منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Empty
مُساهمةموضوع: مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام   مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 6:51 am

مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام 174


مدخل الى العصور القديمة
1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام
بدءاً كان الانسان وكانت له ارضه التي ولد فيها. وإذ اكتفى بعض من ولد بما حظي به من محيط
طبيعي أمن له العيش والاستمرار٬ تطلع البعض الآخر الى ما وراء حدوده الضيقة. وكان على
هذا البعض ان يؤهل نفسه بما يسهل ويؤمن له الخروج من هذه القوقعة. وإذ ضاقت موارد
الطبيعة التي خالها آنذاك انها لا تنضب ٬ بدأ تمدده الطبيعي٬ فكان الانفجار السكاني وما رافقه من
توسع فنشأت تجمعات قبلية الطابع اولاً وتحولت من بعد الى تجمعات أوسع عددا ونطاقاً .

وبطبيعة الحال٬ كان توسعه المادي هذا يتطلب مواردا تكفل له الحياة والاستمرار.


هذه قصة الشعوب التي نشأت في المحيط الشرقي من شواطئ البحر الأبيض المتوسط . وهي لا
تختلف عما حدث لسواها في مناطق اخرى٬ انما كانت نشأتها أسرع وأفعل من غيرها . هنا يعود
بنا التاريخ الى أرض الحضارة الأولى في ما عرف بالأرض القائمة ما بين النهرين: دجلة
والفرات. هنا يحدثنا التاريخ عن مهد الحضارة في "ميزوبوتاميا" Mesopotamia (ما بين
النهرين) الجنوبية وعاصمتها أور وشقيقتها "ميزوبوتاميا" الشمالية وعاصمتها نينوى (مقابل
مدينة الموصل حالياً) . والى جانب أور٬ حيث ولد ابراهيم كانت أورك التي اخترعت الابجدية
المسمارية٬ فكانت السباقة في ارساء أول جذور الحضارة الانسانية بشكلها البدائي الاولي. بعدها
بامتياز أم الابجديات العالمية. وفي هذه البقاع٬ حيث دجلة والفرات٬
 وجد الانسان الاول ارضاً جاءت سـيناء بحرفها الهيروغلافي وأوغاريت على الساحل السوري بابجدبتها 
التي صارت
خصبة معطاء٬ فزرعها وأكل من نتاجها٬ مفتتحاً منذ تلك الفترة رحلته الطويلة نحو الاستقرار
ومن ثم التوسع.
كان لا بد لهذا الانسان من تنظيم علاقته بمحيطه الحيوي٬ وان يقيم له كياناً ينظم حياته الجديدة
وعلاقته باخوانه الذين يشاركونه الارض٬ وان بفَعل استثماره لهذه الارض بما يكفل له الاستقرار
والتكاثر٬ ومن ثم التوسع ولو على نطاق ضيق. هنا بدأت طليعة التجمع السكاني المنظم ونشأت
أنظمة تضبط حياته التي تطورت وتم تنيظمها ما امكن٬ فانتظم في قبائل وضعت لعلاقاتها أنظمة
تكفي حاجة تلك الفترة وذلك العصر. ورويداً رويداً قاده هذا التنظيم الى خلق مجتمعات شبه
مستقرة٬ حتى اذا ضاقت به الارض بعد تكاثره٬ تمدد باتجاه ارض تجاوره٬ مفتتحاً منذ ذلك الوقت
أول مظاهر الحياة المنظمة٬ ولو بمفهومها البدائي .
الإنسان الاول الفلاح
إستغل هذا الانسان الارض بنشاط وازدادت متطلبات الحياة٬ فدجن الحيوانات التي شاركته العيش
في أرضه٬ واستغل المياه المتوفرة بكثرة لتوسيع نشاطه الزراعي. وكان لا بد هنا من التوسع
والخروج الى حيث يعيش سواه على مقربة منه. هنا بدأت مظاهر التوسع الاستيطاني وقامت
التجارة بين قبيلة واخرى ومن ثم بين شعب وآخر .
استمرت هذه الرحلة الطبيعية لانسان طموح حتى قامت له شبه مؤسسات بدائية تكفي لتنظيم
علاقاته مع جيرانه فكان ان نشأت "حكومات" بمفهوم ذلك العصر. ومن ثم رأيناها تتطور
وتتوسع وترفع من وتيرة استغلاله للمحيط الطبيعي٬ وهو محيط واعد تتوفر فيه كل مؤهلات
العطاء: من ماء في نهرين كبيرين وارض غنية معطاة .
واذ علت وتيرة ثقته بنفسه وبقدرته٬ بدأ رحلة التفتيش والتنقيب عن عالم لا يبعد عن نطاق محيطه
الضيق سوى اميال قليلة٬ فوجد له زملاء يعيشون مثله في محيط مغلق ومحدود الموارد٬ رغم
قرب هذا المحيط من شاطئ نهر كبير. تقرب منهم وبادلهم سلعة بسلع. ورويداً أخذ هذا الانفتاح
يقَرب بين انسان وآخر وقبيلة واخرى وشعب محدود الاعداد وآخر. ومع كل انفتاح وارتفاع
وتيرته٬ كانت آفاق انساننا الأول تتوسع وتعلو آفاقها.


بين النهرين. وعندما حان الوقت كانت هذه الحضارة تطل وتتسلل الى محيطها الطبيعي٬ 
وصولاً إنساننا هذا خلق في محيطنا٬ كما يحدثنا التاريخ٬ حضارة قامت على مداميكها الاولى حضارة ما
الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط . وكان لانسان هذه الحضارة ان يحمل معه٬ بعد انفتاحه على
جيرانه٬ ما عنده من سلع ومنتجات زراعية وحيوان مدجن٬ واضعاً المدماك الاول في ما صار مع
ومن تجارة محدودة الاسواق والقريبة من موطنه الصغير الى تجارة اوسع حدوداً وأكثر طموحاً
 الزمن اساس التبادل التجاري المتطور بدءاً بتجارة قائمة على المبادلة الى تجارة أكثر تنظيماً٬
وأفضل تنظيماً.


إنساننا الاول كان فلاحاً ومستثمراً للارض بكل معنى الكلمة. فالارض وغلاتها تعني القوت الذي
يحتاج اليه. والارض هذه وغلاتها تدفع به الى الاستيطان ومن ثم التوسع. وهذ ما فعله انسان ما
بين النهرين٬ حتى اذا لم يمض طويل وقت حتى رأيناه وقد خرج من موطنه الاول٬ حاملاً معه مع
كل توسع٬ خبرة تملكها: من استغلال للأرض ومواردها المائية وحيوانها المدجن. وأصبح
الحصان المدجن في خلال هذه الفترة رفيقه الدائم٬ ينقله وينقل بضاعته الى حيث كان يجد من
يحتاج الى غلاله وبضاعته. فما كان من هذا الخروج الا ان وسع من نطاق تفاعل اناس ذلك
المحيط وتقربهم بعضهم من بعض. ومع كل تفاعل وعلاقات متوسعة كانت آفاق انساننا الاول
تتفتح وتجد لها مجالات لا حدود ضيقة لها. وإذ وجد ان بعض الهضاب والانهار تقف حاجزاً بينه
وبين توسعه٬ عمد الى استغلال هذه الهضاب والانهر. 
واذ مرت عصور شهد في خلالها الانسان
قيام تنظيمات عديدة لحياته الشخصية والاقتصادية والسياسية والدينية٬
 إذا به ينظر بثقة الى


الاستقرار وارساء أسس العيش المتكامل مع ابناء قومه٬ فارتقى الى علو جديد٬ بدأت معه حياته
تنتظم في تجمعات تحكمها بعض القوانين والشرائع٬ فأسس له مراجع حيوية أبرزها حكم يؤمن له
ولاقرانه حياة مستقرة وتحدد لكل فرد حقوقه وموجباته. هنا بدأنا نرى نشؤ "حكومات"٬ بمفهوم
ذلك العصر٬ ومراجع وأنظمة ناظمة لعلاقات الفرد بالافراد الآخرين الذين يشاركونه العيش فوق
أرضه وأرضهم٬ وعلاقات الافراد بالمحيط المادي الذي يؤمن لهم الحياة وفق حقوق وواجبات.
وكان ان أقام انساننا هذا أنظمة وحكومات وشرائع التزم بها. ولنا في هذا المضمار أروع وأفضل
مثال في شرائع حمورابي اللاحقة لهذا الزمن .
محيطه الأوسع.
 واذ كانت غلاله ومنتوجاته الزراعية والحيوانية تفيض عن حاجته٬ 
خرج بائعاً قويت شوكة هذا الانسان فتطلع الى ما وراء أرضه وأرض عشيرته وقبيلته٬ 
وبدأ رحلته باتجاه
حيث وجد انساناً مثله محتاج الى ما ينتجه هذا القادم اليه فبادله٬ في اول الامر٬ بضاعة بأخرى
وقامت على وقع هذه المبادلة علاقات توسعت مع الوقت فصاهر البعض بعضهم وبدأ التفاعل
البشري يتسع وتفتحت لانساننا الاول مجالات اكبروأنفع واربح من ذي قبل .
سنرى في مقالاتنا اللاحقة كيف كان هذا الانفتاح والى اين أوصل انساننا الذي سبق ان عاش
منعزلاً في أرضه بين دجلة والفرات٬ إن في الحنوب او في الشمال٬ وكيف علَم هذا الانسان وتعلم
اثناء رحلته الطويلة هذه التي دامت اجيالاً طويلة٬ وكيف ان اكتشف هذا الانسان نفسه وقدرته
وعلت طموحاته وتبدلت نظرته الى الحياة وما وراء الحياة .
قصتنا لا تقف عند حدود دجلة والفرات وتجارتها الداخلية بين "مدنها الدول" ٬ بل ستشمل
العلاقات التجارية٬ قديمها وحديثها٬ بين كل دول المنطقة التي تعربت مع الفتح الاسلامي٬ من
مشرقها وشبه جزيرتها العربية ووادي نيلها ومغربها الكبير.
سنتحدث عن "المدن الدول" التي نشأت في النصف الاول من الألفية الرابعة قبل الميلاد وكيف
فقدت المعابد بعض سلطاتها للحكام. وهذا ما تعلمنا به اللوحات المصنوعة من الاجر التي اكتشفت
في المقبرة الملكية في اور والتي تعود الى ما قبل سنة 2650 قبل الميلاد. وتشير النصوص
المكتوبة باللغة السومرية الى علاقات تجارية كانت مزدهرة بين دول قامت على شواطئ الفرات
مثل ماري وابلا في سوريا حيث انتشرت الكتابة المسمارية وحيث اكتشفت احجار شبه كريمة
لازوردية مستقدمة من افغانستان وآنية مصدرها ايران .




سنتحدث عن الكتابة على الاجر التي حتمها توسع التجارة في النصف الثاني من الألفية الرابعة
قيل الميلاد بين تجار ما بين النهرين مما اضطرهم الى مسك قيود وحسابات وقادهم الى اختراع
الكتابة .


