المجد - خاص
يهتم برصد وتوجهات الأجهزة الأمنية والعسكرية من مختلف القضايا عبر تصريحات ومواقف أبرز مسؤوليها الحاليين والسابقين، وكذلك المحللين الأمنيين والعسكريين، كما يرصد أبرز المعلومات عن الاستعدادات والخطط العسكرية والأمنية على مدار شهر.
لقد تصدر المشهد الصهيوني لهذا الشهر ثلاثة عناوين أمنية بارزة يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
· أنفاق غزة باتت تشكل تهديدا استراتيجيا لأمن الكيان الصهيوني على اعتبار أنها عملية على الرف يمكن للمقاومة الفلسطينية استخدامها في أي وقت تحدده قيادتها، وفي ظل عجز الكيان عن إيجاد آلية أو تقنية تساعده في الكشف عن تلك الأنفاق أو تدميرها.
· عجز صهيوني عن فك لغز عمليات المقاومة الأخيرة، وخشية من تصاعدها بما يشكل نواة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية.
· بالرغم من استمرار التدريبات والمناورات التي تقوم بها دولة الكيان لا زال الجمهور الصهيوني يرى أن جبهته الداخلية غير جاهزة لمواجهة أي هجوم.
أولا: أنفاق المقاومة... تحدى جديد للأمن الصهيوني
لقد ظهر في صورة المشهد الأمني الصهيوني لهذا الشهر بوادر تصعيد صهيوني تجاه قطاع غزة، منذ إعلان الجيش الصهيوني اكتشافه لنفق خانيونس الذي يمتد إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة, والذي أعلنت كتائب القسام مسئوليتها عنه، حيث عمد الكيان الصهيوني إلى تضخيم خبر اكتشافه للنفق من خلال استغلاله في حملة دبلوماسية - تمثلت بزيارة السفير الأمريكي للنفق - مصحوبة بتصريحات تحريضية ضـد قطاع غزة وفصائل المقاومة، بالإضافة لحملة إعلامية أعطت موضوع نفق غزة زخماً إعلامياً كبيرا، حيث قام وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون بزيارة النفق مرتين خلال أسبوعين أعلن خلال الزيارة الثانية أنه "جاء للاطلاع عن كثب على الأوضاع الأمنية في محيط القطاع بما في ذلك نفق (العين الثالثة) من أجل التأقلم أكثر مع تهديد الأنفاق".
لكن هذه الحملة وبخلاف أهدافها السياسية والإعلامية، فإن هناك قلقا وتخوفا حقيقيا لدى قادة الكيان الصهيوني من أن تشكل هذه الأنفاق استراتيجية فاعلة لدى حركة حماس في المواجهات المقبلة، خاصة مع عدم وجود أي آلية أو تقنية تساعد الكيان على الكشف عن تلك الأنفاق أو تدميرها، الأمر الذي يشكل تهديدا كبيرا للأمن الصهيوني.
لذلك سعى الجيش الصهيوني منذ اكتشافه للنفق للعمل على تدميره وقطع الطريق على المقاومة الفلسطينية من استغلاله أو الاستفادة منه بتغيير مساره إلى مكان آخر، فكانت العملية الأخيرة التي أدت لإصابة 5 جنود صهاينة نتيجة لكمين محكم – حسب وصف مصادر صهيونية- من قبل المقاومة الفلسطينية أثناء محاولة قوة خاصة من الجيش الصهيوني للدخول لقطاع غزة لتدمير النفق من جانب القطاع، بالإضافة لاستشهاد 4 مقاومين فلسطينيين من كتائب القسام، الأمر الذي دفع كلا من وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الصهيوني الجنرال سامي ترجمان للتصريح: "بأن الهدوء من جانب قطاع غزة سيقابله الهدوء من إسرائيل، وسنرد على أية هجوم يستهدفنا بشكل مؤلم جداً".
إن هذه التصريحات لقادة الكيان تعكس رغبة صهيونية بعدم التصعيد ضد قطاع غزة وإبقاء الأمور ضمن معادلة الفعل ورد الفعل، خاصة أن التقديرات الصهيونية تشير إلى أن حركة حماس هي أيضا غير معنية بتصعيد الأمور وتسعى لاستمرار التهدئة، حيث أشارت صحيفة معاريف إلى أن التقديرات في قيادة المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال تشير إلى أن حركة حماس لن ترد على هذه العملية، بل ستحافظ على التهدئة، لتفادي تصعيد "إسرائيلي" في المرحلة الحالية.
إن الرغبة الصهيونية في استمرار حالة الهدوء وعدم التصعيد ضد قطاع غزة في هذا التوقيت، يمكننا تفسيرها بالأسباب التالية:
· عدم جهوزية الجبهة الداخلية، في ظل حديث وسائل الإعلام الصهيوني بأن حماس زادت من الإنتاج الذاتي للصواريخ وأنها تحولت منذ عملية "عامود السحاب" إلى الإنتاج المحلى للصواريخ متوسطة المدى "M 75"، واعتبرت صحيفة يديعوت أن حركة حماس تستعد لمعركة مقبلة مع الكيان، وستسعى خلالها لضرب منطقة "غوش دان" بعدد كبير من تلك الصواريخ بخلاف ما حدث خلال معركة حجارة السجيل.
· عجز الكيان الصهيوني عن إيجاد آلية أو تقنية لكشف الأنفاق الممتدة من قطاع غزة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يقدرها الجيش الصهيوني بالعشرات، والتي باتت تشكل تهديدا استراتيجيا لأمن الكيان على اعتبار أنها عملية على الرف يمكن للمقاومة الفلسطينية استخدامها في أي وقت تحدده قيادتها، خاصة إذا ما كان هناك عدوان أو تصعيد ضد القطاع.
· الأحداث الأخيرة في مصر بعد عزل الرئيس مرسي وعدم وجود راعي يمكن أن يرعى تهدئة جديدة بين المقاومة والكيان، خاصة أن التهدئة الحالية ما زالت متماسكة ويسعى كل الأطراف للمحافظة عليها.
انشغال الجيش الصهيوني بمراقبة الحدود السورية اللبنانية لمنع قيام نظام الأسد من نقل ترسانته العسكرية المتطورة التي قد تخل بالتوازن، أو نقل أسلحة كيميائية -في ظل قرار الأمم المتحدة بتدمير تلك الأسلحة- لحزب الله، وما يجري على ذلك من احتمالية حدوث مواجهة عسكرية بين الكيان من جهة والنظام السوري أو حزب الله من جهة أخرى إذا ما قام حزب الله أو النظام السوري بالرد على الهجمات الصهيونية التي تحدث من حين لآخر بدعوى ضرب قوافل أسلحة متجهة من النظام السوري إلى حزب الله.
ثانيا: عجز الأمن صهيوني عن فك لغز العمليات الأخيرة في الضفة وخشية من أن نواة لاندلاع انتفاضة ثالثة
يعيش الكيان الصهيوني حالة من القلق في ظل عجز أجهزته الأمنية عن فك لغز العمليات الأخيرة التي تعرض لها الجيش الصهيوني خلال الفترة الماضية, حيث تعرض الجيش الصهيوني في الضفة الغربية لخمس عمليات خلال شهر تقريبا قتل خلالها ثلاثة جنود (قنص جندي في الخليل, اختطاف جندي وقتله في قلقيلية, مقتل عقيد في الأغوار, إصابة فتاة بجروح في مستوطنة بساغوت, اقتحام قاعدة عسكرية بجرافة), حيث شكلت هذه العمليات خلال هذه الفترة المحدودة صدمة لقوات الأمن الصهيونية, ونشرت الرعب والقلق لدي مستوطني وجنود الكيان خوفا من تعرضهم لعمليات قتل أو خطف كما حدث في العمليات السابقة.
وقد اعتبر العديد من المحللين أن تلك العمليات وتصاعدها قد يشكل نواة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، حيث يرى المحلل العسكري الصهيوني رون بن يشاي أن تسلسل العمليات الأخيرة في هذه الفترة يشير إلى أن الظروف في المنطقة مرشحة للاشتعال في أية لحظة, واصفا الوضع القائم بالانتفاضة الصامتة، وهو ما حذر منه رئيس جهاز الشاباك السابق "يوفال ديسكين"، بأن جميع مؤشرات اندلاع هبة الجموع الفلسطينية أصبحت متوفرة، نتيجة زيادة حالة التوتر والإحباط في الشارع الفلسطيني، أما المحلل العسكري ليديعوت أليكس فيشمان فيرى أن الأحداث التي جرت في عام 2013 هي مقدمات هبة شعبية تعادل في مقدارها انتفاضة شعبية إذا قيست بالعام الماضي حيث أن نسبة الاعتقالات التي نفذها الجيش "الإسرائيلي" في صفوف الفلسطينيين زادت بنسبة 25 % عن العام الماضي، مؤكدا أن تصاعد تلك العمليات هو نتاج ضعف ردع قوات الأمن الفلسطينية و"الإسرائيلية" في الضفة.
ومن جهة أخرى اعتبرت مصادر في الجيش الصهيوني أن التصعيد الحاصل في حوادث العنف محدود النطاق, مستبعدة أن تشكل هذه الحوادث انطلاق انتفاضة ثالثة حيث وصف وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون هذه الأعمال بأنها لا تطاق، معتبراً أن هذه الموجة من العمليات العدائية ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة لا تشكل محركاً لانطلاق انتفاضة ثالثة، مؤكدا أن الجيش يراقب ذلك بقلق وهو مستعد لمواجهة تصعيدها.
ثالثاً: تدريبات واستعدادات الكيان لمواجهة سيناريوهات المخاطر المحتملة على كافة الجبهات
لازال الكيان الصهيوني يعيش حالة التأهب والاستعداد جراء الأحداث الساخنة والتطورات المتلاحقة التي تدور حوله، إذ أن شعور الكيان بالخطر بات يزداد يوما بعد يوم، فضلا عن أن مصادر الخطر أصبحت موزعة على أكثر من جبهة وأكثر من تشكيل، وفيما يلي أبرز مظاهر استعدادات الكيان لسيناريوهات المخاطر المحتملة والتي تمت خلال الشهر المنصرم:
أولا: التدريبات الخاصة بالجبهة الداخلية:
قامت الجبهة الداخلية الصهيونية بالتعاون مع قوات الجيش الصهيوني بإجراء عدة تدريبات لاختبار مدى جهوزية واستعداد الكيان الصهيوني لمواجهة التهديدات على مختلف الجبهات، أهمها:
· تدريب بمطار (روش بيناه)، الواقعة في شمال الدولة العبرية، يحاكي عملية سيطرة على المطار وإطلاق نيران وخطف مسافرين.
· تدريبات في مستوطنات هضبة الجولان، لتدريب فرق الطوارئ وفقا لسيناريوهات مختلفة حول إمكانية تطور الأحداث في سوريا ومن ضمنها تسلل مجموعات مقاتلة أو أفراد إلى المستوطنات الصهيونية في الجولان المحتلة.
· مناورة لاختبار صفارات الإنذار في محيط مدينة القدس، واختبار منظومة رسائل التحذير الشخصية عبر الهاتف النقال.
وقد ادعى الناطق باسم الجيش الصهيوني أن تلك التدريبات تجري وفق مخطط معد سابقاً كجزء من التدريبات السنوية لقيادة الجبهة الداخلية وتندرج تحت إطار اختبار الجاهزية والاستعداد.
بالرغم من هذه التدريبات المتواصلة على طوال العام فان الجمهور الصهيوني يرى أن الجبهة الداخلية الصهيونية لا تزال غير جاهزة لأي هجوم، حيث كشف تحقيق أجرته صحيفة معاريف عن نقص في الملاجئ المحصنة تحت الأرض بالإضافة الى وجود فجوات خطيرة في الملاجئ الموجودة وعدم مطابقتها لمعايير السلامة، الأمر الذي يجعل نحو ثلث "الإسرائيليين" بدون أماكن محمية تحت الأرض أو ملجأ عمومي يمكن أن يلجئوا إليه في حالة الهجوم الصاروخي، وعليه فقد عبر –حسب الصحيفة- نحو 56 % من "الإسرائيليين" عن اعتقادهم بأن الجبهة الداخلية غير جاهزة لأي هجوم.
ثانياً: التدريبات الخاصة بالجيش الصهيوني:
في إطار استعدادات الجيش الصهيوني لاختبار استعداداته لمواجهة التهديدات على مختلف الجبهات قام بعدة تدريبات أهمها:
· أجرت الكتيبة الجنوبية في الجيش الصهيوني والمسئولة عن قطاع غزة مسابقة بعنوان "اعرف عدوك" موجهة لمعرفة مدى الاستعداد للقتال في القطاع، كجزء من العبر المستخلصة بعد عملية "عامود السحاب"، وقد اشترك في المسابقة ممثلون عن جميع الوحدات التي قاتلت أو ستقاتل مستقبلاً في قطاع غزة، من بينها: (جفعاتي، جولاني, المظليين "415 و401 و188"، واللواء الشمالي والجنوبي), حيث اعتبر قائد لواء غزة في الجيش الصهيوني "ميكي ادلشتاين"، أن الهدف من وراء هذه المسابقة معرفة مدى استخلاص العبر من تجارب الماضي، والاستعداد لأحداث مستقبلية.
· كشفت وسائل إعلام صهيونية عن قيام سلاح الجو الصهيوني بإجراء تدريبات معقدة –حسب وصفها- بمشاركة جميع طائرات F16 وF15 التي يمتلكها الكيان، حيث حاكى التدريب سيناريوهات القيام برحالات لمسافات طويلة المدى، والتزود بالوقود جواً.
· كشفت وزارة الدفاع الصهيونية عن قيام الجيش الصهيوني بإجراء تجربة إطلاق صواريخ بالتعاون وبالتنسيق مع الجيش الأمريكي من طراز (أنكور)، الذي يُحاكي صاروخا باليستيا، والشبيه بصواريخ شهاب الإيرانية الطويلة المدى، ويستخدم لتجربة مدى فاعلية وكفاءة منظومة حيتس لاعتراض مثل تلك الصواريخ.
تأتي هذه التدريبات في ظل تصاعد التهديدات الصهيونية بالتوجه إلى الخيار العسكري ضد إيران بشكل منفرد بعد مؤشرات التقارب الأمريكي الإيراني، حيث اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن سماح الرقابة العسكرية الصهيونية بالكشف عن هذه التدريبات وحجمها في هذا التوقيت بمثابة رسالة إلى إيران والغرب في ظل التوجه الغربي نحو فتح علاقات دبلوماسية مع إيران، بأن "إسرائيل" لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تقدم إيران نحو الحصول على قنبلة نووية.
ومن جهة أخرى اعتبر المحلل العسكري لهآرتس عاموس هرئيل أن تلك التدريبات تأتي في إطار التجربة ضمن الإطار التقليدي والتدريبات السنوية، لمحافظة الجيش على تفوقه العسكري، وهذا ما أكد عليه وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون في رده على سؤال أحد الصحافيين بخصوص توقيت هذه التدريبات، قائلا "إن إسرائيل عليها العمل للمحافظة على تفوقها العسكري، وأنها ستواصل التطوير والبحث وتجهيز الجيش بأفضل الأنظمة في العالم". |