ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. محمد بن صالح الشنطي - القدس في الشعر العربي الأربعاء 28 أكتوبر 2015, 10:20 am | |
| أما المرحلة التالية التي تم فيها فتح القدس فكانت أثرى وأقوى في حصادها الشعري ، وذلك أمر طبعي في ظل النشوة التي هزت النفوس وأعادت إليها الثقة وجددت فيها الأمل ، ومع ذلك لا نكاد نعثر على نموذج متميز يصلح لأن يكون شاهداً بارزاً على ذلك الحدث الفذ ، كما كانت قصيدة أبي تمام في فتح عمورية مثلاً تلك التي ظلت على كل لسان عبر التاريخ ترددها الأجيال كابراً عن كابر، وإن المرء ليعجب كيف خلت تلك الفترة من مثل هذا النموذج ، لقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا العصر كان عصر خمول أدبي بالمقياس الفني ، ولم يكن من الممكن أن يزدهر فجأة بسبب هذا الحدث الاستثنائي العظيم ، ذلك أن التطور الأدبي يستلزم مراكمة للخبرة الجمالية تستغرق أجيالاً ، ومع هذا كانت النصوص التي وصلت إلينا أكثر قوة وأكمل تعبيراً من غيرها ، فها هو الشاعر رشيد بن بدر النابلسي يستهل قصيدته في فتح القدس بقوله:فَـليوفِ لله أقـــوام بما نـذروا | | هذا الذي كانت الآمال تنتظـر |
ثم يقول :
يا بهجة القدس إذا أضحي به ،،، علم الإسلام من بعد طي وهو منتشر يا نور مسجده الأقصى وقدر رفعت ،،، بعد الصليب به الآيات والسور(1)
وتتبدى روح البهجة الانفراج في ذلك التشكيل الصياغي المتمثل في تتابع أساليب النداء التي تمتد إقاعاتها على اتساع المدى وينتقل الشاعر من الشيء إلى نقيضه حيث يمثل حالة الانتقال من الهزيمة إلى النصر ، ومن الذلة إلى العز(من بعد طي وهو منتشر) بعد الصليب به الآيات والسور. أما النص الثاني فهو للشاعر الشريف محمد بن معمر نقيب الأشراف بمصر ، وهو أقل أهمية ومستوى من النص السابق ، وإن كانا يتفقان في الأفكار الرئيسة: أترى مناما ما بعيني أنظره؟ | | القدس يفتـــح والفرنجة تكسر |
ومن الملاحظ أن شعراء هذه الحقبة ركزوا على معاني النصر والفتح بغرض المديح وإظهار الفرحة بهذا الحدث الجلل ، ولم يعرضوا للقدس كمدينة لها معالمها الدينية والحضارية . والمعلم الوحيد الذي يبرزونه هو (المسجد الأقصى) ،فالقدس رمز وهوية ، لا تُذكر فلسطين إلا ويذكر معنى ورمز ، وليس أمام وجود متعين ذي أبعاد منظورة. وقد تعرضت القدس مرة ثانية للاحتلال ، وذلك بعد مرور فترة من الزمن نتيجة لفرقة والضعف الاقتتال. ومن القصائد التي قيلت في رثاء القدس في أعقاب تخريبها على يد صاحب دمشق عام 616هـ الموافق 1219م وكان قد توجه إلى أخيه الملك الكامل في توبة دمياط ، فبلغه أن الفرنج على عزمِ أخذ القدس فاتفق الأمراء على خرابه- كما جاء في النجوم الزاهرة - فأمر الملك المعظم عيسى بهدم سور القدس وتخريبه أول يوم من المحرم فوقع في البلد ضجة وخرجت النساء المخدرات والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة والأقصى وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم ، وفعلوا أشياء من هذا الفعال ، ثم خرجوا هاربين ، وتركوا أموالهم وأهاليهم ، فقال القاضي مجد الدين محمد بن عبد الله الحنفي قاضي الطور في خراب القدس (2). مررت على القدس الشريف مسلماً | | علـــــى ما تبـقى من ريوع كأنجم | ففاضت دموع القدس مني صـبابة | | علــى ما مضى من عصرنا المتقدم |