سنتحدث عن الطرق التجارية التي قامت على طول واديي الفرات والخابور وربطت بين سوريا
وفلسطين والعراق تاريخياً وثقافياً في الالفية الرابعة قبل الميلاد . فقد أظهرت المحفوظات
المكتوبة بالمسمارية والمكتشفة في ابلا وماري متانة العلاقات بين هذه البلدان في خلال الالفية
الثالثة قبل الميلاد .


على المقلب الآخر٬ كان الساحل السوري مركزاً لشبكة تجارية مختلفة تمتد من الشمال الى
الجنوب. فقد أظهرت آثار وجدت في أريحا ان تجارة السبج٬ وهو زجاج بركاني اسود٬ بدأت في
الالفية العاشرة قبل الميلاد. وعندما استعادت هذه المنطقة الساحلية حياتها ونشاطها نراها قد
أصبحت موطناً للفينيقيين النازحين من جبال تركيا والعراق وايران٬ بانين لهم مدناً ساحلية تجارية
وثقافية في أوغاريت (راس شمرا) وجبيل وصور الخ ..
 وعندما سيطر المصريون على أكثر مدن
الساحل السوري في القرن الرابع قبل الميلاد٬ أدى هذا التوسع المدفوع بدوافع تجارية الى نزاع
مسلح بين المصريين والحثيين. وكانت معركة فاصلة بين جيشيهما في قادش قرب مدينة حمص

السورية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام   مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 6:54 am

2 – وادي النيل عودة إلى: الفهرست
تحدثنا في القسم الاول من "المدخل" عن التجارة في العالم القديم المتمحور ما بين النهرين
والشواطئ السورية وهي المنطقة الجغرافية التي دعاها المؤرخ البريطاني جيمس بروسيد بالهلال
الخصيب٬ وننتقل الآن الى خط يتجه من الشمال الى الجنوب في القسم الاعلى من القارة الافريقية
والمسماة بوادي النيل حيث قامت حضارة متوازية تاريخياً الى حد ما مع حضارة ما بين النهرين
وامتدادها حتى السواحل الشرقية للبحر الابيض المتوسط. وان كان هذا الاستيطان المصري القديم
وما حقق من تقدم حضاري وثقافي وديني وتجاري تأخر بعض الشيء٬ 
فانه لا يقل اهمية عما

تحقق في المشرق المتصل به عن طريق شبه جزيرة سيناء. فقد كان التواصل والتفاعل بين
الجارين الجغرافيين ناشطاً وكأنه يحقق تكاملاً ولو ببعض الفوارق .
سنشير الى ما تحدث عنه المؤرخون عن التأثير السومري في حوض النيل ودوره في المدنية
المصرية الفرعونية. فثمة اجماع بين علماء المصريات المعاصرين انه من الممكن تتبع الأثر
السومري في المدنية الفرعونية. وعلى سبيل المثال٬ سنتكلم عن ختم الاشياء باسطوانات محفور
عليها صور على الطريقة السومرية واستعمال الاجر في اسلوب البناء وتقليد بناء السفن
السومرية٬ وفي كتابة الرموز الفكرية تكملها الفونيم من دون ان تحل محلها. وهناك اجماع على
ان الكتابة المصرية ظهرت فجأة على عكس ما حدث من تطور الكتابة السومرية التدريجي من
السابقة الصوتية .
قامت في وادي النيل حضارة متوازية تاريخياً٬ الى حد بعيد٬ مع حضارة بلاد النهرين وامتدادها
حتى السواحل الشرقية من البحر البحر الأبيض المتوسط . وإن كان هذا الاستيطان المصري
القديم وما حقق من تقدم حضاري وثقافي وديني وتجاري تأخر بعض الزمن٬ فانه لا يقل أهمية
عما تحقق في المشرق المتصل به عن طريق شبه جزيرة سيناء.
في هذا الجزء الافريقي نهر عظيم هو نهر النيل الذي يجري شمالاً من منابعه الافريقية ليصب في
البحر الأبيض المتوسط . وقد أمن هذا النهر الكبير لمصر والسودان استقراراً نسبياً دام حوالى
الألف سنة في ظل المملكة القديمة. وقد عاشت بعض انجازات هذه المملكة حتى بعد زوال المملكة
نفسها. وتشهد على ذلك انجازات متميزة بدءاً من اسلوب الفن المنظور ونظام الكتابة والديانة مما
حقق لمصر انجازاً بالغ الاهمية إذ تمكنت من المحافظة على شخصيتها حتى القرن الثالث
الميلادي ومن بعده حتى القرن الخامس رغم ما تعرضت له من تبديلات وتغيرات خلال ثلاثة
الاف ونصف الالف من السنين. وقد مكن ما حققه المصريون القدامى من تنظيم لمياه النهر
العظيم٬ خصوصاً في مجراه الادنى الى الشمال من الشلال الاول٬ ان تظل معالم هذا الانجاز
قائمة٬ مما سهل للمصريين من قلب المستنقعات من ارض ماحلة الى حقول ومزارع خصبة. وهذا
الانجاز لم يتحقق في سومر القديمة الواقعة بعض اراضيها في حوض الفرات الادنى ٬ إذ عادت
هذه الارض بعد زمن من الاهمال الى حالتها الطبيعية الاولى. ففي الجزء الغريني في جنوب
شرق العراق الحديث نجد ان أساليب السيطرة على المياه الى اعتمدها السومريون القدامى قبل
خمسة او ستة الآف سنة وجب البدء باصلاحها واعتمادها من جديد . ويعيد بعض المؤرخين هذا
الانجاز الرئيس للفراعنة المصريين الى قدرتهم على تنظيم حكومة مركزية فعالة حكمت مصر
من الشلال الاول حتى البحر الأبيض المتوسط .
أسهمت القدرة البشرية الكبيرة التي كانت بتصرف حكام مصر آنذاك ان تنتج من لوازم الحياة
فائضاً كبيراً لم يسبق له مثيل٬ يفيض عن الحاجات المحلية٬ فاذا بهذا الفائض يخرج مباعاً خارج
المدنية المصرية الفرعونية مما ساعد في استمرار زراعة ناشطة في مصر حتى يومنا هذا؛ 

وثانياً نطاق البلاد.
 ويعود هذا الانجاز الى سببين اثنين:
 اولاً توحيد مصر سياسياً وادارياً منذ بدء تاريخ
قيام نظام مواصلات داخلية جيد. وقد ظل هذا النظام فاعلاً حتى اختراع السكة الحديدية في القرن
التاسع عشر.
رغم ان البلاد المصرية تتعدى مساحتها المليون كيلومتر مربع فانها بأكثرها صحراء يخترقها نهر
النيل العظيم. وتقدر المساحة التي يمكن استغلالها زراعياً بخمسة بالمئة من المساحة العامة٬ وهي
تكاد تنحصر في دلتا النيل الى الشمال من القاهرة . اما في الجنوب٬ حيث مصر العليا٬ فان
الوادي يضيق الى حد كبير٬ ممتداً من اسوان وصولاً الى البحيرة الاصطناعية التي خلقها بناء
السد العالي. ورغم ضيق هذه المساحة الزراعية٬ فان مصر ظلت حتى اليوم بلداً زراعياً بشكل
عام. وتتواجد الاراضي القابلة للزرع على ضفاف نهر النيل حيث تعد الارض هناك من أخصب
المناطق الزراعية في العالم. وقد شهد العالم كيف ان زراعة القطن أدت الى تصنيع البلد في
السنوات العشرين والثلاثين من القرن الماضي . وفي الستينات من القرن الفائت حققت الصناعة
المصرية قفزة كبيرة بفضل التسهيلات التي حصلت عليها مصر من الاتحاد السوفياتي السابق.
علاقات مصر التجارية
كانت لمصر علاقات تجارية قديمة مع شبه الجزيرة العربية٬ خاصة مع اليمن التي كانت نقطة
الاتصال بين الهند ومصر منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وكان للبخور الذي تنتجه
حضرموت منذ القدم٬ دوره في جذب التجار المصريين الى اليمن التي تولت مركز الاتجار بهذه
التجارة. ومن اليمن كان البخور ينقل عبر البحر الأحمر او بطريق الحجاز ليوزع في اقطار العالم
القديم. وفي عهد لاحق٬ رأينا البطالسة٬ بعد ان استقروا في مصر٬ 
ينشؤون لهم اسطولاً في البحرالأحمر٬ 
مما اسهم في توسيع طرق التواصل التجاري المصري الى الشاطئ الافريقي الصومالي
وإلى جزيرة سومطره٬ ومن هناك كانت مصر تستورد العاج والصدف والعبيد. وتوسيعاً لتجارتهم
المزدهرة حفر البطالسة الترعة التي وصلت النيل بالبحر الاحمر٬ وأصلحوا الطريق بين قفط
الواقعة على نهر النيل وميناء برنيسي على البحر الاحمر.
الشرقية بعد احتلالهم لمصر وقرروا ركوبه ناقلين جنودهم من ارزي ينوى٬ 
قرب السويس سنرى في اللاحق من المقالات كيف استغل الرومان قيمة البحر الأحمر في التجارة الرومانية
الحديثة٬ الى لوكي كومي قرب ينبع٬ عابرين البحر الاحمر. ومشوا براً في محاولة للوصول من
هناك الى مأرب عن طريق نجران. لكن محاولتهم هذه فشلت ولم يتمكنوا من الوصول الى مأرب
فانسحبوا .

سنتحدث عن الموانئ المصرية الشمالية التي كانت السفن التجارية التي تبحر منها وتعود اليها
محملة بالبضائع٬ مثل ميناء ارزي ينوي عند رأس خليج السويس وميوس هرموس الواقعة في
منتصف الشاطئ المصري وتبعد قليلاً عن قفط القائمة على النيل وبرنسي وهي طرف الولاية
المصرية الجنوبية. اما موانئ الجنوب فكان أهمها ميناء ادونيس حيث كانت السفن المصرية تبادل
ما تحمله من قماش مصر وزجاجها وزيوت سورية وخمورها وسيوف وادوات اخرى٬ وبما
كانت تخزنه من منتوجات الحبشة واهمها العاج والجلود والاصداف والعبيد. وقد أطلق المؤرخون
على هذا الطريق اسم طريق البخور لاهمية هذه التجارة٬ فضلاً عن تجارة الزيوت والاقمشة
واللآلي والجواهر والارز والبهارات والعاج والطيوب والاصداف والفيلة. وكانت كل هذه
الاحمال تتبادلها السفن الراسية في ميناء ادونيس .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Empty
مُساهمةموضوع: رد: مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام   مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام Emptyالسبت 31 أكتوبر 2015, 6:54 am

3 – شبه الجزيرة العربية عودة إلى: الفهرست
يصعب على الباحث ان يرسم صورة واضحة للعلاقات التجارية الداخلية والخارجية في شبه
الجزيرة العربية ما قبل الاسلام . فما ظهر منها لا يعدو كونه إطاراً بالغ التعقيد يربط سكان مكة
بسكان معظم انحاء شبه الجزيرة العربية من حضر وبدو بتجارة محدودة النطاق٬ ما لبثت ان
إتسعت خلال فترة غير قصيرة٬ حتى غدت تجارة دولية يشمل نطاقها الامبراطوريتين الكبيرتين
آنذاك: الامبراطورية الساسانية والامبراطورية البيزنطية. وتظهر الصورة ان الساسانيين كانوا
أكثر ميلاً من البيزنطيين في استخدام القوة حماية لمصالحهم التجارية. ومع انهم احتلوا اليمن
حوالى 570 م و 575 م ووطدوا سيطرتهم على جانبي الخليج العربي٬ الا ان بقية انحاء الجزيرة
ظلت خارج سيطرتهم. وحاولوا استخدام انصارهم ملوك الحيرة الواقعة مملكتهم على حدودهم
الجنوبية الغربية لاخضاع ابناء القبائل المقيمة في الهضبة العربية الوسطى بالقوة٬ الا ان هذه
الخطة أظهرت ضعف مملكة الحيرة٬ وهو الأمر الذي انتهى بسقوطها. وترافق هذا السقوط مع
بلوغ مكة مستوى جديد من الثراء والقوة .
وعندما لم يكن العرب يقومون بالحروب الى جانب البيزنطيين او الساسانيين كانوا يقومون
باعمال التجارة معهم. وقد خرج الرسول نفسه في قوافل تجارية من مكة لحساب السيدة خديجة
التي أصبحت زوجه فيما بعد. ومن المرجح ان المرات التي خرج فيها النبي كانت في سنوات
السلم بين الامبراطوريتين (604 – 591 م). وبعد ان بدأ خسرو الثاني الساساني هجومه واحتلاله
الهلال الخصيب ومصر أصبحت التجارة المكية مع الامبراطورية البيزنطية مضعضعة .
كان البيزنطيون أكثر واقعية في سياستهم العربية. فقد امتنعوا عن القيام بانفسهم بأي مغامرة
عسكرية في شبه الجزيرة العربية٬ لكنهم شجعوا الاحباش٬ وهم من اتباع مذهبهم٬ لفتح اليمن نحو
سنة 525 م ومهاجمة مكة بالذات بعد ذلك بوقت قصير٬ لتأمين سيطرتهم وتطويرها على طريق
اليمن – سوريا. وبعد فشل هذه المحاولة إكتفى البيزنطيون بمد نفوذهم الى الجنوب لاقامة نظام
تابع لهم في مكة شبيه بمملكة غسان في الجنوب السوري. ولما أخفقت هذه المحاولة كانوا سعداء
بالتعامل مع مكة لضمان سير تجارتهم .
دور مكة التجاري
تقوم مكة على مرتفعات تطل على الساحل الغربي من البحر الأحمر. غير ان ثروتها المائية لم
تمكن سكانها المستقرين ان يحصلوا على قوتهم من الزراعة او حتى من رعي الحيوان. من هنا لا
يمكن التفكير بمكة آنذاك٬ أي قبل الاسلام٬ الا ضمن إطار التجارة التي أعطتها الكثير من مبررات
وجودها. فهي قد أنشئت أصلاً حول معبد ديني ولغايته. لكنها لم تلبث٬ مع تزايد الحجاج وما
يرافقه عادة من مجتلبات٬ ان أضحت حاضرة تجارية. وتم وضع نظام محكم دقيق من أشهر
"حرم" مقدسة وطقوس دينية بموافقة القبائل المجاورة ضماناً لسلامة الطريق. 
وأدى نجاح هذا
النظام الى توسع تجاري٬ آل بدوره الى إنشاء اسواق تجارية. 
وسرعان ما وسعت المنطقة المقدسة
لتشمل الاسواق التي كانت تقام في الاشهر الُحرم (الحرم والحوطة أي الأرض المقدسة في شبه
الجزيرة العربية) والتي كانت تقام بالتوافق مع موسم الحج. وكان لكل قبيلة آلهتها الخاصة. وكان
هذا الدين في البداية متوافقاً مع التجارة بحيث كان نجاح أحدهما بؤدي الى ازدهار الآخر. لكن هذا
التنوع الديني لم يمنع الحرم المكي من ان يحتل مركزاً خاصاً بالنسبة للقبائل المنتفعة من نظام مكة
التجاري. وللتدليل على ذلك دأبت القبائل المشاركة في هذا النظام على وضع رموز لآلهتها في
الكعبة٬ معبد مكة. وكان محتوماً ان يحتل آلهة مكة مكانة متقدمة في بيت الآلهة٬ فوصلت تجارتها
المحلية في النصف الاول من القرن السادس الى أعلى مراتب ازدهارها. وان كانت تجارتها
المحلية تعتمد على مكانتها الدينية فان هذه المكانة كانت جزءاً من نظام مكة التجاري .
بروز هاشم
يبرز هاشم٬ الجد الأعلى للرسول٬ الذي عاش في حوالى منتصف القرن السادس٬ في هذه المرحلة
على انه المحرك الأنشط والأفعل في تحويل تجارة مكة الى تجارة دولية .
كان الصراع في هذا الوقت القائم بين البيزنطيين والساسانيين للسيطرة على مراكز التجارة في
شبه الجزيرة العربية والطرق القائمة قد دخل مرحلة الجمود فاستفادت مكة من هذا الوضع٬
خصوصاً وانها كانت قائمة على ملتقى طرق التجارة الرئيسة٬ كما كانت لديها الخبرة والصلات
اللازمة لتوسيع تجارتها والسيطرة على هذه الطرق. ثم ان تجارتها الداخلية باتت تشكو من فائض
يحتاج الى أسواق خارجية .
وفر هاشم الظروف الملائمة لهذا التوسع وما رافقه من حاجة لتأمين رأس المال الضروري. وكان
لمكة آنذاك نظام قائم وفاعل يمكن توسيعه تسهيلاً للقيام بحجم أكبر من التجارة الدولية.
وكان قد سبق لهاشم ان ضمن من الامبراطور البيزنطي سلامة مرور تجار مكة وبضاعتهم عند
التوجه شمالاً الى سوريا٬ ورحب الامبراطور من جهته٬ بمنح هاشم هذه البراءة من غير ان يكلفه
ذلك شيئاً٬ انما طمعاً في توسيع نفوذه لدى الشخصيات القيادية في شبه الجزيرة العربية .
حصل هاشم على براءات مماثلة من حكام فارس والحبشة وتحول الى الجانب العربي. فقد كانت
سلامة قوافل مكة تعتمد على مواقف القبائل المختلفة ومنها قبائل لم تكن تسهم في نظام مكة
المحلي. فعمد هاشم الى منح هذه القبائل اسواقاً لمنتجاتها وكسباً على بضاعتها من دون ان يكلفها
ذلك شيئاً. وهكذا حمل تجار مكة معهم منتجات هذه الاسواق الى سوريا ودفعوا أثمانها وارباحها
لدى عودتهم٬ وذلك لقاء ان يضمن ابناء هذه القبائل سلامة مرور القوافل المكية عبر مناطقهم.
ولعل هذا كان الشكل لميثاق السلامة ( والمعروف بالأيلاف) الذي جرى تطبيقه على أوسع نطاق.
وكانت للأيلاف صيغ اخرى توجب دفع ضريبة او بدل من قبل القبائل التي رغبت بالاشتراك في
هذه التجارة. وكان هاشم يجمع الاموال ليتمكن من تنظيم قوة لحماية القوافل .

دور القبائل
كانت القبائل المشاركة في تجارة مكة المحلية تقر بحرمها وأشهرها الُحُرم وملزمة بالدفاع عنها.
أعلنت مكة نفسها داراً للحمس وسميت الكعبة بالحمساء.
 وضم هذا التحالف او الحمس قريشاً وتلقب هذه القبائل بالحمس٬ 
وهي كلمة توحي بالشجاعة والانضباط الديني والولاء للحرم. وهكذا
وسكان مكة والعديد من القبائل الاخرى القاطنة في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية.
منحت قريش القبائل الاخرى نصيباً من السلطة يتناسب مع قوتها وخدماتها٬ وذلك تعزيزاً لاحلاف
الحمس. وهنا يذكر بعض المؤرخين ان علاقة وثيقة جمعت بين قريش وعشائر تميم٬ حيث منحت
هذه العشائر بعض الاشراف على الاسواق في مناطقها. وذكر بعضهم ان آل تميم كانوا يسهمون
في قوات عسكرية مشتركة لحماية مكة وأسواقها. وقيل من جهة اخرى ان قريشاً اشترطت ان
تدفع العشائر نصيباً من نفقات المحافظة على النظام الذي سهل لمكة بلوغ مستوى من الثراء
والسلطة بالاشتراك مع حلفائها .
منح هاشم الفقراء نصيباً من الارباح لقاء أعمالهم او لقاء توظيف مبالغ صغيرة في تجارته. وبذلك
دشن جد النبي عملاً مشتركاً بين جميع المعنيين. وكان من شأن هذا التعاون٬ بالاضافة الى شبكة
التحالفات والاتفاقيات أن أصاب هاشم نجاحاً كبيراً وأمن الازدهار لجميع الفرقاء .
تزاحمت البطون المشتركة في "الرابطة" خارج مكة وداخلها على زيادة نصيبها من الارباح او
الى خفض ما تنوء تحته من اعباء تفرضها عليها قريش مما أدى الى حروب محلية مثل حرب
الفجار.

 وتعود أسباب هذه الحروب الى محاولة بعض العشائر المقيمة على الطرق التجارية الى

بسط سيطرتها على مناطق تعود الى عشائر اخرى. ومن جهة ثانية٬ أدى توسع التجارة الى نمو
عدد من المدن – الاسواق٬ مما زاد من ثروة السكان المستقرين ونفوذهم على حساب العشائر
البدوية المجاورة٬ ونجمت بالتالي حالة من التوتر بين العشائر المستقرة والعشائر البدوية. وذكرت
مصادر تاريخية ان التجمعات السكنية المستقرة لم تتجه فقط للسيطرة على مكة والمدينة٬ وانما
على أماكن اخرى مثل الحجر ودومة الجندل. 
وكاد هذا الوضع المتأزم داخل النظام ان يطيح بالشيكة التجارية بكاملها. 
هنا أدرك القريشيون خطورة الوضع. لكنهم لم يفعلوا شيئاً لتصحيحه الى
ان جاء الرسول ووضع اساساً أكثر عدالة للمحافظة على الحل٬ كما سنرى في بحث لاحق.


دور الرسول في التجارة في مكة
يشاركها في ذلك الكثير من غير ابناء قريش. عندها عمد الى اقتراح وسائل اكثر فاعلية ونجاحاً 
أدرك النبي ان قريشاً ليست الوحيدة في اعتمادها في معيشتها على ازدهار التجارة الخارجية٬
 بل للمحافظة على هذه التجارة وتعزيزها٬ فتقدم بوصفه شريكاً في حلف الحمس بطرح اسس أكثر
عدالة للمحافظة على الحلف. فقد كانت مكة آنذاك تتمتع بمركز ديني بارز٬ وثيق الصلة بنشاطاتها
التجارية. من هنا كان لا بد للرسول٬ وهو يشجع انصاره على عدم اهمال شؤونهم الدنيوية٬ من
دعوة الناس الى الاعتدال٬ مذكراً اياهم بوجوب العمل للنجاح في دنياهم بقدر العمل للخلاص في
الآخرة .

دعا النبي قريشاً بالحاح الى اصلاح اوضاعها. فما كان يجري في مكة من سعي في سبيل الثروة
المفرطة وحرمان الضعفاء والفقراء٬ أمور شريرة ضارة٬ رفضها الرسول وحث أقاربه الى
الاهتمام بانسبائهم الفقراء والاهتمام باحوال اليتامى والبذل للمعوزين. وطالب بقيام تعاون وثيق
وشريف بين الاغنياء والفقراء. والدعوة هذه كانت الحجر الاساس في رسالة النبي. واذا ما قام هذا
التعاون داخل مكة٬ أصبح تطبيقه بين ابناء الرابطة كلهم أمراً سهلاً. غير ان هذا الأمر يتطلب من
اثرياء قريش تضحية لم يرضوا بها. وظل النبي طوال ثلاث عشرة سنة يواصل دعوته هذه
لاقاربه القريشيين رغم الصعوبات الكثيرة والكبيرة. واعقب ذلك نشؤ حروب اقتصادية بين
مؤيديه والبقية من قريش وأعلن الاغنياء مقاطعة اقتصادية لابناء عائلته٬ فأوفد عدداً من أنصاره
الى الحبشة لحمايتهم ولانشاء علاقات تجارية مستقلة هناك .

عمد الرسول الى التفتيش عن دعم خارجي يتحدى به مكة. فتوجه في بادىء الأمر الى بني ثقيف
في الطائف٬ وكانوا شركاء في التجارة المكية. وكان اختياره لبني ثقيف مثاراً للدهشة٬ ذلك لأنه
كان من الصعب توقع مساعدة جدية من بني ثقيف لمواجهة مكة. وكان ان فشلت محاولته هذه
وقاومه غوغاء الناس أثناء رحلته الى الطائف. وقام بمحاولة مماثلة لايجاد دعم له في بطون
القبائل التي قصدت مكة للتجارة ايام الحج٬ لكن محاولته لم تؤت ثمارها .

دور الرسول في التجارة في المدينة
ساءت أوضاع الرسول في مكة وجاءه الخلاص من المدينة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان أهل
المدينة لم يكونوا شركاء نشيطين في تجارة مكة او احلافها. يضاف الى ذلك انه كان للمدينة
مشاكلها الخاصة. فقد كان سكانها غير متجانسين٬ وكان التوتر سائداً بين الجماعتين: اليهودية
وغير اليهودية من سكانها. وكان غير اليهود٬ أي الأوس والخزرج٬ يتنافسون من اجل السيطرة
على المدينة ومواردها التي كان القسم الاكبر منها في ايدي اليهود كما ان يهود المدينة كانت لهم
علاقات تجارية مع المجموعات اليهودية الاخرى في شبه الجزيرة العربية. وهذا ما يفسر غياب
اي عمليات تجارية كبيرة بين مكة والمدينة .

كانت أقلية صغيرة من اهل المدينة قد اعتنقت الدين الجديد. وقد تمكنت هذه الاقلية ان تقنع
الآخرين بدعوة الرسول. غير ان الدعوة لم تقابل بحماس من قبل اليهود٬ كما ان آخرين قابلوها
بالمقاومة العلنية. فما الدافع الذي وقف وراء هذا التصرف؟.

إن العامل الأساس الذي هيمن على السياسة آنذاك كان تجارة مكة. وهذا ما دعا بأهل المدينة
للترحيب بالنبي وصحبه وقبلوا في صفوفهم نحو سبعين شخصاً من مؤيديه المكيين وتعهدوا بتقديم
ما يلزمهم من نفقات. إنهم بذلك كانوا يحصلون على الخبرة المكية وعلى قائد سبق ان أسهم بنشاط
في تجارة مكة. وقد عرف أنذاك بالأمين. 
يضاف الى ذلك ان الرسول كان على صلة شخصية بنظام الاحلاف المكية.
 ثم ان امكاناته التنظيمية٬ إضافة الى خبرته التجارية٬ صفات لا تقدر بثمن


جرت مساومات طويلة شاقة سبقت انتقال الرسول الى المدينة وبلغت ذروتها فيما يدعى
"الصحيفة" ٬ بحيث وضعت اسس الرابطة الجديدة المعروفة لدينا "بالأمة" . 
وقد شملت الامة كل

مجموعة قبلت التعاون على أساس المشروع الجديد. ولم يجبر اعضاء الرابطة الجديدة على
اعتناق الدين الجديد. كل ما طلب منهم هو الاعتراف بسلطة الرسول. وطالب الرسول بسلطة
واسعة فمنح ما طلب. وعلى هذا الاساس انضم اليهود الذين كانوا أكثر اعضاء " الامة" ثراء الى
الاتفاقية ولو بشيء من التحفظ والتردد.

لم تشر "الصحيفة" الى أي اتفاقية تجارية لأن ذلك كان مسلماً به من قبل المتعاقدين. إلا انها
حددت شروطاً تتناول عقد معاهدات مع المجموعات الخارجية .

التجارة سبب الخلاف بين مكة والمدينة
كانت قريش تراقب نشاطات الرسول الجارية في المدينة. فاعلان الرسول المدينة حرماً كان أفعل
دليل على قيام مركز جديد للتجارة. ولعلها٬ أي قريش٬ كانت تقبل بها لو ان المنافسين الجدد
اقتصروا على الممارسات التجارية العادية.
 فقد كانت مهاجمة القوافل التجارية في شبه الجزيرة  العربية خطراً معروفاً 
الا اذا عقدت اتفاقات خاصة مع القبائل المقيمة على الطرق التجارية الرئيسة. 

ومثل هذه الاتفاقية لم تكن قد عقدت بعد بين مكة والمدينة قبل انتقال الرسول اليها. 
فكان البدء بمهاجمة القوافل المكية اعلاناً عن رغبة الرسول الى مثل هذا الاتفاق.
 وكان المكيون يعلمون ان شروط الرسول لعقد الاتفاق لن تكون مقبولة لديهم. 
وسرعان ما تدهور الصراع الى حرب فعلية. 
فقد صمم المكيون ان يقضوا على كل ما يهدد قوتهم الاقتصادية٬ لا سيما بعد ان ظهر أثر
مهاجمة المدينة للطرق المؤدية الى أهم أسواق مكة في الشمال .

أدى هذا الوضع الى نشؤ توتر داخل المدينة وخارجها.
 فقد شعر بعض أهل المدينة الذين لم يوافقوا على المشروع منذ البداية
 ان اندلاع الحرب مع مكة سينزل بتجارتهم ضرراً شديداً٬ كما شعر
الكثيرون من اهل المدينة انهم غير قادرين على تحمل أوزار هجوم شامل من قبل المكيين
وحلفائهم. ثم ان يهود المدينة رأوا ان انهيار العلاقات مع المكيين لا بد ان يؤثر على تجارتهم مع
حلفاء مكة٬ كالطائف مثلاً حيث كان يقوم مركز تجاري يهودي نشيط .

شعر الرسول ان تعطيل تجارة مكة سيعزز حتماً٬ عن غير قصد٬ شبكة التجارة اليهودية. كما انه
أدرك ان انضمام يهود المدينة الى "الامة" مناقض لمصالحها الاساسية. فكان لا بد من فصلهم.
ورغم ان التجارة اليهودية لم تتوقف٬ ورغم ان بني قينقاع الذين كانوا شديدي الصلة بالتجارة في
المدينة٬ التحقوا برفاقهم اليهود في الشمال٬ فان اليهود انضموا علناً الى اعداء الرسول. فما كان
من الرسول الا ان تصرف بحزم وبسرعة فقطع علاقة اليهود بالمدينة وابيد من بقي منهم هناك.
توقفت في هذه الاثناء التجارة المكية. وركز المكيون جهودهم على هزيمة الرسول ليتمكنوا من
معاودة تجارتهم بصورة مألوفة فحركوا حلفاءهم ووجهوا اعظم هجوم لهم على المدينة.
 وجاء بشروط النبي.
 وكان النبي يدرك قيمة صلات المكيين ومهارتهم التجارية٬ 
فقرر احتلال مكة سلمياً فشل هذه المحاولة في معركة الخندق نصراً كبيراً للرسول. 
ولم يمض وقت طويل حتى قبلت مكة منعاً لاذلال أهلها واحياء تجارتهم المتوقفة. 
ونجحت محاولته باستمالة خصوم الامس وقبلوا اعضاء معززين في " الامة".

كان استسلام مكة نصراً كبيراً للنبي. لكنه سرعان ما وجد نفسه مضطراً للدفاع عن قريش في
وجه اولئك الذين كانوا حلفاءه في الامس. وما ان انتشرت اخبار هذا النصر في شبه الجزيرة
العربية حتى توافدت القبائل القوية الى المدينة لعقد الاتفاقات مع الرسول. وكانت شروطه قد
صارت الآن أشد قسوة . فلم يكن اعتناق الإسلام في البداية شرطاً ملزماً للانتساب الى الامة. 
اما الآن فان اعتناق الاسلام لم يعد الشرط الوحيد وانما صار لا بد من دفع ضريبة الزكاة . 
وكانت هذه الضريبة تفرض قبلاً على بعض القبائل لقاء الاشتراك في تجارة مكة. 
وكانت قبيلة حنيفة هي القبيلة التي رفضت الشرطين معاً .

أدت النزاعات التي جرت في شبه الجزيرة العربية الى وقف التجارة. وكان على الرسول ان يتخذ
التدابير اللازمة لاعادة الحياة اليها. وكان عليه ان يقنع الدول الاجنبية انه يسيطر على الطرق
التجارية ويستطيع حمايتها. وعلى هذا الاساس أوفد حملات عبر الطرق الشمالية للتأثير على
السلطات البيزنطية وعلى القبائل العربية المنتشرة على الحدود السورية .
تمكن الرسول في أقل من عشر سنوات من انشاء جهاز شبكة تجارية عظيم يمكن ان يفوق
المراكز السابقة في شبه الجزيرة العربية٬ غير انه لم يتيسر له الوقت الكافي لقطف ثمار جهوده.
وكان على خلفائه ان يكملوا العمل وان ينشئوا٬ بقصد او بغير قصد٬ امبراطورية كبيرة بعد وفاته
بزمن غير بعيد 
أسس محمد الرسول ديناً يجسد التعاون في جميع معتقداته. 
اما محمد القائد فقد أنشأ مجتمعاً يقوم
على التعاون في ميدان العلاقات البشرية. ولم يلغ هذا المجتمع الاشكال والتقاليد العربية. هكذا
ظلت القبيلة اساس الوحدة الاجتماعية ولو انها كادت تذوب كلياً في بناء "الامة" الفوقي. فمواثيق
الايلاف واحلاف الحمس٬ بما فيها من مضامين تجارية ودينية٬ حل محلها الاسلام حيث ينتمي
جميع الاعضاء الى هيئة واحدةعلى قدم المساواة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مدخل الى العصور القديمة 1 – بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث اقتصادية :: التجارة في المنطقة العربية خلال العصور-
انتقل الى: