تأخر الإنجاب.. أسباب طبية وتأثيرات اجتماعية ونفسية

منى أبو صبح

عمان- أصيبت آمال عبدالله (28 عاما) بحالة نفسية سيئة عقب زواجها بأشهر قليلة، وذلك لإحاطتها بأسئلة واستفسارات عدة من المحيطين بها حول حدوث الحمل أم لا، مما دفعها لمراجعة الأطباء الذين أكدوا بعد إجراء الفحوصات اللازمة عدم وجود مشاكل صحية تمنع الإنجاب لدى الزوج والزوجة.
تقول عبدالله “شعرت باطمئنان كبير عندما أخبرني الأطباء بإمكانية حدوث الحمل”، لكن عائلة زوجها وأصدقاءه يلحون دائما بإعادة مراجعة الأطباء من جديد وعدم الانتظار طويلا، لكني لم أستجب لتلك النصائح والتعليمات، مما تسبب بوقوع العديد من المشاكل بينها وبين زوجها.
وتستغرب آمال من أسلوب المحيطين بها، رغم أن كل زوج وزوجة يتمنيان الإنجاب، لكن كثرة هذه المشكلات وتفاقمها، والتفكير الدائم بها “تسبب لنا بالضغط والإحباط ونحن لم نتعدّ السنة الأولى في زواجنا”.
ويعد تأخر الإنجاب من المشكلات التي تواجه المتزوجين حديثا، وهناك أسباب لتأخر الحمل منها طبية أو نفسية أو اجتماعية وغير ذلك وكل سبب له مختص يتعامل معه، أما تأخر الإنجاب بدون سبب وتأكيد الأطباء لذلك، فهنا يطمئن الزوجان على أنفسهما، وبعضهم يتساءل لماذا هذا التأخير، وآخرون يستجيبون لنصائح وتدخلات الآخرين في حياتهما، ونسمع كثيرا عن أزواج كان عدم الإنجاب سببا في انفصالهما، ومنهم من استجاب لنصح الأطباء بأن للحالة النفسية تأثيرا قويا في مسألة الإنجاب.
أما الزوجان علي ومروة فلم يرزقهما الله حتى اليوم نعمة الإنجاب، ورغم كثرة تساؤلات المحيطين بهما وإدلاء نصائح بعضهم بالانفصال لم يستجيبا مطلقا، خصوصا بعد مرور عشرة أعوام على زواجهما.
يقول الزوج علي “أحب زوجتي كثيرا، وهي كذلك، والأولاد نعمة من نعم الله، لكننا لم نحظَ بها”، لافتا إلى أن الأطباء أكدوا استحالة حدوث الإنجاب بسبب مشكلة صحية لدى زوجته، لكنه لا يستطيع مجرد التفكير بالابتعاد عنها أو الزواج بأخرى كما ينصحه الأهل والأصدقاء.
وتقول مروة “طلبت من زوجي الانفصال بعد إجراء محاولات عدة في الإنجاب وفشلها، لكنه رفض الأمر ولم يتقبله مطلقا، وأكد أنه راض بما كتبه الله لنا”.
لكن الزوجين سمير ودلال كانت لهما وجهة نظر مختلفة في التعامل مع مسألة عدم الإنجاب، فقد تم الطلاق بعد خمس سنوات مضت من زواجها، مع تأكيد الأطباء صعوبة حدوث الحمل لدى الزوجة.
يقول الزوج سمير “كمثل الآباء والأمهات الذين يزوجون أبناءهم يتأملون ويتلهفون بقدوم مولود للابن أو الابنة، وهذا ما حدث بالفعل”، مبينا أن عائلته قامت بمساعدته في تكاليف العلاج والعمليات الطبية التي أجرتها زوجته. لكن تلك العمليات لم تنجح للأسف، فلم يكن منهم سوى التدخل بالأمر بضرورة الزواج بأخرى، و”لم تتقبل زوجتي السابقة الفكرة مطلقا وطلبت الطلاق، ووقع استجابة لها”.
