المجد
هل تعرف أن الجيش الصهيوني يصنَّف كأقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط؟ تاريخ الجيش الصهيوني يرجع لـ 67 عامًا فقط عندما أعلن رئيس الوزراء ـ ووزير الدفاع الصهيوني ديفيد بن غوريون في مايو 1948 عن تأسيس الجيش الصهيوني. كان هذا بعد 12 يومًا فقط من إعلان تأسيس “دولة الكيان”. لكنَّ الإعلان لم يكن فقط بتأسيس هذا الجيش، بل بإحلال عدة ميليشيات ودمجها معًا لتشكيل هذا الجيش. هل الجيش الصهيوني أقوى من جيوش العرب
ربما ما لا تعرفه أن الجيش الصهيوني مصنف عالميًا كأحد أكثر الجيوش المجهزة للحرب، منذ عام 2006 فقط خاض الجيش الصهيوني عدَّة حُروب كبرى، يصنَّف أيضًا كأحد أقوى الجيوش بالمنطقة والتي لديها خبرة كبيرة في تأمين المناطق الحدودية. ميزانية الجيش الحالية 15 مليار دولار، ويخدم فيه 176500 جندي، يمتلك عددًا كبيرًا من المدرعات (3870)، وعدد 680 طائرة، ناهيك عن 80 رأسًا نوويًا حربيًا جاهزًا للإطلاق!
من نافلة القول أن نذكر أنَّ الجيش الصهيوني يرتبط ارتباطًا قويًا جدًا بالجيش الأمريكي، وإلا كيف لبضعة ميليشيات أن تُكوِّنَ جيشًا هو الأقوى شرق أوسطيًا، ويعتبر سلاحه الجوي أحد أفضل الأسلحة الجوية في العالم؟!
الجيش الصهيوني
يُسمَّى الجيش الصهيوني بالعبري “تسفا هغناه ليسرائيل” يترجم عربيًا إلى "جيش الدفاع الإسرائيلي". “هغناه” تعني “الدفاع” وهو اسم الميليشيا التي يدور حولها هذا التقرير كونها كانت عصب الجيش الصهيوني الأساسي ـ إلى جانب بعض منظمات صغيرة أخرى، فما هي هذه الميليشيا، وكيف شكلت هذا الجيش القويّ؟!
الهاغاناه ميليشيا كوَّنت جيشًا”الدفاع عن أرواح وممتلكات المستوطنات اليهودية في فلسطين“.
كان هذا هو الهدف المعلن للميليشيا عند تأسيسها عام 1921، الدفاع عن أرواح وممتلكات المستوطنات اليهودية في فلسطين بعيدًا عن قوات الانتداب البريطاني. امتلكت الهاغاناه جيشًا من عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود الذين جاءوا من جميع أطراف العالم. امتلكت الهاغاناه سلاح طيران وبحرية وجهازًا للاستخبارات، ليس هذا فقط بل امتلكت ثلاثة آلاف عضو في قوات الصاعقة الخاصة بها، وإذاعة عبر الأثير.
بدأت المنظمة بتدريب أفرادها من الفتيان والفتيات ما بين 15 و18 عامًا على عمليات الحراسة والدفاع عن المستوطنات. لكنَّ هذا “الدفاع” كان قد بدأ يأخذ دورهُ في التحول إلى “الهجوم” فالمجازر التي ارتكبتها ميليشيات الهاغاناه عديدة،. بدأت الميليشيا بإنشاء نقاط عسكرية داخل الأراضي الفلسطينية وكانت هذه هي البداية.
استطاعت الهاغاناه إنشاء 50 مستوطنة يهودية في أماكن مختلفة من فلسطين، كانت فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطاني، الإمبراطورية البريطانية كانت تحتاج إلى الصهاينة. تجلى هذا في الحرب العالمية الأولى حين اشترك الفيلق اليهودي مع قوات بريطانيا في حرب البلقان. سيمتدّ هذا التعاون مع منظمة الهاغاناه بالطبع، وإلا فكيف ستقوم “دولة الكيان” على انتصارات بنادق ميليشيا الهاغاناه؟
منذ عام 1921 وحتى 1929، ظلت الهاغاناه تقوم بعملياتها العسكرية على قرى الفلسطينيين، هذه الهجمات ستتطور لاحقًا، بالتعاون بين قوات الانتداب والهاغاناه. ازدادت أعداد المهاجرين اليهود في فلسطين، في أغسطس 1929 كانت أحداث ثورة البراق الفلسطينية، بدأت الأحداث بين الفلسطينيين والمهاجرين المستوطنين اليهود، بالمجمل قتل 116 فلسطينيًا و113 مستوطنًا، وجرح 232 فلسطينيًا و339 مستوطنًا. احتجزت قوات الانتداب 900 فلسطيني وأصدرت أحكامًا بالإعدام على 27 خفف الحكم على 24 منهم وأعدم الثلاثة الباقون. كانت أحداث ثورة البراق أول الاحتكاكات المباشرة بين الفلسطينيين وميليشيا الهاغاناه، فقد قامت الهاغاناه بدور فعال في قمع الثورة، ومع بداية 1930 وضعت الميليشيا تحت قيادة الوكالة اليهودية التي يتزعمها ديفيد بن غوريون، والذي سيصبح أول وزير دفاع ورئيس وزراء “الكيان” على أراضٍ فلسطينية.
“وصل عدد المستوطنين اليهود في فلسطين بعد ثورة البراق 174 ألفًا. ووصل هذا العدد إلى 384 ألفًا عام 1936. كان هذا هو السبب في إطلاق الشعب الفلسطيني ثورته في أبريل 1936 للمطالبة بوقف الهجرة اليهودية”.
الثورة تنتهي على يد قوات الهاغاناه
بدأ الفلسطينيون ثورتهم الجديدة ضد الانتداب البريطاني، احتجاجًا على ازدياد أعداد المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين، كانت الثورة مسلحة هذه المرة، استمرت لثلاث سنوات، واجهتها القوات البريطانية مضافًا إليها قوات الهاغاناه، فقد كلفت قوات الانتداب الضابط البريطاني أورد وينغيت بتشكيل سرايا ليلية من المستوطنين للقضاء على الثورة الفلسطينية، كانت الهاغاناه قد شكَّلت قوة شُرَطِيَّة باسم “نوطريم” قوامها 22 ألف مسلح بالبنادق والرشاشات، بالطبع كان هذا بإيعاز من قوات الانتداب البريطاني.
العميد وينغيت مع بعض أعضاء تنظيمه
في ثورة البراق السابقة جندت قوات الانتداب البريطاني رجال الهاغاناه في صفوف الشرطة، كان هذا الاعتراف “الرسمي الضمني” بميليشيا الهاغاناه.
لم تدم العلاقات قوية لفترة طويلة بين قوات الانتداب وميليشيا الهاغاناه، فقد استمرت الثورة الفلسطينية ثلاث سنوات، بعد اتساع المدّ الثوري الفلسطيني عام 1939 حاولت بريطانيا ـ في محاولة منها للتفرغ للحرب العالمية الثانية واكتساب تأييد العرب في الدول الأخرى بسبب الحرب ـ أن تستجيب لبعض مطالب الفلسطينيين. فقامت بإصدار الكتاب الأبيض الذي يحدّ من الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، هنا كشَّرت الهاغاناه وباقي الميليشيات الصهيونية عن أنيابها. الجدير بالذكر أن بريطانيا كانت قد حلَّت الفيلق اليهودي الذي حارب إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى، فانضم بدوره إلى ميليشيا الهاغاناه.
ديفيد بن غوريون يوقع على إعلان دولة الكيان عام 1948
الحرب العالمية الثانية وإثبات الهاغاناه لقوتها!
مع إصدار قوات الانتداب للكتاب الأبيض بدأت قوات الهاغاناه وبقية الميليشيات الصهيونية حربًا ضد قوات الانتداب هي الأخرى، خطف وتفجير وقتل، لكن مع دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية انحازت لها الهاغاناه معلنةً الحرب على ألمانيا. قوات الهاغاناه سافرت إلى بعض بلدان أوروبا لمساعدة بعض حركات التحرر اليهودية لمساعدتها في الهجرة لفلسطين، حسب بعض التقديرات وصلت قوات الهاغاناه إلى 40,000 مقاتل صهيوني. ساعدت قوات الانتداب في تلك الفترة على إنشاء قوات الصاعقة للهاغاناه، والتي سميت “بالماخ” أنشات عام 1941 لتكون القوة “الضاربة” لميليشيا الهاغاناه، كانت في بدايتها ثلاث كتائب ثم وصلت لثلاثة آلاف مقاتل! وفي تلك الفترة كثفت الهاغاناه من دورها في تشكيل قوات من الشبيبة – بين 15 و18عامًا- للحراسة والتدريب.
إنشاء جهاز الاستخبارات
في تلك الفترة أنشأت الهاغاناه جهازها الاستخباراتي المسمى “هشاي” وكان تقسيمه كالتالي:
القسم العربي: لتجميع المعلومات حول نوايا الفلسطينيين ومخططاتهم مع الدول العربية المجاورة.
القسم السياسي: وتلخصت مهمته بجمع المعلومات عن الجيش البريطاني.
القسم اليهودي: لجمع المعلومات عن الشيوعيين اليهود والتنظيمات الصهيونية الأخرى غير الهاغاناه.
امتلكت الهاغاناه 12 طائرة في وحدة السلاح الجوي وكانت تمتلك وحدة قوات بحرية، واللتان أصبحتا سلاح الجو والبحرية الصهيونية. بعد إصدار قرار تقسيم فلسطين من قبل الأمم المتحدة قاد ديفيد بن غوريون – زعيم الهاغاناه ورئيس الوزراء ووزير الدفاع الصهيوني الأول- المستوطنين الصهاينة لإعلان “دولة الكيان”.
شنت حينها الهاغاناه هجمات على ثلاث مناطق رئيسة في القدس وطبريا وحيفا ويافا، واستطاعت أن تفرض سيطرتها على الأراضي “التابعة للدولة اليهودية” حسب قرار التقسيم، وبهذا أصبحت هي المسيطرة، وبعدها باثني عشر يومًا أعلن تكوين الجيش الصهيوني الذي كان أساسه ميليشيا الهاغاناه التي كانت حينها تمتلك 35 ألف مقاتل تشكلوا في اثني عشر لواءً.
هذه كانت قصَّة تأسيس الجيش الصهيوني، فقط من ميليشيا استطاعت هذه الميليشيا الانتصار في حرب 1948 وحرب 1967 بعد ذلك، إضافةً إلى بعض الحروب الأخرى الأصغر، فهل يعلم العرب حقًّا تاريخ تأسيس جيش عدوهم الأول؟
وهل يعلم العرب أن نظرية الجندي الذي لا يهزم سقطت بعد أن أصبح صبيان واشبال فلسطين يتلاعبون به؟ |