منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه   فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Emptyالجمعة 12 أبريل 2013, 11:48 pm



فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه

هو أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة التيمي، أول الرجال إسلاماً، وأفضل الأمة على الإطلاق رضي الله عنه....... وأما فضله فقال تبارك وتعالى {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}

[التوبة:40]، وقال الله تبارك وتعالى {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33]، وقال {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 – 21] حكى جماعة من المفسرين على أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
وفي (الصحيحين) من حديث الهجرة الطويل: ((فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: هذا الطلب، قد لحقنا يا رسول الله، فقال: لا تحزن إن الله معنا))روآه البخاري ومسلم
وفيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ((قلت للنّبيّ صل الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) .روآه البخاري ومسلم

وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((كنّا نخير بين الناس في زمن النّبيّ صل الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم)) .روآه البخاري
وفي لفظ قال: ((كنّا في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النّبيّ صل الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم)) .روآه البخاري

وفيهما واللفظ لمسلم عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنّهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجلٌ يسوق بقرةً له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت: إنّي لم أخلق لهذا ولكنّي إنّما خلقت للحرث، فقال الناس: سبحان الله تعجباً وفزعاً أبقرة تكلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنّي أؤمن به وأبو بكر وعمر)) وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما راعٍ في غنمه عدا عليها الذئب فأخذ منه شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري. فقال الناس: سبحان الله. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: فإنّي أؤمن بذلك أنا وأبو بكر وعمر)روآه البخاري ومسلم
وفي رواية لهما: ((ومن ثم أبو بكر وعمر)) .روآه البخاري ولمسلم ((وما هما ثم)) .
وفي (صحيح البخاري) عن همام قال: سمعت عماراً يقول: ((رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم وما معه إلاّ خمسة أعبُدٍ وامرأتان وأبو بكر)) .
وفيه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((كنت جالساً عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أمّا صاحبكم فقد غامر، فسلّم وقال: يا رسول الله إنّه كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثاً)، ثم إنّ عمر رضي الله عنه ندم فأتى منزل أبا بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسلّم عليه فجعل وجه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتمعّر حتى أشفق أبو بكر رضي الله عنه فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم. مرتين. فقال صلى الله عليه وسلم: إنّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين. فما أوذي بعدها – وفي رواية – فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: هل أنتم تاركو لي صاحبي، هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إنّي قلت يا أيّها الناس إنّي رسول الله إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت)) قال أبو عبد الله - هو البخاري -: سبق بالخير
ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((من أنفق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنّة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصّدقة دعي من باب الصّدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان. فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة. وقال: هل يدعى منها كلها أحدٌ يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر)) روآه البخاري ومسلم
وفيه عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أيّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صل الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلاّ رجلٌ من المسلمين)روآه البخاري
وفيه عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم)روآه البخاري
وفيهما عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنّه توضّأ في بيته ثم خرج فقلت: لألزمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكوننّ معه يومي هذا، قال فجاء المسجد فسأل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج ووجّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد – حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضّأ، فقمت إليه فإذا هو جالسٌ على بئر أريس وتوسّط قفّها وكشف عن ساقيه ودلاّهما في البئر فسلّمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكوننّ بوّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشّره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلّى رجليه في البئر كما صنع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكفّ عن ساقيه، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلانٍ خيراً – يريد أخاه – يأت به، فإذا إنسانٌ يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: ائذن له وبشّره بالجنّة، فجئت فقلت له: ادخل وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القفّ عن يساره ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلانٍ خيراً يأت به، فجاء إنسانٌ يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائذن له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه، فقلت له: ادخل وبشرك رسول الله صل الله عليه وسلم بالجنّة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القفّ قد ملئ فجلس وجاهه من الشّقّ الآخر. قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم)روآه البخاري ومسلم
وفيهما عن أنس رضي الله عنه أنّ النّبي صل الله عليه وسلم صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال: ((اثبت، فإنما عليك نبيٌّ وصدّيقٌ وشهيدان)) روآه البخاري
وله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً. قال فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلّ ما عنده فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبداً)) هذا حديث حسن صحيح
ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئٍ إلاّ دخل الجنّة))



مواقفه العظيمة
وأما ما منحه الله تعالى من المواقف العظيمة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من حين بعثته إلى أن توفاه الله عز وجل من نصرته والذب عنه والشفقة عليه والدعوة إلى ما دعا إليه وملازمته إياه ومواساته بنفسه وماله، وتقدمه معه في كل خير، فأمرٌ لا تدرك غايته، ثم لما توفى الله عز وجل نبيه صل الله عليه وسلم كان من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن ولاه أمرهم بعد نبيه، وجمعهم عليه بلطفه، فجمع الله به شمل العرب بعد شتاته، وقمع به كل عدوّ للدين ودمّر عليه وألف له الأمة وردّهم إليه، بعد أن ارتدّ أكثرهم عن دينه وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين. حتى قيل: لم يبق يصلى إلاّ في ثلاثة مساجد الحرمين الشريفين, ومسجد العلاء الحضرمي بالبحرين، فردّهم الله تعالى إلى الحق طوعاً وكرهاً وأطفأ به كل فتنة في أقل من ستة أشهر ولله الحمد والمنة.
قال الله تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} [المائدة:54] الآيات. قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وقتادة: هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة)
وذلك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب، إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس، ومنع بعضهم الزكاة. وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال عمر رضي الله عنه: ((كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله عز وجل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله لأقتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإنّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها))روآه البخاري ومسلم
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كرهت الصحابة رضي الله عنهم قتال مانعي الزكاة وقالوا أهل القبلة، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده، فلم يجدوا بداً من الخروج في أثره . قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردّة .
وكان قد ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: منهم بنو مذحجٍ ورئيسهم الخمار عبهلة بن كعب العنسي ويلقب بالأسود، وكان كاهناً مشعبذاً فتنبأ باليمن واستولى على بلاده، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النّهوض لحرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال رضي الله عنه: ((فأتى الخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من السّماء في الليلة التي قتل فيها، فقال صل الله عليه وسلم: قتل الأسود البارحة قتله رجلٌ مبارك، قيل: ومن هو؟ قال: فيروز، فاز فيروز)) روآه الطبري وبن كثيرفي البدايه والنهآيه
فبشّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود وقبض النّبيّ صل الله عليه وسلم من الغد وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعد ما خرج أسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه


والفرقة الثانية بنو حنيفة ورئيسهم مسيلمة الكذاب، وكان قد تنبّأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر وزعم أنّه اشترك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله: أما بعد فإنّ الأرض نصفها لي ونصفها لك وبعث إليه رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما)). ثم أجاب: ((من محمّدٍ رسول الله صل الله عليه وسلم، إلى مسيلمة الكذاب: أمّا بعد فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين))روآه دآود وآحمد والطبرآني
ومرض رسول الله صل الله عليه وسلم وتوفي، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذّاب في جيشٍ كثير حتى أهلكه الله على يد وحشي غلام مطعم بن عديّ الذي قتل حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديدة، وكان وحشي يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشرّ الناس في الإسلام .
والفرقة الثالثة بنو أسد ورأسهم طليحة بن خويلد، وكان طليحة آخر من ارتدّ وادعى النبوّة في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأوّل من قوتل بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم من أهل الردّة، فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فهزمهم خالد بعد قتال شديد، وأفلت طليحة فمرّ على وجهه هارباً نحو الشام، ثم إنّه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه.
وارتدّ بعد وفاة النّبيّ صل الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير حتى كفى الله المسلمين أمرهم، ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله وارتدت العرب واشرأبّ النفاق ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال لهاضها ...
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في (سننه) وابن عساكر عن قتادة: قال الله تعالى هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ} [المائدة:54] وقد علم أنّه سيرتد مرتدّون من الناس، فلما قبض الله نبيّه صل الله عليه وسلم ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الجواثي من عبد القيس. وقال الذين ارتدوا: نصلي الصلاة ولا نزكي، والله لا تغصب أموالنا. فكلم أبو بكر في ذلك ليتجاوز عنهم، وقيل له: إنّهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة. فقال: والله لا أفرّق بين شيء جمعه الله عز وجل، ولو منعوني عقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه، فبعث الله عصائب مع أبي بكر فقاتلوا حتى أقروا بالماعون وهو الزكاة . قال قتادة: فكنّا نتحدّث أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
[المائدة:54] إلى آخر الآية .
ولا ينافي هذا ما ورد من أنّها نزلت في أهل اليمن كما أخرج ابن جرير عن شريح بن عبيد قال: لما أنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} [المائدة:54]. الآية، قال عمر رضي الله عنه: أنا وقومي يا رسول الله؟ قال: ((لا بل هذا وقومه)) يعني أبا موسى الأشعري )روآه الطبري
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة في (مسنده) وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه، والبيهقي في (الدلائل) عن عياض الأشعري قال: ((لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] قال رسول الله: هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه)) روآه الطبري
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم في (جمعه لحديث شعبة) والبيهقي وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((تليت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] الآية فقال النّبيّ صل الله عليه وسلم: قومك يا أبا موسى الأشعري، أهل اليمن)) صححه آحمد
وأخرج ابن أبي حاتم في (الكنى) والطبراني في (الأوسط) وأبو الشيخ وابن مردويه بسندٍ حسن عن جابر بن عبد الله قال: ((سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن قوله {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] الآية فقال: هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم كندة ثم السكون ثم تجيب)) .قال الالبآني سلسلة الصحيحه
وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال: هم أهل القادسية
قلت: وكان غالب أهل القادسية من أهل اليمن، بل كانت بجيلة ربع الناس فضلاً عن غيره، وكان بأس الناس الذي هم فيه، كما رواه ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: وكان يمر عمرو بن معد يكرب الزبيدي فيقول: يا معشر المهاجرين كونوا أسوداً، فإنما الفارسي تيس . وقد قتل رضي الله عنه أسواراً فارس الفرس وأبلى بلاء حسناً، وكانت له اليد البيضاء يومئذ.
وأخرج البخاري رحمه الله تعالى في (تاريخه) عن القاسم بن ينخسرة قال: أتيت ابن عمير فرحب بي ثم تلا {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] الآية ثم ضرب على منكبي وقال: أحلف بالله أنّه لمنكم أهل اليمن – ثلاثاً .
وكلّ هذا لا ينافي ما قدمناه من نزولها في أبي بكر أولاً، فإن أهل اليمن لم يرتد جميع قبائلهم يومئذٍ، وإنّما ارتدّ كثيرٌ منهم مع الأسود وثبت كثيرٌ منهم على الإيمان مع معاذ بن جبل وأبي موسى وفيروز الديلمي وغيرهم من عمّال النبي صل الله عليه وسلم ونشب بين مؤمنيهم وكافريهم قتال عظيم حتى قتل الله الأسود على يد فيروز وأيد الله الذين آمنوا منهم على عدوهم فأصبحوا ظاهرين، ولكن لم يرجع أمرهم على ما كانوا عليه قبل العنسي إلاّ في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فإنّه لم يزل يتابع الكتائب مدداً لمؤمنهم على كافرهم حتى راجعوا الإسلام وكانوا من أعظم أنصاره حتى صار رؤساء ردتهم كعمرو بن معد يكرب وقيس بن مكشوح وغيرهم من أعظم الناس وأشدهم بلاءً في أيام الردة والفتوح، فحينئذٍ عاد المعنى إلى أبي بكر وأصحابه وهم من أصحابه، وكل هذا في شأن السبب لنزول الآية، وإلا فهي عامة لكل مؤمن يحبّ الله ويحبه ويوالي فيه ويعادي فيه ولا يخاف في الله لومة لائم.
وكان أبو بكر وأصحابه أسعد النّاس بذلك وأقدمهم فيه وأسبقهم إليه وأول من تناولته الآية، رضي الله عنه وأرضاه وعن أنصار الإسلام وحزبه أجمعين.
وفي (الصحيحين) وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقّه وحسابه على الله عز وجل فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإنّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنّه الحق)) روآه البخاري ومسلم
وتفاصيل مواقفه العظام رضي الله عنه مشهورة مبسوطة في كتب السيرة وغيرها وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر، وكانت وفاته رضي الله عنه في يوم الإثنين عشية، وقيل: بعد المغرب ودفن من ليلته وذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بعد مرض خمسة عشر يوماً، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي بالمسلمين، وفي أثناء هذا المرض عهد بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب، وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان وقرئ على المسلمين فأقرّوا به وسمعوا له وأطاعوا. وكان عُمْر الصديق رضي الله عنه يوم توفي ثلاثاً وستين سنة السن الذي توفي فيه رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد جمع الله بينهما في التربة كما جمع بينهما في الحياة، فرضي الله عنه وأرضاه، ومن جميع أبواب الجنة دعاه، وقد فعل ولله الحمد والمنة.
معارج القبول بشرح سلم الوصول لحافظ الحكمي بتصرف
13139-1313-3
الدرر السنيه





