أفيخاي أدرعي.. والمدينة المنورة
"وبهذه المناسبة المباركة، لا يسعني إلا أن أتوجه بأطيب التبريكات لعموم المسلمين وإلى مواطني دولة إسرائيل (...) صوما مقبولا وإفطاراً شهياً.. وكل عام وأنتم وعائلاتكم بكل خير"، أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش صهيون المجرم، بمناسبة حلول شهر رمضان، ثم بدأت المجزرة بحق مسلمي غزة!
أفيخاي أدرعي، اسم بات يعرفه الكثيرون في عالمنا العربي، فهو المتحدث الصهيوني لجيش العدو إلى العرب لإجادته لغتنا، والذي يطفح من قنوات عربية ليعبر عن "وجهة نظر" الكيان الغاصب في الأحداث التي تمر بها فلسطين عموماً، لكن لعل معظمهم لا يعرفون أن أدرعي لا يتقن العربية كنوع من ضرورات التأهل لمنصب كهذا، وإنما هو "عربي" بالأساس، تنحدر جذوره من قلب الجزيرة العربية!
رائد الجيش الصهيوني أفيخاي، هو "سليل" بيت غدر وخسة معروف، فجدوده قد نقضوا كل عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأجلاهم حتى نزلوا "أذرعات" الشام، وهي الآن منطقة درعا بمحافظة حوران السورية، وفيها استقر يهود بني النضير الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ( ؛ فأدرعي أو أذرعي هي نسبة إلى إذرعي التي وردت في التوراة، حيث جاء بها أن " اليهود هزموا عوج، ملك مقاطعة باشان الجبار، وقتلوه في إذرعي "، سفر التثنية 3: 10.. والتي سماها العرب من بعد أذرعات ثم درعا، وقد كانت ملجأ أجداد أفيخاي الذين أجلاهم النبي صل الله عليه وسلم، واختاروها في كل إجلاء وانطلقوا منها مجدداً في بلاد الشام!
وكغيره، من يهود سوريا، الذين تقاطروا على الكيان الصهيوني بعد مؤتمر مدريد، والذين يمثلون جزءًا من مكون يهودي عربي، يؤمنون بفكرة "إسرائيل الكبرى"، أو "مملكة داود"، التي وضعت لها خرائط تضم كل بقعة مر بها اليهود في المنطقة، ومنها بالتأكيد ضواحي المدينة المنورة، حيث يهود بني عريض، بني قنيقاع، بني النضير، بني قريظة.. فأدرعي، وغيره، تواقون للعودة إلى مناطق أجلاهم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل نار حقدهم الدفين يؤجج رغبتهم في العودة إليها، حتى لو لم يكن ثمة منطق "استراتيجي" أو "براجماتي" في ضم هذه المناطق إلى حيز حلم "إسرائيل الكبرى"، وحتى لو بدا أنها أقحمت إقحاماً في خريطة "إسرائيل الكبرى"؛ فلن ينسى اليهود للنبي صل الله عليه وسلم أنه قزم دورهم وطردهم من جزيرة العرب؛ فلم يكن ما قاله موشي ديان وزير الحرب الصهيوني عند احتلال قواته للقدس في نكسة 1967 " لقد انتقمنا ليهود خيبر ونحن في الطريق إليها" بدعاً في تفكير بني قومه؛ فهناك "فهناك مدارس دينية في إسرائيل تتحدث عن خيبر كأملاك يهودية في السعودية، ويقوم ساسة إسرائيل بالاستناد الى ذلك في المفاوضات مع الفلسطينيين للمقايضة من أجل الحصول على أموال التعويض"، مثلما يؤكد الشيخ عبدالله نمر أحد قادة الحركة الإسلامية في فلسطين48.
