خديجة بنت خويلد.. خير نساء الأرض
حياة امتدت مع رسول الله صل الله عليه وسلم لخمسة وعشرين عامًا متصلة، ربع قرن كامل، لم تنقل كتب السيرة خلافًا واحدًا حدث بينها وبين رسول الله (ص)، لم تنقل كتب السيرة غضبًا ولا هجرًا، لم تنقل طلبًا من السيدة خديجة لنفسها، لقد عاشت لرسول الله (ص) تؤازره في أحرج أوقاته، تعينه على إبلاغ رسالته، تهُوِّن عليه الصراع الذي دار بينه وبين كفار مكة، تواسيه بمالها ونفسها، تجاهد معه بحق كما لم يجاهد كثير من الرجال.
قال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال:
قال عروة بن الزبير: وقد كانت خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة.
ثم روى من وجه آخر عن الزهري أنه قال: توفيت خديجة بمكة قبل خروج رسول الله (ص) إلى المدينة، وقبل أن تفرض الصلاة.
وقال محمد بن إسحاق: ماتت خديجة وأبو طالب في عام واحد.
وقال البيهقي: بلغني أن خديجة توفيت بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام.
وقال البخاري: عن أبي هريرة، قال: أتى جبريل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: بشَّر النبي (ص) خديجة؟ قال: نعم! ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
قال السهيلي: وإنما بشَّرها ببيت في الجنة من قصب - يعني قصب اللؤلؤ - لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان، لا صخب فيه ولا نصب لأنها لم ترفع صوتها على النبي (ص) ولم تتعبه يوما من الدهر فلم تصخب عليه يوما ولا آذته أبدا.
وفي الصحيحين من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما غرت على امرأة للنبي (ص) ما غرت على خديجة، وهلكت قبل أن يتزوجني - لما كنت أسمعه يذكرها - وأمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن".
وقال الإمام أحمد أيضا: عن عائشة، قالت: كان النبي (ص) إذا ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء.
قالت: فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها.
قال: «ما أبدلني الله خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء».
وقد روى الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» أي: خير زمانهما.
وروى شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه قرة بن إياس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص): «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»..
قالوا: والقدر المشترك بين الثلاث نسوة؛ آسية ومريم وخديجة أن كلا منهن كفلت نبيا مرسلا، وأحسنت الصحبة في كفالتها وصدقته.
فآسية: ربت موسى وأحسنت إليه وصدقته حين بعث.
ومريم: كفلت ولدها أتم كفالة وأعظمها وصدقته حين أرسل.
وخديجة: رغبت في تزويج رسول الله (ص) بها، وبذلت في ذلك أموالها كما تقدم وصدقته حين نزل عليه الوحي من الله عز وجل.
وقوله: «وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» هو ثابت في (الصحيحين) من طريق شعبة أيضا، عن عمرو بن مرة، عن مرة الطيب الهمداني، عن أبي موسى الأشعري.
والثريد: هو الخبز واللحم جميعا، وهو أفخر طعام العرب كما قال بعض الشعراء:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم * فذاك أمانة الله الثريد |