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه   فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:40 pm

 


أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة الإسلامية
بحث ماجستير (تكميلي) للباحث: جبرين بن إبراهيم بن عبدالله الجبرين






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
يُعد أبو بكر الصدِّيق - رضيَ الله عنه - أوَّل مَنْ أسلم من الرجال، وهو صاحب الرسول في الغار وسيرته العطرة مبسوطة في كتب السير والتراجم، إلا إن بين أيدينا اليوم دراسة تقدم بها الباحث جبرين بن إبراهيم بن عبدالله الجبرين لنيل درجة الماجستير من كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت الدراسة بعنوان: "أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة الإسلامية"، ركَّز فيها الباحث على دور أبي بكر - رضيَ الله عنه - في الدعوة إلى الله زمن حياة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبعد وفاته، لنتعرَّف من خلالها على منهج سلفنا الصالح في الدعوة، لعلنا نقتدي بهم، ونحذو حذوهم، وما ذلك على الله بعزيز.

ويسرُّنا في (الألوكة) أن نتجوَّل معكم في ربوع تلكم الدراسة؛ علَّنا نجد فيها المتعة والفائدة.

1- أسباب اختيار الموضوع:
يقول الباحث في ذلك: "وأسباب اختياري لموضوع "أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة" دون غيره - لعلمي أنَّ دراسة سيرته ومنهجه في الدعوة جديرٌ بالبحث والعناية، كيف لا وهو الداعية الثاني بعد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -!! ثم أنه درس في مدرسة الرسول الأعظم؛ فتعلَّم على يديه، وكان مطبِّقًا لأقواله وأفعاله، فانعكس ذلك على شخصيته؛ فصار في تاريخ الإسلام من أعظم الدُّعاة إلى الله، الذين هدى الله بهم الناس بعد الضَّلال، وجمع الله بهم الشَّمل بعد الفُرْقة.
ثمَّ إنني أردتُ أن أستفيد ويستفيد غيري من الدُّعاة بعض الدروس من سيرته ودعوته، فعقدت العزم على البحث في ذلك مستعينًا بالله سبحانه".

2- أقسام الدِّراسة: 
قسم الباحث دراسته إلى مقدّمة وثلاثة فصول وخاتمة.

أما المقدمة:
فبيَّن فيها موضوع البحث وأسباب اختياره، والمنهج الذي سار عليه في البحث.

وأما الفصل الأول:
فقد جعله في أحوال عصره؛ لضرورة ذلك؛ لأنه ما من شكٍّ أنَّ معرفة أحوال عصره وكيف كان موقفه منها - ضروريٌّ لإبراز شخصيته، وذلك من خلال المباحث التالية:
- الحالة السياسية.
- الحالة الاقتصادية.
- الحالة الاجتماعية.

وفي الفصل الثاني:
تحدَّث الباحث عن حياة أبي بكر الصدِّيق وشخصيته، من خلال النقاط التالية:
- نسبه ونشأته.
- صفاته الخِلْقيَّة والخُلُقيَّة.
- صداقته للرسول - صل الله عليه وسلم - قبل المبعث.
- إسلامه.
- اضطهاد المشركين له حينما أسلم، وعزمه على الهجرة إلى الحبشة.
- صحبته للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد المبعث.
- علمه وفهمه.
- حِلمه وعفوه.
- شجاعته.
- مرافقته للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هجرته.
- الآيات والأحاديث التي وردت في فضله.
- اختصاصاته.
- وفاته.

أما الفصل الثالث:
فقد بيَّن فيه دَوْرَ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - العَمَلي في الدعوة، وأفرد في هذا الفصل المواضع التي تتعلَّق بدعوته، ومنها:
- مَنْ أسلم على يديه.
- تفانيه في الدَّعوة.
- عِتْقه للأرقَّاء المسلمين.
- وَرَعه وتقواه.
- زهده وتواضعه.
- جهاده في سبيل الله.
- مواقفه في الحقِّ.
- خلافته.
- أعماله وفتوحاته.
- خطبه ومواعظه.

وأما الخاتمة: فتشتمل على أهم النتائج التي توصَّل إليها.

3- خاتمة الدراسة ونتائجها:
يقول الباحث في خاتمته التي ضمَّنها أهمَّ ما توصَّل إليه من نتائج في هذه الدراسة:
"وهكذا نودِّع الصدِّيق في هذا البحث المتواضع، ومهما قلنا وكتبنا - فلن نوفِّي الصدِّيق حقَّه، ولا نملك إلا ندعو له ونترضَّى عنه، سائلين الله - جلَّ وعلا - أن يجعلنا نهتدي بهَدْيه وهدي إخوانه صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد توصَّلت من خلال بحثي السابق إلى النتائج الآتية:-
1- أن الصدِّيق - رضيَ الله عنه - منذ أن بدأ فجر الإسلام وهو يحشد قواه الفكرية وقواه الجسمية وقواه الاقتصاديَّة فِي سبيل إعْزاز دِينِ اللَّه وإِعْلاء كَلِمَته.

2- لقد عرفنا ما كان عليه العرب من الديانة والخُلُق والجاهلية الجهلاء، ثم لاحظنا كيف أنَّ الصدِّيق كان يتمتَّع بحصانة أمدَّه اللَّهُ بها، وحصَّنه من تلك المؤثِّرات، فلم يسجد لصنمٍ قطُّ، ولم يشرب خمرًا قطُّ، وكان على جانب قويٍّ من الأخلاق السامية.

وما من شكٍّ أنَّ الداعية يجب تحصينه من المؤثرات الخارجية؛ لأنَّ هذا مما يجعله يبصر غايته، فإذا كان إيمانه راسخًا، وعقيدتُه ثابِتةً مِثْل صاحِبِنَا أبي بكر الصدِّيق - رضيَ الله عنه - فَسَوْفَ يَكُونُ مَشْحونًا بِالإيمان القويِّ الذي يجعله يَسْتَسْهِلُ الصَّعْبَ فِي طريق دعوته، فلا يُبالِي بِما يَحْصُل له من أذى، ولا ما يعتَرِضُه من مشقَّة، ولا ما ينفقه من مال، كَثُرَ أم قَلَّ.

فهذا الصدِّيق - رضيَ الله عنه - وأصحابه الكرام - لما تعمَّق الإيمان في قلوبهم؛ فعل بهم الأفاعيل، فاستسهلوا الصعب في سبيل نصر هذا الدِّين، فجابوا القِفار، وركبوا البحار، حتى علت أعلام الإسلام خفَّاقة، وحتَّى صارَ صَدَى دَعْوَتِهم مُدَوِّيًا في جميع أرجاء المَعْمُورة.

3- وَمِنَ النَّتائِجِ: أنَّ الصِّفات التي تمتَّع بها الصدِّيق - رضيَ الله عنه - كانت دعوة صامتة في حدِّ ذاتها، دعوة حسيبة، كان لها انعكاسات بعيدة؛ فلقد كان من خُلُقِه التواضع والقدوة الحسنة في كل الأمور، وهذا ما يجب أن يكون عليه الداعية لكي يتقرَّب به إلى نفوس المدعوِّين، فَيَفْتَحون له صدورهم، ويُصغُون له آذانهم، ثُمَّ يتمكَّن قولُه في قلوبهم.

4- وَمِنَ النَّتائِج: أنَّ الصدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان صادقًا في كُلّ أَقْوَالِه وَأَفْعَالِه، فَإِذَا قَالَ فَعَلَ، وَهَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عليه الدَّاعيةُ المؤْمِنُ المخلِص.

5- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق صبر على الأذى وتكبَّد الأخطار في سبيل إنجاح دعوته، وهذا ما يجب أن يكون عليه الدَّاعية كما قال الشاعر:
لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى        فَمَا  انْقَادَتِ  الآمَالُ   إِلاَّ   لِصَابِرِ
6- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - كان على جانب من العلم والفَهْم في دين اللَّه، وهذا الأمر ضروريٌّ للدَّاعية؛ لكي يعلم حقيقة ما يدعو إليه، ولكي يكون عالمًا بحدِّ المعروف والمنكر، حتى لا يأمر إلا بالمعروف، ولا ينهى إلا عن منكر.

7- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - كان يتحلَّى بالحِلْم والعفو، وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمن، ولكن هذا الأمر في حقِّ الداعية أهمُّ من غيره من سائر الناس؛ فلابدَّ أن يكون حليمًا؛ لكي يستطيع أن يأخذ بقلوب الناس، ولابدَّ أن يتحلَّى بالعفو الذي هو من أعظم الأخلاق.

8- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - كانت عنده القدرة على التأثير على الآخَرين؛ فها هو ينصب مسجده أمام داره، ويصلي صلاةً علنيَّةً، ويقرأ القرآن قراءةً جهريَّةً؛ فتأثَّر به خَلْقٌ كثيرٌ، فأسلموا على يديه، حتى إن قريشًا غاظها ذلك، وأرادت منعه، فكفاه الله أذاهم. فهذا درسٌ يجب أن نستفيده نحن - معشر الدُّعاة - من سيرة الصدِّيق.

9- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - قدر على الإيغال في دعوته في أوساط مجتمعه، حتى تأثَّر به أصدقاؤه وجُلَساؤُه، فظهرت آثار ذلك؛ حيث إنهم تأثروا به فأسلموا، وجنَّدوا نفوسهم للدعوة قولا وفعلا. وهذا درسٌ آخَر يجب أن يُستفاد من سيرة هذا الرجل العظيم.

10- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق كان غيورًا على الحقِّ؛ فكان يَغَارُ على المشركين إذا أرادوا نَيْل صاحب الدَّعوة - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأذى، ثم ها هو يقف المواقف العظيمة، لا يحيد عنها مهما صارت النتائج. فلنر عزمه على حرب المرتدِّين، وعزمه على نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله في جميع الأصقاع!!.

11- ومن النتائج أيضًا لبحث أبي بكر ودعوته: أن نرى كيف تلقَّى الأحداث بصدر رَحْبٍ، فعَمِلَ التَّرتيباتِ اللاَّزمة، وبحث عن العلاج الناجح لعلاج تلك المشكلات التي ألمَّت بِالمسلمين وَتَكَالَبَتْ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ إِنَّهم فقدوا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم ما لبثوا أنِ ارْتدَّت العرب حول المدينة وجيش أسامة قد عقد لواءه الرسول - صلَّى الله عليه وسلم- وأمر بتسييره، ولكن داعيتنا يتلقَّى كلَّ ذلك بكلِّ شجاعة وبسالة، وبكلِّ إيمانٍ عميق، وبكلِّ ثقةٍ بأنَّ الله سيفرِّج الكَرْب، وسَوْفَ يَنْصُر دعوته ويُعِزُّ دينه، وهذا يفيدنا في أنَّ الدَّاعية يجب عليه أن يتلقَّى كلَّ ما يُعارِضُه من مشكلات بصدر رَحْبٍ، وأن يفكِّر التفكير السليم، ويُوجِد الحُلول المناسبة.

12- ومن النتائج المهمَّة أيضًا من بحثنا للصديق ودعوته: أن نرى كيف أنَّه لم يستعجل في الأمور، فلم يكلّ ولم يملّ، وإنَّما واصل دعوته صابرًا محتسِبًا، وهذا ما يجب على الداعية، فلا يقول - مثلاً -: لم أستطع أن أعمل شيئًا، فلابدَّ من الصبر، ومَنْ ألحَّ وكرَّر طَرْق الباب فُتِحَ له، ومَنْ سار على الدَّرْب وَصَلَ إلَى غايَتِه التي ينشدها، وها نحن نرى الصدِّيق مُنْذ أن أسلم وهو يدعو إلى الله، فها هو يقول: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإني سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمَّهم الله بعقابٍ من عنده)).

13- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه -كان على جانب قَوِيّ من الوَرَع والتَّقْوَى وَالزُّهْدِ في الدُّنيا، وهذا شأن الداعية المخلِص؛ فلنا فيه القدوة الحسنة، رضيَ الله عنه.

14- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق - رضيَ الله عنه - كان شجاعًا في الحقِّ، تلك الشجاعة التي جعلها الإسلام تسير في طريقها الصحيح.

وما أكثر النتائج والدروس المستفادة من سيرة الصدِّيق - رضيَ الله عنه - وها نحن نودِّع الصدِّيق الذي عرفنا طرفًا من سيرته العطرة، ومواقفه المباركة، نودِّع أفضل خلق الله بعد النبيِّين والمرسلين، نودِّع مَنْ شهد له رسولُ الهُدَى - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالخير والصحبة والجنَّة، نودِّع سِيرة هذا الرجل الذي لم يأل جهدًا في سبيل إعزاز دين الله، حتى لقيَ الله راضيًا مرضيًّا.

ولن نستطيع أن نُلِمَّ بِسيرَة ذلك الصرح الشامخ الذي شهده الإيمان القويُّ الذي يدكُّ الجبال.

ولا يسَعُني في نهاية هذا البحث إلا أن أقول: حقًّا، إنها دروسٌ يجب أن يُستفاد منها، إنَّ دراسة سيرة سَلَفِنا الصالح لهي خير وسيلة لإيجاد دعاة مخلصين جادِّين.

أقولُ: حقيقةً إنه لا غنى للمسلمين عن دراسة هذه السير العطرة للدُّعاة المخلصين وللسلف الصالح العاملين، وعلى رأسهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وخليفته أبو بكر الصدِّيق وبقية الخلفاء.

إنَّ مَنْ درس تلك السِّيَر وجد العجب العجاب، وطأطأ رأسه تعجُّبًا مما يرى من التفاني في سبيل الدعوة إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، رضيَ الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا في زمرتهم، وجمعنا بهم في بحبوحة جنَّته؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لِلَّه ربّ العَالَمين!!".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه   فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:42 pm

أبو بكر الصديق.. رجل الدولة العظيم



لم يعرف العربُ لهم دولةً في وسط الجزيرة العربية، لكنهم عرفوا الدولة في أطرافها: في الجنوب والشمال والشرق، كانت الدولة في اليمن، يحكمها الأحباش تارة، وتارة يحكمها الفرس، وكذلك دول الشرق أيضًا، حكمها الفرس بحكم الجوار والإطلالة على الخليج العربي، وفي الشمال كان المناذرةُ يتبعون فارسَ والغساسنةُ يتبعون الرومانَ يحمون حدود الدولتين من القبائل العربية التي كانت تمتهن الإغارة والسلب والرعي لتأمين حياتها.

وهكذا، كان العرب أمة ضعيفة... ومستضعفة! وهانوا على الأمم حينذاك، حتى غزاهم من اليمن أبرهة الحبشي يريد هدم البيت الذي تحج العربُ إليه، فأصابته هزيمة نكراء، عندما أرسل الحق سبحانه وتعالى جنودًا من خلقه، فأباد جيشه ورده عن هدفه، وسجل القرآن الكريم تلك الواقعة في سورة الفيل؛ قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سورة الفيل].

لقد كانت دولتا الفرس والروم أعظم دول ذلك الزمان، عندما بعث الله محمدًا -صل الله عليه وسلم- رسولاً في العرب إلى الإنسانية قاطبة، وجاء الإسلام عقيدة وشريعة، يختم رسالات الأنبياء ويهيمن عليها، فكان الصدام مع الوثنية، واليهودية، والنصرانية.

واليهود والنصارى أهل كتب سماوية، وقد كانوا يجدون في كتبهم خبر الرسول الذي يبعثه الله في أرض مكة، ولا يجدون جهداًً في معرفته، والتيقن من صدقه، وقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].

وما كان لهم إلا أن يدخلوا في الإسلام ويطرحوا غيره عنهم، ولكن العناد والمكابرة والحسد أدخلهم في صراع مرير مع الإسلام انتهى بطرد اليهود من الجزيرة وعقاب من تآمر منهم مع المشركين كما حدث مع بني قريظة بعد غزوة الخندق.

ولم يجبر الإسلام أحدًا على الدخول فيه، وترك للناس حرية العبادة إذا دفعوا الجزية لحمايتهم، وذاك هو ما أبقى أصحاب الملل المختلفة في المجتمع الإسلامي حتى الآن، مما يدل على تسامح الإسلام بعكس غيره من الأديان، فقد طرد المسلمون من الأندلس، ولم يرض النصارى في إسبانيا حتى بقاء (المورسيكيين) –وهم المسلمون الذين تنصروا معهم- بعد قرن ونصف من احتلال غرناطة، آخر معاقل المسلمين، وطردوهم خارج الأندلس!.

ومن المفارقات التي يجب أن تذكر في هذا السياق، أن اليهود الذين طردوا من الأندلس لم يجدوا لهم ملاذًا آمنًا إلا في الدولة العثمانية المسلمة التي تآمروا عليها فيما بعد، وعلى أرض فلسطين واتخذوها لهم وطنًا وشردوا أهلها منها!!

وبعدما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وجدت نفسها للمرة الأولى تخضع لسلطان واحد ودولة واحدة، يحكمها الإسلام بعقيدته وشريعته. وكان ذلك الانقلاب في الحياة العربية، والتغير الحقيقي الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في السلوك العربي مؤذنًا بأثر حضاري شرفت أمة العرب بحمله إلى العالم كله، رافعةً رايةَ التوحيد وداعيةً إلى عبودية الله وحده.

ومن صفات ذلك المجتمع وسماته العامة:

- العبودية لله.

- والمؤمنون إخوة.

- ودماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم... حرام.

- ومصدر السلوك والاعتقاد هو تعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية.

- ومصدر الشرعية في حكم المسلمين هو العمل بأحكام الشريعة.

وكان للقرآن الكريم بأسلوبه الساحر المعجز وإخباره عن الأمم السابقة وعما سيكون من بعث وحساب ومشاهد القيامة، ومخاطبته النفس البشرية بالترغيب والترهيب وفتح باب المغفرة، وبيان الأحكام في شؤون الحياة المختلفة، الأثرُ العظيم في إصلاح النفوس وإغرائها باحتمال التبعات، والتضحية بالنفس والمال ابتغاء مرضاة الله، فكان أن بنى جيلا من المسلمين في ذلك العصر، بذلوا أرواحهم رخيصة لنشر الإسلام وإعادة من ارتد عنه، بتضحيات جسام تفوق التصور والوصف!!.

كان لا بد من تلك المقدمة الموجزة، حتى يعرف للشخصية العربية المسلمة -التي نسجت دولة وقيادة على غير نسق سابقٍ يُحتذى، ونجحت في ذلك نجاحًا مذهلا- أثرها في القيام بالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في أصقاع الأرض!!.

صحيح أن مفهوم الرئاسة والقيادة والسفارة عرفته الجماعات الإنسانية، ومنها العربية، لكن الدولة -بنظامها وحدودها وتبعاتها ومؤسساتها وتوطيد الأمن في أركانها ونشر سلطتها وأسلوب سياسية الأفراد والفصل بينهم فيما تأتي به الحياة من معاملات وأطماع- لم تكن معروفة في وسط الجزيرة وأطرافها الغربية!