أدرعي، ساعة كان يهنئ برمضان، كانت فضائية عربية (صهيونية الهوى) تعرض بالتزامن آثاراً يهودية في المدينة وقبل أيام من عدوان الجيش الصهيوني بعملية "الجرف الصامد" على غزة، تذكيراً بأن لهؤلاء "حقوقاً" في المدينة المنورة! .. فأفيخاي يتحدث بلغتنا، بل يعلمنا ديننا، ويحدد لنا ما يندب إليه إسلامنا وما يرفضه؛ فقد قال برسالته إن "دين الإسلام برئ من خطف المستوطنين"، وقناتهم الماسونية الناطقة بالعربية تمهد إلى "تعريب المطامع الجديدة"، وتعيد التذكير بحقيقة تاريخية تسلخها عن مضامين وأحكام التاريخ، بأن حصون يهود المدينة هي بالفعل تسبق الهجرة النبوية إليها! فحيث هي تفعل؛ فإنها تتماهى مع جهود مراكز بحثية صهيونية بارزة، كشلواح وديان وجافي، في إحياء قضية أراضي اليهود بالمدينة المنورة، إذ أعدت بدورها خرائط لبساتين اليهود في خيبر بالسعودية، وتركز على القبائل اليهودية التي جاءت إلى المدينة وإلى مناطق أخرى بالجزيرة العربية هرباً من ظلم الامبراطور أدريان قبل البعثة النبوية بقرون، وتعلموا العربية. حيث لم يكونوا من أهلها.
قناته الماسونية التي تتحدث بنفس لغته، لم تبث ما بثته خبط عشواء؛ فلقد كانت مجرد تمهيد لما سوف تقوم به كل أفاعي الصهاينة ممن يتسمون بأسماء إسلامية، ويعملون بقوة لتطبيع الحالة الصهيونية الشاذة في المنطقة، وتعبيد الطريق لإعلان "صداقات عربية جديدة لإسرائيل"؛ فلسان أفيخاي العربي ليس إلا واحداً من ألسنة حداد أصاخت أسماع المسلمين فجأة، بعضها خارج من بلدان إسلامية عزيزة أرضها على كل مسلم، تعلن بكل وقاحة:
"اللهم انصر إسرائيل على حماس.."... "في رمضان تربط الشياطين، وتقصف شياطين الإنس.. اللهم زد وبارك"..."ترى أزعجتونا.. فلسطين.. فلسطين.. يا رب إسرائيل تمحيهم ونرتاح من نباحهم"... "غزة لا تقصف.. عملية تنظيف لا أكثر ولا أقل، عل وعسى يتم تنظيفها من شرذمة حماس"..."اللهم طهر غزة من زنادقة حماس"
هذه أصوات كانت الأوضح؛ فيما بدا أن قنوات فضائية قد تجندت ليس فقط لتمني الهزيمة لحماس، وإنما للتمهيد بالتبعية لتحقيق الكيان الصهيوني لكافة أهدافه التالية، والتي لا يخفى أنها لا تتوقف إلا عند احتلال المدينة المنورة، كما يحلم أحفاد بني النضير، أدرعي ورفاقه..
الحرب الناشبة الآن في كل فلسطين، بسبب عدوان الكيان الصهيوني على غزة، واختراقه اتفاق الهدنة قبل عامين، بنحو مائة وعشرين خرقاً، كشفت عن أن لدرعي أصدقاء حميمين، يمهدون معه لـ"إسرائيل الكبرى"، ليس فقط من خالعي ربقة هويتهم في بلدان المشرق العربي، بل أيضاً في دول حارب أبناؤها عدة مرات الكيان الصهيوني، تحت مسمى "العدو"، فتقافز إعلاميو بعض دول الطوق يقولون: "غزة مافيهاش راجل ولو كان فيها راجل كانوا اتشطروا على حماس وعملوا عليهم ثورة.. مش عايزين حاجة تجيلنا من عندهم..اللي يموت يموت هناك..لا هنعالج ولا عايزين حد يدخل عندنا..اضرب حماس"..." نحن كمصريين نطلب من الجيش ضرب بؤرة الفساد في غزة وحماس"..."كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر من أمثالك للقضاء على حماس أس الفساد والخيانة والعمالة الإخوانية "!!
أفيخاي أدرعي، العربي بالمناسبة، لا يعمل وحده، فكثيرون فضحتهم هذه الحرب، وأثبتت بجلاء أنهم سيظلون في خندق الصهاينة حتى يحققون أسطورتهم المزعومة باحتلال المدينة المنورة، وإعادة حصون بني النضير وبني قريظة.. لكن الله عز وجل، الذي أخرجهم من صياصيهم بالمدينة لن يعيدهم مرة أخرى إليها، ولو كره أدرعي وجنوده النخبويون "العرب" الصهاينة..