أخصائي النسائية والتوليد د. سمير كراعين، يقول “عادة لا يفترض وجود عقم قبل مرور سنة كاملة للزوجين، فهو الحد الأدنى للحمل بعلاقة زوجية منتظمة، وإذا فضل الزوجان مراجعة الطبيب لوجود مشكلة طبية ما فيتم الفحص السريري والألتراساوند للاطمئنان عليهما”.
ينصح كراعين الزوجين إن تأخر الحمل بالتركيز على الغذاء الذي يزيد المناعة والخصوبة مثل التمر والعسل، والأطعمة الغنية بفيتامين C مثل الحمضيات، البندورة، الفليلفة الخضراء، فنجان من الجوز واللوز يوميا فجميعها تمد بالطاقة والحيوية، ومن لديهم أمراض مثل القلب وفقر الدم ينصح بتناولهم الغذاء المتوازن.
ويضيف “يجب معرفة الزوجين أو تهيئتهما قبل الزواج أو في بدايته لمعرفة فترة الخصوبة المناسبة (خروج البويضة)، التثقيف الجنسي للخصوبة، ومتى تزداد، وتنظيم برنامج فترة الخصوبة للمتزوجين. أما إذا كان الزوج أو الزوجة لديه مشكلة طبية قبل الزواج مثل “تكيس المبيض للفتيات” فهو خلل وظيفي يصيب المبيض ويسبب زيادة في الوزن وينثر حب الشباب على الوجه، وهنا يفضل مراجعة الأطباء لتتم معالجة الأمر، كما أن هناك بعض الذكور لديهم مشاكل طبية مثل الشخص المدخن أو الذي يعمل بالمواد الكيميائية وعليه تقل القدرة على الخصوبة لديه”.
الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد، يقول “بداية يجب معرفة إذا كان سبب تأخر الحمل من الزوجة أو من زوجها، مع العلم أن الكثير من النساء يتأخرن في الحمل، والحالة النفسية للمرأة تؤثر كثيرا على الحمل”.
ويؤكد أبو زناد أن على الأزواج مراجعة الأطباء الأخصائيين حتى تطمئن في حال تأخره، وإذا كانت الأمور طبيعية للزوجة والزوج فلا داعي للقلق، فالكآبة تؤخر الحمل، وهذا مؤكد علميا.
وينصح دائما السيدات اللواتي يتأخرن بالحمل، بعدم الاكتراث بكلام الآخرين، ومحاولة شعل وقت الفراغ بأعمال أو هوايات مفضلة، وإذا قرر الأطباء أن هناك مشكلة طبية تحتاج للعلاج، فهنا تأتي أهمية المتابعة، سواء تعلق الأمر بالزوجة أو بالزوج.
استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان، يذهب إلى أن الإنجاب هو الذي يحافظ على استمرار الحياة البشرية، وأمر محبب لدى الزوجين، والكل يسعى إلى إنجاب الأبناء ويبدأ ترقب الحمل بعد فترة قصيرة من الزواج، سواء من الزوجين أو من الأهل. وفي حال تأخر الإنجاب فإن الزوجين يتعرضان لضغوظ نفسية واجتماعية من الأهل والأقارب والأصدقاء.
ويضيف “وبداية لا بد من الوقوف على سبب تأخر الإنجاب، وبعد ذلك يأتي دور الأهل في عدم الضغط والتأثير على الزوج أو الزوجة واستعجال الأمر، أو طلب الطلاق”.
وفي الحالة الثانية التي يكون من الناحية الطبية الحمل أو الإنجاب غير ممكن، يترك الأمر للزوجين لتقرير ما يريدانه، وفق سرحان، فقد يتفقان على استمرار الزواج بدون إنجاب، وترك الأمر لما يمكن أن يتطور، وخصوصا أن الإنسان عندما يسلم أمره إلى الله ويتوكل عليه فقد يحدث الإنجاب ولو بعد سنوات، وهذا ليس بالمستحيل والخارج على المنظور الطبي.