تركيا في عهد أردوغان.. من دولة مقيدة بديون وسياسات البنك الدولي إلى رئاسة «قمة العشرين»
إسماعيل جمال
NOVEMBER 14, 2015
إسطنبول ـ «القدس العربي»: لا تبدو تركيا 2015 التي تستضيف، الأحد، زعماء أكبر 20 دولة اقتصادية حول العالم في قمة «مجموعة العشرين» تشبه البلد الذي استلم حكمه حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان عام 2002، وكان مقيداً بديون بالمليارات للبنك الدولي وسياسات تلك الدول.
فتركيا اليوم تسير بخطى واثقة نحو تطبيق الرؤية الاستراتيجية للحزب الحاكم وزعيمه الروحي أردوغان والتي ستصبح تركيا بموجبها عام 2023 واحدة من أهم عشر دول في العالم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية، لا سيما بعد تمكن الحزب من استعادة الأغلبية البرلمانية بعد الفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
ويرى مراقبون أن تركيا التي تترأس حالياً قمة «مجموعة العشرين» التي تعقد في مدينة انطاليا في الخامس والسادس عشر من الشهر الجاري، وصلت إلى ذلك بفعل توجهات سياسية واقتصادية وضعتها بين العشرين الكبار في العالم، متوقعين أن تعزز أنقرة من موقعها وترتيبها بين هذه الدول خلال السنوات المقبلة.
ديون البنك الدولي
في منتصف عام 2015 أعلن أردوغان الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء تمكن بلاده من تسديد جميع ديونها المستحقة لصندوق النقد الدولي، الذي كان لها معه ماض متوتر، مما يجعلها عضوا في نادي الدول غير المدينة للمؤسسة الدولية، وقال: «تركيا تمكنت – وبعد فترة طويلة- من التسديد الكامل لدينها لصندوق النقد الدولي».
وفي آخر دفعة، سدد البنك المركزي التركي الشريحة الأخيرة من الدين البالغة 412 مليون دولار إلى المؤسسة المالية الدولية، وبذلك أصبحت تركيا لأول مرة بلا ديون لصندوق النقد منذ 52 عاما، بعد أن كانت مدانة لدى الصندوق بأكثر من 16 مليار دولار عام 2002، حيث مرت تركيا مطلع العقد الماضي بأزمة اقتصادية حادة، وخضعت لإصلاحات اقتصادية شديدة مقابل الحصول على المساعدات المالية للصندوق.
وتمكن حزب العدالة والتنمية منذ توليه السلطة عام 2002 من انتهاج سياسات اقتصادية عززت النمو الاقتصادي، وأسهمت في خفض نسبة الدين العام في البلاد، حيث تضاعف إجمالي الناتج المحلي لتركيا تقريبا منذ بدء هذه الإصلاحات. وأصبحت تركيا اليوم ضمن دول العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، والتي تعرف بمجموعة العشرين.
وكان نقل عن علي باباجان نائب رئيس الوزراء التركي آنذاك والذي يطلق عليه «مهندس التجربة الاقتصادية التركية» قوله إن تركيا التزمت بالمساهمة بما يصل إلى خمسة مليارات دولار في عمليات صندوق النقد الدولي، عازياً نجاح بلاده في تسديد ما عليها من ديون إلى أن الحكومة أعطت الأولوية لنمو القطاع الخاص.
الاقتصاد الـ17 عالمياً
أرقام الاقتصاد التركي تتحدث عن نفسها منذ تولي أردوغان للسلطة، حيث باتت البلاد مقصداً للاستثمارات المباشرة، والتي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار منذ العام 2003، وبرزت تركيا خلال العقد الماضي، وبالتحديد منذ تولي أردوغان للسلطة بحجم الصادرات الهائل والمتنامي بصورة كبيرة على مر الأعوام، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى وصول قيمة الصادرات التركية إلى 152 مليار دولار خلال العام الماضي، أي عشرة أضعاف قيمة الصادرات التركية قبل تولي أردوغان السلطة.
وتمكنت تركيا في عهد أردوغان من الوصول إلى المرتبة الـ17 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، حيث أظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار في هذه الفترة أي أنه ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل العام 2003.
وازداد الدخل القومي على مدى 11 عاماً، ففي حين كان يبلغ 232 مليار دولار في عام 2002، ارتفع ليصبح 820 مليار دولار في عام 2013، أي ازدادت حصة الفرد من الدخل القومي لتصل إلى 10 آلاف و782 دولاراً بعد أن كانت لا تتعدى 3 آلاف و500 دولار.
وتم إلغاء الأصفار الستة من الليرة التركية وأعيد إليها اعتبارها، وزاد الاحتياطي من العملة الأجنبية في البنك المركزي ليبلغ 114 مليار دولار اعتباراً من عام 2014، بعد أن كان لا يتجاوز الـ26.7 مليار دولار في عام 2002، وارتفعت احتياطات الذهب في البنك المركزي لتكون بما يعادل 135.5 مليار دولار بعد أن كانت لا تتعدى ما قيمته 27.7 مليار.
العام 2023 يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية تحت المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، وهو التاريخ ذاته الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع وتطوير لمرافق وبنى تحتية جديدة، في مقدمتها مطار جديد سيكلف مليارات الدولارات في اسطنبول، وجسور وقنوات مائية.
مشاريع ضخمة
دُشنت في عهد أردوغان العديد من المشاريع الضخمة التي لافت صدى على مستوى العالم، كان أبرزها مشروع مرمراي الذي وصل طرفي إسطنبول ببعضهما عبر خط مترو، ونفق آخر يربط طرفي المدينة من تحت مياه المضيق، كما أوشكت تركيا على الانتهاء من بناء جسر إسطنبول الثالث ومشروع المطار الثالث الذي سيكون أكبر مطار في العام. وبدأ العمل بمشروع أوراسيا عبر البوسفور الذي يسمح بمرور السيارات بين طرفي إسطنبول الغربية والشرقية.
وارتفع عدد المطارات وعدد المسافرين، ففي حين كان عدد مطارات تركيا 26 ارتفع ليصبح 52 مطاراً، وحيث لم يتعد عدد المسافرين في عام 2002 الـ36 مليون ارتفع ليصل إلى 150 مليوناً في عام 2013، كما ضاعف أردوغان عدد الجامعات في بلاده منذ وصوله للحكم. كما زادت نسبة استخدام الصناعات المحلية في تغطية حاجات القوات التركية المسلحة، إلى 60٪ بعد أن كانت في حدود 25٪ فقط، وفي نفس الفترة أنجزت الكثير من المشاريع في إطار التصنيع الدفاعي المحلي الوطني مثل السفينة الحربية الوطنية (ميلغيم)، ومروحيات آتاك، وطائرات التعليم (العصفور الحر)، وبواريد المشاة المتطورة، والدبابة الوطنية آلتاي، والطائرة بدون طيار آنكا، ونظام صواريخ مضاد دبابات، وحاملة طائرات، ويقول أردوغان أن الجيش التركي سيعتمد على الصناعات المحلية في عام 2023.
أسباب النجاح
ومن أهم أسباب نجاح الاقتصاد التركي خلال الـ13 عاما الأخيرة التي أدار فيها الحزب البلاد، هو الاستقرار السياسي، فوصول الحزب إلى السلطة منفردا أعطاه نوعا من القوة، مما دفعه لتنفيذ مشاريعه التنموية، وازدادت ثقة الشعب التركي بقدراته وأصبح يؤمن بقدرته على الانجاز، إضافة إلى الاصلاحات الديمقراطية التي من شأنها التسريع في عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي وإطلاقها الحريات والاصلاحات في المجال القضائي واحترام حقوق الإنسان.
وفي تقرير «حزب العدالة والتنمية قصة نجاح» للأستاذ في جامعة باهتشاشهير في إسطنبول الدكتور سيف الدين غورسال، يقول فيه إن الحزب عمل على تخفيض التضخم المالي الذي كان بنسبة 30٪ إلى 4٪ وبالتالي أعلى من قيمة الليرة التركية أمام سعر الذهب والعملات الأجنبية الأخرى ولا يمكن إغفال معدل التقدم الاقتصادي الذي وصل معدل المثالية أي 5٪ لكل عام.
ويضيف أن مبالغ الاستثمار التي جذبها لتركيا في عهد حزب العدالة والتنمية وصلت إلى 20 مليار دولار سنويًا بينما كان معدل الاستثمار الأجنبي في تركيا من عام 1950 إلى 2002 فقط 50 مليار. ومن انجازات الحزب أيضا تراجع نسبة التّضخّم من 32 في المئة إلى 7 ـ 9 في المئة خلال عشر سنوات الماضية، وتراجع نسب الفائدة من 65 في المئة إلى ما دون العشرة في المئة خلال الأعوام الماضية. وهذه النسبة اليوم تقارب 8.50 في المئة، وتراجع نسبة الدّيون العامّة بالنسبة للدّخل القومي من 74 في المئة إلى 36 في المئة، وارتفعت قيمة الصّادرات التركية من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار. أي ما يزيد على الأربعة أضعاف.
وبلغ حجم الاستثمارات الأجنبيّة (FDI) خلال 78 عاماً في تركيا، 15 مليار دولار، بينما تجاوز هذا الرّقم خلال 11 سنة الماضية فقط 150 مليار دولار، بإضافة إلى ذلك فإن عدد الشّركات الأجنبية التي تمّ إنشاؤها في تركيا خلال 78 عاما، وصل إلى 5 آلاف شركة، بينما وصل هذا الرّقم خلال 11 سنة الأخيرة إلى 40 ألف شركة أجنبيّة.
إسماعيل جمال