الأصولية اليهودية الصهيونية
الخميس 12 تشرين الثاني / نوفمبر 2015
د.أحمد جميل عزم
أصدر سبعون حاخاما وعاملا في حقل التعليم الديني اليهودي بيانا، أو عريضة، وُقّعت ووجهت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي باراك أوباما، يعلنون فيها أنّ الترتيبات الحالية للصلاة في المسجد الأقصى (أو جبل الهيكل بحسب التسمية اليهودية-الصهيونية) مؤقتة، وأنّ هذه المنطقة مقدسة لليهود بما لا يقل عن ألف عام قبل وجود الإسلام. وهذا الموقف في حقيقته نوع من إعادة تفسير الشريعة اليهودية، وتقديم تفسير جديد يخدم المصالح السياسية الحالية للتيار الديني اليهودي، ويعكس موازين القوى الجديدة، التي تتضمن تفوقا يهوديا.
فالموقف التقليدي الشرعي اليهودي، هو أنّ منطقة الهيكل (بغض النظر عن حقيقة رفض المسلمين والعرب للزعم التاريخي وعدم تطابق الروايات التاريخية مع الدراسات الأثرية)، تعتبر منطقة محرمة على اليهود، لا يجوز دخولها، لأنّ مكان قدس الأقداس، الذي يشكل الجزء الأساسي من الهيكل المزعوم، لم يعد معروفا، وبالتالي يمكن أن يتم المرور فوقه، والدوس عليه، وهذا مخالف للشريعة اليهودية، ولقواعد الطهارة ومفهومها كما طورها علماء الدين اليهود؛ وأنّ هناك إشارات سماوية لا بد من انتظارها لحدوث الطهارة، ولظهور المسيح، قبل أن يكون ممكنا بناء الهيكل أو إقامة دولة يهودية.
كان ذلك الموقف يعكس في جزء أساسي منه موازين القوى السابقة. ففي عصر كان اليهود ممنوعين من دخول القدس وفلسطين (منذ ما قبل ظهور الإسلام)، كان مثل هذا الموقف مريحاً، يعفي اليهود من محاولة القتال أو العمل لإقامة هيكل أو دولة، ويساعد على التعايش مع حالة العجز في مواجهة من يسيطر على المنطقة. وساعد هذا الموقف الشرعي اليهودي في عدم المطالبة جديا بهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وتغيير الوضع الراهن الحالي.
هذا الموقف لا ينسجم مع الصهاينة العلمانيين، أو الصهاينة المتدينين الذين يريدون تجسيد الدولة اليهودية، ومظاهر قوتها وجبروتها، بما في ذلك رموز دينية وتاريخية مثل بناء الهيكل.
تاريخياً، تحايل الصهاينة المتدينون على رفض المتدينين الأصوليين لإنشاء دولة لليهود، بالقول في القرن التاسع عشر، إنه لا بد من كيان وحركة صهيونية قومية تقوم بالتحضير لظهور المسيح والدولة اليهودية بعد ذلك، وكان ذلك نوعا من التخريجات الدينية البراغماتية.
الآن، لا يستطيع حاخامات التيار الديني الرسمي الأصولي اليهودي القول إنه يجب بناء الهيكل، لأن هذا سيتناقض مع مواقف تم التعبير عنها وتبنيها مطولا. لكن الرسالة الأخيرة هي تخريجة مختلفة، وهي ذات معنى سياسي خطير؛ فكأن الرسالة تقول إذا كان اليهود ممنوعين من الصلاة بحكم الشرع اليهودي في تلك المنطقة، فإن هذا مؤقت. وربما يكون هذا الموقف غير جديد حقاً، وهو موجود ضمنا في الحكم الشرعي السابق، لكن التركيز عليه وإعلانه برسائل سياسية وإعلامية، يعني ببساطة أنّ عدم مراجعة الموقف الأصولي من دخول اليهود للمنطقة، لا يعني بالضرورة الاستمرار في السكوت بشأن دخول المسلمين هناك، أو التسليم باستمرار الوضع الراهن.
لقد تبنى التيار الأصولي اليهودي سياسة الصمت، وغض النظر، عن أمور كثيرة بدأت بتأسيس إسرائيل كدولة، وعدم إثارة الحكم الشرعي بشأن هذا التأسيس، مقابل مكاسب اجتماعية واقتصادية حققتها الطوائف والأحزاب اليهودية الأصولية. وهناك شبه صمت على دخول السياسيين الصهاينة لمنطقة الحرم الشريف، رغم مخالفة هذا للشريعة اليهودية، وهذا لئلا يتم تأليب الرأي العام الإسرائيلي ضدهم، ولكي لا تخسر أحزابهم أصوات الإسرائيليين المؤيدين لتجسيد التفوق الحالي في موازين القوى لصالح إسرائيل عبر إجراءات على الأرض تغيّر من الواقع الراهن.
الآن، مثل هذه الفتوى والمواقف تساعد وتمهد لفكرة قوامها أنّ انتظار إشارات إلهية لحين إقامة الصلاة والهيكل في المنطقة، لا يتعارض مع مخططات قد تسعى إلى منع غير اليهود من دخول المكان والصلاة فيه.
مثل هذه التحولات تؤكد فكرة أنّ القبول بحلول جزئية وتسويات مؤقتة في موضوع القدس، قد يجرّ لاحقاً الكثير من التبعات والتطورات التي تخرج عن السيطرة.