كان رسول الله يبلغ عن ربه، ويشرع، وكان قائدًا عسكريًا مطاعًا، وكان يقضي بين الناس، ويفصل في المنازعات ويستشير أصحابه فيما يطرأ على حياتهم. وهكذا أعطاهم نموذج القيادة!

وما إن توفي رسول الله، حتى تداعى الأنصار: أوسُهم وخزرجُهم إلى سقيفة بني ساعدة، ثم وصل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى الاجتماع، وحسم الأمر بتولي أبي بكر قيادة المسلمين.

وكان تلاشي الفتنة والفرقة والانقسام... هو ما كسبه المسلمون كلهم بخلافة الصديق لرسول الله صل الله عليه وسلم، هذا المنصب الذي يقف صاحبه أول الناس، ليس بينه وبين الله أحد - كما قال ابن الخطاب يومًا فيما بعد - ويتزاحم عليه بنو البشر تزاحمًا تتخطى فيه الرقاب، وترتكب فيه الحرمات، لما فيه من جاه وسلطان ومال، وإشباع ما في النفس الإنسانية من نوازع القيادة، والعظمة والفخر...

أين أبو بكر من ذلك كله؟!
قال: "والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية".

وذات يوم دخل عليه عمر رضي الله عنه داره، فألفاه يبكي، وما كاد يبصر عمر أمامه حتى تشبث به كأنه زورق نجاة وقال له:

- يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم!

ولم يتركه عمر يتم حديثه، فبادره قائلاً:

- إلى أين المفر...؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك!

وفي "بيانه السياسي" -وهو الوثيقة التي لا نجد لها مثيلاً في الفكر السياسي قولاً وعملاً- رسم لنفسه ولقادة الإسلام ما عليهم أن يعملوه:

"أما بعد أيها الناس، فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسات فقوموني! الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أعيد إليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله".

هذا الخطاب يستحق البحث والدراسة للمفاهيم التي يقدمها الحاكم المسلم في الحكم والسياسة، ووعائها العقدي ولكنني لست بصدد ذلك، ويكفيني إيرادها، على ما أننا بصدده.

لكني أسال بدافع مما استتر من نية وراء هذا البحث: هل يستحق أبو بكر أن يكون نموذجًا يحتذى في تفكيره وسلوكه وسياسته... الآن وفي هذا العصر؟؟

والسؤال فرضته الهجمة الشرسة على الإسلام وحضارته ورموزه ورجاله العظام، في هذه الأيام وأرصد في هذا الاتجاه موقفًا لأحد المفكرين العرب.

وفي العدد 550 من مجلة العربي الكويتية، وفي المؤتمر حول العقاد الذي عقد في الإسكندرية، جاء في الصفحة 198 على لسان د. صلاح فضل ما يلي:

"ويعتقد (د. صلاح فضل) أن صناعة هذا الوهم بفضل العبقريات، هو من النتائج الفادحة التي ترتبت على توظيف الدين لبحث عوامل النهضة، وكان لا بد أن يقف ذلك عند حد سياسي لا يتجاوزه، وهو أن هؤلاء كانوا عظماء في عصورهم وفي الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مروا بها، ولكنهم يظلون بهذه القيمة التاريخية دون أن يتحولوا إلى مثل عليا أو نماذج، نحاول الآن تطبيقها في مجتمعاتنا؛ لأن منطق العصر قد تغير، وآليات التطور والحضارة قد اختلفت"!!.

إنه نموذج لما يكتب ويقال في مطالب "الإصلاح الثقافي" التي انتشرت في الناس، وما يتبناه بعض أبناء جلدتنا من تلك المفاهيم ويقصد منها: "كف هذا الدين عن الوجود أصلاً، وتنحيته عن مكان العقيدة، وإحلال تصورات وضعية أخرى مكانه، تنبثق منها مفاهيم وقيم وأنظمة وأوضاع تملأ فراغ العقيدة، وتسمى مثلها عقيدة".!!!

ونتابع مسيرتنا مع أبي بكر...

كان أبو بكر رضي الخلق، رقيق الطبع، رزينًا لا يغلبه الهوى ولا تملكه الشهوة، وكان لرزانته وحسن رأيه ورجاحة عقله لا يشارك قومه في كثير من عقائدهم وعاداتهم: لم يشرب خمرًا في جاهلية ولا إسلام، على ما كان من حب أهل مكة للخمر وإدمانهم لها. وكان نسابة، حسن الحديث، لطيف المعاشرة.

وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق معروف، وكان رجال قومه يأتونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.

وقد كان يحمل ديات قريش، تدخل فيما يدخل فيه، ولا تفعل ذلك مع غيره، لمعرفتها به صادقًا وعدلاً وموثوقًا!!

وسابقته في الإسلام ميزة!!

أسلم أبو بكر عندما عرض عليه الإسلام، دون تردد أو إبطاء! وتابعه على الإسلام كثيرٌ من خيرة الناس وأشرافهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام وغيرهم.

وافتدي أبو بكر كثيرًا من ضعفاء المسلمين بماله، يخلصهم من العذاب والمحنة، وكان له من تجارته 40 ألف درهم، وعندما هاجر مع رسول الله إلى المدينة، لم يجد بين يديه إلا خمسة آلاف درهم.!!!

التواضع العظيم:

وذات يوم يقرع باب إحدى تلك الدور، وتسارع إلى الباب فتاة صغيرة، لا تكاد تفتحه حتى تصيح: إنه حالب الشاة يا أماه؟

وتقبل الأم فإذا بها وجهًا لوجه أمام الخليفة العظيم وتقول لابنتها في حياء: ويحك!! ألا تقولين خليفة رسول الله!!

ويطرق أبو بكر، ويهمهم مع نفسه بكلمات خافته لعله كان يقول: دعيها فقد وصفتني بأحب أعمالي إلى نفسي"!

وتقدم حالب الشاة إلى عمله ليؤدي الواجب الذي فرضه على نفسه.

أجل...

حالب الشاة للعجائز...

والعاجن بيديه خبز الأيتام!!

وهو أبو بكر الذي قال له ابن الدغنة، وهو يراه يريد الهجرة إلى الحبشة: "ويلك يا أبا بكر لا تهاجر، إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر!!!

ذاك بعض خلقه، ويكفي للدلالة على مكانته العالية أنه من أصحاب الرأي، الذي يطلب لرجاحته والنجدة التي ترجى ليومها!!!

نذر التحدي... ونزل التصدع!!

ما إن جلس أبو بكر على كرسي القيادة، حتى دهمت الدولةَ الفتية ودينَها داهمةُ الردة! فبعض القبائل رفضت أداء الزكاة... والزكاة ركن من أركان الإسلام لا يجوز التدين إلا بها، وبعضها نقض عهده مع الإسلام كلية، وبعضها الآخر رفض الانصياع للقيادة الجديدة.

وهكذا واجهت الدولة ودينها تصدع الجغرافيا السياسة ونبذ العقيدة والشريعة ليرجع العرب إلى جاهليتهم وإلى تفتت بنائهم السياسي، و يشاور أبو بكر من حوله ويرى ما لا يراه غيره ويصر على مقاتلة المرتدين وعدم مساومتهم على أركان الدين!!! وقد أثبتت الوقائع فيما بعد، صدق توجهه، وسلامة قراره!!

ويعقد أحد عشر لواءً لقادته، ويوجه كلاً منهم إلى جهة من جهات التمرد، في كل أنحاء الجزيرة ويطلب منهم قبول الإسلام كله دون انتقاص... وإما الحرب!!.

وكان أشرس تلك المعارك "يوم الحديقة" في اليمامة، وقد أبانت شراسة تلك الحرب حقيقة الردة وحقيقة التحدي الذي واجهه الإسلام في تلك المحنة، وكانت شاهدًا على صواب قرار الحرب الذي اتخذه الصديق لحماية دين الله. وكسب الإسلام الحرب ضد الردة، وعاد التماسك إلى دياره الواحدة والاحترام والتقدير لقيادته وجيشه.

وكان من نتائج تلك الحرب:

- استشهاد عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، حتى خاف بعض المسلمين من ضياع القرآن أو بعضه من جراء ذلك؛ فنبتت فكرة جمع القرآن الكريم، وبدأ جمع القرآن إلى أن تم ذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
- تأكدت قدرات بطل الإسلام خالد بن الوليد العسكرية والقيادية الخارقة؛ فقد اضطلع بالعمل الأساسي والحاسم في إخماد فتنة مسيلمة الكذاب في أرض اليمامة... وتأكد صواب رأي الخليفة في اتخاذ قرار الحرب الذي حفظ الإسلام... ودولته المتماسكة، ويسر انتشاره فيما بعد!!
وأدت الحرب بطبيعتها إلى قتل أعداد كبيرة من المرتدين وعدد من المسلمين... وذلك يورث العداوات والثارات بين القبائل العربية، ويرى بعض الباحثين أن نفس أبي بكر حدثته بذلك... فكان قراره إلى جانب أمور أخرى بتوجيه المسلمين إلى غزو العراق ثم الشام.

لقد وجد الصديق رجلاً كالمثنى بن حارثة الشيباني، وهو رجل أبلى في حرب المرتدين ومناوشة الفرس يقول: "لقد اجترأنا عليهم" (الفرس) يغري الخليفة بحربهم !!!.

كان من الطبيعي أن تتطلع دولة الإسلام إلى من حولها من الأمم والدول. فالدعوة إلى الإسلام قائمة بلا حدود ولا قيود، والعراق مثلا تسكنه قبائل عربية تخضع لدولة فارس وترهقهم تلك الدولة بالضرائب، ولا يجدون من فلاحتهم للأرض إلا القليل!

وأرسل أبو بكر جيوش المسلمين إلى أرض العراق، ليدعوا إلى دين الله، ونبذ الوثنية وعبادة النار، والشرك. وهل يرضى الفرس بذلك.... وهم دولة قوية راسية الأركان ولم يكلفوا أنفسهم يومًا الاهتمام بالعرب بل تركوا أمرهم لأتباعهم المناذرة يكفونهم ذلك؟؟؟

وكانت الحرب..... وحقق خالد بن الوليد النصر تلو النصر، وتوالت الأنباء إلى المدينة تخبر المسلمين بما فعلت جنودهم هناك، وقد أذهلت انتصارات خالد خليفة المسلمين، وعبقريته وفعله، فأطرى خالدًا إطراء عظيمًا، وقال: "عقمت النساء أن يلدن مثل خالد"!!! وكان خالد يستحق تلك الشهادة... والفخر؛ لأنه لم يهزم في معركة خاضها ضد أعداء الله!

وعندما حمي الوطيس في مواجهة الروم في موقعة اليرموك؛ انتدب لهم الخليفة الصديقُ رجلَ المهمات الصعبة (خالد بن الوليد) من العراق! وقال: "والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد"!!

ويسجل خالد مأثرة عسكرية فريدة، بفكرته في قطع الصحراء ومغامرته، متسلحًا بإيمانه بالله ثم حدسه الذي لم يخذله وفراسته، فوصل سالِمًا مع جيشه البالغ عشرة آلاف مقاتل منهم القعقاع بن عمرو التميمي الذي جاء فردًا مددًا، من المدينة إلى العراق فأبلى مصدقًا ما قاله فيه الخليفة الصديق!

لقد قال الصديق فيه: وقد انتقده الناس وهو يمد الجيش بالقعقاع فردًا مددًا: "لن يهزم جيش فيه القعقاع. وإن صوته في المعركة بألف رجل!!!".

وكانت اليرموك معركة شرسة غير متكافئة العدد: الروم 240 ألفًا والمسلمون 40 ألفًا!!!

ودارت المعركة وكان خالد قائدها ومهندس سيرها، وكان أبو سفيان يتولى الحماسة والتحفيز ورفع الروح المعنوية، وتضعضع المسلمون ثم تماسكوا وانطلقوا كالأسود الهادرة حتى أكرمهم الله بالنصر ليخرج الروم بعد ذلك من كل بلاد الشام وتعود الأرض إسلامية.

وبعد كل ذلك... لا بد ثانية من طرح السؤال الذي هو السبب الداعي لهذا المقال: هل يستحق أبو بكر أن يكون مثالاً يحتذى في سياسة وخلق ومتابعة على منهاج الحكم الصالح الرشيد في هذا العصر كما كان في عصره؟؟؟

انبري كثيرون، عربًا وأجانب، حديثا وقديمًا، إلى جلاء العظمة الإنسانية، والقدرات الخلاقة، في حكم الناس والنظر إلى قضايا الدولة بعين الحرص والتضحية، وسلوك أولئك القادة العالي والرفيع، في إنصاف الرعية، والعدل بين أفرادها والحدب على فقيرهم والضعيف، تلك المناقب السامية، التي جعلت منهم نماذج تحتذى، وأئمة يقتدى بهم. ووجد الإسلام ورجاله، ورموز فكره، من ينصفهم قديمًا وحديثًا، ويدافع عن عظمة نفوسهم، ويدفع عنهم أصحاب الهوى والمشككين والطاعنين...

ويمر خاطر التساؤل في نفس (خالد محمد خالد) وهو يسطر كتابه ذا اللغة الشاعرية "وجاء أبو بكر" فيقول:

"ترى لو قدر لأبي بكر بشمائله هذه أن يكون رئيس دولة في عصرنا الحديث أكان منهجه هذا يتغير....؟؟

كلا...!!

صحيح أنه لم يكن سيحلب الشاة، ولا يطهو بيده الطعام، بيد أن شمائله تلك كانت ستعبر عن نفسها في مشاهد كهذه تناسب روح العصر، دون أن تبخس نفسها في شيء"!!

وأنا أرى الرأي نفسه.... فإن أبا بكر... يستحق أن يكون المثال المحتذى... بل هو خير مثال للحاكم العصري والحاكم في كل العصور!!

وصفات الحاكم الصالح هي هي، في كل عصر، وقد كانت كلها صفات الصديق، بل هي بعض من شمائله ومنها:

- العدل في الرعية والحرص على مصلحتها.

- أن يكون مثالاً في خلقه... وفي سلوكه.

- أن يحفظ لدولته حدودها.. وكيانها... ومصالحها، وأن لا يخرج على معتقداتها وأعرافها.

- أن يولي أصحاب الكفاءة... أمور الناس.

- أن لا يطمع في مال الدولة ولا يطمع فيه أحدًا.

قال سبحانه تعالى -يثبت الذين آمنوا على منهاجه، ويعزيهم، ويقويهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].

وعلى هذا المنهاج، ومن هذا المنطلق، كان مقالنا عن الفاروق عمر بن الخطاب.




مراجع البحث:

- القرآن الكريم.

- الصديق أبو بكر– محمد حسين هيكل.

- وجاء أبو بكر- خالد محمد خالد.

- عبقرية الصديق- عباس العقاد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75783
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Empty
مُساهمةموضوع: رد: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه   فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:46 pm


 

أبو بكر والمرتدون




شهدت السنونُ الأخيرةُ موجةً من الردَّةِ ساعد على وجودها نظامُ التربية العقيم في عالمنا الإسلامي، وتخلي المؤسساتِ التعليمية عن عملها في غرس العقيدة الصحيحة في قلوب المتعلمين؛ مما كان سببًا في تنشئة الأجيال المسلمة الجديدة بعيدًا عن الإسلام، وفِقدانها من يقوم برعايتها من الدعاة، بعد أن صارت الدعوةُ إلى الله مهنةً يُتكسب بها، ووظيفة تُرحِّلُ إليها الحكوماتُ جزءًا من طلاب الوظائف دون النظر في قدراتهم أو استعداداتهم، في مقابل ذلك ازديادٌ لنشاط الدعوات التخريبية؛ من تنصيرٍ وإلحادٍ وغيره، وفي الوقت نفسه تشجيعٌ وتحريض من جهات خارجية لأصحاب تلك الدعوات، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، بل والتدخل لحمايتهم من تطبيق القوانين عليهم، حتى صار بعضُهم يجاهر بعد ردته بتسفيه الإسلام وأهله -دون بينة- والتطاول على أئمته بمن فيهم رسول الله -صل الله عليه وسلم-، بل وعلى ذات الله سبحانه وتعالى!..

فإذا ما سعى أحدٌ لمقاضاتهم أمام القانون هبَّ حماتُهم في الغرب والشرق للدفاع عنهم، وحضوا المسئولين على التدخل للضغط على المحاكم لإلغاء الأحكام التي تصدر عليهم، ثم قيام إعلامهم بعد إلغاء تلك الأحكام بالرفع من شأنهم، وتصويرهم على أنهم كانوا ضحايا لعدم تقدير الإنسانية وحريتها، وذلك لاستعطاف عوام الناس عليهم..

ومما زاد من الخطب سعيُ من تولى كِبرَ ذلك من هؤلاء لِجَرِّ مَنْ نصبتهم السلطاتُ علماءَ، وجعلت منهم المفتين والمتكلمين الرسميين باسم الإسلام دون سواهم - لأن يُلقوا جزافًا بالأحكام التي تؤيد مسعى هؤلاء، وتمنحهم الحق في ردتهم باسم حرية الاعتقاد وأنه لا إكراه في الدين..

ولخطورة ذلك الأمر رأيتُ أن أعرض في هذه الصفحات التالية موقفَ أبي بكر الصديق من الطائفة المرتدة وكيفية تعامله معهم، على اعتبار أن عصره شهد أكبر فتنة تتعلق بهذا الأمر؛ لنكون على بينة من موقف الإسلام من تلك القضايا، والخطوات العملية التي اتخذها السلف في مجابهتها..

وقبل الخوض في الحديث لابد من الإشارة لعدة نقاط:
النقطة الأولى: أن أبا بكر الصديق بعد محاورته لكبار الصحابة لم يخالفه أحدٌ منهم في الإجراءات التي اتخذها بشأن المرتدة.
النقطة الثانية: أنه لم يصدر عن أي من علماء السلف المشهود لهم بالفضل على مر التاريخ رأيٌ أو اجتهادٌ يخالف ما ذهب إليه أبو بكر الصديق في هذه القضية.
النقطة الثالثة: أن تطبيق الأحكام الإسلامية يكون بحسب التمكين للمسلمين، بمعنى أن تطبيق بعض الأحكام الإسلامية قد يتوقف في البيئة التي تكون الهيمنةُ فيها لغيرهم، ولكن ذلك لا يغير من الحكم الثابت أو يبدله شيئًا..

وعليه فإن من فعل شيئا يخرج من الإسلام، ولم يرجع عنه فهو مرتد، ليس له مسمى غير ذلك، بغض النظر عن تطبيق الأحكام الشرعية عليه أو عدم تطبيقها، لتتصرف معه الجهات القضائية كيفما شاءت، تعاقبه أو تعفو عنه، أو تجعل فعله من مباحات القانون، فهي المسئولة عن ذلك أمام الله، ولكن يبقى حكمُه في الشرع ثابتًا، وهو المقاتلة حتى يرجع لدين الله، ولا يوصف بغير كونه مرتدًا عن الإسلام..

النقطة الرابعة: أن أبا بكر قاتل المرتدين باعتبارهم خارجين على الإسلام، وليس على الدولة أو القانون كما زعم بعض المعاصرين، بدليل قوله -رضي الله عنه- معلقا على من جادله بشأنهم: "أينقص الدين وأنا حي..؟!" ولما قال له عمر رضي الله عنهما: "كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله -صل الله عليه وسلم-: أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا لقاتلتهم على منعهم".
وهذا الخبر أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ قال: "لما توفي رسولُ الله وكان أبو بكر -رضي الله عنه-، كفَر مَنْ كفَر من العرب، فقال عمر -رضي الله عنه-: كيف تقاتل الناس... (البخاري: 3/308) وذلك يعني أن الصحابة كانوا متفقين على ردتهم وكفرهم، وإنما كان الخلاف أولا حول إمكانية مقالتهم.

النقطة الخامسة: أن المرتدين الذين تظاهروا بالإسلام ومنعوا الزكاة كان في نيتهم أن يحاربوا أبا بكر قبل أن يحاربهم، بل قد حدث ذلك بالفعل، فقد استغلوا غياب جيش المسلمين مع أسامة وأغاروا على المدينة، هذا فضلا عن قتل بعضهم لمن ثبت على دينه من أهلهم، فقد وثبت بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم -كما قال الطبري- كل قتلة، وكذلك فعل مَن وراءهم فِعلَهم..

وكل من ادعى النبوة شرع في تجييش الجيوش لمحاربة أبي بكر الصديق قبل أن يجيشها لهم، مثال ذلك ما حدث مع طليحة الأسدي، فقد حدث الطبري "عن القاسم بن محمد قال: مات رسول الله -صل الله عليه وسلم- واجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة إلا ما كان من خواص أقوام في القبائل الثلاث، فاجتمعت أسد بسميراء وفزارة ومن يليهم من غطفان بجنوب طيبة وطيء على حدود أرضهم، واجتمعت ثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة وعبس بالأبرق من الربذة، وتأشب إليهم ناس من بني كنانة فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، فأقامت فرقة منهم بالأبرق، وسارت الأخرى إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بـ"حبال" فكان "حبال" على أهل ذي القصة من بني أسد ومن تأشب من ليث والديل ومدلج...".
وحتى من ذهبوا ليجادلوه في إقامة الصلاة والإمساك عن الزكاة كانوا قد اصطحبوا معهم الجيوش سرًّا، وجعلوها على مقربة منهم خارج المدينة يتحينون الفرصة لمباغتته..

النقطة السادسة: أن أبا بكر الصديق لم يفرق في قتاله للمرتدين بين من أعلنوا الحرب عليه أو من اكتفوا بردتهم؛ وذلك لأن قتاله لهم لم يكن لخروجهم على الدولة كما ذكرنا من قبل، وإنما لخروجهم على الإسلام، ولم نسمع أنه -رضي الله عنه- قبِل من أحد منهم غيرَ الإسلام، وكانت رسالتُه في ذلك لأمرائه صريحة "ولا يُقبلُ من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجِز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذَّن المسلمون فأذِّنوا وكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم، وإن أذّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا قُبل منهم، وحملهم على ما ينبغي لهم...".
بل إن أبا بكر رفض أن يقبل ممن عرض عليه أن يؤلف إليه قومه مقابل جُعْل من المال، فقد جاءه الزِّبْرِقانُ بنُ بدر والأقرعُ بنُ حابس وقالا: اجعل لنا خَرَاجَ البحرين ونضمن لك ألا يرجع من قومنا، فأبى..

ونقول ذلك؛ لأن البعض الآن لا يرى عقوبةً على المرتدين إذا اكتفوا بردتهم ولم يخرجوا على الدولة، مع أن مرتدة العصر -وإن لم يحملوا السلاح- ما كفُّوا يومًا عن محاربة الإسلام والتطاول على شرعه وتعاليمه ورموزه، وما تركوا فرصة إلا وجَدُّوا في استفزاز المسلمين بالطعن في دينهم، هذا فضلا عن سعي الكثير منهم لوصل حبالهم بجهات خارجية تحميهم كما قلنا حتى من تطبيق القوانين المدنية عليهم..

النقطة السابعة: أن المرتدين شوكتُهم أشد على المسلمين عشرات المرات من شوكة الكافر والمشرك الذي لم يحتك بالإسلام من قبل، ومن شاء فليراجع تاريخ القرامطة وغيرهم من الفرق الخارجة على الإسلام، وكذلك تاريخ الأسر المرتدة التي أتيحت لها الفرصةُ لتهيمن على بعض ديار الإسلام كالهند وغيرها؛ لذا لا ينفع معهم غير سياسة الحزم المبكر كما فعل الصديق -رضي الله عنه-.
وقد تعايش المسلمون على مر التاريخ بسلام مع أصحاب الديانات الأخرى بينهم -قلة أو كثرة- ولم يستطيعوا أن يتعايشوا مع المرتدة؛ لامتلاء قلوبهم بالغيظ عليهم..

النقطة الثامنة: أن حركة الردة على عهد أبي بكر بدأت برموز من أصحاب الأهواء والطامعين، ثم تبعها جموعٌ غفيرة لا رأي لها من أبناء قبائلهم، ومن ثم كان التخلص من تلك الرموز يعني عودة تلك الجموع إلى دين الله أفواجًا، ولو بقيت تلك الرموزُ أو الرءوس لتأصَّل الكفرُ في قلوب تلك الجموع، والآن أيضا المرتدة ما هم إلا شراذم قليلة تنعق فيتبعها الأراذل من الناس، لكن إن تُرِكت عمَّت نارُها، واستفحل شرُّها وعظم..

النقطة التاسعة: أن كل مسلم على عهد أبي بكر أحس بأنه مسئول أمام الله بما يلزم أبا بكر، وأن مدافعة المرتدين من باب الفروض عليه، لذا كان الواحدُ منهم يتحرك بدافع من نفسه، ولا ينتظر حتى يأتيه الأمر من الخليفة، فهذا (الجارود بن عمرو بن حنش)، وقد وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيبل وفاته، وكان من قبلُ على النصرانية فأسلم، وبقي بالمدينة حتى فقه في الدين، ثم رجع إلى قومه فلم يلبث إلا يسيراً حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فارتد قومه (بنو عبد القيس)، وقالوا: لو كان محمد نبياً لما مات، وبلغ ذلك الجارود فجمعهم وقال لهم: يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني به إن علمتموه، ولا تجيبوني إن لم تعلموا، قالوا: سل عمّا بدا لك، قال: تعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم، قال: تعلمونه أو ترونه؟ قالوا: لا بل نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمداً -صل الله عليه وسلم- مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك سيدنا وأفضلنا، وثبتوا على إسلامهم.
ثم صار يقاتل بقومه من ارتد من أهل البحرين حتى جاءه جيش أبي بكر الصديق..

وهذا (الطاهر بن أبي هالة) أيضا لما أحس بخطورة الأمر لم ينتظر الأمر من أبي بكر الصديق، وإنما تحرك بمن معه نحو تهامة اليمن، فقاتل من بها من المرتدين من أهل (عك) و(الأشعريين)، وانتصر عليهم قبل أن يصل إليه كتابُ أبي بكر الصديق.

لذا لم يمض سوى عام على تولي أبي بكر الصديق الخلافة حتى عمت السكينة سائر الجزيرة العربية، وصارت أهدأ من حالها قبل وفاة رسول الله، والآن كل فرد مسلم مطالب بأن يقوم بعمله لحماية الإسلام من خطر الردة، وأن يعلم أن ذلك من باب الفروض عليه، ولا يعني ذلك أن نحمل السلاح في وجوه الناس، وإنما يشارك الواعظ بموعظته، والعالم بحجته، والمدرس بتربيته، وولي الأمر بتحصين من يعوله ضد فكر هؤلاء المنحرف، والمحامي بدفاعه، والقاضي بحكمه..

النقطة العاشرة: أن كثيرًا من القبائل العربية لما رأت الهزائم تتوالى على المرتدين أسرعت إلى العودة إلى الإسلام، كما حدث من بني عامر وبني سليم وهوازن، إذ أسرعوا إلى الإنابة إلى الله لما وجدوا الهزيمة قد حلت بطليحة الأسدي وعيينة بن حصن، وكانوا من قبل يخافون من شوكتهما، ويقولون: ننظر من تكون له الكرة فنتبعه، فهل يا ترى ما مصير هؤلاء لو تساهل أبو بكر الصديق مع المرتدين، ألم يكن ذلك سيجرئهم على الخروج على الإسلام هم أيضًا؟؟..

والآن ننظر كيف واجه أبو بكر -رضي الله عنه- هؤلاء:
قال عروة بن الزبير: لما بويع أبو بكر -رضي الله عنه- ارتدت العرب إما عامة (أي بإعلان الخروج من الإسلام) وإما خاصة (أي بالامتناع عن الزكاة) في كل قبيلة، ونَجَمَ النفاقُ، واشرأبت اليهودُ والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم -صل الله عليه وسلم- وقلتهم وكثرة عدوهم..

بهذا الموقف استقبل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- خلافته، ومع فداحته إلا أنه انتظر ما هو أشد فداحة منه، فقال لمن حوله لما جاءتهم هذه الأخبار: "لن تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأدهى مما وصفتم وأمرُّ، فلم يلبثوا أن قدمت كتبُ أمراء النبي -صل الله عليه وسلم- الذين أرسلهم قبيل وفاته من كل مكان بانتفاضة عامة أو خاصة، وتبسطهم بأنواع الميل على المسلمين..

إذن فالأمرُ كان أصعبَ مما نعانيه الآن من هجوم شرس على الإسلام، والحال كان أظلمَ وأشدَّ قتامة، لكنّ أبا بكر لم يهن، ولم تَلِن له قناةٌ، وإنما أصر على تأمين حدود الدولة الإسلامية ضد أي خطر مرتقب من الخارج عن طريق بعث جيش أسامة، والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسُه وشيطانه الخروجَ على الإسلام في الداخل..

ولما قال له الناس: إن هؤلاء (أي جيش أسامة) جُل المسلمين، والعربُ على ما ترى قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعةَ المسلمين، رد عليهم: "والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننتُ أن السباع تخطفني لأنفذتُ بعث أسامة كما أمر به رسول الله -صل الله عليه وسلم-، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته"...

وما هي إلا ساعات حتى انتهت مناقشة هذا الأمر مع مجموع أهل الشورى الموجودين بالمدينة، فودع أسامة وجيشه إلى حيث أوصاهم رسول الله -صل الله عليه وسلم- بالمسير، وجمع مَن عنده قدرة على حمل السلاح من الأعراب الذين كانوا يسكنون حول المدينة ليكوّن منهم جيشَ دفاع داخلي..
ثم جعل كبارَ الصحابة في نقاطِ مراقبة على منافذ المدينة إلى البادية، ومنهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود..

جدد طلبه من أهل المدينة أن يكونوا في المسجد استعدادًا لكل طارئ، وقال لهم: "إن الأرض حولنا كافرة، وقد رأى وفدهم قلة، وإنكم لا تدرون أليلاً تؤتون أم نهاراً، وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يأمُلون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم، ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدّوا".

ولم تمض سوى أيام ثلاثة على تشييع جيش أسامة حتى داهمت المدينةَ غاراتُ المرتدين ليلاً، وذلك بعد أن اطمأنوا إلى أن جيش أسامة قد ابتعد عن المدينة وأوغل في البعد، فأوصل المراقبون خبرَ زحفهم إلى أبي بكر الذي كان مرابطًا بمن معه في المسجد إلى الحراس على مداخل المدينة أن اثبُتوا لهم حتى يلحق بهم، ثم أسرع إليهم بمن معه، فانهزم المغيرون وولوا الأدبار، ولحقهم المسلمون على إبلهم حتى قابلوهم في مكان يسمى بـ(ذي حسى)..

لكن المسلمين فوجئوا بأن هؤلاء المغيرين ما هم إلا طليعة لجيش يختبئ خلف الجبال، فلما اشتبكوا معهم أخرجوا قِرَبًا لهم قد نفخوها كحيلة لتخويف الإبل، ودحرجوها بأرجلهم في وجه إبل المسلمين، فنفرت الإبل خوفًا منها حتى انقلبت بمن يركبها من المسلمين إلى المدينة واضطرب صفهم، فشق الأمر عليهم، وسعد المرتدون بذلك الحدث الذي كان من الممكن أن يكون بداية لتضييق الخناق على المدينة ومن فيها..

لكن أبا بكر -رضي الله عنه- لم يمهلهم، وإنما سابق بهم الزمن، وأعاد ترتيب جيشه صباح اليوم التالي بحيث يستغني عن الإبل تمامًا، ثم خرج إليهم ماشيًا في آخر الليل بجيشه مخليا الإبل بالمدينة، وعلى الميمنة النعمان بن مُقَرّن، وعلى الميسرة عبد الله بن مقرن، وعلى الساقة سويد بن مقرن، فما أصبح الصباح إلا والمسلمون يعجلونهم بالسيف، فولوا الأدبار، وتبعهم المسلمون إلى (ذي القصة)، وهناك ترك أبو بكر النعمان بن مقرن في عدد من المسلمين، ورجع هو بالناس إلى المدينة، بعد أن أمنها من الخطر مسافة أميال عدة.

فارتفعت معنويات المسلمين بهذا النصر، وثبت مسلمو القبائل المحيطة بالمدينة على دينهم، ووافق ذلك وصول أموال الصدقات من عدة جهات، فقد جاء صفوان بن أمية بصدقات بني عمرو، وذلك في أول الليل، وجاء الزبرقان بن بدر في وسط الليل بصدقات بني عوف، وجاء عدي بن حاتم الطائي في آخر الليل بصدقات قومه، اجتمع كل ذلك ليكون منة من الله على المسلمين الذين ثبتوا مع أبي بكر في مواجهة هؤلاء المرتدين..
واكتملت الفرحة بعودة أسامة بجيشه منتصرًا غانمًا ظافرًا بعد شهرين كاملين من رحيله..

ومع أن نصره قد فتّ في عضد المرتدين والمنافقين، وجعلهم لا يفكرون بعدها في مهاجمة المدينة إلا أن الصديق -رضي الله عنه- لم يرض بنصر ناقص، لم يرض بأقل من أن تعود الجزيرة العربية إلى سالف عهدها قبيل وفاة النبي -صل الله عليه وسلم-، تكونُ فيها العزةُ لله ورسوله وللمسلمين دون سواهم، لم يرض أن يكون بجزيرة العرب مكانٌ يعبد فيه الشيطان، فاستخلف من توّه أسامة بن زيد على المدينة، وقال له ولمن معه: "أريحوا وأريحوا ظهركم"، ثم خرج بحامية المدينة التي خرج بها من قبل إلى (ذي القصة)، فقال له من حوله من المسلمين: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام أبداً..

ولم يكن كلام الصديق -رضي الله عنه- عن الخروج بنفسه إلى من تبقى من المرتدين كلامًا يردد للدعاية كما يحدث من بعض الساسة الذين دأبوا على استغفال شعوبهم، ولذا قال: "لا والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي"، ثم خرج إلى (ذي الحسى) و (ذي القصة) حيث يعسكر النعمان بن مقرن وأخواه، فضمهم إلى جيشه ثم توجه إلى الرَبَذة، وهناك التقى من تجمع فيها من المرتدين فقاتلهم حتى ولّوا الأدبار، وتفرق شملهم، وأقسم ليقتلن كل من تجرأ على قتل مسلم منهم إن وصلت إليه جيوشه قبل أن يعود إلى الإسلام؛ ليكون عبرة لغيره ممن تسول له نفسُه الاعتداءَ على المسلمين..
ثم جاءته بعد ذلك رسلُ القبائل المحيطة بالربذة مُقرةً له بما أوجبه الإسلام من صلاة وزكاة و... إلى آخر أركان الإسلام وواجباته..

عاد أبو بكر بعدها إلى المدينة، وكان جندُ أسامة قد أخذوا حظهم من الراحة، وأضيف إليهم المزيدُ من الراغبين في الجهاد، فعقد -رضي الله عنه- أحد عشر لواءً للقضاء على من تبقى من المرتدين في كل أنحاء الجزيرة العربية، بقيادة خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حَسَنة، والمهاجر بن أبي أمية، وعمرو بن العاص، وخالد بن سعيد بن العاص، وحذيفة بن محصن، وعرفجة بن هرثمة، وطريفة بن حاجز، وسويد بن مُقَرن، والعلاء بن الحضرمي.

ولم يكتف بذلك بل بعث إلى أمرائه الذين ثبتت رعيتهم على الإيمان أن يجيشوا ما يستطيعون منهم، فأعد (عَتَّابُ بن أسيد) والي مكة أخاه خالد بن أسيد، وسيره إلى المرتدين في تِهامة فغلبهم، وبعث (عثمان بن أبي العاص) والي الطائف ابنه ربيعة إلى شنوءة فقهرهم أيضًا، وأرسل إلى (جرير بن عبد الله البجلي) أن يسير بمن معه من المؤمنين إلى (بجيلة) و (خثعم) فانتصر عليهم.

وتلك خطوة غير مسبوقة في التاريخ -حسب علمي- أن يقاتل رجل في أكثر من عشر جهات متفرقات، وما ذاك إلا لثقته -رضي الله عنه- في نصر الله، ولأنه كما قلنا كان يسابق الزمن، وكان حريصًا على أن ينقل نور الإسلام إلى خارج الجزيرة العربية قبل وفاته، كما كان يعلم أن تلك القبائل التي وجه لقتالها كان بينهم الكثير من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم بين المرتدين، ويتحينون الفرصة للمجاهرة بإسلامهم...

ومع حزمه الشديد وحرصه على ألا يتسامح مع المرتدة قِيدَ أنملة، إلا أنه كان ينصح قادته أن يسيروا على مبدأ "وآخر الدواء الكي"؛ بمعنى أنه أمرهم أن يجعلوا القتال آخر وسيلة يلجئون إليها في مواجهة هؤلاء المرتدة، خاصة وأنهم قد اختلط بهم من أخفى إسلامه، أو أجبر على مسايرة زعمائهم..

وأرسل مع كل قائد رسالة، وأمره أن يقرأه على كل قوم يمر عليهم، وقد جاء في تلك الرسالة "بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله -صل الله عليه وسلم- إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه، أو رجع عنه..

سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، نقر بما جاء به، ونكفّر من أبى ونجاهده..

أما بعد.. فإن الله تعالى أرسل محمدًا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ لينذر من كان حيا؛ ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإذنه من أدبر عنه، حتى صار إلى الإسلام طوعًا وكرهًا، ثم توفي الله رسوله -صل الله عليه وسلم- وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذي عليه..

وكان الله قد بين له ذلك، ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فقال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] وقال للمؤمنين: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]..

فمن كان إنما يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان إنما يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه ويجزيه، وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله وما جاءكم به نبيكم -صل الله عليه وسلم-، وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول، فمن هداه الله كان مهتديًا، ومن أضله كان ضالا، قال الله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17] ولم يُقبل منه في الدنيا عمل حتى يقر به، ولم يُقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به؛ اغترارا بالله وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: 50] وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]..

وإني بعثت إليكم فلانًا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته ألا يقاتل أحدًا، ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحًا قبل منه، وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار، ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم، وإن أذنوا سألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا قُبل منهم، وحملهم على ما ينبغي لهم".

وأما وصيته للأمراء فجاء فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله -صل الله عليه وسلم- لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام، وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله سره وعلانيته، وأمره بالجد في أمر الله، ومجاهدة من تولى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم، فيدعوهم بداعية الإسلام، فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم، ويعطيهم الذي لهم، لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقر له قبل ذلك منه، وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله، فإذا أجاب الدعوةَ لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعدُ فيما استسَرَّ به، ومن لم يُجب داعيةَ الله قتل وقوتل، حيث كان وحيث بلغ مراغمه، لا يقبل من أحد شيئًا أعطاه إلا الإسلام، فمن أجابه وأقرّ قبل منه وعلمه، ومن أبى قاتله، فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه إلا الخمس، فإنه يبلغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وألا يدخل فيهم حشوًا حتى يعرفهم، ويعلم ما هم؛ لا يكونوا عيونًا، ولئلا يُؤتى المسلمون من قِبَلهم، وأن يقتصد بالمسلمين، ويرفق بهم في السير والمنزل، ويتفقدهم، ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول".....

وسار الجيش الأول بقيادة خالد بن الوليد، وقصد طليحة الأسدي، وفي طريقه مر بقبيلة طيء، وكان أفرادها قد انحازوا إلى طليحة عصبية له، ولكن خالدًا لم يبدأ بمهاجمتهم، وإنما أخذ بنصيحة الصديق، وأبطأ في مهاجمتهم، وقد طلب منه عدي بن حاتم أن يمهله ثلاثة أيام يراجعهم فيها ففعل، وماطلوه أولا وقالوا: لا نبايع أبا الفصيل أبدًا (يقصدون أبا بكر)، فقال عدي مهددًا إياهم: لقد أتاكم قوم ليبيحُن حريمكم، ولتكنُنه بالفحل الأكبر، فشأنكم به! فقالوا له: فاستقبل الجيش فنهنهه عنا حتى نستخرج من لحق بالبزاخة (المكان الذي عسكر فيه طليحة) منا، فإنا إن خالفنا طليحة وهم في يديه قتلهم، أو ارتهنهم، فأجابهم إلى ذلك، ونجح في فصلهم عن طليحة، وعادوا مقرين بالإسلام، وبما أوجبه الله عليهم..

وأراد خالد أن يقصد قبيلة (جديلة) بعد ذلك، فقال له عدي: إن طيئا كالطائر، وإن جديلة أحد جناحي طيء فأجلني أيامًا لعل الله أن ينقذ جديلة كما أنقذ طيئًا، ففعل فأتاهم عدي فلم يزل بهم حتى بايعوه، فجاءه بإسلامهم، ولحق بالمسلمين منهم ألف راكب..

ثم صار خالد إلى (بُزاخة) فالتقى طليحة الأسدي ومن انحاز إليه من المرتدين، وكان معه عيينة بن حصن في سبعمائة من بني فزارة فقاتل قتالا شديدًا حتى إذا أحس بوطئة الحرب ذهب إلى طليحة، فقال: هل جاءك جبريل؟ فقال: نعم، قال عيينة فماذا قال لك؟ فقال طليحة: قال لي: إن لك رحا كرحاه وحديثا لا تنساه، فقال عيينة: أظن أن قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه، يا بني فزارة انصرفوا فهذا والله كذاب، فانصرفوا، وانهزم باقي الناس فأتوا طليحة يقولون: ماذا تأمرنا، وقد كان أعد فرسه عنده وهيأ بعيرًا لامرأته، فوثب على فرسه، وحمل امرأته ثم نجا بها، وقال: من استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل، ثم تركهم للقتل وفر إلى الشام[1]، وهذا جزاء من يتبع كل ضال..

فاجتمعت بعدَ فرارِه أسد وعامر وغطفان إلى خالد -رضي الله عنه-، وأعلنوا توبتهم، وليس هذا فقط، بل إن بني عامر وسائر القبائل من سليم وهوازن بعد أن رأوا هزيمتهم أقبلوا يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله، ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا...
فبايعهم خالد على الإسلام وكانت بيعته: عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله، ولتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم..

ولكنه لم يقبل من أحد منهم إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعَدَوْا على أهل الإسلام في حال ردتهم، فأتوه بهم فأوثقهم وأحرقهم بالنيران ورضخهم بالحجارة، ورمى بهم من الجبال، ونكسهم في الآبار؛ جزاء وفاقًا لما فعلوه بالمسلمين من قبل ليكونوا عبرة لغيرهم..