كذلك فقد رثاها شهاب الدين أبو يوسف بن المجاور قد جاء فيها : لتبك على مـا حل بالقدس طيبة | | وتشرحـــــه في أكرم الحجرات | وقد هدموا مجد الصلاح بهدمـها | | وقد كان مجداً باذخ الغُرُفــــات |
وهذا الحدث الفريد الذي تم بأيدي الأصدقاء لا الأعداء كان موضع استهجان العديد من الشعراء الذين استنكروا هذه الفعلة فهبوا ينعون على مخربيها ما صنعوا ويرثونها . في الحلقة القادمة يستعرض الكاتب القدس في الشعر الحديث ويتناول شعر شعراء من أمثال : الشاعر : أحمد محرم ، والشاعر يوسف العظم ، والشاعر حسن الأمرائي كذلك يستعرض الكاتب للقدس في الشعر الحداثي ، في شعر مثلا ً : أدنيس ، محمود درويش . وكيف صوروا القدس ؟... أما سقوط القدس بأيدي اليهود عام 1967م فقد كان جزءاً من مأساة كبرى وانتكاسة عظمى ، فلم يقتصر الشعراء على رثاء القدس بل كان شعرهم ينضح بالأسى والهزيمة والانكسار لسقوط الأمة بأسرها ، أما قبل هذه الهزيمة المرة وبعدها فقد حفل الشعر العربي بالعديد من النصوص التي قيلت في القدس ، ثمة دواوين شعرية كاملة تحمل في عناوينها اسم القدس منها ديوان"اشهدي يا قدس(1)"للشاعر سليم سعيد ، وديوان "الأقصى الحزين(2) " للشاعر أحمد محرم ، " وبشراك يا قدس"(3) للشاعر أحمد حسين القضاة و" الطريق إلى القدس"(4) للشاعر داود معلاّ و"في رحاب الأقصى"(5)،للشاعر يوسف العظم , و" القدس تصرخ"(6) للشاعر مأمون فريز جرار ، وديوان "في القدس قد نطق الحجر"(7) للشاعر خالد أبو العمرين، وفيه ثلاث قصائد تحمل اسم القدس والأقصى "في القدس قد نطق الحجر "( و"أناشيد على بوابة القدس"(9)، و"يوم الأقصى"، والشاعر في (10)القصيدة الأولى يتحدث عن القدس بوصفها أرض الأنبياء ، وحلم الشعراء حديثاً شعرياً وجدانياً ثم ينطلق ليعبر عن وجهة نظره السياسية من السلام: والقدس يحميها لنا طفل والقدس أرض الأنبياء والقدس حلم الشعراء والقدس للدنيا القمر في القدس قد نطق الحجر لا مؤتمر..لا مؤتمر ويكرر هذا المقطع ليؤكد موقفه هذا ويغير في بعض العبارات ويضيف فيقول : للقدس رائحة الإباء / للقدس طعم الشهداء ، ويقول أيضاً : " لمشايخ الأرض القرار ، والقدس مجد وفخار ، والقدس نار ولهب والقدس واخجلي ضحية ، والقدس قبرة ، والقدس أغنية . ويقول :" يا قدس أنت المقصلة ، يا قدس أنت الكبرياء ، والقدس حب للشهادة " والقصيدة ثرية بالإيقاع متدفقة بالنغم ، وهو ما يستر التقرير فيها والتكرار ، وإن كان للتكرار دور جمالي فني يتمثل في التأكيد والتقرير والتلذذ بذكر القدس ، وتكرار اللازمة بدوره تأكيد لموقف الشاعر السياسي ، والنداء يعكس ذلك التجاذب العاطفي والوجداني ، ويعبر عن مدى تعلق الشاعر بالقدس بوصفها رمزاً لكرامة الإنسان ، وعنواناً للكبرياء ، والتقرير القائم على التشبيه البليغ يثري المد الوجداني الزاخر ، والقدس هنا رمز لكل فلسطين ، بل ولكل العالم الإسلامي يتضح ذلك في قوله: في القدس فقد نطق الحجر لا مؤتمر..لا مؤتمر أنا لا أريد سوى عمر أنا لا أريد سوى عمر وفي قصيدة " أناشيد على بوابة القدس" يجتر الشاعر معاناته ويلجأ إلى أسلوب تكرار (اللازمة) وإلى التقرير على نحو ما فعل في القصيدة الأولى ، ولكن اللازمة ، هنا شطر قصير أو شطران وليس مقطعاً متكاملاً يتمثل في قوله: " يا قدس يا حبي الكبير" ويضيف إليه قوله" يا وجه أمي يا كتابا ًمن عبير" في بعض الأحيان ، وهذه اللازمة نقطة انطلاق للبث الوجداني: كل الطيور تعود للأوكار إلا أنا يا قدس أخطأني القطار ويقول أيضاً مستلهما القرآن الكريم مستنجداً برب الأقصى : " يا قدس يا أحلى بلد/ نعوذ بالله الأحد/ من والد وما ولد من حاسد إذا حسد/..... يا خالق الأقصى مدد يا خالق الأقصى مدد/ يا مسجدي الأقصى / بمنبرك القوافي تتحد" ويتكرر النداء للأقصى وللقدس بشكل لافت للنظر حتى أنه كرر هذا النداء ما يقرب من عشرين مرة مما يعكس مدى تعلق الشاعر بالقدس وارتباطه الوجداني بها . وللشاعر المغربي الدكتور الأمراني قصيدة عنوانها (صلاة إلى القدس)(11)حيث يعتبر الشاعر القدس رمزاً لفلسطين ، بل رمزاً للخلاص فيتساءل: من أين نطل على القدس وكيف نعيد القدس حمام سلام بين يدينا فيروز تغنى سيدة المدن(والقدس وبيسان) سأمر على الأحزان لن يقفل باب مدينتنا والحزن الرابض فوق مدينتنا يسألنا أن نقتحم النيران ثم يقول : " لن يبلغك القدس سوى درب واحد : سيف وكتاب" والشاعر في هذه القصيدة يسجل وجهة نظره في القضية برمتها من منظور إسلامي محض محتجاً على كل الأساليب الأخرى ، فالطريق إلى القدس يمر عبر القوة ومن خلال الالتزام بكتاب الله وفي قصيدة " أنا للقدس"(12)للشاعر يوسف العظم حب عظيم للقدس لمكانتها في قلوب المسلمين ، فهي مسرى الرسول صل الله عليه وسلم حيث يقول: أنا للقـدس خافقي ووريدي وحـياتي ومهـجتي ووجـودي وعـلى القدس قد قصرت حديثي وقوافي شعري وبيت قصيدي في رابها سـارت جـنـود وتبدو القدس لدى بعض الشعراء المحدثين رمزاً للهزيمة ، وافتقاد الكرامة ، ويصورونها في صورة بذيئة جنسية كامرأة مغتصبة فهي ، سبية ، يقول حميد سعيد ) في قصته " توقعات حول المدن والمهزومة".(13) ملك يهودي يقضى ليلة معها/ وقد لقحت /فأولدها دماً مراً / ومات صبيُّها العربيُّ مقتولا . وهذا قريب مما يقوله مظفر النواب: القدس عروس عروبتكم ... أهلا...أهلا...أهلا ساخراً من موقف هؤلاء ، مقحماً صوراً جنسية عارية يعف القلم عن ذكرها في هذا المقام.(؟) وقريب من هذا ما يفعله ( محمود درويش ) في ديوانه " أحبك أولا أحبك " (14) إذا يشبه القدس بمطية للحكام البذيئة التي أشرنا إليها ، وهي تسئ إلى المدينة المقدسة ولا تليق بقدسيتها ، يقول محمود درويش في نبرة هجائية: وما القدس والمدن الضائعة/ سوى ناقة تمتطيها البداوة إلى السلطة الجائعة / وما القدس والمدن الضائعة / سوى منبر للخطابة/ ومستودع للكآبة / وما القدس إلا ..../ ولكنها وطني. وهكذا يسوّي هؤلاء الشعراء بين القدس وبقية المدن وينزعون عنها قدسيتها ؛ لكي يبرزوا حالة الضعة والسقوط ، ولكن ذلك لا يصلح مبرراً لهذا الامتهان والابتذال. والنماذج كثيرة ، ولكنها تنضح بالمرارة والأسى والسخرية والإحباط والغموض في بعض الأحيان(15)
(1)- سليم سعيد : اشهدي يا قدس 1403 هـ لم تذكر معلومات عن الناشر والطبعة على الغلاف. (2) -أحمد محرم : الأقصى الحزين – مكتبة الفلاح – الكويت 1984م. (3) -أحمد حسن القضاة : بشراك يا قدس – دار مكتبة الحياة –بيروت 1980م. (4) -داود معلاّ : الطريق إلى القدس – دار الفرقان للنشر والتوزيع- عمان 1984م. (5) -يوسف العظم ك في رحاب الأقصى- المكتب الإسلامي للطباعة والنشر – بيروت 1980م. (6) -مأمون فريز: القدس تصرخ- دار البيان – الكويت 1969م. (7) -خالد أبو العمرين كفي القدس قد نطق الحجر-مكتبة ا لفلاح- الكويت طـ2 1989م. ( -في القدس قد نطق الحجر(مصدر سابق) ص13. (9) – في القدس قد نطق الحجر(المرجع السابق) ص 91. (10) - في القدس قد نطق الحجر (المرجع السابق) ص39. (11) – حسن الأمراني : الزمان الجديد –دار الأمان- الرباط 1988م ص 89. (12) – في رحاب الأقصى(مصدر سابق). (13) - حميد سعيد : ديوان قراءة ثامنة – دار الآداب – بيروت 1982. (14) - محمود درويش (أحبك أو لا أحبك)- دار الآداب – بيروت 1972. (15) -راجع : أ.د. إحسان عباس : اتجاهات الشعر العربي المعاصر –عالم المعرفة-المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الطويت فبراير 1978- الموقف في المدينة ص 111: 137. وأيضاً :ب:د. صالح أبو إصبح :الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة (منذ1948-1975) – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1979م.
** انظر : كتابه في الأدب الإسلامي . دار الأندلس . حائل . ط . 2 ، 1418 هـ . |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. محمد بن صالح الشنطي - القدس في الشعر العربي الأربعاء 28 أكتوبر 2015, 10:52 am | |
| وقد كان لحادثة إحراق المسجد الأقصى الأثيمة التي أودت بمنبر نور الدين محمود الذي أعده صلاح الدين وعرف باسمه فيما بعد أثر كبير في الشعر والشعراء ، فقد كتب الشاعر الإسلامي أحمد صديق قصيدة يشكو فيها ما آل إليه الأمر من ضعف وهوان فخاطب صلاح الدين قائلاً: ألم تر بيت المقدس اليوم قد غـدا أسيراً فجرّد دونه السيف والقنا ووحد بني الإسلام في الحرب معلنا جهادك واجعل منهج الحق ديدنا(1) ولم يكتف بهذه القصيدة بل نظم قصيدة أخرى بعنوان "وقفة مع العيد منها قوله: يا عيد والمسجد الأقصى محرّقةً -- أحشاؤه، وهو في الأغلال مصفود يا عيد أين صلاح الدين يعتقه حراً ، وفيه لـواء النصـر معقود ومن قصيدة أخرى قيلت بهذه المناسبة للشاعر نفسه: المصلون مع الفجر .. وكانوا خُشَّعاً خلف الإمام / يا نبيَّ الله كانوا في الحرم. حيث صليت برهط الأنبياء/ خشعاً كانوا... وينشق ا لجدار عن سعير يأكل المسجد..ماذا ودمار / ومع الأنقاض تهوي في يد النار حمامات السلام / الثريات نجوم تتهاوى ... وعيون تحترق/ والشبابيك شفاه تتلظى وضلوع تصطفق/ والسجاجيد التي ترعش خوفا والتياعا عانقت أحجار سقف يتداعى / وزهور الفن تذوى والزخارف...الخ. ومن الواضح أن الشاعر في هذه القصيدة قد نحى منحى وصفياً فقدم لنا المشاهد في لوحة شعرية ناطقة مثيرة ثم عقب عليها بصرخات الاستغاثة والاستنجاد. أما الشاعر أحمد فرح عقيلان فقد هزته الفاجعة وحاول أن ينفذ إلى ما وراء الوقائع ويستشرف آفاقها عند سماعه نبأ إحراق المسجد الأقصى: تكشف الأمر عن حقد وعن لب وشبت النـار في مـيراث خـير نبي وطأطأت هامة التاريخ من خجل وديس في الترب عز الشرق والعرب يا من رأى القبلةالأولى وقد حرّقت نفسي الفداء لذلك المسجدالـخرب
أما عدنان النحوي فقد زلزلت مشاعره واقعة الإحراق فالتفت يمنة ويسرى فما وجد إلا غثاء كغثاء السيل :(2) يا لوعة الأقصى وبين ضلوعه نار وفوق قبابه عـدوان نار يمـدُّ الحقد كـل أوراهـا ووقودها الأمجاد والنيران ويقول الشاعر محمد صيام في هذه المناسبة: هيا فإن القدس تصرخ... أين ... المسلمون. ومن الواضح أن معظم الشعراء الذين تحدثوا في هذه المناسبة قد اجتمعوا على عدة معان من أبرزها: جسامة الحدث وخطورته ووصف الآثار المدمرة له مادياً ومعنوياً ،ووقعه في نفوس المسلمين ، ودلالته على ما آل إليه حالهم من ضعة وهوان ولا نعثر على نصٍ متميز فريد يصلح شاهداً إبداعياً على هذا الحدث الجلل فمعظم ما قيل من قصائد في هذه المناسبة لا يخرج عن المعاني الشائعة المعروفة التي تخطر ببال كل مسلم، فليس ثمة خصوصية جمالية أو فنية. ولا تكاد تخلو قصيدة من شعر الانتفاضة من ذكر القدس ، سواء كانت من الشعر التناظري أم من شعر التفعيلة ، غير أن هذا أكثر شيوعاً في النوع الأول ، ويتفاوت الاهتمام بالقدس من شاعر إلى آخر، ولكن الكل يجتمع على أنها الأبرز في معالم فلسطين، وأنها البؤرة المركزية ، وكذلك احتلت القدس مكانة بارزة في عناوين القصائد هي والأقصى ، من ذلك قصيدة الشاعر يوسف العظم " رسالة من القدس" وقصيدة "القدس والشمس والقصيدة" للشاعر مصطفى سند ن وقصيدة " يا أمة القدس" لسليم الزعنون" ، " حتى يقول لنا الأٌقصى كفى مهجاً " للشاعر حيدر محمود ، و"يا قدس" و "أم المدائن" للشاعر محمود مفلح ، وسأتوقف عند بعض النماذج مستشرفاً بعض معانيها وجمالياتها، منها قصيدة "رسالة القدس" لشاعر يوسف العظم الذي يستهل هذه القصيدة بذكر الأقصى: في ساحة المسجد المحزون حدثني شيخ على وجهه الأيـام ترتسم لمن أبث شكاتي والشفاه عدت -- خرساء ليس لها في الحادثات فم فهو يتخذ من القدس والمسجد الأقصى محيطاً مكانياً مستثمراً ما يفيض به هذا المكان من المعاني القدسية الجليلة ليعبر عن المأساة، ولكنه لا يتوقف عند هذا الحد بل يجعل مما حل بالأماكن المقدسة في هذه البلدة المباركة رمزاً لما آل إليه الحال برمته ، فما حل بالقدس ومقدساتها إنما هو عنوان لما حل بالأمة كلها إذ يقول: لقد جرعنا كؤوس الذل مترعة والقدس في العار والمحراب والحرم والصخرة اليوم باتت غير شامخة لأن نجـمة صهيـون لها عـلم كذلك فإن الشاعر يخاطب القدس باحثا عن المخلص معاهداً على التحرير ، والخطاب هنا- بلاغياً – يفيد التمني: يا قدس أين صلاح الدين يبعثها حطين تفتك بالبـاغين ويلـهم إنّا على العهد لن ننساك فانتظري يوما يخر له الطاغوت والصنم وليس من شك في أن هذا النموذج يمثل امتدادا لتلك الأساليب التقليدية المألوفة في التعبير عن المشاعر الإسلامية اتجاه القدس فهي مباشرة وذات نبرة خطابية وليس فيها ابتكار أو تجديد . وسيتلهم الزعنون قصيدتي البوصيري وشوقي في مدح الرسول صلى اله عليه وسلم في قصيدته " يا أمة القدس" بل ويضمن بعض أبياتها أشطراً وعبارات من القصيدتين المذكورتين على نحو قوله: غنّى لك الشعر من أحلى قصائده "ريم" على القاع بين البان والعلم لا تحسبوا الدمع من حب أُذَللُ له أو من تذكر جيران بذي سـلم إن اللواتي أثرن الحب في كبدي خطرن في جنبات المهد والحـرم
ففي البيت الأول تضمين من قصيدة "نهج البردة" لأحمد شوقي، وفي البيت الثاني تضمين آخر من قصيدة "البردة "للبوصيري. وليس من شك في أن الزعنون قد وظَّف إيحاءات النصين السابقين من أجل إثراء القصيدة بذخيرة وجدانية هائلة. أما قصيدة محمود مفلح "يا قدس" فقد تميزت بأن فيها مقاطع مخصصة لمناجاة القدس ، وبيان أثر ضياعها في نفوس المسلمين: يا قدس يا بلد الإسراء بالـغةً كالجمر يتقنها من كـابد الشـجنا يا وردة الجرح، يا أم العيال فهل ينسى بنوك النشامي الثدي واللبنا إننا نحس فيها بتلك النغمة الذاتية المنبع ، الرومانتيكية الطابع ، الوجدانية المنحى ، على نحو قوله: ولا نسينا بدرب القدس سنبلةً ولا رغيفاً بماء القلب قد عجُنا(5). أما قصيدة مصطفى سند "القدس الشمس، والشمس القصيدة " فهي تمثل نموذجاً مختلفاً ، إذ لا يتحدث الشاعر عن القدس حديثاً تقليدياً ، بل تبرز المدينة من خلال النسيج الفني لتوحي برؤية تتجاوز المعاني المباشرة ، فالقدس تاريخ وكيان ووجود، حينما ضاعت كانت المأساة كونية الطابع، فالشمس والريح والكون برمته في قلب هذه المأساة ، وحين عادت الصحوة تحوَّل الكون إلى مهرجان ، وكان مرة أخرى في قلب (الحدث التاريخ): كانت القدس كتاباً عربي الحرف فضوا ختمه الباذج في الليل على رسم التواريخ القديمة فلماذا ذهبت الشمس تغني لجراحات الهزيمة ؟ ولماذا أيها الموت ؟ لماذا عرَّت الريح الصدى النائح في صمت المقابر؟ ولماذا عادت الشمس تدلّت تزرع النجم ، اليواقيت ، الدرارى؟ تنسج المجد الموشى فوق أضواء النهار. وتقاتل؟ وهكذا ظلت القدس هاجس الشعر المجاهد منذ أن اندلعت الانتفاضة المباركة في تلك الأرض التي بارك الله حولها . نعرضها في الحلقة القادمة بإذن الله وهي الحلقة الأخيرة من ( القدس في الشعر العربي )
(1) أحمد صديق (رسالة إلى ليلى)- راجع: مأمون فريز جرار :الاتجاه الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث- دار البشير- عمان 1984 ص 63. (2) - من ديوان الشاعر أحمد فرح عقيلان :جرح الإباء- المرجع السابق ص 61. * انظر : كتابه في الأدب الإسلامي . دار الأندلس . حائل . ط . 2 ، 1418 هـ .[b]ظلت القدس هاجس الشعر المجاهد منذ أن اندلعت الانتفاضة المباركة في تلك الأرض التي بارك الله حولها. ولو تصفحنا ديوان الانتفاضة لوجدنا قصائده لا تخلو من إشارة إلى القدس أو المسجد الأقصى أو قبة الصخرة المشرفة ،فها هو محمد حسن فقى يقول : قل للألى عبثوا بحرمة قدسنــا وتطاولوا بسفاهة ونـداء أو ليس في حرب الحجارة عبرة من قبل ساعة غضبة نكراء فالقدس هي المحور والمرتكز والرمز. ويقول محمود مفلح في (طفل العقيدة) وكم شكا إلى الله أقصانا وكم دمعت عين وكم غرقت في حزنها هدب ويقول محمد أمين أبو بكر في (حجارة وجحيم): في حمى الأقصى ومسرى مصطفانا جندل الأشبال أعداء الوجود يا ربوع القدس إنا سوف نمضي في طريـق عاقه غـدر الحـقود أيها الأقصى سنبقى أوفـــياء للروابي الخضر والسيف النجيد ويقول مصطفى أبو الرز في "خل المدافع واجعل سيفك الحجرا" هناك في القدس شعب ثائر وله كل القرار وإن الأمر ما أمرا ويقول هارون هاشم رشيد في"سفينة العودة": ناداهمو الأقصى ، يكتِّل صوته باغ يدنِّس طهره ويعكر نادت مـأذنه ، ونادى عالـياً محرابه ورحــابه والمنبر وفي قصيدة "حتى يقول لنا الأقصى كفى مهجاً" يقول حيدر محمود: يا أيها (المارد)استيقظ ، على دمنا...هذا الذي في دروب القدس نجريه نكحِّل المسجد الأقصى به .. وبه عند الصلاة – إذا قامت – نُحيِّيه حتى يقول لنا الأقصى.. كفى مهجاً حتى تصـيح بنا: "حسبي"روابيـه ويقول حلمي الزواتي في "غابة الأطفال والحجارة" والمسجد الاقصى يقلب كفه وآذانه صوت العواصف داوياً يا قدس مسرى الحبيب محمد يا قبلتي الأولى عليك سلاميا وتقول الشاعرة سعيدة الفارسي من سلطنة عمان: فانتفضي يا صـخرة قـدسي فصـخور الوادي تتـحين في الخمس يناديـني الأقـصى وأنا المقهـور ومن يطـحن وتقول الشاعرة سلمى الريماوي: أغارت على الأقصى جموع وزُمرة يعيث فسادا في البلاد فجورها ويقول عبد الله بن خميس في قصيدته"إلى أبطال الحجارة في فلسطــين": مسرى الرسول ومهد الفضل أزعجه جور الطغاة فخاب البغى قطلعا. وتحفل دواوين الشاعر أحمد الريماوي بذكر القدس . ولا يتسع المجال لمزيد من النصوص، وحسبي أن أشير إلى أن هذه النصوص في مجملها لا تخرج عن المعاني التي أشرت إليها آنفا[size=13](1). هذه إلمامة يسيرة عن القدس في الشعر العربي أشرت فيها إلى أشتات مجتمعات من أبيات وقصائد ودواوين حملت اسم القدس ، وهي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون تذكيرا بأهمية هذه المدينة المقدسة واستصراخاً واستنهاضاً للهمم من أجل تخليصها من أيدي الأعداء ، أو تعبيراً عن الأسى لما حل بها ، وتصوراً لمأساتها وتذكيراً بمقدساتها ، والإشارة إلى كونها رمزاً للأمة الإسلامية ، أو احتفالاً بفتحها أو رثاءً لها ، وقلما نجد قصيدة متكاملة تجعل من القدس محوراً لها في مستوى يرقى إلى مكانتها ، وعلى الرغم مما مر بها من أحداث جسام فإن الشعر قد قصر شأوه عن أشأوها ، وظل في منزلة أدنى من الوقائع الجسام التي انتابتها ، وقد استشرت العديد من المراجع والمصادر ممثلة في دواوين الشعر ومجموعاته ومختاراته ،ووجدت العديد من الأبيات المتناثرة هنا وهناك والقليل من القصائد ، والحقيقة أن ضيق المجال قد حال دون إعطاء الموضوع حقه كما ينبغي ، ولعلي أرجع مرة ثانية فأقدم مزيداً من النماذج وأعكف على تحليلها ، أما ما جاء في هذه المقالة فهو جهد المقل التي نتبلغ به في هذه الإلمامة اليسيرة.
[/size][/b] (1) -جميع النصوص المتعلقة بالانتفاضة مقتسبة من "ديوان الانتفاضة" جميع وتقديم الدكتور أحمد موسى الخطيب :من منشورات لجنة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بالمملكة العربية السعودية- سفارة دولة فلسطين- الرياض طـ2 1991م. * انظر : كتابه في الأدب الإسلامي . دار الأندلس . حائل . ط . 2 ، 1418 هـ
|
|