهديهم قائلين: (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) لولا أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة.[/rtl]
[rtl]نرى أنه عندما أقام شعيب (عليه السلام) الحجة على قومه، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد. وأظهروا حقيقة كرههم له. لكن شعيب تلطف معهم.. تجاوز عن إساءتهم إليه وسألهم سؤالا كان هدفه إيقاظ عقولهم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ) يا لسذاجة هؤلاء. إنهم يسيئون تقدير حقيقة القوى التي تتحكم في الوجود.. إن الله هو وحده العزيز.. والمفروض أن يدركوا ذلك.. المفروض ألا يقيم الإنسان وزنا في الوجود لغير الله.. ولا يخشى في الوجود غير الله.. ولا يعمل حسابا في الوجود لقوة غير الله.. إن الله هو القاهر فوق عباده.[/rtl]
[rtl] ويبدو أن قوم شعيب ضاقوا ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه. ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد.. هددوه أولا بالقتل، وها هم أولاء يهددونه بالطرد من قريتهم.. خيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والجمادات.. وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها. لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد.. فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟ ثم أين تكافؤ الفرص؟ أنه يدعوهم برفق ولين وحب.. وهم يهددونه بالقوة.[/rtl]
[rtl]واستمر الصراع بين قوم شعيب ونبيهم.. حمل الدعوة ضده الرؤساء والكبراء والحكام.. وبدا واضحا أن لا أمل فيهم.. لقد أعرضوا عن الله.. أداروا ظهورهم لله. فنفض شعيب يديه منهم. لقد هجروا الله، وكذبوا نبيه، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.. فليعمل كل واحد.. ولينتظروا جميعا أمر الله.[/rtl]
[rtl]هلاك قوم شعيب:[/rtl]
[rtl]وانتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. راحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين.. راحوا يسألونه عن عذاب الله.. أين هو..؟ وكيف هو..؟ ولماذا تأخر..؟ سخروا منه.. وانتظر شعيب أمر الله.[/rtl]
[rtl]أوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.. وخرج شعيب.. وجاء أمره تعالى:[/rtl]
[rtl](وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْجَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ 94) (هود)[/rtl]
[rtl]هي صيحة واحدة.. صوت جاءهم من غمامة أظلتهم.. ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنها تحمله من المطر.. ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم ليوم عظيم.. انتهى الأمر. أدركتهم صيحة جبارة جعلت كل واحد فيهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه في داره.. صعقت الصيحة كل مخلوق حي.. لم يستطع أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه.. جثم في مكانه مصروعا بصيحة.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:08

[rtl][size=32]أنبياء أهل القرية عليهم السلام[/rtl][/size]
[rtl]نبذة:[/rtl]
[rtl]أرسل الله رسولين لإحدى القرى لكن أهلا كذبوهما، فأرسل الله تعالى رسولا ثالثا يصدقهما. ولا يذكر ويذكر لناالقرآن الكريم قصة رجل آمن بهم ودعى قومه للإيمان بما جاؤوا بهن لكنهم قتلوه، فأدخله الله الجنة.[/rtl]
[rtl]سيرتهم:[/rtl]
[rtl]يحكي الحق تبارك وتعالى قصة أنبياء ثلاثة بغير أن يذكر أسمائهم. كل ما يذكره السياق أن القوم كذبوا رسولين فأرسل الله ثالثا يعزرهما. ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية. وقد اختلفت فيها الروايات. وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها. لكن الناس ظلوا على إنكارهم للرسل وتكذيبهم، وقالوا (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ).[/rtl]
[rtl]وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها ?! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلىء بها الأسواق والبيوت ?![/rtl]
[rtl]وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. فالرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي. النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.[/rtl]
[rtl]وفي ثقة المطمئن إلى صدقه، العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل: إن الله يعلم، وهذا يكفي. وإن وظيفة الرسل البلاغ. وقد أدوه. والناس بعد ذلك أحرار فيما يتخذون لأنفسهم من تصرف. وفيما يحملون في تصرفهم من أوزار. والأمر بين الرسل وبين الناس هو أمر ذلك التبليغ عن الله; فمتى تحقق ذلك فالأمر كله بعد ذلك إلى الله.[/rtl]
[rtl]ولكن المكذبين الضالين لا يأخذون الأمور هذا المأخذ الواضح السهل اليسير; ولا يطيقون وجود الدعاة إلى الهدى ويعمدون إلى الأسلوب الغليظ العنيف في مقاومة الحجة لأن الباطل ضيق الصدرقالوا: إننا نتشاءم منكم; ونتوقع الشر في دعوتكم; فإن لم تنتهوا عنها فإننا لن نسكت عليكم، ولن ندعكم في دعوتكم: (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)هكذا أسفر الباطل عن غشمه، وأطلق على الهداة تهديده، وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة![/rtl]
[rtl]ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية. والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة; وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم. إنما هو معهم. مرتبط بنواياهم وأعمالهم، متوقف على كسبهم وعملهم. وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً. فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه، ومن خلال اتجاهه، ومن خلال عمله. وهو يحمل طائره معه. هذه هي الحقيقةالثابتة القائمة على أساس صحيح. أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالوجوه أو التشاؤم بالكلمات فهو خرافة لا تستقيم على أصل![/rtl]
[rtl]وقالوا لهم: (أَئِن ذُكِّرْتُم) أترجموننا وتعذبوننا لأننا نذكركم! أفهذا جزاء التذكير? (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير; وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد; وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب![/rtl]
[rtl]ما كان من الرجل المؤمن:[/rtl]
[rtl]لا يقول لنا السياق ماذا كان من أمر هؤلاء الأنبياء، إنما يذكر ما كان من أمر إنسان آمن بهم. آمن بهم وحده.. ووقف بإيمانه أقلية ضعيفة ضد أغلبية كافرة. إنسان جاء من أقصى المدينة يسعى. جاء وقد تفتح قلبه لدعوة الحق.. فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق. وحينما استشعر قلبهحقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتاً; ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور، ولكنه سعى بالحق الذي آمن بهسعى به إلى قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون. وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وفي كفهم عن البغي، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين.[/rtl]
[rtl]ويبدو أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان. ولم تكن له عشيرة تدافع عنه إن وقع له أذىولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها.[/rtl]
[rtl]فقال لهم: اتبعوا هؤلاء الرسل، فإن الذي يدعو مثل هذه الدعوة، وهو لا يطلب أجراً، ولا يبتغي مغنماً. إنه لصادق. وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفاً من الله? ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة? ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة? والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم، وهو لا يجني من ذلك كسباً، ولا يطلب منهم أجراً? وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم. فهم يدعون إلى إله واحد. ويدعون إلى نهج واضح. ويدعون إلى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض. فهم مهتدون إلى نهج سليم، وإلى طريق مستقيم.[/rtl]
[rtl]ثم عاد يتحدث إليهم عن نفسه هو وعن أسباب إيمانه، ويناشد فيهم الفطرة التي استيقظت فيه فاقتنعت بالبرهان الفطري السليمفلقد تسائل مع نفسه قبل إئمانه، لماذا لا أعبد الذي فطرني؟ والذي إليه المرجعوالمصير? وما الذي يحيد بي عن هذا النهج الطبيعي الذي يخطر على النفس أول ما يخطر? إن الفطر مجذوبة إلى الذي فطرها، تتجه إليه أول ما تتجه،،فلا تنحرف عنه إلا بدافع آخر خارج على فطرتها. والتوجه إلى الخالق هو الأولى.[/rtl]
[rtl]ثم يبين ضلال المنهج المعاكس. مهج من يعبد آلهة غير الرحمن لا تضر ولا تنفع. وهل أضل ممن يدع منطق الفطرة الذي يدعو المخلوق إلى عبادة خالقه، وينحرف إلى عبادة غير الخالق بدون ضرورة ولا دافع? وهل أضل ممن ينحرف عن الخالق إلى آلهة ضعاف لا يحمونه ولا يدفعون عنه الضر حين يريد به خالقه الضربسبب انحرافه وضلاله?[/rtl]
[rtl]والآن وقد تحدث الرجل بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة يقرر قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين. لأن صوت الفطرة في قلبه أقوى من كل تهديد ومن كل تكذيبSad إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْفَاسْمَعُونِ) هكذا ألقى بكلمة الإيمان الواثقة المطمئنة. وأشهدهم عليها. وهو يوحي إليهم أن يقولوها كما قالها. أو أنه لا يبالي بهم ماذا يقولون![/rtl]
[rtl]استشهاد الرجل ودخوله الجنة:[/rtl]
[rtl]ويوحي سياق القصة بعد ذلك القوم الكافرين قتلوا الرجل المؤمنوإن كان لا يذكر شيئاً من هذا صراحة. إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها، وعلى القوم وما هم فيه; ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق، متبعاً صوت الفطرة، وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل. نراه في العالم الآخر. ونطلع على ما ادخر الله له من كرامة. تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِييَعْلَمُونَ .. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[/rtl]
[rtl]وتتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة. ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء. وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة. ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق. ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم. ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين.[/rtl]
[rtl]ونرى الرجل المؤمن. وقد اطلع على ما آتاه الله في الجنة من المغفرة والكرامة، يذكر قومه طيب القلب رضي النفس، يتمنى لو يراه قومه ويرون ما آتاه ربه من الرضى والكرامة، ليعرفوا الحق، معرفة اليقين.[/rtl]
[rtl]إهلاك أصحاب القرية بالصيحة:[/rtl]
[rtl]هذا كان جزاء الإيمان. فأما الطغيان فكان أهون على الله من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره. فهو ضعيف ضعيف: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ .. إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)لا يطيل هنا في وصف مصرع القوم، تهويناً لشأنهم، وتصغيراً لقدرهم. فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل![/rtl]
[rtl]تجاوز السياق أسماء الأنبياء وقصصهم ليبرز قصة رجل آمن.. لم يذكر لنا السياق اسمه. اسمه لا يهم.. المهم ما وقع له.. لقد آمن بأنبياء الله.. قيل له ادخل الجنة. ليكن ما كان من أمر تعذيبه وقتله. ليس هذا في الحساب النهائي شيئا له قيمته. تكمن القيمة في دخوله فور إعلانه أنه آمن. فور قتله.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:13

شجرة الانبياء Ouy10




[rtl]الفصل الأول[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl]أثناء حياة يوسف علي السلام بمصر، تحولت مصر إلى التوحيد. توحيد الله سبحانه، وهي الرسالة التي كانيحملها جميع الرسل إلى أقواهم. لكن بعد وفاته، عاد أهل مصر إلى ضلالهم وشركهم. أما أبناء يعقوب، أو أبناء إسرائيل، فقد اختلطوا بالمجتمع المصري، فضلّ منهم من ضل، وبقي على التوحيد من بقي. وتكاثر أبناء إسرائيل وتزايد عددهم، واشتغلوا في العديد من الحرف.[/rtl]
[rtl]ثم حكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه. ورأى هذا الملك بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون.وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه. فأصدرالفرعون أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي وليد ذكروبدأ تطبيق النظام، ثم قال مستشارونفرعون له، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بهاوالأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه.[/rtl]
[rtl]ووجد الفرعون أن هذا الحل أسلم. وحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدتهعلانية آمنة. فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى. حمل ميلاده خوفا عظيما لأمه. خافت عليه من القتل. راحت ترضعه في السر. ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله إليها فيها للأم بصنع صندوق صغير لموسى. ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق. وإلقاءه في النهر.[/rtl]
[rtl]كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها، والله هو ربه ورب النيل. لم يكد الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي سيكون نبيا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمرهللنار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه إلى قصر فرعون. وحملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون. وهناك أسلمه الموج للشاطئ.[/rtl]
[rtl]رفض موسى للمراضع:[/rtl]
[rtl]وفي ذلك الصباح خرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر. وكانت زوجة فرعون تختلف كثيرا عنه.فقد كان هو كافرا وكانت هي مؤمنة. كان هو قاسيا وكانت هي رحيمة. كان جبارا وكانت رقيقة وطيبة. وأيضا كانت حزينة، فلم تكن تلد. وكانت تتمنى أن يكون عندها ولد.[/rtl]
[rtl]وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من النهر، وجدن الصندوق، فحملنه كما هو إلى زوجة فرعون. فأمرتهن أن يفتحنه ففتحنه. فرأت موسى بداخله فأحست بحبه في قلبها. فلقد ألقى الله في قلبها محبته فحملته من الصندوق. فاستيقظ موسى وبدأ يبكي. كان جائعا يحتاج إلى رضعة الصباح فبكى.[/rtl]
[rtl]فجاءت زوجة فرعون إليه، وهي تحمل بين بيدها طفلا رضيعافسأل من أين جاء هذا الرضيع؟ فحدثوه بأمرالصندوقفقال بقلب لا يعرف الرحمةلابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل. أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟[/rtl]
[rtl]فذكّرت آسيا -امرأة فرعون- زوجها بعدم قدرتهم على وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته. سمح لها بذلك.[/rtl]
[rtl]عاد موسى للبكاء من الجوع. فأمرت بإحضار المراضع. فحضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها. فحضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى يبكي ولا يريد أن يرضع. فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.[/rtl]
[rtl]لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفع موسى لجميع المراضع. فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية. لم تكد ترمي موسى في النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها في النيل. غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره. وجاء الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنا على ابنها، وكادت تذهب إلى قصر فرعون لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون. لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله. كل ما في الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى.[/rtl]
[rtl]وذهبت أخت موسى بهدوء ورفق إلى جوار قصر فرعون، فإذا بها تسمع القصة الكاملة. رأت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع. وقالت أخت موسى لحرس فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟[/rtl]
[rtl]ففرحت زوجة فرعون كثيرا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة. وعادت أخت موسى وأحضرت أمه. وأرضعته أمه فرضع. وتهللت زوجة فرعون وقالت: "خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها،وسنعطيك أجرا عظيما على تربيتك له". وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء. ورغم كل شيء.[/rtl]
[rtl]نشأة موسى في بيت فرعون:[/rtl]
[rtl]أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون. كان موضع حب الجميع. كان لا يراه أحد إلا أحبه. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله وعنايته. بدأت تربية موسى في بيت فرعون. وكان هذا البيت يضم أعظم المربين والمدرسين في ذلك الوقت. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض. وكان فرعون أقوى ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين في الأرض. وهكذا شاءت حكمةالله تعالى أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذا لمشيئة الخالق.[/rtl]
[rtl]وكبر موسى في بيت فرعون. كان موسى يعلم أنه ليس ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون وأتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده.. (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) وراح يتمشى فيها. فوجد رجلا من اتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله. كان موسى قويا جدا، ولم يكن يقصد قتل الظالم، إنما أراد إزاحته فقط، لكن ضربته هذه قتلته. ففوجئ موسى به وقد مات وقال لنفسه: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌودعا موسى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) وغفر الله تعالى له، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[/rtl]
[rtl]أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) كان هذا حال موسى، حال إنسان مطارد، فهو خائف، يتوقع الشر في كل خطوة، وهو مترقب، يلتفت لأوهى الحركات وأخفاها.[/rtl]
[rtl]ووعد موسى بأن لا يكون ظهيرا للمجرمين. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدافع عن أحد من قومهوفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس وهو يناديه ويستصرخه اليوم. كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد المصريين. وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب. أدرك أنه من هواة المشاجرات. وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِين) قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو. دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخا، وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس. فتوقف موسى، سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه.[/rtl]
[rtl]وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته أمس.ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتلفنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينةوانكشف سر موسىوظهر أمره. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا. ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.[/rtl]
[rtl]لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى. ونرجح أنه كان رجلا مصريا من ذوي الأهمية، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا، ولو كان شخصية عادية لما عرف. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ. فيجب أن تكون عقوبته السجن على أقصى تقدير.[/rtl]
[rtl]لكن رؤساء القوم وعليتهم، الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى لأنه من بني إسرائيل، ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر، وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى، فهو قاتل المصري، لذا فهو يستحق القتل.[/rtl]
[rtl]خرج موسى من مصر على الفور. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب. في قلبه دعاء لله (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وكان القوم ظالمين حقا. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟[/rtl]
[rtl]خرج موسى من مصر على عجل. لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته. لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله. ولم يكن في قافلة. إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج. اختار طريقا غير مطروق وسلكه. دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه. لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا. هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.[/rtl]
[rtl]موسى في مدين:[/rtl]
[rtl]ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان. كان هذا المكان هو مدين. جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم. وكان خائفا طوال الوقت أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.[/rtl]
[rtl]لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح. نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب. لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب. لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة. تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء.[/rtl]
[rtl]قالت إحداهما: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.
سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
قالت الأخرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام. هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.
سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم؟
فقالت واحدة منهما: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
فقال موسى: سأسقي لكما.
[/rtl]

[rtl]سار موسى نحو الماء. وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة. وفي رواية أن أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال. فرفع موسى الصخرة وحده. وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة. وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).[/rtl]
[rtl]عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ.[/rtl]

[rtl]سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت إحداهما: تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
فقال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ليعطيك أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)
[/rtl]

[rtl]ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى، ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها. فنهض موسى وبصره في الأرض. إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض. سارت البنت أمامه. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.[/rtl]
[rtl]وصلا إلى الشيخ. قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب. عمر طويلا بعد موت قومه. وقيل إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به. لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.[/rtl]
[rtl]قدم له الشيخ الطعام وسأله: من أين قدم وإلى أين سيذهب؟ حدثه موسى عن قصته. قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. اطمأن موسى ونهض لينصرف.[/rtl]
[rtl]قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) 
سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.
[/rtl]

[rtl]وعاد الشيخ لموسى وقال له: أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك. والله شاهد على اتفاقنا. سواء قضيت السنوات الثمانية، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب.[/rtl]
[rtl]يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات، حول أي ابنتي الشيخ تزوج، وأي المدتين قضى. والثابت أن موسى تزوج إحدى ابنتي الشيخ. لا نعرف من كانت، ولا ماذا كان اسمها. وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني. إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم. نرى أنه قضى الأجل الأكبر. وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهكذا عاش موسى يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:19

[rtl][size=32]موسى عليه السلام[/rtl][/size]
[rtl]أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.[/rtl]
[rtl]أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.[/rtl]
[rtl]ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.
[/rtl]



[rtl]الفصل الثاني[/rtl]
[rtl]موسى ورعي الغنم:[/rtl]
[rtl]وكان عمل موسى ينحصر في الخروج مع الفجر كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها.[/rtl]
[rtl]ولنقف هنا وقفة تدبر. إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى -عليه السلام- خطوة بخطوة. منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة. ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون. وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ في كنف عدوّه. ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها ليقتل نفسا. وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعونليحذره وينصحه بالخروج من مصر. وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد ولا استعداد. وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر. ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.[/rtl]
[rtl]هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه، قبل النداء والتكليف. تجربة الرعاية والحب والتدليل. تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس، وتجربة الندم والاستغفار. وتجربة الخوف والمطاردة. وتجربة الغربة والوحدةوالجوع. وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور. وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة، ومشاعر وخواطر، وإدراك ومعرفة. إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم والحكمة.[/rtl]
[rtl]إن الرسالة تكليف ضخم شاق، يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة، إلى جانب وحي الله وتوجيهه. ورسالة موسى تكليف عظيم، فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر، أعتى ملوك الأرض فيزمانه، وأشدهم استعلاء في الأرض. وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس الذل حتى استمرأوا مذاقه. فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.[/rtl]
[rtl]فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور التي نشأ فيها موسى -عليه السلام- وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة. فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة. أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي والضعيف، وفيهم وفيهم. وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا، وقلوب أهل القصور في الغالب لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.[/rtl]
[rtl]فلما استكملت نفس موسى -عليه السلام- تجاربها، وأكملت مرانها، بهذه التجربة الأخيرة في دار الغرة. قادت القدرة الإلهية خطاه مرة أخرى عائدة به إلى مهبط رأسه، ومقر أهله وقومه، ومجال عمله. وهكذا نرى كيف صُنِعَ موسى على عين الله، وكيف تم إعداده لتلقي التكليف.[/rtl]
[rtl]عودة موسى لمصر:[/rtl]
[rtl]ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟ وأنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟[/rtl]
[rtl]إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنستهالخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا. ليؤدي المهمة التي خلق لها.[/rtl]
[rtl]خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.[/rtl]
[rtl]أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.[/rtl]
[rtl]وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه. يده اليمنى تمسك عصاه. جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. واقترب موسى من النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي: (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).[/rtl]
[rtl]نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.[/rtl]
[rtl]ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَى[/rtl]
[rtl]فأجاب موسى: نعم.[/rtl]
[rtl]قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ[/rtl]
[rtl]ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.[/rtl]
[rtl]قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى[/rtl]
[rtl]انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.[/rtl]
[rtl]عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى 16) (طه)[/rtl]
[rtl]زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.[/rtl]
[rtl]قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى[/rtl]

[rtl]ازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.[/rtl]
[rtl]أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى[/rtl]
[rtl]قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى[/rtl]
[rtl]رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم. وراح الثعبان يتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.[/rtl]
[rtl]عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.[/rtl]
[rtl]قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى[/rtl]
[rtl]مد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا. عاد الأمر الإلهي يصدر له:اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ[/rtl]
[rtl]وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..[/rtl]
[rtl]اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر. وأبدى موسى خوفه من فرعون. قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارونطمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء. أفهم الله موسى أنه هو الغالب. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه. ثم قفل موسى راجعا لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون. انحدر موسى بأهله قاصدا مصر.[/rtl]
[rtl]يعلم الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر. انتهى زمان التأمل، وانطوت أيام الراحة، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا، وها هو ذا موسى يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم. يعلم موسى أن فرعون مصر طاغية. يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع. يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل. لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون. أن يدعوه بلين ورفق إلى الله. أوحى الله لموسى أن فرعون لن يؤمن. ليدعه موسى وشأنه. وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم. قال تعالى لموسى وهارون: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ) هذه هي المهمة المحددة. وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات. إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به، ويستحيي نسائهم، ويذبح أبنائهم، ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر. يعلم موسى أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم وجهدهم وطاقاتهم في الدولة، فهل يفرط الفرعون في بناء الدولةالأساسي ببساطة ويسر؟ ذهبت الأفكار وجاءت، فاختصرت مشقة الطريق. ورفع الستار عن مشهد المواجهة.[/rtl]
[rtl]مواجهة فرعون:[/rtl]
[rtl]واجه موسى فرعون بلين ورفق كما أمره الله. وحدثه عن الله. عن رحمته وجنته. عن وجوب توحيده وعبادته. حاول إيقاظ جوانبه الإنسانية في الحديث. ألمح إليه أنه يملك مصر، ويستطيع لو أراد أن يملك الجنة. وكل ما عليه هو أن يتقي اللهاستمع فرعون إلى حديث موسى ضجرا شبه هازئ وقد تصوره مجنونا تجرأ على مقامه السامي. ثم سأل فرعون موسى ماذا يريد. فأجاب موسى أنه يريد أن يرسل معه بنيإسرائيل.[/rtl]
[rtl]ويعجب فرعون وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى العظيمة، ويطلب إليه ذلك الطلب الكبير. فآخر عهد فرعون بموسى أنهم ربوه في قصره بعد أن التقطوا تابوته. وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي. فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى العظيمة التي يواجهه بها بعدعشر سنين! ومن ثم بدأ فرعون يذكره بماضيه. يذكره بتربيته له فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ لتأتي الآن لتخالف ديانتنا، وتخرج على الملك الذي تربيت في قصره، وتدعوا إلى إله غيره؟![/rtl]
[rtl]ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم. فلا يتحدث عنها بصريح العبارة وإنما يقول (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) فعلتك البشعة الشنيعة (وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) برب العالمين الذي تقول به اليوم، فأنت لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين! لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم؛ ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم؟![/rtl]
[rtl]وظن فرعون أنه رد على موسى ردا لن يملك معه جواباإلا أن الله استجاب لدعاء موسى من قبل، فانطلق لسانه: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل، أندفع اندفاع العصبية لقومي، لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكة (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) على نفسي. فقسم الله لي الخير فوهب لي الحكمة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ).[/rtl]
[rtl]ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فما كانت تربيتيفي بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل، وقتل أبنائهم، مما دفع أمي لوضعي في التابوت وإلقاءه في اليم، فتلتقطه فأتربى في بيتك، لا في بيت أبويّ. فهل هذا هو ما تمنه علي، وهل هذا هو فضلك العظيم؟![/rtl]
[rtl]عند هذا الحد تدخل الفرعون في الحديث..[/rtl]
[rtl] قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ
قال موسى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ
التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا: أَلَا تَسْتَمِعُونَ
قال موسى متجاوزا سخرية الفرعون: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
عاد موسى يتجاوز اتهام الفرعون وسخريته ويكمل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ

نلاحظ أن فرعون لم يكن يسأل موسى عن رب العالمين أو رب موسى وهارون بقصد السؤال البريء والمعرفة. إنما كان يهزأ. ولقد أجابه موسى إجابة جامعة مانعة محكمة (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) هو الخالق. خالق الأجناس جميعا والذوات جميعا. وهو هاديها بما ركب في فطرتها وجبلتها من خواص تهديها لأسباب عيشها. وهو الموجه لها على أي حال. وهو القابض على ناصيتها في كل حال. وهو العليم بها والشاهد عليها في جميع الأحوال.
[/rtl]

[rtl]لم تؤثر هذه العبارة الرائعة والموجزة في فرعونوها هو ذا يسأل: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى). لم تعبد ربك هذا؟[/rtl]
[rtl]لم يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه. ويرد موسى ردا يستلفته إلى أن القرون الأولى التي لم تعبد الله، والتي عبدته معا، لن تترك بغير مساءلة وجزاء. كل شيء معلوم عند الله تعالى. هذه القرون الأولى (عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ) أحصى الله ما عملوه في كتاب. (لَّا يَضِلُّ رَبِّي) أي لا يغيب عنه شيء. (وَلَا يَنسَى)أي لا يغيب عن شيء. ليطمئن الفرعون بالا من ناحية القرون الأولى والأخيرة وما بينهما. إن الله يعرف كل شيء ويسجل عليها ما عملته ولا يضيع شيئا من أجورهم.[/rtl]
[rtl]ثم استلفت موسى نظر فرعون إلى آيات الله في الكون. ودار به مع حركة الرياح والمطر والنبات وأوصله مرة ثانية إلى الأرض، وهناك افهمه أن الله خلق الإنسان من الأرض، وسيعيده إليها بالموت، ويخرجه منها بالبعث، إن هناك بعثا إذن. وسيقف كل إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى. لا استثناء لأحد. سيقف كل عباد اللهوخلقه أمامه يوم القيامة. بما في ذلك الفرعون. بهذا جاء موسى مبشرا ومنذرا.[/rtl]
[rtl]لم يعجب فرعون هذا النذير، وتصاعد الحوار بينه وبين موسى. فالطغيان لا يخشى شيئا كخشيته يقظة الشعوب، وصحوة القلوب؛ ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة؛ ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية. لذلك هاج فرعون على موسى وثار، وأنهى الحوار معه بالتهديد الصريح. وهذا هو سلاح الطغاة عندما يفتقرون للحج والبراهين والمنطق (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).[/rtl]
[rtl]إلا أن موسى -عليه السلام- لم يفقد رباطة جأشه. كيف يفقدها وهو رسول الله، والله معه ومع أخيه؟ وبدأ الإقناع بأسلوب جديد، وهو إظهار المعجزة (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ) فهو يتحدى فرعون، ويحرجه أمام ملأه، فلو رفض فرعون الإصغاء، سيظهر واضحا أنه خائف من حجة موسى (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).[/rtl]
[rtl]ألقى موسى عصاه في ردهة القصر العظيمة. لم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة. ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر.[/rtl]



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:23

[rtl]موسى عليه السلام[/rtl]

[rtl]أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.[/rtl]

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.



[rtl]ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.[/rtl]


[rtl]الفصل الثالث
[/rtl]


[rtl]تحدي السحرة:[/rtl]


[rtl]وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل. حيث شاور فرعون الملأ من حوله فيما يجب فعله. والملأ لهم مصلحة في أن تبقى الأمور على ما هي عليه، فهم مقربون من فرعون، ولهم نفوذ وسلطان. فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله، فيجمع السحرة لتحدي موسى وأخاه.[/rtl]

[rtl]حدد الميقات، وهو يوم الزينة. وبدأت حركة إعداد الجماهير وتحميسهم فدعوهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد، ليراقبوا فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي! والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور.[/rtl]

[rtl]أما السحرة، فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنون على الأجر والمكافأة إن غلبوا موسى. فهم جماعة مأجورة، تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي تنتظره؛ ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية، ولا شيء سوى الأجر والمصلحة. وهم هم ألاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع. وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر. يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه. وهو بزعمه الملك والإله![/rtl]


[rtl]وفي ساحة المواجهة. والناس مجتمعون، وفرعون ينظر. حضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام، وحضر السحرة وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل، وكلهم ثقة بفوزهم في هذا التحدي. لذا بدءوا بتخييرموسى: (إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وتتجلى ثقة موسى -عليه السلام- في الجانب الآخرواستهانته بالتحدي (بَلْ أَلْقُوا) فرمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ)[/rtl]

رمى السحرة بعصيهم وحبالهم فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة (سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ). وحسبنا أن يقرر القرآن الكريم أنه سحر عظيم (وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)، لندرك أي سحر كان. وحسبنا أن نعلم أنهم (سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ) وأثاروا الرهبة في قلوبهم(وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) لنتصور أي سحر كان. فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف.

[rtl]في هذه اللحظة، يذكّره ربّه بأن معه القوة الكبرى. فهو الأعلى. ومعه الحق، أما هم فمعهم الباطل. معه العقيدة ومعهم الحرفة. معه الإيمان بصدق الذي دفعه لما هو فيه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة. موسى متصل بالقوة الكبرى والسحرة يخدمون مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا.[/rtl]


[rtl]لا تخف (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) وستهزمهم، فهو سحر من تدبير ساحر وعمله. والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار، لأنه يعتمد على الخيال والإيهام والخداع، ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية.[/rtl]


[rtl]اطمأن موسى ورفع عصاه وألقاها. لم تكد عصا موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى. وضخامة المعجزة حولت مشاعر ووجدان السحرة، الذين جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس على الفوز لنيل الأجر. الذي بلغت براعتهم لحد أن يشعر موسى بالخوف من عملهم. تحولت مشاعرهم بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)[/rtl]


[rtl]إنه فعل الحق في الضمائر. ونور الحق في المشاعر، ولمسة الحق في القلوب المهيأة لتلقي الحق والنورواليقين. إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم، ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه. وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى. فهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر، أو أنه من القدرة التي تفوق قدرة البشر والسحر. والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له، لأنه أقرب إدراكا لهذه الحقيقة، ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور. ومن هنا تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق، الذييجددون برهانه في أنفسهم عن يقين.[/rtl]


[rtl]هزت هذه المفاجأة العرش من تحته. مفاجأة استسلام السحرة -وهم من كهنة المعابد- لرب العالمين. رب موسى وهارون. بعد أن تم جمعهم لإبطال دعوة موسى وهارون لرب العالمين! ولأن العرش والسلطان أهم شيء في حيات الطواغيت، فهم مستعدون لارتكاب أي جريمة في سبيل المحافظة عليهما.[/rtl]


[rtl]تسائل فرعون مستغربا (آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ)  كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن يعودوا للحق. لكنهطاغية متكبر متجبر أعمى السلطان عينيه عن الحق.  ويزيد في طغيانه فيقول (إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا) إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، وهو يعلم وكل من له عقل أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل. ويظل الطاغية يتهدد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ويتوعد (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان، تستعلي على قوة الأرض، وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة, وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية. (قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ) إنه الإيمان الذي لا يتزعزع ولا يخضع.[/rtl]


[rtl]ويعلن السحرة حقيقة المعركة (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا) فلا يطلبون الصفح والعفو من عدوّهم، إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين) فيقف الطغيان عاجزا أما هذا الوعي وهذا الاطمئنان. عاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق الباطل من جديد. فينفذ تهديده،ويصلبهم على جذوع النخل.[/rtl]



[rtl]التآمر على موسى ومن آمن معه:[/rtl]


[rtl]وتبدأ جولة جديدة بين الحق والباطل. فهاهم علية القوم من المصريين، يتآمرون ويحرضون فرعونويهيجونه على موسى ومن آمن معه، ويخوّفونه من عاقبة التهاون معهم. وهم يرون الدعوة إلى ربوبية الله وحدة إفسادا في الأرض. حيث يترتب عليها بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله. وقد كان فرعون يستمد قوته من ديانتهم الباطلة، حيث كان فرعون ابن الآلهة. فإن عبد موسى ومن معه الله رب العالمين، لن تكون لفرعون أي سطوة عليهم. فاستثارت هذه الكلمات فرعون، وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله ففكر بوحشيته المعتادة وقرر (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)[/rtl]

[rtl]لم يكن هذا التنكيل الوحشي جديدا على بني إسرائيل. فقد نُفِّذ عليهم هذا الحكم في إبان مولد موسى عليه السلام. فبدأ موسى -عليه السلام- يوصي قومه باحتمال الفتنة، والصبر على البلية، والاستعانة بالله عليها. وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة لمن يتقي الله ولا يخشى أحدا سواه (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[/rtl]


[rtl]إلا أن قومه بدءوا يشتكون من العذاب الذي حل بهم (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) إنها كلمات ذات ظل! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم! أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك. وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية! فيمضي النبي الكريم على نهجه. يذكرهم بالله، ويعلق رجاءهم به، ويلوح لهم بالأملفي هلاك عدوهم. واستخلافهم في الأرض. مع التحذير من فتنة الاستخلاف، فاستخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم، فهو استخلاف للامتحان: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[/rtl]


[rtl]وينقلنا القرآن الكريم إلى فصل آخر من قصة موسى عليه السلام. ومشهد آخر من مشاهد المواجهة بين الحق والباطل. حيث يحكي لما قصة تشاور فرعون مع الملأ في قتل موسى. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) أما موسى عليه السلام فالتجأ إلى الركن الركين، والحصن الحصين، ولاذ بحامي اللائذين، ومجير المستجيرين (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[/rtl]


[rtl]موقف الرجل المؤمن من آل فرعون:[/rtl]


[rtl]كادت فكرة فرعون أن تحصل على التصديق لولا رجل من آل فرعون. رجل من رجال الدولة الكبار، لا يذكر القرآن اسمه، لأن اسمه لا يهم، لم يذكر صفته أيضا لأن صفته لا تعني شيئا، إنما ذكر القرآن أنه رجل مؤمن.ذكره بالصفة التي لا قيمة لأي صفة بعدها.[/rtl]



[rtl]تحدث هذا الرجل المؤمن، وكان (يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) تحدث في الاجتماع الذي طرحت فيه فكرة قتل موسى وأثبت عقم الفكرة وسطحيتها. قال إن موسى لم يقل أكثر من أن الله ربه، وجاء بعد ذلك بالأدلة الواضحة على كونه رسولا، وهناك احتمالان لا ثالث لهما: أن يكون موسى كاذبا، أو يكون صادقا، فإذا كان كاذبا (فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) وهو لم يقل ولم يفعل ما يستوجب قتله. وإذا كان صادقا وقتلناه، فما هو الضمان من نجاتنا من العذاب الذي يعدنا به؟[/rtl]


[rtl]تحدث المؤمن الذي يكتم إيمانه فقال لقومه: إننا اليوم في مراكز الحكم والقوة. من ينصرنا من بأس الله إذا جاء؟ ومن ينقذنا من عقوبته إذا حلت؟ إن إسرافنا وكذبنا قد يضيعاننا.[/rtl]


[rtl]وبدت كلماته مقنعة. إنه رجل ليس متهما في ولائه لفرعون. وهو ليس من أتباع موسى. والمفروض أنه يتكلم بدافع الحرص على عرش الفرعون. ولا شيء يسقط العروش كالكذب والإسراف وقتل الأبرياء.[/rtl]


[rtl]ومن هذا الموضع استمدت كلمات الرجل المؤمن قوتها. بالنسبة إلى فرعون ووزرائه ورجاله. ورغم أن فرعون وجد فكرته في قتل موسى، صريعة على المائدة. رغم تخويف الرجل المؤمن لفرعون. رغم ذلك قال الفرعون كلمته التاريخية التي ذهبت مثلا بعده لكل الطغاة: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[/rtl]


[rtl]هذه كلمة الطغاة دائما حين يواجهون شعوبهم (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى). هذا رأينا الخاص، وهو رأي يهديكم سبيل الرشاد. وكل رأي غيره خاطئ. وينبغي الوقوف ضده واستئصاله.[/rtl]


[rtl]لم تتوقف المناقشة عند هذا الحد. قال فرعون كلمته ولكنه لم يقنع بها الرجل المؤمن. وعاد الرجل المؤمن يتحدث وأحضر لهم أدلة من التاريخ، أدلة كافية على صدق موسى. وحذّره من المساس به. لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها، فأهلكها الله: قوم نوح، قوم عاد ، قوم ثمود.[/rtl]


[rtl]ثم ذكّرهم بتاريخ مصر نفسه. ذكّرهم بيوسف عليه السلام حين جاء بالبينات،  فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن كادت النجاة تفلت منهم، ما الغرابة في إرسال الله للرسل؟ إن التاريخ القديم ينبغي أن يكون موضع نظر. لقد انتصرت القلة المؤمنة حين أصبحت مؤمنة على الكثرة الكافرة. وسحق الله تعالى الكافرين. أغرقهم بالطوفان، وصعقهم بالصرخة. أو خسف بهم الأرض. ماذا ننتظر إذن؟ ومن أين نعلم أن وقوفنا وراء الفرعون لن يضيعنا ويهلكنا جميعا؟[/rtl]

[rtl]كان حديث الرجل المؤمن ينطوي على عديد من التحذيرات المخيفة. ويبدو أنه أقنع الحاضرين بأن فكرة قتل موسى فكرة غير مأمونة العواقب. وبالتالي فلا داعي لها.[/rtl]

إلا أن الطاغية فرعون حاول مرة أخرى المحاورة والتمويه، كي لا يواجه الحق جهرة، ولا يعترف بدعوةالوحدانية التي تهز عرشه. وبعيد عن احتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه. فطلب أن يبنى له بناء عظيم، يصعد عليه ليرى إله موسى الذي يدعيه. وبعيدا أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج. وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور. وإنما هو الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى.

[rtl]بعد هذا الاستهتار، وهذا الإصرار، ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة:[/rtl]


[rtl]وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 44) (غافر)[/rtl]


[rtl]أنهى الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة. بعدها انصرف. انصرف فتحول الجالسون من موسى إليه. بدءوا يمكرون للرجل المؤمن. بدءوا يتحدثون عما صدر منه. فتدخلت عناية الله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)  وأنجته من فرعون وجنوده.[/rtl]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:30

[rtl]موسى عليه السلام[/rtl]
[rtl]أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.[/rtl]

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.

[rtl]ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.[/rtl]

[rtl]الفصل الرابع[/rtl]
[rtl]ابتلاء الله أهل مصر:[/rtl]
[rtl]أما حال مصر في تلك الفترة. فلقد مضى فرعون في تهديده، فقتل الرجال واستحيا النساء. وظل موسى وقومه يحتملون العذاب، ويرجون فرج الله، ويصبرون على الابتلاء. وظل فرعون في ظلاله وتحدّيه. فتدخلت قوة الله سبحانه وتعالى، وشاء الله تعالى أن يشدد على آل فرعون. ابتلاء لهم وتخويفا، ولكي يصرفهم عن الكيد لموسى ومن آمن معه، وإثباتا لنبوة موسى وصدقه في الوقت نفسه. وهكذا سلط على المصريين أعوام الجدب. أجدبت الأرض وشح النيل ونقصت الثمار وجاع الناس، واشتد القحط. لكن آل فرعون لم يدركوا العلاقة بين كفرهم وفسقهم وبين بغيهم وظلمهم لعباد الله. فأخذوا يعللون الأسباب. فعندما تصيبهم حسنة، يقولون إنها من حسن حظهم وأنهم يستحقونها. وإن أصابتهم سيئة قالوا هي من شؤم موسى ومن معه عليهم، وأنها من تحت رأسهم![/rtl]
[rtl]وأخذتهم العزة بالإثم فاعتقدوا أن سحر موسى هو المسئول عما أصابهم من قحط. وصور لهم حمقهم أن هذا الجدب الذي أصاب أرضهم، آية جاء بها موسى ليسحرهم بها، وهي آية لن يؤمنوا بها مهما حدث.[/rtl]
[rtl]فشدد الله عليهم لعلهم يرجعون إلى الله، ويطلقون بني إسرائيل ويرسلونهم معه. فأرسل عليهم الطوفان، والجراد، والقمل -وهو السوس- والضفادع، والدم. ولا يذكر القرآن إن كانت جملة واحدة، أم واحدة تلو الأخرى. وتذكر بعض الروايات أنها جاءت متتالية وحدة تلو الأخرى. إلا أن المهم هو طلب آل فرعون من موسى أن يدعو لهم ربه لينقذهم من هذا البلاء. وبعدونه في كل مرة أن يرسلوا بني إسرائيل إذا أنجاهم ورفع عنهم هذا البلاء (قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ)[/rtl]
[rtl]فكان موسى -عليه السلام- يدعو الله بأن يكشف عنهم العذاب. وما أن ينكشف البلاء حتى ينقضون عهدهم، ويعودون إلى ما كانوا فيه (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ)[/rtl]
[rtl]لم يهتد المصريون، ولم يوفوا بعهودهم، بل على العكس من ذلك. خرج فرعون لقومه، وأعلن أنه إله. أليس له ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحته، أعلن أن موسى ساحر كذاب. ورجل فقير لا يرتدي أسوارة واحدة من الذهب.[/rtl]
[rtl]ويعبّر القرآن الكريم عن أمر فرعون وقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) استخف بعقولهم. واستخف بحريتهم. واستخف بمستقبلهم. واستخف بآدميتهم. فأطاعوه. أليست هذه طاعة غريبة. تنمحي الغرابة حين نعلم أنهم كانوا قوما فاسقين. إن الفسق يصرف الإنسان عن الالتفات لمستقبله ومصالحه وأموره، ويورده الهلاك. وذلك ما وقع لقوم فرعون.[/rtl]
[rtl]خروج بني إسرائيل من مصر:[/rtl]
[rtl]بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى. ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل، ولن يكف عن استخفافه بقومه. هنالك دعا موسى وهارون على فرعون.[/rtl]
[rtl]وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ 89) (يونس)[/rtl]
[rtl]لم يكن قد آمن مع موسى فريق من قومه. فانتهى الأمر، وأوحي إلى موسى أن يخرج من مصر مع بني إسرائيل. وأن يكور رحيلهم ليلا، بعد تدبير وتنظيم لأمر الرحيل. ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده؛ وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر (وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات).[/rtl]
[rtl]وبلغت الأخبار فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج. فأرسل أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم. ليدرك موسى وقومه، ويفسد عليهم تدبيرهم. أعلن فرعون التعبئة العامة. وهذا من شأنه أن يشكل صورة في الأذهان، أن موسى وقومه يشكلون خطرا فعلى فرعون وملكه، فيكف يكون إلها من يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر؟! لذلك كان لا بد من تهوين الأمر وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا، وعلى أي حال، فنحن حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور.[/rtl]
[rtl]وقف موسى أمام البحر. وبدا جيش الفرعون يقترب، وظهرت أعلامه. وامتلأ قوم موسى بالرعب. كان الموقف حرجا وخطيرا. إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليس معهم سفن أو أدوات لعبور البحر، كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال. إنهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين. سيذبحهم فرعون عن آخرهم.[/rtl]
[rtl]صرخت بعض الأصوات من قوم موسى: سيدركنا فرعون.
قال موسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
[/rtl]

[rtl]لم يكن يدري موسى كيف ستكون النجاة، لكن قلبه كان ممتلئا بالثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، فالله هو اللي يوجهه ويرعاه. وفي اللحظة الأخيرة، يجيء الوحي من الله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضربه، فوقعت المعجزة (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وتحققه المستحيل في منطق الناس، لكن الله إن أراد شيئا قال له كن فيكون.[/rtl]

[rtl]ووصل فرعون إلى البحر. شاهد هذه المعجزة. شاهد في البحر طريقا يابسا يشقه نصفين. فأمر جيشه بالتقدم. وحين انتهى موسى من عبور البحر. وأوحى الله إلى موسى أن يترك البحر على حاله (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) وكان الله تعالى قد شاء إغراق الفرعون. فما أن صار فرعون وجنوده في منتصف البحر، حتى أصدر الله أمره، فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه. وغرق فرعون وجيشه. غرق العناد ونجا الإيمان بالله.[/rtl]
[rtl]ولما عاين فرعون الغرق، ولم يعد يملك النجاة (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سقطت عنه كل الأقنعة الزائفة، وتضائل، فلم يكتفي بأن يعلن إيمانه، بل والاستسلام أيضا(وَأَنَاْ مِنَالْمُسْلِمِينَ) لكن بلا فائدة، فليس الآن وقت اختيار، بعد أن سبق العصيان والاستكبار (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[/rtl]
[rtl]انتهى وقت التوبة المحدد لك وهلكت. انتهى الأمر ولا نجاة لك. سينجو جسدك وحده. لن تأكله الأسماك، ولين يحمله التيار بعيدا عن الناس، بل سينجو جسدك لتكون آية لمن خلفك.[/rtl]
[rtl](فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ 92) (يونس)[/rtl]
[rtl]أسدل الستار على طغيان الفرعون. ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ. بعد ذلك. نزل الستار تماما عن المصريين. لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم. فكان خروجهم هذا هو الأخير. وكان إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز؛ فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم! لا يحدثنا القرآن الكريم عما فعله من بقى من المصررين في مصر بعد سقوط نظام الفرعون وغرقه مع جيشه. لا يحدثنا عن ردود فعلهم بعد أن دمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشيدون. يسكت السياق القرآني عنهم. ويستبعدهم تماما من التاريخ والأحداث.[/rtl]
[rtl]نفسية بني إسرائيل الذليلة:[/rtl]
[rtl]لقد مات فرعون مصر. غرق أمام عيون المصريين وبني إسرائيل. ورغم موته، فقد ظل أثره باقيا في نفوس المصريين وبني إسرائيل. من الصعب على سنوات القهر الطويلة والذل المكثف أن تمر على نفوس الناس مر الكرام. لقد عوّد فرعون بني إسرائيل الذل لغير الله. هزم أرواحهم وأفسد فطرتهم فعذبوا موسى عذابا شديدا بالعناد والجهل.[/rtl]
[rtl]كانت معجزة شق البحر لم تزل طرية في أذهانهم، حين مروا على قوم يعبدون الأصنام. وبدلا من أن يظهروا استيائهم لهذا الظلم للعقل، ويحمدوا الله أن هداهم للإيمان. بدلا من ذلك التفتوا إلى موسى وطلبوا منه أن يجعل لهم إلها يعبدونه مثل هؤلاء الناس. أدركتهم الغيرة لمرأى الأصنام، ورغبوا في مثلها، وعاودهم الحنين لأيام الشرك القديمة التي عاشوها في ظل فرعون. واستلفتهم موسى إلى جهلهم هذا، وبيّن لهم أن عملهؤلاء باطل، وأن الله فضل بني إسرائيل على العالمين فكيف يجحد هذا التفضيل ويجعل لهم صنما يعبدونه من دون الله. ثم ذكّرهم بفرعون وعذابه لهم، وكيف أن الله نجاهم منه، فكيف بعد ذلك يشركون بالله مالا يضر ولا ينفع.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:36

موسى عليه السلام
أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.
ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.

 [size=29]الفصل الخامس[/size]
[rtl][size=21]موعد موسى لملاقاة ربه:[/rtl]
[rtl]انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى عليه السلام، وهي تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والتعذيب علىيد فرعون وجنده. والسير بهم إلى الديار المقدسة. لكن القوم لم يكونوا على استعداد للمهمة الكبرى، مهمة الخلافة في الأرض بدين الله. وكان الاختبار الأول أكبر دليل على ذلك. فما أن رأوا قوما يعبدون صنما، حتى اهتزت عقيدة التوحيد في نفوسهم، وطلبوا من موسى أن يجعل لهم وثنا يعبدوه. فكان لا بد من رسالة مفصلة لتربية هذه الأمة وإعدادها لما هم مقبلون عليه. من أجل هذه الرسالة كانت مواعدة الله لعبده موسى ليلقاه.وكانت هذه المواعدة إعداد لنفس موسى ليتهيأ للموقف الهائل العظيم. فاستخلف في قومه أخاه هارون عليهالسلام.[/rtl]
[rtl]كانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة، أضيف إليها عشر، فبلغت عدتها أربعين ليلة. يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود؛ وينعزل فيها عن شواغل الأرض؛ فتصفو روحه وتتقوى عزيمته. ويذكر ابن كثير في تفسيره عن أمر هذه الليالي: "فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة؛ قال المفسرون: فصامها موسى -عليه السلام- وطواها، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى أن يكمل العشرة أربعين".[/rtl]
[rtl]كان موسى بصومه -أربعين ليلة- يقترب من ربه أكثر. وكان موسى بتكليم الله له يزداد حبا في ربه أكثر. فطلب موسى أن يرى الله. ونحن لا نعرف أي مشاعر كانت تجيش في قلب موسى عليه الصلاة والسلام حين سأل ربه الرؤية. أحيانا كثيرة يدفع الحب البشري الناس إلى طلب المستحيل. فما بالك بالحب الإلهي، وهو أصل الحب؟ إن عمق إحساس موسى بربه، وحبه لخالقه، واندفاعه الذي لم يزل يميز شخصيته. دفعه هذا كلهإلى أن يسأل الله الرؤية.[/rtl]
[rtl]وجاءه رد الحق عز وجل: قَالَ لَن تَرَانِي[/rtl]
[rtl]ولو أن الله تبارك وتعالى قالها ولم يزد عليها شيئا، لكان هذا عدلا منه سبحانه، غير أن الموقف هنا موقف حب إلهي من جانب موسى. موقف اندفاع يبرره الحب ولهذا أدركت رحمة الله تعالى موسى. أفهمه أنه لنيراه، لأن أحدا من الخلق لا يصمد لنور الله. أمره أن ينظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف يراه.[/rtl]
[rtl]قال تعالى: (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَىصَعِقً)[/rtl]
[rtl]لا يصمد لنور الله أحد. فدكّ الجبل، وصار مسوّى في الأرض. وسقط موسى مغشيا عليه غائبا عن وعيهفلماأفاق قال سبحانك تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدركوتبت إليك عن تجاوزني للمدى في سؤالك! وأنا أول المؤمنين بك وبعظمتك.[/rtl]
[rtl]ثم تتداركه رحمة ربه من جديد. فيتلقى موسى -عليه السلامالبشرى. بشرى الاصطفاء. مع التوجيه له بالرسالة إلى قومه بعد الخلاص. قال تعالى:[/rtl]
[rtl]قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ[/rtl]
[rtl]وقف كثير من المفسرين أمام قوله تعالى لموسى: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي) وأجريت مقارنات بينه وبين غيره من الأنبياء. فقيل إن هذا الاصطفاء كان خاصا بعصره وحده، ولا ينسحب على العصر الذي سبقه لوجود إبراهيم فيه، وإبراهيم خير من موسى، أيضا لا ينطبق هذا الاصطفاء على العصر الذي يأتي بعده، لوجود محمد بن عبد الله فيه، وهو أفضل منهما.[/rtl]
[rtl]ونحب أن نبتعد عن هذا الجدال كله. لا لأننا نعتقد أن كل الأنبياء سواء. إذا إن الله سبحانه وتعالى يحدثنا أنه فضل بعض النبيين على بعض، ورفع درجات بعضهم على البعض. غير أن هذا التفضيل ينبغي أن يكون منطقة محرمة علينا، ولنقف نحن في موقع الإيمان بجميع الأنبياء لا نتعداه. ولنؤد نحوهم فروض الاحترام على حد سواء. لا ينبغي أن يخوض الخاطئون في درجات المعصومين المختارين من الله. ليس من الأدب أننفاضل نحن بين الأنبياء. الأولى أن نؤمن بهم جميعا.[/rtl]
[rtl]ثم يبين الله تعالى مضمون الرسالة (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) ففيها كل شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها من بيان الله وشريعته والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد![/rtl]
[rtl]عبادة العجل:[/rtl]
[rtl]انتهى ميقات موسى مع ربه تعالى. وعاد غضبان أسفا إلى قومه. فلقد أخبره الله أن قموه قد ضلّوا من بعده. وأن رجلا من بني إسرائيل يدعى السّامري هو من أضلّهم. انحدر موسى من قمة الجبل وهو يحمل ألواح التوراة، قلبه يغلي بالغضب والأسف. نستطيع أن نتخيل انفعال موسى وثورته وهو يحث خطاه نحو قومه.[/rtl]
[rtl]لم يكد موسى يغادر قومه إلى ميقات ربه. حتى وقعت فتنة السامري. وتفصيل هذه الفتنة أن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر، صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين وذهبهم، حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه للتزين به، وعندما أمروا بالخروج حملوه معهم. ثم قذفوها لأنها حرام. فأخذها السامري، وصنع منها تمثالا لعجل. وكان السامري فيما يبدو نحاتا محترفا أو صائغا سابقا، فصنع العجل مجوفا من الداخل، ووضعه في اتجاه الريح، بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من أنفه فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقية.[/rtl]
[rtl]ويقال إن سر هذا الخوار، أن السامري كان قد أخذ قبضة من تراب سار عليه جبريل -عليه السلام- حين نزل إلى الأرض في معجزة شق البحر. أي أن السامري أبصر بما لم يبصروا به، فقبض قبضة من أثر الرسول -جبريل عليه السلام- فوضعها مع الذهب وهو يصنع منه العجل. وكان جبريل لا يسير على شيء إلا دبت فيه الحياة. فلما أضاف السامري التراب إلى الذهب، ثم صنع منه العجل، خار العجل كالعجول الحقيقية. وهذه هيالقصة التي قالها السامري لموسى عليه السلام.[/rtl]
[rtl]     بعد ذلك، خرج السامري على بني إسرائيل بما صنعه..[/rtl]
[rtl]سألوه: ما هذا يا سامري؟
قال: هذا إلهكم وإله موسى!
قالوا: لكن موسى ذهب لميقات إلهه.
قال السامري: لقد نسي موسى. ذهب للقاء ربه هناك، بينما ربه هنا.
[/rtl]

[rtl]وهبت موجة من الرياح فدخلت من دبر العجل الذهب وخرجت من فمه فخار العجل. وعبد بنو إسرائيل هذا العجل. لعل دهشة القارئ تثور لهذه الفتنة. كيف يمكن الاستخفاف بعقول القوم لهذه الدرجة؟! لقد وقعت لهم معجزات هائلة. فكيف ينقلبون إلى عبادة الأصنام في لحظة؟ تزول هذه الدهشة لو نظرنا في نفسية القوم الذين عبدوا العجل. لقد تربوا في مصر، أيام كانت مصر تعبد الأصنام وتقدس فيما تقدس العجل أبيس، وتربوا على الذل والعبودية، فتغيرت نفوسهم، والتوت فطرتهم، ومرت عليهم معجزات الله فصادفت نفوسا تالفة الأمل. لم يعد هناك ما يمكن أن يصنعه لهم أحد. إن كلمات الله لم تعدهم إلى الحق، كما أن المعجزات الحسية لم تقنعهم بصدق الكلمات، ظلوا داخل أعماقهم من عبدة الأوثان. كانوا وثنيين مثل سادتهم المصريين القدماء. ولهذا السبب انقلبوا إلى عبادة العجل.[/rtl]
[rtl]وفوجئ هارون عليه الصلاة والسلام يوما بأن بني إسرائيل يعبدون عجلا من الذهب. انقسموا إلى قسمين: الأقلية المؤمنة أدركت أن هذا هراء. والأغلبية الكافرة طاوعت حنينها لعبادة الأوثان. ووقف هارون وسط قومه وراح يعظهم. قال لهم: إنكم فتنتم به، هذه فتنة، استغل السامري جهلكم وفتنكم بعجله. ليس هذا ربكم ولا رب موسى (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي).[/rtl]
[rtl]ورفض عبدة العجل موعظة هارونلكن هارون -عليه السلام- عاد يعظهم ويذكرهم بمعجزات الله التي أنقذهم بها، وتكريمه ورعايته لهم، فأصموا آذانهم ورفضوا كلماته، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وأنهوا مناقشة الموضوع بتأجيله حتى عودة موسى. كان واضحا أن هارون أكثر لينا من موسى، لم يكن يهابه القوم للينه وشفقته. وخشي هارون أن يلجأ إلى القوة ويحطم لهم صنمهم الذي يعبدونه فتثور فتنة بين القوم. فآثرهارون تأجيل الموضوع إلى أن يحضر موسى.[/rtl]
[rtl]كان يعرف أن موسى بشخصيته القوية، يستطيع أن يضع حدا لهذه الفتنة. واستمر القوم يرقصون حول العجل.[/rtl]
[rtl]انحدر موسى عائدا لقومه فسمع صياح القوم وجلبتهم وهم يرقصون حول العجل. توقف القوم حين ظهر موسى وساد صمت. صرخ موسى يقول: (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي).[/rtl]
[rtl]اتجه موسى نحو هارون وألقى ألواح التوراة من يده على الأرض. كان إعصار الغضب داخل موسى يتحكم فيه تماما. مد موسى يديه وأمسك هارون من شعر رأسه وشعر لحيته وشده نحوه وهو يرتعش. قال موسى:[/rtl]
[rtl](يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي 93) (طه)[/rtl]
[rtl]إن موسى يتساءل هل عصى هارون أمره. كيف سكت على هذه الفتنة؟ كيف طاوعهم على البقاء معهم ولم يخرج ويتركهم ويتبرأ منهم؟ كيف سكت عن مقاومتهم أصلا؟ إن الساكت عن الخطأ مشترك فيه بشكل ما. زاد الصمت عمقا بعد جملة موسى الغاضبة. وتحدث هارون إلى موسى. رجا منه أن يترك رأسه ولحيته. بحقانتمائهما لأم واحدة. وهو يذكره بالأم ولا يذكره بالأب ليكون ذلك أدعى لاستثارة مشاعر الحنو في نفسه.[/rtl]
[rtl]أفهمه أن الأمر ليس فيه عصيان له. وليس فيه رضا بموقف عبدة العجل. إنما خشي أن يتركهم ويمضي، فيسأله موسى كيف لم يبق فيهم وقد تركه موسى مسؤولا عنهم، وخشي لو قاومهم بعنف أن يثير بينهم قتالا فيسأله موسى كيف فرق بينهم ولم ينتظر عودته.[/rtl]
[rtl]أفهم هارون أخاه موسى برفق ولين أن القوم استضعفوه، وكادوا يقتلونه حين قاومهم. رجا منه أن يترك رأسه ولحيته حتى لا يشمت به الأعداء، ويستخف به القوم زيادة على استخفافهم به. أفهمه أنه ليس ظالما مثلهم عندما سكت عن ظلمهم.[/rtl]
[rtl]أدرك موسى أنه ظلم هارون في غضبه الذي أشعلته غيرته على الله تعالى وحرصه على الحق. أدرك أنهارون تصرف أفضل تصرف ممكن في هذه الظروف. ترك رأسه ولحيته واستغفر الله له ولأخيه. التفت موسى لقومه وتساءل بصوت لم يزل يضطرب غضبا: (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي).[/rtl]
[rtl]إنه يعنفهم ويوبخهم ويلفتهم بإشارة سريعة إلى غباء ما عملوه. عاد موسى يقول غاضبا أشد الغضب: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ).[/rtl]
[rtl]لم تكد الجبال تبتلع أصداء الصوت الغاضب حتى نكس القوم رءوسهم وأدركوا خطأهم. كان افتراؤهم واضحا على الحق الذي جاء به موسى. أبعد كل ما فعله الله تعالى لهم، ينكفئون على عبادة الأصنام؟! أيغيب موسى أربعين يوما ثم يعود ليجدهم يعبدون عجلا من الذهب. أهذا تصرف قوم، عهد الله إليهم بأمانة التوحيد فيالأرض؟[/rtl]
[rtl]التفت موسى إلى السامري بعد حديثه القصير مع هارونلقد أثبت له هارون براءته كمسئول عن قومه في غيبته، كما سكت القوم ونكسوا رءوسهم أمام ثورة موسى، لم يبق إلا المسئول الأول عن الفتنة. لم يبق إلا السامري.[/rtl]
[rtl]تحدث موسى إلى السامري وغضبه لم يهدأ بعد: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ
إنه يسأله عن قصته، ويريد أن يعرف منه ما الذي حمله على ما صنع.
[/rtl]

[rtl]قال السامري: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
رأيت جبريل وهو يركب فرسه فلا تضع قدمها على شيء إلا دبت فيه الحياة. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ
أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل وألقيتها على الذهب. فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
هذا ما ساقتني نفسي إليه.
[/rtl]

[rtl]لم يناقش موسى، عليه السلام السامري في ادعائه. إنما قذف في وجهه حكم الحق. ليس المهم أن يكون السامري قد رأى جبريل، عليه السلام، فقبض قبضة من أثره. ليس المهم أن يكون خوار العجل بسبب هذا التراب الذي سار عليه فرس جبريل، أو يكون الخوار بسبب ثقب اصطنعه السامري ليخور العجل. المهم في الأمر كله جريمة السامري، وفتنته لقوم موسى، واستغلاله إعجاب القوم الدفين بسادتهم المصريين، وتقليدهم لهم في عبادة الأوثان. هذه هي الجريمة التي حكم فيها موسى عليه السلام: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا).[/rtl]
[rtl]حكم موسى على السامري بالوحدة في الدنيا. يقول بعض المفسرين: إن موسى دعا على السامري بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مسه.[/rtl]
[rtl]ونعتقد أن الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة السريعة. إن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم، وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة. هل مرض السامري مرضا جلديا بشعا صار الناس يأنفون مالفصل الخامس[/rtl]
[rtl]موعد موسى لملاقاة ربه:[/rtl]
[rtl]انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى عليه السلام، وهي تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والتعذيب علىيد فرعون وجنده. والسير بهم إلى الديار المقدسة. لكن القوم لم يكونوا على استعداد للمهمة الكبرى، مهمة الخلافة في الأرض بدين الله. وكان الاختبار الأول أكبر دليل على ذلك. فما أن رأوا قوما يعبدون صنما، حتى اهتزت عقيدة التوحيد في نفوسهم، وطلبوا من موسى أن يجعل لهم وثنا يعبدوه. فكان لا بد من رسالة مفصلة لتربية هذه الأمة وإعدادها لما هم مقبلون عليه. من أجل هذه الرسالة كانت مواعدة الله لعبده موسى ليلقاه.وكانت هذه المواعدة إعداد لنفس موسى ليتهيأ للموقف الهائل العظيم. فاستخلف في قومه أخاه هارون عليهالسلام.[/rtl]
[rtl]كانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة، أضيف إليها عشر، فبلغت عدتها أربعين ليلة. يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود؛ وينعزل فيها عن شواغل الأرض؛ فتصفو روحه وتتقوى عزيمته. ويذكر ابن كثير في تفسيره عن أمر هذه الليالي: "فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة؛ قال المفسرون: فصامها موسى -عليه السلام- وطواها، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى أن يكمل العشرة أربعين".[/rtl]
[rtl]كان موسى بصومه -أربعين ليلة- يقترب من ربه أكثر. وكان موسى بتكليم الله له يزداد حبا في ربه أكثر. فطلب موسى أن يرى الله. ونحن لا نعرف أي مشاعر كانت تجيش في قلب موسى عليه الصلاة والسلام حين سأل ربه الرؤية. أحيانا كثيرة يدفع الحب البشري الناس إلى طلب المستحيل. فما بالك بالحب الإلهي، وهو أصل الحب؟ إن عمق إحساس موسى بربه، وحبه لخالقه، واندفاعه الذي لم يزل يميز شخصيته. دفعه هذا كلهإلى أن يسأل الله الرؤية.[/rtl]
[rtl]وجاءه رد الحق عز وجل: قَالَ لَن تَرَانِي[/rtl]
[rtl]ولو أن الله تبارك وتعالى قالها ولم يزد عليها شيئا، لكان هذا عدلا منه سبحانه، غير أن الموقف هنا موقف حب إلهي من جانب موسى. موقف اندفاع يبرره الحب ولهذا أدركت رحمة الله تعالى موسى. أفهمه أنه لنيراه، لأن أحدا من الخلق لا يصمد لنور الله. أمره أن ينظر إلى الجبل، فإن استقر مكانه فسوف يراه.[/rtl]
[rtl]قال تعالى: (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَىصَعِقً)[/rtl]
[rtl]لا يصمد لنور الله أحد. فدكّ الجبل، وصار مسوّى في الأرض. وسقط موسى مغشيا عليه غائبا عن وعيهفلماأفاق قال سبحانك تنزهت وتعاليت عن أن ترى بالأبصار وتدركوتبت إليك عن تجاوزني للمدى في سؤالك! وأنا أول المؤمنين بك وبعظمتك.[/rtl]
[rtl]ثم تتداركه رحمة ربه من جديد. فيتلقى موسى -عليه السلامالبشرى. بشرى الاصطفاء. مع التوجيه له بالرسالة إلى قومه بعد الخلاص. قال تعالى:[/rtl]
[rtl]قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ[/rtl]
[rtl]وقف كثير من المفسرين أمام قوله تعالى لموسى: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي) وأجريت مقارنات بينه وبين غيره من الأنبياء. فقيل إن هذا الاصطفاء كان خاصا بعصره وحده، ولا ينسحب على العصر الذي سبقه لوجود إبراهيم فيه، وإبراهيم خير من موسى، أيضا لا ينطبق هذا الاصطفاء على العصر الذي يأتي بعده، لوجود محمد بن عبد الله فيه، وهو أفضل منهما.[/rtl]
[rtl]ونحب أن نبتعد عن هذا الجدال كله. لا لأننا نعتقد أن كل الأنبياء سواء. إذا إن الله سبحانه وتعالى يحدثنا أنه فضل بعض النبيين على بعض، ورفع درجات بعضهم على البعض. غير أن هذا التفضيل ينبغي أن يكون منطقة محرمة علينا، ولنقف نحن في موقع الإيمان بجميع الأنبياء لا نتعداه. ولنؤد نحوهم فروض الاحترام على حد سواء. لا ينبغي أن يخوض الخاطئون في درجات المعصومين المختارين من الله. ليس من الأدب أننفاضل نحن بين الأنبياء. الأولى أن نؤمن بهم جميعا.[/rtl]
[rtl]ثم يبين الله تعالى مضمون الرسالة (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) ففيها كل شيء يختص بموضوع الرسالة وغايتها من بيان الله وشريعته والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد![/rtl]
[rtl]عبادة العجل:[/rtl]
[rtl]انتهى ميقات موسى مع ربه تعالى. وعاد غضبان أسفا إلى قومه. فلقد أخبره الله أن قموه قد ضلّوا من بعده. وأن رجلا من بني إسرائيل يدعى السّامري هو من أضلّهم. انحدر موسى من قمة الجبل وهو يحمل ألواح التوراة، قلبه يغلي بالغضب والأسف. نستطيع أن نتخيل انفعال موسى وثورته وهو يحث خطاه نحو قومه.[/rtl]
[rtl]لم يكد موسى يغادر قومه إلى ميقات ربه. حتى وقعت فتنة السامري. وتفصيل هذه الفتنة أن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر، صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين وذهبهم، حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه للتزين به، وعندما أمروا بالخروج حملوه معهم. ثم قذفوها لأنها حرام. فأخذها السامري، وصنع منها تمثالا لعجل. وكان السامري فيما يبدو نحاتا محترفا أو صائغا سابقا، فصنع العجل مجوفا من الداخل، ووضعه في اتجاه الريح، بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية ويخرج من أنفه فيحدث صوتا يشبه خوار العجول الحقيقية.[/rtl]
[rtl]ويقال إن سر هذا الخوار، أن السامري كان قد أخذ قبضة من تراب سار عليه جبريل -عليه السلام- حين نزل إلى الأرض في معجزة شق البحر. أي أن السامري أبصر بما لم يبصروا به، فقبض قبضة من أثر الرسول -جبريل عليه السلام- فوضعها مع الذهب وهو يصنع منه العجل. وكان جبريل لا يسير على شيء إلا دبت فيه الحياة. فلما أضاف السامري التراب إلى الذهب، ثم صنع منه العجل، خار العجل كالعجول الحقيقية. وهذه هيالقصة التي قالها السامري لموسى عليه السلام.[/rtl]
[rtl]     بعد ذلك، خرج السامري على بني إسرائيل بما صنعه..[/rtl]
[rtl]سألوه: ما هذا يا سامري؟
قال: هذا إلهكم وإله موسى!
قالوا: لكن موسى ذهب لميقات إلهه.
قال السامري: لقد نسي موسى. ذهب للقاء ربه هناك، بينما ربه هنا.
[/rtl]

[rtl]وهبت موجة من الرياح فدخلت من دبر العجل الذهب وخرجت من فمه فخار العجل. وعبد بنو إسرائيل هذا العجل. لعل دهشة القارئ تثور لهذه الفتنة. كيف يمكن الاستخفاف بعقول القوم لهذه الدرجة؟! لقد وقعت لهم معجزات هائلة. فكيف ينقلبون إلى عبادة الأصنام في لحظة؟ تزول هذه الدهشة لو نظرنا في نفسية القوم الذين عبدوا العجل. لقد تربوا في مصر، أيام كانت مصر تعبد الأصنام وتقدس فيما تقدس العجل أبيس، وتربوا على الذل والعبودية، فتغيرت نفوسهم، والتوت فطرتهم، ومرت عليهم معجزات الله فصادفت نفوسا تالفة الأمل. لم يعد هناك ما يمكن أن يصنعه لهم أحد. إن كلمات الله لم تعدهم إلى الحق، كما أن المعجزات الحسية لم تقنعهم بصدق الكلمات، ظلوا داخل أعماقهم من عبدة الأوثان. كانوا وثنيين مثل سادتهم المصريين القدماء. ولهذا السبب انقلبوا إلى عبادة العجل.[/rtl]
[rtl]وفوجئ هارون عليه الصلاة والسلام يوما بأن بني إسرائيل يعبدون عجلا من الذهب. انقسموا إلى قسمين: الأقلية المؤمنة أدركت أن هذا هراء. والأغلبية الكافرة طاوعت حنينها لعبادة الأوثان. ووقف هارون وسط قومه وراح يعظهم. قال لهم: إنكم فتنتم به، هذه فتنة، استغل السامري جهلكم وفتنكم بعجله. ليس هذا ربكم ولا رب موسى (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي).[/rtl]
[rtl]ورفض عبدة العجل موعظة هارونلكن هارون -عليه السلام- عاد يعظهم ويذكرهم بمعجزات الله التي أنقذهم بها، وتكريمه ورعايته لهم، فأصموا آذانهم ورفضوا كلماته، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وأنهوا مناقشة الموضوع بتأجيله حتى عودة موسى. كان واضحا أن هارون أكثر لينا من موسى، لم يكن يهابه القوم للينه وشفقته. وخشي هارون أن يلجأ إلى القوة ويحطم لهم صنمهم الذي يعبدونه فتثور فتنة بين القوم. فآثرهارون تأجيل الموضوع إلى أن يحضر موسى.[/rtl]
[rtl]كان يعرف أن موسى بشخصيته القوية، يستطيع أن يضع حدا لهذه الفتنة. واستمر القوم يرقصون حول العجل.[/rtl]
[rtl]انحدر موسى عائدا لقومه فسمع صياح القوم وجلبتهم وهم يرقصون حول العجل. توقف القوم حين ظهر موسى وساد صمت. صرخ موسى يقول: (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي).[/rtl]
[rtl]اتجه موسى نحو هارون وألقى ألواح التوراة من يده على الأرض. كان إعصار الغضب داخل موسى يتحكم فيه تماما. مد موسى يديه وأمسك هارون من شعر رأسه وشعر لحيته وشده نحوه وهو يرتعش. قال موسى:[/rtl]
[rtl](يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي 93) (طه)[/rtl]
[rtl]إن موسى يتساءل هل عصى هارون أمره. كيف سكت على هذه الفتنة؟ كيف طاوعهم على البقاء معهم ولم يخرج ويتركهم ويتبرأ منهم؟ كيف سكت عن مقاومتهم أصلا؟ إن الساكت عن الخطأ مشترك فيه بشكل ما. زاد الصمت عمقا بعد جملة موسى الغاضبة. وتحدث هارون إلى موسى. رجا منه أن يترك رأسه ولحيته. بحقانتمائهما لأم واحدة. وهو يذكره بالأم ولا يذكره بالأب ليكون ذلك أدعى لاستثارة مشاعر الحنو في نفسه.[/rtl]
[rtl]أفهمه أن الأمر ليس فيه عصيان له. وليس فيه رضا بموقف عبدة العجل. إنما خشي أن يتركهم ويمضي، فيسأله موسى كيف لم يبق فيهم وقد تركه موسى مسؤولا عنهم، وخشي لو قاومهم بعنف أن يثير بينهم قتالا فيسأله موسى كيف فرق بينهم ولم ينتظر عودته.[/rtl]
[rtl]أفهم هارون أخاه موسى برفق ولين أن القوم استضعفوه، وكادوا يقتلونه حين قاومهم. رجا منه أن يترك رأسه ولحيته حتى لا يشمت به الأعداء، ويستخف به القوم زيادة على استخفافهم به. أفهمه أنه ليس ظالما مثلهم عندما سكت عن ظلمهم.[/rtl]
[rtl]أدرك موسى أنه ظلم هارون في غضبه الذي أشعلته غيرته على الله تعالى وحرصه على الحق. أدرك أنهارون تصرف أفضل تصرف ممكن في هذه الظروف. ترك رأسه ولحيته واستغفر الله له ولأخيه. التفت موسى لقومه وتساءل بصوت لم يزل يضطرب غضبا: (يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي).[/rtl]
[rtl]إنه يعنفهم ويوبخهم ويلفتهم بإشارة سريعة إلى غباء ما عملوه. عاد موسى يقول غاضبا أشد الغضب: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ).[/rtl]
[rtl]لم تكد الجبال تبتلع أصداء الصوت الغاضب حتى نكس القوم رءوسهم وأدركوا خطأهم. كان افتراؤهم واضحا على الحق الذي جاء به موسى. أبعد كل ما فعله الله تعالى لهم، ينكفئون على عبادة الأصنام؟! أيغيب موسى أربعين يوما ثم يعود ليجدهم يعبدون عجلا من الذهب. أهذا تصرف قوم، عهد الله إليهم بأمانة التوحيد فيالأرض؟[/rtl]
[rtl]التفت موسى إلى السامري بعد حديثه القصير مع هارونلقد أثبت له هارون براءته كمسئول عن قومه في غيبته، كما سكت القوم ونكسوا رءوسهم أمام ثورة موسى، لم يبق إلا المسئول الأول عن الفتنة. لم يبق إلا السامري.[/rtl]
[rtl]تحدث موسى إلى السامري وغضبه لم يهدأ بعد: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ
إنه يسأله عن قصته، ويريد أن يعرف منه ما الذي حمله على ما صنع.
[/rtl]

[rtl]قال السامري: بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
رأيت جبريل وهو يركب فرسه فلا تضع قدمها على شيء إلا دبت فيه الحياة. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ
أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل وألقيتها على الذهب. فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
هذا ما ساقتني نفسي إليه.
[/rtl]

[rtl]لم يناقش موسى، عليه السلام السامري في ادعائه. إنما قذف في وجهه حكم الحق. ليس المهم أن يكون السامري قد رأى جبريل، عليه السلام، فقبض قبضة من أثره. ليس المهم أن يكون خوار العجل بسبب هذا التراب الذي سار عليه فرس جبريل، أو يكون الخوار بسبب ثقب اصطنعه السامري ليخور العجل. المهم في الأمر كله جريمة السامري، وفتنته لقوم موسى، واستغلاله إعجاب القوم الدفين بسادتهم المصريين، وتقليدهم لهم في عبادة الأوثان. هذه هي الجريمة التي حكم فيها موسى عليه السلام: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا).[/rtl]
[rtl]حكم موسى على السامري بالوحدة في الدنيا. يقول بعض المفسرين: إن موسى دعا على السامري بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مسه.[/rtl]
[rtl]ونعتقد أن الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة السريعة. إن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم، وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه، لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة. هل مرض السامري مرضا جلديا بشعا صار الناس يأنفون من لمسه أو مجرد الاقتراب منه؟ هل جاءه النبذ من خارج جسده؟ لا نعرف ماذا كان من أمر الأسلوب الذي تمت به وحدة السامري ونبذ المجتمع له. كل ما نعرفه أن موسى أوقع عليه عقوبة رهيبة، كان أهون منها القتل، فقد عاش السامري منبوذا محتقرا لا يلمس شيئا ولا يمس أحدا ولا يقترب منه مخلوق. هذه هي عقوبته في الدنيا، ويوم القيامة له عقوبة ثانية، يبهمها السياق لتجيء ظلالها في النفس أخطر وأرعب.[/rtl]
[rtl]نهض موسى بعد فراغه من السامري إلى العجل الذهب وألقاه في النار. لم يكتف بصهره أمام عيون القوم المبهوتين، وإنما نسفه في البحر نسفا. تحول الإله المعبود أمام عيون المفتونين به إلى رماد يتطاير في البحر. ارتفع صوت موسى: (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًاهذا هو إلهكم، وليس ذلك الصنم الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.[/rtl]
[rtl]بعد أن نسف موسى الصنم، وفرغ من الجاني الأصلي، التفت إلى قومه، وحكم في القضية كلها فأفهمهم أنهم ظلموا أنفسهم وترك لعبدة العجل مجالا واحدا للتوبة. وكان هذا المجال أن يقتل المطيع من بني إسرائي من عصى.[/rtl]
[rtl]قال تعالى:[/rtl]
[rtl](وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌلَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم 54) (البقرة)[/rtl]
[rtl]كانت العقوبة التي قررها موسى على عبدة العجل مهولة، وتتفق مع الجرم الأصلي. إن عبادة الأوثان إهدار لحياة العقل وصحوته، وهي الصحوة التي تميز الإنسان عن غيره من البهائم والجمادات، وإزاء هذا الإزهاق لصحوة العقل، تجيء العقوبة إزهاقا لحياة الجسد نفسه، فليس بعد العقل للإنسان حياة يتميز بها. ومن نوعالجرم جاءت العقوبة. جاءت قاسية ثم رحم الله تعالى وتاب. إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم .[/rtl]
[rtl]أخيرا. سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُتأمل تعبير القرآن الكريم الذي يصور الغضب في صورة كائن يقود تصرفات موسى، ابتداء من إلقائه لألواح التوراة، وشده للحية أخيه ورأسه. وانتهاء بنسف العجل في البحر، وحكمه بالقتل على من اتخذوه ربا. أخيرا سكت عن موسى الغضب. زايله غضبه في الله، وذلك أرفع أنواع الغضب وأجدرها بالاحترام والتوقير. التفت موسى إلى مهمته الأصلية حين زايله غضبه فتذكر أنه ألقى ألواح التوراة. وعاد موسى يأخذ الألواح ويعاود دعوته إلى الله.[/rtl][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:39

موسى عليه السلام
أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.
ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.

[rtl]الفصل السادس[/rtl]

[rtl][size=21]رفع الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل:[/rtl]

[rtl]عاد موسى إلى هدوئه، واستأنف جهاده في الله، وقرأ ألواح التوراة على قومه. أمرهم في البداية أن يأخذوا بأحكامها بقوة وعزم. ومن المدهش أن قومه ساوموه على الحق. قالوا: انشر علينا الألواح فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال موسى: بل اقبلوها بما فيها. فراجعوا مرارا، فأمر الله تعالى ملائكته فرفعت الجبل على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة فوقهم، وقيل لهم: إن لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم، فقبلوا بذلك، وأمروا بالسجود فسجدوا. وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون إلى الجبل فوقهم هلعا ورعبا.[/rtl]
[rtl]وهكذا أثبت قوم موسى أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت أعناقهم بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب وتنثني الأقدام نحو سجود قاهر يدفع الخوف إليه دفعا. وهكذا يساق الناس بالعصا الإلهية إلى الإيمان. يقع هذا في ظل غياب الوعي والنضج الكافيين لقيام الاقتناع العقلي. ولعلنا هنا نشير مرة أخرى إلى نفسية قوم موسى، وهي المسئول الأول عن عدم اقتناعهم إلا بالقوة الحسية والمعجزات الباهرة. لقد تربى قوم موسى ونشئوا وسط هوان وذل، أهدرت فيهما إنسانيتهم والتوت فطرته. ولم يعد ممكنا بعد ازدهار الذل في نفوسهم واعتيادهم إياه، لم يعد ممكنا أن يساقوا إلى الخير إلا بالقوة. لقد اعتادوا أن تسيرهم القوة القاهرة لسادتهم القدامى، ولا بد لسيدهم الجديد (وهو الإيمان) من أن يقاسي الأهوال لتسييرهم، وأن يلجأ مضطرا إلىأسلوب القوة لينقذهم من الهلاك. لم تمر جريمة عبادة العجل دون آثار.[/rtl]
[rtl]اختيار سبعين رجلا لميقات الله:[/rtl]
[rtl]أمر موسى بني إسرائيل أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه. اختار منهم سبعين رجلا، الخيّر فالخيّر، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم. صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. خرج موسى بهؤلاء السبعين المختارين لميقات حدده له الله تعالى. دنا موسى من الجبل. وكلم اللهتعالى موسى، وسمع السبعون موسى وهو يكلم ربه.[/rtl]
[rtl]ولعل معجزة كهذه المعجزة تكون الأخير، وتكون كافية لحمل الإيمان إلى القلوب مدى الحياة. غير أن السبعين المختارين لم يكتفوا بما استمعوا إليه من المعجزة. إنما طلبوا رؤية الله تعالى. قالوا سمعنا ونريد أن نرى. قالوا لموسى ببساطة: (يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً).[/rtl]
[rtl]هي مأساة تثير أشد الدهشة. وهي مأساة تشير إلى صلابة القلوب واستمساكها بالحسيات والماديات. كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة. أخذتهم رجفة مدمرة صعقت أرواحهم وأجسادهم على الفور. ماتوا.[/rtl]
[rtl]أدرك موسى ما أحدثه السبعون المختارون فملأه الأسى وقام يدعو ربه ويناشده أن يعفو عنهم ويرحمهم، وألا يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم، وليس طلبهم رؤية الله تبارك وتعالى وهم على ما هم فيه من البشرية الناقصة وقسوة القلب غير سفاهة كبرى. سفاهة لا يكفر عنها إلا الموت.[/rtl]
[rtl]قد يطلب النبي رؤية ربه، كما فعل موسى، ورغم انطلاق الطلب من واقع الحب العظيم والهوى المسيطر، الذي يبرر بما له من منطق خاص هذا الطلب، رغم هذا كله يعتبر طلب الرؤية تجاوزا للحدود، يجازى عليه النبي بالصعق، فما بالنا بصدور هذا الطلب من بشر خاطئين، بشر يحددون للرؤية مكانا وزمانا، بعد كل ما لقوه من معجزات وآيات..؟ أليس هذا سفاهة كبرى..؟ وهكذا صعق من طلب الرؤية.. ووقف موسى يدعو ربهويستعطفه ويترضاه.. يحكي المولى عز وجل دعاء موسى عليه السلام بالتوبة على قومه في سورة الأعراف:[/rtl][/size]
[rtl][size=20](وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِين (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ157) (الأعراف)[/rtl]
[rtl]هذه كانت كلمات موسى لربه وهو يدعوه ويترضاه. ورضي الله تعالى عنه وغفر لقومه فأحياهم بعد موتهم، واستمع المختارون في هذه اللحظات الباهرة من تاريخ الحياة إلى النبوءة بمجيء محمد بن عبد الله صل اللهعليه وسلم.[/rtl]
[rtl]سنلاحظ طريقة الربط بين الحاضر والماضي في الآية، إن الله تعالى يتجاوز زمن مخاطبة الرسول في الآيات إلى زمنين سابقين، هما نزول التوراة ونزول الإنجيل، ليقرر أنه (تعالى) بشّر بمحمد في هذين الكتابين الكريمين. نعتقد أن إيراد هذه البشرى جاء يوم صحب موسى من قومه سبعين رجلا هم شيوخ بني إسرائيل وأفضل من فيهم، لميقات ربه. في هذا اليوم الخطير بمعجزاته الكبرى، تم إيراد البشرى بآخر أنبياء الله عز وجل.[/rtl]
[rtl]يقول ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء، نقلا عن قتادة:[/rtl]
[rtl]إن موسى قال لربه: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. رب اجعلهم أمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
قال: ربي إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها. وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه. وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم. رب اجعلهمأمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة. فاجعلهم أمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم، ويؤجرون عليها، وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق أحدهم بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير. وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم. رب فاجعلهم أمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم عملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. رب اجعلهم أمتي.
قال: تلك أمة أحمد.
[/rtl]

[rtl]نزول المن والسلوى:[/rtl]
[rtl]سار موسى بقومه في سيناء. وهي صحراء ليس فيها شجر يقي من الشمس، وليس فيها طعام ولا ماء. وأدركتهم رحمة الله فساق إليهم المن والسلوى وظللهم الغمام. والمن مادة يميل طعمها إلى الحلاوة وتفرزها بعض أشجار الفاكهة. وساق الله إليهم السلوى، وهو نوع من أنواع الطيور يقال إنه (السمان). وحين اشتد بهم الظمأ إلى الماء، وسيناء مكان يخلو من الماء، ضرب لهم موسى بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا من المياه. وكان بنو إسرائيل ينقسمون إلى 12 سبطا. فأرسل الله المياه لكل مجموعة. ورغم هذا الإكرام والحفاوة، تحركت في النفوس التواءاتها المريضة. واحتج قوم موسى بأنهم سئموا من هذا الطعام، واشتاقت نفوسهم إلى البصل والثوم والفول والعدس، وكانت هذه الأطعمة أطعمة مصرية تقليدية. وهكذا سأل بنو إسرائيل نبيهم موسى أن يدعو الله ليخرج لهم من الأرض هذه الأطعمة.[/rtl]
[rtl]وعاد موسى يستلفتهم إلى ظلمهم لأنفسهم، وحنينهم لأيام هوانهم في مصر، وكيف أنهم يتبطرون على خير الطعام وأكرمه، ويريدون بدله أدنى الطعام وأسوأه.[/rtl]
[rtl]السير باتجاه بيت المقدس:[/rtl]
[rtl]سار موسى بقومه في اتجاه البيت المقدس. أمر موسى قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها. وها قد جاء امتحانهم الأخير. بعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق. جاء دورهم ليحاربوا -بوصفهم مؤمنين- قوما من عبدة الأصنام.[/rtl]
[rtl]رفض قوم موسى دخول الأراضي المقدسة. وحدثهم موسى عن نعمة الله عليهم. كيف جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون، وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ.[/rtl]
[rtl]وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال. قالوا: إن فيها قوما جبارين، ولن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها هؤلاء.[/rtl]
[rtl]وانضم لموسى وهارون اثنان من القوم. تقول كتب القدماء إنهم خرجوا في ستمائة ألف. لم يجد موسى من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال. وراح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم بدخول الأرض والقتال. قالا:إن مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر. ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم.[/rtl]
[rtl]مرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم. فسدت فطرتهم، وانهزموا من الداخل، واعتادوا الذل، فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا. وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا على نبي الله موسى وربه. وقال قوم موسى له كلمتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)هكذا بصراحة وبلا التواء.[/rtl]
[rtl]أدرك موسى أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء. مات الفرعون ولكن آثاره في النفوس باقية يحتاج شفاؤها لفترة طويلة. عاد موسى إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه. دعا موسى على قومه أن يفرق الله بينه وبينهم.[/rtl]
[rtl]وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل. كان الحكم هو التيه أربعين عاما. حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة. ويولد بدلا منه جيل آخر، جيل لم يهزمه أحد من الداخل، ويستطيع ساعتها أن يقاتل وأن ينتصر.[/rtl]

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:44

موسى عليه السلام
أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.
ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.



[rtl]الفصل السابع[/rtl]

[rtl][size=21]قصة البقرة:[/rtl]

[rtl]بدأت أيام التيه. بدأ السير في دائرة مغلقة. تنتهي من حيث تبدأ، وتبدأ من حيث تنتهي، بدأ السير إلى غير مقصد. ليلا ونهارا وصباحا ومساء. دخلوا البرية عند سيناء.[/rtl]
[rtl]مكث موسى في قومه يدعوهم إلى الله. ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل لا تخطئه عين الملاحظة، وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة. فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات بينهم وبين موسى، كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت. وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما في بني إسرائيل، واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله، وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى ليلجأ لربه. ولجأ موسى لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة. وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم. غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة. اتهموا موسى بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا، واستعاذ موسى بالله أن يكون من الجاهلين ويسخر منهم. أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.[/rtl]
[rtl]إن الأمر هنا أمر معجزة، لا علاقة لها بالمألوف في الحياة، أو المعتاد بين الناس. ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل في الجريمة الغامضة التي وقعت، لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم حياة بني إسرائيل؟ إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم، وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا يوحي بالعجب أو يثير الدهشة.[/rtl]
[rtl]لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل. مجرد التعامل معهم عنت. تستوي في ذلك الأمور الدنيوية المعتادة، وشؤون العقيدة المهمة. لا بد أن يعاني من يتصدى لأمر من أمور بني إسرائيل. وهكذا يعاني موسى من إيذائهم له واتهامه بالسخرية منهم، ثم ينبئهم أنه جاد فيما يحدثهم به، ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة، وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور، تعود اللجاجة والالتواء، فيتساءلون: أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟ أم أنها خلق تفرد بمزية، فليدع موسى ربه ليبين ما هي. ويدعو موسى ربه فيزداد التشديد عليهم، وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل، بأنها بقرة وسط. ليست بقرة مسنة، وليست بقرة فتية. بقرة متوسطة.[/rtl]
[rtl]إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر، غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة، ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات. ما هو لون البقرة؟ لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة؟ لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم، وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف موسى بهذا الاتصال المتكرر حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة والمراوغة. ويسأل موسى ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة. فيقول أنها بقرة صفراء، فاقع لونها تسر الناظرين.[/rtl]
[rtl]وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء، ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة. فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه. عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي، فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة ليست معدة لحرث ولا لسقي، سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها، بمعنى خالصة الصفرة. انتهت بهم اللجاجة إلى التشديد. وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة. أخيرا وجدوها عنديتيم فاشتروها وذبحوها.[/rtl][/size]
[rtl][size=20]وأمسك موسى جزء من البقرة (وقيل لسانها) وضرب به القتيل فنهض من موته. سأله موسى عن قاتله فحدثهم عنه (وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث) ثم عاد إلى الموت. وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم، استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل. انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم.[/rtl]
[rtl]نود أن نستلفت انتباه القارئ إلى سوء أدب القوم مع نبيهم وربهم، ولعل السياق القرآني يورد ذلك عن طريق تكرارهم لكلمة "ربك" التي يخاطبون بها موسى. وكان الأولى بهم أن يقولوا لموسى، تأدبا، لو كان لا بد أن يقولوا: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) ادع لنا ربنا. أما أن يقولوا له: فكأنهم يقصرون ربوبية الله تعالى على موسى. ويخرجون أنفسهم من شرف العبودية لله. انظر إلى الآيات كيف توحي بهذا كله. ثم تأمل سخرية السياق منهم لمجرد إيراده لقولهم: (الآنَ جِئْتَ بِالْحَق)ِّ بعد أن أرهقوا نبيهم ذهابا وجيئة بينهم وبين الله عز وجل، بعد أن أرهقوا نبيهم بسؤاله عن صفة البقرة ولونها وسنها وعلاماتها المميزة، بعد تعنتهم وتشديد الله عليهم، يقولون لنبيهم حين جاءهم بما يندر وجوده ويندر العثور عليه في البقر عادة.[/rtl]
[rtl]ساعتها قالوا له: "الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ". كأنه كان يلعب قبلها معهم، ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة. ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم ومماراتهم ولجاجتهم في الحق؟ هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل على موائد المفاوضات. هي صورتهم على مائدة المفاوضات مع نبيهم الكريم موسى.[/rtl]
[rtl]إيذاء بني إسرائيل لموسى:[/rtl]
[rtl]قاسى موسى من قومه أشد المقاساة، وعانى عناء عظيما، واحتمل في تبليغهم رسالته ما احتمل في سبيل الله. ولعل مشكلة موسى الأساسية أنه بعث إلى قوم طال عليهم العهد بالهوان والذل، وطال بقاؤهم في جو يخلو من الحرية، وطال مكثهم وسط عبادة الأصنام، ولقد نجحت المؤثرات العديدة المختلفة في أن تخلق هذه النفسية الملتوية الخائرة المهزومة التي لا تصلح لشيء. إلا أن تعذب أنبيائها ومصلحيها.[/rtl]
[rtl]وقد عذب بنو إسرائيل موسى عذابا نستطيع -نحن أبناء هذا الزمان- أن ندرك وقعه على نفس موسى النقية الحساسة الكريمة. ولم يقتصر العذاب على العصيان والغباء واللجاجة والجهل وعبادة الأوثان، وإنما تعدى الأمر إلى إيذاء موسى في شخصه.[/rtl]
[rtl]قال تعالى:[/rtl]
[rtl]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا 69) (الأحزاب)[/rtl]
[rtl]ونحن لا تعرف كنه هذا الإيذاء، ونستبعد رواية بعض العلماء التي يقولون فيها أن موسى كان رجلا حييا يستتر دائما ولا يحب أن يرى أحد من الناس جسده فاتهمه اليهود بأنه مصاب بمرض جلدي أو برص، فأراد الله أن يبرئه مما قالوا، فذهب يستحم يوما ووضع ثيابه على حجر، ثم خرج فإذا الحجر يجري بثيابه وموسى يجري وراء الحجر عاريا حتى شاهده بنو إسرائيل عاريا وليس بجلده عيب. نستبعد هذه القصة لتفاهتها، فإنها إلى جوار خرافة جري الحجر بملابسه، لا تعطي موسى حقه من التوقير، وهي تتنافى مع عصمته كنبي.[/rtl]
[rtl]ونعتقد أن اليهود آذوا موسى إيذاء نفسيا، هذا هو الإيذاء الذي يدمي النفوس الكريمة ويجرحها حقا، ولا نعرف كيف كان هذا الإيذاء، ولكننا نستطيع تخيل المدى العبقري الآثم الذي يستطيع بلوغه بنو إسرائيل في إيذائهم لموسى.[/rtl]
[rtl]فترة التيه:[/rtl]
[rtl]ولعل أعظم إيذاء لموسى، كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشر عقيدة التوحيد في الأرض، أو على أقل تقدير، السماح لهذه العقيدة أن تستقر على الأرض في مكان، وتأمن على نفسها، وتمارس تعبدها في هدوء. لقد رفض بنو إسرائيل القتال. وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).[/rtl]
[rtl]وبهذه النفسية حكم الله عليهم بالتيه. وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة، وقد مكث بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة، حتى فني جيل بأكمله. فنى الجيل الخائر المهزوم من الداخل، وولد في ضياع الشتات وقسوة التيه جيل جديد. جيل لم يتربى وسط مناخ وثني، ولم يشل روحه انعدام الحرية. جيل لم ينهزم من الداخل، جيل لم يعد يستطيع الأبناء فيه أن يفهموا لماذا يطوف الآباء هكذا بغير هدف في تيه لا يبدو له أول ولا تستبين له نهاية. إلا خشية من لقاء العدو. جيل صار مستعدا لدفع ثمن آدميته وكرامته من دمائه. جيل لا يقول لموسى (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).[/rtl]
[rtl]جيل آخر يتبنى قيم الشجاعة العسكرية، كجزء مهم من نسيج أي ديانة من ديانات التوحيد. أخيرا ولد هذا الجيل وسط تيه الأربعين عاما.[/rtl]
[rtl]ولقد قدر لموسى. زيادة في معاناته ورفعا لدرجته عند الله تعالى. قدر له ألا تكتحل عيناه بمرأى هذا الجيل. فقد مات موسى عليه الصلاة والسلام قبل أن يدخل بنو إسرائيل الأرض التي كتب الله عليهم دخولها.[/rtl]
[rtl]وقال رسول الله صل الله عليه وسلم حين كان قومه يؤذونه في الله: قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.[/rtl]
[rtl]مات هارون قبل موسى بزمن قصير. واقترب أجل موسى، عليه الصلاة والسلام. وكان لم يزل في التيه. قال يدعو ربه: رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر.[/rtl]
[rtl]أحب أن يموت قريبا من الأرض التي هاجر إليها. وحث قومه عليها. ولكنه لم يستطع، ومات في التيه. ودفن عند كثيب أحمر حدث عنه آخر أنبياء الله في الأرض حين أسرى به. قال محمد صل الله عليه وسلم: لماأسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر.[/rtl]
[rtl]تروي الأساطير عديدا من الحكايات حول موت موسى، وتحكي أنه ضرب ملك الموت حين جاء يستل روحه، وأمثال هذه الروايات كثيرة. لكننا لا نحب أن نخوض في هذه الروايات حتى لا ننجرف وراء الإسرائيليات التي دخلت بعض كتب التفسير.[/rtl]
[rtl]مات موسى -عليه الصلاة والسلام- في التيه، وتولى يوشع بن نون أمر بني إسرائيل.[/rtl]
[rtl]موسى والعبد الصالح[/rtl]
[rtl]قال تعالى:[/rtl]
[rtl](وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا 60) (الكهف)[/rtl]
[rtl]كان لموسى -عليه السلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،وأنه كان يقصد من ورائها امرا، فهو يعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة، ومهما يكن الزمن الذي ينفه في الوصول. فيعبر عن هذا التصميم قائلا (أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)[/rtl]
[rtl]نرى أن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذي وقت فيه الحوادث، ولا يحدد لنا التاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. ولم يبين ماهية العبد الصالح الذي التقاه موسى، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟ أم ولي؟[/rtl]
[rtl]اختلف المفسرون في تحديد المكان، فقيل إنه بحر فارس والروم، وقيل بل بحر الأردن أو القلزم، وقيل عند طنجة، وقيل في أفريقيا، وقيل هو بحر الأندلس.. ولا يقوم الدليل على صحة مكان من هذه الأمكنة، ولو كان تحديد المكان مطلوبا لحدده الله تعالى.. وإنما أبهم السياق القرآني المكان، كما أبهم تحديد الزمان، كما ضبب أسماء الأشخاص لحكمة عليا.[/rtl]
[rtl]إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب.. وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي.. إنما نحنأمام علم من طبيعة غامضة أشد الغموض.. علم القدر الأعلى، وذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة.. مكان اللقاء مجهول كما رأينا.. وزمان اللقاء غير معروف هو الآخر.. لا نعرف متى تم لقاء موسى بهذا العبد.[/rtl]
[rtl]وهكذا تمضي القصة بغير أن تحدد لك سطورها مكان وقوع الأحداث، ولا زمانه، يخفي السياق القرآني أيضا اسم أهم أبطالها.. يشير إليه الحق تبارك وتعالى بقوله: (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) هو عبد أخفى السياق القرآني اسمه.. هذا العبد هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلم منه.[/rtl]
[rtl]لقد خص الله تعالى نبيه الكريم موسى -عليه السلام- بأمور كثيرة. فهو كليم الله عز وجل، وأحد أولي العزممن الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد، والنبي الذي أنزلت عليه التوراة دون واسطة، وإنما كلمه الله تكليما.. هذا النبي العظيم يتحول في القصة إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلم.. ومن يكون معلمه غير هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه، وإن حدثتنا السنة المطهرة أنه هو الخضر -عليهالسلام- كما حدثتنا أن الفتى هو يوشع بن نون، ويسير موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله بغير أسباب التلقي الني نعرفها.[/rtl]
[rtl]ومع منزلة موسى العظيمة إلا أن الخضر يرفض صحبة موسى.. يفهمه أنه لن يستطيع معه صبرا.. ثم يوافق على صحبته بشرط.. ألا يسأله موسى عن شيء حتى يحدثه الخضر عنه.[/rtl]
[rtl]والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنه لا يتحدث، وتصرفاته تثير دهشة موسى العميقة.. إن هناك تصرفات يأتيها الخضر وترتفع أمام عيني موسى حتى لتصل إلى مرتبة الجرائم والكوارث.. وهناك تصرفات تبدو لموسى بلا معنى.. وتثير تصرفات الخضر دهشة موسى ومعارضته.. ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجد نفسه في حيرة عميقة من تصرفات هذا العبد الذي آتاه الله من لدنه علما.[/rtl]
[rtl]وقد اختلف العلماء في الخضر: فيهم من يعتبره وليا من أولياء الله، وفيهم من يعتبره نبيا.. وقد نسجتالأساطير نفسها حول حياته ووجوده، فقيل إنه لا يزال حيا إلى يوم القيامة، وهي قضية لم ترد بها نصوص أو آثار يوثق فيها، فلا نقول فيها إلا أنه مات كما يموت عباد الله.. وتبقى قضية ولايته، أو نبوته.. وسنرجئ الحديث في هذه القضية حتى ننظر في قصته كما أوردها القرآن الكريم.[/rtl]
[rtl]قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟[/rtl]
[rtl]قال موسى مندفعا: لا..[/rtl]
[rtl]وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟[/rtl]

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 3 أكتوبر 2015 - 8:47

موسى عليه السلام
أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.

أرسل موسى وهارون عليهما السلام لأشد الشعوب كرها للحق وابتعادا عنه.. لذلك كانت حياتهما مليئة بالأحداث والمواقف.
ولكي نستطيع عرض هذه القصة بالشكل الصحيح.. تم تقسيمها إلى ثمانية أجزاء، كل جزء يتناول مرحلة من مراحل حياة هذين النبيين الكريمين.

[rtl]الفصل الثامن والأخير[/rtl]

[rtl][size=20]أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.[/rtl]

[rtl]تاقت نفس موسى الكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى -طالب العلم- ومعه فتاه.. وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم.. وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها إلى البحر.[/rtl]
[rtl]ويظهر عزم موسى -عليه السلام- على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره الأمر إلى أن يسير أحقاباوأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما. على أية حال فهو تعبير عن التصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.[/rtl]
[rtl]وصل الاثنان إلى صخرة جوار البحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهرا.. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة وقفز إلى البحر.. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.[/rtl]
[rtl]نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر.. ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت.. وسار موسى مع فتاه بقية يومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب.. (قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) ولمع في ذهن الفتى ما وقع.[/rtl]
[rtl]ساعتئذ تذكر الفتى كيف تسرب الحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد اتخذ الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)  كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون، لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.[/rtl]
[rtl]سعد موسى من مروق الحوت إلى البحر و(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) هذا ما كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم.. ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر إلى بداية القصة، وكيف تجيء غامضة أشد الغموض، مبهمة أعظم الإبهام.[/rtl]
[rtl]أخيرا وصل موسى إلى المكان الذي تسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.[/rtl]
[rtl]يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الخضر مسجى بثوبه.. وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.[/rtl]
[rtl]فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟
قال موسى: أنا موسى.
قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.
قال موسى: وما أدراك بي..؟
قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي.. ماذا تريد يا موسى..؟
قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)
قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)
[/rtl]

[rtl]نريد أن نتوقف لحظة لنلاحظ الفرق بين سؤال موسى الملاطف المغالي في الأدب.. ورد الخضر الحاسم، الذي يفهم موسى أن علمه لا ينبغي لموسى أن يعرفه، كما أن علم موسى هو علم لا يعرفه الخضر.. يقولالمفسرون إن الخضر قال لموسى: إن علمي أنت تجهله.. ولن تطيق عليه صبرا، لأن الظواهر التي ستحكم بها على علمي لن تشفي قلبك ولن تعطيك تفسيرا، وربما رأيت في تصرفاتي ما لا تفهم له سببا أو تدري له علة.. وإذن لن تصبر على علمي يا موسى.[/rtl][/size]
[rtl][size=20]احتمل موسى كلمات الصد القاسية وعاد يرجوه أن يسمح له بمصاحبته والتعلم منه.. وقال له موسى فيما قال إنه سيجده إن شاء الله صابرا ولا يعصي له أمرا.[/rtl]
[rtl]تأمل كيف يتواضع كليم الله ويؤكد للعبد المدثر بالخفاء أنه لن يعصي له أمرا.[/rtl]
[rtl]قال الخضر لموسى -عليهما السلام- إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه موسى ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى على الشرط وانطلقا..[/rtl]
[rtl]انطلق موسى مع الخضر يمشيان على ساحل البحر.. مرت سفينة، فطلب الخضر وموسى من أصحابها أن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضر فحملوه وحملوا موسى بدون أجر، إكراما للخضر، وفوجئ موسى حين رست السفينة وغادرها أصحابها وركابها.. فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها، لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ الخضر يخرق السفينة.. اقتلع لوحا من ألواحها وألقاه في البحر فحملته الأمواج بعيدا.[/rtl]
[rtl]فاستنكر موسى فعلة الخضر. لقد حملنا أصحاب السفينة بغير أجر.. أكرمونا.. وها هو ذا يخرق سفينتهمويفسدها.. كان التصرف من وجهة نظر موسى معيبا.. وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه، كما حركته غيرته على الحق، فاندفع يحدث أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه: (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)[/rtl]
[rtl]وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى إلى عبث محاولة التعليم منه، لأنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه ألا يؤاخذه وألا يرهقه (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)[/rtl]
[rtl]سارا معا.. فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان.. حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم ناحية واستسلم للنعاس.. فوجئ موسى بأن العبد الرباني يقتل غلاما.. ويثور موسى سائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله هكذا.. يعاود العبد الرباني تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا) ويعتذر موسى بأنه نسي ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه أن يفارقه (قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)[/rtl]
[rtl]ومضى موسى مع الخضر.. فدخلا قرية بخيلة.. لا يعرف موسى لماذا ذهبا إلى القرية، ولا يعرف لماذا يبيتانفيها، نفذ ما معهما من الطعام، فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما.. وجاء عليهما المساء، وأوى الاثنان إلى خلاء فيه جدار يريد أن ينقض.. جدار يتهاوى ويكاد يهم بالسقوط.. وفوجئ موسى بأن الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار وبنائه من جديد.. ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه، إن القرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) انتهى الأمر بهذه العبارة.. قال عبد الله لموسى: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)[/rtl]
[rtl]لقد حذر العبد الرباني موسى من مغبة السؤال. وجاء دور التفسير الآن..[/rtl]
[rtl]إن كل تصرفات العبد الرباني التي أثارت موسى وحيرته لم يكن حين فعلها تصدر عن أمره.. كان ينفذ إرادةعليا.. وكانت لهذه الإرادة العليا حكمتها الخافية، وكانت التصرفات تشي بالقسوة الظاهرة، بينما تخفي حقيقتها رحمة حانية.. وهكذا تخفي الكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة، وترتدي النعم ثياب المصائب وتجيد التنكر، وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه، ولا يعلم موسى، رغم علمه الهائل غير قطرة من علم العبد الرباني، ولا يعلم العبد الرباني من علم الله إلا بمقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره في البحر، من ماء البحر..[/rtl]
[rtl]كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت نفسه.. كشف له أن علمه -أي علم موسى- محدود.. كما كشف له أن كثيرا من المصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.[/rtl]
[rtl]إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم مصيبة جاءتهم، بينما هي نعمة تتخفى في زي المصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إلا بعد أن تنشب الحرب ويصادر الملك كل السفن الموجودة غصبا، ثم يفلت هذه السفينة التالفة المعيبة.. وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو، فلا يموتون جوعا.[/rtl]
[rtl]أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قد دهمتهما لقتل وحيدهما الصغير البريء.. غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى، فإن الله سيعطيهما بدلا منه غلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلام المقتول.[/rtl]
[rtl]وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى إلى تصرف يجري أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكلية التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.[/rtl]
[rtl]أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته، من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية، كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.[/rtl]
[rtl]ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه علىالغيب في هذه المسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه من غيبه.[/rtl]
[rtl]واختفى هذا العبد الصالح.. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسى تعلم من صحبته درسين مهمين:[/rtl]
[rtl]تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.[/rtl]
[rtl]وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمة الخالقة تخفي سرها من اللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلام والموت.[/rtl]
[rtl]هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.[/rtl]
[rtl]والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟[/rtl]
[rtl]يرى كثير من الصوفية أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء الله تعالى، أطلعه الله على جزء من علمه اللدنيبغير أسباب انتقال العلم المعروفة.. ويرى بعض العلماء أن هذا العبد الصالح كان نبيا.. ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن سياق القصة يدل على نبوته من وجوه:[/rtl]
[rtl]1.أحدها قوله تعالى:[/rtl]
[rtl]فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا 65) (الكهف)[/rtl]
[rtl]2. والثاني قول موسى له:[/rtl]
[rtl]قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا 70) (الكهف)[/rtl]
[rtl]فلو كان وليا ولم يكن نبي، لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد. ولو أنه كان غير نبي، لكان هذا معناه أنه ليس معصوما، ولم يكن هناك دافع لموسى، وهو النبي العظيم، وصاحب العصمة، أن يلتمس علما من ولي غير واجب العصمة.[/rtl]
[rtl]3. والثالث أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام بوحي من الله وأمر منه.. وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة.. إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.. وإذن ففي إقدام الخضر على قتل الغلام دليل نبوته.[/rtl]
[rtl]والرابع قول الخضر لموسى:[/rtl]
[rtl]رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي[/rtl]
[rtl]يعني أن ما فعلته لم أفعله من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به من الله وأوحي إلي فيه.[/rtl]
[rtl]فرأى العلماء أن الخضر نبيا، أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء الله.[/rtl]
[rtl]ومن كلمات الخضر التي أوردها الصوفية عنه.. قول وهب بن منبه: قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها. وقول بشر بن الحارث الحافي.. قال موسى للخضر: أوصني.. قال الخضر: يسر الله عليك طاعته.[/rtl]
[rtl]ونحن نميل إلى اعتباره نبيا لعلمه اللدني، غير أننا لا نجد نصا في سياق القرآن على نبوته، ولا نجد نصا مانعا من اعتباره وليا آتاه الله بعض علمه اللدني.. ولعل هذا الغموض حول شخصه الكريم جاء متعمدا، ليخدم الهدف الأصلي للقصة.. ولسوف نلزم مكاننا فلا نتعداه ونختصم حول نبوته أو ولايته.. وإن أوردناه في سياق أنبياء الله، لكونه معلما لموسى.. وأستاذا له فترة من الزمن.[/rtl]
[rtl]قارون وقوم موسى:[/rtl]
[rtl]يروي لنا القرآن قصة قارون، وهو من قوم موسى. لكن القرآن لا يحدد زمن القصة ولا مكانها. فهل وقعتهذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل الخروج؟ أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟ أم وقعت في بني إسرائيل من بعد موسى؟ وبعيدا عن الروايات المختلفة، نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.[/rtl]
[rtl]يحدثنا الله عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعالى إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز، كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء. ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟! لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء. ولا يذكر القرآن فيم كان البغي، ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور. فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم. وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال. حق الفقراء في أموال الأغنياء. وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.[/rtl]
[rtl]ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال، وهو المنهج السليم. فهم يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان من هو المنعم بهذا المال، وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا، من غير أن ينسى الآخرة،فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال. ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان، فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال، حتى يرد الإحسان بالإحسان. ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي، والظلم، والحسد، والبغضاء، وإنفاق المال في غير وجهه، أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه. فالله لا يحب المفسدين.[/rtl]
[rtl]فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها، وفتنه المال وأعماه الثراء. فلم يستمع قارون لنداء قومه، ولم يشعر بنعمة ربه.[/rtl]
[rtl]وخرج قارون ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم، وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة. فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان: ويلكم أيها المخدوعون،احذروا الفتنة، واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خير مما عند قارون.[/rtl]
[rtl]وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة، وترحم الناس الضعاف من إغراءها، وتحطم الغرور والكبرياء، فيجيء العقاب حاسما (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِالْأَرْضَ) هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره. وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد، ولا ينتصر بجاه أو مال.[/rtl]
[rtl]وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض في دهشة وعجب واعتبار. فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا: حقا إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويوسع عليهم، أو يقبض ذلك، فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم. إنا تبنا إليك سبحانك، فلك الحمد في الأولى والآخرة.[/rtl]

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:16

ملخص قصة سيدنا هارون عليه السلام


هارون هو شقيق موسى، وقد بعثه الله رسولاً مع موسى ووزيراً له في رسالته ومعيناً له في دعوته، قال تعالى في شأنهما:
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} [يونس: 75-76]



نسبهما:
هما ابنا عمران (عمرام بالعبري) بن قاهت "قاهات" بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. 

وأمهما يوكابد بنت لاوي عمة عمران، ولم يكن الزواج بالعمة حينئذ محرماً، ثم نزل تحريم ذلك على موسى. 

وهارون أسبق ميلاداً من موسى بثلاث سنين، ولهما شقيقة اسمها مريم كانت فوق سن الإِدراك حينما ولد موسى. 



حياة موسى وهارون عليهما السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة موسى وهارون ما يلي: 

-1 ولد موسى بعد (64) سنة من وفاة يوسف، أي: بعد (425) سنة من ميلاد إبراهيم وبعد (250) سنة من وفاته، وعاش نحو (120) سنة، والله أعلم. 

-2 قبل ميلاد موسى أصاب العبرانيين اضطهاد من فرعون في أرض مصر، وبلغ الاضطهاد ذروته إذ أصدر فرعون أمره بقتل كل مولود ذكر للعبرانيين "بني إسرائيل"، وفي هذه الأثناء ولد موسى، فأوصى الله إلى أمه: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7]. 

-3 فأرضعته أمه ثلاثة أشهر، ثم خافت افتضاح أمرها، وخشيت عليه من جنود فرعون المكلَّفين بالبحث عن أولاد العبرانيين الذكور، فصنعت له صندوقاً يحمله في الماء، وألقته في النيل. 

-4 وساق الماء الصندوق حتى دنا قصر فرعون المشرف على النيل، ومريم أخت موسى تراقبه عن بعد وتتبع أثره، حتى هيأ الله لهذا الصندوق من يلتقطه من نساء القصر الفرعوني. 

قالوا: وقد التقطته ابنة فرعون وأحبته، وأدخلته البلاط الفرعوني، وقد علموا أنه عبراني، وأنه محكوم عليه بالقتل بموجب الأمر الفرعوني العام. 

ولما رأته امرأة فرعون قذف الله محبته في فؤادها، واسمها (آسية)، ثم كانت امرأة مؤمنة ضرب الله بها المثل في كتابه: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11]. 

فطلبت آسية من فرعون -بما لها من دالَّة- أن يبقيه على قيد الحياة ليكون قرة عين لها وله - ولعلهم كانوا في شوق لولد ذكر -، وقالت له: عسى أن ينفعنا إذا كبر عندنا، أو نتخذه ولداً. 

وأسموه في القصر (موسى) أي: المنتشل من الماء. 

قالوا: وأصل ذلك في اللغة المصرية القديمة: (موريس)، أخذاً من (مو) بمعنى ماء و (أوريس) بمعنى منتشل. 

-5 وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً من الهمِّ والقلق على ولدها لما علمت نجاة ولدها، وتبنِّي القصر الملكي له. 

-6 بحث نسوة البلاط الفرعون عن مرضع للطفل، فكانوا كلما جاؤوا بمرضع له رفض ثديها. 

لقد حرم الله عليه المراضع، وألهمه رفض ثُدِيِهنَ، وذلك ليعيده إلى أمه ويُقرَّ به عينها، ولما رأت أخته مريم أنهم أحبوه واستَحيوه، وهم يبحثون عن مرضع له -ولعلَّها كانت معتادة دخول القصر الفرعوني- قالت لهم: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 12]؟ فوافقوا، فدعت أمها، فعرضت عليه ثديها فامتصه بنَهمٍ وشوق، فاستأجروها لإِرضاعه وكفالته. 

وبذلك ردّ الله موسى إلى أمه كي تقرّ عينها به، ولا تحزن على فراقه، ولتعلم أن وعد الله حق، فقد رده الله إليها كما أوحى إليها. 

-7 تمت مدّة رضاع موسى وكفالته على يدي ظئره في ظن البيت الفرعوني، ويدي أمه في الحقيقة، وأعيد إلى قصر الملك فنشأ وتربى فيه، حتى بلغ أشُدَّه واستوى، وآتاه الله صحة وعقلاً، وقوة وبأساً. 

وإذْ أراد الله أن يجعله رسولاً من أولي العزم، ذا شأن في تاريخ الرسالات السماوية، فقد آتاه حكماً وعلماً. 

-8 ومما لا شك فيه أنه ظل على صلة بمرضعته -أمه في الحقيقة- التي عرف منها ومن بقية أسرته قصة ولادته ونشأته في القصر الفرعوني، وأنه إسرائيلي من هذا الشعب المضطهد، المسخَّر في مصر على أيدي فرعون وآله وجنوده. 

وبالنظر إلى صلته ومكانته في القصر الفرعوني، فقد جعل يعمل على تخفيف الاضطهاد عن بني إسرائيل، ويدفع عنهم الظلم بقدر استطاعته، فصار الإِسرائيليون في مصر يستنصرون به في كل مناسبة. 

-9 مرّ موسى ذات يوم في طُرُق المدينة، في وقت خلت فيه الطرقات من الناس -ولعل الأمر كان ليلاً- فوجد رجلين يقتتلان، أحدهما إسرائيلي والآخر مصري. 

قالوا: وكان السبب أن المصري الفرعوني أراد أن يسخِّر الإِسرائيلي في عمل، فأبى عليه الإِسرائيلي. ولما رأى الإِسرائيلي موسى استغاث به، فجاء موسى -وكان قوياً شديد البأس- فأخذ بجمع يده فوكز المصري وكزة كانت الضربة القاضية عليه، فلما رآه قتيلاً بين يديه- ولم يكن يريد قتله- قال: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ورجع يستغفر الله مما فعل. 

وأصبح موسى في المدينة خائفاً يترقب، يمرّ في طرقاتها على حذر، وبينما هو في طريقه إذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه مرة ثانية، فأقبل عليه موسى وقال له: {إنك لَغَوي مبين}، أي: صاحب فتن ورجل مخاصمات، ومع ذلك أخذته حماسة الانتصار للإِسرائيلي، فأراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما، لكنّ الإِسرائيلي ظن أنه يريد أن يبطش به فقال له: {يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِين} [القصص: 19]. 


فالتقط الناس كلمة الإِسرائيلي وعرفوا منها أن موسى هو الذي قتل المصري بالأمس، وشاع الخبر ووصل إلى القصر الفرعوني، فتذاكر آل فرعون في أمر موسى والقصاص منه، ولم يَعدم موسى رجلاً ناصحاً مخلصاً ممن له صلة بالقصر، فجاءه من أقصى المدينة - وربما كان ذلك من القصر نفسه، لأن العادة في القصور الملكية أن تكون في أماكن بعيدة عن المساكن العامة وحركة المدينة - وقال له: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}. 

-10 قبل موسى نصيحة الرجل، فخرج من المدينة خائفاً يترقب، وهو يقول: {ربّ نجني من القوم الظالمين}. 

واتجه إلى جهة بلاد الشام تلقاء مدين، وسار بلا ماء ولا زاد، قالوا: وكان يقتات بورق الأشجار، حتى وصل إلى مدين، وفي مدين سلالة من الأسرة الإِبراهيمية منحدرة من مدين "مديان" بن إبراهيم - أحد أعمام بني إسرائيل -، ولعله قصدها عامداً لعلمه بصلة القربى مع أهلها. 

-11 وصل موسى بعد رحلة شاقة إلى مدين، فلما ورد ماءها وجد عليه أُمَّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما عن الماء، منتظرتين حتى يتم الرعاة الأقوياء سقيهم. 

أخذت موسى غيرة الانتصار للضعيف فقال لهما: ما خطبكما؟ قالتا: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}، واعتذرتا عن عملهما في السقي دون الرجال من أسرتهما فقالتا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] أي: فهو لا يستطيع القيام بهذه المهمة. 

فنهض موسى وسقى لهما، وانصرفتا شاكرتين له، مبكرتين عن عادتهما، وتولّى موسى إلى الظل، وأخذ يناجي الله ويقول: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]. 

-12 عجب أبوهما الشيخ الكبر من عودة ابنتيه مبكرتين، فقصتا عليه قصة الرجل الغريب الذي سقى لهما، فأمر إحداهما أن تعود إليه، وتبلغه دعوة أبيها ليجزيه على عمله. 

فجاءته تمشي على استحياء، قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25]. 

فلبى موسى الدعوة، وسار مع ابنة الشيخ، قالوا: وقد طلب منها أن تسير خلفه وتدله على الطريق، لئلا يقع بصره على حركات جسمها، وذلك عفة منه. 

-13 دخل موسى على الشيخ الكبير، فرحب به، وقدم له القِرى، وسأله عن خطبه، فقص عليه القصص، ووصف له حاله وحال بني إسرائيل في مصر، قال: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25] . 


ذكر كثير من المفسرين والمؤرخين أن هذا الشيخ الكبير هو شعيب عليه السلام، واستشكل آخرون ذلك، وعلى كل حال فلا بد أن يكون إما شعيباً أو أحد أقاربه من سلالة مدين، أو أحد المؤمنين الذين نجوا مع شعيب بعد إهلاك أهل مدين، وقد نرجح أن يكون شعيباً لحديث ورد في ذلك عن النبي صل الله عليه وسلم وإن لم يبلغ درجة الصحة. 

-14 قالت إحداهما: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]، فأُعجب الشيخ برأي ابنته، وعرض على موسى الزواج من إحدى ابنتيه اللَّتين سقى لهما موسى. 

قال: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27]. 

وبذلك شرط عليه أن يكون مهر ابنته أن يخدمه ثماني سنين، فإن زادها إلى عشر سنين فهي زيادة غير مفروضة. 

فوافق موسى، ونجز العقد مع الشيخ، فقال: "ذلك بيني وبينك أيَّما الأجلين قضيتُ فلا عدوان عليّ والله على ما نقول وكيل". 

وتمت المصاهرة بينهما، قالوا: واسم ابنة الشيخ التي صارت زوجاً لموسى "صفورة". 

-15 لبث موسى عند صهره الشيخ في مدين يخدمه حسب الشرط، وقضى في خدمته أوفى الأجلين وهو عشر سنين. 

وقد ولدت له امرأته "صفورة" في مدين ولداً سماه "جرشوم" ومعناه: غريب المولد. 

ثم تحرك قلب موسى أن يعود بأهله إلى مصر، وعزم على المسير واستعد له، ولما أراد الفراق أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون - يقال: شاة قالب لون، أي: على غير لون أمها -. 

فعن عقبة بن المنذر فيما رواه البزار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أبرهما وأوفاهما"، ثم قال النبي صل الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام لما أراد فراق شعيب عليه السلام، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالب لون. قال: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه فولدت قوالب ألوان كلها، وولدت اثنتين أو ثلاثاً كلُّ شاة، وليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا كميشة تفوت الكف ولا ثغول". أي: جاءت على غير ألوان أمّهاتها سالمة من العيوب. 

وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: "إذا فتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها وهي السامرية". 

-16 سار موسى بأهله من أرض مدين في فصل الشتاء، واستاق الغنم، ولما بلغ إلى قرب الطور ضلَّ الطريق في ليلة باردة. قالوا: وكانت امرأته حاملاً، وأراد موسى أن يوري ناراً فصلد زنده فلم يقدح له، وبينما هو كذلك إذ رأى جانب الطور ناراً، فقال لأهله: {امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10]، أي: من يدله على الطريق إلى مصر. 

فلما أتى موسى النار من جانب الشجرة المباركة، سمع نداء: {يا موسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 12-13]. 

-17 فأوحى الله له ما أوحى، وكلّفه أن يحمل الرسالة إلى الطاغي فرعون، وأعطاه الله الآيات، وطلب موسى من ربه أن يرسل معه أخاه هارون، ليكون له ردءاً، وأثنى موسى على أخيه بين يدي ربه بأنه أفصح منه لساناً، وقال موسى: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي} [القصص: 33-34]. 


قال الله له: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35]. 

-18 وحمل موسى الرسالة، ومعه المعجزات، ودخل مصر وقابل فرعون مع أخيه هارون، وكان من أمرهما ما سبق أن شرحناه في معجزات موسى عليه السلام. 

-19 وخرج موسى ببني إسرائيل من مصر، وأنجاه الله من فرعون وقومه. 

ثم ذهب لمناجاة ربه وتلقى من ربه الألواح وفيها الوصايا الإِلهية، وعاد إلى قومه فوجدهم قد عبدوا العجل الذي اتخذه لهم السامريّ، وكان من شأنه معهم ما سبق بيانه عنه الكلام على معجزاته عليه السلام. 

-20 ثم طلب من بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة -وهي أريحا- مجاهدين في سبيل الله بعدما أراهم المعجزات الباهرات، فقالوا له: "إن فيها قوماً جبارين" .. و"إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها"، وقالوا له أيضاً: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون"!! 

فغضب موسى ودعا عليهم فقال: "ربِّ إني لا أملك إلاَّ نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين". 

فقال تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26]. 

وهكذا لبثوا في التيه أربعين سنة، يتردَّدُون في برية سيناء وبرية فاران "صحراء الحجاز"، ويترددون أيضاً حوالي جبال السَّرَاة وأرض ساعير وبلاد الكرك والشوبك. والله أعلم. 

-21 من الأحداث التي جرت لموسى عليه السلام لقاؤه بالعبد الصالح -الذي ورد أنه الخضر-، وقصة لقائه به مبسوطةٌ في القرآن الكريم في سورة الكهف. 

-22 ومن الأحداث التي جرت له إيذاء قارون له وطعنه افتراءً في شرفه، فدعا موسى عليه فخسف الله به وبداره الأرض، وكان قارون رجلاً غنياً، قد بلغ من غناه أنه كان عنده من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فلم تغنِ عنه من الله شيئاً. 

-23 ثم أوحى الله إلى موسى أني متوفٍ هارون، فأتِ به إلى جبل كذا وكذا فانطلقا نحوه، فإذا هما بسرير فناما عليه، وأخذ هارونَ الموتُ ورُفع إلى السماء. ورجع موسى إلى بني إسرائيل، فقالوا له: أنت قتلت هارون لحبِّنا إياه، قال موسى: ويحكم أفترونني أقتل أخي؟! فلما أكثروا عليه سأل الله، فأنزل السرير وعليه هارون، وقال لهم: إني مت ولم يقتلني موسى، وكان ذلك في التيه، وكان عمر هارون حين توفي (122) سنة. 

-24 ثم توفي موسى عليه السلام بعد أخيه هارون بأحد عشر شهراً في التيه. قالوا: وقد بلغ عمره (120) سنة، ولما جاءه ملك الموت وعلم أن الموت لا بد منه قال: (ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رميةً بحجر)، فأُدني من الأرض المقدسة ودفن هناك. 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال: فردّ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبد فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متنِ ثورٍ فما وارت يدُك من شعرة فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مَهْ؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، ربِّ أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله صل الله عليه وسلم "والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر". رواه البخاري ومسلم. 

(ب) وقد بسط القرآن الكريم في نَيِّفٍ وثلاثين سورة حياة موسى من ولادته ونشأته، وفراره من مصر، ودخوله أرض مدين، وزواجه ابنة شيخ مدين، وعودته إلى مصر، وتكليم الله له في جانب الطور، وتحميله الرسالة، ودعوته إلى فرعون وملئه، والمعجزات التي جرت في حياته، وخروجه من مصر ببني إسرائيل، ونجاتهم بالمعجزة، وغرق فرعون وجنوده في البحر، ونزول التوراة عليه والصحف، وعبادة قومه العجل، وسائر الأحداث الهامة التي جرت في حياته، مما أوجزناه هنا وفي الكلام عن المعجزات. وما بسطه القرآن الكريم من ذلك في غاية الروعة والإِعجاز، ويحمل من العبر والأخبار ما يدلنا على مدى أهمية رسالته عليه السلام.


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:19 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:16

قصة نبي الله يوشع عليه السلام ومعجزاته


قصة نبي الله يوشع بن نون النبي الذي حبس الله له الشمس كثير منا لا يعرف عنه شيئا واليوم راح نعرف سويا قصته 

ذكر في سورة الكهف ولكن لم يذكر اسمه ، هو الفتى الذي كان مع موسى عليه السلام! !

اسمه يوشع بن نون عليه السلام 

،خصه الله بكرامة وهي حبس الشمس له عن المغيب ،لم تحبس لبشر غيره؛

هو يوشع بن نون بن أفرانيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السﻼ‌م، وقد ذكره الله تعالى في القرآن بدون ذكر اسمه في قصة موسى والخضر، قال تعالى:وإذ قال موسى لفتاه [الكهف:60].
وقد جاء تعيينه في صحيح البخاري من رواية أبي بن كعب عن النبي صل الله عليه وسلم أنه يوشع بن نون. قال ابن كثير: وقد اتفق أهل الكتاب على نبوته عليه السﻼ‌م. 
وقد ذكر المؤرخون أن الله تعالى فتح على يديه بيت المقدس، وقد خصه الله بكرامة لم ينلها غيره، وهي حبس الشمس له، روى اﻹ‌مام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: إن الشمس لم تحبس لبشر إﻻ‌ ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس. 
قال ابن كثير في البداية والنهاية: ولما استقرت يد بني إسرائيل على القدس استمروا فيه وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكان مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة. 

خرج يوشع بن نون ببني إسرائيل من التيه، بعد أربعين سنة، وقصد بهم اﻷ‌رض المقدسة. ,كانت هذه اﻷ‌ربعين سنة -كما يقول العلماء- كفيلة بأن يموت فيها جميع من خرج مع موسى عليه السﻼ‌م من مصر، ويبقى جيل جديد تربى على أيادي موسى وهارون ويوشع بن نون، جيل يقيم الصﻼ‌ ويؤتي الزكاة ويؤمن بالله ورسله. قطع بهم نهر اﻷ‌ردن إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سورا وأعﻼ‌ها قصورا وأكثرها أهﻼ‌. فحاصرها ستة أشهر.

وروي في صحيح مسلم أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ‏(غزا نبي من اﻷ‌نبياء فقال لقومه ﻻ‌ يتبعني رجل قد ملك ‏ ‏بضع ‏ ‏امرأة وهو يريد أن ‏ ‏يبني ‏ ‏بها ولما ‏ ‏يبن ‏ ‏وﻻ‌ آخر قد بنى بنيانا ولما يرفع سقفها وﻻ‌ آخر قد اشترى غنما أو ‏ ‏خلفات ‏ ‏وهو منتظر وﻻ‌دها قال فغزا ‏ ‏فأدنى ‏ ‏للقرية ‏ ‏حين صﻼ‌ة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه قال فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن ‏ ‏تطعمه ‏ ‏فقال فيكم ‏ ‏غلول ‏ ‏فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم ‏ ‏الغلول ‏ ‏فلتبايعني قبيلتك فبايعته قال فلصقت بيد رجلين أو ثﻼ‌ثة فقال فيكم ‏ ‏الغلول ‏ ‏أنتم ‏ ‏غللتم ‏ ‏قال فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب قال فوضعوه في المال وهو ‏ ‏بالصعيد ‏ ‏فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم ﻷ‌حد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا) ويرى العلماء أن هذا النبي هو يوشع بن نون، فقد كان اليهود ﻻ‌ يعملون وﻻ‌ يحاربون يوم السبت، وعندما خشي أن يذهب النصر إذا توقف اليهود عن القتال، فدعى الله أن يحبس الشمس. واختـلف في حبس الشمس المذكور هنا, فقيل: ردت على أدراجها, وقيل: وقفت ولم ترد, وقيل: أبطئ بحركتها, وكل ذلك من معجزات النبوة .


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:27 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:17

داود عليه السلام
هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]. 


نسب داود عليه السلام:

أثبت أهل التوراة وأهل الإِنجيل نسبه على الوجه التالي: 

هو داود بن يسى "إيشا" بن عَوْبيد بن بوعز "أفصان" بن سلمون بن نحشون بن عِمّيناداب بن إرَام، بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب "إسرائيل" عليه السلام. 



حياة داود عليه السلام في فقرات:

)أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة داود عليه السلام ما يلي: 

أولاً- مقدمة عن حال بني إسرائيل منذ وفاة موسى عليه السلام حتى قيام ملك داود عليه السلام: 

-1 بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248]. 



-2 لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة. 

وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم. 

-3 وفي أواخر هذه المدّة سَلب الفلسطينيون منهم "تابوت العهد"، في حربٍ دارت بين الطرفين، وكان ممّن يدبر أمرهم في أواخر مدّة حكم القضاة نبي من أنبياء بني إسرائيل من سِبط لاوي اسمه: (صمويل = شَمْويل)، يتصل نسبه بهارون عليه السلام. 

فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246]. 



فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم. 

قال الله عزّ وجلّ: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247]. 



فسألوا عن دليل رباني يدلهم على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل: 

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248]. 



وأعطاهم صمويل موعداً لمجيء التابوت تحمله الملائكة، فخرجوا لاستقباله فلما وجدوا التابوت قد جيء به حسب الموعد أذعنوا لملك طالوت، فكان أول ملك من ملوك بني إسرائيل. 

-4 جمع طالوت صفوف بني إسرائيل، وهيأهم لمحاربة عدوهم، وخرج بهم، ثم اصطفى منهم خلاصة للقتال، يقارب عددها عدد المسلمين في غزوة بدر. قالوا: وكان عددهم نحواً من (319) مقاتل، وذلك بطريقة قصها القرآن علينا في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]. 



وهؤلاء القلة هم الذين اصطفاهم طالوت للقتال بعد رحلة برية شاقة سار بهم فيها، وقد اشتد فيها ظمأ القوم، وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء. 

-5 لقي طالوت خصومه الوثنيين الفلسطينيين، وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل. 

وهنا دخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم. 

قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه. 

فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل. 

فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره. 

فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي. 

وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله! 

قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]. 



ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه. 

-6 ومنذ ذلك التاريخ لمع اسم (داود) في جماهير بني إسرائيل، ثم توالت الانتصارات لبني إسرائيل على يد داود، وخاف طالوت على ملكه منه فلاحقه ولاحق أنصاره وعَزَمَ على التخلص منه بالقتل، إلاَّ أن الله سلَّم داود منه، ولم يكن من داود لطالوت إلاَّ الوفاء والطاعة وحسن العهد، وقد تهيأت له الفرصة عدة مرات أن يقتله فلم يفعل ولو شاء لانتزع منه الملك. 

-7 ولما لم يجد داود سبيلاً لإِصلاح نفس طالوت عليه، اعتزل عنه بعد عدة محاولات وفاء قام بها نحوه، فلم يخفف ذلك من حسده وقلقه وآلامه. 

ومن ثَمّ بدأت الهزائم تلاحق طالوت في حروبه مع أعداء بني إسرائيل، حتى قُتل هو وثلاثة من بنيه، وهُزم رجاله. قالوا: وقد ندم طالوت على ما كان منه وتاب. 

وكان نبيهم صمويل قد تغير على طالوت وهجره لما بدر منه نحو داود، وقد أُخبر داود أن المُلكَ صائر إليه بعد موت طالوت. 

ثانياً- داود في الملك: 

-8 علم داود بمقتل طالوت، فصعد إلى حبرون (مدينة الخليل)، فجاء رؤساء سبط يهوذا وبايعوه بالملك. 

أما بقية أسباط بني إسرائيل فقد دانوا بالطاعة لولد من أولاد طالوت اسمه: (إيشبوشت). 

ثم قامت حروب بين جنود داود وجنود إيشبوشت، انتهت بمقتل ابن طالوت بعد سنتين أو ثلاث، واستتب لداود الملك العام على بني إسرائيل، وكان عمره (30) سنة. 

-9 اتسعت مملكة بني إسرائيل على يد داود عليه السلام، وآتاه الله مع الملك النبوة، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل يحكم بالتوراة، كما أنزل عليه (الزبور) - أحد الكتب السماوية الأربعة الكبار - وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب. 

-10 قالوا: وقد دام ملكه (40) سنة ثم توفي عليه السلام، ودفن في "بيت لحم" بعد أن أوصى بالملك لابنه سليمان، فيكون عمره على هذا حين قبض عليه السلام (70) سنة. والله أعلم. 

)ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة داود عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل ببدء ظهور اسمه في بني إسرائيل، وملكه ونبوته، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وأبرز ما جاء فيه النقاط التالية: 

-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل عليه الزبور، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلمه مما يشاء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق. 

-2 إثبات أنه قتل جالوت في المعركة التي قامت بين بني إسرائيل وعدوهم بقيادة طالوت. 

-3 إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها: 

)أ) أن الله آتاه الملك وشدّه له، وجعله خليفة في الأرض، وأعطاه قوةً في حكمه. 

(ب) أن الله سخر الجبال والطير يسبحن معه في العشي والإِبكار. 

"فقد آتاه الله صوتاً حسناً، وقدرة على الإِنشاد البديع، فهو يصدح بصوته بتسبيح الله وتحميده، ويتغنى فيه بكلام الله في الزبور في العشي والإِبكار، فترجّع الجبال معه التسبيح والتحميد، وتجتمع عليه الطير فترجع معه تسبيحاً وترنماً وغناءً. 

)جـ) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى ولده سليمان من بعده مثل ذلك. 

)د) أن الله ألان له الحديد، "فهو يتصرف بَطيّه وتقطيعه ونسجه، كما يتصرف أحدنا بالأشياء اللينة بطبعها. 

)هـ) أن الله علَّمه صناعة دروع الحرب المنسوجة من زرد الحديد. 

قالوا: وكانت هذه الصناعة غير معروفة قبل داود عليه السلام. 

-4 عرض قصة استفتاء فقهي وُجِّه إليه، فأفتى فيه بوجه، وكان ابنه سليمان فتىً صغيراً حاضراً مجلس الاستفتاء فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب. 

وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78-79]. 



نفشت: أي رعت ليلاً بلا راعٍ. 

قال المفسرون: إن زرعاً دخلت فيه ليلاً غنم لغير أهله، فأكلته وأفسدته، فجاء المتحاكمون إلى داود - وعنده سليمان -، فحكم داود بالغنم لصاحب الحرث عوضاً عن حرثه الذي أتلفته الغَنم ليلاً. فقال سليمان - وهو ابن إحدى عشرة سنة -: غير هذا أرفق، فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث لينتفعوا بألبانها وأولادها وأشعارها، وبدفع الحرث إلى أهل الغنم ليقوموا بإصلاحه حتى يعود إلى ما كان، ثم يترادّان. 

-5 عرض قصة الخصمين اللذين تسوّرا على داود، ودخلا عليه المحراب في وقت عبادته الخاصة التي يخلو بها ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه فيها، ففزع داود منهما، لأنهما لم يستأذنا بالدخول عليه، ولم يدخلا محرابه من بابه، فقالا له: 

{لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} [ص: 22] أي: لا تَجُرْ في الحكم - {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}. 

فأصغى لهما داود، فقال أحد الخصمين: 

{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} - أي: ملكنيها- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي: غلبني في المخاصمة بنفوذٍ أو بقوة. 

وسكت الآخر سكوت إقرار. 

فقال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]. 

وانصرف المتسوران دون أن يعلِّقا بشيء على ما أفتى به داود. 

فرجع داود إلى نفسه، فعرف أن الله أرسل إليه هؤلاء القوم بهذا الاستفتاء ابتلاء، وذلك لينبهه على أمر ما كان يليق به أن يصدر منه بحسب مقامه، فوبخ نفسه: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} تائباً من ذنبه، خائفاً من ربه. 



وتطبيقاً لمبدأ عصمة الرسل عليهم السلام، فإن ما فُتِنَ به داود ونبِّه عليه عن طريق الخصمين المستفتيين ينبغي أن لا يكون معصية ثابتة، وإنما هو من المباحات العامة التي لا تليق بمقام الرسل المصطفين عليهم السلام. 

هذا إذا كانت الحادثة بعد النبوة، أما إذا كانت قبل النبوة فينبغي أن لا تكون من الكبائر، إذ الكبائر لا تليق بآحاد المؤمنين، فضلاً عن الذين يهيؤون للرسالة. والله أعلم. 

وذكر فريق من المفسرين أنّ فتنة داود عليه السلام كانت لأنه حكم بمجرّد سماع الدعوى، دون أن يسأل البيِّنة، أو يسمع كلام المدَّعى عليه، ولذلك قال الله له بعد ذلك كما جاء: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:29 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:24

شجرة الانبياء Oaoo10


[rtl]الفصل الأول[/rtl]
[rtl]سيرته:[/rtl]
[rtl](وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) ورثه في النبوة والملك.. ليس المقصود وراثته في المال، لأن الأنبياء لا يورثون. إنما تكون أموالهم صدقة من بعدهم للفقراء والمحتاجين، لا يخصون بها أقربائهم. قال محمد بن عبد الله صل الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء لا نورث".[/rtl]
[rtl]مُلك سليمان:[/rtl]
[rtl]لقد آتى الله سليما(عليه السلام) ملكا عظيما، لم يؤته أحدا من قبله، ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة. فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي)لنتحدث الآن عن بعض الأمور التي سخرها الله لنبيه سليمان عليه السلام. لقد سخر له أمرا لم يسخره لأحد من قبله ولا بعده..سخر الله له "الجن". فكان لدي(عليه السلام) القدرة على حبس الجن الذين لا يطيعون أمره، وتقييدهم بالسلاسل وتعذيبهم. ومن يعص سليمان يعذبه الله تعالى. لذلك كانوا يستجيبون لأوامره، فيبنون له القصور،والتماثيل {التي كانت مباحة في شرعهم} والأواني والقدور الضخمة جدا، فلا يمكن تحريكها من ضخامتها. وكانت تغوص له في أعماق البحار وتستخرج اللؤلؤ والمرجان والياقوت..[/rtl]
[rtl]وسخر الله لسليمان (عليه السلام) الريح فكانت تجري بأمره. لذلك كان يستخدمها سليمان في الحرب. فكان لديه بساطا خشبيا ضخم جدا، وكان يأمر الجيش بأن يركب على هذا الخشب، ويأمر الريح بأن ترفع البساط وتنقلهم للمكان المطلوب. فكان يصل في سرعة خارقة.[/rtl]
[rtl]ومن نعم الله عليه، إسالة النحاس له. مثلما أنعم على والده داوود بأن ألان له الحديد وعلمه كيف يصهره.. وقد استفاد سليمان من النحاس المذاب فائدة عظيمة في الحرب والسلم.[/rtl]
[rtl]ونختم هذه النعم بجيش سليمان عليه السلام. كان جيشه مكون من: البشر، والجن، والطيور. فكان يعرف لغتها.[/rtl]
[rtl]سليمان والخيل:[/rtl]
[rtl]بعد عرض أنعم الله عليه، لنبدأ بقصته عليه السلام. وبعض أحداثها.[/rtl]
[rtl]كان سليمان(عليه السلام) يحب الخيل كثيرا، خصوصا ما يسمى (بالصافنات)، وهي من أجود أنواع الخيولوأسرعها. وفي يوم من الأيام، بدأ استعراض هذه الخيول أمام سليمان عصرا، وتذكر بعد الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد، فأخذ ينظر إليها ويتأمل فيها، فطال الاستعراض، فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله تعالى، حتى غابت الشمس، فانتبه، وأنب نفسه لأن حبه لهذه الخيول شغله عن ذكر ربه حتى غابت الشمس، فأمر بإرجاع الخيول له ، فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ، وجاءت هنا روايتان كلاهما قوي. رواية تقول أنه أخذ السيف وبدأ بضربها على رقابها وأرجلها، حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله. ورواية أخرى تقول أنه كان يمسح عليها ويستغفر الله عز وجل، فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح لأنه كان يعدّهاللجهاد في سبيل الله.[/rtl]
[rtl]ابتلاء سليمان:[/rtl]
[rtl]ورغم كل هذه النعم العظيمة والمنح الخاصة، فقد فتن الله تعالى سليمان.. اختبره وامتحنه، والفتنة امتحان دائم، وكلما كان العبد عظيما كان امتحانه عظيما.[/rtl]
[rtl]اختلف المفسرون في فتنة سليمان عليه السلام. ولعل أشهر رواية عن هذه الفتنة هي نفسها أكذب رواية.. قيل إن سليمان عزم على الطواف على نسائه السبعمائة في ليلة واحدة، وممارسة الحب معهن حتى تلد كل امرأة منهن ولدا يجاهد في سبيل الله، ولم يقل سليمان إن شاء الله، فطاف على نسائه فلم تلد منهن غير امرأة واحدة.. ولدت طفلا مشوها ألقوه على كرسيه.. والقصة مختلقة من بدايتها لنهايتها، وهي من الإسرائيلياتالخرافية.[/rtl]
[rtl]وحقيقة هذه الفتنة ما ذكره الفخر الرازي. قال: إن سليمان ابتلي بمرض شديد حار فيه الطب. مرض سليمان مرضا شديدا حار فيه أطباء الإنس والجن.. وأحضرت له الطيور أعشابا طبية من أطراف الأرض فلم يشف، وكل يوم كان المرض يزيد عليه حتى أصبح سليمان إذا جلس على كرسيه كأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من كثرة الإعياء والمرض.. واستمر هذا المرض فترة كان سليمان فيها لا يتوقف عن ذكر الله وطلب الشفاء منه واستغفاره وحبه.. وانتهى امتحان الله تعالى لعبده سليمان، وشفي سليمان.. عادت إليه صحته بعد أن عرف أن كل مجده وكل ملكه وكل عظمته لا تستطيع أن تحمل إليه الشفاء إلا إذا أراد الله سبحانه.. هذا هو الرأي الذي نرتاح إليه، ونراه لائقا بعصمة نبي حكيم وكريم كسليمان..[/rtl]
[rtl]ويذكر لنا القرآن الكريم مواقف عدة، تتجلى لنا فيها حكمة سليمان (عليه السلام) ومقدرته الفائقة على استنتاج الحكم الصحيح في القضايا المعروضه عليه. ومن هذه القصص ما حدث في زمن داوود(عليه السلام) قال تعالى:[/rtl]
[rtl]وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا[/rtl]
[rtl]جلس داوود كعادته يوما يحكم بين الناس في مشكلاتهم.. وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..[/rtl]
[rtl]وقال له صاحب الحقل: سيدي النبي.. إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل، وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه.. وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..[/rtl]
[rtl]قال داوود لصاحب الغنم: هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟[/rtl]
[rtl]قال صاحب الغنم: نعم يا سيدي..[/rtl]
[rtl]قال داوودلقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.[/rtl]
[rtl]قال سليمان.. وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث من والده: عندي حكم آخر يا أبي..[/rtl]
[rtl]قال داوودقله يا سليمان..[/rtl]
[rtl]قال سليمان: أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل الذي أكلته الغنم.. ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب، وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه، فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما كما كان أخذ صاحب الحقل حقله وأعطى صاحب الغنم غنمه..[/rtl]
[rtl]قال داوودهذا حكم عظيم يا سليمان.. الحمد لله الذي وهبك الحكمة.[/rtl]
[rtl]ومنها ما جاء في الحديث الصحيح: حَدَّثَنِى زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِى شَبَابَةُ حَدَّثَنِى وَرْقَاءُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صل الله عليه وسلم قَالَ « بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا . فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ . وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّما ذَهَبَ بِابْنِكِ . فَتَحَاكَمَتَا إِلَى داوود فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ داوود عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا .فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا . فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ». قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ مَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةَ.[/rtl]
[rtl]سليمان والنملة:[/rtl]
[rtl]ويذكر لنا القرآن الكريم قصة عجيبة:[/rtl]
[rtl]وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَـتَّى إِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ 19) النمل)[/rtl]
[rtl]يقول العلماء "ما أعقلها من نملة وما أفصحها". (يَا) نادت، (أَيُّهَ) نبّهت، (ادْخُلُوا) أمرت،(لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت، (سُلَيْمَانُ) خصّت، (وَجُنُودُه)عمّت، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَاعتذرت). سمع سليمان كلام النملة فتبسم ضاحكا من قولها.. ما الذي تتصوره هذه النملة! رغم كل عظمته وجيشه فإنه رحيم بالنمل.. يسمع همسه وينظر دائما أمامه ولا يمكن أبدا أن يدوسه.. وكان سليمان يشكر الله أن منحه هذه النعمة.. نعمة الرحمة ونعمة الحنو والشفقة والرفق.[/rtl]
[rtl]سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ:[/rtl]
[rtl]ولعل أشهر قصة عن سليمان (عليه السلام) هي قصته مع بلقيس ملكة سبأ.[/rtl]
[rtl]جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.[/rtl]
[rtl]فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان (عليه السلام) (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍوانظروا كيف يخاطب هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه. فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُم)ْتحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍأعطاها الله قوة وملكا عظيمين وسخّر لها أشياء كثيرة وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم)ٌ وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُون) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله سبحانه وتعالى.[/rtl]
[rtl]فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيءويسجدون للشمس، وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.[/rtl]
[rtl]يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..[/rtl]
[rtl]قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ 31) النمل)[/rtl]
[rtl]هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..[/rtl]
[rtl]إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب.. أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..[/rtl]
[rtl]كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية المهذبة في نفس الوقت..[/rtl]
[rtl]طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة.. وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).[/rtl]
[rtl]كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم، وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).[/rtl]
[rtl]أراد رؤساء قومها أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..[/rtl]
[rtl]فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل، وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه غزو مملكتها وهزيمتها.[/rtl]
[rtl]ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه، وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته.. يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا..[/rtl]
[rtl]أخفت الملكة ما يدور في نفسها، وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف نيات الملك سليمان، عن طريق إرسال هدية إليه، انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار والترقب.. وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا، لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوانوالذل..[/rtl]
[rtl]واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار..[/rtl]
[rtl]وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك النبي سليمان..[/rtl]



الفصل الثاني
[rtl]جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس وهم يحملون الهدية.. وأدرك سليمان على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات عن قوته لتقرر موقفها بشأنه.. ونادى سليمان في المملكة كلها أن يحتشد الجيش.. ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح.. فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم يبدو وسط بهاء مملكة سليمان.. وصغرت هديتهم في أعينهم.[/rtl]
[rtl]وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا.. وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..[/rtl]
[rtl]ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد. وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك، لكننا لا نريد القتال، وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها. نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره (فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم، وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال. يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ثم هددهم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).[/rtl]
[rtl]وصل رسل بلقيس إلى سبأ.. وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر.. حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه.. أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه.. وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان..[/rtl]
[rtl]جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه.. كان يفكر في بلقيس.. يعرف أنها في الطريق إليه.. تسوقها الرهبة لا الرغبة.. ويدفعها الخوف لا الاقتناع.. ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته، فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام. فسأل من حوله، إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس قبل أن تصل الملكة لسليمان.[/rtl]
[rtl]فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها.. كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة، وكانت حجرة العرش وكرسي العرش آيتين في الصناعة والسبك.. وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة..[/rtl]
[rtl]فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش قبل أن ينتهي المجلس وكان عليه السلام يجلس من الفجر إلى الظهر وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره.[/rtl]
[rtl]لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم "الذي عنده علم الكتاب" قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة.[/rtl]
[rtl]واختلف العلماء في "الذي عنده علم الكتاب" فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.[/rtl]
[rtl]لكن السياق القرآني ترك الاسم وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود.. نحن أمام سر معجزة كبرى وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان.. والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب، أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يديره إلا الله.. وهكذا يورد السياق القرآني القصة لإيضاح قدرة سليمان الخارقة، وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.[/rtl]
[rtl]هذا هو العرش ماثل أمام سليمان.. تأمل تصرف سليمان بعد هذه المعجزة.. لم يستخفه الفرح بقدرته، ولم يزهه الشعور بقوته، وإنما أرجع الفضل لمالك الملك.. وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة، ليرى أيشكر أم يكفر.[/rtl]
[rtl]تأمل سليمان عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره، أمر بإجراء بعض التعديلات عليه، ليمتحن بلقيس حين تأتي، ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون.[/rtl]
[rtl]كما أمر سليمان ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس. واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر بحيث يقع معظمه على مياه البحر، وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة، وعظيم الشفافية في نفس الوقت، لكي يسير السائر في أرض القصر ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح، ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك.[/rtl]
[rtl]تم بناء القصر، ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته، لم يكن يبدو أن هناك زجاجا. تلاشت أرضية القصر في البحر وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه.[/rtl]
[rtl]يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها إلى موقفين وقعا لها بتدبيره: الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء، وقد تركته وراءها وعليه الحراس. والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة التي تسبح تحتها الأسماك.[/rtl]
[rtl]لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش، نظرت إليه فرأته كعرشها تماما.. وليس كعرشها تماما.. إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟ وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟[/rtl]
[rtl]قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش: (أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)[/rtl]
[rtl]قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة: (كَأَنَّهُ هُوَ!)[/rtl]
[rtl]قال سليمان: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).[/rtl]
[rtl]توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس أن تقارن بين عقيدتها وعلمها، وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته. إن عبادتها للشمس، ومبلغ العلم الذي هم عليه، يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.[/rtl]
[rtl]لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام، بعدها سار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى، هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..[/rtl]
[rtl]أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها، لقد سبقها إلى المجيء، وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان.. أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟![/rtl]
[rtl]انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله، مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم.. وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان وعلمه وحكمته.[/rtl]
[rtl]انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء.. رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان، وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده، وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها، أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.[/rtl]
[rtl]ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر.. فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه، وحسبت أنها ستخوض البحر،(وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا) حتى لا يبتل رداؤها.[/rtl]
[rtl]نبهها سليمان {دون أن ينظر} ألا تخاف على ثيابها من البلل. ليست هناك مياه. (إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ)..إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..[/rtl]
[rtl]اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها.. اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت (مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).وتبعها قومها على الإسلام.[/rtl]
[rtl]أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض، وأحد أنبياء الله الكرام.[/rtl]
[rtl]يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها.. ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان بعد ذلك.. ويقال أنها تزوجت أحد رجاله.. أحبته وتزوجته، وثبت أن بعض ملوك الحبشة من نسل هذا الزواج.. ونحن لا ندري حقيقة هذا كله.. لقد سكت القرآن الكريم عن ذكر هذه التفاصيل التي لا تخدم قصه سليمان.. ولا نرى نحن داعيا للخوض فيما لا يعرف أحد..[/rtl]
[rtl]هيكل سليمان:[/rtl]
[rtl]من الأعمال التي قام بها سليمان (عليه السلام) إعادة بناء المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب من قبل. وبنى بجانب المسجد الأقصى هيكلا عظيما كان مقدسا عند اليهود {ولا زالوا يبحثون عنه إلى اليوم}. وقد ورد فيالهدي النبوي الكريم أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل ثلاثا، فأعطاه الله اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة: سأله حكما يصادف حكمه {أي أحكاما عادلة كأحكام الله تعالى} فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، وأسأل الله أن تكون لنا.[/rtl]
[rtl]وقد تفننت التوراة في وصف الهيكل.. وهذا بعض ما ورد في التوراة عنه:[/rtl]
[rtl]كان هيكل سليمان في أورشليم هو مركز العبادة اليهودية، ورمز تاريخ اليهود، وموضع فخارهم وزهوهم.. وقد شيده الملك سليمان وأنفق ببذخ عظيم على بنائه وزخرفته.. حتى لقد احتاج في ذلك إلى أكثر من 180 ألف عامل (سفر الملوك الأول).. وقد أتى له سليمان بالذهب من ترشيش، وبالخشب من لبنان، وبالأحجار الكريمة من اليمن، ثم بعد سبع سنوات من العمل المتواصل تكامل بناء الهيكل، فكان آية من آيات الدنيا في ذلك الزمان.[/rtl]
[rtl]وامتدت يد الخراب إلى الهيكل مرات عديدة، إذ كان هدفا دائما للغزاة والطامعين ينهبون ما به من كنوز، ثم يشيعون فيه الدمار، (سفر الملوك الثاني).. ثم قام أحد الملوك بتجديد بنائه تحببا في اليهود.. فاستغرق بناء الهيكل هذه المرة 46 سنة، أصبح بعدها صرحا ضخما تحيط به ثلاثة أسوار هائلة.. وكان مكونا من ساحتين كبيرتين: إحداهما خارجية والأخرى داخلية، وكانت تحيط بالساحة الداخلية أروقة شامخة تقوم على أعمدة مزدوجة من الرخام، وتغطيها سقوف من خشب الأرز الثمين. وكانت الأروقة القائمة في الجهة الجنوبية منالهيكل ترتكز على 162 عمودا، كل منها من الضخامة بحيث لا يمكن لأقل من ثلاثة رجال متشابكي الأذرع أن يحيطوا بدائرته.. وكان للساحة الخارجية من الهيكل تسع بوابات ضخمة مغطاة بالذهب.. وبوابة عاشرة مصبوبة كلها على الرغم من حجمها الهائل من نحاس كونثوس. وقد تدلت فوق تلك البوابات كلها زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب الخالص، وقد استمرت هدايا الملوك للهيكل حتى آخر زمانه (سفر الملوك الأول)، فكان يزخر بالكنوز التي لا تقدر بثمن..[/rtl]
[rtl]وفاته عليه السلام:[/rtl]
[rtl]عاش سليمان وسط مجد دانت له فيه الأرض.. ثم قدر الله تعالى عليه الموت فمات.. ومثلما كانت حياة سليمان قمة في المجد الذي يمتلئ بالعجائب والخوارق.. كان موته آية من آيات الله تمتلئ بالعجائب والخوارق.. وهكذا جاء موته منسجما مع حياته، متسقا مع مجده، جاء نهاية فريدة لحياة فريدة وحافلة.[/rtl]
[rtl]لقد قدر الله تعالى أن يكون موت سليمان عليه الصلاة والسلام بشكل ينسف فكرة معرفة الجن للغيب.. تلك الفكرة التي فتن الناس بها فاستقرت في أذهان بعض البشر والجن..[/rtl]
[rtl]كان الجن يعملون لسليمان طالما هو حي.. فلما مات انكسر تسخيرهم له، وأعفوا من تبعة العمل معه..[/rtl]
[rtl]وقد مات سليمان دون أن يعلم الجن، فظلوا يعملون له، وظلوا مسخرين لخدمته، ولو أنهم كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.[/rtl]
[rtl]كان سليمان متكئا على عصاه يراقب الجن وهم يعملون. فمات وهو على وضعه متكئا على العصا.. ورآه الجن فظنوا أنه يصلي واستمروا في عملهم. ومرت أيام طويلة.. ثم جاءت دابة الأرض، وهي نملة تأكل الخشب.. وبدأت تأكل عصا سليمان.. كانت جائعة فأكلت جزء من العصا.. استمرت النملة تأكل العصا أياما.. كانت تأكل الجزء الملامس للأرض، فلما ازداد ما أكلته منها اختلت العصا وسقطت من يد سليمان.. اختل بعدها توازن الجسد العظيم فهوى إلى الأرض.. ارتطم الجسد العظيم بالأرض فهرع الناس إليه..[/rtl]
[rtl]أدركوا أنه مات من زمن.. تبين الجن أنهم لا يعلمون الغيب.. وعرف الناس هذه الحقيقة أيضا.. لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، ما لبثوا يعملون وهم يظنون أن سليمان حي، بينما هو ميت منذ فترة..[/rtl]
[rtl]بهذه النهاية العجيبة ختم الله حياة هذا النبي الملك.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:25

الياس نبي من أنبياء بني إسرائيل


الياس نبي من أنبياء بني إسرائيل، وهو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخي موسى عليهم السلام. ويعرف في كتب الإسرائيليين باسم (إيليا). وقد روى الطبري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إلياس هو إدريس. 


وقد ذُكر النبي إلياس عليه السلام في القرآن الكريم في موضعين: 


الأول: ذُكر ضمن حديث القرآن الكريم عن جملة من الأنبياء، وذلك قوله سبحانه: {وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين} (الأنعام:85). 


الثاني: ذُكرت فيه قصته، وذلك قوله تعالى: {وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون * أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين * الله ربكم ورب آبائكم الأولين * فكذبوه فإنهم لمحضرون * إلا عباد الله المخلصين * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إل ياسين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين} (الصافات:123-132).


حاصل القصة


وحاصل قصة هذا النبي عليه السلام أن الله سبحانه بعثه في بني إسرائيل بعد النبي حزقيل عليه السلام، وكانوا قد عبدوا صنماً يقال له: (بعل)، فدعاهم إلى الله، ونهاهم عن عبادة ما سواه. وكان قد آمن به ملكهم، ثم ارتد، واستمروا على ضلالتهم، ولم يؤمن به منهم أحد. فدعا الله عليهم. فحبس عنهم المطر ثلاث سنين، ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم، ووعدوه الإيمان به، إن هم أصابهم المطر. فدعا الله لهم، فجاءهم الغيث، فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر، فسأل الله أن يقبضه إليه. وكان قد نشأ على يديه (اليسع بن أخطوب) عليه السلام، فأمر إلياس أن يذهب إلى مكان كذا وكذا، فأي شيء جاءه فليركبه، ولا يهبه، فجاءته فرس من نار، فركب، وألبسه الله النور، وكساه الريش، وكان يطير مع الملائكة ملكاً إنسيًّا، سماويًّا أرضيًّا.


هذه قصة النبي إلياس عليه السلام، رواها ابن كثير عن وهب بن منبه مختصرة، ورواها الطبري بسياق أطول. وقد عقب ابن كثير عليها بقوله: هكذا حكاه وهب عن أهل الكتاب، والله أعلم بصحته. 


والذي ينبغي الاهتمام به في هذا الصدد، أنه سبحانه بعث نبيه إلياس إلى بني إسرائيل في فترة من الزمن، وكانوا يعبدون صنماً يقال له: {بعلا} - روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {بعلا} يعني: رباً - فأنكر عليهم عبادة هذا الصنم، ودعاهم إلى عبادة الله وحده خالق كل شيء، وأخبرهم أنه ربهم ورب آبائهم الأولين، بيد أنهم لم يستجيبوا له فيما دعاهم إليه، ولم ينقادوا له فيما طلب منهم، فتوعدهم الله بعذاب يوم القيامة، ولم يذكر سبحانه لهم عقوبة دنيوية. وقد أخبر سبحانه أن الذين أخلصهم ومنَّ عليهم باتباع نبيهم مبعدون عن العذاب، وأن لهم من الله جزيل الثواب. وفي ختام القصة ذكر سبحانه إلياس عليه السلام بذكرٍ حسن على ما قام به من دعوة بني إسرائيل، وأخبر بأن له تحية من الله، ومن عباده عليه، وأثنى عليه كما أثنى على إخوانه النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. 


هذا ما يفيده نص القرآن الكريم بخصوص قصة هذا النبي عليه السلام، وما وراء ذلك من أخبار، فللنظر فيه مجال. 


ما يستفاد من هذه القصة


قصة النبي إلياس عليه كباقي قصص القرآن الكريم، لم يذكرها سبحانه بقصد الإخبار والقصِّ  التاريخي، وإنما ذكرها  بقصد الاعتبار والاتعاظ، والتحذير مما وقع على الأمم والأقوام السابقين، الذين خالفوا شرع الله، وأعرضوا عن الهدى الذي جاءتهم به الرسل والأنبياء. وعلى الجملة، يستفاد من قصة إلياس عليه السلام العبر التالية: 


أولاً: سيقت قصة النبي إلياس في سورة الصافات ضمن عدد من قصص الأنبياء، بغرض تسلية الرسول محمد صل الله عليه وسلم مما كان يلاقيه من قومه، وحملت إنذاراً وتهديداً لكفار قريش، أن عاقبتهم إذا استمروا على كفرهم وإعراضهم العذابُ، وذلك وفق ما جرت عليه سنة الله في مواعدة المعرضين عن ذكره. فالقصة سيقت مساق التحذير والوعيد. 


ثانياً: تُذَكِّرُ هذه القصة الناس بأن من أصول الدين أنه لا رب لهم إلا الله، وهذا أول أصول الدين، فالله سبحانه رب آبائهم، فإن آباءهم لم يعبدوا غير الله من عهد آدم عليه السلام، حيث كانوا على دين الفطرة، ولم يطرأ الكفر والشرك عليهم إلا فيما بعد. 


ثالثاً: في قصة إلياس عليه السلام إخبار بأن الرسول عليه أداء الرسالة فحسب، ولا يلزم من ذلك أن يشاهد عقاب المكذبين لدعوته، ولا هلاكهم. وفي هذا رد على المشركين الذين قالوا: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} (يونس:48)، فإن هذا السؤال ظلم منهم، حيث طلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس له من الأمر شيء، وإنما عليه البلاغ والبيان للناس، وأما حسابهم وإنزال العذاب عليهم فمن الله تعالى، ينزله عليهم إذا جاء الأجل الذي أجله ، والوقت الذي قدره، والموافق لحكمته الإلهية. فإذا جاء ذلك الوقت لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وقد قال تعالى في هذا المعنى مخاطباً رسوله صل الله عليه وسلم: {فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون} (غافر:77).


والمتحصل من هذه القصة القرآنية، الدعوة إلى التمسك بعبادة الله الواحد الأحد، ونبذ ما سواه من المعبودين، سواء أكانوا حجراً أم بشراً. وإنذار المشركين بالله أن العذاب آتيهم لا محال، إن لم يأتهم عاجلاً، فهو بالتأكيد آتيهم أجلاً. {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} (الأحزاب:4).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:38

  اليسع عليه السلام
ملخص قصة اليسع عليه السلام
من العبدة الأخيار ورد ذكره في التوراة كما ذكر في القرآن مرتين ، ويذكر أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة
من أنبياء الله تعالى، الذين يذكر الحق أسمائهم ويثني عليهم، ولا يحكي قصصهم.. نبي الله تعالى اليسع.
قال تعالى في سورة (ص): وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ
 
وقال جل جلاله في سورة (الأنعام) : وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين


جاء في تاريخ الطبري حول ذكر نسبة انه (اليسع بن أخطوب ) ويقال انه ابن عم الياس النبي عليهما السلام ، وذكر الحافظ ابن عساكر نسبة على الوجه الآتي ) (اسمه أسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرائيم بن يوسف الصديق عليه السلام )وهو من أنبياء بني إسرائيل ، وقد أوجز القرآن الكريم عن حياته فلم يذكر عنها شيئاً وإنما أكتفي بعده في مجموعة الرسل الكرام الذي يجب الإيمان بهم تفصيلاً.
قام بتبليغ الدعوة بعد انتقال الياس إلى جوار الله فقام يدعو إلى الله مستمسكاً بمنهاج نبي الله الياس وشريعته وقد كثرت في زمانه الأحداث والخطايا وكثر الملوك الجبابرة فقتلوا الأنبياء وشردوا المؤمنين فوعظهم (اليسع) وخوفهم من عذاب الله ولكنهم لم يأبهوا بدعوته ثم توفاه الله وسلط على بني إسرائيل من يسومهم سوء العذاب كما قص علينا القرآن الكريم. ويذكر بعض المؤرخين أن دعوته في مدينة تسعى (بانياس) إحدى مدن الشام ، ولا تزال حتى الآن موجودة وهي قريبة من بلدة اللاذقية والله أعلم.

وأرجح الأقوال أن اليسع هو اليشع الذي تتحدث عنه التوراة.. ويذكر القديس برنابا أنه أقام من الموت إنسانا كمعجزة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:39

ملخص قصة سيدنا عزير عليه السلام


من أنبياء بني إسرائيل، أماته الله مئة عام ثم بعثه، جدد الدين لبني إسرائيل وعلمهم التوراة بعد أن نسوها

كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل.. وكان يحفظ التوراة، ثم وقعت له قصة مدهشة، فقد أماته الله مائة عام ثم بعثه..
مرت الأيام على بني إسرائيل في فلسطين، وانحرفوا كثير عن منهج الله عز وجل. فأراد الله أن يجدد دينهم، بعد أن فقدوا التوراة ونسوا كثيرا من آياتها، فبعث الله تعالى إليهم عزيرا

أمر الله سبحانه وتعالى عزيرا أن يذهب إلى قرية. فذهب إليها فوجدها خرابا، ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، كيف يرسله الله إلى قرية خاوية ليس فيها بشر. وقف مستغربا، ينتظر أن يحييها الله وهو واقف! لأنه مبعوث إليها. فسؤاله سؤال تعجب وليس اعتراض. فأماته الله مئة عام:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ 
البقرة أية 259

قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه
(فأرسل الله له ملكا في صورة بشر: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ
فأجاب عزير: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). نمت يوما أو عدة أيام على أكثر تقدير

فرد الملك: (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ). ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة، فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه او ريحه. ثم أشار له إلى حماره، فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم. ثم بين له الملك السر في ذلك (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ). ويختتم كلامه بأمر عجيب (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه
يخبرنا المولى بما قاله عزير في هذا الموقف

فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
سبحان الله أي إعجاز هذا.. ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس. فسألهم: هل تعرفون عزيرا؟ قالوا: نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة. فقال لهم: أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك. ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير. فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ
واستمر انحراف اليهود بتقديس عزير واعتباره ابنا لله تعالى –ولا زالوا يعتقدون بهذا إلى اليوم- وهذا من شركهم لعنهم الله
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:44

قصة النبي زكريا عليه السلام
سيدنا زكريا وابنه يحيى هما رسولان من رسل بني إسرائيل، وقد ذكرهما الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، فقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ...} [الأنعام: 83] وما بعدها. 
{وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِين} [الأنعام: 85].
نسبهما عليهما السلام:
من المحقق أنهما من بني إسرائيل، ولكن لم يذكر المؤرخون لهما نسباً متصلاً موثوقاً به، وكان زكريا عليه السلام ممن لهم شركة في خدمة الهيكل.
قال ابن خلدون: وكان بنو ماثان-من ولد داود صلوات الله عليه-كهنوتية بيت المقدس.
وعلى هذا فهو من سبط يهوذا، لأن داود عليه السلام يصل نسبه إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام.
وقد أورد ابن عساكر لزكريا نسباً بدأه بأبيه يوحنا، وعدّ بعده أحد عشر أباً، حتى وصل إلى (يهوشافاط) خامس ملوك بيت المقدس من عهد أبيهم سليمان. والله أعلم.
حياة سيدنا زكريا ويحيى عليهما السلام في فقرات:
)أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياتهما عليهما السلام ما يلي:
-1 قبيل ميلاد المسيح عيسى كان زكريا من كبار الربانيين الذين لهم شركة في خدمة الهيكل.
وكان عمران-والد مريم-إمامهم ورئيسهم، والكاهن الأكبر فيهم.
قالوا: ويتصل نسبه بداود عليه السلام، فهو على هذا من سبط يهوذا. والله أعلم.
-2 حنَّة و (إيشاع = اليصابات عند أهل الكتاب) أختان، أما حنَّة: فكانت زوجة عمران، وكانت من العابدات، وكانت لا تحمل.
وأما إيشاع "اليصابات": فكانت زوجة زكريا عليه السلام، وكانت عاقراً لا تلد.
-3 استجاب الله لدعاء (عمران وحنَّة)، بعد أن لبثت حنَّة ثلاثين سنة لا يولد لها فحملت، فنذرت أن تهب ولدها لخدمة بيت المقدس، وكانت ترجو أن يكون ذكراً.
{فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: 36-37].
وحملت ابنتها مريم، وقدمتها إلى بيت المقدس، ودفعتها إلى العبَّاد والربانيين فيه، تنفيذاً لنذرها، وكان هذا من أحكام الشريعة اليهودية.
وتنافسوا في كفالتها، لأنها ابنة رئيسهم وكاهنهم الأكبر-ويظهر أن عمران أباها كان قد توفي في هذه الأثناء-وأصرّ زكريا عليه السلام-زوج خالتها-على أن يكفلها هو، وحصل الخصام بينهم أيُّهم يكفل مريم، ثم لجأوا إلى القرعة، فكانت كفالتها من حظ زكريا.
-4 شبَّت مريم في بيئة عبادة وتقوى داخل بيت المقدس، وأكرمها الله بكرامات عديدة، وكان من كراماتها ما قصَّه الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
وقال عز وجل: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 43].
فكان زكريا يجد عندها رزقاً من رزق الله لم يأتها به، ولا وجود له عند الناس في ذلك الوقت، وهذا من إكرام الله لها، وكانت الملائكة تأتي إلى مريم وتخبرها بأن الله اصطفاها وطهرها، واصطفاها على نساء العالمين.
-5 هنالك تحرك في قلب زكريا حب الذرية، وتمنى أن يهبه الله ولداً ذكراً يرث الشريعة عنه وعن العلماء الصالحين من آل يعقوب، وخشي أن يتولى أمر الرياسة الدينية في بني إسرائيل موالي من الجهلة والفساق والمتلاعبين بالدين.
هنالك دعا زكريا ربه، وناداه نداءً خفياً، قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 4-5-6].
{فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين}.
قال زكريا: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8].
قال منادي الملائكة: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُنْ شَيْئًا(9)} [مريم: 9].
قال زكريا: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}[مريم: 10-11].
أمّا مريم سلام الله عليها فقد نشأت نشأة طهر وعفاف، محروسة بعناية الله تعالى، حتى إذا بلغت مبلغ النساء، وبينما هي في خلوتها إذا بالملك جبريل تمثل لها بشراً سوياً، فذعرت منه، فقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم: 18]. أي: أمّا إنْ كنتَ شقيّاً فاجراً فإني أعوذ بالجبار القهار المنتقم منك.
فقال لها جبريل: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} [مريم: 19].
قالت مريم: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا}؟! [مريم: 20].
قال جبريل: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}!! [مريم: 21].
وكذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.
ونفخ جبريل في جيب مريم فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام، ولما حملته انتبذت به مكاناً قصياً بعيداً عن أهلها في جهة شرقية، وواظبت على عبادتها كعادتها.
-7 قالوا: وكان حمل مريم بعيسى في الوقت الذي كانت فيه زوجة زكريا حاملاً بيحيى؛ وولد عيسى بعد ميلاد يحيى بثلاثة أشهر. والله أعلم
-8 نشأ يحيى-كما بشَّر الله-نشأة صلاح وتقوى وعلم، وقد آتاه الحكم صبياً، وأقبل على معرفة الشريعة وأصولها وأحكامها حتى صار عالماً متبحراً، ومرجعاً يرجع إليه في الفتاوى الدينية. ثم وافته النبوة والرسالة قبل أن يبلغ من العمر ثلاثين سنة، وقال الله: {يا يحيى خُذِ الكتابَ بقوة}.
قالوا: وقد كان في صباه يأوي إلى القفار، ويقتات جراداً وعسلاً بريَّاً، ويلبس الصوف من وبر الإبل.
-9 ويُسمَّى يحيى عند العلماء النصارى: (يوحنَّا)، ويلقبونه (المعمدان) لأنه كان قد تولى التعميد المعروف عند النصارى، وهو: التبريك بالغسل بالماء للتوبة من الخطايا. قالوا: وقد ظهر في ناحية الأردن ينذر الناس بالتوبة، فخرج إليه أهل (أورشليم) والكور القريبة من الأردن، فكان يعمّدهم في النهر وينذرهم باقتراب ملكوت السماوات.
قالوا: وقد عمَّد يحيى عيسى في نهر الأردن وبرَّك عليه وهو ابن ثلاثين سنة، وقد سأله اليهود: هل هو المسيح؟ فقال: لا فسألوه: هل هو النبي؟ فقال: لا، فقالوا له: لماذا تُعمَّد إذا لم تكن المسيح ولا النبي؟ فقال: "أنا صوت صارخ في البرية هيئوا طريق الرب وافعلوا سبله مستقيمة".
-10 برز اسم يحيى عليه السلام، وكان حاكم فلسطين في ذلك الوقت (هيرودس) وكان رجلاً شريراً فاسقاً، وكانت له ابنة أخ يقال لها: (هيروديا) بارعة الجمال، فأراد عمها هيرودس أن يتزوج منها، وكانت البنت وأمها تريدان هذا الزواج، فلما علم يحيى عليه السلام بذلك أعلن معارضته لهذا الزواج، وبينَّ تحريم زواج العم بابنة أخيه في الشريعة.
فحقدت أم الفتاة على يحيى، وبيَّتت له مكيدة قتل، فزينت ابنتها (هيروديا) بأحسن زينتها، وأدخلتها على عمها، فرقصت أمامه حتى ملكت مشاعره، فقال لها: تمنَّي عليّ، فقالت له -كما علمتها أمها-: أريد رأس يحيى بن زكريا في هذا الطبق فاستجاب لطلبها، وأمر بيحيى عليه السلام فقُتل، وقدم له رأسه في طبق، والدم ينزف منه.
قالوا: وفي حادثة مقتل يحيى عليه السلام قتل عدد كبير من العلماء الذين أنكروا على الحاكم، ومنهم زكريا عليه السلام، وقيل: قتل زكريا قبل ذلك. والله أعلم.
وجاء تلاميذ يوحنا (يحيى) وأخذوا جثته ودفنوها، ثم جاؤوا إلى المسيح عيسى وأخبروه بمقتل يحيى عليه السلام.
)ب) وقد تعرض القرآن الكريم لحياة كلٍ من زكريا ويحيى عليهما السلام في أربع سور، وقد جاء فيها ما يلي:
-1 إثبات نبوة ورسالة كل من زكريا ويحيى عليهما السلام.
-2 التنويه بأنهما من بني إسرائيل.
-3 كفالة زكريا عليه السلام لمريم، وبيان أنه كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً، وأنه سألها أنى لك هذا؟ فقالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
-4 عرض قصة دعائه لربه أن يهبه ذرية طيبة، واستجابة الله له، وبشارة الملائكة إياه بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين، وما رافق ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:47

نبي الله يحيى بن زكريا عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا *وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا}سورة مريم، وقال تعالى:{وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ}سورة الأنعام.
نسبه عليه السلام
هو يحيى بن زكريا وينتهي نسبه إلى يعقوب عليه السلام، وهو من أنبياء بني إسرائيل كأبيه زكريا عليهما السلام الذين بلّغوا الناس ما أمرهم الله بتبليغه وجاهدوا في الله حق جهاده.
ذكره عليه السلام في القرءان الكريم
ذكر اسم يحيى عليه السلام في القرءان الكريم في أربع ءايات في كل من سور ءال عمران والأنعام ومريم والأنبياء، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام بالثناء العاطر الحسن ووصفه بالبر والتقوى والصلاح والاستقامة، وأعطاه الله تعالى النبوة في صباه وجعله سيدًا.
ولادته عليه السلام
ولد نبي الله يحيى عليه السلام قبل مولد عيسى بثلاثة أشهر، وقيل: بثلاث سنين، وكان ابن خالته وقد عاصروه وعاش معه فترة طويلة ورافق مراحل دعوته عليهما الصلاة والسلام، قال الله عز وجل:{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا}سورة مريم، قيل: أي لم يسم أحد يحيى قبله، ووجه الفضيلة في ذلك أن الله تعالى تولى تسميته ولم يكل ذلك إلى أبويه فسماه باسم لم يسبق إليه.
شيء من صفاته وسيرته عليه السلام
كان يحيى عليه السلام حسن الصوت حسن الوجه مثل جميع الأنبياء والمرسلين، وكان عليه السلام قويًا في طاعة الله منذ صباه وقد نشأ نشأة صلاح وتقى وطهر ونقاء كسائر الأنبياء، فقد كان بعيدًا عن مظاهر الترف والنعيم، وكان في شبابه يأوي إلى القِفار والبراري ويكتفي بما يسهله الله له من الرزق، وكان طعامه العشب، وكان عليه السلام كثير العبادة والتضرع والبكاء من خشية الله تعالى، وكان كثير العزلة عن الناس، يرد ماء الأنهار وكان عيسى ابن مريم يلبس الصوف ويحيى يلبس الوبر ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم ولا عبد ولا أمة ولا مأوى يأويان إليه، فأين ما جَنّ عليهما الليل أويا، فإذا أرادا الافتراق أوصى بعضهما بعضًا بطاعة الله تبارك وتعالى.
ءاتى الله تبارك وتعالى يحيى عليه السلام الحكم والنبوة والعلم صبيًا وعلمه الله عز وجل الكتاب وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها فيما بينهم وقد كان سنه إذ ذاك صغيرًا، يقول الله تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}سورة مريم، قيل أي تعلم التوراة بجد وحرص واجتهاد{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}سورة مريم، قيل: الفهم والعلم والنبوة وهو صغير حَدَثٌ، فقد قيل: إن الصبيان الذين كانوا في سن يحيى عليه السلام يقولون ليحيى عليه السلام: اذهب بنا نلعب فكان يقول لهم: ما للعب خُلقنا، وقال الله تعالى في وصف يحيى عليه السلام:{وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا}سورة مريم، قيل: أي جعلناه ذا حنان أي ذا رحمة وزكاة، فقد كانت صفة الحنان والرحمة من صفات نبي الله يحيى عليه السلام لتحننه عليه السلام على الناس ولا سيما على أبويه والشفقة عليهما وبره بهما، يقول تعالى أيضًا في وصف نبيه يحيى:{وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيًّا}سورة مريم، فقد كان عليه الصلاة والسلام متواضعًا تقيًا بعيدًا عن المحرمات والشهوات ولم يكن جبارًا عصيًا.
فائدة: في قوله تعالى في حق يحيى عليه السلام:{مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}سورة ءال عمران.
اعلم رحمك الله بتوفيقه أن معنى قوله تعالى في حق يحيى بن زكريا عليهما السلام:{مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ}أي مصدقًا بعيسى ابن مريم عليه السلام لأن يحيى عليه الصلاة والسلام هو أول من صدق بعيسى ابن مريم عليه السلام في زمانه لأنه كان معاصرًا له وكان ابن خالته، وأما قوله تعالى:{وَسَيِّدًا} فمعناه إنه الحليم التقي، وقيل: هو الشريف، وأما قوله تعالى في وصف يحيى عليه السلام:{وحَصُورًا}فقد قال الفقيه المالكي "القاضي عياض" في كتابه الشفا: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان "حصورًا" ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هَيوبًا، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذّاق المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه لا يأتي الذنوب كأنه محصور عنها، وقيل: مانعًا نفسه من الشهوات. والقول الصحيح أن معنى:"وحصورًا" أنه كان لا يأتي النساء ليس عجزًا بل ترك ذلك عن اختيار منه ولو أراد لاستطاع.
فائدة: في قوله تعالى في حق يحيى عليه السلام:{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}فقد قيل: إن أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم يره، فهذه الأوقات الثلاثة هي أستر ما تكون على الإنسان فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم ءاخر فيفقد الأول بعدما كان ألفه وعرفه، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه، ولهذا يستهلُّ الطفل صارخًا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها، وينتقل إلى هذه الدنيا ليكابد همومها وغمها، وإذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ وصار بعد الدور والعيشة التي ألفها في هذه الدار إلى عرْصة الأموات سكان القبور وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور فمنهم مسرور ومحبور ومنهم محزون ومبثور، فريق في الجنة وفريق في السعير لذلك يقول أحد الشعراء:
ولدتك أمك   باكيًا   مستصرخًا **** والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا **** في يوم موتك ضاحكًا مسرورا
ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشقّ ما تكون على ابن ءادم رخَّص الله تعالى لنبيه يحيى عليه السلام فيها بالكرامة والسلامة في هذه المواطن الثلاثة.
دعوته عليه الصلاة والسلام
كان سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله تعالى وحده بالحكمة والموعظة الحسنة الرقيقة للعمل بشريعة التوراة يقول الله تبارك وتعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ}سورة المائدة.
وكان نبي الله يحيى عليه السلام قد أُمر بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فجمع يحيى عليه السلام بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ بهم المسجد فقعد مشرفًا عليهم، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وأن ءامركم أن تعملوا بهن، أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وءامركم بالصلاة، وءامركم بالصدقة، وءامركم بذكر الله عز وجل كثيرًا، وأنّ العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل، رواه الإمام أحمد وغيره.
وفاته عليه الصلاة والسلام
مات يحيى بن زكريا عليه السلام مقتولًا، فقد قتله بنو إسرائيل ظلمًا وعدوانًا بأمر ملكهم حاكم فلسطين ءانذاك هيرودس.
وقيل في سبب قتله: إن هذا الملك "هيرودس" كان يكرم يحيى بن زكريا ويدنيه من مجلسه ويستشيره في أمره وكان هذا الملك متزوجًا من امرأة كانت قد كبرت وذهب جمالها وكانت لها بنت بارعة الجمال يقال لها "هيروديا" وكانت ربيبة هذا الملك وليست بنته من صلبه، ثم إن هذا الملك وقع في غرام هذه البنت وأراد أن يتزوجها، فقالت له أمها: تزوج بنتي هذه حتى لا تكون بعيدة من النعمة التي تتقلب فيها، فقال لها الملك: حتى أستفتي يحيى أيجوز أم لا، فلما استفتى هذا الملك يحيى عليه السلام نهاه عن زواجها وأخبره بأن ذلك حرام في شريعتهم، فلما بلغ ذلك أمّ الفتاة حقدت على يحيى عليه السلام ودبّرت له مكيدة قتل، فقد زينت ابنتها "هيروديا" أحسن زينة وعطّرتها وألبستها أفخر لباس وأدخلتها على "هيرودس" الملك، فأخذت ترقص أمامه حتى ملكت عليه مشاعره وأمرتها أمها أن تسقه الخمر وأن تتعرض له فإن أرادها على نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته، فلما فعلت ما أمرتها أمُّها قال لها هذا الملك: تمنّي عليّ فسألته أن يؤتى برأس يحيى في طست فقال لها الملك: ويحك! سليني غير هذا؟ فقالت له: لا أريد غير هذا، فلما أبت عليه زين له الشيطان سوء عملها وطلبها واستجاب لطلبها فأمر بقتل يحيى عليه السلام والإتيان برأسه، فقتل يحيى عليه السلام على أيدي هذه الفئة الظالمة وهو في الصلاة فذبح ذبحًا، ثم قُدّم رأسه إلى الملك في الطبق والدم ينزف منه، فلما رأت المرأة الرأس قالت: اليومَ قرت عيني، وانتقم الله تعالى لنبيه يحيى عليه السلام فلما صعدت هذه المرأة إلى سطح قصرها سقطت منه إلى الأرض وكان هناك كلابٌ ضارية فوثبت الكلاب عليها فأكلتها وهي تنظر إليهم وكان ءاخر ما أكل منها عيناها.
وكان نبي الله يحيى عليه السلام لما ذُبح في الصلاة وقطع رأسه قد تقطر دمه وسال على الأرض، ولم يزل دمه يغلي ويفور حتى سلط الله تعالى عليهم بختنصر أحد ملوك بابل من دمشق فجاءته امرأة فدلته على دم "يحيى بن زكريا" وهو يغلي فسأل عنه فأخبروه بقصته، فألقى الله تعالى في قلبه أن يقتل منهم عددًا على ذلك الدم حتى يسكن فقتل سبعين ألفًا حتى سكن دم يحيى عليه الصلاة والسلام، والله عزيز ذو انتقام.
يقول الله تعالى في ذم بني إسرائيل:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}سورة المائدة.
ويذكر أهل التواريخ أنه بعد مقتل يحيى عليه السلام جاء تلاميذه وأخذوه ودفنوه، ثم جاءوا إلى المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأخبروه بمقتل نبي الله يحيى عليه السلام، فحزن حزنًا شديدًا لقتله.
وفي مكان دفن يحيى اختلاف كثير، فيقال إن رأسه دفن في دمشق في المكان المعروف اليوم داخل المسجد الأموي، وقيل في حلب، وقيل يده دفنت في صيدا، ويقال إن قسمًا من جسده دفن في بيروت في المكان المعروف اليوم داخل المسجد العمري، والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:52

شجرة الانبياء Ay10

[rtl]الجزء الأول[/rtl]
[rtl]آل عمران أسرة كريمة مكونة من عمران والد مريم، وامرأة عمران أم مريم، ومريم، وعيسى عليه السلام؛ فعمران جد عيسى لأمه، وامرأة عمران جدته لأمه، وكان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمانه، وكانت زوجته امرأة عمران امرأة صالحة كذلك، وكانت لا تلد، فدعت الله تعالى أن يرزقها ولدا، ونذرت أن تجعله مفرغا للعبادة ولخدمة بيت المقدس، فاستجاب  الله دعاءها، ولكن شاء الله أن تلد أنثى هي مريم، وجعل الله تعالى كفالتها ورعايتها إلى زكريا عليه السلام، وهو زوج خالتها، وإنما قدر الله ذلك لتقتبس منه علما نافعا، وعملا صالحا.[/rtl]
[rtl]كانت مريم مثالا للعبادة والتقوى، وأسبغ الله تعالى عليها فضله ونعمه مما لفت أنظار الآخرين، فكان زكرياعليه السلام كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا، فيسألها من أين لك هذا، فتجيب: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِإنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[/rtl]
[rtl]كل ذلك إنما كان تمهيدا للمعجزة العظمى؛ حيث ولد عيسى عليه السلام من هذه المرأة الطاهرة النقية، دون أن يكون له أب كسائر الخلق، واستمع إلى بداية القصة كما أوردها القرآن الكريم، قال تعالى:[/rtl]
[rtl]وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ 42) آل عمران)[/rtl]
[rtl]بهذه الكلمات البسيطة فهمت مريم أن الله يختارها، ويطهرها ويختارها ويجعلها على رأس نساء الوجود.. هذا الوجود، والوجود الذي لم يخلق بعد.. هي أعظم فتاة في الدنيا وبعد قيامة الأموات وخلق الآخرة.. وعادت الملائكة تتحدث:[/rtl]
[rtl]يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 43) آل عمران)[/rtl]
[rtl]ولادة عيسى عليه السلام:[/rtl]
[rtl]كان الأمر الصادر بعد البشارة أن تزيد من خشوعها، وسجودها وركوعها لله.. وملأ قلب مريم إحساس مفاجئ بأن شيئا عظيما يوشك أن يقع.. ويروي الله تعالى في القرآن الكريم قصة ولادة عيسى عليه السلام فيقول:[/rtl]
[rtl]وَاذكُر فِى الكِتَابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِهَا مَكَاناً شَرقِياً (16) فَاتخَذَت مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثلَ لَهَا بَشَراً سَوِياً (17) قَالَت إِني أَعُوذُ بِالرحمَـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياً (18) قَالَ إِنمَا أَنَا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياً (19) قَالَت أنى يَكُونُ لِى غُلامٌ وَلَم يَمسَسنِى بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِياً (20) قَالَ كَذلِكَ قَالَ رَبكَ هُوَ عَلَى هَينٌ وَلِنَجعَلَهُ ءايَةً للناسِ وَرَحمَةً منا وَكَانَ أَمراً مقضِياً 21) مريم)[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 9:56

[rtl]الجزء الثاني[/rtl]
[rtl]جاء جبريل (عليه السلام) لمريم وهي في المحراب على صورة بشر في غاية الجمال. فخافت مريم وقالت: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) أرادت أن تحتمي في الله.. وسألته هل هو إنسان طيب يعرف الله ويتقيه.[/rtl]
[rtl]فجاء جوابه ليطمئنها بأنه يخاف الله ويتقيه: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا)[/rtl]
[rtl]شجرة الانبياء Ay11[/rtl]
[rtl][size=20]خرجت مريم ذات يوم إلى مكان بعيد.. إنها تحس أن شيئا سيقع اليوم.. لكنها لا تعرف حقيقة هذا الشيء.. قادتها قدماها إلى مكان يمتلئ بالشجر.. والنخل، مكان لا يقصده أحد لبعده.. مكان لا يعرفه غيرها.. لم يكن الناس يعرفون أن مريم حامل.. وإنها ستلد.. كان المحراب مغلقا عليها، والناس يعرفون أنها تتعبد فلا يقترب منها أحد..[/rtl][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 10:04

[rtl]الجزء الثالث[/rtl]
[rtl]جلست مريم تستريح تحت جذع نخلة؛ لم تكن نخلة كاملة   [size=20]إنما جذع فقط، لتظهر معجزات الله سبحانه وتعالى لمريم عند ولادة عيسى فيطمئن قلبها.. وراحت تفكر في نفسها.. كانت تشعر بألم.. وراح الألم يتزايد ويجيء في مراحل متقاربة.. وبدأت مريم تلد..[/rtl][/size]
[rtl]فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا   23) مريم)[/rtl]
[rtl]إن ألم الميلاد يحمل لنفس العذراء الطاهرة آلاما أخرى تتوقعها ولم تقع بعد.. كيف يستقبل الناس طفلها هذا..؟ وماذا يقولون عنها..؟ إنهم يعرفون أنها عذراء.. فكيف تلد العذراء..؟ هل يصدق الناس أنها ولدته بغير أن يمسسها بشر..؟ وتصورت نظرات الشك.. وكلمات الفضول.. وتعليقات الناس.. وامتلأ قلبهابالحزن..[/rtl]
[rtl]وولدت في نفس اللحظة من قدر عليه أن يحمل في قلبه أحزان البشرية.. لم تكد مريم تنتهي من تمنيها الموت والنسيان، حتى نادها الطفل الذي ولد:[/rtl]
[rtl]فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًاجَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا 26) مريم)[/rtl]
[rtl]نظرت مريم إلى المسيح.. سمعته يطلب منها أن تكف عن حزنها.. ويطلب منها أن تهز جذع النخلة لتسقط عليها بعض ثمارها الشهية.. فلتأكل، ولتشرب، ولتمتلئ بالسلام والفرح ولا تفكر في شيء.. فإذا رأت من البشر أحدا فلتقل لهم أنها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسانا.. ولتدع له الباقي..[/rtl]
[rtl]لم تكد تلمس جذعها حتى تساقط عليها رطب شهي.. فأكلت وشربت ولفت الطفل في ملابسها.. كان تفكير مريم العذراء كله يدور حول مركز واحد.. هو عيسى، وهي تتساءل بينها وبين نفسها: كيف يستقبله اليهود..؟ ماذا يقولون فيه..؟ هل يصدق أحد من كهنة اليهود الذين يعيشون على الغش والخديعة والسرقة..؟ هل يصدق أحدهم وهو بعيد عن الله أن الله هو الذي رزقها هذا الطفل؟ إن موعد خلوتها ينتهي، ولا بد أن تعود إلى قومها.. فماذا يقولون الناس؟[/rtl]

[rtl]الجزء الرابع[/rtl]
[rtl]مواجهة القوم:[/rtl]
[rtl]كان الوقت عصرا حين عادت مريم.. وكان السوق الكبير الذي يقع في طريقها إلى المسجد يمتلئ بالناس الذي فرغوا من البيع والشراء وجلسوا يثرثرون. لم تكد مريم تتوسط السوق حتى لاحظ الناس أنها تحمل طفلا، وتضمه لصدرها وتمشي به في جلال وبطئ..[/rtl]
[rtl]تسائل أحد الفضوليين: أليست هذه مريم العذراء..؟ طفل من هذا الذي تحمله على صدرها..؟[/rtl]
[rtl]قال أحدهم: هو طفلها.. ترى أي قصة ستخرج بها علينا..؟[/rtl]
[rtl]شجرة الانبياء Ay110[/rtl]

[rtl]لم يكد عيسى ينتهي من كلامه حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة.. كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم مباشرة.. هذا طفل يتكلم في مهده.. طفل جاء بغير أب.. طفل يقول أن الله قد آتاه الكتاب وجعله نبيا.. هذا يعني إن سلطتهم في طريقها إلى الانهيار.. سيصبح كل واحد فيهم بلا قيمة عندما يكبر هذا الطفل.. لن يستطيع أن يبيع الغفران للناس، أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض، أو باعتباره الوحيد العارف في الشريعة.. شعر كهنة اليهود بالمأساة الشخصية التي جاءتهم بميلاد هذا الطفل.. إن مجرد مجيء المسيح يعني إعادة الناس إلى عبادة الله وحده.. وهذا معناه إعدام الديانة اليهودية الحالية.. فالفرق بين تعاليمموسى وتصرفات اليهود كان يشبه الفرق بين نجوم السماء ووحل الطرقات.. وتكتم رهبان اليهود قصة ميلاد عيسى وكلامه في المهد.. واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم.. اتهموها بالبغاء.. رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في المهد.[/rtl]
[rtl]وتخبرنا بعض الروايات أن مريم هاجرت بعيسى إلى مصر، بينما تخبرنا روايات أخرى بأن هجرتها كانت من بيت لحم لبيت المقدس. إلا أن المعروف لدينا هو أن هذه الهجرة كانت قبل بعثته.[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 10:08


[rtl]الجزء الخامس[/rtl]


[rtl]معجزاته:[/rtl]


[rtl]كبر عيسى.. ونزل عليه الوحي، وأعطاه الله الإنجيل. وكان عمره آنذاك -كما يرى الكثير من العلماء- ثلاثونسنة. وأظهر الله على يديه المعجزات. يقول المولى عزّ وجل في كتابه عن معجزات عيسى عليه السلام:[/rtl]


[rtl]وَيُعَلمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتورَاةَ وَالإِنجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسرائيلَ أني قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم أَنِي أَخلُقُ لَكُم منَ الطينِ كَهَيئَةِ الطيرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيرًا بِإِذنِ اللهِ وَأُبرِىْ الأكمَهَ والأبرَصَ وَأُحي المَوتَى بِإِذنِ اللهِ وَأُنَبئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدخِرُونَ فِى بُيُوتِكُم إِن فِي ذلِكَ لآيَةً لكُم إِن كُنتُم مؤمِنِينَ (49) وَمُصَدقًا لمَا بَينَ يَدَي مِنَ التورَاةِ وَلأحِل لَكُم بَعضَ الذِي حُرمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بِآيَةٍ من ربكُم فَاتقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِن اللهَ رَبي وَرَبكُم فَاعبُدُوهُ هَـذَا صِراطٌ مستَقِيم  51)آل عمران)ٌ[/rtl]


[rtl]v  فكان عيسى (عيه السلام- رسولا لبني إسرائيل فقط. ومعجزاته هي:[/rtl]


[rtl]v  علّمه الله التوراة.[/rtl]


[rtl]v  يصنع من الطين شكل الطير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرا حيّا يطير أمام أعينهم.[/rtl]


[rtl]v  يعالج الأكمه (وهو من ولد أعمى)، فيمسح على عينيه أمامهم فيبصر.[/rtl]


[rtl]v  يعالج الأبرص (وهو المرض الذي يصيب الجلد فيجعل لونه أبيضا)، فيسمح على جسمه فيعود سليما.[/rtl]


[rtl]v  يخبرهم بما يخبئون في بيوتهم، وما أعدّت لهم زوجاتهم من طعام.[/rtl]


[rtl]v  وكان (عليه السلام) يحيي الموتى[/rtl]

[rtl]شجرة الانبياء 1ay110
[/rtl]


[rtl]فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 53) آل عمران)[/rtl]


[rtl]وقال تعالى:[/rtl]


[rtl]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ14) الصف)[/rtl]


[rtl]قيل أن عدد الحواريين كان سبعة عشر رجلا، لكن الروايات الأرجح أنهم كانوا اثني عشر رجلا. آمن الحواريون، لكن التردد لا يزال موجودا في نفوسهم. قال الله تعالى قصة هذا التردد:[/rtl]


[rtl]إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ 115) المائدة)[/rtl]


[rtl]استجاب الله عز وجل، لكنه حذّرهم من الكفر بعد هذه الآية التي جاءت تلبية لطلبهم. نزلت المائدة، وأكل الحواريون منها، وظلوا على إيمانهم وتصديقهم لعيسى (عليه السلام) إلا رجل واحد كفر بعد رفع عيسى عليه السلام.[/rtl]


[rtl]الجزء السادس والأخير[/rtl]
[rtl]رفع عيسى عليه السلام:[/rtl]
[rtl]لما بدأ الناس يتحدثون عن معجزات عيسى عليه السلام، خاف رهبان اليهود أن يتبع الناس الدين الجديد فيضيع سلطانهم. فذهبوا لمَلك تلك المناطق وكان تابعا للروم. وقالوا له أن عيسى يزعم أنه مَلك اليهود، وسيأخذ المُلك منك. فخاف المَلك وأمر بالبحث عن عيسى (عليه السلام) ليقتله.[/rtl]
[rtl]جاءت روايات كثيرة جدا عن رفع عيسى (عليه السلام) إلى السماء، معظمها من الإسرائيليات أو نقلا عن الإنجيل. وسنشير إلى أرجح رواية هنا.[/rtl]
[rtl]عندما بلغ عيسى عليه السلام أنهم يريدون قتله، خرج على أصحابه وسألهم من منهم مستعد أن يلقي الله عليه شبهه فيصلب بدلا منه ويكون معه في الجنة. فقام شاب، فحنّ عليه عيسى عليه السلام لأنه لا يزال شابا. فسألهم مرة ثانية، فقام نفس الشاب. فنزل عليه شبه عيسى عليه السلام، ورفع الله عيسى أمام أعين الحواريين إلى السماء. وجاء اليهود وأخذوا الشبه وقتلوه ثم صلبوه. ثم أمسك اليهود الحواريين فكفر واحد منهم. ثم أطلقوهم خشية أن يغضب الناس. فظل الحواريون يدعون بالسر. وظل النصارى على التوحيد أكثر من مئتين سنة. ثم آمن أحد ملوك الروم واسمه قسطنطين، وأدخل الشركيات في دين النصارى.[/rtl]
[rtl]يقول ابن عباس: افترق النصارى ثلاث فرق. فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء. وقالت طائفة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه. وقلت طائفة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمداُ (عليه أفضل الصلاة والسلام) فذلك قول الله تعالى: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)[/rtl]
[rtl]وقال تعالى عن رفعه:[/rtl]
[rtl](وَقَولِهِم إِنا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبهَ لَهُم وَإِن الذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَك منهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ إِلا اتبَاعَ الظن وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَل رفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَإِن من أَهلِ الكِتَابِ إِلا لَيُؤمِنَن بِهِ قَبلَ مَوتِهِ وَيَومَ القِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِم شَهِيداً 159) (النساء)[/rtl]
[rtl]لا يزال عيسى (عليه السلام) حيًا. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة كثيرة.[/rtl]

[rtl] والحديث الجامع لها في مسند الإمام أحمد:[/rtl]
[rtl]حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة قال: ثنا قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة،: (عن النبي صل الله عليه وسلم قال: الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، و يعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون و يدفنونه.)[/rtl]
[rtl](مربوع) ليس بالطويل وليس بالقصير، (إلى الحمرة والبياض) وجهه أبيض فيه احمرار، (سبط) شعره ناعم، (ممصرتين) عصاتين أو منارتين وفي الحديث الآخر ينزل عند المنارة البيضاء من مسجد دمشق.[/rtl]
[rtl]وفي الحديث الصحيح الآخر يحدد لنا رسولنا الكريم مدة مكوثه في الأرض فيقول: (فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى، و يصلي عليه المسلمون).[/rtl]
[rtl]لا بد أن يذوق الإنسان الموت. عيسى لم يمت وإنما رفع إلى السماء، لذلك سيذوق الموت في نهاية الزمان.[/rtl]
[rtl]ويخبرنا المولى عز وجل بحوار لم يقع بعد، هو حواره مع عيسى عليه السلام يوم القيامة فيقول:[/rtl]
[rtl](وَإِذ قَالَ اللهُ يا عِيسَى ابنَ مَريَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُميَ إِلَـهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَن أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَق إِن كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَا فِى نَفسِي وَلاَ أَعلَمُ مَا فِى نَفسِكَ إِنكَ أَنتَ عَلامُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلتُ لَهُم إِلا مَا أَمَرتَنِي بِهِ أَنِ اعبُدُوا اللهَ رَبي وَرَبكُم وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيداً ما دُمتُ فِيهِم فَلَما تَوَفيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُل شَىء شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذبهُم فَإِنهُم عِبَادُكَ وَإِن تَغفِر لَهُم فَإِنكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ 118) (المائدة)[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالجمعة 9 أكتوبر 2015 - 10:14


مُحَمّد {عليه الصلاة والسلام}
 
النبي الأمي العربي، من بني هاشم، ولد في مكة بعد وفاة أبيه عبد الله بأشهر قليلة، توفيت أمه آمنة وهو لا يزال طفلا، كفله جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب،  ورعى الغنم لزمن، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره، دعا الناس إلى الإسلام أي إلى الإيمان بالله الواحد ورسوله، بدأ دعوته في مكة فاضطهده أهلها فهاجر إلى المدينة حيث اجتمع حوله عدد من الأنصار عام 622 م فأصبحت هذه السنة بدء التاريخ الهجري، توفي بعد أن حج حجة الوداع.

محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) سيد الخلق وإمام الأنبياء، وحامل خاتم رسالات رب العالمين إلى الناس، النبي الأمي الذي سنتجول في دروب حياته، نتنسم سيرته، ونتعقب خطواته، ونتسمع أخباره، ونسعى في صحراء الجزيرة العربية نبحث، ونفتش ونقلب كتب التاريخ كي نتلمس آثاره، وفى رحلتنا تلك سنشاهد أحوال العالم قبل البعثة، ونطالع فصوب حياته قبل نزول الوحي، ونتفهم كيف بدأالدعوة سرًا؟، وكيف جهر بها؟، وكيف خرج بها من مكة؟، بل كيف خرج هو -صل الله عليه وسلم- من مكة مهاجرًا إلى مدينته المنورة، حيث أسس لدعوته الدولة التي تحملها للناس، وسنرى كيف جاهد ببسالة كفار قريش؟ دفاعًا عن مدينته، حتى وقعت بينهما الهدنة. وما كسل رسول الله -صل الله عليه وسلم- بعدها قط، وما خلد إلى الراحة في دولته، بل جعل الهدنة فرصة ليثبت أمر الدين، وينشر نور الحق، إلى أن كان الفتح، وكان دخول الناس في دين الله أفواجًا. وفى رحلتنا تلك لن ننسى أن نلمح بيتهونعرف صفته، وندرك ما جعل الله على يديه من معجزات براقة.

نستعرض هنا سيرة المُصطفى (عليه أفضل الصلاة والسلام) في هذه الفصول التالية :

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 7:47

الفصل الأول
 
عام الفيل
إن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار}(القصص:68) خلق الإنسان وفضل بعضه على بعض، وخلق الزمان وفضل بعضه على بعض، وخلق المكان وفضل بعضه على بعض، ومن الأماكن التي اختارها سبحانه وفضلها على سائر بقاع الأرض، مكة المكرمة، التي فيها البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس، وقد حرسه الله وحماه وأحاطه برعايته ورد عنه كيد المجرمين، ومن ذلك حادثة الفيل المشهورة التي سجل الله وقائعها في القرآن الكريم فما خبر هذه الواقعة ؟ هذا ما سنقف عليه في هذه الأسطر :

ذكرت كُتب السيرة أن أبرهة الحبشي كان نائباً للنجاشي على اليمن، فرأى العرب يحجون إلى الكعبة، ويعظمونها، فلم يرق له ذلك، وأراد أن يصرف الناس عنها، فبني كنيسة كبيرة بصنعاء ، ليحج الناس إليها بدلاً من الكعبة، فلما سمع بذلك رجل من بني كنانة دخل الكنيسة ليلاً، فبال وتغوط فيها ، فلما علم أبرهة بذلك سأل عن الفاعل فقيل له، صنع هذا رجل من العرب من أهل البيت الذي تحج العرب إليه بمكة ، فغضب أبرهة وحلف أن يذهب إلى مكة ليهدمها، فجهَّز جيشاً كبيرا، وأنطلق قاصداً البيت العتيق يريد هدمه، وكان من جملة دوابهم التي يركبون عليها الفيل-الذي لا تعرفه العرب بأرضها- فأصاب العرب خوفٌ شديد،ٌولم يجد أبرهة في طريقه إلا مقاومة يسيرة من بعض القبائل العربية التي تعظم البيت، أما أهل مكة فقد تحصنوا في الجبال ولم يقاوموه.

وجاء عبد المطلب يطلب إبلاً له أخذها جيش أبرهة، فقال له أبرهة: كنتَ قد أعجبتني حين رأيتُك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أخذتها منك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت رباً يحميه،
فقال أبرهة: ما كان ليمتنع مني 
قال عبد المطلب :أنت وذاك.وأنشد يقول: لاهُمَّ إن العبد يمنع  رحله فامنع رحالك لايغلبنَّ  صليبهم  ومحالهم غدواً محالك إن كنتَ تاركهم  وقبلتنا فأمر ما بدا لك

فلما أصبح أبرهة عبأ جيشه، وهيأَ فيله لدخول مكة ، فلما كان في وادي محسر-بين مزدلفة ومنى- برك الفيل، وامتنع عن التقدم نحو مكة ، وكانوا إذا وجهوه إلى الجنوب، أو الشمال ، أو الشرق، انقاد لذلك، وإذا وجهوه للكعبة برك وامتنع، وبينما هم على هذه الحالة ، إذ أرسل الله عليهم طيراً أبابيل (ومعنى أبابيل يتبع بعضها بعضاً) مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا تقطعت أعضاؤه ، وهلك.
أما أبرهة فقد أصابه الله بداء، تساقطت بسببه أنامله، فلم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل فرخ الحمام، وانصدع صدره عن قلبه فهلك شر هلكة. وقد أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُول.} (سورة الفيل)

وقد حدثت هذه الواقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صل الله عليه وسلم بخمسين يوما تقريبا .وهو يوافق فبراير سنة 571م.
 
ووقعت في ظروف ساعدت على وصول خبرها إلى معظم أرجاء المعمورة المتحضرة في ذلك الزمن ، فالحبشة كانت ذات صلة قوية بالرومان ، والفرس لهم بالمرصاد يترقبون ما ينزل بهم وبحلفائهم، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الزمان. فلفتت هذه الواقعة أنظار العالم إلى شرف هذا البيت ومكانته، وأنه هو البيت الذي اصطفاه الله تعالى للتقديس.
 
سيرة الرسول صل الله عليه وسلم
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَالَ أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُ وَأَبُو بَكْرٍ رَدِيفُهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعْرَفُ فِي الطَّرِيقِ لِاخْتِلافِهِ إِلَى الشَّامِ وَكَانَ يَمُرُّ بِالْقَوْمِ فَيَقُولُونَ مَنْ هَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ هَادٍ يَهْدِينِي فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ بَعَثَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَ الانْصَارِ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ وَأَصْحَابِهِ فَخَرَجُوا إِلَيْهِمَا فَقَالُوا ادْخُلا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ فَدَخَلا قَالَ أَنَسٌ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَنْوَرَ وَلا أَحْسَنَ مِنْ يَوْمِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَدِينَةَ وَشَهِدْتُ وَفَاتَهُ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَظْلَمَ وَلا أَقْبَحَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ. رواه أحمد

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلا بِالْقَصِيرِ وَلَيْسَ بِالابْيَضِ الامْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلا بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. رواه البخاري

حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ وَاللَّفْظُ لأبِي غَسَّانَ وَابْنِ الْمُثَنَّى قَالا حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلالٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الارْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً قَالَ اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ قَالَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ قَالَ وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لا زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلا مَالًا وَالْخَائِنُ الَّذِي لا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلا خَانَهُ وَرَجُلٌ لا يُصْبِحُ وَلا يُمْسِي إِلا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسَّانَ فِي حَدِيثِهِ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ و حَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلالٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ .

وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ يَحْيَى قَالَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُطَرِّفًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ و حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مَطَرٍ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزَادَ فِيهِ وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْغُونَ أَهْلًا وَلا مَالًا فَقُلْتُ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الْحَيِّ مَا بِهِ إِلا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا. رواه مسلم

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ وَلا أَعْلَمُهُ إِلا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْدًا رَسُولا قَالَ جِبْرِيلُ تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ بَلْ عَبْدًا رَسُولا. رواه أحمد

حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَثَلِي وَمَثَلُ الانْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَالْجَنَادِبُ يَقَعْنَ فِيهَا قَالَ وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا قَالَ وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي. رواه أحمد

أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا فَقُلْتُ يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَهُوَ هُوَ قَالَ الْآخَرُ نَعَمْ فَأَقْبَلا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا فَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ فَغَسَلَ بِهِ جَوْفِي ثُمَّ قَالَ ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلَ بِهِ قَلْبِي ثُمَّ قَالَ ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّهُ فِي قَلْبِي ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حُصْهُ فَحَاصَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الالْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتَبَسَ بِي فَقَالَتْ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بُلْغَتِنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ وَقَالَتْ إِنِّي رَأَيْتُ حِينَ خَرَجَ مِنِّي يَعْنِي نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ. رواه الدارمى

حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ فَمَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَقُبِضَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ. رواه أحمد

وحَدَّثَنِي ابْنُ مِنْهَالٍ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ فَقَالَ مَا كُنْتُ أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَاكَ قَالَ قُلْتُ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ قَالَ أَتَحْسُبُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمْسِكْ أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ يَأْمَنُ وَيَخَافُ وَعَشْرَ مِنْ مُهَاجَرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ. رواه مسلم

حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ شَهِدَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ فَقَالَ الْعَلاءُ بْنُ زِيَادٍ الْعَدَوِيُّ يَا أَبَا حَمْزَةَ سِنُّ أَيِّ الرِّجَالِ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ بُعِثَ قَالَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ ثُمَّ كَانَ مَاذَا قَالَ كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ قَالَ سِنُّ أَيِّ الرِّجَالِ هُوَ يَوْمَئِذٍ قَالَ كَأَشَبِّ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِ وَأَجْمَلِهِ وَأَلْحَمِهِ قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَلْ غَزَوْتَ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ بِكَثْرَةٍ فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَفِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيُحَطِّمُنَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوَلَّوْا. فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى الْفَتْحَ فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَاءُ بِهِمْ أُسَارَى رَجُلًا رَجُلًا فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الْإِسْلامِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا لَئِنْ جِيءَ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمِ يُحَطِّمُنَا لاضْرِبَنَّ عُنُقَهُ قَالَ فَسَكَتَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمَّا رَأَى نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ فَأَمْسَكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُبَايِعْهُ لِيُوفِيَ الْآخَرُ نَذْرَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَنْظُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهَابُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمَّا رَأَى نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَصْنَعُ شَيْئًا يَأْتِيهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ نَذْرِي قَالَ لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلا لِتُوفِيَ نَذْرَكَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ. رواه أحمد


حياته قبل البعثة

الثمرة الطيبة لا تخرج من شجرة خبيثة الأصل، والبناء الشامخ لا بد له من أساس متين، ونبيٍّ يراد له أن يحمل هداية الله إلى العالمين حتى قيام الساعة، لا بد أن تتعهده رعاية الله وتوجيهه حتى يؤهل للقيام بهذه المهمة الجليلة. ولا شك أن شرف نسبه وأسرته (صلى الله عليه وسلم) ورعاية الله له في مولده ورضاعته، وتعهده به صل الله عليه وسلم، في طفولته وصباه، ثم الكيفية التي قضى بها النبي الكريم حياته من الشباب إلى البعثة، لا شك أن ذلك كله كان تقديمًا رائعًا لبعثة نبيٍّ عظيم.

نسبه وأسرته (صل الله عليه وسلم)

اصطفى الله سبحانه وتعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) من أزكى ولد إسماعيل نسبًا، وشرف النسب لا يمنح الرجل الخامل ذكرًا أو شرفًا، لكن اجتماعه لمن اتصف بحميد الخلق، واكتسى بالهيبة، وتزين بالعقل والحلم، يزيده قدرًا وشرفًا ورفعة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو: مُحَمّد بن عبد الله  بن عبد المطلب بن هاشم، وينقسم نسبه -صل الله عليه وسلم- إلى ثلاثة أجزاء:

الجزء الأول إلى عدنان

الجزء الثانى إلى إبراهيم (عليه السلام)

الجزء الثالث إلى آدم (عليه السلام)

وقد اتفق على صحة الجزء الأول لكن اختلف في الجزئين التاليين، أما أمه (صل الله عليه وسلم)  فهي: السيدة آمنة بنت وهب.

الجزء الأول

مُحَمّد بن عبد الله بن عبد المطلب وأسمه شيبة بن هاشم وأسمه عمرو بن عبد مناة وأسمه المغيرة (بن قصي وأسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة بن مالك بن النضر وأسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة وأسمه عامر بن إلياس بن مضر بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهذا الجزء هو الذي اتفق على صحته أهل السير والأنساب).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 7:49

الفصل الثاني
مولده ورضاعته (صل الله عليه وسلم)

آمنة 
هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب -أم رسول الله-، وأفضل امرأة في قريش يومئذ نسبًا وموضعًا، أما أبوها فسيد بنى زهرة نسبًا وشرفًا. تزوجت آمنة من عبد الله بن عبد المطلب، فلما حملت به رأت أنه خرج منها نور أضاءت به قصور الشام، ثم تأيمت وجنينها بعد لم ير النور، ووضعته فكان خير من وضعت امرأة إلى قيام الساعة، وقد توفيت بالأبواء بين مكة والمدينة وهى في طريق عودتها إلى مكة بعد أن زارت بمُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) وهو ابن ست سنين أخواله من بنى عدى بن النجار. وبنو عدى بن النجار أخوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأن منهم سلمى بنت عمرو النجارية زوجة هاشم وأم عبد المطلب جد رسول الله (صل الله عليه وسلم).

حملت صبيحة الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول لأول عام من حادثة الفيل، والموافق للعشرين أو الثاني والعشرين من إبريل عام (571م) حملت صبيحة ذلك اليوم للدنيا أجمل وأجل هدية: ميلاد مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) ولم تجد آمنة أمُّ خاتم النبيين يد عبد الله زوجها؛ لتربت عليها، وتشاركها فرحتها بوليدها الصغير، ولكنها أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بالغلام النجيب، وامتلأ قلب الشيخ الذى كساه الحزن؛ لفقد ولده الشاب الأثير- امتلأ بالبهجة والبشر، وأسرع فأخذه، وسار به حتى دخل الكعبة، ثم دعا الله وشكر له، واختار له اسم مُحَمّد، ولما كان اليوم السابع لمولده ختنه على عادة العرب، وأمر بناقة فنحرت، ثم دعا رجالاً من قريش فحضروا وطعموا. وكانت عادة ساكني الحضر من العرب يومئذ أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، لتقوى أجسامهم، ويتقنوا اللسان العربي فى مهدهم، فالتمس عبد المطلب من ترضع حفيده المحبوب، حتى صار الأمر لامرأة من بنى سعد بن بكر هي: حليمة بنت أبى ذؤيب، وفى ديار حليمة نشأ مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) وتحرك لسانه بما تعلم، ودبت قدماه تسعى في ديار بنى سعد وباديتهم، وبهذه البادية حدثت له (صلى الله عليه وسلم) حادثة شق الصدر الشهيرة، والتي كانت إرهاصًا بعظم شأنه (صل الله عليه وسلم).

 
في ديار حليمة
 
خرجت حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية مع نسوة من بنى سعد بن بكر يلتمسن الرضعاء، وما إن وصلت مكة حتى التقطت كل واحدة منهن رضيعًا ألقمته ثديها، ولم يبق بمكة إلا رضيع واحد ومرضعة واحدة، أما الرضيع فكان مُحَمّدا (صلى الله عليه وسلم)، ترك ليتمه، فكانت كل واحدة منهن تقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده؟!، وأما المرضعة فكانت حليمة السعدية، ويبدو مما نقل إلينا من الروايات أنها كانت على حال بالغة من الضعف والوهن، فأبت أمهات قريش أن يدعن لها بنيهن، ولم ترض حليمة أن تعود لديارها خالية الوفاض، فعادت ليتيم مكة، بعد أن زهدته، وشجعها على ذلك زوجها أبو كبشة الحارث بن عبد العزي قائلاً: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. وما إن التقم فم مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) ثديها حتى امتلأ من بعد جفاف باللبن، فشرب، وشرب أخوه ونام، وما كان قبلها يصنع ذلك، وإذا دابتها العجفاء تسبق دواب صويحباتها، وإذا ضرع غنمها حافل باللبن، فباتت حليمة وزوجها وابنها فى خير ليلة، وأصبح زوجها يقول لها: تعلمي والله يا حليمة؟! لقد أخذت نسمة مباركة. وترددت أنفاس مُحَمّد (صلى الله عليه وسلم) الزكية في دار حليمة، فامتدت إليها البركة، فسمنت غنمها، وزاد لبنها وبارك الله لها في كل ما عندها، حتى كان بنو سعد يقولون لرعيانهم: ويلكم! اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب. وأتم مُحَمّد (صل الله عليه وسلم) سنتين، ففطمته حليمة، وذهبت به إلى آمنة تلح عليها -لما رأت معه من الخير- أن تتركه لها مزيدًا من الوقت، ولم تزل بها حتى ردته إليها، فمكث فى بنى سعد، حتى سن الرابعة أو الخامسة. وفى هذه السن وقعت له حادثة شق الصدر، فخشيت عليه حليمة أن يكون أصابه سوء، فردته إلى أمه بمكة.
حادثة شق الصدر

بينا مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) يلعب مع الغلمان، في ديار حليمة السعدية، وقد ناهز سنه يومئذ الرابعة أو الخامسة، حدثت له حادثة عجيبة، إذ أتاه الملك، فأخذه فصرعه، ثم شق صدره، واستخرج قلبه، وأخرج منه علقة، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلي مكانه، وغدا الغلمان إلي أمه حليمة ينبهونها قائلين إن مُحَمّدا قد قتل، فأسرعت إليه حليمة، واستقبلته وهو منتقع اللون، وخشيت حليمة وزوجها أن يكون أصابه سوء فبادرا برده إلي أمه آمنة بمكة.

طفولته وصباه (صلي الله عليه وسلم)

عاد مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) من ديار حليمة إلي أحضان أمه، التي طال اشتياقها إليه، وحنت عليه آمنة حتى بلغ عندها ست سنين، ثم إن الأرملة الوفية لذكري زوجها الشاب عبد الله، قد عزمت أن ترحل إليه بالمدينة، فتري قبره، وتُري مُحَمّدا أخواله من بني النجار، خرجت آمنة في رحلة تبلغ خمسمائة كيلو متر، تصحب ابنها وخادمتها أم أيمن، ويصحبها عبد المطلب، يحدوهم جميعًا حنينهم إلي قبر عبد الله، ومكثت آمنة بالمدينة شهرًا، ثم عُقِدَ العزم علي الرحيل، لكنْ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وقد طالعت عيناه قبر أبيه فتجسد لديه معني اليتم جليًا، كانت الأقدار تخبئ له مفاجأة أليمة أخري فقد ألح المرض علي أمه ولاحقها، حتى قضت نحبها بالأبواء بين مكة والمدينة، وعاد يتيم الأبوين حزينًا مع جده العطوف إلي مكة، فيكرمه جده، ويحبه، ويحنو عليه، بل ويقدمه علي أبنائه، ويروي أن فراشًا كان يبسط لعبد المطلب في ظل الكعبة لا يقربه أحد إجلالاً له حتى يخرج إليه، فكان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يأتي فيجلس عليه، فإن أراد أعمامه أن يؤخروه ولمحهم جده نهاهم عن ذلك، وأقره علي ما يصنع، لكن أين يجد شيخ الثمانين متسعًا من الوقت ينشئ فيه حفيده؟. عاجلت المنية عبد المطلب فمات، وقد أوصي ابنه أبا طالب برعاية الحفيد اليتيم، وقام أبو طالب بمهمته خير قيام، وظل يساند ظهر مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ويعضد جانبه ما يربو علي الأربعين عامًا، ورحل مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) معه إلي الشام مرة وهو في الثانية عشرة من عمره، فلقيا في الطريق بحيرا الراهب، فعلم أنه نبي هذه الأمة ورده إلي مكة مخافة عليه، وشارك قريشًا حربها ضد قيس عيلان، وهو بعد في الخامسة عشرة في حرب الفجار، ثم شهد علي أثره حلف الفضول بدار ابن جدعان إذ تحالفوا علي نصرة المظلوم والغريب. وهكذا قضي النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم)، طفولة امتزج فيها حنان الجد بألم اليتم والفراق، واللعب واللهو بالجد والحرب مع الكبار.

حين بلغ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) اثنتي عشرة سنة ارتحل مع عمه أبي طالب إلي الشام في تجارة له، ونزل الركب ببصري فالتقيهم راهب صالح يدعي بحيرا (واسمه جرجيس). وعلم الراهب من أمر مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ما جهله قومه وأهله، فسأل أبا طالب عنه فقال: ابني. فأجابه: ما ينبغي أن يكون أبوه حيًا!. وتعجب أبو طالب من علم بحيرا! فقال له: فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلي به. فأجابه بحيرا مقتضبـًا وناصحـًا: صدقت، ارجع به إلي بلدك، واحذر عليه يهود. فأسرع أبو طالب برده مع بعض غلمانه إلي مكة، ويبدو أن بحيرا قد عرفه من خاتم النبوة الذي بظهره (كما جاء في بعض الروايات)، ومما كان يقرؤه بكتبه من قرب بعثة نبي بعد عيسي (عليه السلام)، ومن إمارات ذلك النبي وعلاماته.
الدعوة سرًا

عن أدران الجاهلية، وحماقاتها المتعددة، ومساوئها المختلفة، نأي مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وابتعد، ليس بروحه الطاهرة فحسب، بل بجسده أيضًا. إذ كان يمكث الليالي ذوات العدد في غار حراء متعبدًا لربه ومتقربًا. ودون تأهب منه أو توقع؛ فوجئ (صلي الله عليه وسلم) بنزول الوحي إليه، وتبليغه برسالات ربه. وما كان علي النبي الأمين (صلي الله عليه وسلم)، إلا أن يبلغ النور الذي يحمله إلي الناس من حوله، فظل يبلغ الدعوة سرًا طوال ثلاثة أعوام، ينتقي من يلتمس فيه صلاحًا، فيسمعه القرآن المنزل عليه، ويجمعه مع إخوانه الذين سبقوه لدين الله، منتظرًا ومتهيئًا نزول أمر الله بالجهر بدعوته.

الدعوة جهرًا

ما إن نزل أمر الحق تبارك وتعالي لرسوله (صلي الله عليه وسلم) بالجهر بالدعوة، حتى قام النبي علي جبل الصفا؛ يعلن علي الملأ حقيقة رسالته. لكن الآذان التي لم تتعود سماع الحق، والعقول التي ألفت الدعة والنوم، والنفوس التي عشقت الضلال حتى أدمنته، لم ترض لنور الله أن يسطع بين حنايا مكة؛ حتى يكون لها في منعه دور ونصيب. وقد تحمل النبي (صلي الله عليه وسلم)، وعصبته المؤمنة مخاطر وألم المواجهة والإيذاء، وسطروا بدمائهم وأرواحهم أروع آيات الصبر والثبات. وهم إن عدموا ملجأ يحتمون به في دروب مكة ودورها علي تعددها واتساعها فقد وجدوا في دار أخيهم الأرقم النائية بعض الأمن وبعض الجزاء، فبين جدران هذه الدار المباركة كانوا يتعلمون أحكام دينهم، ويتربون علي قيمه السامية، ثم كان في الهجرة إلي الحبشة بعد اشتداد الإيذاء الحماية والمنعة، في بلد عُرِفَ ملكها بالعدل والإنصاف. أما مسلمو مكة ممن لم يهاجروا إلي الحبشة، فقد قويت شوكتهم بإسلام حمزة وعمر (رضي الله عنهما). ولما أيست قريش من أساليب المواجهة والإيذاء لجأت لأساليب المساومة والإغراء، لكن هيهات لمن رأي النور الحق أن يخدع ببريق الشهوات. وعلي حمية الجوار جمع أبو طالب بني هاشم وبني المطلب، لنصرة ابن أخيه، وهنا لم يبق لقريش إلا أن تعلن المقاطعة العامة للمسلمين وأنصارهم، وكما صبر المسلمون علي ألم الإيذاء، وفتنة الإغراء، مشوا بأقدامهم علي أشواك هذه المقاطعة ليصلوا إلي هدفهم النبيل. وكمحاولة يائسة حيري أخيرة أرسلت قريش وفدًا منها إلي أبي طالب، ليعاود المفاوضة، ولم يعد إلا بما استحقه: خفَّي حنين. وفي العام العاشر للنبوة ألمت برسول الله والمسلمين مصيبتان: وفاة أبي طالب، ووفاة خديجة (رضي الله عنها)، فسُمِّي هذا العام بعام الحزن.

الجهر بالدعوة

 أنزل الله سبحانه وتعالي علي نبيه العظيم (صلي الله عليه وسلم) سورة الشعراء، فقص عليه وعلي المؤمنين بها قصة موسي (عليه السلام)، بفصولها المتتالية: من نبوة، وهجرة، ومواجهة، ونجاة لهم، وهلاك لفرعون ومن معه؛ لتكون هذه السورة أنموذجًا للمسلمين، وأورد الله بها نهايات المكذبين من قوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم، ثم أنزل الله تعالي بها قوله الكريم: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، فكان ذلك تكليفًا لمُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ومن آمن معه بالجهر بدعوتهم، وبدأ النبي الكريم بدعوة الأقربين كما أمر، ثم كانت جولته الثانية علي جبل الصفا، منذرًا بطون قريش قاطبة، ومحذرًا إياهم نار الآخرة التي لا تفني، حتي أنزل الله تعالي أمره: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) فكان الصدع بالحق دأبه وديدنه، لا يترك نفسًا إلا ويسمعها من رسالة ربه ما شاء الله لها أن تسمع، آمنت بعد ذلك أم لم تؤمن.

دعوة الأقربين

بادر الرسول (صلي الله عليه وسلم) بتنفيذ ما كلف به بإنذار عشيرته الأقربين، فدعا بني هاشم فحضروا ومعهم نفر من بني المطلب بن عبد مناف، وما كاد النبي يهم بالحديث إليهم حتى عاجله أبو لهب (تبت يداه) بهجوم عاصف، توعده فيه بالهلاك علي أيدي قريش، ومن طاوعهم من العرب، ثم ختم حديثه المشئوم بقوله: فما رأيت أحدًا جاء علي بني أبيه بشرٍ مما جئت به. فسكت مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ولم يتكلم، وماذا يقول لمن يقف أمام نور الحق، فيعمي قلبه حتى لا يري شيئًا؟. وعاد النبي الكريم إلي المحاولة مرة أخري، فجمعهم ثم خاطبهم فحمد الله وأثني عليه، وأعلمهم أنه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) إليهم خاصة، وإلي الناس عامة، وأنذرهم البعث والحساب، والجنة والنار، فأما أبو طالب فقد آزره، وأعلن إحاطته له ونصرته، وأما أبو لهب فقد حفز الناس أن يأخذوا علي يديه قبل أن تأخذ العرب، فأجابه أبو طالب قائلاً: والله لنمنعنه ما بقينا.

على جبل الصفا

فوجئت قريش ذات نهار بمن يصعد جبل الصفا، ثم يلح صارخًا: يا صباحاه! واجتمعت بطون قريش إليه، فإذا الصارخ مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وإذا هو ينذرهم من بين يدي عذاب شديد، لكن قريشًا التي تعلم صدق مُحَمّد قد عقدت ألسنتها الدهشة، فما أجابه إلا عدو الله عمه أبو لهب قائلاً: تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا ؟، فنزلت سورة المسد. ويروي أنه تناول حجرًا ليرمي به النبي (صلي الله عليه وسلم).

الصدع بالحق

نزل التوجيه الإلهي إلي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حاسمًا قاطعًا: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فانطلق مُحَمّد يجوب مكة بأسرها، من أقطارها إلى أقطارها، ومن أسواقها إلي أنديتها، يوقظ النائمين في ليل الوثنية، ويصرخ بغريقي بحار الجاهلية، ويهز أفئدة المتجمدين علي دين آبائهم، ويعلن للجميع أنه لا إله إلا الله وأنه رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، فانفجرت براكين الغضب بمكة، ومادت الأرض تحت أقدام سادتها وسدنة أصنامها، أيكون الأمر لله؟! ولله وحده؟‍! فما يبقي لنا بعد ذاك؟! أيساوي رب مُحَمّد بيننا وبين العبيد والإماء؟! ويسمي كنز المال ظلمًا؟! ولا يصبح لقريش فضل علي من سواها؟! بل لا يصبح فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي؟! فما نعيم الدنيا بعد ذاك؟! بل وما البقاء فيها؟!!. أجمعت أفئدة الكفر بمكة علي حرب هذا النبي الجديد، وإفناء أتباعه، وإطفاء نار ثورته قبل أن تطول كل شيء، فكانت المواجهة وكان الإيذاء.

المواجهة والإيذاء
 
صارح مُحَمّد (صل الله عليه وسلم) قومه بضلالهم، وواجههم بالنور الذي يحمله، لكن الأعين التي أنست الظلمة إذا واجهتها الأضواء أبت وتألمت، أعلنت مكة الحرب علي نبيها وأتباعه من اليوم الأول، شنت عليه حربًا دعائية لتصرف الناس عنه، ثم استخدمت سلاحي السخرية، وإثارة الشبهات، لتفت في عضده، وأخذت في اختراع الحيل لإشغال الناس عنه، وبين الترغيب والترهيب كان استخدامها للمساومة مرة والاضطهاد مرات أخري، وصارت تضغط بثقلها علي حاميه بمكة: عمه أبي طالب، أما المسلمون الذين آمنوا به فقد توافر لهم من عوامل الصبر والثبات ما يسّر لهم اجتياز هذه المحنة، ومن وضوح الطريق ما أعانهم علي السير في هذه الظلمة
الحرب الدعائية

 لم تزل الدعاية منذ فجر التاريخ سلاح كل قوة في الأرض، خيرًا أرادت هذه القوة أم شرًا ابتغت، ومشركو مكة -علي سذاجتهم البدوية- لم يغب عنهم ذاك السلاح، خصوصًا وقد علموا أن مُحَمّدا -صلي الله عليه وسلم- سابقهم إليه، فأفواج الحجيج علي أبواب مكة، وإن سمعوا للمسلمين ونبيهم؛ انتشرت الدعوة الوليدة في أرجاء الجزيرة بأسرها. سارعت قريش للاجتماع بالوليد بن المغيرة، وعزموا أن يوحدوا كلمتهم أمام العرب، فلا يكون اختلاف قولهم سببًا لتكذيبهم، واقترحوا لذلك أمورًا عدة، فمرة يقولون كاهن، وأخري يقولون شاعر، ثم مجنون أو ساحر، كل ذلك وابن المغيرة لا يعجبه الرأي، فسمت مُحَمّد وصفاته سيكذبان افتراءاتهم الباهتة، وأخذ الوليد يقلب فكره ساعة، لكن يبدو أن حيرته تلك لم توصله إلي شيء فقد وافقهم أخيًرا علي هذا الوصف حين قال لهم: لقد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم. إلا أن شيطانه قد هداه إلي تشبيه ما جاء به -صلي الله عليه وسلم- بالسحر لأنه يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته. وما كادت قريش تصل إلي هذه التسوية المقيتة حتي تفرقت علي ذلك، ثم سارت في كل طريق بمكة تدعو بدعوتها الباطلة، يتزعمهم أبو لهب -الذي كان يقتفي أثر الرسول -صلي الله عليه وسلم- قائلاً: لا تطيعوه فإنه صابئ كاذب. لكن كما تقول العرب: فعلي نفسها جنت براقش؛ لأن الحجيج قد تركوا مكة لا يتحدثون إلا عن هذا النبي الذي يكذبه قومه، فانتشر ذكره -صلي الله عليه وسلم- في بلاد العرب كلها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 7:52

الفصل الثالث
إشغال الناس

علمت قريش أن اتهام مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بالكذب أو الجنون، ورميه بالكهانة أو السحر لا طائل خلفه، وظنوا بسقيم عقولهم أن الناس إنما يجتمعون حوله لعذوبة حديثه، وجمال منطقه، وتناسوا الحقيقة الناصعة، أنهم يجتمعون حوله لصدق حديثه، وقوة منطقه، إذ حديثه هو قرآن رب العالمين، وتمادي القوم في غيهم فرأوا أن يصنعوا حديثًا جذابًا كحديث مُحَمّد!! وبادر النضر بن الحارث لتنفيذ هذه الخطة العليلة فذهب إلي الحيرة، وتعلم بها حكايات ملوك فارس وأحاديث رستم وإسفنديار، ثم عاد يزاحم النبي *صلي الله عليه وسلم* مجلسه ويقول: والله ما مُحَمّد بأحسن حديثًا مني! ثم يتساءل دهشًا: بماذا مُحَمّد أحسن حديثًا مني؟ ولأن حديث النضر لا يجذب إلا البلهاء مثله ممن يهوون الأساطير والترهات غناءً عن الحقيقة الناصعة فقد اشتري بعض المغنيات، حتى إذا سمع أن رجلاً قد مال إلي النبي *صلي الله عليه وسلم* سلطها عليه، تطعمه وتسقيه وتغني له، حتى لا يبقي له ميل إلي الإسلام!!.

المساومة والإضطهاد

لأن عبادة قريش للأصنام تدر عليهم ربحًا وفيرًا، وتنشط تجارتهم، فقد ساوم المشركون مُحَمّدا*صلي الله عليه وسلم*علي العقيدة كما يفعلون في البيع والشراء، محاولين الوصول إلي تسوية ملائمة!! فذهبوا إلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يعرضون عليه أمرًا عجيبًا: أن يعبدوا إلهه عامًا ويعبد آلهتهم عامًا بعده؛ حتى تتراضي جميع الأطراف. وإن قبل المشركون ترك آلهتهم عامًا فإن مُحَمّدا صلي الله عليه وسلم* لم يقبل أن يترك عبادة ربه لحظة واحدة أو ما دون ذلك.

فاقد المنطق، عديم الرأي، ماذا يملك حين يعاند الحق سوي أن يمد يده ببطش وتنكيل؟ هذا ما صنعه مشركو مكة بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* وصحبه الأبرار، يحاولون مرة بعد مرة أن يقتلوا النبي الكريم، إما بتسليم أبي طالب مُحَمّدا لهم ليقتلوه، وإما بإلقاء صخرة علي رأسه الشريف أثناء سجوده كمحاولة أبي جهل الفاشلة، وإما بخنقه بثوب من عنقه كصنيع عدو الله عقبة بن أبي معيط، وإما بمحاولة عمر بن الخطاب التي انتهت بإسلامه، ولئن فشل المشركون في إزهاق روحه*صلي الله عليه وسلم* فلقد وصل إليه من شرهم الكثير والكثير، بداية من رميه بالحجر كما فعل أبو لهب عند جبل الصفا، ومرورًا بوضع الشوك علي بابه وفي طريقه، وبسط اللسان بالإساءة إليه، والافتراء عليه، كما كانت تصنع زوجه أم جميل، ثم ما كان يصنعه جيرانه من إلقاء القاذورات عليه أثناء سجوده، وما كرره عقبة عند الحرم حين ألقي بسلا جزور علي ظهره *صلي الله عليه وسلم* وهو ساجد، وما فعله الأخنس بن شريق من تطاول عليه وتبجح، حدث هذا لرسول الله *صلي الله عليه وسلم* وهو الشريف في قومه، الداخل في حمي أبي طالب سيد بني هاشم وكبيرها المطاع، فما بالنا بما حدث لصحبه، خصوصًا الضعفاء منهم؟ إن قصص تعذيبهم يندي لها جبين الإنسانية، كما إن صور بطولاتهم ترفع هاماتهم في عنان السماء، ما سلم أحد منهم من الأذي، بداية من أبي بكر الصديق، ثم عثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، ومصعب بن عمير، وبلال الحبشي، وعمار بن ياسر وأبيه، وأمه، وأبي فكيهة، وخباب بن الأرت. وما اقتصر الأمر علي تعذيب الرجال بل إن المرأة التي سبقت إلي الإسلام سرًا كان لها في الاضطهاد نصيب كبير! فكما كانت خديجة رضي الله عنها أول من أسلم كانت سمية *رحمها الله* أول من استشهد وقصص تعذيب زنيرة، والنهدية، وأم عبيس، وجارية بني مؤمل، وغيرهن حافلة ومؤلمة، لكن هؤلاء الأبطال البررة قد اختطوا لأنفسهم طريقًا واضحًا، كان عاملاً من عوامل صبرهم وثباتهم لاجتياز تلك المحنة.

الضغط علي أبي طالب

إن أبا طالب وقد نشأ مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* في بيته، وكبر أمام عينيه، وشهد من كريم صفاته، وسامي أخلاقه، ما قرت به عينه، يشعر حقيقة أن مُحَمّدا ابنه لا ابن أخيه. إنه نبي، هذه الحقيقة التي تملأ فؤاد أبي طالب، ويفخر بها لسانه، هي نفسها التي نطق بها حين سأله بحيرا الراهب: ما هذا الغلام منك؟ وقد اصطحب مُحَمّدا صبيًا في رحلته إلي الشام، ولأنه ابنه، ولأنه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* الذي يعرفه جيدًا فقد ناصر أبو طالب مُحَمّدا في كل موقف، وسانده في كل ضيق، وسانده حين أقر لابنه علي اتباعه، وحين أعلن تأييده يوم دعا الرسول بني هاشم، وصرح أبو طالب بمناصرة مُحَمّد في أروقة مكة وأنديتها، وما كان جوار أبي طالب *كبير مكة وسيد بني هاشم* بالجوار الذي يعتدي عليه؛ لذلك رأت قريش أنه لا سبيل إلي مُحَمّد إلا عن طريق عمه، فأخذت تمشي إليه مرة بعد مرة، مشت إليه في بداية جهره فردها ردًَّا رقيقًا، ومشت إليه في العام السادس للنبوة عارضة أن يبدلوه عمارة بن الوليد بن المغيرة *أنهد فتي في قريش وأجمله* بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ليقتلوه، فتعجب أبو طالب من عرضهم وأجابهم داهشًا: أتعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟!. وذهبت إليه قريش مرة ثالثة متهددة متوعدة: تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتي يهلك أحد الفريقين. ولقد تعبت أعصاب أبي طالب واهتزت في هذه المرة فراجع ابن أخيه قائلاً: ابق علي وعلي نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، فأجابه الرسول *صلي الله عليه وسلم* حزينًا: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري علي أن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته، ثم دمعت عيناه ومضي *صلي الله عليه وسلم*، أما أبو طالب فقد ناداه ثم قال له: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا.

عوامل الصبر والثبات

عشر سنوات كاملة قضاها المسلمون مع نبيهم تحت وطأة التعذيب، يكتوون بجمر قريش، ويسامون الضيم من سفهائها فما تخلف أحد منهم عن دينه، وما نقص يومًا عددهم أو إيمانهم، ولقد كان وراء ذلك من ثبات علي العقيدة، وانتشار للدعوة رغم حلكة ظروفها، عوامل بارزة وأسباب عديدة:

أولها: إيمانهم العميق بالله: حتى إنهم عرفوه حق المعرفة، فملأ اليقين قلوبهم، وهانت الشدائد علي نفوسهم.

ثانيها: يادتهم المحبوبة: مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* الرجل الكريم الذي تجتمع عليه الأفئدة، وتنجذب إليه النفوس، ويوقن بقدره، ويعترف بذلك الأعداء له قبل الأصدقاء.

ثالثها:الشعور بالمسئولية: حتي إن أحدثهم إيمانًا يعلم علمًا أكيدًا، أنه مكلف من ربه {ز وجل}بحمل الرسالة إلي العالمين، والصبر من أجل ذلك.

رابعها: ليقين بالآخرة: وحسبهم أن يروا البعث والحساب، والجنة والنار، رؤية العين حتي يعملوا فلا يملوا، ويصبروا فلا يكلوا.

 خامسها: قرآن: الذي كان الوحي يأتي به صباح مساء، يعالج قضاياهم الآنية، ويجيب عن أسئلتهم الحائرة، ويرد علي خصومهم وأعدائهم، ويطوف بهم في أرجاء الكون الواسع، ثم يعرج بهم إلي ما خلف هذا الكون، فتنشرح صدورهم، وتثبت أقدامهم.

 سادسها: لبشارات: التي كان القرآن يتنزل بها، والنبي *صلي الله عليه وسلم* يحدثهم عنها فهم في صبرهم ذلك موقنون بالنصر، متحينون مقدمه.

 سابعها: ذه التربية الدقيقة التي كان يقوم بها النبي بنفسه، فيغذي أرواحهم، ويزكي نفوسهم، ويطهر أخلاقهم يومًا بعد يوم، من أدران الجاهلية ولوثاتها.

 ثامنها: نهم مع هذا كله لم يكونوا قاعدين مستسلمين لما يسومهم به مشركو مكة من التعذيب والتنكيل منتظرين فرج الله دون عمل، بل كان للقوم طريق واضح، يبصرونه جميعًا، ويسيرون عليه دأبًا؛ للخروج من هذه الأزمة الطاحنة.

وضوح الطريق والمقامة السلمية

اختط المسلمون ونبيهم مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* لأنفسهم طريقًا واضحة المعالم، ذلك أن العاقل ينبغي له أن يفقه سيره، ويعلم ما يسمح له فيه، وما يحظر عليه، حتى لا يقف أمام كل عثرة أو منحني يعيد حسابات قد انتهي منها، ويكرر تفكيرًا كان منه قد فرغ!.

 وتميز هذا الطريق بقواعد عدة منها: المقاومة السلمية، وإنقاذ المستضعفين، والاستفادة من قوانين الشرك، وعدم المساومة علي العقيدة، والاستفادة من المشاركة بين الإسلام والديانتين السماويتين: اليهودية والنصرانية، وتحييد بعض الشخصيات المشركة، وطلب المنعة من خارج قريش، والمجاهرة بالدعوة في كل وقت وكل حين.

من بين ثلاثمائة صنم يحوطون الكعبة، وآلاف المخمورين الذين يجوبون طرقات مكة، ويطرقون دور البغاء بها صباحًا ومساءً، خرجت الدعوة الخاتمة للعالمين، والدعوة الوليدة تصطدم في جوهرها بنظم مكة العتيقة، وحياة أهلها، فهل يكتب علي المؤمنين بها أن يصطدموا بأهل مكة، والدعوة بعد في أولي خطواتها؟. لقد نهاهم القرآن أن يسبوا الآلهة الصماء، وامتنعوا هم أن يردوا إلي المشركين إساءاتهم ومكائدهم اللئيمة. إن العربي الذي كان يقيم حربًا لسنوات طويلة ولا يقعدها من أجل أن فرسًا سبقت أخري دون حق، صار اليوم بعد أن دخل دين الله يعرف كيف يضبط نفسه، ويشكم جماحها، فقد تعلم من نبيه *صلي الله عليه وسلم* الإخلاص، فإلام الثأر والانتقام؟! ألحظ نفسه؟، حاشاه أن يفعل! أما إن كان لله ورسوله ودينه العمل فالخير إذن في الصبر والاحتمال. كانت هذه الخطة بليغة الأثر في نفوس أهل مكة ومن حولها، فهم يرون قومًا لا يقولون إلا شهادة الحق، ثم يرون آخرين ثائري الرأس، معكري المزاج، يسومونهم خسفًا بعد خسف، ويذيقونهم ظلمًا وعدوانًا، فكان هذا المنظر يهيج النفوس الكريمة؛ لسماع دعوة الحق الطاهرة، النقية الواضحة، التي لم تشوش علي نفسها بحرب أو قتال، وتركت المجال فسيحًا لآيات الله فحسب، تبين الحق، وتنير السبيل، وترد على المشركين.
إنقاذ المستضعفين

 لم يكن موسرو المسلمين حين يلتقون مع الفقراء والضعفاء منهم يرون أن واجبهم تجاههم هو السلام والتبسم، ثم صالح الدعاء فحسب، بل كانوا يعلمون أن عليهم أن ينقذوا هؤلاء المستضعفين الذين آمنوا بالله ربًا، وبمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* نبيًّا ورسولاً، وإن أنفقوا في سبيل الله مالهم كله، أليسوا هم يعلمون أن أخوة الإسلام تعلو علي أخوة النسب؟ ألا ينبغي لهم أن يكونوا أسرة واحدة متكافلة متكاتفة؟. لقد حرر أبو بكر الصديق *رضي الله عنه* وحده ست رقاب، بلال سابعهم، وأجاب أباه حين قال له: يا بني إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك إذا فعلت أعتقت رجالاً جلدًا يمنعونك ويقومون دونك؟! أجابه قائلاً: يا أبت، إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل.

الاستفادة من قوانين الشرك

عاشت الدعوة زمنًا طويلاً في مجتمع تحكمه قوانينه، والمجتمع المشرك بمكة ما كانت تحكمه إلا قوانين الشرك، وشريعة عباد الأوثان، لكن الدعوة وهي تسعي بين دروب هذا المجتمع، ما كانت تسأل نفسها حين تجد قانونًا من قوانين مكة، من وضع هذا القانون؟، إنما كانت تستبدل به سؤالين: هل يناقض هذا القانون شريعة الإسلام أو أحكامه؟، وهل يفيدني هذا القانون بشيء. فإن كانت الإجابة الأولي بلا والثانية بنعم، تناولته ومضت تعبِّد به طريقها!. يحق للضعيف أن يدخل في جوار قوي فلا يهضم حقه أو يمس عرضه أحد قوانين مكة يومئذ، لاقته الدعوة في طريقها، فوجدته متفقًا مع مبادئها، خادمًا لمصلحتها، فاستفادت به أيما فائدة، مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يجهر بدعوته ليل نهار، وهو في جوار عمه، فلا يمسه سوء وأبو بكر صاحبه الصديق يخرج من مكة مهاجرًا إلي الحبشة فيلقاه ابن الدغنة سيد قبيلة القارة، فلا يرضي بذلك، بل يقول له: إن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، إنك تكسب المعدوم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين علي نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، ويعود أبو بكر إلي مكة في جوار مشرك يحفظ للكبار أقدارهم.

عدم المساومة علي العقيدة

لم يقبل رسول الله *صلي الله عليه وسلم* من قريش المساومة علي عقيدته، وكذلك فعل المسلمون، وموقف جعفر بن أبي طالب ممثلاً للمسلمين المهاجرين إلي الحبشة أمام النجاشي ملكها يؤكد ذلك، وقد وردت أخبار عن اضطرار بعض الصحابة أن يقولوا في الإسلام قولاً مكروهًا تحت وطأة تعذيب لا يتحمله بشر، فهل كان هؤلاء السابقون الأجلاء في موقف مساومة؟!. كلا، فقد نزل فيهم (..إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).

المشاركة بين الأديان السماوية

وقف أبو جهل ذات يوم في نفر من قريش يعترض ركبًا قد همّ بمغادرة مكة قائلاً: خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم، وتأتونهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال! ما نعلم ركبًا أحمق منكم. أما الركب فكان وفدًا من نصارى الحبشة، وأما الرجل الذي سعوا في خبره فقد كان مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* ذلك النبي الذي جلسوا عنده يسألونه، فتلا عليهم القرآن حتى فاضت أعينهم من الدمع. وقديمًا قبل هذه الوقعة حزن المسلمون لفوز الفرس عباد النار علي الروم المسيحيين، حتى ليتراهن أبو بكر وأحد المشركين علي نصر الروم علي الفرس في بضع سنين، وكما كان الحال مع النصارى كان مع اليهود، فالمسلمون في هدنة مع هذين الطرفين، حتى إن مشركي مكة حين عادوا بأسئلة يهود يثرب إلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* فأجابهم، شعروا أن كلا الفريقين والمسلمين واليهود في خندق واحد. والناظر في ثنايا السيرة يشعر أن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* وصحبه كانوا يبحثون عن نقاط الالتقاء، ويسعون نحو التقارب، مع من يقابلونه رغم عدم مساومتهم علي العقيدة.

تحييد بعض الشخصيات

 الكافرون المعاندون ليسوا سواءً!! هكذا كانت القاعدة التي سار عليها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ومن معه. فأبو جهل الذي يؤذي بقوله وفعله ليس كابن الدغنة الذي يجير أبا بكر حتى يعبد ربه، وابن الدغنة ليس كأبي طالب الذي يجير مُحَمّدا حتى يدعو إلي ربه، وغير هؤلاء جميعًا هناك من لا يؤذي ولا يجير، أو بعبارة أخري لا يضر ولا ينفع، وهو بغير شك خير ممن يضر ولا ينفع! جلس عتبة بن ربيعة سيد بني أمية إلي النبي يفاوضه، فما قاطعه الرسول*صلي الله عليه وسلم* ولا استعجله، إنما استمع له بصدر رحب، يعرف كيف يحاور الخصوم، ويحترم آراءهم المخالفة، حتى إذا انتهي عتبة من حديثه، سأله الرسول *صلي الله عليه وسلم* برفق وأدب: أقد فرغت يا أبا الوليد؟، فأجابه عتبة: نعم، فمضي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* يقرأ من سورة فصلت حتى أتي موضع السجدة فسجد، وقام عتبة إلي قريش يقول لهم: خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه. إن عتبة لم يؤمن لكن الرسول*صلي الله عليه وسلم* استطاع بحواره أن يحيده هو وبني أمية أكبر تجمع عربي بعد بني مخزوم، وتفتيت صف المشركين نصر كبير ولا شك.

الإصرار علي الجهر بالدعوة

منذ أن اعتلت قدما مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* جبل الصفا بمكة جاهرًا بدعوته، وحديث الإسلام في كل بيت، وخبر دعوته في كل ناد وطريق، اختبأ المسلمون بدار الأرقم أم ظهروا، أعلنوا عن إسلامهم أم أسرّوا، فالدعوة وخبرها هما موضوع الساعة ومحور الحديث. يظن المشركون أن الدعوة مخنوق نورها بمكة، فيجدون أبا ذر الغفاري يطلع عليهم عند الكعبة ليهزأ بآلهتهم وقد آمن، ويعتقد الواهمون منهم أن صوتها قد كبت من الخوف، فيفاجئون بصوت عبد الله بن مسعود يصدح بالقرآن بين ظهرانيهم، ويتمطون يومًا متكاسلين وقد اطمأنوا أن الدعوة حوصرت في البيوت، فيستيقظون علي أقدام المسلمين تدق طرقات مكة في صفين علي أحدهما حمزة وعلي الآخر عمر، وهكذا حرص المسلمون طوال هذه الفترة ألا تنسي دعوتهم ولا يغيب ذكرها، أما مشركو مكة الذين يريدون منع النبي *صلي الله عليه وسلم* من نشر دينه بين القبائل في موسم الحجيج، فقد قدموا للإسلام خدمة جليلة حين جابوا قبائل الحجيج وبطونهم يحذرونهم من هذا النبي الجديد، لأنهم قد نشروا الخبر بأنفسهم في الجزيرة بأسرها، حين لم يستطع المسلمون وقتها أن يصنعوا ذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 7:57



الفصل الرابع


دار الأرقم


الوضع في مكة جد خطير، فالدعوة الوليدة تنساب إلي كل بيت، تهز كيان مكة الديني، وتزعزع أركان قريش في أرض العرب، وأعين المشركين وآذانهم تعد علي المسلمين أنفاسهم، وتحصي خطواتهم، وتتسمع أخبارهم، لتجهز عليهم، ولذا كان من الواجب علي المسلمين أن يستتروا، وأن يتخفوا عند اللقاء، وبدار الأرقم بن أبي الأرقم كان اجتماعهم الدوري بنبيهم *صلي الله عليه وسلم* وكان وراء اختيار هذه الدار أسباب وجيهة. أما ما كان يحدث داخلها، بعيدًا عن أعين قريش، فكان حدثًا فريدًا في التاريخ، صحابة رسول الله *صلي الله عليه وسلم*أول من آمن به وصدقه ودافع عن دين الله، يجلسون إلي رسول العالمين بنفسه، يتلقون منه آخر ما نزل به جبريل الأمين من ربه *عز وجل*، تلقيا دائمًا مستمرًّا، تزكو به نفوسهم، وتتطهر قلوبهم، وتصاغ عقولهم وأرواحهم صياغة جديدة، رحم الله الأرقم ورضي عنه، لقد جعل داره مرفأ لسفينة الإيمان، ومهدًا لدعوة الله عز وجل، ومدرسة تلقي فيها الأولون دينهم.


أسباب اختيار دار الأرقم


كان وراء اختيار دار الأرقم بن أبي الأرقم أسباب عديدة تهدف جميعها إلي حجب المسلمين عن أعين أعدائهم.


أما أول هذه الأسباب، فهو جهل قريش بإسلام الأرقم.


وأما ثانيها: فكون الأرقم من بني مخزوم، حاملي لواء الحرب والتنافس مع بني هاشم، فلا يسبق إلي ذهن قريش أن مُحَمّدا يلقي صحبه في بيت عدوه بمقاييسهم الجاهلية. 
وأما ثالثها: فهو أن الأرقم كان فتي عند إسلامه، في حدود السادسة عشرة من عمره، فلا يعقل أن يجتمع المسلمون في بيته، دون بيوت الكبار منهم. ولقد كان احتياط النبي *صلي الله عليه وسلم* وصحبه في اختيار هذه الدار سببًا لاستتار أمرهم، وعدم انكشاف حركتهم يومئذ.


الهجرة إلى الحبشة


 الدفاع عن النفس، وقتال من بغي واعتدي، لم ينزل أمر الله به بعد، والبقاء في مكة أصبح مستحيلاً، مع هذا الاضطهاد والتعذيب، فماذا يفعل المسلمون إذن؟ إن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الرحيم بأمته، قد ارتأى لهم أن يفروا بدينهم إلي ديار آمنة، فأشار عليهم بالهجرة إلي الحبشة، فهاجر منهم في رجب سنة خمس من النبوة اثنا عشر رجلاً، وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه السيدة رقية بنت رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، وقد هاجر هؤلاء الصحابة تسللاً وخفية، في سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلي الحبشة، حيث النجاشي الملك العادل، الذي لا يظلم عنده أحد. وما كاد المسلمون المهاجرون يستقرون بالحبشة حتى سارت إليهم شائعة بإسلام قريش، فقفلوا راجعين إلي مكة في شوال من نفس العام، وما تبينوا الحقيقة إلا بعد ساعة من نهار في مكة. واشتد تعذيب المشركين لهم، فكانت هجرتهم الثانية رغم يقظة المشركين، وشدة حذرهم. وبلغ عددهم في هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة، لكن أني لنار قريش أن يهدأ أوارها، لقد عز عليها أن تعلم أن المسلمين قد وجدوا مأمنًا يعبدون فيه ربهم، فكانت مكيدتها بإرسال رسولين إلي الحبشة لاستردادهم من النجاشي، وقد خاب سعيهم، وبطل مكرهم، ورد النجاشي رسولي مكة دون أن يقضي لهما حاجة، بل أعلن إيمانه بما جاء به مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، أما هؤلاء المهاجرون، فقد مكثوا بالحبشة، حتى مكن الله لنبيه بالمدينة، فعادوا إليها، وكان آخرهم عودة جعفر بن أبي طالب بعد فتح خيبر.


إشاعة إسلام قريش ومكيدتهم


 بينا سادة وكبراء مكة جالسين حول الحرم في جمع كبير، في رمضان من العام الخامس للنبوة، إذ فوجئوا برسول الله *صلي الله عليه وسلم* يطلع عليهم، جاهرًا بتلاوة سورة النجم، وأخذ كلام الله المبين بتلابيب عقولهم، فما استطاعوا منه فكاكًا، ووصل النبي إلي قوله تعالي: (فاسجدوا لله واعبدوا) فسجد، وما تمالك المشركون أنفسهم حتى سجدوا معه جميعًا، وقد صدعت الآيات عناد نفوسهم واستكبارها، وهنا ارتبك المشركون مما حدث لهم ولم يدروا ما هم صانعوه، وتخوفوا العتاب واللوم ممن كانوا يتبعونهم أو يعارضونهم، فاحتالوا لذلك حيلة دنيئة، ومكروا مكرهم السيِّئ، وافتروا علي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الكذب والبهتان، فزعموا أنه قال: تلك الغرانقة العلي، وإن شفاعتهن لترتجي، بعد أن تلا: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) يريدون أن يزعموا أنهم ما سجدوا لإله مُحَمّد، إنما مُحَمّد هو الذي ذكر آلهتهم بخير، وكان من توابع هذه الحادثة العجيبة أنها وصلت إلي مهاجري الحبشة، لكن في صورة جديدة، فقد وصل إليهم أن قريشًا قد أسلمت، وسجدت لله رب العالمين، فاستبد بالقوم الفرح، وعزموا علي الإياب لمكة، فدخلوها في شوال من العام نفسه، فسامتهم قريش التعذيب والتنكيل، واحتاطوا ألا يهربوا منهم ثانية، إلا أن تدبير الله أعظم، فقد عاد المهاجرون إلي الحبشة في هجرة جديدة رغم حيطة قريش وحذرها.


مكيدة قريش


هجرة المسلمين للحبشة للمرة الثانية وبعدد يبلغ خمسة أضعاف العدد الذي هاجر أول مرة، كانت صفعة آلمت صدغ قريش وصكت أسنانها!! وبحركة لا ينهزها إلا الحقد، ولايحدوها إلا ألم الهزيمة، بعثت قريش اثنين من خيرة رجالاتها إلي الحبشة، ليسألا النجاشي أن يرد مهاجري المسلمين إلي مكة ثانية، وبقدر ما كان هذا الطلب شرسًا، بقدر ما كان غريبًا مضحكًا!! أناس كانوا يعبدون ربهم ببلدهم فأبي قومهم أن يعبدوه، فهاجروا إلي أرض بعيدة، يعبدون فيها إلههم، ولا يؤذون بها جارًا أو يعتدون علي مواطن، ما المنطق في أن يستردهم كارهوهم؟ وما الحكمة في أن يردهم مضيفوهم؟!. تكلم رسولا قريش عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة إلي النجاشي في رد المسلمين، وصدهما بطارقته، فأبي الرجل العادل أن يفصل في قضية دون سماع جميع أطرافها، وتحدث جعفر بن أبي طالب عن المسلمين، فوصف ما كان عليه قومه من الجاهلية، وأبان ما أمرهم نبيهم صلي الله عليه وسلم* أن يفعلوه من الخير وما أمرهم أن يتركوه من الشر، ووضح كيف اضطهدتهم قريش وسامتهم العذاب، حتى لجئوا إلي أرضه واحتموا ببلاده، وقرأ عليه من سورة مريم، حتى بكي النجاشي ودمعت أعين أساقفته، وهنا أطلق النجاشي حكمه، وفصل في قضيته قائلاً: إن هذا والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون. فخرج عمرو وصاحبه بخفي حنين لكن عمرو بن العاص داهية العرب لم يستسلم، فكرَّ علي النجاشي صبيحة اليوم التالي ليوقع بينه وبين المسلمين قائلاً: أيها الملك إنهم يقولون في عيسي بن مريم قولاً عظيمًا؛ فاستدعي النجاشي جعفرًا ليسأله فأجابه: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلي مريم العذراء البتول؛ فصدقه النجاشي علي ذلك وأخذ عودًا من الأرض، ثم قال: والله ما عدا عيسي بن مريم ما قلت هذا العود. وأمّن المسلمين علي أنفسهم، وردّ علي رسولي قريش هداياها، وأعادهما خائبين لمكة.


تقوية شوكة المسلمين


كلما زاد الليل ظلمة، وكلما اشتدت السماء حلكة، كلما كان ذلك إيذانًا ببزوغ فجر جديد. أبو جهل يمر بالنبي *صلي الله عليه وسلم* عند الصفا فيؤذيه وينال منه، فلا يرد عليه الرسول *صلي الله عليه وسلم* شيئًا، ويأبي المعاند أن يترك مُحَمّدا كريم الخلق يمضي في طريقه، حتى يضربه بحجر في رأسه الشريفة؛ فيسيل منها الدم نزفًا، ثم تكون هذه الحادثة الأليمة مقدمة لنهاية سعيدة هي إسلام حمزة بن عبد المطلب. حمية في بادئ الأمر، ثم إيمان راسخ بعدها. ولا تكاد أيام ثلاثة من شهر ذي الحجة للعام السادس من نبوته *صلي الله عليه وسلم* تمر بعد إسلام حمزة *رضي الله عنه* حتى يلطم عمر بن الخطاب أخته فاطمة علي وجهها لطمة شديدة؛ لإيمانها بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، فيكون الدم السائل من وجهها سببًا لإيمان ابن الخطاب، وإعلانه شهادة الحق، وفي أيام ثلاثة تتبدل أحوال المسلمين، والدعوة المحبوسة في دار الأرقم في تجد طريقها إلي الكعبة، في وضح النهار، وعلي مسمع قريش ومرآها، أقدام المسلمين تشق طرقات مكة، في صفين طويلين، يقدم أحدهما أسد الله حمزة، ويسبق الآخر الفاروق عمر، الذي أبي الاختباء، وأقسم لنبيه *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: والذي بعثك بالحق لنخرجن!، فكان خروج المسلمين وكانت عزتهم. يصف صهيب تلك الحال قائلاً: لما أسلم عمر، ظهر الإسلام ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به!.
مساومة قريش


المساومة وسيلة مباحة! لكن أن تكون علي العقيدة، فهذا أمر لا سبيل إليه، وقريش وقد رأت شوكة المسلمين قد قويت، أخفت عداءها داخل صدرها، وجاءت تساوم علي عقيدة النبي *صلي الله عليه وسلم* ومن معه، أما ما ساومت به، فكان جمع المال حتى يكون النبي أكثرهم مالاً، وكان الملك والسيادة حتى يكون أكثرهم جاهًا، وكان العلاج إن كان ما أصابه مسًّا من الجان! والحق أن قريشًا بمساومتها تلك قد أعلنت أمرين أولهما: فراغ جعبتها، وضعف عزيمتها بعد تقوية شوكة المسلمين، وثانيهما: أن المال والجاه عندها أنفس من العقيدة وأغلي ثمنـًا إذ ما تصورت حين عرضت بضاعتها، أنها ستئوب بها وقد ردها النبي *صلي الله عليه وسلم* أما مُحَمّد فقد وجد نفسه في وادٍ والقوم في وادٍ آخر، فأبي أن يساوم أو يساوم، وعاد إلي بيته حزينًا آسفًا.


تجمع بني هاشم وبني المطلب والمقاطعة العامة


الأفضل عند المواجهة ألا تكتفي بالرد علي خصمك، بل تضع نفسك مكانه، لتتنبأ بما ينوي أن يصنعه، فتبادره قبل أن يسبقك. هكذا تعلم أبو طالب من بيئته الصحراوية المتقلبة، والرجل العاقل الحريص علي ابن أخيه استقرأ الأحداث، فوجد قريشًا قد وصلت مع مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي طريق مسدود، ولم يعد أمامها إلا قتل مُحَمّد، رضي أبو طالب بعد ذلك أم سخط، ثم إن أحداثًا متعاقبة صارت تؤكد لديه حدسه، فالمشركون هددوه بالمنازلة، وساوموه علي قتل ابن أخيه مقابل إعطائهم ابن الوليد له يربيه ويتخذه عوضًا، ثم محاولة أبي جهل رضخ رأس النبي *صلي الله عليه وسلم* بحجر ألقاه، ومحاولة عدو الله عقبة بن أبي معيط خنقه بردائه، وخروج عمر *قبل إسلامه* بسيفه عازمًا ذبح مُحَمّد* كل هذه الأحداث تؤكد لأبي طالب أن المشركين لن يأبهوا لجواره وذمته. وهنا لم يبق لأبي طالب إلا المبادرة والحزم، فجمع أهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ولدي عبد مناف، ودعاهم إلي منع ابن أخيه والقيام دونه، فأجابه إلي ذلك مسلمهم وكافرهم، حمية للجوار العربي، وأدخلوا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في شعبهم، منعًا له ممن أراد قتله، فأسقط في يدي قريش، ولم يبق أمامها إلا إعلان المقاطعة العامة.


المقاطعة العامة الأحداث في مكة صارت متلاحقة، حمزة يدخل الإسلام، ولا تكاد أيام ثلاثة تمر حتى يتبعه عمر، والمسلمون يخرجون في طرقات مكة، يعلنون عن إيمانهم، وقريش تتنازل عن بعض كبريائها وتذهب إلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*؛ لتساومه، لكن النبي *صلي الله عليه وسلم* يردها خائبة، ثم يعلن أبو طالب جمعه لبني هاشم وبني عبد المطلب علي نصرة مُحَمّد، والرسول يدخل في شعبهم احتماء من كيد قريش. إن سرعة الأحداث وتعاقبها في فترة وجيزة، لا تتجاوز الأسابيع الأربعة تنبئ بحدث جلل، لم يلبث حتى أسفرت عن وجهه الأيام، فقد هدي قريشًا شيطانها إلي كتابة صحيفة علقت بالكعبة؛ لمقاطعة بني هاشم وبني المطلب مقاطعة تامة تفضي إلي هلاكهم، وصبر رسول الله *صلي الله عليه وسلم* والمسلمون، ومعهم بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم في شعب أبي طالب، إلا أبا لهب، فإنه ظاهر قريشًا علي رحمه، وذلك من ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، ولمدة ثلاث سنين متصلة، حتى منّ الله تعالي عليهم، ونقضت الصحيفة الظالمة، القاطعة للرحم.


كتابة الصحيفة ونقضها


اجتمع سادة قريش في خيف بني كنانة من وادي المحصب، فتحالفوا علي بني هاشم وبني عبد المطلب، ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وألا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة، حتى يسلموه للقتل. ويقال إن منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم هو الذي كتبها، ويقال النضر بن الحارث، والصحيح أنه بغيض بن عامر بن هاشم، وقد دعا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي كاتبها، فشلت يده.


لا تعدم الدنيا رجالاً ذوي خلق، يحكمون عقولهم، وإن زاغت أبصارهم عن رؤية الحق في دين الله! من هؤلاء الرجال هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، يشبه في نعته دعاة الإنسانية، المنتشرين عبر العصور، ومن كافة الأديان، أبت نفس الرجل أن يري أناسًا يتضورون جوعًا، وأسباب الطعام تلقي في طرقات مكة لقلة آكليها، فكان يمد بني هاشم بالطعام ليلاً دون أن يفطن إليه أحد، لكن المقاطعة طالت حتى مر عليها ثلاث سنوات، ففيم الوقوف والانتظار؟. احتال هشام علي صحيفة قريش بحكمة ودهاء، فذهب أولاً إلي زهير بن أبي أمية المخزومي *وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب* فأثار حميته: أرضيت أن تطعم الطعام، وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم؟، فاحمر وجه زهير وقال له: ويحك فما أصنع وأنا رجل واحد؟، أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها! قال: قد وجدت رجلاً، قال: فمن هو؟، قال: أنا، فأجابه زهير: ابغنا رجلاً ثالثًا. وما زال هشام يعمل بحيلته حتى جمع مع زهير ثلاثة رجال غيره: المطعم بن عدي وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، فصاروا جميعًا خمسة، وفي الصباح غدا زهير إلي الكعبة، فطاف سبعًا، ثم أقبل علي الناس قائلاً: يا أهل مكة، أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكي، لا يباع ولا يبتاع منهم؟، والله، لا أقعد حتي تشق هذه الصحيفة القاطعة للرحم الظالمة، فقال أبو جهل غاضبًا: كذبت! والله لا تشق؛ فثار زمعة علي أبي جهل ثم أيده أبو البخترى، فالمطعم، فهشام بن عمرو، وهنا بهت أبو جهل ثم قال بمكر: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان. وكان أبو طالب جالسًا في ناحية من المسجد، فأخبرهم بقول رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن الأرضة قد أكلت صحيفتهم حتى لم يبق فيها إلا "باسمك اللهم"، وتحداهم أبو طالب قائلاً: فإن كان كاذبًا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقًا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، فأجابوه لذلك، وقام المطعم ليمزق الصحيفة، فوجدها كما قال أبو طالب، فنقضت وعاد بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلي مخالطة قريش، التي لم تهزها هذه الآية العجيبة قيد شعرة عن كفرها وعنادها.


آخر وفد قريش إلي أبي طالب


أحداث جسيمة مرت بأبي طالب فأثرت فيه، وقد جاوزت سنه الثمانين، وكان آخر هذه الأحداث المقاطعة القاسية، والتي هتفت بالمرض، فألح علي الشيخ الكبير يلاحقه، ورأت قريش أن أبا طالب سائر إلي منيته علي عجل وخشيت أن تفتك بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بعد موته، فتعيرها العرب بجبن صنيعها، إذ تركته حين أحاطه عمه، ثم انتهشته حين ولي عنه، فأجمعت رأيها أن تذهب إليه فتعيد مساومته، حتى تصل مع مُحَمّد إلي حل وسط. وبجوار فراش أبي طالب حكمت قريش سيدها الذي حاصرته حتى قريب وأنهكت عافيته* حكمته بينها وبين مُحَمّد، فاستدعي أبو طالب ابن أخيه، ليري رأيه في قول قريش، فسمع منهم النبي، ثم أجابهم قائلاً: أرأيتم إن أعطيتكم كلمة تكلمتم بها، ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم؟. فتعجبوا من قوله وتحيروا، حتى أجابه أبو جهل قائلاً: ما هي؟، وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها!، فقال لهم النبي: تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه؛ فصفق القوم بأيديهم، ثم قال: أتريد يا مُحَمّد أن تجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟، إن أمرك لعجب!. ومضوا إلي ديارهم، وقد علموا *من جديد* أنه لا سبيل إلي المساومة مع هذا النبي الثابت علي مبادئه.




عام الحزن


تعاقب المسرات والأحزان، وتتابع اليسر والعسر، سنة من سنن الحياة، والعام العاشر للنبوة وقد شهد فجره سعادة المسلمين ونبيهم (صلي الله عليه وسلم) بخروجهم من الشعب، ونقض صحيفة البغي التي خطتها قريش، ولم يلبث {هذا العام} أن دارت أيامه وتوالت، فأظهرت من الحوادث ما آلم النبي (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين جميعًا. أما أول هذه الحوادث فكان وفاة أبي طالب عم النبي (صلي الله عليه وسلم) ودرعه الذي يتقي به كيد قريش، وأما ثانيها: فكان وفاة السيدة خديجة {رضي الله عنها}، زوج رسول الله، وشريكة كفاحه، وراعية بيت النبوة. وكما كانت هاتان الحادثتان مصيبة رزء بها مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ، فقد كانتا أيضًا باب شر علي من آمن معه؛ تجرأت قريش علي المسلمين، حتى التجأ أبو بكر إلي الهجرة من مكة، وما رده إلا ابن الدغنة، إذ أدخله في جواره، ونالت قريش من النبي (صلي الله عليه وسلم) ما لم تنله في حياة أبي طالب، وبلغ فجورها أن يعترضه سفيه من سفهائها، فينثر التراب علي رأسه، ويقول الكريم لابنته {وهي تغسله عنه وتبكي}: لا تبكي يا بنية، فإن الله مانعٌ أباك. ولتتابع هذه الأحزان سمي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) هذا العام بعام الحزن، وقد شهد شهر شوال من هذا العام زواج النبي بالسيدة سودة بنت زمعة، رضي الله عنها وأرضاها، ولعل هذا الزواج كان نسمة باردة طيبة في قيظ العام العاشر للبعثة.


وفاة أبي طالب: في رجب من السنة العاشرة للنبوة، أفل نجم أبي طالب عم النبي، ذلك الرجل الذي كان حصنًا لمُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) ودينه الجديد، أبو طالب الذي ربي مُحَمّدا طفلاً في بيته، وأحاطه وذاد عنه وقد أصبح نبيًا يهتدي به، أبو طالب الذي كانت تهابه قريش وتحترم جواره، ويقدره المسلمون لمنزلته ودوره الذي يؤديه لهم، وأبو طالب الذي سارعت إليه قريش علي فراش موته ترجو أن يبقي علي دين آبائه، وطمع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) طيلة حياته أن يهتدي لدين الله كانت كلماته التي سمعتها آذان قريش تتردد في مكة: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدًا. وكانت كلماته التي نصح بها ابنه عليًا: أما إنه لم يدعك إلا إلي خير فالزمه، ثم كانت آخر كلماته وقريش والنبي يحوطانه علي فراش موته، ويبادرانه، "علي ملة عبد المطلب". وبموت هذا الرجل العظيم انقطع رجاء المسلمين في إيمانه، وانقطعت أهم قنوات الصلة بين مُحَمّد (صلي الله عليه وسلم) وقومه، وانقطع السياج الذي كان يحوط به أبو طالب مُحَمّدا ومن معه.


وفاة السيدة خديجة: في رمضان من العام العاشر للنبوة، فقد النبي، لا بل فقد المسلمون جميعًا راعية بيت النبوة، وشريكة حياة النبي، أول من آمن بدين الله، وأول من نصر رسول الله (صلي الله عليه وسلم)، التي ظلت طيلة حياتها مرفأّ آمنًا تئوب إليه سفينة النبي المجهدة المتعبة، كما كانت أمًا للمؤمنين جميعًا، السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، المبشرة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:03

الفصل الخامس


زواجه (صل الله عليه وسلّم) وزوجاته


هذه وقفة من الوقفات نواصل فيها الحديث عن بعض خصائص رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم ، تلك الخصائص التي ميزه الله بها على غيره من البشر ، مما يظهر علو قدره ، وارتفاع مكانته .


فمن خصائصه صل الله عليه وسلم ، أنه أبيح له الزواج بأكثر من أربع ، وذلك أنه معصوم من الجور الذي قد يقع فيه غيره في جانب النساء ، إضافة لما في زواجه بأكثر من أربع من مصالح عامة ، والتي منها : نشر الدعوة الإسلامية ، ونقل سيرته الخاصة عن طريق زوجاته ، والارتباط بعدد من القبائل ورجالها بالمصاهرة مما يعطي الدعوة قوة ومنعة .


وقد بلغت زوجات رسول الله صل الله عليه وسلم اللاتي دخل بهنّ إحدى عشرة امرأة ، كما ذكر ابن حجر في "فتح الباري" وابن القيم في "زاد المعاد" .


فكانت أولاهنّ خديجة بنت خويلد القرشية الأسدية رضي الله عنها ، وقد كانت له سنداً في بداية تبليغه رسالة ربه . وقد ثبت في الصحيحين أنها خير نساء زمانها ، وأنه صل الله عليه وسلم قال فيها : (ما أبدلني الله خيراً منها).


ثم تزوج بعد موتها بأيام سودة بنت زمعة القرشية ، وهي التي وهبت يومها لعائشة .


 ثم تزوج بعدها أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وكانت من أحب زوجاته إليه ، ولم يتزوج بكراً سواها .


 ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب.


ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية من بني هلال بن عامر وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين .


ثم تزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية ، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة ، وهي آخر نسائه موتاً وقيل آخرهن موتا صفية .


ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة *وهي ابنة عمته أميمة * وهي التي نزل القرآن بحقها في قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكانت أولا عند زيد بن حارثة وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قد تبناه ، فلما طلقها زيد زوجه الله تعالى إياها لتتأسى به أمته في نكاح أزواج من تبنوهم ، وكانت تفاخر بذلك الزواج فتقول : " زوجني الله من رسوله وزوجكن آباؤكن وأقاربكن" ، وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .


وتزوج صل الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية وكانت من سبايا بني المصطلق ، فجاءته تستعين به على كتابتها فأدى عنها كتابتها وتزوجها .


ثم تزوج أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب القرشية الأموية.


وتزوج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير من ولد هارون ابن عمران أخي موسى ، فهي ابنة نبي وزوجة نبي وكانت من أجمل النساء .


ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وهي آخر من تزوج بهن .


وقيل : من أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية وقيل القرظية سبيت يوم بني قريظة فكانت من نصيب رسول الله فأعتقها وتزوجها ثم طلقها تطليقة ثم راجعها.


ومما خصه الله به ، أن نساءه اللاتي دخل بهن ، يحرم على غيره الزواج منهن ، قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً } (الأحزاب:53) ، وقد أجمع العلماء قاطبة على حرمة الزواج ممن توفي عنهن رسول الله صل الله عليه وسلم من أزواجه ، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، ولأنهن أمهات المؤمنين .


ونقل ابن القيم في زاد المعاد عدم الخلاف في أنه صل الله عليه وسلم توفي عن تسع زوجات : عائشة وحفصة وزينب بنت جحش وأم سلمة وصفية وأم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية .


وقد كان يَقْسم بين ثمانٍ منهن ، حيث إن سودة وهبت يومها لعائشة ، رضي الله عنهن جميعاً .


فصل الله وسلم على نبينا محمد ، صاحب الخصال الحميدة ، والفضائل المجيدة ، والخصائص الفريدة ، ورضي الله عن زوجاته أمهات المؤمنين ، اللاتي أكرمهن الله بالاقتران بخير الناس أجمعين ، وجمعنا الله بهم في دار النعيم


الرسول *صلي الله عليه وسلم* في الطائف


 لم يكد عام الحزن *العام العاشر للبعثة* يشارف علي نهايته حتى أظهرت صفحاته حادثة أليمة أخري كانت تنتظر النبي *صلي الله عليه وسلم*، فدور مكة التي أوصدت أبوابها دون دعوته، وسفهاؤها الذين صاروا يتجرؤون عليه بعد وفاة عمه أبي طالب، وكبراؤها الذين كاشفوه العداوة والبغضاء، وتطاولوا علي ضعاف المسلمين* كل ذلك قد دفع الرسول أن يلتمس النصرة خارج مكة، وإلي الطائف كان المسير، حيث قطع النبي *صلي الله عليه وسلم* ستين ميلا متوجها إليها علي قدميه، معه مولاه زيد بن حارثة في شوال من العام العاشر للنبوة، فمكث فيها عشرة أيام يدعو أهلها، فردوا عليه دعوته، وأساءوا وفادته، ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل تطاولوا عليه، وآذوه في رحلة عودته. وعاد النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي مكة، وبلغ مشارفها فسأله زيد معجبًا: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟، فأجابه الرسول *صلي الله عليه وسلم* مطمئنًا: يا زيد، إن الله جاعل لما تري فرجًا ومخرجًا. إن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* الذي أنهكت جسده أحداث هذه الرحلة العصيبة، ظل قلبه وعقله يحلقان بعيدًا يلتمسان الهدي من السماء، ويستشرفان المستقبل لهذا الدين الجديد، لا يفت في عضده شيء، ولا يوهن من عزيمته أحد، ولا يحني من قامته إيذاء أو حادث. كيف؟!، وربه حسبه ونعم الوكيل. والتمس مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* الجوار في مكة، حتى أجيب إلي ذلك، فدخل في جوار المطعم بن عدي.


دعوة أهل الطائف: بين صفحات الكتب يحتفظ التاريخ بصورة عجيبة، بلغ العجب فيها منتهاه: دار من دور الطائف ضمت ثلاثة من سادتها، قد اتكأوا علي أرائكهم، ومدوا أقدامهم الغليظة، وأخذوا يستمعون في كسل شديد، وينظرون بأنصاف عيون، قد ملأ نفوسهم الكبر، وأخذ البطر بأطراف قلوبهم، جلس هؤلاء النفر يستمعون إلي نبي عظيم، خاتم رسل الله للعالمين، بعد رحلة قوامها ستون ميلاً، سارها علي قدميه الشريفتين، أما هؤلاء النفر الثلاثة فكانوا: عبد ياليل، ومسعودًا، وحبيبًا، أبناء عمر بن عمير الثقفي، وأما النبي العظيم فكان مُحَمّدا*صلي الله عليه وسلم* ولا شك! سمعوا منه الدعوة إلي الإسلام ونصرته، فتمطي أحدهم وقال: امرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وتساءل الثاني مستهزئًا: أما وجد الله أحدًا غيرك؟! وتصنع الطرف الثالث قائلاً: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولاً لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب علي الله ما ينبغي أن أكلمك. هكذا كانت إجابتهم للرسول الكريم! ألم تمتلئ بطونهم بالطعام؟، ألم تكس أجسادهم بالحرير؟، ألم تألف جنوبهم لين المضاجع؟، ففيم البحث والعناء عن الآخرة وأهلها؟!. إن النعم التي منحها إياهم ربهم سبحانه وتعالي قد أحالوها حجابًا يستر عنهم يد المنعم وقدرته، قام رسول الله *صلي الله عليه وسلم* عنهم قائلاً: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، ثم جاب دروب الطائف ودورها يدعو أهلها، ولا يدع شريفًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فما كان يصله منهم إلا قولهم: اخرج من بلادنا. وجاءت ساعة الخروج، فأغروا به سفهاءهم يسبونه ويصيحون به، وكان الإيذاء في رحلة العودة.


الإيذاء ورحلة العودة: سألت السيدة عائشة *رضي الله عنها* رسول الله ذات مرة: هل أتي عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟، قال: لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة يقصد عند خروجه من الطائف. إن مُحَمّدا صلي الله عليه وسلم* الذي لم يسألهم شيئًا لنفسه أو دنياه، بل سألهم أن يؤمنوا بالله الواحد القهار، ليكون لهم الفلاح في الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة، لم يلق منهم إلا أشد العداء، وأسوأ التنكيل. تبعه في خروجه سفهاؤهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، ووقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى اختضب نعلاه بالدماء، وكان إذا تعثر قصد إلي الأرض، فيأخذونه بذراعيه، ويقيمونه، فإذا مشي رجموه وهم يضحكون، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى شج في رأسه شجاجًا. ولجأ النبي الكريم *صلي الله عليه وسلم* إلي بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة، علي ثلاثة أميال من الطائف، فرجع عنه السفهاء، ورق لحاله ابنا ربيعة علي كفرهما* فأرسلا غلامًا لهما يدعي عداسًا بقطف من عنب، وكان عداس نصرانيًا، فلما قدمه إلي النبي *صلي الله عليه وسلم* مد يده قائلاً: بسم الله، ثم أكل، ودار بينهما حديث قصير لم ينته إلا وعداس قد أكب علي رأس النبي *صلي الله عليه وسلم* ويديه ورجليه يقبلها وقد أسلم. ومضي النبي حزينًا حتى وصل إلي*قرن المنازل* فبعث الله إليه جبريل *عليه السلام* ومعه ملك الجبال، يستأمره أن يطبق الأخشبين *وهما الجبلان اللذان يحيطان بمكة* علي أهلها فأجابه النبي *صلي الله عليه وسلم* قائلا: بل أرجو أن يخرج الله *عز وجل* من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا. وواصل مسيره حتى بلغ وادي نخلة، فبعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إليه وهو يتلو القرآن، فآمنوا، وولوا إلي قومهم منذرين. حقًا إن أفئدة الطائف ودورها قد أوصدت دون مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، لكن رحلته تلك قد آمن بسببها عداس الزكي، وأقوام من الجن، أما مكة التي طردته، فقد أيده الله بملك الجبال ولكنه أبي الانتقام، وآثر العفو والصفح. إن رحلة العودة وما حدث بها من تأييد وعجائب، قد أذهبت الحزن عن قلب المصطفي، وجعلته يسمو حتى يري مكة والطائف من علٍ، فلا يشقيه ما يلاقيه فيهما من الصغار.


واصل الرسول *صلي الله عليه وسلم* رحلة عودته حتى شارف مكة، وهناك مكث بحراء عشر سنوات طويلة، مرت به منذ أتاه جبريل لأول مرة بهذا الغار، وها هي الأيام تمر، ويعود مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي نفس البقعة المباركة، لكن دعوته اليوم قد تسربت في دور مكة المعاندة، وكلمات ورقة صارت حقيقة يومًا بعد يوم، والمشاعر التي تزاحم قلبه الزكي الآن لا يستطيع أن يهبط إلي خديجة بمكة مسارعًا ليكاشفها بها؛ لأن خديجة قد ماتت، ومكة قد أخرجته منها. كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟، هكذا كانت كلمات زيد بن حارثة التي طرقت سمع الرسول *صلي الله عليه وسلم*، لكن النبي *صلي الله عليه وسلم* الواثق من ربه، المتوكل عليه، أجابه بيقين: يا زيد، إن الله جاعل لما تري فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه. وبعث النبي *صلي الله عليه وسلم* رجلاً من خزاعة إلي الأخنس بن شريق ليجيره فقال: أنا حليف والحليف لا يجير، فبعث إلي سهيل بن عمرو فأجابه: إن بني عامر لا تجير علي بني كعب! ويبدو أن كلا الرجلين قد أدرك أن الوقوف في وجه قريش أمر لا تحمد عواقبه، فأرسل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي المطعم بن عدي فقال: نعم، ثم تسلح وألبس بنيه وقومه السلاح، وجعلهم علي أركان البيت، ثم اعتلي راحلته، وقد أرسل إلي النبي *صلي الله عليه وسلم* بالدخول إلي المسجد، وقال مناد: يا معشر قريش، إني قد أجرت مُحَمّدا فلا يهجه أحد منكم، أما مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* فقد استلم الركن *أي قبله*، ثم صلي ركعتين، وانصرف إلي بيته في حراسة المطعم وولده. ويبدو أن أبا جهل لم يجد ما يحفظ به ماء وجهه، فذهب إلي المطعم وسأله: أمجير أنت أم متابع؟ أي: مسلم، فقال المطعم: بل مجير، فأجابه أبو جهل: قد أجرنا من أجرت.


عرض الإسلام علي القبائل


 مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* رسول الله ليس إلي قريش خاصة، بل إلي العالمين كافة؛ ولهذا السبب فإن قدمي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* دأبتا علي السعي بين قبائل العرب؛ ليدعوهم إلي الإسلام، منتهزًا فرصة موسم الحج، أما في هذا العام *العام العاشر للنبوة* فقد أصبح للنبي من دعوتهم هدف جديد، تمثل هذا الهدف في طلب صريح للحماية من القبائل العربية، حتى يتمكن من تبليغ دعوة الله *عز وجل*. ومن هذه القبائل التي دعاها *صلي الله عليه وسلم* في هذا العام: بنو كلب، وبنو عامر، وبنو شيبان بن ثعلبة، وبنو حنيفة الذين أتاهم في منازلهم فدعاهم، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه ردًا منهم.


دعوة بني كلب: أتي النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله، فدعاهم إلي الله، وعرض عليهم نفسه، حتى إنه ليقول لهم: يا بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم. فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.


دعوة بني شيبان بن ثعلبة: وقد ذهب إليهم النبي برفقة صديقه أبي بكر، فتحدثا إلي أربعة من أشرافهم حديثًا بدأه أبو بكر، وتحسس فيه قوتهم ومنعتهم، ثم استكمله النبي *صلي الله عليه وسلم* عارضًا دعوته وطلبه للمنعة، فأجابه مغروق بن عامر بقول حسن، لكن ثانيهم: هانئ بن قبيصة رأي عدم العجلة والتروي والنظر في الأمر، وأجابه ثالثهم المثني بن حارثة إلي قبوله النصرة مما يلي مياه العرب لا مما يلي أنهار كسري؛ لأنهم محالفوه، فقال لهم رسول الله *صلي الله عليه وسلم*: ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق، فإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه بجميع جوانبه.


دعوة بني عامر بن صعصعة: أتاهم النبي *صلي الله عليه وسلم* فدعاهم إلي الله، وعرض عليهم نفسه، لكن يبدو أنهم كانوا مشغولين بدنياهم، غير عابئين بآخرتهم، فإن أحدهم ويدعي بيحرة بن فراس حدثهم قائلاً: والله، لو أني أخذت هذا الفتي من قريش لأكلت به العرب، ثم قال للنبي: أرأيت إن نحن بايعناك علي أمرك، ثم أظهرك الله علي من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟، فأجابه الرسول*صلي الله عليه وسلم*: الأمر إلي الله يضعه حيث يشاء، فلم يعجب هذا الرد طالب الدنيا فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، وانصرفوا عنه، وما علموا أي خير فقدوه.




عرض الإسلام علي الأفراد خارج مكة


الناس في ميزان الرجال ليسوا سواء، وإن كان إبراهيم *عليه السلام* أمةً كما وصفه ربه، فإن دونه رجال قد يوزن الواحد منهم بقبيلةً أو أكثر، وإن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي كان يقصد القبائل في موسم الحجيج، لم يكن يفوته أن يأتي رجالاً بأعينهم، أو أن يجلس إليهم إن هم بادروه، ومن هؤلاء الرجال الذين لبوا نداء الحق حين سمعوه في زيارتهم لمكة: سويد بن صامت، وإياس بن معاذ، وأبو ذر الغفاري، وطفيل بن عمرو الدوسي، وضماد الأزدي.


سويد بن صامت العاقل الذي يحسن أن يسمع ما أيسر دعوته! هكذا كان سويد الذي سماه قومه الكامل؛ لجلده وشعره وشرفه ونسبه، التقي بمُحَمّد صلي الله عليه وسلم* في أوائل العام الحادي عشر للبعثة فدعاه، فقال له سويد: لعل الذي معك مثل الذي معي، فسأله النبي صلي الله عليه وسلم*: وما الذي معك؟، فقال سويد: حكمة لقمان، ثم عرضها علي النبي *صلي الله عليه وسلم* فقال له: إن هذا الكلام حسن! والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالي علي هو هدي ونور، ثم تلا عليه القرآن، فقال سويد: إن هذا لقول حسن، ثم أسلم، هكذا بمنتهي السهولة واليسر. فحوار كحوار مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، وعقل لم توصد أبوابه، أو تسد نوافذه كعقل سويد، لا يقف أمامهما شيء، أما سويد فكأن الله قد أدركه في فرصته الأخيرة، فإنه ما إن عاد إلي المدينة *بلدته* حتى اختطفه الموت قتلاً في يوم بعاث.


إياس بن معاذ ما أشقي أولئك البشر الذين يدبون في الحياة الواسعة، ثم هم لا يرون منها إلا ما وطئته أقدامهم!. إن وفدًا من أوس يثرب قدم علي مكة يسأل قريشًا حلفًا يستعين به علي قتال بني العم، لم يدع لنفسه فرصة يستمع فيها لنبي الله وهو يدعوه لما هو خير وأبقي. أما إياس بن معاذ، وقد كان غلامًا حدثًا في صحبة قومه، فإنه لم يشغله الباطل الذي بين يديه عن الحق الذي تراءى أمام عينيه، وصاح بقومه عند سماعه حديث مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*: أي قوم، هذا والله خير مما جئتم له!، لكن أين لصوت الحق أن يجد آذانا تسمعه وسط صخب حديث الحرب؟!، إن جواب الأوس لإياس كان حفنة من التراب ألقيت في وجهه علي يد أحدهم *أبي الحيسر بن رافع* وهو يصيح بالنبي: دعنا عنك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. وأين ما جاءوا له مما جاءهم به ؟!. وانصرف الوفد قافلاً دون أن يحوز حلف قريش، أما إياس فإنه لم يلبث أن هلك، وكان يهلل، ويكبر، ويحمد، ويسبح عند موته، فلا يشكون أنه مات مسلمًا.


ضماد الأزدي ما أعجب ما لاقاه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من قومه! من هذا العجب موقفه حين كان سائرًا في طريقه، فإذا هو برجل يمني يعرض عليه بطيبة قلب أن يرقيه حتى يشفي من جنونه. أما هذا اليمني، فقد كان ضمادًا الأزدي، وكان يرقي من الريح ببلده، وغدا إلي مكة فسمع من أهلها أن مُحَمّدا مجنون، فرأي ببساطة أن يرقيه ليشفي، وما نفي مُحَمّد عن نفسه الجنون، وما نهي الرجل عن صنيعه، إنما ابتدره قائلاً: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحَمّدا عبده ورسوله، أما بعد. وهنا لم يتمالك الأزدي نفسه حتى قال له: أعد علي كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه الرسول *صلي الله عليه وسلم* ثلاثًا، فقال له ببساطة الحق وروعته: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك تلك، ولقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك علي الإسلام، فبايعه. حقًا‍! إن القلب الصادق، والعقل الفطن، لا يحتاجان لكثير جدال حتى يتبين لهما الحق.


بشري من يثرب في سكون الليل وظلمته، وبينما أوي أهل مكة وحجيج العام الحادي عشر للنبوة إلي فرشهم نائمين، إذ كان هناك فريقان لم يزر النوم عيونهم اليقظة. أما الفريق الأول فستة من شباب الخزرج، ممن ذكرهم موسم الحج بنبوءة جيرانهم وحلفائهم من يهود يثرب، بأن نبيًا من الأنبياء مبعوثًا في هذا الزمان سيخرج فتتبعه يهود ويقتلون معه العرب قتل عاد وإرم، ثم أقض مضجعهم أيضًا ما تركوه بيثرب من حرب أهلية بينهم وبين بني عمهم من الأوس، أكلت الأخضر واليابس، وأنهكت قواهم، وذهبت بها؛ فأخذوا يتحدثون فيما بينهم حديثــًا سري في هدوء الليل، وتسلل إلي آذان الفريق الثاني: مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* النبي الشغوف بدعوته وصاحبيه أبي بكر، وعلي، فقصدوا إلي شباب الخزرج وسألهم النبي: من أنتم؟، قالوا: نفر من الخزرج، فقال: من موالي يهود؟ *أي من حلفائهم*، فقالوا: نعم، فعرض عليهم *صلي الله عليه وسلم* الإسلام ودعاهم إلي الله وحده، وتلا عليهم القرآن فتفجرت ينابيع الحق من قلوبهم النقية، وأنفسهم الظمأي إلي حلاوته، وأسرعوا يقولون لبعضهم البعض: تعلمون والله ياقوم إنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقنكم إليه. وأسلموا علي يديه *صلي الله عليه وسلم* ثم قالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولاقوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسي أن يجمعهم الله بك. ورجع هؤلاء المسلمون الجدد إلي بلدهم حاملين رسالة الإسلام، حتى لم تبق دار من دورها إلا وفيها ذكر مُحَمّد. وهكذا شاء من جعل سجن يوسف المظلم طريقًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن، أن تكون هذه الليلة التي رآها المسلمون مظلمة؛ لضياع قوتهم، وقلة حيلتهم، وانصراف القبائل عن دعوته* أن تكون طريقًا أيضًا لظهور الحق وعلوِّ الشأن، وسبحان من قال: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:05

الفصل السادس


الإسراء والمعراج


ها هي البشارات تتوالى، والانتصارات تتعاقب في دأب شديد! ولئن بدا الرسول *صلي الله عليه وسلم* مهزومًا في عالم الشهادة، فلقد غدا منصورًا في عالم الغيب، الجن تؤمن به *في رحلة العودة من الطائف* حين كفر الناس، وأبواب السماء تفتح له، حين أغلقت في وجهه أبواب الأرض. أسري برسول الله *صلي الله عليه وسلم* بجسده من المسجد الحرام إلي بيت المقدس، راكبًا علي البراق، بصحبة جبريل *عليه السلام*، وبالمسجد الأقصى حيث أبناء إبراهيم من ولده إسحاق *عليهم السلام*، صلي مُحَمّد بالأنبياء إمامًا وكأن ذلك إيذان بانتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل *عليهما وعلي أبيهما السلام*، ثم عرج به *صلي الله عليه وسلم* إلي السماوات العلا حيث توالت>رؤيته للآيات العجيبة، وأمام ربه *عز وجل* كان فرض الصلوات الخمس، فلما أصبح رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في قومه أخبرهم بما أراه الله *عز وجل*، فكذبوه وآذوه، فساق لهم من دلائل صدقه ما يقنع عقولهم السقيمة، غير أنها لا تعمي الأبصار، ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.


فرض الصلوات الخمس خمسون صلاة في كل يوم وليلة هي ما فرضها الله *سبحانه وتعالي* علي سيد الأنبياء في رحلة المعراج، لكنه *صلي الله عليه وسلم* حين مر بموسى *عليه السلام* أشار إليه أن يرجع إلي ربه ويسأله التخفيف لأمته، ففعل ووضع عنه ربه عشرًا، ولم يزل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يتردد بين موسى *عليه السلام* الناصح بالتخفيف وربه تبارك وتعالي، حتى صارت الصلوات خمسًا، وعندها أجاب *صلي الله عليه وسلم* موسى الناصح بمزيد من التخفيف: قد استحييت من ربي، ولكني أرضي وأسلم، فلما بعد نادي منادٍ: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.


ما رآه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات وجب علي الأنبياء حمل ما لم يحمل به غيرهم، ولذا فقد حق لهم أن يصلوا إلي يقين لا يلزم غيرهم، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فقد عاين الأنبياء من الآيات العجيبة ما جعل الدنيا بأسرها تدنو في أعينهم عن جناح بعوضة، وما جعلهم يستعذبون في سبيل حمل الرسالة ما يمر عليهم من المحن والعذاب. وفي رحلة المعراج رأي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* من الآيات العجيبة ما ثبت فؤاده، وملأ قلبه يقينًا، ففي السماء الدنيا رأي آدم *عليه السلام*، ورأي أرواح الشهداء عن يمينه وأرواح الأشقياء عن يساره، وفي السماء الثانية رأي عيسي ويحيي *عليهما السلام*، وفي السماء الثالثة رأي يوسف *عليه السلام*، وفي السماء الرابعة رأي إدريس *عليه السلام*، وفي الخامسة رأي هارون *عليه السلام*، ورأي أخاه موسى*عليه السلام* في السادسة، ولما انتهي إلي السماء السابعة لقي إبراهيم *عليه السلام*، وكان كلما رأي نبيًا سلم عليه ذلك النبي ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلي الجبار* جل جلاله*، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدني، وفي هذه الرحلة تكررت له *صلي الله عليه وسلم* حادثة شق الصدر، وعرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، ورأي أربعة أنهار في الجنة، نهرين ظاهرين وهما: النيل والفرات، ونهرين باطنين، ورأي مالك خازن النار، كما رأي الجنة والنار، ورأي أكلة مال اليتامى لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون بقطع من النار في أفواههم فتخرج من أدبارهم، ورأي أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها علي الحركة، ويطؤهم آل فرعون حين يعرضون علي النار، ورأي الزناة يأكلون اللحم الغث المنتن، ويتركون السمين الطيب إلي جنبه، ورأي النساء اللاتي يدخلن علي أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن، وقد قص مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* علي أهل مكة حين أصبح خبر رحلته فصدقه من شاء الله له أن يصدق، وكذبه من صرف عن رؤية الحق رغم دلائل صدقه التي ساقها لهم النبي.


دلائل صدقه من آمن بالإسلام كله لايكذبه لبعضه، ومن عرف مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* آمن بصدقه كيفما حدَّث، هاتان الحقيقتان البسيطتان هما اللتان نطق بهما لسان أبي بكر بسهولة ويسر: لئن كان قاله، لقد صدق، فوالله إنه ليخبرني إن الخبر ليأتيه من السماء إلي الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه!، ولأن العقول والقلوب ليست كلها كعقل أبي بكر وقلبه، شاء الله أن يؤتي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* أدلة دامغة لمن أراد أن يمعن النظر، فقد سأله الناس أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له حتى عاينه، وطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وعن البعير الذي يقدمها، وعن بعير شرد لهم فدلهم عليه، وعن ماء كان لهم مغطي فشربه ثم تركه مغطي كما كان ليكون لهم آية، لكن أني لمن لم يصدع قلبه لآيات القرآن أن تهتز شعرة من رأسه لحديث النبي الصادق؟!.


بيعة العقبة الأولى


إن النبتة التي غرسها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بيده في موسم الحج في السنة الحادية عشرة للنبوة، قد اشتد عودها، حتى جاء في الموسم التالي اثنا عشر رجلاً، خمسة من الستة الذين قابلوه في العام الماضي، وسبعة جدد، جاءوا يبايعون الرسول *صلي الله عليه وسلم* عند العقبة بمني، بيعة كبيعة النساء يوم فتح مكة *أي علي الإيمان والطاعة*، دون حرب أو قتال، وقد بعث النبي *صلي الله عليه وسلم* معهم شابًا من السابقين إلي الإسلام هو مصعب بن عمير العبدري؛ ليعلم من أسلم بيثرب شئون دينهم، ويدعو بها من لم يسلم بعد، وقد بارك الله في سفارة مصعب، وكان يعرف بالمقرئ، وآمن بدعوته أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وقصة إسلامهما تنبئ بحكمة مصعب ودماثة خلقه، وقد أقام مصعب في دار أسعد بن زرارة يقوم بما انتدب له بجد وحماس حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا ما كان من دار أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، فقد وقف بهم عن الإسلام قيس بن الأسلت الشاعر حتى عام الخندق العام الخامس للهجرة. ولم يأت العام المقبل: العام الثالث عشر للنبوة إلا ومصعب قد عاد إلي مكة، يزف إلي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بشائر الفوز، وبوارق الأمل، في قبائل يثرب، وما بها من خير ومنعة.


بيعة العقبة الثانية: الله أكبر!! موسم الحجيج للعام الثالث عشر من النبوة يسفر عن غرس مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* وقد استغلظ واستوي علي سوقه، وفد يثرب يقدم قاصدًا مكة وبين صفوفه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان ممن أسلم وآمن بالدين الجديد، لا ينهزهم إلا شوقهم للقيا نبي الله *صلي الله عليه وسلم*، ومبايعته علي النصرة وتحت جناح الليل، وبعد مضي ثلثه الأول، كان التسلل خفية، للقاء الموعود، عند العقبة حيث الجمرة الأولي من مني، حسب الاتفاق المضروب، وبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ومعه العباس عمه *وهو بعد علي دين قومه*، أما أبو بكر وعلي فقد وقف كل منهما عينًا علي الطريق؛ لحراسة الاجتماع السري، وقبل أن يسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود البيعة أكد العباس علي خطورتها، وبعد أن سردها فقد كرر التأكيد علي خطورة البيعة، الأنصاريان السابقان: العباس بن عبادة، وأسعد بن زرارة، لكن الأنصار الذين عرف الإسلام طريقه إلي قلوبهم، ما كادوا يستمعون إلي قولهما حتى بادروا إلي مصافحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلين: والله لا نذر هذه البيعة، ولا نستقيلها. وبعد أن تمت البيعة، قام الأنصار تنفيذًا لطلب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* باختيار اثني عشر نقيبًا، حتى إذا تمت البيعة، اكتشف شيطان المعاهدة فصاح علي قريش يستفزهم، وسعت قريش لمطاردة المبايعين؛ لقتل حركة تعلم جيدًا شدة خطورتها، لكن الله سترهم، ولم تظفر قريش إلا بسعد بن عبادة الذي أجاره المطعم بن عدي، والحارث بن حرب بن أمية، فعاد سالمًا إلي ركبه، وعاد الجمع الميمون إلي المدينة ينشرون دعوة الله، ويهيئون يثرب لإقامة دولة الإسلام الأولي في الأرض، ويستعدون لاستقبال المهاجرين، ونبيهم *صلي الله عليه وسلم*.


بنود البيعة: كانت بيعة العقبة الأولي علي الإيمان والطاعة، أما هذه البيعة فقد كانت علي الجهاد والقتال كذلك، وقد جمع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنود هذه البيعة في نقاط خمس:


1)   الأولى : السمع والطاعة في النشاط والكسل
2)   الثانية : النفقة في اليسر والعسر
3)   الثالثة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
4)   الرابعة: أن يقوموا في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم
5)   الخامسة: أن ينصروا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إذا قدم إليهم، ويمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم، وأزواجهم، وأبناءهم.
وواضح من هذه البنود الخمسة أن الإسلام لم يعد عقيدة تسكن أفئدتهم فحسب، بل صار دعوة، وحركة، وجهادًا، وتضحية، تكلفهم أرواحهم ودماءهم في بعض الأحيان، أما وعد النبي *صلي الله عليه وسلم* إن هم وفوا بما عليهم، فلم يكن النصر في الدنيا ولا الغلبة علي أعدائهم، كما لم يكن متاعًا أو جاهًا يتنعمون به إنما كان الجنة، والجنة فحسب. وقد سأل أبو الهيثم بن التيهان رسول الله *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها *يعني اليهود*، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلي قومك وتدعنا؟، فتبسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم. وعلي شدة وضوح الخطورة في بنود هذه البيعة، إلا أنه تم التأكيد علي خطورتها من الحاضرين ليبايع من أراد وهو علي بينة من أمره.


التأكيد على خطورة البيعة أن يبايع المرء علي الدفاع عن دعوة جندها الفقراء والمستضعفون، وأعداؤها كل ذي سطوة وقوة علي ظهر الأرض ليس بالأمر اليسير، وخير للمرء أن يعتذر بأدب في أول الدرب علي أن ينكص علي عقبيه بعد أن يحاط بالجمع الغفير!. لهذا الأمر بدأ العباس عم النبي *صلي الله عليه وسلم* الحديث مع الأنصار قائلاً بقوة ووضوح: يا معشر الخزرج، إن مُحَمّدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو علي مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أبي إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزة ومنعة من قومه وبلده. والحق أن العباس قد أوضح الأمر بجلاء ويسر، فما كان من كعب بن مالك إلا أن طلب من رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن يسرد بنود بيعته حتى يبايعوه عليها، فقال: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت! فسرد النبي *صلي الله عليه وسلم* بنود بيعته؛ ليبايعوه، لكن العباس بن عبادة أسرع ليؤكد للقوم خطورة ما أقدموا عليه فقال: إنكم تبايعونه علي حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه علي نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة، فقالت الأنصار: لرسول الله *صلي الله عليه وسلم*: ابسط يدك. لكن أسعد بن زرارة أخذ بيده *صلي الله عليه وسلم* قائلاً: رويدًا يا أهل يثرب! إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة،وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم تصبرون علي ذلك فخذوه وأجركم علي الله،وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله. لكن الأنصار صاحوا بأسعد في ثبات ويقين: يا أسعد، أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فكانت البيعة.


اختيار النقباء


ما أروع الإسلام حين تدب في نصوصه الحياة فتسعي في الأرض تنظم للمسلمين شئونهم، يقرر الإسلام مبدأ الشورى، ثم تأتي بيعة العقبة الثانية ليتجلى هذا المبدأ في أبهى صوره، رسول الله لا ينتقي -وهو النبي المعصوم- منهم أحدًا، إنما يكل الأمر إليهم قائلاً: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا؛ ليكونوا علي قومكم بما فيهم. أما الأنصار فيعلمون أنهم جميعًا أمام شرع الله سواء، من آمن في العام الحادي عشر، ومن بايع بيعة العقبة الأولي، ومن لم يمض علي بيعته سوي لحظات، الجميع سواسية، لهم نفس الحق، وعليهم ذات الواجب، وفي الحال تم انتخاب تسعة نقباء من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم أخذ عليهم النبي -صلي الله عليه وسلم- ميثاقًا آخر بصفتهم الرئاسية قائلاً: أنتم علي قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسي بن مريم، وأنا كفيل علي قومي -يعني المسلمين-، فقالوا: نعم!. ويا لها من عظمة نبوية جليلة حين أعلن مُحَمّد -صلي الله عليه وسلم- التكافؤ في المسئولية بينه وبين النقباء الجدد في قوله: وأنا كفيل علي قومي.


اكتشاف قريش للبيعة ومطاردة المبايعين


 "يا أهل الأخاشب، هل لكم في مُحَمّد والصباة معه قد اجتمعوا علي حربكم؟". انطلقت هذه الصيحة، بأنفذ صوت سمع قط، من فوق مرتفع من الأرض، في اللحظات الأخيرة للبيعة؛ لتصل إلي سمع كل قرشي بمني، وعرف النبي -صلي الله عليه وسلم- صاحب الصيحة فقال: هذا أزب العقبة -وهو شيطان-، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك. ثم أمر الأنصار أن يسارعوا إلي رحالهم، ولعل هذه الصيحة كانت أول اختيار وأسرعه لصدق الأنصار في بيعتهم، فقد أسرعوا بوضع أيديهم علي مقابض السيوف قائلين: لئن شئت يا رسول الله لنميلن غدًا علي أهل مني بأسيافنا؛ لكنه -صلي الله عليه وسلم- أبي أن يعجل بمعركة يكون ثمنها أرواح المسلمين، ودماءهم دون نفع أو جدوى فقال لهم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلي رحالكم؛ فرجعوا وناموا حتى أصبحوا، وظلت كلماته -صلي الله عليه وسلم-: "لم نؤمر بذلك" درسًا معلقًا بأذهانهم يتعلمون منه التخلي عن تهور الجاهلية وطيشها، وإعلاء مصلحة دين الله فوق كل مصلحة، والاحتكام الدائم إلي شرع الله تعالي، فلا تكون حركة إلا بأمر أو إجازة من الله ورسوله.


مطاردة المبايعين: مادت الأرض تحت أقدام قريش وطاشت عقولهم، إن مُحَمّدا قد أعجزهم وهو الضعيف بمكة، فكيف يصنع وكيف يصنعون إن وجد لدعوته حصنًا بيثرب؟! إنها نهاية قريش إذن، والواجب عليهم أن يبادروا الحركة الوليدة في مهدها قبل أن يشتد عودها، وينتشر خطرها، ذهب زعماء مكة إلي مخيم يثرب قائلين: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلي صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه علي حربنا، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينكم، وبقدر ما اشتمل قولهم هذا علي التهديد والوعيد بقدر ما اكتسي بحلة الرقة والملاطفة، لكن مشركي يثرب ما كان لهم علم بما صنعه أهلوهم من المسلمين، فأخذوا يقسمون لهم أن حلفًا بينهم وبين مُحَمّد ما وقع، وما كان له أن يقع، وما زالوا بهم حتى أقنعوهم بكذب هذا الخبر. انصرفت قريش وهي لا تشك في صدقهم، ثم إنهم لم يزالوا يبحثون ويتحرون عن الأمر حتى تأكد لهم أن الخبر صحيح، والبيعة قد تمت فعلاً، فهموا بمطاردة اليثربيين، لكن بعد فوات الأوان، إذ كانوا قد انصرفوا إلي أوطانهم، فلم يدركوا منهم إلا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فطاردوهما، وأفلت المنذر منهم فلم يظفروا إلا بسعد بن عبادة الذي أخذوا يضربونه ويجرون شعره حتى أدخلوه مكة، وما أنقذه من أيديهم إلا المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية، فقد كان سعد يجير لهما قوافلهما المارة بالمدينة، ولحق سعد بإخوانه، فعاد الركب المبارك آمنًا إلي المدينة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:08

الفصل السابع


الهجرة إلى يثرب ومؤامرة قريش


 كانت بيعة العقبة الثانية أخطر انتصار حققته الدعوة منذ ولادتها، فقد صار لها اليوم حصن ووطن، وسط صحراء العرب الواسعة، وكما أدرك هذا رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فأسرع في إرسال المسلمين إلي يثرب ليبادروا إلي تأسيس المجتمع الجديد بها، فإن قريشًا قد انتبهت لذلك أيضًا، فأخذت تحول بينهم وبين الهجرة، وفي ظل هذا المناخ القلق كان المسلمون يلوذون فرارًا إلي يثرب، لا يحملون معهم سوي إيمانهم بالله ويقينهم به، مخلفين وراءهم بيوتهم وأموالهم، وتجارتهم ومصالحهم، بل بعض أهليهم في العديد من الأحيان. وإن هجرة كهجرة أبي سلمة وزوجته، وكهجرة صهيب الرومي، أو هجرة عياش بن أبي ربيعة، لتوضح لنا ما كان المسلمون يلاقونه من كيد قريش حتى يمنعوهم من الهجرة، لكن عناية الله ورحمته حالت دونهم وما يبغون، فما مضي بعد بيعة العقبة إلا شهران وبضعة أيام حتى لم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله، وأبو بكر، وعلي *أقاما بأمره لهما*، ومن احتبسه المشركون كرهًا.


مؤامرة قريش إن الخطر الذي كانت تراه قريش بعقلها حين تفكر في أمر هذه الدعوة قد أخذ يتجسد الآن بعد هجرة المسلمين إلي يثرب، حتى صارت تراه حقيقة بعيونها المندهشة!، ولئن هي صبرت علي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* دون أن تغمد في صدره سيفها فيما مضي احترامًا لأبي طالب، أو إبقاءً علي ود بني هاشم، أو إجلالاً لجوار المطعم بن عدي، فإن ما يحدث بيثرب الآن يدفعها دفعًا؛ لتجهز علي هذا النبي قبل أن يلحق بأتباعه، فلا تستطيع رد سهم قد نفذ. واجتمعت في دار الندوة في السادس والعشرين من صفر سنة أربع عشرة من البعثة وجوه قريش الممثلة لكافة بطونها، وظلوا يتدارسون بينهم خطة الإجهاز علي نبي الله *صلي الله عليه وسلم* وانتهت المشاورة إلي أخبث خطة لقتل من أرسل رحمة للعالمين... مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.


المشاورة: بين جدران دار الندوة كانت المؤامرة تحاك خيوطها، والجريمة البشعة ترسم خطواتها، ولئن بدأ إخوة يوسف بالقتل حين أرادوا الوقيعة به ثم انتهوا إلي النفي لصلاح بقي في قلوبهم، فإن قلوب وجوه قريش المظلمة، وعقولهم الصدئة قد أبت إلا تنكب هذا الطريق، بدأت آراؤهم بقول ابن الأسود: نخرجه من بين أظهرنا، وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. ثم عرجت آراؤهم إلي قول البختري: احبسوه في الحديد، وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله *زهير والنابغة* ومن مضي منهم من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. لكن حظ هذا الرأي من القبول لم يزد عن سابقه، ثم انتهوا إلي رأي أبي جهل بن هشام الذي قال لهم: والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد!، أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتي منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعًا فلم يقدر بنو عبد مناف علي حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالدية فأديناها لهم. ووافق المتآمرون علي هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجعوا إلي بيوتهم، وقد ظنوا أنهم سينفذونه.


أسماء المؤتمرين: كان المؤتمرون في هذا اليوم يمثلون وجوه قريش وبطونها، فعن قبيلة بني مخزوم كان أبو جهل بن هشام، وعن بني نوفل بن عبد مناف كان جبير بن مطعم وطعيمة بن عدي، وعن بني عبد شمس بن عبد مناف كان شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، وعن بني عبدالدار كان النضر بن الحارث، وعن بني أسد بن عبدالعزي كان أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام، وعن بني سهم كان نبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعن بني جمح كان أمية بن خلف، وعند مجيئهم إلي دار الندوة اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، فقالوا له: من الشيخ؟، فأجابهم: شيخ من أهل نجد، سمع بالذي اتعدتم له، فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسي ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا؛ فأدخلوه معهم، وهكذا اجتمع إبليس الجن مع أبالسة الإنس علي كيد النبي *صلي الله عليه وسلم* والله بما يعملون محيط.


هجرة النبي *صلي الله عليه وسلم*


"علي رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". هكذا كانت إجابة النبي *صلي الله عليه وسلم* لأبي بكر حين تجهز للهجرة إلي المدينة، وما إن علم الصديق بذلك حتى حبس نفسه علي رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، ليصحبه، وعلف راحلتين بذلك استعدادًا للهجرة المرتقبة، وفي السابع والعشرين من صفر للسنة الرابعة عشرة من النبوة جاء الأمر بالهجرة من الله *عز وجل* إلي رسوله الكريم، فانطلق في الظهيرة إلي صاحبه أبي بكر، متقنعًا؛ ليخبره الخبر، ثم رجع *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أبرم الخطة مع صديقه إلي بيته ينتظر مجيئ الليل، أما مشركو مكة فقد تعجلوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة، وقاموا بتطويق المنزل، حتى يغمدوا في صدره الشريف سيوفهم إذا أرخي الليل أستاره، لكن رافع السماوات بغير عمد، مالك الملك، ومدبر الأمر *سبحانه وتعالي*، جرت مشيئته بأن يغادر الرسول بيته، ثم يلحق بأبي بكر؛ ليتحركا إلي غار ثور، وفي الغار كان اختباؤهما عن عيون قريش، التي جن جنونها، وأسرعت في مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم*، ولما أعجزها الطلب، رصدت مكافأة ضخمة لمن يأتي لها بالمهاجرين حيين أو ميتين، فاجتمع عليه *صلي الله عليه وسلم* مع مطاردة قريش مطاردة سراقة بن مالك أيضًا. ومضي النبي *صلي الله عليه وسلم* في حماية ربه وأمنه قدمًا في الطريق إلي المدينة، وجرت له بها أحداث عديدة، منها: نزوله *صلي الله عليه وسلم* وأبي بكر في خيمة أم معبد، التي هنئت بمقدمه المبارك، ومازال الرسول *صلي الله عليه وسلم* يتقدم في مسيره حتى نزل بقباء، ثم دخل المدينة التي طال اشتياق أهلها لمجيئه وإقامته بها، وبعد أيام من وصوله لحق به أهله *صلي الله عليه وسلم* وأهل أبي بكر، ثم كانت هجرة علي *كرم الله وجهه*.


الأمر بالهجرة نزل جبريل الأمين *عليه السلام* إلي النبي يخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الهجرة، ويحدد له وقت الهجرة في قوله: لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه. ومن فوره ذهب الرسول *صلي الله عليه وسلم* في حر الظهيرة إلي أبي بكر متقنعًا، فعلم الصديق أن نبيه لم يأت في هذه الساعة إلا لأمر قد حدث، واستأذن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* ثم دخل علي أبي بكر *رضي الله عنه* قائلاً: إني قد أذن لي في الخروج، فأجابه الصديق: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟! فقال *صلي الله عليه وسلم*: نعم. وعاد النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي بيته مترقبًا مجيء ليل، ينتظره معه صناديد قريش!.


تطويق المنزل أمضي كبراء قريش *بل سفهاؤها* نهارهم في الإعداد لمعركتهم الكبرى والتي سيواجهون فيها بشجاعة رجلاً أعزل ينام هادئًا في فراشه البسيط!! وبسخرية شديدة أبدي أبو جهل دهشته المتعالية من أمر النبي *صلي الله عليه وسلم* حين وقف مع جمعه الفتي محاصرًا بيت النبوة غير شاك من نفاذ أمره قائلاً: إن مُحَمّدا يزعم أنكم إن تابعتموه علي أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نارٌ تحرقون فيها. ولا شك أن سخريةً ودهشةً هما أكبر من سخرية أبي جهل ودهشته ستكون من نصيبنا نحن!! نحن الذين نطالع الآن هذا الحدث، ونحن نعلم كيف سيخيب أبو جهل وفريقه، وكيف سيخرج النبي *صلي الله عليه وسلم* من بينهم سالمًا، وكيف سيكون له فيهم ذبح، ويكون لأتباعه من بعده ملك العرب والعجم، أما السخرية فمن موقفه المتعالي ذاك، وأما الدهشة فمما نعلمه من إصراره علي مضيه في طريقه بعد ظفره من هذا الحصار بخفي حنين الشهيرين!.


الرسول يغادر بيته مر رجل مشرك ببيت مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ليلاً فرأي أمرًا عجبًا، سادة قريش وكبراؤها ينامون حول باب البيت ورؤوسهم مغطاة بالتراب!! وبدهشة قد خالطتها السخرية أيقظهم متسائلاً: ماذا تنتظرون؟، فأجابوه بثقة الأغبياء: مُحَمّدا. أما مُحَمّد الذي ينتظرونه فإنه قد خرج من بين صفوفهم المتراصة، بعد أن جعل عليًا مكانه في الفراش، وغطاه ببردته، وأخذ حفنة من التراب وجعل يذرها علي رؤوسهم، وهو يتلو: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون)، وأفاق مشركو مكة علي كلمات الرجل، التي ألقاها في وجوههم وهو يتولى عنهم متعجبًا قائلاً: خبتم وخسرتم، فو الله مر بكم، وذر علي رؤوسكم التراب، وانطلق لحاجته، لكن النومى المعاندين نفضوا عن رؤوسهم التراب، وتطلعوا من صير الباب، فرأوا عليًا، فطمأن بعضهم بعضًا قائلين: والله إن هذا لمُحَمّد نائم، عليه برده. فبقوا في أماكنهم متيقظين متنبهين حتى استيقظ علي وقام عن فراشه، فطاش صوابهم، وسألوه عن النبي *صلي الله عليه وسلم* فقال ببساطة: لا علم لي به!.


من الدار إلى الغار ومطاردة الرسول


 بينا الليل قد أرخي ستاره علي مكة في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر للسنة الرابعة عشرة لبعثته *صلي الله عليه وسلم* إذ سمع أبو بكر الصديق من يطرق بابه، وعلي الفور استقبل الصديق زائره المرتقب مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، وأسرع خارجًا معه من باب خلفي بالدار، وعلي عكس المتوقع، اتجه النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه جنوبًا باتجاه اليمن، وأخذ يجدُّ وصاحبه في السير خمسة أميال حتى وصلا إلي جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقي، ذي أحجار كثيرة، يعرف بجبل ثور، فتسلقاه إلي أن انتهيا إلي غار في قمة الجبل، عرف بغار ثور فدخلاه.


في الغار لا شك أن تاريخ الإنسان علي الأرض سيظل يحفظ في ذاكرته هذا المشهد باعتزاز وتقدير! نبي كريم يحمل النور للبشرية يقبع في غار مظلم، وقد أجهده السير، فوضع رأسه في حجر صاحبه، ثم نام لكنه الآن ينتبه، وما أيقظه إلا دموع صاحبه التي انحدرت رغمًا عنه فوقعت علي وجهه الشريف، ويسائل مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* صاحبه: مالك يا أبا بكر؟ فيجيبه الصديق: لدغت، فداك أبي وأمي. إن أبا بكر وقد وجد ثقبين في الغار، خاف علي نبيه العظيم، فوضع في كل واحد منهما قدمًا من قدميه، حتى لدغ، فأبي أن يتحرك حتى لا يوقظ حبيبه، حقًا ما أقسى جبل ثور، وما أرق المشاعر التي حبست في جوفه!، تفل الرسول صلي الله عليه وسلم* علي قدمه، فذهب عن أبي بكر ما أصابه، وبقي المهاجران بالغار ثلاث ليال يأتيهما عبد الله بن أبي بكر بخبر قريش ليلاً، ثم يغدو عليهما عامر بن فهيرة مولي أبي بكر بغنم له، فيشربان من لبنها، ويعود مولي أبي بكر بغنمه إلي مكة، مزيلاً بآثارها آثار ابن أبي بكر.


مطاردة الرسول *صلي الله عليه وسلم* إن سيوف قريش العازمة علي اختراق جسد النبي الشريف لم تلق في صبيحتها مُحَمّدا في بيته، وبدلاً من اعترافها بالعجز أمام قدرة الله تعالي ومشيئته، استدارت رؤوس الكفر لتصب جام غضبها، وتظهر مدي شجاعتها علي فتي أعزل، وفتاة وحيدة، أما الفتي فكان عليًا، فضربوه وسحبوه إلي الكعبة، وحبسوه ساعة، وأما الفتاة فكانت أسماء بنت أبي بكر، قدموا إليه بقوتهم المتغابية، بعد أن عجزوا عن أن يظفروا من علي بمعلومة تفيدهم، فقرعوا بابها وسألوها عن أبيها، فأجابتهم بثبات: لا أدري والله أين أبي، فرفع المتغطرس الفاحش الخبيث أبو جهل يده، ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها، ثم مضي يعوي، وقد لحقه جيش الأغبياء. واجتمعت قريش، وأصدرت أوامرها المتعالية الطائشة: توضع جميع الطرق الخارجة من مكة تحت الحراسة المشددة، ومن يأت بمُحَمّد أو صاحبه حيًا أو ميتًا يمنح مكافأة مائة من الإبل. ينتشر علي الفور الفرسان والمشاة وقصاص الأثر في الطلب. لكن ما جدوى ذلك كله والله هو المقدر والمدبر؟! نعم وصلت أقدامهم الخائبة إلي باب الغار، وخشي أبو بكر من افتضاح أمرهما وقال: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا، وخاف أن يمس رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بسوء، فقال: إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، لكن ما جدوى وصولهم والأمر بيد الله تعالي من قبل ومن بعد؟! هكذا كان الدرس الذي نطق به النبي *صلي الله عليه وسلم* متسائلاً: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟!.


مطاردة سراقة فارس مترجل عن فرسه النجيبة، يحمل رمحه، ويسعى خلف رجل أعزل يطلب منه الأمان! والأعزل يسير قدمًا، يتلو قرآن ربه، ولا يلتفت إليه! تلك هي الصورة التي نقلتها لنا كتب السيرة لفارس بني مدلج: سراقة بن مالك بن جعشم، حين خرج يطارد رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه الصديق طامعًا في مكافأة قريش، فعاندته فرسه وغاصت قوائمها في الرمل مرارًا، حتى علم أن مُحَمّدا وصاحبه ممنوعان، وأعطي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* سراقة الأمان، كتابًا خطه عامر بن فهيرة، ليحتفظ به سراقة، سراقة الذي بدأ يومه محاربًا للنبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم أنهي هذا اليوم مدافعًا عنه، بتضليل المطاردين له، وصرفهم عن هذا الطريق.


في الطريق إلى المدينة


 ثلاثة أيام مرت علي النبي *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه في الغار حتى هدأت المطاردة، ثم خرجا بعدها ليبدءا رحلتهما إلي المدينة بصحبة دليلهما عبد الله بن أريقط، الذي كان علي دين قريش، وكانا قد عهدا إليه براحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وصحبهما أيضًا عامر بن فهيرة مولي أبي بكر، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما، ثم تحرك الركب جنوبًا باتجاه اليمن، فغربًا نحو الساحل ثم شمالاً بمحاذاة الساحل، في طريق لا يسلكه أحد إلا نادرًا، وكان الصديق خلال الرحلة يفرغ وسعه لراحة النبي *صلي الله عليه وسلم* وأمنه، فإذا سأله أحد: من هذا الرجل الذي بين يديك؟، أجابه: هذا الرجل يهديني الطريق؛ حتى يخفي حقيقة النبي *صلي الله عليه وسلم* طلبًا لسلامته، ودون أن يكذب، وفي الطريق كانت هناك مفاجأة كبيرة تنتظر رسول الله *صلي الله عليه وسلم* وصاحبه: تلك هي اعتراض بريدة بن الحصيب الأسلمي لهما طمعًا في مكافأة قريش، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* دعاه إلي الإسلام، فأسلم من فوره مع سبعين رجلاً من قومه، ونزع عمامته، وعقدها برمحه، فاتخذها راية تعلن بأن ملك الأمن والسلام قد جاء ليملأ الدنيا عدلاً وقسطًا، وكانت فرحة رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بهذا النصر الجديد كبيرة، إذ بإسلام بريدة الذي كان سيد قومه دخلت قبيلة أسلم في الإسلام، وصارت قاعدة إسلامية جديدة علي الطريق بين مكة والمدينة، ولقي النبي *صلي الله عليه وسلم* في الطريق أيضًا الزبير، وهو في كرب من المسلمين، كانوا تجارًا عائدين من الشام، فكسا الزبير النبي *صلي الله عليه وسلم*وصاحبه ثيابًا بيضاء.


في خيمة أم معبد


حامل الخير تجد أثره وريحه حيثما مر! ولقد مر نبي الله بخيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جلدة تطعم وتسقي من مر بها، إلا أنها اعتذرت عن تقديم شيء لمُحَمّد وصاحبه قائلة: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى، فجاء النبي إلي شاة ضعيفة، لم تستطع لشدة ما بها أن ترعي مع الغنم، ثم مسح بيده الشريفة علي ضرعها، وسمي الله ودعا، فامتلأ لبنًا حلبه النبي *صلي الله عليه وسلم*، ثم سقاها، فشربت حتى رويت، وسقي صحبه حتى روي، ثم شرب وحلب في إناء لها ثانيًا، حتى ملأه ثم تركها وارتحل، وأفاقت أم معبد علي صوت زوجها: من أين لك هذا؟ والشاة عازب ولا حلوبة في البيت؟! فأخبرته خبر الرجل المبارك الذي مر بها فقال: إني والله أراه صاحب قريش الذي تطلبه، ثم قال: لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلي ذلك سبيلا!. أما أهل مكة فقد أصبحوا يسمعون صوتًا ينشد بأبيات يصف بها مرور مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بخيمتي أم معبد، وهم يتبعون صاحب الصوت ولا يرونه، فلما سمع الناس صوت هذا الرجل من الجن علموا أين ذهب مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.


النزول بقباء كانت ظهيرة يوم الإثنين الثامن من ربيع الأول سنة أربع عشرة للنبوة، ظهيرة شديدٌ حرها، ألجأت المسلمين الذين كانوا يخرجون لاستقبال رسول الله *صلي الله عليه وسلم*، تتنازعهم مشاعر الخوف، وجواذب الشوق* ألجأتهم إلي الاحتماء ببيوتهم، وفي هذا الجو القلق، الذي يغلفه السكون برداء ثقيل، إذا بصرخة مدوية يطلقها يهودي من فوق مرتفع تشق عنان السماء قائلة: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون!. وما كادت هذه الصرخة تصل إلي آذانهم حتى انطلق المسلمون إلي السلاح، وتعالت أصوات التكبير فرحًا بقدومه، وسمع التكبير في بني عمرو بن عوف، وأسرع المسلمون للقاء المرتقب، لقاء خير الأحبة، وسيد الأنام، حامل النور والهداية، مُحَمّد بن عبد الله فأحدقوا به، وأحاطوه وقد كسته السكينة، والوحي يتنزل عليه بقول ربه *عز وجل*: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكان يومًا مشهودًا زحفت فيه المدينة بأسرها لاستقبال الرسول، ونزل في بني عمرو بن عوف، ونزل بقباء علي كلثوم بن الهدم، وأقام بها أربعة أيام، أسس خلالها مسجد قباء وصلي فيه، فلما كان بها اليوم الخامس *يوم الجمعة*؛ أرسل إلي أخواله من بني النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم، فركب وأبو بكر خلفه، وسار نحو المدينة، حتى أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلي بهم الجمعة وكانوا مائة رجل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:10

الفصل الثامن


الدخول في المدينة


إن عافية الله الواسعة، والتي سألها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ربه والدماء تغطي عقبيه، وهو مطرود ملاحق من سفهاء الطائف تتبدى الآن إحدى آياتها، فطرقات المدينة وبيوتها تهتز بأصوات التكبير والتحميد، وبنات الأنصار ينشدن الأناشيد فرحًا بقدوم النبي، ونبي الله يتجاذب خطام راحلته أهل الأنصار وكل يقول له: هلم إلي العدد والعدة، والسلاح والمنعة، وهو يقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. أما دابة النبي *صلي الله عليه وسلم* فكان من توفيق الله لها أن بركت في ديار بني النجار *أخوال رسول الله* من كان يحب أن ينزل عليهم، ونزل عنها النبي *صلي الله عليه وسلم* وأقام في بيت أبي أيوب الأنصاري، وأخذ أسعد بن زرارة بزمام راحلته فكانت عنده، وهكذا صار لدعوة الله دار تعيش بها، وصار لقيادتها حصن تأوي إليه، وبقي للإسلام أن يخوض معركته الكبرى بتأسيس مجتمع جديد! وقد دعا نبي الله *صلي الله عليه وسلم* للمدينة حين أخبرته زوجه عائشة بمرض أبي بكر وبلال فقال: اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبًا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجحفة.


هجرة أهله وأهل أبي بكر بعد أيام من وصوله إلي المدينة وصلت إليه زوجته سودة، وبنتاه فاطمة وأم كلثوم، وأسامة بن زيد، وأم أيمن، وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر ومنهم عائشة، وبقيت زينب عند أبي العاص لم يمكنها من الخروج حتى هاجرت بعد بدر.


هجرة علي *رضي الله عنه* إن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي أحاط به قومه ليقتلوه ليلة الهجرة أوصي عليًا حين جعله مكانه في فراشه أن يرد الودائع التي عنده لأهلها من قريش، وما إن قام علي بن أبي طالب بمهمته تلك في أيام ثلاثة حتى هاجر ماشيًا علي قدميه؛ ليلحق بنبيه بقباء، وينزل عند كلثوم بن الهدم.


الدفاع عن المدينة


الماء الساكن خلف السد لا تدرك قيمته حتى يتدفق تياره، والحجرة المظلمة لا يري جمالها حتى تضاء أركانها، وكذلك المدينة عند الهجرة كان بها كثير من الخير الساكن، وبعض الأركان المظلمة، وتغير ذلك كله كان ينتظر وصول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* والذي ما إن وصل حتى بدأ في تأسيس مجتمع جديد قبل أن ينزل عن راحلته، لكن أني للكفر أن يهدأ، وهو يبصر الإيمان ساعده يشتد، وجنوده تتجمع. لم تستطع قريش أن تكظم حقدها فأرسلت تهدد المسلمين وتتوعدهم، وهنا أنزل الله الإذن بالقتال أولاً، ثم فرض القتال بعده، وكما كانت قلوب المسلمين تهفو إلي مكة حوَّل الله صدورهم في الصلاة إلي الكعبة بنزول الوحي بتحويل القبلة. وما إن مر شهر علي تحويل القبلة، حتى ساق الله المسلمين دون تهيؤ منهم إلى غزوة بدر الكبرى فكان نصرًا كبيرًا، ونجاحًا مؤزرًا، تلته أعياد أقيمت، وفروض فرضت. واستمر الجهاد حتى كانت غزوة أحد في العام الثالث للهجرة، ولم يكد المسلمون يضمدون جراحاتهم، حتى استأنفوا جهادهم دفاعًا عن دولتهم الفتية، وأدركت قريش أنه لا قبل للمشركين بمحاربة المسلمين، إلا إذا اتحدت فصائلهم، وتجمعت أشتاتهم، فألفوا الأحزاب، وأحاطوا بالمدينة ينوون استئصال خضرائها، وإبادة ساكنيها، فكانت غزوة الأحزاب، التي نصر الله فيها عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وقد كشفت هذه الغزوة عن لؤم اليهود وغدرهم؛ فتلاها الرسول *صلي الله عليه وسلم* بغزوة بني قريظة، وظل النشاط العسكري متقدًا بعدها حتى كانت وقعة الحديبية، والحق أن مكائد اليهود، والدور الذي لعبه المنافقون جعل مهمة الدفاع عن المدينة، لاتقتصر علي حماية حدودها فحسب، بل تشتمل أيضًا محاربة أعدائها الكامنين داخل الأسوار.




المدينة عند الهجرة


يظن البعض أن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* القادم من مكة المشتعلة حربًا عليه وعلي دعوته، قد دخل المدينة الهادئة الوادعة، ليتمتع فيها بالاستقرار والراحة، والحق أن هذا ظن قد فاته الصواب!. إن دخول الإسلام إلي المدينة قد بدل واقعها من حال إلي حال، وإن دخول مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة كان في قمة هذا التحول! أهل المدينة كانوا أوسًا وخزرجًا، فصاروا مسلمين ومشركين، والروابط كانت للعشيرة، فأصبحت للعقيدة، ومهاجرو مكة أضحوا مواطني المدينة، وحرب بعاث أمست رمادًا، والحكم صار لله، ودار الحكم موقعها المسجد، ومُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* يحكم بأمر ربه، أما تاج ابن أبي فقد طواه النسيان، ويثرب التي كانت تأمن من حولها، الآن تواجه الخطر من قريش والعربان، وأكثر من ذلك كله تنظيم الديار حول المسجد، وتغيير الأعراف الاجتماعية، وزوال أخلاق الجاهلية، وإشراق أخلاق الإسلام، وتجديد أسواق المدينة وعلاقاتها الاقتصادية، كل ذلك التحول الذي بدأه إيمان ستة من أهل يثرب، وزاده انتشار الإسلام في بيوتها وقدوم المهاجرين إلي ديارها* شهد الرسول أقصاه حين دخل المدينة القلقة، وحين تعامل مع أهلها، مسلمين، ومشركين، ويهود فأقام مجتمـعًا قاوم محاولات تفتيته بقوة وعزم.


المسلمون بالمدينة : لم يكن مسلمو المدينة علي وجه واحد، بل كان منهم المهاجرون الذين خلفوا وراءهم أموالهم وديارهم وبعض أهليهم، طاعة لرسول الله، ونصرة لدين *الله عز وجل*، كما كان منهم الأنصار المقيمون بديارهم، واشتمل رهط الأنصار علي شعبتين؛ الأوس والخزرج، وقد تجلت عظمة الإسلام، وحكمة نبيه في تحويل هذه الخيوط المتعددة إلي نسيج واحد، تجمعهم المؤاخاة وتؤلف العقيدة بين قلوبهم.


المشركون بالمدينة : "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم"؟! هكذا انطلقت كلمات رسول الله *صلي الله عليه وسلم* تشق غبار حرب أعلنها مشركو المدينة علي مسلميها، وهكذا كانت خطته الحكيمة! فالمشركون يخيفون الناس من خطر قريش القادم، ويَدَّعون الحكمة في قتال المسلمين، ويجعلون من المسلمين عدوهم، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم*فهو يعلن في جمله الثلاث تلك المتعاقبة، أن الخطر في قتال الأهلين من المدينة، والغفلة والسفاهة في إعلان هذه الحرب، وأن العدو الأوحد لكلا الفريقين هو تجمع قريش بمكة!، وبكلماته تلك الحاسمة، استطاع أن ينهي حربًا كاد أن يستعر لهيبها!! وأن يقاوم محاولة لتفتيت المجتمع بالمدينة. والحق أن غالب مشركي المدينة لم يكونوا علي هذا القدر من الحقد والضغينة، فسوي عبد الله بن أبي الذي كاد أن يتوج ملكًا، لولا قدوم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* إلي المدينة، وسوي من معه من الرؤساء الذين انهارت زعامتهم الجاهلية بظهور نور الإسلام، لم يكن هؤلاء المشركون يبطنون العداوة للإسلام، بل كانوا علي شك من دينهم، وتردد في تركه حتى انتقلوا إلي الإسلام أرسالاً.


اليهود في المدينة : بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، تلك قبائل اليهود الثلاث التي كانت تقطن المدينة، وهم رغم أصولهم العبرانية إلا أنهم صبغوا بالصبغة العربية في الزي واللغة والحضارة؛ لطول ما أقاموا في بلاد الحجاز. وقد كانوا يرون أنهم أصحاب علم وفضل وقيادة روحانية، لأنهم أهل كتاب ليسوا كوثنيي العرب، وكانوا يعلمون أن نبيًا قد أتي زمانه، واعتقدوا أنه من نسلهم، وتوعدوا أهل يثرب بقتالهم تحت إمرته. وامتاز اليهود بالمهارة في فنون التجارة، فكانوا يوردون الثياب والحبوب والخمر إلي المدينة، ويصدرون تمرها، كما كانوا يضاعفون ثرواتهم من التعامل بالربا، وقد سقط في أيديهم حين رأوا مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم*، لعلمهم بصدق نبوته، وخروجه عن بيتهم، وشعورهم بزوال مكانتهم، وضياع مصالحهم، باهتداء من حولهم من العرب، إلي دين الله القويم؛ ولذا كتموا عداوتهم حينًا، وأظهروها حينًا آخر، وأعماهم حقدهم حتي تحالفوا مع عباد الصنم ضد المسلمين المصدقين بموسى *عليه السلام* وكتابه، أما رسول الله *صلي الله عليه وسلم* فإنه لم يعاملهم إلا بما ظهر له، وبما علمه ربه، فعقد معهم معاهدة الند للند، علي أن لهم دينهم وله دينه، وقد كانت معاهدة تجلت فيها عظمة الإسلام ومبادؤه الخالدة، رغم محاولات اليهود الدائبة لتفتيت المجتمع المدني، ورغم كيدهم المستمر، ما ظهر منه وما بطن.


مكائد اليهود: دخل مُحَمّد*صلي الله عليه وسلم* يثرب فوجد يهودها علي صنفين؛ بعضهم شكل تجمعًا كبيرًا مستقلاً، والبعض الآخر ظل أفرادًا داخل قبائلهم المتعددة، وعاهد *صلي الله عليه وسلم* أتباع أخيه موسى *عليه السلام* علي الصدق والنجدة والوفاء، حتى يكونوا معه في أمة يثرب. وحاول اليهود *الذين احترقت أفئدتهم حين أيقنوا بانتقال النبوة إلي ولد إسماعيل* حاولوا أن يفتتوا المجتمع المسلم وهم إن أخفوا ذلك إلي حين فإن بني قينقاع قد أظهروه بعد نصر المسلمين ببدر، فأجلاهم النبي عن المدينة، وظنت بنو النضير *بعد هزيمة المسلمين بأحد* أنها قاتلةٌ مُحَمّدا، وهمت بذلك، فألحقها المسلمون بأختها خارج أسوار المدينة الوادعة. ومرة أخري سعت يهود بالغدر حين ألبت الأحزاب لغزو المدينة، ثم أظهرت بنو قريظة الخيانة، حين ظنت أن المسلمين قد انتهي أمرهم، فحالفت قريشًا ومن معها، ولكن الله تعالي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. فدفعت بنو قريظة ثمنًا فادحًا لخطيئتها الفادحة. ويبدو أن تطهير المدينة لم يعد كافيًا؛ إذ تجمعت رؤوس الفتنة والغدر بخيبر، تنسج بليل المكائد للمسلمين. فذهب إليهم النبي ليحاربهم وجهًا لوجه كما ألف، لا دسًّا وغيلة كما اعتاد الخائنون، ولم يعد إلا ونصر الله يخفق بجناحيه فوق جيشه الميمون. وبعد، فقد بقي اليهود في دين الله، ودولة المسلمين، أمة من الأمم، لها ما للمسلمين، وعليها ما عليهم، ما بقي أتباعها مسالمين وادعين، أما إن أظهروا الغدر والعداء، فجزاء الغادرين المعتدين في دين الله صارم قاطع، ليهود أو غيرها!.


تأسيس مجتمع جديد


ما أيسر أن نطوف بخيالنا في دروب مدينة فاضلة، نصف معالمها لمن حولنا حين نفيق! ثم ما أعظمها من مهمة حين ننهض؛ لنقيم بسواعدنا ما طمح إليه ذلك الخيال، إن تغيير المجتمعات إلي الأفضل يبقي أصعب مهمة واجهها الإنسان، ذلك أنه يبدأ من واقع اختلطت فيه آمال الناس وآلامهم، بأعرافهم وأخلاقهم، ثم بأوضاعهم ونظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه أن يتعامل مع ذلك كله؛ ليحوله إلي مثاله المنشود، وقد كانت تلك هي المهمة التي طفق رسول الله *صلي الله عليه وسلم* يعالجها منذ وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة وحتى وفاته، وبها بدأ التقويم الإسلامي للتاريخ، إن بذور الإسلام التي بذرها مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* في صدور أصحابه بمكة قد نمت وأينعت، وصارت حياة كاملة تراها في أسواق المسلمين، وتجارتهم. وتلحظها في عمارة دورهم، وتخطيط شوارعهم، ولهوهم ومرحهم، كما تجدها في خلقهم وأعرافهم، ونظمهم، وحربهم وسلمهم. وتشاهدها دومًا إن حدثت الناس، أو تجولت في المكان!. ولقد بدأ رسول الله *صلي الله عليه وسلم* طريقه الشاق ذلك ببناء المسجد، ثم بترسيخ المؤاخاة، وبعقد ميثاق التحالف *دستور الدولة*، >بث الخلق، ورفع المعنويات، ثم بمعاهدته مع اليهود، حتى إذا استقر له الأمر، واطمأن إلي الأساس، شرع يقيم بجد وجلد بناء مجتمعه المنشود، والذي قاوم بذكاء محاولات تفتيته المختلفة.


بناء المسجد وتشريع الأذان


كان أول ما طالعته عيون المسلمين بالمدينة بعد نزول النبي *صلي الله عليه وسلم* علي أبي أيوب رؤيتها رسول الله يشمر عن ساعديه، وينقل اللبن والحجارة بانيًا مسجده النبوي منشدًا: اللهم لاعيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة


وقد أقيم المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقة المصطفي، بعد أن اشتراه من يتيمين يملكانه، فسوي أرضه، وأقام أعمدته من الحجارة، وحوائطه من اللبن والطين، وسقفه من جريد النخل، وعمده من الجذوع، وفرشت أرضه من الرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب. وبني النبي *صلي الله عليه وسلم* إلي جانبه حجرات أزواجه، من الحجر اللبن، وسقفها بالجريد والجذوع. وإلي جانب كونه مكانًا للعبادة والصلاة فقد ظل المسجد منتدى تلتقي فيه جموع المسلمين، وجامعة يتلقون فيها علومهم، وبرلمانًا لعقد المجالس الاستشارية، بل ودارًا يأوي إليها فقراء المهاجرين الذين عدموا الدار و المال والأهل بمكة. وكان تشريع الأذان في بداية الهجرة ميلادًا لصيحة الحق التي لازال المسلمون يتمتعون بسماعها خمس مرات كل يوم وليلة.


تشريع الأذان: ما أعظم القلوب حين تتجلى فيتراءى الحق علي صفحتها! إن صحابيًا جليلاً هو عبد الله بن زيد رأي في منامه رجلاً عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسًا في يده، فأراد أن يبتاعه منه حتى يدعو به إلي الصلاة، فسأله الرجل: أفلا أدلك علي خير من ذلك؟ ثم أرشده إلي كيفية الأذان. وأسرع ابن زيد إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم* يخبره الخبر فقال له: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، ثم أمره أن يعلمها بلالاً صاحب الصوت النّدي؛ ليؤذن بها بين الناس. أما بلال فإنه ما إن بدأ أذانه حتى فوجئ المسلمون بعمر بن الخطاب يسرع في الطريق يجر رداءه قائلاً: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما رأي!!. وهكذا يتضح أن من شغل قلبه بالبحث عن الحق لا يلبث إلا أن يهديه الله إليه.
المؤاخاة وميثاق التحالف


أوس وخزرج فرقت بينهما حرب بعاث، وقرشيون ويثربيون فرقت بينهم عصبية الجاهلية وحميتها، كان هذا هو أول ما التفت إليه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* بعد أن أتم بناء المسجد!.


وفي دار أنس بن مالك كان اجتماع تسعين رجلاً من المسلمين، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، يؤاخي رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بين كل اثنين منهم علي المواساة، بل والميراث أيضًا، ولقد كانت لحظة رائعة في تاريخ الإنسانية، ذابت فيها روابط الجنس واللون والدم حين قويت وتآلفت روابط الدين والعقيدة. ثم عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* ميثاق تحالف بين المهاجرين والأنصار تأكيدًا ودعمًا لمبدأ الأخوة والتراحم، اللازم لبناء المجتمع. ولم يكن من العجيب بعدئذ أن تلمح سعد بن الربيع يعرض علي عبد الرحمن بن عوف *رضي الله عنهما* أن يطلق له زوجته، ويعطيه نصف ماله، كما لم يكن من المستغرب أن نري الأنصار والمهاجرة قد علت أصواتهم عند النبي، فالأنصار يقولون: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فيرد عليهم النبي *صلي الله عليه وسلم*قائلاً: لا. فيقولون: فتكفونا المؤنة، ونشرككم في الثمرة، فترد المهاجرة: سمعنا وأطعنا.


ميثاق التحالف: مجتمع وليد، وواقع متحول، ودولة يراد لها القيام لا بد لكل ذلك جميعًا من دستور واضح مستقر، ينظم لهم أمورهم، ويرجعون إليه ومن قوله للمسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب: إنهم أمة واحدة من دون الناس، إلي قوله: وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلي الله *عز وجل*، وإلي مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*، كانت بنود هذا الدستور النبوي لمجتمع المدينة. ولاشك أن روح هذا الميثاق قد تجلت في مبدأين أساسين:


1.   الرابطة هي العقيدة.
2.   والحكم هو الله.
وقد شمل هذا الميثاق أيضًا معاهدة مع اليهود، تليت بمعاهدات مع قبائل عربية متفرقة.


بث الخلق ورفع المعنويات


"يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". ذلك كان درس الإسلام الأول، علي يدي النبي *صلي الله عليه وسلم* حين دخل المدينة، الإحسان إلي المخلوق، والإحسان مع الخالق، روح الرسالة وجوهرها!. وما مضت إلا سنوات قلائل حتى توفي رسول الله، وقد ترك مجتمعًا أنموذجًا في خلقه وفضله، مجتمعًا يعلم أن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، كما يعلم أن التراحم والتواصل سر قوته ونصرته، إن المعنيين باللوائح والدساتير سيبهرهم ميثاق التحالف، كما إن المهتمين بروح القانون ومقاصده سيدهشهم ذلك المجتمع المسلم الذي صنعه مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:13

الفصل التاسع


المعاهدة مع اليهود


يأتي الإسلام ليقدم للبشرية الخير، ويحقق لها السعادة، البشرية بأسرها مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وفي عالم مزقته العصبية الحمقاء جاء الإسلام، ليقر المبدأ السامي البسيط: (لا إكراه في الدين). ومعاهدة مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* مع اليهود تنطق برغبة صادقة في تحقيق الخير والأمن، ومنع الفساد والاضطراب، بأمة واحدة، اليهود أحد عناصرها، نعم بدا للرسول بعض ما يبطنون حين أسلم عبد الله بن سلام، وحين حاولوا تفتيت المجتمع، لكن ما للإسلام ونبيه والتفتيش عما بذات الصدور؟! إنما حسبه ما ظهر!.


محاولة تفتيت المجتمع : لاشك أن ساذجًا عربيًا، مشركًا كان أو يهوديًا، عاش بالمدينة وقت قدوم النبي *صلي الله عليه وسلم* إليها، سوف يدرك ببداهة أن أسرع وسيلة لتفتيت مجتمع المدينة هي العبث بأوتار الفرقة بين الأوس والخزرج، أو بين الوافدين من أهل مكة، والمقيمين من أهل المدينة. ولئن قام بالأولى اليهود، بمكر من شيخهم شاس بن قيس، فلقد قام بالثانية المشركون، بدهاء من كبيرهم عبد الله بن أبي، وبذكاء وسرعة ذكّر مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم*المسلمين بربهم قائلاً: الله الله ! أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟، وذكرهم بنعمة الإيمان والتأليف بين قلوبهم، فتركوا السلاح، وعانق بعضهم بعضًا وهم يبكون، كما أنه بنفس الذكاء والحزم ذكر المشركين برابطة القرابة والنسب، فصرفهم عن قتال أهليهم من المؤمنين، لرسالة خبيثة بعثت بها قريش.


تهديدات قريش والصد عن المسجد الحرام


إن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* المشغول ببناء مسجده، والمؤاخاة بين أفراد أمته، وعقد المعاهدات مع جيرانه، والعناية بتنظيم شئون مدينته، فوجئ بخطاب من قريش تعلن فيه الحرب عليه وعلي من اتبعه، ثم إن الأنصار قد فوجئوا أيضًا بأنهم ممنوعون من زيارة بيت الله الحرام، وتمادت قريش في تهديد المهاجرين، فاتخذ المسلمون حذرهم واحتياطهم.


قريش تعلن الحرب : "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتليكم ونستبيح نساءكم". كانت هذه هي كلمات رسالة قريش، والتي قرأها عبد الله بن أبي بن سلول بعين زائغة، ويد مرتعشة، فطاش صوابه، وجمع إخوانه من عبدة الأوثان، لقتال مُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* ومن معه، مهاجرين كانوا أم أنصارًا، لكن رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بحكمته في التعامل مع المشركين أطفأ نارًا، كاد أن يتأجج لهيبها، مانعًا بذلك إحدى محاولات تفتيت المجتمع المسلم.


الصد عن المسجد الحرام: إن قريشًا التي ثارت ثائرتها ضد الإسلام وأهله بدعوى الحفاظ علي تراث الآباء، وقيم المجتمع المكي العريقة، تفاجئنا اليوم بموقف غريب، فأبو جهل سيد قريش، القبيلة المسئولة عن تهيئة بيت الله لزواره. وتيسير هذه الزيارة لهم يري سعد بن معاذ يطوف بالكعبة مع أمية بن خلف حليفه بمكة، فيعترض طريقه قائلاً بغلظة: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان مارجعت إلي أهلك سالما، فرفع سعد صوته عليه صائحًا: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك علي أهل المدينة.


تهديد المهاجرين: يبدو أن نصيحة عتبة بن ربيعة لقريش بعد لقائه بمُحَمّد *صلي الله عليه وسلم* حين قال لهم: إن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر علي العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به* يبدو أن هذه النصيحة التي تجاهلوها قديمًا ما زالت لاتجد صداها لديهم، رغم ما رأوه طيلة سنوات من الآيات والعبر، إن قريشًا لم تر المسلمين كشرٍ رحل عنها، بل كخطر يجب عليها أن تتعقبه ولا تفلته، فأرسلت إلي المسلمين بالمدينة متوعدةً مهددةً: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلي يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم، وتأكد المسلمون من عزمهم علي المضي في غيِّهم، فأخذوا حذرهم واحتياطهم لذلك.


حذر المسلمين واحتياطهم


لئن كان خوف المسلمين بمكة راجعًا لعجزهم عن حمل السلاح، فإن حذرهم بالمدينة قد ألجأهم إلي حمله أثناء نومهم!. روي أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه، هكذا كانت حالهم، وهكذا كان رسولهم *صلي الله عليه وسلم* الذي كان لا يبيت إلا ساهرًا، أو في حرس من الصحابة.


الإذن بالقتال


تبدلت الظروف بالمسلمين، وتغيرت أحوالهم بين مكة والمدينة؛ فأذن الله عز وجل* لهم بالقتال؛ دفعًا للظلم عنهم، واعتمادًا علي نصر القدير، وكان علي المسلمين في هذا الوقت أن يبسطوا سيطرتهم علي جوار المدينة، لا أن يستكينوا بعقرها!. وتحقيقًا لهذا الواجب فقد سلكوا سبيلين، أولهما: عقد معاهدات الحلف، أو عدم الاعتداء علي القبائل المجاورة لطريق التجارة من مكة إلي الشام، أو القاطنة بينه وبين المدينة، وثاني هذين السبيلين: إرسال السرايا والغزوات إلي هذه الطريق.


عقد معاهدات الحلف


 فضلاً عن مشركي المدينة الذين سالمهم رسول الله، فإن باب الموادعة والمهادنة مع غير المحاربين من المشركين ظل مفتوحًا. عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة مع جهينة، وكانت مساكنهم علي ثلاث مراحل من المدينة، كما حالف عمرو بن مخشى الضمري، سيد بني ضمرة في غزوة الأبواء، وفي غزوة العشيرة عاهد بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، وفي العام الخامس الهجري، بعد أن بدأت القبائل تتجرأ علي المسلمين عقب أحد، وعلم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* أن بعضًا منها علي مشارف الشام تعد العدة لغزو المدينة، بادرهم ونزل بساحتهم فوجد أهل دومة الجندل قد فروا في كل وجه، ثم وادع في تلك الغزوة سيدهم عيينة بن حصن، والمتتبع لسرايا المسلمين وغزواتهم يدرك بجلاء أنهم ما كانوا يقصدون حربًا إلا لقريش التي هددتهم، أو لقبيلة أعلنت عداءها للنبي، ولعل نص المعاهدة مع بني ضمرة توضح هذا المعني، إذ تقول كلماتها: هذا كتاب من مُحَمّد رسول الله لبني ضمرة، فإنهم آمنون علي أموالهم، وأنفسهم، وأن لهم النصر علي من رامهم، إلا أن يحاربوا دين الله، مابل بحر صوفة، وإن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه.


السرايا والغزوات قبل بدر


 باب المهادنة مفتوح، وقد ولجت منه جهينة وبنو ضمرة، أما إن أبت قريش إلا الصياح والتوعد، والتهديد والتطاول، فللحق قوة تحميه! هذا ما أكده النبي، ومن معه من المسلمين، لمشركي مكة ومن مالأهم، في سرايا وغزوات متتابعة وهي: سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وغزوة الأبواء، وغزوة بواط، وغزوة سفوان، وغزوة ذي العشيرة، وسرية نخلة.


سرية سيف البحر: علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بخروج أبي جهل في عير لقريش، ومعه ثلاثمائة رجل، فعقد لواءً أبيض لحمزة وأرسله في ثلاثين رجلاً من المهاجرين، يحمل لواءهم أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي، فبلغوا سيف البحر، من ناحية العيص، فالتقوا واصطفوا للقتال، لولا أن مجدي بن عمرو الجهني *وكان حليفًا للفريقين* قد مشي بينهما حتى حجز بينهم، وكانت هذه السرية في رمضان عام واحد من الهـجرة.


سرية رابغ: وقد وقعت في شوال في السنة الأولي من الهجرة، حيث التقي المسلمون، وقوامهم ستون راكبًا من المهاجرين علي رأسهم عبيدة بن الحارث بن المطلب، مع مائتين من المشركين تحت إمرة أبي سفيان* التقوا علي بطن رابغ، فتراموا بالنبل دون وقوع قتال، وكان حامل لواء المسلمين يومئذ>مسطح بن أثاثة، ومن طرائف هذه السرية انضمام اثنين من جيش المشركين إلي المسلمين، وهما المقداد بن عمرو البهراني، وعتبة بن غزوان المازني، فقد كانا مسلمين، خرجا مع الكفار كوسيلة؛ لبلوغ جيش المسلمين.


سرية الخرار: وقد خرج فيها سعد بن أبي وقاص في عشرين راكبًا، في ذي القعدة في السنة الأولي من الهـجرة، يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل، طلبًا لعير قريش، حتى بلغوا الخرار، فوجدوا العير قد مرت بالأمس، فعادوا ولم يلاحقوها، تنفيذًا لأمررسول الله *صلي الله عليه وسلم* لهم بذلك، وقد كان حامل اللواء يومئذ المقداد بن عمرو.


الغزوات


غزوة الأبواء: وهي أول غزوة يخرج فيها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* بنفسه مستخلفًا سعد بن عبادة علي المدينة، في جيش قوامه سبعون رجلاً من المهاجرين، حامل لوائهم حمزة بن عبد المطلب؛ طلبًا لعير قريش، وقد بلغ الجيش "ودان" فلم يلق كيدًا، وفي هذه الغزوة عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة حلف مع عمرو بن مخشي الضمري سيد بني ضمرة. وقد جرت هذه الغزوة في صفر سنة اثنتين من الهجرة.


غزوة بواط: في ربيع الأول في السنة الثانية من الهجرة، خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في مائتين من أصحابه، يحمل لواءهم سعد بن أبي وقاص؛ ليعترض ألفين وخمسمائة بعير لقريش، يحميها مائة رجل علي رأسهم أمية بن خلف الجمحي، فبلغ بواط ولم يلق كيدًا، وكان خليفته *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة سعد بن معاذ .


غزوة سفوان: تسمى هذه الغزوة بغزوة بدر الأولي، وقد وقعت أحداثها في ربيع الأول سنة اثنتين من الهجرة؛ إذ أغار كرز بن جابر الفهري في قوات خفيفة من المشركين علي مراعي المدينة، ونهب بعض المواشي، فخرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لمطاردته في سبعين رجلاً من أصحابه، بعد أن استخلف علي المدينة زيد بن حارثة، وأعطي اللواء علي بن أبي طالب، ووصل النبي *صلي الله عليه وسلم* واديًا يقال له سفوان، من ناحية بدر، لكنه لم يدركها فرجع من دون حرب.


غزوة ذي العشيرة: خرج رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في جمادى الأولى في السنة الثانية من الهجرة في خمسين ومائة *ويقال في مائتين* من المهاجرين، علي ثلاثين بعيرًا يعتقبونها، اعتراضًا لعير قريش الذاهبة إلي الشام، لكنهم حين بلغوا ذا العشيرة وجدوا أنها قد فاتتهم بأيام، وهذه العير هي التي طلبها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* في رحلة عودتها من الشام، فكانت سببًا لغزوة بدر الكبرى، وقد آب إلي المدينة في جمادى الآخرة، وكان قد استخلف عليها أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحامل اللواء في هذه الغزوة هو سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وقد عقد النبي *صلي الله عليه وسلم* معاهدة عدم الاعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة في هذه الغزوة.


سرية نخلة


بعد أن أتم عبد الله بن جحش، واثنا عشر مهاجرًا يومين في مسيرهم فضوا كتاب رسول الله *صلي الله عليه وسلم* الذي كان معهم تنفيذًا لأوامره، فوجدوا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين مكة والطائف، فترصد بها عير قريش، وتعلم لنا من أخبارهم. وشعر عبد الله بثقل المهمة، وقلة عدد أصحابه، فخيرهم بين المجيء معه، إن أحبوا الشهادة، وبين الرجوع إلي المدينة إن كرهوا الموت، فما تخلف عنه منهم أحد، إلا سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان فإنهما كانا يعتقبان بعيرًا لهما فهرب منهما، فتخلفا في طلبه. واستأنفت السرية مسيرها حتى بلغت نخلة، ورأت عير قريش تمر حاملة الزبيب، والأدم والتجارة، وفيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولي ابن المغيرة. وهنا وقع المسلمون في حيرة كبيرة، إذ كانوا في اليوم الأخير من شهر رجب في السنة الثانية من الهجرة. وهو شهر حرام، لا يجوز فيه القتال، لكنهم إن تركوهم دخلوا مكة، وانتهي الأمر، ورأوا بعد المشاورة أن يقاتلوهم، فرموا عمرو بن الحضرمي فقتلوه، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلي المدينة، وعزلوا من ذلك الخمس، فكان أول خمس، وأول قتيل، وأول أسيرين في الإسلام، وهنا أطلقت قريش التي طالما انتهكت حرمات المسلمين، وسفكت دماءهم بالبلد الحرام* أطلقت عقيرتها، حزنًا علي شهر الله الحرام الذي انتهك، ثم نزل الوحي بالقول الحق، موضحًا أن حرمات المسلمين التي انتهكت، ودم نبيهم الذي كاد يسفك، أعظم حرمة عند الله من شهر رجب، وقد أطلق بعدها رسول الله *صلي الله عليه وسلم* سراح الأسيرين وأدي دية المقتول إلي أهله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:17

الفصل العاشر


فرض القتال


إن قريشًا التي طال تكبرها، قد لقنتها سرية نخلة درسًا لم تنسه، فعبد الله بن جحش ونفر من المسلمين معه يستطيعون بسهولة أن يغيروا علي تجارة قري، فيسوقوا عيرها إلي المدينة مع أسيرين، وقد خلفوا وراءهم قتيلاً، لكن قريشًا المعاندة والتي أدركت الخطر علي طريق تجارتها إلي الشام، قد اختارت سبيل الحرب من جديد، وهنا وفي شعبان سنة اثنتين من الهجرة نزلت آيات الله تعالي الفارضة للجهاد، والقتال في سبيله، ثم ما لبثت هذه الآيات غير يسير، حتى تليت بآيات من سورة مُحَمّد، تصف طريقة القتال، وتبين أحكامه، وتحث عليه، وتذم أولئك الوجلين منه، الخائفين علي أنفسهم.


تحويل القبلة


إن رفع الستار قد يكون لفضح المتسترين به، أو لاستقبال نهار يوم جديد، أما تحويل القبلة، فقد كان الأمرين معًا!!. فحين نزل أمر الله تعالي في شعبان في العام الثاني من الهجرة بتحويل قبلة المسلمين من المسجد الأقصى بالقدس، إلي المسجد الحرام بمكة، فضح كثير من ضعفاء اليهود ومنافقيهم، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عداوته* فضحوا برفضهم الامتثال لأمر الله، ورجوعهم إلي ما كانوا عليه، فتطهرت صفوف المسلمين منهم. ولا شك أيضًا أن في تحويل القبلة إيذانًا باستقبال طور جديد في دعوة المسلمين، طور لا ينتهي إلا باحتلال القبلة الجديدة، فهل يصلي المسلمون لقبلة قد نجستها أوثان المشركين؟! اللهم لا!.


غزوة بدر الكبرى


قلة من المؤمنين ساقهم الله تعالي لملاقاة الكثرة من المشركين المتكبرين، حتى إذا وافوهم لم يلبثوا إلا يسيرًا، ثم نصرهم الله بقدرته عليهم، تلك كانت قصة بدر! القصة التي مهما قلبت صفحاتها طالعتك قدرة الله، وتدبيره لعباده، حين تتأمل سبب الغزوة، أو قوة الجيش المسلم وتنظيمه، وإذا صحبتهم في الطريق إلي بدر أو استمعت إلي النذير في مكة، أو رأيت تجهز المشركين للغزو، وتحرك جيشهم، وانفلات عيرهم، وانشقاق جيشهم، في كل ذلك ستجد حتمًا قدرة الله وتدبيره!. إن مشاهد بدر المتتالية تغرس اليقين في قلب المسلم، وتورثه صدق التوكل علي ربه، توكلاً لاينافيه أخذه بالأسباب، إن هذه المعاني تتسارع إلي قلوبنا ونحن نشاهد الرسول *صلي الله عليه وسلم* يستشير صحابته قبل الغزوة، ثم حين يقوم بالاستكشاف لمعركته، وتتسارع إلي قلوبنا ونحن نستمع إلي صوت نزول المطر قبيل المعركة، أو ونحن نري نشر القوات وتهيئة مكان القيادة، ثم حين نستمع إلي صوت القيادة، ثم حين نستمع إلي كلمات المصطفي *صلي الله عليه وسلم* وهو يقوم بالتعبئة المعنوية، وكذلك حين نولي وجهنا شطر الجانب الآخر فنلحظ الخلاف وقد تجدد في صفوف المشركين، لكن الأعجب من ذلك كله، هو دقات قلوبنا التي لا زالت بعد أربعة عشر قرنًا من هذه الحادثة تتلاحق وهي تتابع ترائي الجيشين، وقدوم ساعة الصفر، ثم المبارزة الأولي قبل الهجوم العام، ومناشدة الرسول ربه عز وجل، والهجوم المضاد، وانسحاب إبليس من المعركة، ثم الهزيمة الساحقة، ونهاية المعركة. إن مشاهد هذه الغزوة لا تسأم منها قلوب المؤمنين أبدًا، وإن صورة مكة وهي تتلقى أنباء الهزيمة، والمدينة وهي تتلقي أنباء النصر، ثم تستقبل عودة النبي *صلي الله عليه وسلم* وجيشه إليها لترسم في مخيلتنا نهاية حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، أما قضية الخلاف في الغنائم، وقضية الأسري، فتؤكدان بشرية حملة ذلك الحق، وحاجتهم الدائمة للتربية والتوجيه.


سبب الغزوة: كسائر السرايا والغزوات التي سبقت بدرًا، بل كامتداد لإحداها *غزوة ذي العشيرة* كان منشأ هذه الغزوة، علم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* برحيل عير لقريش. وعير هذه المرة قد بلغ عددها ألفًا، وحملت من الدنانير الذهبية ما لا يقل عن الخمسين ألفًا، أما حرسها فلم يزد علي أربعين رجلاً، يرأسهم أبو سفيان بن حرب في رحلة عودته من الشام إلي مكة، وما عزم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي أحد بالخروج * كشأنه في سائر السرايا والغزوات السابقة* بل أعلن قائلاً: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها؛ ولذا فإنه لم ينكر علي أحد من الصحابة تخلف عنه في هذه الغزوة. هذا وقد استخلف رسول الله *صلي الله عليه وسلم* علي المدينة والصلاة عبد الله بن أم مكتوم، حتى إذا كان بالروحاء رد أبا لبابة بن عبد المنذر، واستعمله علي المدينة وقد كان خروجه *صلي الله عليه وسلم* في اليوم الثامن أو الثاني عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة.


قوة الجيش وتنظيمه: أسرع رسول الله *صلي الله عليه وسلم* لإدراك العير، فلم يكن معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، قد اصطحبوا فرسين لا ثالث لهما، أحدهما للزبير بن العوام والآخر للمقداد بن الأسود الكندي وسبعين بعيرًا يعتقب كل بعير الرجلان والثلاثة، وقد كان رسول الله وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرًا واحدًا، أما لواء الجيش فكان أبيض يحمله مصعب بن عمير العبدري. وقد قسم رسول الله *صلي الله عليه وسلم* جيشه إلي كتيبتين: إحداهما للمهاجرين، ويحمل علمها علي بن أبي طالب، والأخرى للأنصار ويحمل علمها سعد بن معاذ، كما جعل علي الميمنة الزبير بن العوام وعلي الميسرة المقداد بن عمرو، وعلي الساقة قيس بن أبي صعصعة. أما القيادة العامة فكانت في يده *صلي الله عليه وسلم*.


الطريق إلى بدر: سار الجيش علي الطريق الرئيسي المؤدي إلي مكة، حتي بلغوا بئر الروحاء، ثم ترك طريق مكة بيسار، وانحرف ذات اليمين علي النازية * يريد بدرًا* فسلك في ناحية منها، حتى قطع واديًا يقال له رحقان، بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر علي المضيق، ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، وهنالك بعث بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء الجهنيين إلي بدر يتجسسان له أخبار العير، وعند وادي ذفران جاءه خبر انفلات العير، وتجهز جيش المشركين وتحركه، فاستشار صحابته في الرجوع أو القتال، ثم واصل مسيره فسلك علي ثنايا يقال لها الأصافر، ثم هبط إلي بلد تدعي الدبة، وترك كثيبًا عظيمًا يسمي الحنان بيمين، حتى نزل قريبًا من بدر.


النذير في مكة: "يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها مُحَمّد في أصحابه، لا أري أن تدركوها، الغوث الغوث"!. كانت هذه هي الصرخة التي شقت سماء مكة، الملتهبة بقيظ نهار رمضان، وقد أسرع أهل مكة نحوها، فوجدوا ضمضم بن عمرو الغفاري، الذي استأجره أبو سفيان؛ ليحذر قريشا، فتنقذ تجارتها التي معه* وجدوه واقفًا علي بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، وأخذ يصرخ بصرخته السالفة.


تجهز المشركين للغزو: 
إن قريشًا التي لم تندمل بعد جراحاتها من سرية نخلة، قد فزعت إلي الحرب مسرعة، وهي تصيح: أيظن مُحَمّد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ كلا، والله ليعلمن غير ذلك!، وإن مُحَمّدا *صلي الله عليه وسلم* الذي خرج في قليل من أصحابه يطلب العير، تعد له الآن قريش جيشًا عرمرمًا، فمن لم يخرج من رجالها بعث مكانه رجلاً، وسوي أبي لهب لم يتخلف أحد من أشرافها، وما تقاعس عنهم بطن من بطون قريش خلا بني عدي، فلم يخرج منهم أحد، وما مضت إلا سويعات قليلة حتى كان جيش قوامه ألف وثلاثمائة مقاتل، معهم مائة فرس، وستمائة درع، وجمال كثيرة، قد بدأ مسيره، يتقدمه قائده العام أبو جهل بن هشام. لكن قريشًا بعد أن همت بمسيرها، تذكرت حربه مع بني بكر وخشيت أن تغير علي مكة في غيابها، فتبدي لها إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم *سيد بني كنانة* يطمئنهم قائلاً: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. فمضوا، وما علموا أن ما يكرهونه من خلفهم، قادم إليهم من بين أيديهم!.


تحرك جيش المشركين: "الآن نقتل مُحَمّدا وصحبه، الآن يمحى من الدنيا وجودهم، وغدًا تعلم العرب من نكون"! يبدو أن هذه الخواطر التي جالت برؤوس قريش الفارغة، وهي تدب بأقدامها الثقيلة في صحراء الجزيرة، فيعلو في الآفاق دويها، ويرتفع في السماء غبارها الكثيف، أما السؤال الذي تردد في صدور قريش، فتعجبها: أي قوة الآن في أرض العرب تقوم لنا؟!، تحركت جموع قريش بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادي عسفان ثم قديدًا ثم الجحفة، حيث جاءتهم رسالة جديدة من أبي سفيان تقول كلماتها: إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم، ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا. وقد كانت هذه الرسالة سببًا لوقوع انشقاق في جيش المشركين.


العير تفلت!: إن داهية قريش، أبا سفيان بن حرب ليس كعمرو بن الحضرمي وصحبه، الذين فتك بهم نفر قليل من المسلمين في سرية نخلة، فالرجل الحذر يعلم أن طريق القوافل اليوم ليس آمنًا كالأمس، وهو لذلك لا يكاد يخطو خطوة إلا وقد سبقتها حركاته الاستكشافية، وقد تقدم عيره حين اقترب من بدر، فلقي مجدي بن عمرو فسأله عن جيش المدينة فقال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلي هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا. فأسرع أبو سفيان إلي روث بعيريهما، ففته فإذا فيه النوى، فأدرك أنها عير علفت بتمر يثرب، فبادر بترك الطريق الرئيسي الذي يمر ببدر، واتجه نحو الساحل، ناجيًا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 69645
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

شجرة الانبياء Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة الانبياء   شجرة الانبياء Emptyالسبت 10 أكتوبر 2015 - 8:29

الفصل الحادي عشر


غزوة تبوك


إن القتال الذي شرعه الله تعالى، وخاض معاركه رسول الله صل الله عليه وسلم وصحابته، لهو أشرف أنواع الجهاد، فقد كان فريضة لحماية الحق، ورد المظالم، وقمع العدوان، وكسر الجبابرة، ومن ذلك غزوة تبوك والتي سنقف على تفصيلها في هذا المقال:
تعتبر هذه الغزوة التي وقعت في رجب من صيف عام تسع للهجرة * استجابة طبيعية لفريضة الجهاد ، فالروم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ، فقد قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ، وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أن الله مع المتقين }( التوبة 123) .


وقد قضى الإسلام على الوثنية في شبه جزيرة العرب ، وبقيت أمامه المجوسية في بلاد فارس والنصرانية في بلاد الشام . وتبوك تقع شمال الحجاز وتبعد عن المدينة 778 كيلا حسب الطريق المعبدة حالياً.


وقد سميت غزوة "العسرة" أيضاً لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة ، فسارع أغنياء الصحابة وفقراءهم إلى تقديم الأموال ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثرهم انفاقاً على جيش العسرة فوعده رسول الله صل الله عليه وسلم بالجنّة .


وكان عدد الجيش ثلاثين ألفاً ، وحاول المنافقون تثبيط الناس عن الخروج ، وكان الحر شديداً ، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار ، فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة التخاذل . كما كانوا يستأذنون النبي صل الله عليه وسلم بالتخلف مبدين الأعذار الكاذبة .
 
وقد ابتنى المنافقون مسجداً قبيل الخروج إلى تبوك ، ليجتمعوا فيه مكايدةً للمسلمين ، وقد طلبوا من رسول الله صل الله عليه وسلم الصلاة فيه ، فنهاه الله تعالى عن ذلك وسمّاه مسجداً "ضراراً" .
 
وقد تخلف معظم المنافقين عن الغزوة ، ومضى بعضهم مع الجيش يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف . ولم يتخلف من الصحابة إلا عدداً يسيراً من ذوي الأعذار سوى ثلاثة لم يكن لهم عذر . ونظراً لبعد الشقة وكثرة الأعداء فقد كشف الرسول صل الله عليه وسلم عن وجهته للمسلمين ، ليستعدوا لذلك خلافاً لنهجه في الحروب فانه لا يعلن وجهته حتى لا يصل الخبر إلى عدوه فيأخذون أهبتهم ..
 وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب أن يخلفه في أهله ، فقال علي : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبيّ بعدي " .


وهكذا شأن أصحاب العقيدة ، لا يفرحون بالثمار والظلال ، بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله ، فهي غنيمتهم التي يدّخرونها لآخرتهم .


قال لأبو خيثمة الأنصاري : " تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت حائطاً ، فرأيت عريشاً قد رش بالماء ، ورأيت زوجتي ، فقلت : ما هذا بانصاب ، رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور وأنا في الظل والنعيم ، فقمت إلى ناضحٍ لي وتمرات فخرجت ، فلما طلعت على العسكر فرآني الناس ، قال النبي صل الله عليه وسلم :" كن أبا خيثمة ". فجئت ، فدعا لي . وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة ممن أقعدهم المرض أو العجز عن النفقة عن الخروج إلى حد البكاء شوقاً للجهاد ، وتحرجاً عن القعود حتى نزل فيهم قرآن { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }رواه البخاري .


ولما بلغ المسلمون تبوك أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء الأعظم للصديق رضي الله عنه ، وحملت كل قبيلة الرايات والألوية . وأرسل رسول الله صل الله عليه وسلم خالد بن الوليد مع عدد من الصحابة إلى دومة الجندل فأسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي ، وفتح الدومة ، وحاز غنائم عظيمة . ولم يقع قتال في هذه الغزوة سوى فتح الدومة ، إذ لم يلق المسلمون جموع الروم والقبائل العربية المنتصرة ، وآثر حكام المدن الشمالية الصلح على أن يدفعوا الجزية .


وفي طريق العودة من تبوك إلى المدينة ، مر المسلمون بالحجر في ديار ثمود وهم الذين امتحنوا بالناقة فنحروها ، فأخذتهم الصيحة لعصيانهم . وقد سارع الناس إلى دخول بيوت الحجر ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين " ، ثم قنع رسول الله صل الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي ، كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه ، وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها.


ولما اقترب الجيش من المدينة خرج الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقونه ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فصلّى في مسجده ركعتين ، ثم جلس للناس ، وجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار ، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله ، وجاء كعب بن مالك ، وقد سبقه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، وقد أقر الثلاثة بأنه لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة .ولم يرضوا أن يضيفوا إلى ذنب التخلف ذنباً جديداً هو الكذب ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة ، فاجتنبهم الناس خمسين ليلةً ، وأمرت نساؤهم باعتزالهم ، فذهبن عند أهلهن إلا زوجة هلال إذ كان شيخاً كبيراً ، فبقيت لخدمته فقط بإذن من الرسول صل الله عليه وسلم ، وقد ضاقت بهم الدنيا ، وحاول ملك الغساسنة استغلال الموقف فراسل كعب بن مالك ليلحق به ، لكن كعباً أحرق الرسالة وذكر إنها زيادة في امتحانه .


واستمرت المقاطعة حتى تاب الله عليهم بنزول الآية { وعلى الثلاثة الذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم }( التوبة 118) .


لقد حققت هذه الغزوة أهدافها بتوطيد سلطان الإسلام في الأقسام الشمالية من شبه الجزيرة العربية . وكانت تمهيداً لفتوح بلاد الشام.
حجة الوداع


بعد أن أتم النبي صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة ، وفُتحت مكة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، فرض الله الحج على الناس وذلك في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ، فعزم رسول الله * صلى الله عليه وسلم * على الحج ، وأعلن ذلك ، فتسامع الناس أن رسول الله * صلى الله عليه وسلم * يريد الحج هذا العام ، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يحج مع رسول الله * صلى الله عليه وسلم * وأن يأتم به ، فخرج من المدينة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة ، وانطلق بعد الظهر حتى بلغ ذي الحليفة ، فاغتسل لإحرامه وادهن وتطيب ، ولبس إزاره ورداءه ، وقلد بدنه ، ثم أهل بالحج والعمرة وقرن بينهما ، وواصل السير وهو يلبي ويقول : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ) ، فلما قرب من مكة ، نزل بذي طوى ، وبات بها ليلة الأحد من اليوم الرابع من ذي الحجة ، وصلى بها الصبح ، ثم اغتسل ، ودخل مكة نهاراً من أعلاها ، فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحل من إحرامه ، لأنه كان قارناً وقد ساق الهدي معه ، وأمر من لم يكن معه هدي من أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة ، فيطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يحلوا من إحرامهم ، وأقام النبي * صل الله عليه وسلم * وأصحابه بمكة أربعة أيام من يوم الأحد إلى يوم الأربعاء .


وفي ضحى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة توجه رسول الله * صلى الله عليه وسلم * بمن معه من المسلمين إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة * وهو موضع بالقرب من عرفات وليس من عرفات * ، فسار رسول الله * صلى الله عليه وسلم *حتى نزل بنمرة ، ولما زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن وادي عرنة ، وقد اجتمع حوله الألوف من الناس ، فخطب الناس خطبة جامعة ذكر فيها أصول الإسلام ، وقواعد الدين ، وكان مما قاله *صل الله عليه وسلم * : ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ).


ثم أذن المؤذن ثم أقام فصلى بالناس الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب رسول الله * صل الله عليه وسلم * حتى أتى موقف عرفات ، فاستقبل القبلة ، ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس ، وهنالك أنزل عليه قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ( المائدة 3) .


فلما غربت الشمس أفاض من عرفات، وأركب أسامة بن زيد خلفه ، ودفع رسول الله * صل الله عليه وسلم * وهو يقول : ( أيها الناس عليكم السكينة ) ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم نام حتى أصبح ، فلما طلع الفجر صلاها في أول الوقت ، ثم ركب ، حتى أتى المشعر الحرام * وهو موضع بالمزدلفة * ، فاستقبل القبلة ، ودعا الله وكبره وهلله ووحده ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر الصبح وانتشر ضوء ه ، ثم دفع إلى منى قبل أن تطلع الشمس ، وهو يلبي ولا يقطع التلبية ، وأمر ابن عباس أن يلتقط له حصى الجمار سبع حصيات ، فلما وصل إلى منى رمى جمرة العقبة راكباً بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة .


ثم خطب الناس خطبة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وفضله عند الله وحرمة مكة على غيرها ، وأمرهم بالسمع والطاعة ، وأن يأخذوا عنه مناسكهم ، ويبلغوا عنه ، ونهاهم أن يرجعوا بعده كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض .


ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده ، ثم أمر علياً أن ينحر ما بقي من المائة .


فلما أكمل * صل الله عليه وسلم * نحر الهدي استدعى الحلاق فحلق رأسه ، وقسم شعره بين من حوله من الناس .


ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة راكباً ، وطاف بالبيت طواف الإفاضة ، وصلى بمكة الظهر ، ثم رجع إلى منى في نفس اليوم ، فبات بها ، فلما أصبح انتظر زوال الشمس ، فلما زالت ودخل وقت الظهر أتى الجمرات ، فبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ، يرمي كل جمرة بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، وفعل ذلك في بقية أيام التشريق ، وأقام النبي * صل الله عليه وسلم * أيام التشريق بمنى يؤدي المناسك ، ويعلم الشرائع ، ويذكر الله ، ويقيم التوحيد ، ويمحو معالم الشرك .


وفي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، نفر النبي صل الله عليه وسلم من منى ، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح ، وأقام هناك بقية يومه وليلته ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ونام نومة خفيفة ، وبعدها ركب إلى البيت ، فطاف به طواف الوداع ، ثم توجه راجعاً إلى المدينة .


وهكذا قضى رسول الله صل الله عليه وسلم حجه ، بعد أن بين للمسلمين مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم ، وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الإسلام ، وحجة الوداع ، ولم يمكث بعدها أشهرا ًحتى وافاه الأجل ، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.


وفاة الرسول


لما أكمل الله الدين، وأصبح له رجال تعهدهم الرسول صل الله عليه وسلم بالتربية، واستوى الأمر، واستقامت المحجة .


أجرى الله على نبيه صل الله عليه وسلم سنته الماضية في خلقه { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..} (آل عمران:185) .


وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يودع الحياة بأقوال وأفعال دالة على ذلك، منها قوله في حجة الوداع : إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، ومنها أيضا أن جبريل كان يدارسه القرآن مرة، وقد دارسه في العام الذي قبض فيه مرتين، ومنها نزول آية كمال الدين وتمامه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً } (المائدة:3) ، ومنها نزول سورة النصر {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابا } (النصر)، قال ابن عباس رضي الله عنه هي نعي للرسول صلى الله عليه وسلم .فكل هذه الإشارات كانت تعنى دنو أجله صل الله عليه وسلم .


وفي يوم الاثنين 19 صفر سنة 11 من الهجرة بدأه المرض، وكان صداعاً حاداً منعه الحركة أول يوم، و كان في بيت أم المؤمنين ميمونة، فلما اشتد به المرض استأذن زوجاته في أن يمرض في بيت أم المؤمنين عائشة فأذِنَّ له، فخرج إلى بيت عائشة ورجلاه تخطان في الأرض من شدة المرض، يساعده عليّ بن أبي طالب والفضل بن العباس.


 فمكث أياماً والوجع لا يفارقه، لكنه يخرج للصلاة، ويعود إلى فراشه ، وقبل الوفاة بخمسة أيام تحامل على نفسه، وخرج للناس وخطبهم ، مذكراً أن الموعد معه على الحوض، وأنه ينظر إلى مقامه هناك، وحذرهم من التنافس في الدنيا، وأوصاهم بالنساء خيراً، ثم قال : إنِّ عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله، فأخذ أبو بكر يبكي ويقول : فديناك بآبائنا فديناك بأمهاتنا، فعجب الناس من بكاء أبي بكر رضي الله عنه، وكان قد فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمُخَيَّر هو رسول الله نفسه، فأثنى النبي صل الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه ونوه بفضله، ثم تحرياً منه للعدل دعا الناس قائلاً: من كانت له مظلمة عندي فليقتصها الآن مني، ومن كان له شيء عليّ فليأخذه الآن ، ثم عاد إلى فراشه فدخل عليه جمع من الصحابة وهو يتألم، فأوصاهم بثلاثة: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وإجازة الوفود بمثل ما كان يجيزهم، وإنفاذ جيش أسامة إلى الروم.


ثم كان يشتد عليه الألم حتى يغمى عليه وعندما يفيق يقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا تجعلوا قبري وثناً يعبد .


ثم كان يشتد عليه الألم حتى يغمى عليه وعندما يفيق يقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا تجعلوا قبري وثناً يعبد .


فلما رأت فاطمة ما به من الألم قالت : واكرب أباه ، فقال لها : ليس على أبيك كرب بعد اليوم .


ومع اشتداد الألم عليه أوصى أن يصلي أبو بكر بالناس فصلى بهم سبع عشرة صلاة في حياة النبي صل الله عليه وسلم .


وقبل الوفاة بيوم أعتق غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب أسلحته للمسلمين .


قالت عائشة رضي الله عنها كان إذا أفاق من ألمه يقول : اللهم الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى، فعلمت أنه يفارقنا، وكان يدعو اللهم اغفر لي و ارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.


وفي اليوم الأخير أزاح ستار البيت والناس في صلاة الفجر ، فنظر إليهم وتبسم، وظن الناس أنه قد شفي، وكان أخر ما قال : الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم .


ثم إنه في ضحى نفس اليوم الاثنين 12 ربيع الأول 11 هـ توفي صلى الله عليه وسلم وكان واضعاً رأسه الشريف على صدر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فخرجت في دهشة، وأخبرت الناس الخبر، والذي نزل عليهم كالصاعقة ، وذهل كبار الصحابة حتى إن عمر بن الخطاب هدد بالقتل من يقول : إن محمداً مات، واعتبرها غيبة كغيبة موسى عليه السلام وسيعود، ولم يفق الصحابة من هول الصدمة إلى أن جاء أبو بكر رضي الله عنه ودخل على الرسول صل الله عليه وسلم وقبَّله وخرج، فخطب الصحابة قائلاً: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ُ} (آل عمران:144)، فعاد الناس إلى صوابهم، واستيقنت أنفسهم .


وقد تولى تجهيز رسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب والفضل بن العباس و قثم بن العباس، وشقران مولى النبي صل الله عليه وسلم ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم .


وهكذا غادر النبي صل الله عليه وسلم هذه الدنيا إلى النعيم المقيم، والرفيق الأعلى بعد أن أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، نعتصم فيها بالقرآن المحفوظ، والسنة الشريفة، وعمل الخلفاء الراشدين المهديين .


اللهم صل وسلم وبارك عليه، واجزه عنا خير ما جزيت به نبياً عن أمته، وشفعه فينا يا رب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
شجرة الانبياء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» قصص الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
» سلسلة قصص الانبياء .. للدكتور طارق السويدان ..
» العلماء ورثة الانبياء
» قصص الانبياء كاملة لابن كثير مصور pdf
» كنوزالحكمه .....مختارات من كلام الانبياء الحكماء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: المكتبة الاسلاميه-
انتقل الى: