«داعش وتويوتا»
<< الأربعاء، 21 أكتوبر/تشرين الأول، 2015
د.رحيل محمد غرايبة
استعمال داعش لسيارات الدفع الرباعي حديثة الصنع، مثل (تويوتا لاند كروزر) أثار انتباه المراقبين العاديين ودهشتهم منذ أيام ظهورها المبكر في «الموصل»، حيث كان موكب زعيمها الأول يتألف من رهط طويل من السيارات السوداء الفخمة التي تشبه مواكب الزعماء العرب، كانت تخترق الشوارع ذهاباً وإياباً، تحت أعين العالم كله، وما زالت داعش قادرة على استقدام السيارات والأسلحة والذخائر.
هذا المظهر البسيط يفتح شهية المراقبين لتحليلات مطولة تتناول هذه الظاهرة المحيّرة فعلاً، ويشكل نافذة ضيقة تدلف منها إلى عالم واسع من الاحتمالات، وتثير عدداً هائلاً من التساؤلات التي تبحث عن إجابة تحترم العقل بالحد الأدنى من المنطق المقبول.
عندما تم فرض الحصار الشامل على دولة العراق وقت حكم صدام حسين، فقد أدى ذلك إلى تعطيل عدد كبير من المصانع العراقية، وتعطلت الطائرات بسبب فقدان قطع الغيار وأصبحت السيارات قديمة ومهترئة، وأصبح استيراد حليب الأطفال بمنتهى المشقة، وتعطلت المستشفيات نتيجة نقص الأدوية، وأغلقت المختبرات الجامعية، وأصبحت الحياة بدائية تشبه حياة الإنسان الأول، مع أن العراق دولة كبيرة وعريقة ولها حدودها الطويلة مع عدد كبير من الدول العربية وغير العربية، ولها علاقات حسنة مع روسيا والصين وغيرها، ومع ذلك كانت تجد صعوبة في استيراد أقلام الرصاص لطلاب المرحلة الابتدائية!!
فما بالنا بدولة «داعش» المبتدئة التي لا تحظى بأي اعتراف أو علاقة مع أي دولة في العالم، وتواجه حرباً من كل دول العالم مجتمعة وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة وكل الدول الكبرى، ومع ذلك ما زالت تقاتل وتحتل أراضي شاسعة، ولديها أسلحة حديثة، وتملك سيارات دفع رباعي «بورقتها» لم تستعمل بعد، أليس هذا المشهد يثير السخرية الحقيقية ويحمل أعلى درجات «الاستلطاخ» بشعوب المنطقة وشعوب العالم ؟
عندما خاضت «إسرائيل» حربها على غزة المحاصرة، اضطرت إلى إحداث جسر جوّي مع الولايات المتحدة من أجل إمداد جيش الاحتلال بالمعدات والأسلحة والعتاد العسكري، مع أنها تملك ترسانة عسكرية تنافس أقوى جيوش العالم، فكيف نستطيع أن نتصور قدرة «داعش على الصمود»؟
كشفت بعض الأخبار أن دولاً عربية متورطة بإمداد داعش بصفقات مشبوهة، ونقلت الديار اللبنانية أن شركة تويوتا اليابانية كشفت عن معلومة مهمة لها دلالتها تفيد بأن (10) آلاف سيارة مستعملة لدى داعش مستوردة باسم «نوري المالكي» رئيس الحكومة العراقية السابق، ولا بد من وجود متورطين آخرين.
كشفت بعض المصادر الكردية أنه صدر أمر إلى القوات الكردية (البشمرقة) تمنعهم من التعرض لخط إمداد داعش الرئيس الذي يربط بين الموصل والرقة، وهناك معلومات أخرى تقول أن بترول داعش يتم تسويقه عن طريق النظام السوري، وبعضه عن طريق شركات تركية، وتجار إيرانيين وعرب آخرين أيضاً.
الطائرات الأمريكية بلا طيار كانت تتابع سيارات منفردة في صحارى اليمن لبعض زعماء القاعدة ،وتمطرها بصاروخ دقيق لا يخطيء هدفه فيجعلها رماداً واثراً بعد عين، ويقولون أن الأقمار الصناعية تستطيع رصد كل حركة وتقرأ رقم السيارة، وترصد كل مكالمة وتتجسس على كل رسائل الأزواج من زوجاتهم في معظم دول العالم، بل رصدت كل مكالمات المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي من حلفائها فضلاً عن خصومها، فهل كل هذه التقنية عاجزة عن رصد تحركات «داعش» ؟.
تقول بعض الأخبار أن رئيس الحكومة العراقية السابق عمل على تأمين ممر آمن لقوات «داعش» عبر الأنبار إلى الحدود السعودية والأردنية، وهناك تعاون وتنسيق لا تخطئه العين يجري بشكل يومي بين داعش وكثير من الأطراف التي تدعي محاربتها وخصومتها، ومن يراقب سير المواجهات والطلعات الجوية والأهداف العسكرية يقرأ الحقيقة شبه كاملة.
الحرب على «داعش» تمثيلية سخيفة وسمجة، ومسرحية مكشوفة ولعبة قذرة تمارسها أطراف كثيرة - كبيرة وصغيرة على مستوى العالم والإقليم، ومازالت مستمرة وسوف تستمر سنوات أخرى، وهي تشكل غطاءً شفافاً لمخططات وتوافقات دولية مرسومة، وسوف تبقى شعوب المنطقة هي الضحية وهي التي تدفع الثمن في ظل الغيبوبة التي نعيشها، وفي ظل الاستمتاع بالغباء اللذيذ.