الثقافة الفنية في حياة أطفالنا
الفن أكبر بنات الحضارة سناً وأبهجهن حسناً وجمالاً، فهو كالمرأة يعبر عن خفايا النفس بحرية وصدق وتوازن للعقل والعاطفة معاً. فهو يساهم بشكل كبير في نمو الأطفال وتطور أساليب تعبيرهم عن ذاتهم ومشاعرهم الدفينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :هل نستطيع فهم نفسية الطفل ومشكلته من خلال رسوماته!؟... هل نستطيع إخراجه من عزلته!؟ أو من عنف وإساءة تعرض لها!؟ وكيف سنخرجه من حالته بالشكل المناسب دون التعرض لمكنوناته الداخلية؟.
طريقة تثقيف أطفالنا فنياً لازالت في طورها الجنيني، فهي تحتاجُ إلى دراسة مستفيضة وموسعة من أجل تطوير الثقافة الفنية وتعميق أسسها، فاللوحة ليست مجرد خطوط وألوان، بل هي أكثر من ذلك فهي شكل من أشكال الإبداع الإنساني والتي للأسف يوجد جهل كبير بمعرفتها، فما الذي يمنعنا نحن البالغين (المثقفين) بزيادة معرفتنا ومعرفة أطفالنا بالاتجاهات الفنية ومدارسها المتنوعة، كالكلاسيكية المحدثة والرومانتيكية والواقعية والتجريدية ومن ثم الفن الحديث الذي أعطى رؤية حسية عن طريق المدرسة الانطباعية والوحشية والتكعيبية والتعبيرية،
ولن ننسى الفن التشكيلي المعاصر الذي يجسد ويسجل حياة الإنسان ولحظته التاريخية في قالب فني حي.
العين ترى وتترجم الإحساس بالأشياء من حولنا، فلم لا نعطيها الحق برؤية الإبداع الإغريقي والهلنستي في سوريا ومصر الذي ترك لنا شواهد فنية أصيلة لازالت خالدة حتى يومنا هذا.
الرقي بالفن يبدأ من تطوير مهارات أطفالنا ومراقبة ما تخطهُ أقلامهم وألوانهم من أشكال وخيالات وتصورات مركّبة تحمل ملامح كثيرة تعكس بيئة ومزاج واقعهم المعاش ونحن بدورنا علينا الاهتمام بتثقيف أنفسنا فنيا ً كي تتكون لدينا أدوات عمل تمكننا من فهم عالم الطفل الفني والنفسي وتصويبه.
إنّ حبَ الفن لديه يتعززأكثر عن طريق تعريفه بمبادئ الرسم الأولية كي يبدأ بنقل ما يدور في مخيلته بعفوية ودون قصد، ومن هذه الأسس المنظور، رسم جسم الإنسان، الظل والنور، مفهوم الطبيعة الصامتة، مزج الألوان، والمصطلحات الفنية وغيرها.........
الفن يسيرُ وفق طرق ٍ مدروسة وأساليب تقليدية من جهة، وطرق ٍ مبتكرة جديدة تنبع من الشعور الداخلي بالحياة من جهة أخرى، فمن خلال فهم الموضوع المراد رسمه يستطيع الطفل تعلم مهارة أو اكتساب خبرة للتعبير عن انفعالاته مما يساهم في كثير من الأحيان بتغيير مسيرة حياته وطموحه كليا ً.
الرسم التعبيري المُنجز يُمكنه أن ينهضَ بالمستوى الفني للطفل ويجعله قادراً على التعبير عن أفكاره بالخط واللون إذا تمت قراءته من قبل المعلم أو المدرب بشكل صحيح وجدي وهذا بدوره سوف يصبح حافزاً معنويا ً يزيد من رغبته وتعلقه بما يفعل في الحياة ليخرُج من دائرتها اليومية إلى حياة تخلو من الفراغ، يرى من خلالها حقيقة وجوده.
نحن البالغون علينا أن نقدم الدعم الوجداني لأطفالنا في أعمالهم الفنية لأنه يبعث فيهم طاقة روحية متأججة يصبحون فيها قادرين على العطاء.
في خطوة ٍ مُتأخرة في سوريا تم اعتماد التربية الفنية التشكيلية كمادة مقررة لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، ضمن خطة تدريجية لتنمية التذوق الفني عند طلابنا وإكسابهم مهارات تعمل على تحريض وإخراج إبداعاتهم.
إن ّتدريس المواد الفنية المختلفة كالرسم والموسيقى يُعد ُ استكمالاً لحق هام من حقوق الطفل في التعلُم (دون منة من أحد) والذي كان مقتصرا ً على القراءة والكتابة والتحصيل العلمي.
المنهاج الجديد يعتمدُ مبدأ اعتماد الطالب (المتدرب) على التعلم بشكل ذاتي من خلال البحث والمناقشة والجرأة في اتخاذ أي قرار يتعلق بأفكاره الفنية البسيطة.
عندما يُدرك الطالب أن العمل الفني المبتكر هو مفهوم جديد في الشكل والحجم والخط واللون والنِسَب، و يختلف من شخص لآخر فإن ذلك يعمل على تطوير قدراته الذاتية والإبداعية ليصبح بالنتيجة قادراً على التذوق الفني بالدرجة الأولى وتقديم شيء مختلف يميزه عن الآخرين إذا كانت لديه موهبة حقيقية.
لقد حُرمت الأجيال السابقة من نهل تلك المعرفة والأسس التي تُخرج الحالة الإبداعية الكامنة في داخلهم، لعدم وجود كتاب فني بين يدي الطالب كما هو الحال في بقية المواد مما عزز الاعتقاد بأن هذه المادة هي ترفيهية وليست أساسية في هذه المرحلة، وكانت الموهبة الصرفة والبيئة الثقافية في أُسَر بعض الطلاب هي فقط الدافع لظهور بعض الأسماء الفنية في مجتمعنا العربي.
لن نحزن لهذا بل سنتعلم من أخطائنا السابقة لتربية جيل واعٍ قادر على تنمية قدراته وتزويد نفسه بالثقة الكاملة كي يحقق أهدافه عن طريق الخط واللون.
أتمنى أن أرى جميع أطفالنا يرسمون مستقبلهم بمشاعر صادقة تسمو بهم ليواجهوا بها مصاعب الحياة بألوان تتناغم مع أحلامهم البريئة.
المراجع:
الموسوعة العلمية في الرسم والتلوين - محي الدين طالو