وكان ذلك عن أمر أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فقد كتب إليه يقول: "ليزدك ما أنعم الله به عليك خيرًا، واتقِ الله في أمرك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، جد في أمر الله،.. ولا تظفرن بأحد قتلَ المسلمين إلا قتلته ونكَّلت به غيره..

وبعد انتهاء خالد من بني أسد وأحلافهم اتجه بأمر من الخليفة إلى بني يربوع في تميم وعليهم مالك بن نويرة، وكان قد تحالف من قبل مع سجاح التغلبية على المسلمين، ولكنها تخلت عنه لما شعرت بقوة المسلمين، وعادت إلى موطنها "الجزيرة" فتحير بنو تميم الذين حالفوها من قبل، وندموا على ما كان منهم، ولم يلبثوا طويلاً حتى وصلت إليهم جيوش خالد بن الوليد، فعندما جيء برؤسائهم إلى خالد جادلهم، وشهد جماعة على بني يربوع أنهم لم يؤذنوا فقتلهم، وقتل ضرار بن الأزور الذي كان على طليعة خالد مالك بن نويرة...

وحدثت خلافات في قتله، وذكر عوام القصاص في ذلك الأعاجيب، من ذلك أنه قتله وخلفه على امرأته دون أن تعتد، وأنه قطع رأسه وأوقد فيها النار حتى استوت عليها اللحم التي أعدها لطعامه..

ومن العجب أن من يُسمُّون أنفسهم بالتنويريين في عصرنا صاروا يجمعون مثل تلك الروايات ليطعنوا بها في صحابة رسول الله، ولم يكلف الواحدُ منهم نفسَه ليُعمِل عقلَه في مثل تلك القصص، فأيُّ شعرِ رأسٍ هذا الذي تُوضع عليه اللحومُ فينضجها مهما كان كثيفًا؟! إننا لو أحضرنا قنطارًا من الشعر وأشعلنا فيه النار لاحترق قبل أن تنضج اللحوم التي توضع عليه، فما بالنا بفروة رأس؟!..

وعلى كل فإن أبا بكر الصديق قد عاتب خالدًا بعد عوده إلى المدينة؛ لأنه لم يتريث في قتلهم، فاعتذر لأبي بكر بأنه لم يصدر عنهم ما يدل على أنهم قد هموا بالإقدام على الإسلام فرضي عنه، ولم يكن أمام أبي بكر غير ذلك في مثل تلك الظروف، فالأمور مضطربة، والأحوال مختلة، والبعض يدعي ما ليس في قلبه، وقد شهد الأكثرية أن مالك بن نويرة ومن معه لم يسلموا، ومن سمعه يقول: صبأنا فسرها بأنه قالها والسيف على رأسه نجاة من الموت، ودرأً للشبهة دفع أبو بكر الصديق ديةَ مالك بن نويرة ومن قُتل معه، ورد على أهلهم سبيهم ومالَهم الذي أُخذ منهم كما ذكر الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام"..

وإذا كنا نرى أمريكا بجبروتها تبرّئ جنودها الآن من كل عملية تنسب إليهم ويروح فيها عشرات بل مئات الأبرياء من الأطفال والعجائز وهم آمنون في بيوتهم، فعلامَ يسعى أذيالها لكيل التهم لجيش خالد لأنه قتل قائد الجيش المحارب له؟!..

ونعود إلى خالد بن الوليد فنقول: إن أبا بكر قد أمره بالمسير إلى مسيلمة الكذاب بعد الفراغ من مالك بن نويرة، فسار إلى البطاح والتقى جنده هناك، وانتظر حتى جاءه المدد، فقام إلى مسيلمة وأتباعه من بني حنيفة، وكان (عكرمة بن أبي جهل) قد قصده من قبل فُهزم على أيديه، فأمده أبو بكر الصديق بشرحبيل بن حسنة، ولكنه لما علم بهزيمة عكرمة طلب من شرحبيل ألا يتسرع في مصادمته قبل أن يزوده بمدد آخر عوضًا عمن فقد من جيش عكرمة، لكنه تعجل المواجهة، واستعان على قتالهم بمن ثبت على إسلامه من بني حنيفة بإمرة ثمامة بن أثال، فهُزم أيضا أمام مسيلمة لقلة عدد من معه، فلامه خالد عند وصوله على تسرعه؛ حتى حلت به الهزيمة..

أما مسيلمة فإنه استقوى بعد انتصاره على عكرمة وشرحبيل، وعسكر ببني حنيفة في منطقة تسمى "عقرباء" في أعلى وادي حنيفة، فسلك إليه خالد من ثنية في جبل اليمامة (طويق) وعلى مُجَنِّبَتيه زيد بن الخطاب أخو عمر، وأبو حذيفة بن عتبة، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس، ثم أمر ضرار بن الأزور أن يسير في قسم من الجند من ثنية أخرى من الشمال، وينزلوا من جهة منطقة تسمى (ملهم) إلى عقرباء..

وعند "عقرباء" جرت معركة حامية الوطيس بين الفئتين، تراجع المسلمون في أولها حتى دخل بنو حنيفة على خالد في فسطاطه، ثم حمل المسلمون حملة رجل واحد أزالت المرتدين عن مواقعهم، وأجبرت مسيلمة على الالتجاء إلى حديقة عرفت فيما بعد باسم حديقة الموت، وفيها صُرع مسيلمة الكذاب وعدد كبير من جنده، واستشهد من المسلمين عدد من القراء ووجهاء الناس، منهم زيد بن الخطاب، وثابت بن قيس، وانتهت المعركة بنصرة المسلمين، ثم دعا خالد الناجين من أهل اليمامة إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه فأسلم سائرهم..

أما عكرمة فقد أمره أبو بكر -رضي الله عنه- أن يلحق بحذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة لقتال المرتدين في عمان حتى يلتقوا مع المهاجر بن أبي أمية الذي يكون قد فرغ من اليمن وسار إلى حضرموت، وقصد أبو بكر من ذلك ألا يُبقي جيشًا في مكان شعر فيه بالهزيمة فيضعف معنويًا، وألا تكون فكرةُ الهزيمة موجودة في معجم أي مسلم مجاهد.

اتجه عكرمة إذن في أثر حذيفة وعرفجة، فأدركهما قبل الوصول إلى عمان، وهناك راسلوا جيفرًا وعبادًا القائدين الذين سيرهما أبو بكر قبلهم لينضموا إليهم، ويقاتلوا المرتدين متحدين تحت لواء واحد، وكان مكان التجمع في منطقة "صحار" حيث جرت معركة بين الطرفين ("لقيط دبا" المرتدين، والمسلمين) كاد ينجح فيها "لقيط دبا" لولا النجدات التي وصلت للمسلمين من البحرين وغيرها، فانتصر المؤمنون..

وبعد الفراغ من المعركة أُرسل عرفجة إلى أبي بكر الصديق مهنئًا ومعه خُمس ما غنموه، وبقي حذيفة يدير شئون عمان، وأما عكرمة فسار بعد النصر إلى منطقة تسمى "مهرة " وكان القوم فيها قد ارتدوا، إلا أنهم اختلفوا فقسم منهم في السواحل مع رجل يسمى (شخريت) وهم أقل عدداً، فبدأ بهم عكرمة فدعاهم للإسلام فوافقوا، وأنابوا إليه مما أضعف القسم الثاني الذين كانوا في المناطق المرتفعة مع رجل يسمى (المصبح)، فهزموا أمام المسلمين، وأرسل عكرمة خبر هزيمتهم مع (شخريت) إلى المدينة المنورة.

بعد ذلك تابع عكرمة سيره حتى التقى في مأرب المهاجر بن أبي أمية الذي كان أبو بكر -رضي الله عنه- قد أرسله من قبل إلى اليمن، على أن يمر بمكة فيضم إليه خالد بن أسيد، وبالطائف فيضم إليه عبد الرحمن بن أبي العاص، وبالسراة فيضم إليه جرير بن عبد الله البجلي، وبتهامة فيضم إليه عبد الله بن ثور، وبنجران فيضم إليه فروة بن مسيك، ثم اصطحبهم جميعا إلى اليمن..

وفي اليمن أسر المهاجرُ عمرَو بنَ معد يكرب وقيس بن عبد يغوث المكشوح، وكانا من قادة المرتدين الذين يؤلبون الناس، وأرسلهما إلى أبي بكر -رضي الله عنه- ثم واصل سيره إلى صنعاء فدخلها، ولاحق شُذَّاذ القبائل الذين هربوا إليها، واقتحم هو وعكرمة حضرموت..

وفي تلك الظروف حاول البعض أن يهيج فتنة يروح فيها الصالح والطالح كما يحدث في العراق الآن، فقد جاء رجل يسمى الفجاءة إياس بن عبد ياليل إلى أبي بكر فقال: إني مسلم وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار فاحملني وأعني، فحمله أبو بكر على ظهر وأعطاه سلاحًا، فخرج يستعرض الناس المسلم والمرتد، يأخذ أموالهم ويصيب من امتنع منهم، فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجز: إن عدو الله الفجاءة أتاني يزعم أنه مسلم، ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الإسلام فحملته وسلحته، ثم انتهى إليّ من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد، يأخذ أموالهم ويقتل من خالفه منهم، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه فتأتيني به، فسار طريفة بن حاجز حتى أمسك به وجاء إلى أبي بكر، فأمر بطرحه في النار بمنطقة البقيع اقتصاصًا لمن قتل من أبرياء الناس...

وهكذا لم يهل شهر ربيع من العام التالي لخلافة الصديق إلا وقد قطع دابر المرتدين تمامًا، ونجح بسياسته الحازمة في أن يطهر الجزيرة العربية من كل رجس، وأن يجمعها على كلمة التوحيد لينطلق بعدها أبناؤها إلى الأقطار الأخرى مخرجين الناس من الظلمات إلى النور، من الشرك إلى التوحيد، من جور الأديان إلى عدل وسماحة الإسلام، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فليكن لنا في مواقفه رضي الله عنه وأرضاه الأسوة الحسنة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مضى طليحة إلى كلب على النقع فأسلم ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر وكان إسلامه هنالك حين بلغه أن أسدًا وغطفان وعامرًا قد أسلموا، ثم خرج نحو مكة معتمرًا في إمارة أبي بكر ومر بجنبات المدينة فقيل لأبي بكر: هذا طليحة، فقال: ما أصنع به خلوا عنه فقد هداه الله للإسلام، ومضى طليحة نحو مكة فقضى عمرته، ثم أتى عمر إلى البيعة حين استخلف، فقال له عمر: أنت قاتل عكاشة وثابت والله لا أحبك أبدًا، فقال يا أمير المؤمنين: ما تهم من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما، فبايعه عمر.. 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة :: الخلفاء الراشدين-
انتقل الى: