نتنياهو وإيران… وانكشف المستور!.
نجاح محمد علي
NOVEMBER 14, 2015
«خطأ تاريخي».. هكذا وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاتفاق الذي توصلت له القوى العالمية الكبرى مع إيران، في شهر تموز/يوليو المنصرم، مؤكدًا أنه سيبذل كل جهوده، من أجل إحباط ماسماها «طموحات إيران النووية». إلا أن رغبة نتنياهو الحقيقية اتضحت بعد زيارته الأخيرة لواشنطن، عندما تحدث للمرة الأولى عن الخطوة الواجب اتباعها بعد الاتفاق النووي.
صحيح أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن، يحرص فيها أن تكون كسابقاتها، أي في سياق الترويج لخطر نظام الجمهورية الإسلامية في إيران على إسرائيل والمنطقة، إلا أن ما خفي كان أعظم.
إيران لم تكترث هذه المرة للزيارة وتجاهلت وسائل الإعلام التطرق لها سواء المقربة من التيارين المحافظ والاصلاحي، أو حتى وسائل إعلام الحكومة الرسمية التي أبرمت الاتفاق النووي ماعدا ترجمة ما تنشره الوكالات العالمية عنها عدا موقع «مشرق نيوز» المقرب من الأجهزة الأمنية التي وضعت الزيارة في إطار «الاستجداء بذريعة إيران فوبيا».
فالصحف الإيرانية المقربة من التيار المحافظ خصوصاً المعارضين للصفقة النووية مع الغرب، كانت كتبت أثناء تلك المفاوضات الماراثونية أن إسرائيل كانت حاضرة فيها، ولم تنم عنها عين حراستها، وأن تصريحات نتنياهو المعارضة آنذاك لم تكن سوى «ضجة إعلامية» بعضها كان لأغراض انتخابية، والآخر لتسويق الشروط الأمريكية والغربية في المفاوضات، وفرضها على الفريق الإيراني المفاوض.
ويندي شيرمان
كان الإيرانيون المعارضون للاتفاق النووي يستنكرون على الفريق الإيراني المفاوض جلوسه وجها لوجه مع ويندي شيرمان، كبيرة مفاوضي الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمسؤولة رقم 3 في وزارة الخارجية الأمريكية.
فهذه السيّدة التي كسبت ثقة اثنين من رؤساء البيت الأبيض، استطاعت أن تكون جزءاً مهما من المفاوضات مع إيران بسبب أصولها اليهودية وما سببه ذلك من حساسية لدى متشددي إيران، وبرغم الانتقادات الكثيرة التي طالتها، إلا أنها نجحت بشكل لافت في كسب ثقة المفاوضين الإيرانيين واستطاعت إتمام المهمة الموكلة لها.
لكن ويندي شيرمان لم تكن «متراخية أو ناعمة خلال المفاوضات» التي شهدت مطبات كثيرة وتهديدا من الطرف الإيراني بالانسحاب. وقد أثارت جملة تصريحات أطلقتها غضب الإيرانيين واستيائهم من المعسكرين المعارض والموافق، أبرزها عندما عبرّت عن صعوبة التفاوض مع الإيرانيين بالقول أن «الخداع جزء من جيناتهم» وذلك خلال جلسات استماع في الكونغرس في تشرين الاول/أكتوبر 2013.
حينذاك عبّر مجلس الشورى الإسلامي «البرلمان» الذي يهيمن عليه إصوليو إيران، عن استيائه من تصريحات شيرمان واصفاً ما قالته بـ «السخيف». ولم يكتفِ مجلس الشورى بذلك بل طالب الرئيس روحاني باتخاذ موقف حازم وجاد، وورد في نص بيان الرد أن «الإساءات التي وجهتها المسؤولة الأمريكية تكشف النزعة الأمريكية الاستكبارية والشريرة».
حتى الموافقين الإيرانيين فانهم لم يخفوا إمتعاضهم، وأعلنوا لأول مرة أن ويندي شيرمان إنما «تنفذ الإرادة الصهيونية ليس فقط لأنها يهودية، بل لأنها تمثل الكيان الصهيوني في المفاوضات».
وتنتمي ويندي شيرمان إلى عائلة يهودية غنية ومهمة في نيويورك، ورغم عدم وجود أي مؤشرات تشير إلى عدم اطمئنان الإسرائيليين لدورها في المفاوضات، فأن أحداً لم يتحدث علناً عن ذلك ما يفسّر رغبة أوباما بأن تقوم شيرمان بطمأنة اللوبي اليهودي في واشنطن، ومن ثمّ إطلاع إسرائيل بشكل دوري على مراحل المفاوضات، وتجسّد ذلك في لقاءاتها المستمرة مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين.