الناطق الذي يتقن العربية، تمكن من جمع أكثر من نصف مليون متابع عربي لصفحته على الفيس بوك، وأكثر من مائة ألف على تويتر، بينهم مسلمون عرب بطبيعة الحال ( *) ، وهو بتركيزه هذا يساهم في مشروع طموح لـ"تعريب" الحالة الصهيونية لدى المواطن العربي، وإشعاره بأن "إسرائيل" ليست كياناً شاذاً جمع شتات اليهود من حول العالم (منهم هذا الـ موشيه ديان الذي ولد لأبوين أوكرانيين لكنه يتحدث عن عودته إلى خيبر!)، فأفيخاي ورفاقه يقومون بدور في إحداث نوع من التجانس مع العرب للإشعار بأنهم جزء "أصيل" من العالم العربي، وينفيان عن "إسرائيل" الانطباع الغربي لدى العرب، وقنوات المارينز تؤدي دورها في هذا الصدد، وتقوم المراكز البحثية بدورها في نبش التراث للتمهيد إما للتعويض أو المطالبة بحقوق في قلب العالم الإسلامي، فيما يُسمى بإسرائيل الكبرى، الممتدة جنوباً حتى قلب مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم، ثم تأتي الأحزاب والحركات الدينية كالمفدال وشاس للتحدث صراحة عن "الحقوق اليهودية في خيبر"، إلى أن ينتهي الحال في لحظة ضعف ينتظرونها إلى محاولة المطالبة رسمياً أو الزحف عسكرياً للاستيلاء على تلك المناطق، والتي لا تعد أحلاماً توسعية عادية، وإنما مطامع ترتكن إلى أسس "دينية" يهودية، يقول د. محمد جلاء إدريس أستاذ الاسرائيليات بجامعة طنطا: "هناك معتقد مبني على نص توراتي في سفر التكوين حيث لا يكتفى الرب الإله بمنح أرض الميعاد أرض فلسطين لبنى إسرائيل. بل إن الرب يصرح علانية بأنه قد أعطى لشعبه إسرائيل كل أرض وطأتها أقدامهم".. وكل أرض وطأتها أقدامهم تشمل بالطبع المدينة المنورة! ولا تشمل نيويورك وموسكو وباريس، حيث العداء الصهيوني الاعتيادي لكل ما هو إسلامي، لاسيما نبي هذا الدين..
لا مبالغة؛ فـ " قرار مجلس النواب الصهيوني الأمريكي الذي صدر عام 2008 باعتبار اليهود الذين تركوا بلادهم العربية إلى إسرائيل لاجئين لابد من إدراجهم في أية تسوية خاصة بالشرق الأوسط. هو ما تم التمهيد له عام 1977 إبان عهد الرئيس الأمريكي كارتر. في محاولة صريحة لتعضيد مطالب اليهود باسترداد ما يرونه أملاكهم في الدول العربية إلى حد المطالبة بمناطق بأكملها مثل خيبر وفدك فى المملكة العربية السعودية وربما خطة لإعادة هؤلاء اليهود إلى البلدان العربية كطابور خامس ليساهموا في تحقيق حلمهم الأبدي من النيل للفرات"، [سهير عبد الحميد ـ الخروج الثاني لليهود.. تزوير التاريخ" ـ الأهرام ـ 18/1/2013]، وهذا الحلم، وإن بدا أنه بعيد المنال مع ضربات المقاومة الموجعة في غزة، إلا أنه لم يزل يدور في أذهان الصهاينة حتى إنهم يتحدثون عنه "في الخفاء"، مثلما يقرر د.محمود الزهار وزير خارجية حكومة غزة السابق، لاسيما فيما يتعلق بموضوع بساتين اليهود في خيبر!
يتحدث أدرعي بلغة ناعمة، ويتفاعل مع خطابه الآلاف ـ ولو بالسباب ـ من الشباب العرب، ولا يدري كثيرون منهم أنه يتطلع هو وعصابته الصهيونية إلى ما تحت أقدامهم، بل إلى ما فوق رؤوسهم، وهو مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم، ومدينته المنورة المباركة.. يعاونه نخبة متصهينة تحرض الصهاينة على قتل المسلمين في غزة، وفضائيات عار تمهد الطريق لما تعتبره "إسرائيل" ذروة طموحاتها، وهي كسر دولة الإسلام وإنهاء "عقدة خيبر" رمز خيانتهم وغدرهم!