[rtl]مافيا النفايات في الأردن تتحدّى الجميع[/rtl]
[rtl]
التاريخ:6/11/2015 - الوقت: 5:52م[/rtl]
روائح كريهة تنبعث طوال النهار، وسحب من الدخان المتصاعد من النفايات المحترقة تغطي السماء ليلا، مشهد مشترك في العديد من مكاب النفايات غير القانونية في الأردن، وخلف هذا المشهد تختفي "مافيا" تعمل على فرز النفايات وإعادة بيعها في الأسواق مجددا، بما فيها المواد الغذائية الفاسدة.
قصص يتناقلها السكان بغضب شديد بسبب هذه المكبات التي تديرها "عصابات مسلحة" تشتري النفايات من "الضاغطات" التي تجمع النفايات، وتفرزها ومن ثم تعيد بيعها، وحرق ما تبقى منها التي تشكل "كارثة بيئية حقيقية تهدد صحتهم وسلامتهم وأمنهم"، دون أن تبادر أي من الجهات المعنية إلى وضع حد لهذه النشاطات، بل يقابلها نفي رسمي"دائم".
ولأن العمل بتدوير النفايات وجمع الخردوات مهنة "وضيعة" في مجتمع قبلي، فقد أجبر العوز والفقر الشديدان بعض الأفراد للانخراط فيه على خجل، وعرفوا في الأردن لعقود طويلة بـ"نابشي الحاويات".
إلا أن تزايد عدد السكان وتغيّر أنماط الاستهلاك في السنوات العشر الماضية، أديا إلى تزايد كميات ونوعيات النفايات الصلبة، ما جعل من عمل تجار النفايات أكثر تنظيما، واتساعا، وخروجا عن القانون، ليوصف عملهم بأنه "بئر نفط" در عليهم ثروة طائلة.
ويقول السكان إن المكاب غير القانونية هي أراض شاسعة بعضها كان مساحات خضراء شكلت متنفسا للعديد من الأسر الأردنية، يتم اختيارها من "مافيا" نبش النفايات لطرح آلاف أطنان النفايات الصلبة لفرزها وبيعها، ومن ثم حرق ما تبقى منها، وعادة ما يقع الاختيار على الأرض إما لوجود كثافة سكانية تضمن لها مئات أطنان النفايات يوميا، أو لأن الضاغطات تعبرها في طريقها إلى المكاب القانونية.
وأوضحوا أن هذه "المافيات" تتفق مع بعض سائقي الضاغطات لتفريغ حمولاتها مقابل أجر مالي يتراوح بين 10 و20 دينارا أردنيا للحمولة الواحدة، والسعر تحدده المنطقة التي جمعت النفايات منها، فقمامة المناطق الراقية تباع بسعر يفوق أسعار قمامة المناطق الشعبية بأضعاف.
ويصف أحد السكان، يدعى عامر محمد مشهد، يقطن أمام مكب غير قانوني في إحدى المدن الأردنية، الأمر بقوله: تقف سيارة دفع رباعي فارهة، صنّفت من بين أغلى 10 سيارات رباعية الدفع في العام 2014، ويترجل منها شاب ثلاثيني يقوم بالإيعاز لمجموعة ترافقه بتقسيم المكب إلى حظائر، وهو تقسيم يهدف إلى طرح النفايات بحسب المنطقة القادمة منها بانتظار وصول الضاغطات.
ويضيف: ما أن تقوم الضاغطات بتفريغ حمولتها، حتى يبدأ عمل مجموعات "النبّيشة" في فرزها، ومن ثم تحميلها في مركبات شحن متوسطة تمهيدا لإعادة تدويرها، فالحديد إلى مصانع الحديد، والبلاستيك إلى مصانع البلاستيك، والمواد الغذائية إلى الباعة المتخصصين بالاتجار بالمواد الفاسدة، وبواسطتهم تجد طريقها إلى معدة المواطن الأردني.
وبعد أن ينتهي "النبيشة" من فرز وتحميل النفايات، يقومون بسكب مادة بترولية على ما تبقى من النفايات وإشعال النار فيها، ومن ثم يحصلون على أجرهم اليومي من "متزعّمي" المكب.
في مدينة الرصيفة، 13 كيلومترا شرقي العاصمة، تحوّلت قطعة أرض مساحتها 91 مترا إلى مكب غير قانوني لحرق النفايات الصلبة يتوسط مناطق سكينة، محوّلة حياتهم إلى جحيم، إذ لم يعد بمقدورهم فتح نوافذهم بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات نهارا، أو بسبب الغازات الناتجة عن إشعال النيران فيها ليلا، إضافة إلى اجتذاب المكب الجديد للحشرات والقوارض والكلاب الضالة، وهي قضية تشكل وحدها مصدر قلق للسكان، موضحين أن قطعة الأرض كانت قبل عقود مساحة خضراء أسهمت بتلطيف وتنقية الأجواء وأعطت منظرا جميلا للمنطقة.
ولأن السكان لم يكونوا على علم بطبيعة النشاط الذي تمارسه "مافيا" النفايات، فقد أرجعوا الأمر إلى إهمال البلدية، و"استقرابا" للمسافة، و"توفيرا" للكلفة بدلا من نقلها إلى مكب النفايات في المدينة المجاورة.
غير أن قضية مشابهة أثيرت أخيرا في مدينة الزرقاء (20 كيلومتراً شرقي العاصمة عمان)، كشفت عن وجود نشاط لعصابات مسلحة تدير مكبّا غير قانوني يبعد 7 كيلومترات عن مكب قانوني.
وتحدث السكان، خلال لقاء نظموه في المنطقة قبل أسبوعين بوجود "العربي الجديد"، عن كارثة بيئية حقيقية تهدد المنطقة وسكانها البالغ عددهم زهاء 100 ألف، ولا تلقي لها الجهات المعنية بالا، بل وتتعامل معها بسطحية، رغم تقدم السكان بعشرات المذكرات الخطية تشرح المشكلة وتطالب بوضع حد لها.
وطالب النائب الأردني السابق، منصور سيف الدين مراد، خلال اللقاء، الحكومة الأردنية بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات المكب غير القانوني، وإعلان نتائج التحقيق على الرأي العام.
وقال إمام مسجد المنطقة عبد السلام عساف، إنه لم يعد بمقدور السكان تحمّل الروائح الكريهة التي تفوح من تخمّر النفايات أو الغازات المنبعثة من حرقها، وأقسم أنه لم يفتح أي نافذة من نوافذ المسجد طوال الأشهر الأربعة الماضية.
وقال رئيس بلدية الزرقاء، المهندس عماد المومني، إن البلدية أوقفت أخيرا زهاء 15 سائق ضاغطة نفايات لقيامهم بتفريغ الحمولة قبل وصولها إلى المكب القانوني، لكنه نفى علمه بوجود عصابات مسلحة تجبر سائقي الضاغطات على تفريغها، لأن "هذا الأمر من اختصاص الأجهزة الأمنية وليس البلدية".
وأرجع المومني إثارة الموضوع في الوقت الحالي إلى اقتراب موعد الانتخابات النيابية في الأردن، قائلا: "من يثيرون هذه القضية لهم أجندات انتخابية ويريدون الاستفادة من هذا الموضوع".
وقال مصدر أمني إن الأجهزة الأمنية قامت بتتبّع ملاحظات وشكاوى عن وجود أشخاص مسلحين يديرون مكبّا غير قانوني، إلا أعمال البحث والتحري أظهرت عدم دقة المعلومات الواردة.
وتداول الأردنيون، الأسبوع الماضي، شريط فيديو يظهر فيه تهريب كابسة نفايات تابعة لأمانة العاصمة لحوماً تالفة، يتم تحميلها في حافلة نقل متوسطة خاصة.
وكان مسؤول محلي في وزارة الداخلية الأردنية أطلق تحذيرات متكررة من نشاط "مافيوي"، بقوله إن من بين ألفي طن من المواد الغذائية الفاسدة التي يتم ضبطها وتحويلها إلى مكب النفايات تتلف منها فقط 60 طنا، فيما تعمل "مافيا" على إعادة الباقي إلى الأسواق وبيعه مجددا.
(العربي الجديد)