نعم كانت شيرمان تتواصل مع الإسرائيليين، وكان يهود إسرائيل يعتزون بها دون أن يطعنوا في دورها خلال المفاوضات مع إيران، وكأنهم تركوا لها حرية «خداعهم» كما أشار بعض المتشددين الإيرانيين، عندما إستندوا إلى تقرير نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية وضعت فيه شيرمان في أعلى قائمة أهم اليهود خلال عام 2014.
«كلنا رابحون»
كما أن «ويندي» وهو الاسم الذي كان يناديها به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قالت في أحد المؤتمرات اليهودية في واشنطن: «أحس بالفخر لأني أنتمي إلى الجالية اليهودية الأمريكية، وأود أن أنقل لكم أن الرئيس أوباما يحس بالفخر لعلاقاته القوية مع اليهود، ومع إسرائيل»، كانت لا تألو جهداً لردم أي فجوة قد تنال من صورة أوباما لدى إسرائيل، ولطالما أكدت للإسرائيليين «أن الوصول إلى حل مع إيران يحد من قدرتها على إنتاج السلاح النووي أفضل من عدمه».
وبرغم كل إدعاءات نتنياهو»الإعلامية» أنه لم يكن يعرف تفاصيل المفاوضات النووية مع إيران، سرَّب متشددو التيار المحافظ من حلقة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الضيقة، أن ويندي شيرمان نقلت إلى إسرائيل تفاصيل الجلسة السرية الأولى التي مهدت للمفاوضات بُعيد تسلم الرئيس المعتدل حسن روحاني منصبه، وعقدت في مسقط اجتماعا في آب/أغسطس 2013 بوساطة عُمانية، ضمت إيرانيين وأمريكيين، وتم التفاهم فيه على أن يطلق الجانبان حوارا لحل كل الملفات وأن تكون البداية من الملف النووي، وان تكون الملفات منفصلة لضمان نجاح المفاوضات.
وحتى سلفها وليام بيرنز، الذي لعب دورا أساسيا في الدبلوماسية السرية مع إيران في عام 2013 وأدت في نهاية المطاف إلى مفاوضات رسمية، قال إن شيرمان كانت دائمة التأكد من عدم وجود ثغرات خلال مسار المفاوضات.
هذا الحرص على عدم وجود ثغرات، قابله الرئيس الإيراني حسن روحاني بمعادلته الشهيرة التي دخل فيها المفاوضات النووية «ربح ربح» ولم يستثن منها إسرائيل خصوصاً وان الاتفاق النووي ضمن أن يكون البرنامج النووي الإيراني من دون أنياب يخشاها نتنياهو. وقد أشار إلى «ضجيج نتنياهو الإعلامي» حول النووي الإيراني آنذاك، رئيس المعارضة الإسرائيلية، ورئيس المعسكر الصهيوني يتسحاق هرتسوغ عندما عقَّب على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي ألقاه، خلال زيارته التي سبقت الاتفاق النووي، أمام الكونغرس الأمريكي، بأنه «لن يؤثر على موقف الإدارة الأمريكية من الاتفاق المتبلور مع إيران».
فزَّاعة
كان البيت الأبيض أعلن في بيان أن محور المباحثات الثنائية بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي تتمحور حول مباحثات السلام مع الجانب الفلسطيني والأوضاع في الضفة الغربية بعد أحداث العنف التي شهدتها مؤخرا، كما أن مباحثاتهما ستشمل «كيفية تنفيذ الإتفاق النووي والإجراءات الرادعة لنشاطات إيران المزعزعة للإستقرار في المنطقة» ما يعني أن أوباما يعتبر الملف الـــنــووي الإيراني أغلق بتوقيع الاتفاق الأخير وهو الحلــقة الأولى والأقوى من صفقة شاملة بدايتها حل أزمة الملف النووي، والتفاهم على مشاركة إيران بفاعلية في حل باقي الأزمات الاقليمية وعلى رأسها الأزمة السورية».
لقد سعى نتنياهو خلال زياراته السابقة لواشنطن جاهدا لعرقلة مسار المباحثات النووية مع إيران إلا أن أوباما صدم نتنياهو عندما تجنب في كل مرة دعوته للبيت الأبيض معتبرا ذلك غير مجد في الوقت الذي تخوض الولايات المتحدة مباحثات حول برنامجها النووي مع إيران وقد تفشل.
والآن وبعد أن أقر أوباما الاتفاق، فلم يتبق لنتنياهو غير «إستجداء تعويضات مالية كبيرة للتسليح» وهو التعبير المهذب الذي افتتح به «مشرق نيوز» تقريره الوحيد عن زيارته لإسرائيل، مؤكدا أن خلافه مع أوباما «أزمة مفتعلة، وأن هناك تنسيقا على مستوى عال جدا بين الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية خلال فترة المفاوضات وبعدها» واصفًا الأحداث كلها بـ»الصفقة».
وأجمعت باقي وسائل الإعلام الإيرانية على أن «الكيان الصهيوني كان يعارض الاتفاق النووي ليس رفضا، لكن من أجل توجيه الرأي العام الإسرائيلي، ليشعروا بوجود (فزاعة) دائمًا، بأن إيران تريد الوصول إلى السلاح النووي لتدمير إسرائيل».
الود المفقود
في تلك الفترة أثارت تصريحات ران بارتز المرشح السابق لإدارة المكتب الإعلامي لحكومة نتنياهو إمتعاض الإدارة الأمريكية وغضبها عندما إتهم جون كيري وأوباما بمعاداة السامية وسخر منهم في بعض تعليقاته في وسائل التواصل الاجتماعي. الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية للطلب من نتنياهو إبعاد بارتز من أي تشكيل حكومي.
وكان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء إلقائه خطابا أمام تجمع يهودي إنتقد بشدة تصريحات ران بارتز.
وأثار إنتشار حوار دار في 2011 بين أوباما والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حينها الكثير من المشاكل عندما قال ساركوزي: لم أعد أطيق نتنياهو، فهو شخص كاذب. ورد أوباما عليه قائلا: أنت تتناول فقط معه الطعام أنا أتعامل معه أكثر منك.
وقد يكون هذا كله من الخلافات السياسية بين الديمقراطيين في واشنطن واليمين المتطرف في تل أبيب أو ما تتحمله الولايات المتحدة في دعمها اللا متناهي لإسرائيل في سياساتها الخارجية أو دعم نتنياهو لخصم أوباما اللدود في الانتخابات الرئاسية السابقة ميت رامني، فأيا ما تكون الأسباب وراء تلك الخلافات، إلا أنه لم يعد الأمر خافيا على أحد على مدى الثمان سنوات الماضية بأن أوباما كان غير مرتاح من نتنياهو. وهذا ما دفع أوباما مرارا إلى التهرب من أي لقاء قد يجمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف الذي يعتبر نفسه دائـمــا على حق والجميع يقفون بجانب الباطل.
وحتى حين يزور أوباما القاهرة يعود إلى واشنطن مباشرة رغم توقع الجانب الإسرائيلي زيارته للقدس. كما أن أوباما تعمد إخفاء المعلومات السرية المتعلقة بالمباحثات النووية الإيرانية عن الجانب الإسرائيلي وهذا حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة، لكنه غض الطرف عن التسريبات التي كانت تقوم بها ويندي شيرمان.
لكن موقع «مشرق نيوز» يؤكد أن هذا لا يعني تجاهل إسرائيل في سياسات أمريكا الخارجية «وقد شهدنا أكثر من مرة تأكيد الرئيس الأمريكي ونائبه على أهمية أمن إسرائيل لواشنطن؛ فهذه سياسة أمريكية عامة يتبعها النظام السياسي الأمريكي وليس لها أي علاقة بالحكومة الحالية، وأن الإختلاف يكمن في طريقة تنفيذها وبحسب رؤى كل رئيس وسياساته في أن يطبقها عن طريق خوض الحروب أو المباحثات السلمية. وهذا قد ما يميز أوباما عن نتنياهو».
مكاسب
أخيرا ما يمكن قوله إيرانياً عن زيارة نتنياهو أنها أقرت بأن «الجمهورية الإسلامية» تخلصت من التهديد الإسرائيلي المتكرر بضرب منشآتها النووية، وأن الخيار العسكري الذي طالما هدد نتنياهو باللجوء له للتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية، بات في مهب الريح، ما يخفف من أعباء ميزانيتها الدفاعية والأمنية، وأن إسرائيل التي ترفض إيران مشاركتها في أي ترتيبات تنفيذ الاتفاق النووي، ستكون حاضرة عبر خبراء أمريكيين وغربيين، بإسلوب ويندي شيرمان نفسه، ولو كره الإيرانيون!.
نجاح محمد علي